منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08 - 08 - 2017, 04:05 PM   رقم المشاركة : ( 18771 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,295,731

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

الوالي الروماني يحاكم المسيح

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
في الصباح الباكر من يوم الجمعة بلغ الوالي في مخدعه قدومَ رئيس الكهنة مع مجلسه الموقَّر، وأنهم أحضروا معهم النبيَّ الناصري الشهير، صانع المعجزات الفائقة، مكتوفاً ومخفوراً، على صورةٍ تدلُّ أنه ارتكب جريمة عظيمة. وكان رؤساء اليهود يتشبَّثون بعظمتهم حتى في علاقاتهم مع الولاة الرومان. وكان الولاة يحترمون رؤساء اليهود ويعترفون لهم بسلطة واسعة ونفوذ عظيم، فكانوا غالباً ينفّذون لهم أحكامهم الدينية دون مراجعة.
اهتم رؤساء اليهود أن يتصرف بيلاطس معهم حسب عادته، فلا يفحص القضية، لأن الوقت قد دهمهم. كما كانوا يخشون أن فَحْصَ القضية يعني إلغاء حكمهم الظالم. ولما كانت شريعتهم تقول إن دخولَهم إلى دار المحكمة الوثنية ينجسهم، ولا وقت ليتطهروا من هذا التنجُّس قبل العيد العظيم، تساهل الوالي معهم وخرج إليهم، وأدخل المسيح مع العسكر إلى الدار. ثم سأل الرؤساءَ في غياب المسيح: "أية شكاية تقدِّمون على هذا الإنسان؟" فأجابوه: "لو لم يكن فاعلَ شرٍ لما كُنا سلَّمناه إليك". محاولين بهذا الرد أن لا يفحص بيلاطس القضية. لكن الوالي تمسَّك بحقوقه القانونية، فاضطرُّوا أن يصوغوا دعواهم في قالب قانوني، مما يوجِب معاقبة المسيح بالإعدام.
اتهامات اليهود للمسيح

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"ثُمَّ جَاءُوا بِيَسُوعَ مِنْ عِنْدِ قَيَافَا إِلَى دَارِ الْوِلَايَةِ، وَكَانَ صُبْحٌ. وَلَمْ يَدْخُلُوا هُمْ إِلَى دَارِ الْوِلَايَةِ لِكَيْ لَا يَتَنَجَّسُوا، فَيَأْكُلُونَ الْفِصْحَ. فَخَرَجَ بِيلَاطُسُ إِلَيْهِمْ وَقَالَ: "أَيَّةَ شِكَايَةٍ تُقَدِّمُونَ عَلَى هذَا الْإِنْسَانِ؟" أَجَابُوا وَقَالُوا لَهُ: "لَوْ لَمْ يَكُنْ فَاعِلَ شَرٍّ لَمَا كُنَّا قَدْ سَلَّمْنَاهُ إِلَيْكَ!" فَقَالَ لَهُمْ بِيلَاطُسُ: "خُذُوهُ أَنْتُمْ وَاحْكُمُوا عَلَيْهِ حَسَبَ نَامُوسِكُمْ". فَقَالَ لَهُ الْيَهُودُ: "لَا يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَقْتُلَ أَحَداً". لِيَتِمَّ قَوْلُ يَسُوعَ الَّذِي قَالَهُ مُشِيراً إِلَى أَيَّةِ مِيتَةٍ كَانَ مُزْمِعاً أَنْ يَمُوتَ" (يوحنا 18:28-32).
كانت الجريمة الأولى التي نسبها شيوخ اليهود للمسيح هي أنه يفسد الأمة، أي يثير فتنة سياسية ضد الحكومة. لكن لو صدق هذا القول لكان بيلاطس قد عرف هذا بواسطة جواسيسه دون تداخل الرؤساء الذين لا تسيئهم الفتنة ضد الحكومة.
وكانت الجريمة الثانية أن المسيح يمنع أن تُعطى جزية لقيصر. وهذا ما حاولوا أن يجعلوا المسيح أن يقوله، لكنه رفض وقال: "أعطوا ما لقيصر لقيصر وما للّه للّه".
