08 - 01 - 2014, 03:47 PM | رقم المشاركة : ( 11 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب انطلاق الروح لقداسة البابا شنودة الثالث
أنت تحِل وتربط في السماء إن كان مما يرفع قدرك جدًا أن يذهب السيد المسيح بنفسه ليعد لك مكانًا عند الآب في السماء، ثم يأتي ويأخذك إليه قائلا لك: {تعالى يا مبارك أبي رث الملك المعد لك منذ إنشاء العالم} أفليس بالأكثر تعلو نفسك في مقدراها علوا عندما يضع الله في يديك مفاتيح السموات، ويقول لك: ما حللته علي الأرض يكون محلولًا في السماء وما ربطته علي الأرض يكون مربوطًا في السماء، بل أكثر من هذا يعطيك سلطان الغفران واللاغفران {هذه العبارة تخص الكهنة طبعا، والكاهن إنسان وهذه المقالة تتحدث عن الإنسان من حيث كونه إنسانا، بجميع أفراده، وجميع الأجيال التي مر بها}، يعطي كل هذا لك أنت أيها الإنسان، يا صورة الله ومثاله، بل يا من ظهر الله في شكله وأخذ جسدا مثله؟، ناسوته لم يفارق لاهوته لحظة واحدة ولا طرفة عين. |
||||
08 - 01 - 2014, 03:47 PM | رقم المشاركة : ( 12 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب انطلاق الروح لقداسة البابا شنودة الثالث
أنت صديق الله تذكر ان الله – تسامت حكمته – قبل أن يحرق سدوم وعمورة يقول:{هل أخفي عن إبراهيم ما أنا فاعله. وإبراهيم يكون أمة كبيرة وقوية ويتبارك به جميع أمم الأرض {تك18: 17و18}؟! وهكذا يعلن الله مشيئته لصديقه إبراهيم، ويناقشه إبراهيم في الأمر مناقشة فيها عتاب وفيها دالة وفيها جرأة.. حاشا لك. أديان الأرض كلها لا يصنع عدلا {تك 18: 24- 26}. وهذه دالة. ليست مجرد كلام عبد لسيده، أو مخلوق لخالقه، وإنما هي عبارة صديق يعرف مكانته عند صديقه. وهوذا موسى يفعل الأمر نفسه في حديثه مع الله أيضًا عندما أراد الله إفناء شعبه " الآن أن غفرت خطيتهم، وإلا فامنحي من كتابك الذي كتبت {خر32: 33} " دالة وصداقة من غير شك!! هل عرفت يا أخي قيمة روحك، ومقدار عظمتها أمام الله أو تقبل بعد ذلك علي كرامتك أن يبعث بك شيطان حقير، قد أعطاك الله سلطانا علي جميع الشياطين؟! لا أظن ذلك. |
||||
08 - 01 - 2014, 03:49 PM | رقم المشاركة : ( 13 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب انطلاق الروح لقداسة البابا شنودة الثالث
كان مستغرقًا في نومه … كان مستغرقا في نومه حين همس الكلام في أذنه {إلي متي تعيش هكذا؟ ظلًا لإنسان آخر يتحكم فيك كما يشاء؟! {وكان الصوت مترفقا نصوحا فلم يفزع ذلك النائم إنما رد في هدوء {ماذا تعني يا سيدي الملاك؟} فأجابه الملاك {أقصد أنك في أفكارك وفي حياتك الروحية قد فقدت شخصيتك، وأصبحت تعيش بشخصية غيرك. هناك رجل آخر كبر في عيني نفسه، ثم ظل يكبر في عينك أنت، حتى جعلته مثلك الأعلى تتبعه في كل شيء: ترتفع معه إن ارتفع، وتسقط معه حينما سقط،، آراؤه آراؤك، وانحرفاته هي انحرافاتك، بل انك تدافع عن أفكاره أكثر مما يدافع هو عنها. وأنت تؤمن بمبادئ هذا {السيد} دون نقاش، يكفيك أن معبودك هذا قد نطق بها في وقت ما}. وأحس ذلك النائم أن كل ما قال الملاك صحيح، ولكنه أراد توضيحًا لمواقفه فقال: {وهل من ضير يا سيدي الملاك في أن أتبعه مادامت كل أفكاره سليمة ليس فيها شيء من الخطأ؟ أليس من الجائز أن يخطئ كإنسان؟ وإن أخطأ فكيف تعرف ذلك، ما دمت لا تسمع إلا أفكاره ولا تود أن تقبل غيرها؟ وما دام كل شخص يعارض أفكار هذا {السيد} هو في نظرك شخص لا يصح أن تستمع إليه، وإن استمعت فبروح الجدل، محاولا أن ترد علي كل فكرة وأن تنقضها دون أن تتفهمها لا لشئ إلا لأنها تعارض آراء سيدك!!}. وفرك النائم عينيه في خجل ليتحقق ما إذا كان صاحيًا أم نائمًا، بينما استمر الملاك في حديثه:{إن روحك حبيسة تود أن تنطلق ولا تستطيع، لأنها مقيدة بقيود هذا الإنسان.. أنه يعطيك من المعلومات ما يريدك هو أن تعلمه: يعلن لك ما يشاء من الحقائق، ويحبس عنك ما يشاء. وحتى المعلومات التي عندك من ذاتك، والتي تكتسبها عن غير طريقه، خاضعة هي أيضًا لمراجعته. أنك قد فقدت شخصيتك تمامًا. وأصبحت لا تتصرف من تلقاء نفسك. كلما حاقت بك مشكلة تستصرخ به لينقذك. وكلما عرض لك أمر من الأمور لا تحاول أن تبت فيه بحل حتى يجئ {سيدك} ويحله. وان تصرفت في الأمر يستطيع أن يلغي تصرفك متي يشاء وكيف يشاء دون أن تعترض. إن أقصى ما يمكن أن تصل إليه في حياتك هو أن تصبح صورة باهتة من هذا الإنسان. شخصيتك التي خلقك الله بها قد ضاعت. وشخصيته هو لن تستطيع أن تصل إليها تماما، لأن الظروف الروحية والعقلية والاجتماعية التي كونتها هي غير ظروفك. وهكذا أراك تتأرجح في وضع غير مستقر بين الحالتين}. واستمع ذلك النائم إلي هذه العبارات وهو يشعر أنها تمس صميم نفسه، بل أنه فيما بينه وبين نفسه يحس أنه قد أصبح ضيق الصدر بسلطان ذلك {السيد}. وهكذا وجد الشجاعة في أن يطلب إلي الملاك أن يوجد له حلا فقال {ولكن أستطيع يا سيدي الملاك أن أناقش معلمي}؟ فأجاب الملاك: {أقول لك – والقياس مع الفارق – أن الله يحب أن يكون أولاده أقوياء الشخصية حتى أنه كان يسمح لهم أن يناقشوه}. أنظر إلي أرميا وهو يقول {أبر أنت يا رب من أن أخاصمك ولكني أكلمك من جهة أحكامك ، لماذا تنجح طريق الأشرار، اطمأن كل الغادرين غدرًا} {أر1:12}. واستمع إلي إبراهيم وهو يناقش الله تمجد أسمه ويقول له {حاشا لك أن تفعل مثل هذا الأمر.. أديان الأرض كلها لا يصنع عدلا؟ {تك25:18}. وانتقل معي أيضًا إلي موسى وهو يكلم خالقه فوق الجبل بنفس الأسلوب فيقول له: {أرجع عن حمو غضبك وأندم عن الشر} {12:32}. فقال النائم للملاك {والآن ماذا تريد يا سيدي الملاك أن أفعل؟} فأجابه الملاك: {أريد ألا تلقي قيادتك إلي إنسان معين، وإنما استمع إلي الكثيرين، واقرأ للكثيرين، واستعرض ما تشاء من الآراء.وليكن لك روح الإفراز، فتميز الرأي السليم من الرأي الخاطئ، وتعتنق من كل ذلك ما يناسب حالتك أنت بالذات من جهة تكوينك الروحي والعقلي، وما يناسب ظروفك الاجتماعية والعملية، ويتناسب أيضًا مع سنك، عالما أن هناك طرقا كثيرة تؤدي إلي الله، وقد يكون الطريق الذي صلح لغيرك غير الطريق الذي يصلح لك أنت بالذات، الطريق الذي أختاره لك الله – وليس الناس – دون غيره من الطرق. ... ثم استيقظ النائم من نومه، ليري نفسه إنسانًا جديدًا قد انطلقت روحه، حرة من كل قيد، تبحث عن الحق أينما وجد ولا تؤمن بعبادة الأشخاص... |
