كيف يتقدس اسم الله
أولًا: نقدس إسم الله في صلواتنا.
لأننا في وقت الصلاة، نذكر إسم الله بكل خشوع وإكرام، ونتذكر ما في الله من قدسية وعظمة وحب، وتقف أمامنا كل الصفات اللائقة بالله. لذلك نحن دائمًا نبدأ صلواتنا باسم الآب والإبن والروح القدس. باسم الله القوي. وأيضًا جميع أسرار الكنيسة نبدأها باسم الله. وباسم الله تحل كل بركة.
وكما نقدس إسم الله في صلواتنا وننحني ونحن نذكره، كذلك نقدس إسم الله في حياتنا وأفعالنا.
هذا الإسم الذي دعي علينا، لما آمنا به، والذي قد يجدف عليه بسببنا إذا أخطأنا ولم نسلك كما يليق.. لذلك إذا أردنا أن نبعد التجديف عن إسم الله، ينبغي أن نسلك في كمال وبر، كثيرون كانوا ينضمون إلي الإيمان، حينما يرون الأعمال الصالحة التي للمؤمنين. وكثيرون كانوا يتقدمون إلي الإستشهاد، حينما يرون إيمان وبسالة الشهداء لاشك أن أعمال القداسة تمجد إسم الله، وتظهر طريقه المنير بل هي برهان عملي علي قوة الله التي يهبها لأولاده، فيمكنهم بها أن يسلكوا حسنًا.. وأن يبرهنوا عمليًا علي أن وصايا الله ليست مثاليات خيالية.. إنما هي قوة الروح تعمل في الكلمة.. وحينما يراك الناس ناحجًا في حياتك وفي خدمتك، إنما يمجدون الله الذي جعل أولاده هكذا ناجحين، ويباركون إسم الله الذي يرعي أولاده ويحوطهم بعنايته.. وعكس ذلك إن كنت فاشلًا وفي نفس الوقت تنتسب إلي الكنيسة، فهل تذكر هذا وأنت تقول لرب "ليتقدس إسمك". وكأنك تقول هذا الإسم الذي دعي علي، فليكن مقدسًا أمام الجميع، في حياتي وحياة إخوتي جمعًا.. وكأنها صلاة ترفعها إلي الله أن يهبك القوة التي بها تمجد إسمه علي الأرض..
· نقدس إسم الله بسلوكنا الحسن، كما قال الرب: "لكي يروا أعمالكم الحسنة، ويمجدوا أباكم الذي في السموات" (مت 5: 16).
يري الناس فيكم صورة الله ومثاله، فيحبون الله بسببكم ويقدسون إسمه. وبالعكس إن كان سلوكنا رديئًا، ما أسهل أن يقول الناس "هؤلاء هم الذين يحملون إسم المسيح..! ما تأثير المسيح وتعاليمه المثالية في حياتهم؟! كما قال القديس بولس الرسول لأهل رومية "لأن إسم الله يجدف عليه بسببكم بين الأمم" (رو 2: 24). حينما يراك الناس ناجحًا في حياتك وفي خدمتك، يمجدون الله الذي جعل أولاده هكذا ناجحين وقديسين.. فهل حياة كل منا تمجد الله، وتجذب الناس إلي إسم المسيح..؟ يا ليت كل منا يراجع نفسه وكل ما يعمله، حينما يذكر في صلاته عبارة "ليتقدس إسمك".. سواء من النواحي السلبية أو الإيجابية.
· نمجد إسم الله أيضًا بأن ننسب إليه كل خير.
نعمل كل شيء لأجله، من أجل مجد إسمه، وكل خير يعمله الله عن طريقنا، ننسبه إلي الله وليس لأنفسنا. ونقول مع المرتل "ليس لنا يا رب ليس لنا، لكن لإسمك القدوس أعط مجدًا" (مز 115: 1). ونختفي نحن لكي يظهر إسم الرب في كل خدمة نقوم بها. ونجعل قدوتنا في ذلك قول القديس يوحنا المعمدان:
" ينبغي أن ذاك يزيد، وأني أنا أنقض" (يو 3: 30).