وأما الشكاية الثالثة فكانت أنه "يقول إنه هو مسيحٌ ملك". وهذا أيضاً كذب، فليس في هذه التهمة أيضاً ما يؤثر على الوالي، لأنه يعلم جيداً أن هؤلاء اليهود يفتخرون بكل من يقاوم الحكم الروماني، فلا يمكن أن يسلِّموا يهودياً للقتْل بهذه التهمة لو كانت صحيحة.
فأجابهم الوالي بنفور وتحقير وتهكّم: "خذوه أنتم وأحكموا عليه حسب ناموسكم" مع أنه لا علاقة بين الجرائم التي ذكرها وبين ناموسهم. وكأنه يقول لهم: "لا تستطيعون أن تفعلوا ما تشاؤون بدوني، وأنا لا أخضع لمطاليبكم بدون فحص". فاضطر الرؤساء إلى التذلُّل لينالوا مرامهم، فقالوا: "لا يجوز لنا أن نقتل أحداً".
بيلاطس يستجوب المسيح

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"ثُمَّ دَخَلَ بِيلَاطُسُ أَيْضاً إِلَى دَارِ الْوِلَايَةِ وَدَعَا يَسُوعَ، وَقَالَ لَهُ: "أَأَنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟" أَجَابَهُ يَسُوعُ: "أَمِنْ ذَاتِكَ تَقُولُ هذَا، أَمْ آخَرُونَ قَالُوا لَكَ عَنِّي؟" أَجَابَهُ بِيلَاطُسُ: "أَلَعَلِّي أَنَا يَهُودِيٌّ؟ أُمَّتُكَ وَرُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ أَسْلَمُوكَ إِلَيَّ. مَاذَا فَعَلْتَ؟" أَجَابَ يَسُوعُ: "مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هذَا الْعَالَمِ. لَوْ كَانَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هذَا الْعَالَمِ لَكَانَ خُدَّامِي يُجَاهِدُونَ لِكَيْ لَا أُسَلَّمَ إِلَى الْيَهُودِ. وَلكِنِ الْآنَ لَيْسَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هُنَا". فَقَالَ لَهُ بِيلَاطُسُ: "أَفَأَنْتَ إِذاً مَلِكٌ؟" أَجَابَ يَسُوعُ: "أَنْتَ تَقُولُ إِنِّي مَلِكٌ. لِهذَا قَدْ وُلِدْتُ أَنَا، وَلِهذَا قَدْ أَتَيْتُ إِلَى الْعَالَمِ لِأَشْهَدَ لِلْحَقِّ. كُلُّ مَنْ هُوَ مِنَ الْحَقِّ يَسْمَعُ صَوْتِي". قَالَ لَهُ بِيلَاطُسُ: "مَا هُوَ الْحَقُّ؟". وَلَمَّا قَالَ هذَا خَرَجَ أَيْضاً إِلَى الْيَهُودِ وَقَالَ لَهُمْ: "أَنَا لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً وَاحِدَةً" (يوحنا 18:33-38).
حصل كل هذا في العراء أمام دار الولاية، وبعده دخل الوالي ودعا المسيح ليفحص أمره. وكان سؤاله الأول معقولاً ومناسباً، لأن اتهام اليهود له بأنه قال إنه مسيح ملك لم يكن في مواجهته فسأله: "أأنت ملك اليهود؟" ولم يستطع المسيحُ أن يجيب بنعم فقط، لئلا يأخذ الوالي هذا الجواب على معنى سياسي، بخلاف الواقع. ولم يستطع أن يقول كلا، لأنه بالحقيقة ملك اليهود، بل ملك كل العالم بالمعنى الروحي. وكان يعلم ما قاله اليهود للوالي، فأجاب: "أمِنْ ذاتك تقول هذا، أم آخرون قالوا لك عني؟". أي هل تطلب أن تعرف حقيقة أمري، أو فقط أن تعرف صِدْق الذين سلموني إليك؟ فنفى بيلاطس أنه يطلب معرفة الحقيقة بقوله: "ألعلي أنا يهودي؟". (يعني لماذا أهتمُّ أن أعرف مسيح اليهود؟") "أمَّتُك ورؤساء الكهنة أسلموك إليّ. ماذا فعلتَ؟".