||||
08 - 01 - 2014, 03:51 PM | رقم المشاركة : ( 14 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب انطلاق الروح لقداسة البابا شنودة الثالث
اعرف ذاتك هل تود أن تكون كاملا يا أخي الحبيب؟ وهل تريد أن تنطلق روحك انطلاقا إلي حيث لا قيود ولا حدود؟ إذن فعليك قبل كل شيء، أن تفرغ ذاتك من كل شئ: من كل ما أرسبه فوقك العالم من رغبات وعلوم وأحاسيس.. عليك أولا أن تنكر ذاتك، وأن تقف أمام الله كلا شيء. اعرف نفسك بالحقيقية، من أنت؟ أليس مجرد حفنة تراب، من تراب الأرض..؟ بل أنت أقل من تراب. أنت عدم، لا شيء مر وقت لم تكن فيه موجوداً، ومع ذلك كان العالم عالما، من غيرك. ثم كونك الله إذ لم تكن: خلق التراب أولاً، ثم خلقك من تراب. علام إذن ترتفع، ومن أنت حتى ترتفع؟ اخفض رأسك في خجل وذلة. فأنت عدم. وقف أمام الله من انكسار نفسي وانسحاق روح ذاكراً أصلك القديم. هل عرفت أنك عدم؟ بل أصارحك أيضاً أنك أقل من عدم. فالعدم هو لا شيء خير من الخطية التي جلبها الإنسان إذ أن {تصور قلب الإنسان شرير كل يوم} {تك5:6}. فإن وجدت فيك شيئاً صالحاً، تيقن تماما أنه ليس منك، بل هو من الله الكلي الصلاح، والكامل القدوس وحده، لأنه ليس أحد صالحاً إلا الله وحده {مت17:19} إن وجدت فيك شيئاً صالحاً فلا تنتفخ ولا تتفاخر، ولا تحارب نفسك بالبر الذاتي، وإنما أرجع المجد لله، لأنه هو المستحق وليس أنت، فالله هو الذي صنع الخير، لأنه صانع الخيرات، بل لأنه الخير ذاته، وهو الصلاح ذاته، وأنت بدونه فناء لا تستطيع أن تعمل شيئا. فلا تسرق مجد الله وتنسبه لنفسك. قد تضئ كالقمر، ويزداد ضياؤك حتى تظهر بدرا، ولكن في كل ذلك تذكر أن القمر هو كوكب مُظْلِم يستمد نوره من الشمس، وليس فيه ضياء من ذاته، وأن احتجبت عنه الشمس لا يظهر منه شيء لأنه مظلم بطبيعته. أترى يستطيع القمر ان يتحدث عن نوره} أمام الشمس؟ هكذا أنت أيها الحبيب أمام الله. أما أن وجدت فيك شراً فاعرف أنه منك، من الخطية الرابطة التي اشتقت إليها. وكنت تسود عليها فسادت عليك {تك 4} لأنه ليس شر من قبل الله. الله الذي لا يتفق الشر مع طبيعته والذي بعد أن عمل كل شيء بيديه الطاهرتين اللتين بلا عيب ولا دنس، {نظر إلي كل ما عمله فإذا هو حسن جداً}. هل عرفت ذاتك يا أخي الحبيب؟ وهل أدركت ان أنكار الذات هو القاعدة الاساسية لعلاقتك مع الله؟ لست أقصد أن تعتبر ذاتك شيئا تتواضع فتنكره، لأن ذاتك لا شيء، عدم وفناء. ولست أحب ان استعمل كلمة {تواضع}، لأن المتواضع هو الكائن الذي يتنازل من مكانه إلي درجة أقل ارتفاعاً وأدني سمواً. أما إنسان حقير مثلي ومثلك، كان ترابا وعدما، مستحيل عليه أن يتواضع، إذ ليست له درجة حتى يرفضها، أو كرامة حتى يتخلى عنها. وليس هو مرتفعاً حتى ينزل، أو ساميا حتى يتضع. وإنما كل ما أقصده من إنكار الذات يا أخي المحبوب هو أن تعرف ذاتك، فتدرك أنه لا قيمة لك علي الإطلاق. وإنما هو الله الذي يتحنن عليك فيهبك إن أحببته، شيئا من مجده، الذي لا تستحقه، لولا رحمته ولولا تواضعه هو وتنازله. دعنا نتدارك إذن فنتأمل تلك الآية الجميلة التي تقول {أختار الله جُهَّال العالم ليخزي الحكماء. واحتار الله ضعفاء العالم ليخزي الأقوياء. واختار الله أدنياء العالم والمزدري وغير الموجود ليبطل الموجود لكي لا يفتخر كل ذي جسد أمامه} {1كو1: 27- 29}. فما معني هذا؟ ألا يصلح لملكوت الله إلا الجهال والضعفاء والمحتقرون؟! كلا فقد اختار الله قوما مثقفين من أمثله موسى وبولس وأرسانيوس، كما اختار القديسين الفلاسفة أثيناغوروس وبنتينوس وأوغسطينوس. واختار الله رجالا أقوياء مثل شمشون والقوي الأنبا موسى، واختار رجالا محترمين مثل داود الملك والأميرين مكسيموس ودوماديوس... فكيف التوفيق بين الأمرين؟ ليس المقصود إذن أن الله لا يختار إلا الجهال والضعفاء والمحتقرين، بل لعل المقصود هو الله – تبارك اسمه – يختار الأشخاص الذين مهما بلغوا من علم أو قوة أو كرامة، يقفون أمامه كجهال وضعفاء محتقرين. فهوذا موسى الذي تهذب بكل حكمة المصريين، لم يرسله الله عندما كان واثقا بنفسه، ومعتمدا علي قوته البشرية. ولكنه دعاه عندما وصل إلي الدرجة التي قال فيها {مَنْ أنا حتى أذهب إلي فرعون وحتى أخرج بني إسرائيل من مصر.. لست أنا صاحب كلام منذ أمس ولا أول من أمس ولا من حين كلمت عبدك. بل أنا ثقيل الفم واللسان} {خر3: 11، 4: 10}. وهذا هو بولس الذي درس الناموس وتعلم تحت قدمي غمالائيل، لم يرسله الله إلا عندما وصل إلي الحالة التي يستطيع أن يقول فيها: {لأنه مكتوب سأبيد حكمة الحكماء وأرفض فهم الفهماء. أين الحكيم؟ أين الكاتب. أين مباحث هذا الدهر. ألم يجهل الله حكمة هذا العالم.. وأنا كنت عندكم في ضعف وخوف ورعدة كثيرة وكلامي وكرازتي لم يكونا بكلام الحكمة الإنسانية المقنع، بل ببرهان الروح والقوة} {1كو1: 19،2، 3، 4}. وأرسانيوس لم يجعله الله أبا ومرشداً، عندما كان معلما للأميرين أركاديوس وهونوريوس في قصر أبيهما الأمبراطور ثيئودسيوس. بل عندما تنقت روحه أصبح في إمكانه أن يقول عن نفسه: {أن أرسانيوس معلم أولاد الملوك} الذي درس حكمة اليونان والرومان، لا يعرف الألفا فيتا التي يعرفها هذا المصري الأمي}. هل تظن يا أخي العابد أنك ستبني ركنا في الكنيسة بعلمك وثقافتك؟! يا لك من مسكين. الحق أقول لك أن لم تنطلق من اعتمادك علي معرفتك فلن تصل إلي الله. ولن يبارك الله لك في خدمة لأنك إن نجحت فسوف ينسب الناس نجاحك إلي ما وهبه لك العالم من شهادات وإجازات علمية، وهكذا يسلب من الله مجده ويعطي للعالم. الله – يا أخي المتعلم – قادر في القرن العشرين أن يذهب إلى البحيرة من جديد، ويختار صياداً جاهلاً لكي يقيمه رسولا وكاروزاً. فيعلم الناس خيرا منك. أن الله عندما شق البحر الأحمر لم يختر لذلك قضيبا من ذهب، وإنما عصا بسيطة كانت توجد ملايين من مثيلاتها في العالم. فحاذر أن تظن في نفسك أنك شيء، أو أن تغتر بثقافة العالم. وحاذر – حتى في حياتك الروحية الخاصة – أن تعتمد علي معرفتك العالمية أو الدينية أو قراءاتك الروحية أو خبراتك القديمة. وإنما كلما ازددت علما، وكلما تعمقت في الروح، قف كل يوم أمام الله وأنت شاعر بجهلك وعجزك وأنت محتاج إليه ليرشدك، كمبتدئ، مهما كنت قديم الأيام. قف أمامه وأنت شاعر بحاجتك الماسة إليه ليحميك من أضعف الشياطين، ومن أبسط الخطايا في نظرك ومن أتفه الزلات أمام عينيك. ليكن لك هذا الشعور. لأني رأيت كثيرين بعد أن قرأوا وكتبوا عن عمق الروحيات يسقطون خطايا المبتدئين.. وأقول لك هذا أيضاً خوفا من أن ثقتك بعلمك الروحي وخبرتك الروحية. تجعلك تعتمد علي ذراعك البشري، {وملعون من يتكل علي ذراع بشر}. واعلم يا أخي الحبيب أن كل علم روحي أو عالمي لا يقودك إلي حياة الانسحاق وإلي الشعور بالجهل، هو علم باطل وخداع للنفس، بل هو ضربة من الشيطان يصرفك بها عن أن تسأل وتطلب وتقرع الباب.. فاشعر يا أخي بجهلك إذ يقول الكتاب: {أن كان أحد يظن أنه حكيم بينكم في هذا الدهر، فليصر جاهلا لكي يصير حكيما} {1كو18:3}. وكما أنه أمام الله يتساوى الحكيم والجاهل في أنهما كليهما جاهلان وأن موت هذا كموت ذاك، ونسمة واحدة تهب علي الاثنين، كذلك أمام الله يتساوى الضعيف والقوي لأنهما كليهما ضعيفان، إذ ليست هناك قوة لأحد في حضرة الله. هل تعتقد يا صديقي أنك قوي؟ إذن فمن أين أتتك القوة؟ إنها ليست من ذاتك طبعاً لأنك تراب ورماد، بل عدم وفناء. وهي ليست من كائن آخر غير الله. لأنه – تبارك اسمه هو وحده القوي، ومنه تستمد كل قوة. فهل قوتك أذن من الله؟ إن كان الأمر كذلك فلماذا تفتخر؟ ولماذا تتصلف؟ ولماذا تستخدم قوة الله في غير أعمال الله؟ أذن فأن افتخر أحد فليفتخر بالرب، لأنه – تعالي في مجده – مصدر كل شيء يدعو إلي الفخار، وان كنت أيها الإنسان الضعيف بطبيعتك قويا بالله، فقل أذن كما قال الطوباوي بولس {فبكل سرور أفتخر بالحري في ضعفاتي لكي تحل علي قوة المسيح. لذلك أسر في الضعفات.. لأني حينما أنا ضعيف فحينئذ أنا قوي} {2كو9:12،10}. الشخص الذي يعتقد في نفسه أنه قوي لا يستخدمه الله. لأن الله يختار ضعفاء العالم ليخزي بهم الأقوياء، فحاذر من أن تثق بقوة مزعومة لك. لأن الخطية {طرحت كثيرين جرحي، وكل قتلاها أقوياء}. وإنما قل مع داود البار {ارحمني يا رب فإني ضعيف، اشفني يا رب فإن عظامي قد اضطربت، ونفسي قد انزعجت جداً}. تأكد يا أخي من ضعفك، ليس لأني قلت هذا وإنما لأنها الحقيقة الواضحة. الم تسقط اليوم وتخطئ؟ ألم تخطئ أمس وقبلا من أمس؟ لست قويا أذن، بل ضعيفا ومثالا للضعف. وستظل كذلك حتى تعترف بضعفك. وتسرع وتثبت في الآب والآب فيك. نصيحة أخري أهمس بها في أذنك: لا تجلس في خلوتك وتظن أنك أقوي من الناس، وتستعرض المشروعات العظيمة التي يمكنك القيام بها لو أعطيت لك سلطة، أو لو كنت في مكان الآخرين. أنك لست قويا يا أخي بهذا المقدار، وما هذه إلا أحلام اليقظة، أو لعله الغرور. أما أنت فضعيف، وربما لو كنت في مكان أولئك الخطاة الذين تنتقدهم لأخطأت أكثر منهم، ولأظهرت ضعفا أكثر من ضعفهم. إن كنت قد انتصرت في الماضي أو تنتصر الآن، فسبب ذلك هو وجود الله معك، وليس السبب أنك قوي. احتفظ إذن ببقاء الله معك عالما أنه لن يرضي بالبقاء طالما أنت تعبد ذاتك بدلا منه. واحد من أثنين يعمل في الميدان: أما الله وأما أنت.أن كنت تعتقد أن الله هو الذي يعمل، وأنك لا شيء إلي جواره، بل أنك متفرج تنظر إلي أعمال الله في إعجاب، أن كنت تعتقد هذا فحسنا تفعل. أما أن كنت أنت الذي تعمل. وأن لك القوة ما يكفل لك ذلك، فثق أن كل ما تعمله باطل هو، وستفشل فيه. لست أقول هذا عن خدماتك وأعمالك الخارجية، وإنما عن صميم حياتك الروحية أيضاً، إن اعتقدت أنك أنت الذي تجاهد لترث الحياة الأبدية، فسوف تفشل في جهادك. وإن اعتقدت أن خطية ما لم يعد لها سلطان عليك، فقد تسقط فيها ولو بعد حين، ويكون سقوطك عظيما... ولكن الحل الصحيح هو أن تشعر بضعفك، في أرض تنبت شوكا وحسكاً، أن تشعر بضعفك، أمام كل تجربة وكل خطية قائلا مع المرنم: {لولا أن الرب كان معنا ليقل إسرائيل، لولا أن الرب كان معنا حين قام الناس علينا لابتلعونا ونحن أحياء، عند سخط غضبهم علينا} {مز123} وهكذا تصرخ إلي الله، ثم تنظر كيف يحارب عنك وينتصر فتمجد الله وليس نفسك، لأن النصرة كانت من عنده. |
||||
08 - 01 - 2014, 03:52 PM | رقم المشاركة : ( 15 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب انطلاق الروح لقداسة البابا شنودة الثالث