ومثال ذلك أيضًا القديس بطرس الرسول، الذي التف الناس حوله، وحول القديس يوحنا، بعد شفاء الرجل الأعرج المستعطي عند باب الهيكل.. حينئذ قال القديس بطرس للناس: ما بلكم تتعجبون من هذا؟ ولماذا تشخصون إلينا، كأننا بقوتنا أو تقوانا قد جعلنا هذا يمشي (يو 3: 12). وبدأ يوجه أنظارهم إلي الرب قائلًا "وبالإيمان باسمه، شدد إسمه هذا الذي تنظرونه". وهكذا بدلًا من إعجابهم بالرسول وبالمعجزة، تحول الأمر إلي قيادتهم للإيمان..وبهذا تمجد إسم الله عن طريق إنكار الرسل لذاتهم، وتركيزهم علي إسم الرب. إذن في كل ما تعمله، وجه أنظار الناس إلي الله.. إذا أعطيت أحد شيئًا، اشعره أن العطية هي من الله وليس منك وهكذا يشكر الله علي عطائه.. وإن قمت بخدمة ناجحة، قل: نشكر الله الذي تدخل في هذا الموضوع وأنجحه. نشكره لأنه – تبارك إسمه – أعطانا نعمة في أعين فلان وفلان. وبارك العمل.. وفي إنقاذك لأي إنسان، إشعره أن الله هو الذي أنقذه. وإذا زرت مريضًا، فلا تركز علي الطبيب وعلي الدواء، وإنما علي الله الذي يشفي، الذي هو الطبيب الحقيقي لأنفسنا وأجسادنا وأرواحنا..
· إشعر الناس باستمرار أن الله هو مصدر كل نعمة ومعونة.
وكل بركة ننالها، هي من الله. والأب الكاهن حينما يبارك إنسانًا، إنما يقول له "الله يباركك".. وفي البركة الختامية لكل إجتماع، يصلي ويقول: "ليتراءف الله علينا ويباركنا".. كذلك الله مصدر كل عطية.. إنسان ينجب إبنًا فيقول "الله أعطاني إبنًا".. وإنسان يغتني في حياته فيقول "خير الله علي كثير".. واَخر ينجو من ضيقة، فيقول "كنت في ضيقة والله أنقذني"..
· وهكذا فليكن إسم الرب علي لسانك باستمرار، وحتى فيما بينك وبين نفسك.
لا تركز علي ذاتك، وماذا فعلت، إنما علي الله وكم فعل الرب بك. لا تقل أنا، وأنما نعمة الله العاملة فيك، وقوة الله العاملة معك. واذكر قول الرب "بدوني لا تقدرون أن تعملوا شيئًا" (يو 15: 5) وردد باستمرار قول المزمور: "إن لم يبن الرب البيت، فباطلًا تعب البناؤون. وإن لم يحرس الرب المدينة، فباطلًا سهر الحارس". وهكذا يتقدس إسم الله في قلبك وفي إيمانك، وفي حديثك مع الناس. الهج باسمه النهار والليل، في خلوتك وأمام الناس. في صلواتك وفي مساعدتك للناس، وفي حياتك العملية والإجتماعية. أولًا يدخل إسم الله في قلبك، وحينئذ يظهر علي لسانك وفي كل معاملاتك وتصرفاتك.
· وأنت تقدس الله أيضًا بالكرازة وخدمة الكلمة.
لأنك بالكرازة إنما تقدس إسم الله للناس، تعرفهم إسمه، تجعل لهم صلة به، فيرددون إسمه في كل حين، ويؤمنون بهذا الإسم ويذكرونه. وكان هذا هو الذي فعله السيد المسيح بالنسبة إلي الآب، وهكذا قال له في صلاته الطويلة في (يو 17): "أنا أظهرت إسمك للناس الذين أعطيتني من العالم.. وقد حفظوا كلامك"، "أيها الآب البار، إن العالم لم يعرفك، أما أنا فعرفتك.. وعرفتهم إسمك وسأعرفهم، ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به" (يو 17: 6، 25). إذن هدف الكرازة هو الله نفسه. ليست الخدمة مجرد نشاط وحركة. كلا، بل هي أن يعرف الناس إسم الله ويؤمنوا به ويتعلقوا به..
علي أن يكون إسم الله حلوًا في فكر الناس وفي مشاعرهم.
حسنًا أن تعرف الناس بالله. ولكن أي إله؟ تعرفهم بالله المحب الحنون الطيب، الذي يحبهم حتى المنتهي الذي فداهم وخلصهم، ومازال يعمل.
كم عدد الذين عرفوا إسم الرب عن طريقك؟
وعرفوا كلامه ووصاياه وطريقه.. بواسطتك. وصارت لهم صلة بالله بسببك. وصار إسم الله يذكر في بيوتهم، لأنك علمتهم ذلك.. تعجبني عبارة قالها شعب إحدى كنائس المهجر للكاهن الذي أرسلته الكنيسة لرعايتهم قالوا له:
لقد عرفنا الله، يوم عرفناك..