حينئذ كلم المسيح بيلاطس بكلامٍ سامٍ بيَّن فيه ماهية ملكوته الروحي، وبرهان ذلك أن أتباعه لم يدافعوا عنه بالسلاح. بينما كانوا يستعملون السلاح لو كان فهموا ملكوته بالمعنى السياسي. لكن الوالي لم يكتفِ بهذا التصريح الروحي المُبهَم عنده، فطلب جواباً واضحاً على سؤاله، فقال المسيح: "أنت تقول إني ملك. لهذا قد وُلدت أنا. ولهذا قد أتيتُ إلى العالم لأشهد للحق (أي الحق الإلهي). وكلُّ مَنْ هو من الحق يسمع صوتي".
فقال بيلاطس بمزيج من الاستخفاف والاحترام، وهو خارجٌ ليقابل اليهود في الفسحة الخارجية: "ما هو الحق؟". أي من يقدر أن يعرف الحق بين الآراء الدينية الكثيرة المتضاربة؟ هل هو بجانب فلاسفة اليونان المتعبّدين للجمال وآلهته - أم بجانب الرومان المتعبدين للقوة وآلهتها - أم بجانب اليهود المتعبِّدين لإلهٍ واحد وهو روحٌ لا صورة ظاهرة له - أم بجانبك أنت المرفوضِ من أمَّتك اليهودية التي تخالفها، وتقول إنك أتيت من السماء لتشهد للحق؟".
سأل بيلاطس: "ما هو الحق؟" لكنه لم ينتظر الجواب، وما أكثر أمثاله في كل عصرٍ وقطر، الذين يسألون سؤال بيلاطس بالاستخفاف أو بالاحترام، لكنهم لا ينتظرون ليحصلوا على الجواب من الحق سبحانه، ولذلك لا يهتدون إليه. قال المسيح: "إِنْ ثَبَتُّمْ فِي كَلَامِي... تَعْرِفُونَ الْحَقَّ وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ" (يوحنا 8:31 ، 32).
وخرج بيلاطس ليعلن لليهود: "أنا لست أجد فيه علة واحدة". إنْ صحَّ زعْمُ البعض، تكون امرأته قد زرعت فيه مَيْلاً إلى المسيح. والأمر ظاهر أنه كان يهاب المسيح ويحترمه.
"فَقَالَ بِيلَاطُسُ لِرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْجُمُوعِ: "إِنِّي لَا أَجِدُ عِلَّةً فِي هذَا الْإِنْسَانِ". فَكَانُوا يُشَدِّدُونَ قَائِلِينَ: "إِنَّهُ يُهَيِّجُ الشَّعْبَ وَهُوَ يُعَلِّمُ فِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ مُبْتَدِئاً مِنَ الْجَلِيلِ إِلَى هُنَا" (لوقا 23:4 ، 5).
عند هذا التصريح من الوالي جدد اليهود شكاياتٍ متنوعة لم يْرضَ المسيح أن يجيب عليها. ولما سأله الوالي لماذا لا يدافعُ عن نفسه، لم يجِبْه بكلمة، لأنه يعلم أن كلامه يكون عبثاً. وتعجب الوالي من هذا السكوت، لكنه أظهر احترامه بإعادة شهادته أمام الرؤساء والجمهور ببراءة المسيح، فغضبوا وجددوا الشكوى بأن المسيح كان يحرك الشعب للفتنة، ليس فقط في ولاية بيلاطس، بل أكثر أيضاً في وطنه في ولاية هيرودس أنتيباس، في مقاطعة الجليل حيث قضى المسيح معظم سنيه.