ذاتك ومديح الناس كلمتك في المرات السابقة عن إنكار الذات، وما يزال هناك كثير أقواله لك في هذا الموضوع حتى نصل سويا إلي انطلاق الروح.. أتريد يا أخي أن تصل إلي الله؟ أتحب أن تردد عبارة الطوباوي بولس {لي اشتهاء أن انطلق وأكون مع المسيح فذاك أفضل جداً} إذن فانطلق أولا من ذاتك، من ذاتك التي تعبدها بدلا من الله وتحاول باستمرار أن تراها ممجده معظمه أمام الآخرين. هل يمجدك العالم يا أخي الحبيب، وهل تقبل منه هذا التمجيد؟ يا لك من مسكين.. ألست تعلم أن المجد لله وحده؟ لأنه خالق الكل ومصدر جميع الكائنات ولأنه الوحيد الواجب الوجود، والأزلي، والقادر علي كل شيء، والماليء كل مكان.. ألست تعلم أذن أنك أن مجدت ذاتك، أو مجدك الناس فإنما تسلب صفة من صفات الله. وتنسبها إلي نفسك!! أهي التجربة التي حاربت أباك آدم، إذ لم يكتف بما وهبه الله من نعيم، بل أراد أن يكبر حتى يصير مثل الله؟ ومن أنت يا أخي حتى تتمجد؟! هل للتراب مجد أو للرماد كرامة أو للعدم احترام وهيبة؟! ثم ألست خاطئاً مثلي، وان كان الله قد سترك وأخفي عيوبك عن الناس – فهل للخاطئ مجد وهل للضعيف كرامة؟ إذن لماذا تمجد نفسك، وأنت تعرف حقيقتك بكل ما فيها من خطايا ونقائص وعيوب... هل تفعل هذا لأن الناس لم يعرفوا حقيقتك بعد، ولم يعلموا كل شيء من ماضيك، ولم يكتشفوا كل ضعفاتك، ولم تظهر أمامهم أخطاؤك؟ لماذا إذن تخدعهم وأنت تعلم؟ بل لماذا تخدع نفسك والخداع لا يفيدك شيئاً؟؟ ألهذا الحد تستغل ستر الله وكتمانه حالتك عن الناس.. أتوده إذن أن يعلن للآخرين أفكارك وأحاسيسك ورغباتك المكبوتة...!! ثم لماذا عن مجد زائل، لا يصحبك بعد الموت، ولا يقف معك في يوم الدينونة. أمام الديان العادل، الذي لا يتأثر في حكمه عليك برأي الناس فيك، لأن كل شيء مستور، هو عريان قدامه.. ألا يزال عزيز عندك مدح الناس؟ ألست تعرف أن مديحهم زائف: لأنه يكون أحيانا على سبيل المجاملة أو التشجيع أو التملق أو الخجل كما أنهم حتى إن صدقوا وأخلصوا فهم إنما يحكمون حسب الظاهر وليس فيهم من يقرأ فكرك، أو من يعرف نياتك، أو يدخل إلي قلبك ليفحص ما فيه... يا أخي الحبيب: أنني لا اشك قد أثقلت عليك بأفكار مجتمعة فهل تريد أن أقص عليك قصة، لتكن أذن قصة نبوخذ نصر {دا4: 29-33}: هل تعرف كيف نسب لنفسه مجداً زائلاً؟ وهل تعرف كيف كانت نهايته؟ إذن ليته يكون درساً لك... أتراك تضايقت؟ سامح ضعفي، وأسلوبي الخشن في التعبير. ولكن أهي عادتك باستمرار أن تتضايق من شخص يكلمك بصراحة؟ لا يتملقك، ولا يستعمل معك ألفاظ التفخيم التي يستعملها الناس.. لماذا؟ الأولي بك يا أخي العزيز أن تحب هذا الأسلوب، لأنه يوقفك أمام حقيقتك، وما أشد احتياجك إلى الوقت أمام هذه الحقيقة، حتى تعرف نفسك، تلك المعرفة اللازمة لخلاصك. ولكن دعنا نناقش الأمر معا. لماذا تريد أن تظهر عظيما أمام الآخرين؟ أهو مركب النقص؟ هل تشعر في ذاتك أنك في درجة صغيرة. وتريد أن تعوض ذلك بأن تكتسب مدح الناس بحرارة عن نفسك حتى لا تظهر أمامهم معيبا، وأن وقفوا منك محايدين لا مدح ولا مهاجمة، لم يعجبك هذا أيضاً وأخذت تتسول مدحهم بأن تحدثهم عن فضائلك حتى يعجبوا بك فيمدحونك.. أهذه هي الحقيقة؟ أن كانت كذلك، فلنحاول مناقشتها معاً: حسن يا أخي أن تشعر بأنك ناقص وخاطئ وضعيف وأقل من الناس جميعاً، ولكن علاج هذا النقص لا يأتي بإضافة نقص جديد إليه عن طريق محبة مدح الناس، وإنما يأتي بتكميل الذات وإصلاح أمرها. لماذا يهمك رأي الناس فيك ومدحهم إياك؟ ألعلك ستدخل ملكوت الله ان رشحك الناس لهذا؟! إذن فأعلم أن كثيراً جداً من الذين يمدحهم الناس سيلقون في البحيرة المتقدة بالنار والكبريت.. {وويل لكم أن قال فيكم الناس حسنا} {لو26:6}. مدح الناس يا صديقي وقتي وزائل. وهم لا يثبتون علي حال. الذين هتفوا للسيد المسيح كملك. صرخوا أيضاً قائلين {اصلبه اصلبه} ومدح الناس أيضاً زائف لأنهم لا يعرفون الحقيقة تماما. إليك سؤال يهمني أن تجيب عليه أجابة صريحة: ماذا يكون شعورك عندما يمدحك الناس وأنت تعرف عن خفاياك ما يخجل؟ هل تنسي أثناء مدحهم تلك الخطايا التي لو عرفوها عنك لطردوك خارج المجمع أم أنت تتناساها؟ أم تعتبرها مكدرات لا يجب أن تظهر أثناء نشوتك بمديح الآخرين؟ إذن فأنت يهمك فقط خارج الكأس، يهمك أن تكون كالقبور المبيضة من الخارج ومن الداخل نتنة؟! إذن فأنت تهمك الحياة الأرضية فقط ولا تأبه للحياة الآتية. صارح نفسك يا أخي المحبوب بحقيقية مشاعرك، واعترف بهذا بينك وبين نفسك أولاً، ثم اسكب هذه الذات أمام أب اعترافك، أسكبها في بكاء وأنين وألم مر. وإليك ما يجب أن تشعر به عندما يمدحك الناس: 1) اشعر أولاً أنك ربما تكون مرائيا، تظهر للناس غير ما تبطن. قل لنفسك في صراحة {أنني شخص خاطئ دنس، وعندما أجلس إلي أب أعترافي أكاد أذوب خجلا وعندما أحاسب نفسي علي خطاياي تنسحق ندما وشعورا بالخسة والحقارة، وتصغر ذاتي أمام عيني، وعندما أقف للصلاة أشعر أنني غير مستحق أن أرفع نظري إلي فوق.. فلماذا إذن يمدحني الناس. ألعلني مرائي؟ ألعلني ذو وجهين؟: أظهر أمام الناس بشخصية، وحقيقتي شخصية أخري؟ هل أنا ممثل؟ ربما أكون... 2) أشعر أن مدح الناس ربما يجعلك تستوفي أجرك علي الأرض فلا تنال أجراً في السماء، وهكذا يضيع إكليلك بثمن بخس. إن مدحك الناس فخير لك أن تحزن. أحزن علي أكليلك الذي يوشك أن يضيع. وهذا الحزن المقدس يصفي نفسك ويجعل روحك تنطلق بالأكثر. 3) عند مدح الناس لك أشعر أنك ربما تكون مختلسا: قد سلبت مجد الله ونسبته إلي نفسك. لقد قال السيد المسيح: {لكي يروا أعمالكم الحسنة، فيمجدوا أباكم الذي في السموات {مت16:5}. فإن كان المجد قد رجع إليك أنت بدلا من الآب، فربما يكون هذا اختلاساً وأنت لا تدري، أو وأنت تدري. عندما تصلي وتقول: {لأن لك الملك والقوة المجد}. أنب نفسك التي تريد أن يكون المجد لها فتنافس الله في قوته.{ليس لنا يا رب ليس لنا، ولكن لاسمك القدوس أعط مجداً} {مز1:115}. 4) عندما يمدحك الناس أنكر ذاتك، ووجه أنظارهم إلي الله، في غير رياء وفي غير تظاهر بالتواضع، أذكر لهم انك خاطئ. وضعيف وأن الله هو الذي فعل الأمر الذي يستحق المديح. وكما توجه هذا الكلام إلي الآخرين، توجه به أيضاً إلي نفسك وأقتنع به حتى لا تعود فتنتفخ. 5) إذا وجدت البعض قد بدأ قصة أو حديثا أو خبراً سينتهي بمدحك، حاول أن تغير مجري الحديث أو علي الأقل لا تُسَرّ بالمديح، وانسبه إلي الله عن اقتناع. 6) عندما يمدحك الناس تذكر هاتين الآيتين الجميلتين {مجداً من الناس لست أقبل} {يو41:5}.{مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك..} {يو5:17}. احفظ هاتين ورددهما كثيراً في فكرك. 7) وعندما يمدحك الناس تذكر خطاياك، واترك ضميرك يؤنبك حتى يكون هناك توازن بين داخلك، وبين مدح الناس من الخارج. وأخيراً، أن كان هذا هو المطلوب منك عندما يسعى إليك مدح الناس فبديهي جداً أنك لا تسعي بنفسك إلي طلب هذا المديح أو أستجدائه مما سنرجع إليه في المقال القادم أن شاء الرب وعشنا. صلي من أجلي |