وهكذا يتقدس إسم الله بعمل الرعاية. فيقول الناس: ما كان أحد يسأل عنا. كنا كغنم لا راعي لها، إلي أن أرسل الله لنا الأب فلان.. مبارك إسم الرب في كل إحساناته إلينا..
هناك طريقة أخري تقدس بها إسم الله وهي:
* حذار أن تخيف الناس من الله، قدمه لهم بصورة محببة.
أقول هذا لأن البعض يقدم الله للناس في صورة مخيفة، ويضع أمامهم وصايا الله، ومعها جهنم النار إن لم يطيعوا هذا الجبار القادر علي إهلاكهم. ولا يزال يهددهم بالهلاك؟! هنا وأتذكر الأم التي تقول باستمرار لإبنها الطفل في لعبه وتسلياته "اسكت، احسن ربنا يزعل".. ودائمًا تصور له الله في صورة كائن غضوب، يتضايق من كل شئ!! حاشا لله أن يكون هكذا.. كلا، يا أخوتي.. فلنقدم للناس إسم الله المحبوب، الذي نقول عنه: إسمك حلو ومبارك في أفواه قديسيك. كثيرًا ما شوه البعض علاقة الناس بالله، عن طريق نشر أفكارهم الخاصة الخاطئة عن الله. أما القديس يوحنا الرسول، فقد قدس إسم الله أمام الناس بقوله "الله محبة" الله هو النور، والراعي، والحق، والحياة. حقًا، إن الله عال في السماء، ولكنه ناظر إلي المتواضعات علي الأرض، يقيم المسكين من التراب، والبائس من المزبلة، ليجلسه مع رؤساء شعبه..إذن عندما تقول في صلاتك: ليتقدس إسمك، كأنك تصلي أن يعطيك الله قوة، لكي تظهر إسمه للناس، ولكي تجعل الناس يحبون هذا الإسم، إسم عمانوئيل، الذي هو الله معنا.. وإسم يسوع، الذي هو المخلص، خلص شعبه من خطاياهم، حسب بشارة الملاك المفرحة للرعاة.. أما السيد المسيح فقدم الله لنا كأب حنون، يعطينا دون أن نطلب. والقديس يوحنا الرسول يقدم لنا الله قائلًا "الله محبة. من يثبت في المحبة، يثبت في الله، والله فيه" (ا يو 4: 16).
اجعل الناس يحبون الله، واشعرهم بمحبته لهم.
واجعلهم يشعرون أنه قريب منهم جدًا. حقًا هو في السماء، ولكن روحه القدس ساكن في قلوبهم. أنت هياكل الله، وروح الله ساكن فيكم (1 كو 3: 16).. كأنك وأنت تحمل إسم الله إلي الناس، تقول لهم مع الملاك "ها أنا أبشركم بفرح عظيم.." (لو 2: 10).
· لا تحمل الناس أحمالًا عسرة الحمل (مت 23: 4) ولا تشعرهم أنهم بسبب الله يحملون نيرًا!!
فإن هذا لا يمجد إسم الله.. وإنما اجذب الناس برفق في طريق الرب، وتدرج معهم إلي أن يصلوا.. وعلمهم أن يبدأوا يومهم باسم الرب، ويختموا به يومهم، ويباركوا به طعامهم وكل عملهم. إذن في تقديسنا لإسم الله، لا نخيف الناس من الله. وبهذا الوضع أيضًا، لم يثقل رسل المسيح عل الأمم الداخلين إلي الإيمان.
إن تسهيل طريق الوصول إلي الله، وطريقة الحياة معه إنما بهذا يتمجد إسم الله..
لا تجعل الدين قيودًا أمام الآخرين، وضياعًا لشخصياتهم، وعدم أشعار لهم بوجودهم أمام الوصية التي ترغمهم. فبهذا الأسلوب ضاع الوجوديون، الذين ظنوا أن وجود الله أنما يلغي وجودهم، فجحدوا الله، وأصبح إسمه غير محبوب منهم.. أما أنت فقدم الله للناس بطريق تجعلهم يحبون الفضيلة، وحينئذ يحبون الله، وبهذا إسم الله يتقدس عندهم. كل هذه المعاني التي قلناها والتي يمكن أن تضاف إليها، لتكن جميعها في ذهنك وفي تأملاتك، وأنت تقول للرب: ليتقدس أسمك.