ذكر رؤساء اليهود أن المسيح من الجليل ليهيِّجوا الوالي على المسيح ليقتله. لأن الجليليين أكثر الناس إثارةً للفتن السياسية. لكن الرؤساء ندموا على قولهم هذا، لأنه أدَّى إلى بطءٍ جديد في مشروعهم. فقد جعلوا الوالي يفكر في وسيلة جديدة للتخلُّص من هذه الدعوى المزعجة، بإحالتهم إلى حاكم الجليل اليهودي، رغم ما بينهما من الخلاف الشديد. فأرسل بيلاطسُ المسيحَ إلى قصر هيرودس في أورشليم، ومعه المشتكين عليه، وهو يحسب أن هذه الإِحالة تريحه من المسئولية تجاه اليهود وتجاه هيرودس أيضاً، ويكون فيها شيء من الاسترضاء، فينتهي العداء بينه وبين هيرودس، فنجح في الغاية الثانية، وصار بيلاطس وهيرودس صديقين مع بعضهما من ذلك اليوم. لكنه لم ينجح في التخُّلص من مشكلة إرضاء اليهود، ولا إراحة ضميره.
المسيح أمام هيرودس

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"فَلَمَّا سَمِعَ بِيلَاطُسُ ذِكْرَ الْجَلِيلِ، سَأَلَ: "هَلِ الرَّجُلُ جَلِيلِيٌّ؟" وَحِينَ عَلِمَ أَنَّهُ مِنْ سَلْطَنَةِ هِيرُودُسَ، أَرْسَلَهُ إِلَى هِيرُودُسَ، إِذْ كَانَ هُوَ أَيْضاً تِلْكَ الْأَيَّامَ فِي أُورُشَلِيمَ. وَأَمَّا هِيرُودُسُ فَلَمَّا رَأَى يَسُوعَ فَرِحَ جِدّاً، لِأَنَّهُ كَانَ يُرِيدُ مِنْ زَمَانٍ طَوِيلٍ أَنْ يَرَاهُ، لِسَمَاعِهِ عَنْهُ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً، وَتَرَجَّى أَنْ يَرَاهُ يَصْنَعُ آيَةً. وَسَأَلَهُ بِكَلَامٍ كَثِيرٍ فَلَمْ يُجِبْهُ بِشَيْءٍ. وَوَقَفَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةُ يَشْتَكُونَ عَلَيْهِ بِاشْتِدَادٍ، فَاحْتَقَرَهُ هِيرُودُسُ مَعَ عَسْكَرِهِ وَاسْتَهْزَأَ بِهِ، وَأَلْبَسَهُ لِبَاساً لَامِعاً، وَرَدَّهُ إِلَى بِيلَاطُسَ. فَصَارَ بِيلَاطُسُ وَهِيرُودُسُ صَدِيقَيْنِ مَعَ بَعْضِهِمَا فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، لِأَنَّهُمَا كَانَا مِنْ قَبْلُ فِي عَدَاوَةٍ بَيْنَهُمَا" (لوقا 23:6-12).
لما وصل المسيح مع المشتكين عليه إلى قصر الملك هيرودس فرح هذا جداً، ليس فقط لافتخاره بتنازل الوالي له، بل لأنه منذ زمان كان يشتهي أن يرى المسيح، لأنه أشهر كل أفراد رعيته في الجليل. ولم يكن قد رآه حتى ذلك الوقت. وقد فرح هيرودس لأنه ظن أن المسيح سيُجري أمامه المعجزات التي قد سمع بها كثيراً. لكن ألا تكون رؤية المسيح موَثَقَاً بالقيود تذكيراً مؤلماً لهيرودس بيوحنا المعمدان لما أدخلوا أمامه رأسه على طبق؟... لما سمع سابقاً بالمسيح قال إنه يوحنا المعمدان الذي قام من القبر، فماذا يظن الآن؟
فحص هيرودس المسيح بكلام كثير لم يُحفظ لنا منه شيء، لكن المسيح لم يكترث ولم يجِبْه بشيء. كان هيرودس الشرير قد أسكت صوت اللّه بفم المعمدان، والآن لا يكلمه ابنُ اللّه بشيء. فاحتقره هيرودس. مع عسكره واستهزأ به وألبسه لباساً لامعاً وردَّه (دون حكم) إلى بيلاطس.