||||
08 - 01 - 2014, 03:53 PM | رقم المشاركة : ( 16 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب انطلاق الروح لقداسة البابا شنودة الثالث
ذاتك وإساءات الناس ان لم تنطلق من ذاتك يا أخي الحبيب من ذاتك هذه التي تعبدها من دون الله، والتي تكبرها وتفخمها أمام الناس، فلن تصل أبدًا إلي سمو انطلاق الروح. لعلك تحب أحيانا أن يمدحك الناس، ولقد تفاهمنا في مقال سابق عما يحسن بك فعله عندما يمدحك الآخرون. أما في جلستنا الهادئة هذه، فأود أن أسألك سؤالًا؟ ما هو شعورك وتصرفك عندما يسئ إليك الغير أو يظن بك الظنون؟ ربما تفكر في ذاتك أنك أُهِنْت، وربما تفكر في كرامتك وهيبتك والاحترام الواجب لك: فتغضب وتثور، وتثأر لذاتك، وتدافع عن نفسك. لست أنكر عليك هذا، فأنا إنسان في الجسد مثلك جربت هذه المشاعر جميعا، أو جربت بهذه المشاعر جميعًا ولكن دعنا نناقش الأمر معا. ماذا يفيدك الغضب؟ أنه يعكر دمك. ويتلف أعصابك وأخطر من ذلك كله أن الغضب يفقدك سلام القلب وراحته. ألم تسمع معلمنا يعقوب الرسول يقول: {أن غضب الإنسان لا يصنع بر الله} {يو20:1}.، وغضبك من أجل ذاتك هو لا شك غضب إنسان كالذي يقصده معلمنا يعقوب. تقول أن هذا الغضب ينفس عنك، ويفرج عن الثورة المكبوتة في داخلك. ولكن لماذا تختزن في داخلك ثورة مكبوتة تحتاج إلي تنفيس؟ السبب في ذلك واضح طبعًا، هو أنك تفكر كثيرا في ذاتك! انطلق يا أخي الحبيب من هذه الذات وأنت تستريح. إن أهنت فلا تفكر في ذاتك انك أهنت. وإنما في ذلك الذي أهانك، أنه أخوك. وأنت كشخص روحي ممتلئ بالمحبة، عليك أن تفكر في هذا الأخ الذي أخطأ: ماذا تفعل لأجله. أنك لا تريد طبعًا أن تنحدر نفسه الغالية إلي الجحيم، ولا تريد أن تقف إهانته لك عقبة في طريق خلاصه. لذلك فأنت تطلب إلي الله ألا يقيم له هذه الخطية ولا يعاقبه عليها، ثم أنت أيضًا تصلي من أجله أن يخلصه الله من الخطية ذاتها فلا يعود إلي اقترافها معك أو مع غيرك. وعندما تفكر في أخيك هذا الذي أهانك، قد تفكر في السبب الذي جعله يفعل ذلك. ربما يكون مريضا أعصابه متلفة، أو متعبا عقله مجهد، أو قواه منهكة، أو مرهقا بمشاكل اجتماعية أو دراسية، أو مالية.. فأنت تفكر فيما يمكن أن تفعله لأجله، وهكذا قد تخطر ببالك رحله أو نزهة لطيفة تدبرها له، أو قد تساهم بجهد في التخفيف أو الترفيه عنه. وأن لم تستطيع شيئًا من هذا كله فعلي الأقل ترثي له، وتطلب له من الله معونة خاصة. إن الناس يا أخي الحبيب لم يخلقوا أشرارا، لأن الله بعدما خلق الإنسان {نظر إلي كل ما فعله فإذا هو حسن جدًا} وأما الشر فإنه يأتي إلي الناس من الخارج دخيلًا عليهم.. وهذا الشخص الذي أهانك، ربما تكون لإهانته لك أسباب أخري. وربما يكون قد أساء فهمك. ومثل ذلك تفاهم معه وأقنعه في وداعة ومحبة. ولكن هناك نوعًا من الناس يهين الآخرين حبا في أهانتهم مستغلًا تسامحهم ليتخذهم مجالا للفكاهة والتندر. مثل هذا الصنف أما أن تبتعد عنه، وأما أن تكلمه بلهجة حاسمة وحازمة مؤدبة مظهرًا له خطأه، ومانعا إياه من تكراره. ولتفعل هذا ليس علي سبيل الثأر للنفس، أو الاحتفاظ بكرامة ذاتية، وإنما حبا في ذلك المخطئ حتى لا تترك له فرصة أخري للخطأ، ومجالا يسقط فيه ويهلك بذلك نفسه.. وشتان بين توبيخك لخاطئ بغرض انتقامي، توبيخا يجعله يثور عليك ويحتك بل، وبين تأنيب المحبة الحازم الهادئ الذي يشعر فيه الشخص أن مؤنبه يحبه.. هذا كله عن موقفك من جهة الشخص الذي تشعر أنه أهانك، ولكن اسمح لي أن أدخل قليلا إلي أعماق نفسك لأناقش شعورك الباطن بينك وبين نفسك. 1) لماذا تحسب الكلام الذي يقوله غيرك أنه إهانة، أو انه شتيمة؟ لماذا لا تكون تلك التي تحسبها أهانه هي كلمة صريحة لازمة لإصلاح نفسك؟ وان كنت قد تضايقت منها فذلك لأنك تحب المديح، وتريد أن يقول فيك جميع الناس حسنًا. افرح يا أخي بانتقاد الناس وتأنيبهم، فان ذلك صالح لك وينقيك ويفيدك في حياتك الأخرى. إذا انتقدك شخص فأولي بك أن تشكره فربما يكون قد أرسل هذا الإنسان ليرشدك ويظهر لك أخطاك حتى تتركه. 2) ربما تكون تلك الإهانات تأديبًا لك من الله علي خطايا أخري اقترفتها في ماض قريب أو ماضي بعيد. وعندما سمع داؤد النبي إهانة كهذه قال في انسحاق: {الله قال لهذا الإنسان اشتم داود} {2صم10:16}. عندما يهينك غيرك يا أخي الحبيب تذكر خطاياك الماضية، واعرف أنك لست بالشخص الخالص النقاوة الذي يسمو عن التوبيخ.. 3) في بعض الأحيان يكون الله قد عمل عملا ناجحا عن طريقك، فاتخذت أنت هذا النجاح سلاحًا تنتفخ به، وتحارب نفسك بالبر الذاتي، وخشى الله عليك من السقوط عن طريق الكبرياء فسمح أن تُهان، حتى يوجد توازنا بين مشاعرك، ويخفف شيئًا من كبرياءك. كثيرون من الذين يهانون متكبرون، أما الودعاء فيرفعهم الله من المزبلة ليجلسهم مع رؤساء شعبه {مز112}. 4) ربما تكون قد أعثرت غيرك بتصرفك وأنت لا تدري، وكان هذا هو سبب أهانتك. لذلك يحسن أن تدرس وجهة نظر من أهانك، لعله علي حق. 5) قد تكون هذه الإهانة درسا لك في المحبة والاحتمال. قال لي أحد الآباء الروحيين عن راهب اعتزل ولم يختلط بالأخوة في المجمع {إن فترة الوجود في المجمع لازمة للراهب. لأنه أن لم يستطع أن يحتمل مشاكسات الأخوة في المجمع، فكيف يستطيع أن يحتمل محاربات الشياطين في الوحدة كما قال مار اسحق!! 6) ماذا يضيرك عندما يحكم عليك إنسان حكما ظالما. أو عندما يظن فيك أنك مخطئ؟ ألعل هذا يعوقك عن ملكوت الله، أم أن الله سيعتمد أحكام الناس؟ 7) أم أنك تحب المديح والتطويب من بشر هم تراب مثلك؟ سيدك يا صديقي {ظلم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه} {اش7:53}. {أحصى مع أثمة} أما هو فقبل هذا الصليب.. 8) أخيرًا يا أخي الحبيب، إذا أهنت فتضايقت، وكبرت عليك الإهانة علي الرغم من أنك خاطئ مثلي، فتذكر كيف أننا نهين الله فيصبر علينا ويحبنا ويقبلنا إليه! ما أعظم إلهنا الحنون ليس له شبيه بين الآلهة. |