بيلاطس يحاول أن ينقذ المسيح

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"فَدَعَا بِيلَاطُسُ رُؤَسَاءَ الْكَهَنَةِ وَالْعُظَمَاءَ وَالشَّعْبَ، وَقَالَ لَهُمْ: "قَدْ قَدَّمْتُمْ إِلَيَّ هذَا الْإِنْسَانَ كَمَنْ يُفْسِدُ الشَّعْبَ. وَهَا أَنَا قَدْ فَحَصْتُ قُدَّامَكُمْ وَلَمْ أَجِدْ فِي هذَا الْإِنْسَانِ عِلَّةً مِمَّا تَشْتَكُونَ بِهِ عَلَيْهِ. وَلَا هِيرُودُسُ أَيْضاً، لِأَنِّي أَرْسَلْتُكُمْ إِلَيْهِ. وَهَا لَا شَيْءَ يَسْتَحِقُّ الْمَوْتَ صُنِعَ مِنْهُ. فَأَنَا أُؤَدِّبُهُ وَأُطْلِقُهُ". وَكَانَ مُضْطَرّاً أَنْ يُطْلِقَ لَهُمْ كُلَّ عِيدٍ وَاحِداً، فَصَرَخُوا بِجُمْلَتِهِمْ قَائِلِينَ: "خُذْ هذَا وَأَطْلِقْ لَنَا بَارَابَاسَ!" وَذَاكَ كَانَ قَدْ طُرِحَ فِي السِّجْنِ لِأَجْلِ فِتْنَةٍ حَدَثَتْ فِي الْمَدِينَةِ وَقَتْلٍ. فَنَادَاهُمْ أَيْضاً بِيلَاطُسُ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُطْلِقَ يَسُوعَ، فَصَرَخُوا: "اصْلِبْهُ! اصْلِبْهُ!" فَقَالَ لَهُمْ ثَالِثَةً: "فَأَيَّ شَرٍّ عَمِلَ هذَا؟ إِنِّي لَمْ أَجِدْ فِيهِ عِلَّةً لِلْمَوْتِ، فَأَنَا أُؤَدِّبُهُ وَأُطْلِقُهُ". فَكَانُوا يَلِجُّونَ بِأَصْوَاتٍ عَظِيمَةٍ طَالِبِينَ أَنْ يُصْلَبَ. فَقَوِيَتْ أَصْوَاتُهُمْ وَأَصْوَاتُ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ. فَحَكَمَ بِيلَاطُسُ أَنْ تَكُونَ طِلْبَتُهُمْ. فَأَطْلَقَ لَهُمُ الَّذِي طُرِحَ فِي السِّجْنِ لِأَجْلِ فِتْنَةٍ وَقَتْلٍ، الَّذِي طَلَبُوهُ، وَأَسْلَمَ يَسُوعَ لِمَشِيئَتِهِمْ" (لوقا 23:13-25).
لما عاد الجمع بالمسيح إلى بيلاطس مع جواب أن هيرودس لم يقف له على ذنب حقيقي يستوجبُ قَتْله، دعا بيلاطس الشعب مع رؤساء الكهنة والعظماء، لعله يحصل من الشعب على مساعدةٍ ضد مكائد الرؤساء، واقترح على اليهود أن يكتفوا بجلْدِه، زاعماً أن هذا إشفاق على المسيح يخدم العدالة بتخليص بريء من الإِعدام، وفي الوقت ذاته يجتنب استياء اليهود منه، الذي لا بد سيحصل، لو أنه أطلق المسيح بدون أن يعذبه. فقال لهم: "أنا أؤدبه وأطلقه". بيلاطس يؤدب المسيح بعد أن برَّأه تماماً، والأمران ضِدان. هذا بداءة خطئه، الذي جرَّه إلى أخطاء أعظم.
عند ذلك تحوَّلت أفكار الجموع إلى أمرٍ آخر تعوَّدوه في مثل هذا الوقت من كل عام، وهو أن الوالي يُطلق أحد المسجونين تحت الحكم بالإِعدام هديةً لهم بمناسبة عيد الفصح. فلما طالبوا بيلاطس بهذه المنحة، رأى في ذلك بابَ فرجٍ للمسيح، فخيَّرهم مراعاةً لحريتهم بين المسيح وبين محكومٍ عليه بالإِعدام، اسمه باراباس، قائد زمرةِ لصوصٍ ارتكبوا فتنة وقتلاً. ولم يتصور بيلاطس أن الجمهور سيطلب منه أن يطلق لهم باراباس ويقتلَ المعلمَ الديني التقي الصالح، الذي شفى من مرضاهم عدداً لا يُحصى. وكان بيلاطس يظن أن الجمهور ليس مدفوعاً كالرؤساء بعوامل الحسد ليفضِّلوا لِصاً صانع فتنة على صانع المعجزات الذي اتهموه زوراً بأنه صانع فتنة. فسأل الجمهور: "من تريدون أن أطلق لكم، باراباس أم يسوع الذي يُدعَى المسيح ملك اليهود؟" ثم دخل بعد سؤاله وجلس على كرسي الولاية ليعطي فرصة للجمهور ليقرروا من يختارون.
وصية زوجة بيلاطس

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"وَإِذْ كَانَ جَالِساً عَلَى كُرْسِيِّ الْوِلَايَةِ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ امْرَأَتُهُ قَائِلَةً: "إِيَّاكَ وَذلِكَ الْبَارَّ، لِأَنِّي تَأَلَّمْتُ الْيَوْمَ كَثِيراً فِي حُلْمٍ مِنْ أَجْلِهِ". وَلكِنَّ رُؤَسَاءَ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخَ حَرَّضُوا الْجُمُوعَ عَلَى أَنْ يَطْلُبُوا بَارَابَاسَ وَيُهْلِكُوا يَسُوعَ. فَسَأَلَ الْوَالِي: "مَنْ مِنَ الِاثْنَيْنِ تُرِيدُونَ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ؟" فَقَالُوا: "بَارَابَاسَ". قَالَ لَهُمْ بِيلَاطُسُ: "فَمَاذَا أَفْعَلُ بِيَسُوعَ الَّذِي يُدْعَى الْمَسِيحَ؟" قَالَ لَهُ الْجَمِيعُ: "لِيُصْلَبْ!" فَقَالَ الْوَالِي: "وَأَيَّ شَرٍّ عَمِلَ؟" فَكَانُوا يَزْدَادُونَ صُرَاخاً قَائِلِينَ: "لِيُصْلَبْ!" فَلَمَّا رَأَى بِيلَاطُسُ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُ شَيْئاً، بَلْ بِالْحَرِيِّ يَحْدُثُ شَغَبٌ، أَخَذَ مَاءً وَغَسَلَ يَدَيْهِ قُدَّامَ الْجَمْعِ قَائِلاً: "إِنِّي بَرِيٌّ مِنْ دَمِ هذَا الْبَارِّ. أَبْصِرُوا أَنْتُمْ". فَأَجَابَ جَمِيعُ الشَّعْبِ: "دَمُهُ عَلَيْنَا وَعَلَى أَوْلَادِنَا". حِينَئِذٍ أَطْلَقَ لَهُمْ بَارَابَاسَ" (متى 27:19-26 أ).