||||
08 - 01 - 2014, 03:55 PM | رقم المشاركة : ( 17 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب انطلاق الروح لقداسة البابا شنودة الثالث
انطلق من ذاتك ان كنت ما تزال تهتم بفكرة الناس عنك، وتتخذ كافة الأسباب ليحسن رأيهم فيك فمن الصعب أن تصل إلي سمو انطلاق الروح.. في بعض الأحيان لا يمدحك الناس،أو يكون مديحهم لك أقل من مديحهم لغيرك. فبدلا من أن تسر وتبتهج، لأن شيطان المجد الباطل نائم عنك ولو إلي حين، أراك تسعي إلي أتعاب نفسك فتجلس إلي الناس تتسول مديحهم بطريقة لا تتفق مع كرامتك كابن لله، وهكذا تحدثهم عن نفسك.. فهل تسمح لي يا أخي الحبيب أن أناقش معك الأمر بنفس ما اعتدناه قبلا من صراحة: 1) لماذا تحدث الغير عن نفسك؟ أتريدهم أن يعجبوا بك؟ إليك إذن هذا السؤال الصريح: هل أنت في أعماق ذاتك معجب بنفسك؟ لا شك أنك في حقيقتك متضايق من نقائص كثيرة محيطة بك، لماذا تريد أذن أن يمجدوا شخصية أنت نفسك غير مقتنع بتمجيدها؟! 2) لو اعتمدنا فرضا مبدأ الحديث عن النفس، فهل أنت تعطي صورة صادقة حقيقية عن نفسك؟ أم أنت تذكر للناس النواحي البيضاء فقط، وتترك النقط البشعة الحقيرة التي تنفرهم منك؟ ألا تعرف يا صديقي أن أنصاف الحقائق ليست كلها حقائق؟ ألست تري إذن أن في حديثك عن نفسك شيئًا من الخداع والكذب وتقديم وجه واحد من صورة لها عيوبها – تلك العيوب التي تعرفها أنت جيدًا والتي يعرفها معك أبوك الروحي؟ 3) أنك تعرف بلا شك أن حديثك عن {فضائلك} يضيع عليك أجرك. ولست أشك أنك قرأت العظة علي الجبل وسمعت فيها {لا تعرف شمالك ما تفعله يمينك} {فأبوك الذي يري في الخفاء هو يجازيك علانية}.. أنني مشفق عليك يا أخي الحبيب، تجاهد طويلا في سبيل فضيلة معينة، وفي لحظة طيش، من لحظات البر الذاتي اللعين، يأتي الشيطان ويسلب كل جهادك منك، فإذا تعبك كله قد ضاع باطلًا. كلما أراك تتحدث عن نفسك، يخيل إلي أنك شخص زرعت زرعا، فلما أنماه الله وأتي ثمره، بدلا من أن تحصده وتفرح به أشعلت فيه النار، أو تركت الشيطان يحصده نيابة عنك! يا صديقي العزيز، كلما أحسست رغبة في التحدث عن نفسك، دع ذلك القول الإلهي يرِن في أذنيك {الحق أقول لكم أنهم قد استوفوا أجرهم} {مت2:6}. 4) هناك ضرر آخر من حديثك عن نفسك ربما توضحه لك الحادثة الآتية: كنت في أحدي المناسبات أتكلم في حماسة وإعجاب عن شخص مبارك أحبه وأقدره، فقاطعني أحد أساتذتي الروحيين قائلا: "أرجوك، لا تكمل هذا الكلام. أنك بهذا الحديث تجمع الشياطين حوله لتحاربه. أتركه يعمل في هدوء. أنه ما يزال مبتدئا وفي حاجة إلي صلوات كثيرة". فسكتّ وقد شعرت فعلا أنني أخطأت في حق هذا الإنسان. الشياطين لا تطيق أن تسمع عن أعمال طيبة لإنسان. أن أتخذك الله وسيلة لعمل مَجيد، فليكن ذلك سرا بينك وبين الله. لا تتحدث عن هذا العمل لئلا تتعرض لحسد الشياطين وقتالهم. ولا يضيع أجرك فحسب، وأنما قد تتعرض لحرب قاسية لا تعرف نتائجها. 5) أرأيت إذن بعضا من الضرر الذي يحيق بمن يتحدث عن نفسه؟ أتستطيع أن تدلني – في مقابل ذلك – عن فائدة واحدة تجنبها من مديحك لذاتك؟ لست أقصد تلك النزوة الحسية الخاطئة التي يشعر بها كل من يلمح نظرات الأعجاب موجهة إليه. فهذه في حد ذاتها خطيئة تحتاج إلي علاج!! هناك فائدة حقيقية أعرضها عليك: أن ألح عليك الحديث عن نفسك إلحاحًا لم تستطع له مقاومة، فحدث الناس عن ضعفك وعجزك، حدثهم عن نفسك الساقطة التي لولا معونة الله لأشبهت أهل سدوم، واطلب إليهم بإلحاح أن يصلوا من أجلك حتى يفتقدك الله برحمته. 6) كلمة صريحة أخري. ترددت طويلا قبل أن أهمس بها في أذنك، وهي أنه حتى الناس أنفسهم يشمئزون أحيانا ممن يتحدث كثيرًا عن نفسه. أنهم يسمونه أحيانا {المنتفخ} أو {المغرور}. وهكذا لا يكسب مثل هذا المادح لذاته سماءًا ولا أرضًا. 7) أخيرًا فإن تلك الأعمال التي تحاربك بالبر الذاتي ليست كلها من صنعك: هناك الظروف المحيطة، والدور الذي قام به الآخرون، والإمكانيات التي منحت لك من فوق. إنها تكون مبالغة بلا شك أن تنسب كل هذا إلى نفسك فقط ناسيا عمل الله فيك. أتراني ضايقتك بصراحتي يا أخي الحبيب؟ سامح ضعفي مصليًا من أجلي. |
||||
08 - 01 - 2014, 03:56 PM | رقم المشاركة : ( 18 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب انطلاق الروح لقداسة البابا شنودة الثالث
ذاتك أمام الله ومرة أخري يا أخي الحبيب أريد أن أحدثك عن ذاتك، ذاتك التي تحبها وتثق بها أكثر من الله أحيانا. أن لم تنكر هذه الذات فهيهات أن تتمتع بجمال انطلاق الروح. إن كانت المحبة هي الوصية الأولي في المسيحية، فان إنكار الذات هو الطريق الأول إلي المحبة. أنك لا تستطيع مطلقًا أن تحب الله والناس، طالما أنت تهتم بذاتك ولذاتك. لذلك عليك أن تنطلق أولًا من هذه الذات، فقد قال السيد له المجد: من أراد أن يتبعني فلينكر ذاته ويحمل صليبه ويتبعني (أم38:8). وهكذا جعل إنكار الذات أول كل شيء. ليكن هدفك إذن يا أخي الحبيب هو أخفاء ذاتك في الله بحيث لا يكون لك وجود مستقِل عنه، لتقل كما قال معلمنا بولس الرسول: {لكي أحيا لا أنا بل المسيح يحيا في} {غل20:2}. أن أردت أن يكون لك مجد، فليكن مجدك من الله، وعند الله كرر هذه الآية دائما: {مجدني أنت أيها الآب عن ذاتك} {يو5:17}. لا تبحث عن مجدك في العالميات {فالعالم يبيد وشهوته معه} أما أنت فأبن الله، وأما أنت {فهيكل الله وروح الله حال فيك}، لست من دم ولا مشيئة جسد ولا مشيئة رجل بل من الله ولدت، وروحك نفخة من الله، نسمة من فيه.. وأنت في كل قداس تتناول جسد الله ودمه، والله يريدك أن تتحد به، تثبت فيه، فلماذا إذن تترك هذا المجد العظيم كله، وتبحث عن مجدك في التراب؟ لماذا يهمك رأي الناس فيك، فتسر بمديحهم. وتدافع عن نفسك أن هاجموك، وتتسول رضاهم بحديثك عن نفسك؟ أما زلت يا أخي تحب التراب ومجد التراب؟ أما زالت نفسك تمثالا تقدم له الذبائح والقرابين – أنكر ذاتك، وركز محبتك كلها في الله وحده. قل كما قال يوحنا المعمدان {ينبغي أن ذاك يزيد وأني أنا أنقص، {يو30:3}. أتتهامس في تذمر وتقول {لا أريد أن أنقص}. أعلم إذن أنك سوف لا تنقص إلا الشوائب التي تعكر نقاوة عنصرك، سوف لا تنقص ألا المجد العالمي، ذلك التراب الذي علق بك، والذي ينبغي أن تنقضه لترجع نظيفًا كما خلقك الله وكما يريدك دائما أن تكون. هذا من جهة علاقتك بالناس، ولكني أريد أن أخاطبك أيضًا من جهة نظرتك إلي نفسك وموقفك أمام الله. إن أردت لروحك أن تنطلق فقف أمام الله كلا شيء، إنكر علمك وحكمتك، إنكر ذكاءك وخبرتك، وقف أمام الله كجاهل لا تعرف شيئًا. لست أقصد أن تدعي الجهل أو تتظاهر به، فالله لا ينخدع ولا يحب المدعين، إنما اعتقد يقينا – في تصريف كل أمر – أن ذاتك ينبغي أن تختفي ليظهر المسيح، ليس إمام الناس فحسب، وإنما أمام نفسك أيضًا. قل له يا رب أني أحكم حسب الظاهر، وقل له يا ربي أني ضعيف لا أستطيع مقاومة الشياطين، قل له أيضًا أن النتائج في يده وأطلب منه أن يتدخل فيرشدك، أو يسكن فيك ويعمل بك. وعندما يأتي الناس ليمدحوك علي فعلك، لا تفتخر ولا تتظاهر بالتواضع، إنما أتخذها فرصة أن تجلس معهم وترنم ذلك المزمور الخالد {لولا أن الرب كان معنا، فليقل إسرائيل لولا أن الرب كان معنا، حين قام الناس علينا، لابتلعونا ونحن أحياء.. إذن لغرقنا في الماء وجازت نفوسنا السيل} {مز123}. وعندما تعرض لك خطية، لا تثق بقوة روحك، ولا بماضيك في الانتصار {فقد طرحت كثيرين جرحي وكل قتلاها أقوياء} {أم26:7}. إنما اعتقد أن النصرة من عند الله، وإن تخلي عنك في أبسط الخطايا فسوف تشبه أهل سدوم. أنما رتل ذلك المزمور الجميل. {وأنت عرفت سبيلي. في الطريق التي أسلك اخفوا لي. نظرت إلي اليمين وأبصرت وليس من يعرفني. ضاع المهرب مني وليس من يسأل عن نفسي. فصرخت إليك يا رب وقلت أنت هو ملجأي ورجائي في أرض الأحياء.. نجني من مضطهدي لأنهم قد اعتزوا أكثر مني} {مز141}. يا أخي الحبيب. أنك لست شيئًا، فاعترف بهذا أمام الله وأمام نفسك،؟ وكلما فكرت أنك تستطيع عمل شيء، ارجع إلي ذاتك مرة أخري، وقل: من أنا يا رب حتى أقف إمام فرعون وأخرج بني إسرائيل من مصر!{خر11:3} فإن أقنعك الله بأنه سيكون لك فما، وأنه سيتكلم علي لسانك، وأنك سوف لا تكون إلا أداة، حينئذ استمر في حياتك. إن سرت في وادي ظل الموت فسوف لا تخاف شرا، وان قام عليك جيش ففي ذلك ستكون مطمئنا. حينئذ اذكرني أنا التراب النجس، لكي نتقابل معا. هناك... |
||||
08 - 01 - 2014, 03:57 PM | رقم المشاركة : ( 19 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب انطلاق الروح لقداسة البابا شنودة الثالث
انطلق من رغباتك الأرضية هل تعرف من أي شيء يجب أن تهرب؟ أهرب من الأغراض، من الآمال، من الرغبات اهرب من كل أولئك، أن كنت تود حقا أن تصل إلي انطلاق الروح. اسمح لي يا أخي الحبيب أن أدخل قليلًا إلي قلبك، وأتحدث إليك في صراحة. أن لك آمالا عرضة تشغلك كثيرًا، وتحتل جانبا من قلبك بل هي تحتل خيالك أيضًا فتجلس في وحدتك وتحلم بها أحلام اليقظة، تأوي إلي فراشك فتري هذه الآمال في نومك. لك أهداف أنت أدري الناس بها، ولست مستطيعًا أن تنكرها. أنك تود أن تكون شيئًا هاما، تود أن يعرفك الناس، ويبجلوك. لك آمال في الشهرة والصيت، ولك آمال في السيطرة والنفوذ، ولك رغبات في المال، وفي المركز الاجتماعي، وفي العلم، وفي الألقاب، وفي المستقبل، وفي المظاهر والسمعة. ولك رغبات في المسكن والمأكل والملبس. ولذات الجسد المنوعة. إنك لا تعيش في العالم بل العالم هو الذي يعيش فيك، ويستولي علي قلبك وفكرك وخيالك ومشيئتك أيضًا. أما روحك التي تعيش حبيسة في هذا كله فأنها تود الانطلاق من رغبات جسدك، الجسد الذي {يشتهي ضد الروح}. St-Takla.org Image: Artwork by Arcadi Blasco صورة في موقع الأنبا تكلا: عمل فني، الفنان أركادي بلاسكو انك يا أخي الحبيب تشقي بهذه الآمال والأغراض، فهي لا تتحقق جميعها، ولذلك فأنت غير راض. انك تشتاق وتشقي في اشتياقك ولذلك فأنت تعد العدة، وتلتمس الوسائل: تفكر، وتقابل وتكتب، وتسير وتذهب، وتسعي وتتعب في سعيك ثم أنت تجلس وتنتظر، وقد يضيق صدرك، وتمل الصبر والترجي، ويدركك اليأس أو القلق أو خوف الفشل، فتشفي بانتظارك. وقد ينتهي السعي والتعب إلي لا شيء وتحرم من رغبتك التي تودها فتشقي بالحرمان. وأخطر من هذا كله، فإن آمالك وأغراضك قد تجنح بك عن طريق الصواب فتتعلم بسببها الخداع، أو اللف والدوران، أو التزلف والتملق، أو الكذب، أو ما هو أبشع من هذا.. كما قال أحد الحكماء {لابد أن ينحدر المرء يومًا للنفاق، أن كان في نفسه شيء يود أن يخفيه}.. أنك متعب، وأنا أعرف هذا وأشفق عليك في تعبك. فإلي متي تعيش في جحيم الآمال! والعجيب في رغباتك الترابية هذه أنها تشقيك أيضًا حتى إذا تحققت. فرغبتك عندما تتحقق تتلذذ بها وتقودك اللذة إلي طلب المزيد. وهكذا كما قال السيد المسيح: {من يشرب من هذا الماء يعطش} {يو13:4}. وعندما يعطش سيسعى إلي الماء مرة أخري ليشرب، وكلما يشرب يزداد عطشًا، وكلما يزداد عطشًا، يزداد اشتياقًا إلي هذا الماء. لذلك يا أخي الحبيب أود أن أناقش معك الأمر في هدوء لماذا تتمسك برغبات معينة في العالم، والعالم يبيد وشهوته معه. أنك غريب مثلي علي الأرض، وستأتي ساعة تترك فيها هذا العالم وتترك فيه كل ما أخذته منه. عريانا خرجت