اتفق عند ذلك مجيء رسول من زوجة بيلاطس تحذّره من أن يحكم ضد المسيح الذي سمَّتْه "ذلك البار". لأنها تألمت كثيراً في ذلك اليوم في حلم من أجله. لا بد أن هذا الحلم ترك أثره في زوجها، لأنه مِثْلُ جميع الوثنيين تحت سلطة الخرافات، فيزيد خوفَه من أن يأخذ على نفسه مسئولية إعدام المسيح. لكن بينما كانت أسباب تبرئة المسيح تزيد في غرفة الوالي، كان العكس تماماً يزيد في خارجها، لأن الرؤساء بذلوا كل جهدهم ليقنعوا الجمهور أن يُصرُّوا على قَتْله بدعوى أنه جدَّف، إذْ أطلق على نفسه صفة الإله، فجريمته أعظم من جريمة باراباس، ولا سيما أنه أراد أن ينقُضَ هيكلهم المعظَّم. فلما طلب بيلاطس جوابهم، صرخوا جميعاً قائلين: "خُذْ هذا وأطلق لنا باراباس". ولما راجعهم لعل اختيارهم كان عن إسراعٍ أو سوء فهم، وكأنه يُظِهرُ لهم مرة أخرى مَيْله لأن يطلق المسيح، كان ينتظر أن يؤثر ذلك فيهم ليغيِّروا قرارهم، ولكنهم أصرُّوا على قرارهم الأول قائلين: "أطلِقْ لنا باراباس".
لم يكتفِ الوالي بهذا الجواب فسألهم: "ماذا تريدون أن أفعل بيسوع؟". فكرروا صراخهم: "اصلبه اصلبه".
لكن الوالي راجعهم ثالثة فقال: "وأي شرٍ عمل هذا؟ إني لم أجدْ فيه علة للموت. فأنا أؤدبه وأطلقه". غير أن قبوله أن يؤدِّب رجلاً، كرَّر هو تصريحَه ببراءته، يعني أنه سلَّم بعض الحكم والسلطة للجمهور، فتهيَّج طمعهم وعنادهم وتشبُّثهم بأن يفعل الوالي إرادتهم لا إرادته. وأخذوا يلجُّون بأصوات عظيمة ويزدادون جداً صراخاً قائلين: "اصلبه". فقويت أصواتهم وأصوات رؤساء الكهنة، وأصبح بيلاطس آلة بين أيديهم، واستسلم لجنون الجمهور وطلبهم أن يُصلَب. إلا أنه لم يسلِّم دون تحفظ، بل حاول التخلُّص تماماً من مسئولية هذا الغدر، ووضعها على الرؤساء والشعب. وعلامة لذلك أخذ ماءً وغسل يديه أمام الجَمْع قائلاً: "إني بريء من دم هذا البار". فقال جميع الشعب: "دمه علينا وعلى أولادنا".
ومن الغريب أن الذين قالوا: "دمه علينا وعلى أولادنا" اغتاظوا بعد حين على بعض رسل المسيح وقالوا لهم: "قَدْ مَلَأْتُمْ أُورُشَلِيمَ بِتَعْلِيمِكُمْ، وَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْلِبُوا عَلَيْنَا دَمَ هذَا الْإِنْسَانِ" (أعمال 5:28).
جَلْد المسيح

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"وَأَمَّا يَسُوعُ فَجَلَدَهُ وَأَسْلَمَهُ لِيُصْلَبَ. فَأَخَذَ عَسْكَرُ الْوَالِي يَسُوعَ إِلَى دَارِ الْوِلَايَةِ وَجَمَعُوا عَلَيْهِ كُلَّ الْكَتِيبَةِ، فَعَرَّوْهُ وَأَلْبَسُوهُ رِدَاءً قِرْمِزِيّاً، وَضَفَرُوا إِكْلِيلاً مِنْ شَوْكٍ وَوَضَعُوهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَقَصَبَةً فِي يَمِينِهِ. وَكَانُوا يَجْثُونَ قُدَّامَهُ وَيَسْتَهْزِئُونَ بِهِ قَائِلِينَ: "السَّلَامُ يَا مَلِكَ الْيَهُودِ!" وَبَصَقُوا عَلَيْهِ، وَأَخَذُوا الْقَصَبَةَ وَضَرَبُوهُ عَلَى رَأْسِهِ" (متى 27:26 ب-30).
في قانون اليهود كان لا بد لمن يُحكَم عليه بالصلب أن يُجلَد أولاً، وكان الجَلْد يوقف عند تسع وثلاثين جلدة على الأكثر، لكن العدالة الرومانية المشهورة كانت عديمة الإِشفاق، فكان جَلْد المجرمين يتجاوز في القساوة كل الحدود المعقولة، بأسواطٍ من جلد مربوط في أطرافها قطعٌ من حديد أو رصاص أو عظام. فكثيراً ما كان يُغمى على المضروب. وكان البعض يموتون في أثناء الجلد.