من بطن أمك وعريانا تعود إلي هناك. ستترك رغمًا عنك كل ما في العالم من عظمة ومال وشهوة وتتوسد حفرة كأحقر الناس، ومهما بلغت في العالم من سطوة أو متعة أو شهرة، فإن هذا سوف لا يمنع جسدك الفاني من التعفن، سوف لا يمنع الدود من أن يرعى في جثتك حتى يأتي عليها. وستقف بعد هذا كله أمام الله مجردًا من مظاهر العالم المنوعة، لم تأخذ من الدنيا غير أعمالك، خيرا كانت أم شرًا. فحرام عليك يا أخي الحبيب أن تركز أغراضك وآمالك في هذه الأرض، الأرض التي تنبت لك شوكًا وحسكاً، والأرض التي قبلت دماء هابيل البار، والأرض التي يحفرون فيها أبارًا مشققة لا تضبط ماء. {أر13:2}. ان الآباء القديسين الذين عاشوا قبلنا علي الأرض. ولم تكن الأرض مستحقة أن يدوسوها بأقدامهم، هؤلاء جميعًا لم يصلوا إلي ما وصلوا إليه من قداسة. إلا بعد أن فرغوا قلوبهم من حب العالم والأشياء التي في العالم، فلم تعد لهم علي الأرض رغبة أو شهوة، ولم يحتفظوا فيها بقنية أو ملك. لم يتمسكوا بشيء في العالم لذلك سهل عليهم أن يتركوه، بل اشتاقوا إلي ذلك اشتياقًا. أما أنت يا أخي الحبيب فلك رغبات أرضية، {وحيثما يكون كنزك يكون قلبك أيضًا}. لذلك تعلق قلبك بالتراب ومجد التراب، فقلت قيمة الروحيات في نظرك. أنها التجربة التي حاول بها الشيطان أغراء رب المجد {أخذه إلي جبل عال جدًا وأراه جميع ممالك العالم ومجدها وقال له أعطيك هذه جميعها إن خررت وسجدت لي}. وأن ملكت هذه جميعها ماذا تستفيد أن خسرت روحك، روحك الحبيسة في قفص مذهب من الرغبات، وتود أن تنطلق. |
||||
08 - 01 - 2014, 03:58 PM | رقم المشاركة : ( 20 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب انطلاق الروح لقداسة البابا شنودة الثالث
انطلق من سلطان الحواس أنك تؤمن بحواسك الخمس إيمانا شديدًا ولا تصدق روحك أن تعارضت مع هذه الحواس فمتي تنجو من سلطان حواسك وتدرك انطلاق الروح. أنك تصدق الشيء الذي تراه بعينيك. أو تسمعه بأذنيك، أو تلمسه بيديك.. أما غير هذا فقد يعتريك فيه الشك فلماذا!! السبب بسيط، وهو أنك ما تزال عائشًا بالجسد، تؤمن بالجسد وحواسه. أنك تنظر هنا وهناك، فتري أنه ليس من أحد، ليس من مشاهد ولا من رقيب. فترتكب الخطأ الذي تتحاشى ارتكابه أمام الناظرين، فهل تصدق حقًا أنه لم يرك أحد؟! لقد كان هناك عينان تنظران إليك في إشفاق. وفي تأنيب.. ولكنك لم تبصر هاتين العينين لأنك كنت تعيش في الجسد.. كان الله يراقبك وأنت لا تراه ولو كنت تعيش بالروح منطلقًا من هذه الحواس القاصرة لاستطعت أن تقول ما قاله إيليا: {حي هو رب الجنود الذي أنا واقف أمامه} {1مل15:18}. تحيط بك المخاطر فتلتفت عن يمين وعن يسار. وإذ تري نفسك وحيدًا تخاف وترتعب. أن الله واقف عن يمينك لكي لا تتزعزع، ولكنك لا تراه. عيناك قاصرتان لا تبصران كل شيء. أنها عينان ماديتان لا تدركان الروحيات. ليتك يا أخي الحبيب تطلق روحك من سلطان هذه الحاسة الجسدية، روحك التي تفحص كل شيء حتى أعماق الله {1كو10:2}.، ليت روحك تنطلق لتري الله عن يمينك وتهمس في أذنه فرحا {أن سرت في وادي ظل الموت لا أخاف شرًا لأنك أنت معي} {مز23}. كان جيحزي المسكين خائفًا جدًا وهو يري بعينيه الأعداء يقتربون وليس من منقذ. أما أليشع العائش بالروح فكان مطمئنًا. كان يري بالروح ما لا تراه العين، ويسمع ما لا تسمعه الأذن. وإذ أشفق علي الغلام طلب من الله أن يفتح عينيه ليري... ونظر جيحزي فإذا الجبل زاخِر بجنود الله ومركباته فاطمأن {2مل17:6}. لا تعتمد علي حواسك فهي ضعيفة لا تدرك ما تدركه الروح. كانت أرملة صرفة صيدا إلي الكوار فتري فيه حفنة واحدة من الدقيق. إلي الكوز فتري فيه قليلًا من الزيت، وتري أن هذا الدقيق وهذا الزيت لا يكفيان إلا لصنع كعكة واحدة تأكلها مع أبنها ثم يموتان من الجوع. أما إيليا، رجل الله. فكان يري بالروح غير ما تراه العيون الجسدية: كان يري كوزالزيت لا ينقص مهما أخذت منه الأرملة وكذلك كوارالدقيق... وقد كان. {1مل14:17}. كان أليشع واقفا علي شاطئ الأردن. عينه الجسدية تري الأردن نهرا، وتري السير فيه يؤدي حتما إلى الغرق. أما روح أليشع فكانت منطلقة من هذه العين القاصرة. كان نهر الأردن والشاطئ بالنسبة إليه سواء. كلاهما أرض صالحة للسير أخذ أليشع رداء إيليا الذي سقط عنه عندما استقل المركبة النارية وضرب الماء بهذا الرداء فانفلق الماء وعبر أليشع {2مل14:2}. أن العين العادية تري ثوب إيليا ثوبا، أما أليشع فكان يراه بالروح قوي عجيبة يستخدمها الله.. ولم يكن في نظره ثوبًا كباقي الثياب. إن عينك قاصرة يا صديقي حتى في الماديات. هناك أجسام لا تراها، ومع ذلك فهي موجودة تتحدي بصرك الضعيف، وربما تستطيع أن تري هذه الأجسام الصغيرة باستعمال المجهر. فإذا لك يكن هناك مجهر، ولم تر عينك المجردة تلك الأشياء الدقيقة، أتستطيع أن تنكر وجودها لأنك لا تراها! فأن كان هذا في الماديات. فماذا تقول عن الروحانيات. في الأمور الروحية اترك فرصة للروح لكي تقودك، ولا ترغمها علي الخضوع للجسد، أتركها علي سجيتها تنطلق وتسبح في عالم الإلهيات "وطوبي لمن آمن دون أن يري" (يو29:20). لابد أنك سمعت عن الرؤي يا أخي الحبيب، حينما تسبح الروح في عالم الملائكة والقديسين وتري ما لا يراه الجسدانيون، هنا تري الروح منطلقة من سلطان الجسد، تستخدم أعضاءه في أغراضها الروحية، فتخضع الحواس للروح، وليس الروح للحواس. قال لي شخص أنه سمع بظهور ما رجرجس في أحد الكنائس فرفض أن يصدق، وذهب بنفسه إلي هناك ليتأكد بعينيه من فساد تلك {الخرافات} وفعلا ذهب ولم ير شيئًا. لست أريد أن أعلق علي هذه القصة بشيء، ولكني أعرض رأيًا وهو أن هذا الشخص وأمثاله قد لا يرون الرؤى لضعف أيمانهم بها، لأنهم يريدون إخضاع الروحيات لحواس الجسد، بينما يكشف الله للبسطاء عن أسرار ملكوته. |
||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|