وقد أسلم بيلاطس المسيح للجلد، ولعله كان يأمل أن اليهود يكتفون بهذا القصاص الصارم، فيعدلون عن طلب الصلب.
أخذ الجنود الرومان المسيح وجعلوه بين أيديهم. سمعوا أنه تلقَّب ملكَ اليهود فقصدوا أن يسخروا به كملك. أخذوه إلى داخل دار الولاية، وجمعوا عليه كل الكتبة، وعرُّوه وألبسوه رداء قرمزياً (ثوب أرجوان) وضفروا إكليلاً من شوك ووضعوه على رأسه. وقصبة في يمينه (إشارةً إلى قضيب المُلْك والصولجان). وكانوا يجثون أمامه استهزاءً قائلين: "السلام يا ملك اليهود". وكانوا يخطفون من يده القصبة ويلطمونه ويضربونه بها على رأسه ويبصقون عليه، ثم يعيدون السجود له.
محاولة أخيرة لإنقاذ المسيح

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"فَخَرَجَ بِيلَاطُسُ أَيْضاً خَارِجاً وَقَالَ لَهُمْ: "هَا أَنَا أُخْرِجُهُ إِلَيْكُمْ لِتَعْلَمُوا أَنِّي لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً وَاحِدَةً". فَخَرَجَ يَسُوعُ خَارِجاً وَهُوَ حَامِلٌ إِكْلِيلَ الشَّوْكِ وَثَوْبَ الْأُرْجُوانِ. فَقَالَ لَهُمْ بِيلَاطُسُ: "هُوَذَا الْإِنْسَانُ". فَلَمَّا رَآهُ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْخُدَّامُ صَرَخُوا: "اصْلِبْهُ! اصْلِبْهُ!" قَالَ لَهُمْ بِيلَاطُسُ: "خُذُوهُ أَنْتُمْ وَاصْلِبُوهُ، لِأَنِّي لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً". أَجَابَهُ الْيَهُودُ: "لَنَا نَامُوسٌ، وَحَسَبَ نَامُوسِنَا يَجِبُ أَنْ يَمُوتَ، لِأَنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ ابْنَ اللّهِ". فَلَمَّا سَمِعَ بِيلَاطُسُ هذَا الْقَوْلَ ازْدَادَ خَوْفاً. فَدَخَلَ أَيْضاً إِلَى دَارِ الْوِلَايَةِ وَقَالَ لِيَسُوعَ: "مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟" وَأَمَّا يَسُوعُ فَلَمْ يُعْطِهِ جَوَاباً. فَقَالَ لَهُ بِيلَاطُسُ: "أَمَا تُكَلِّمُنِي؟ أَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ لِي سُلْطَاناً أَنْ أَصْلِبَكَ وَسُلْطَاناً أَنْ أُطْلِقَكَ؟" أَجَابَ يَسُوعُ: " لَمْ يَكُنْ لَكَ عَلَيَّ سُلْطَانٌ الْبَتَّةَ، لَوْ لَمْ تَكُنْ قَدْ أُعْطِيتَ مِنْ فَوْقُ. لِذلِكَ الَّذِي أَسْلَمَنِي إِلَيْكَ لَهُ خَطِيَّةٌ أَعْظَمُ". مِنْ هذَا الْوَقْتِ كَانَ بِيلَاطُسُ يَطْلُبُ أَنْ يُطْلِقَهُ، وَلكِنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَصْرُخُونَ: "إِنْ أَطْلَقْتَ هذَا فَلَسْتَ مُحِبّاً لِقَيْصَرَ. كُلُّ مَنْ يَجْعَلُ نَفْسَهُ مَلِكاً يُقَاوِمُ قَيْصَرَ".
فَلَمَّا سَمِعَ بِيلَاطُسُ هذَا الْقَوْلَ أَخْرَجَ يَسُوعَ، وَجَلَسَ عَلَى كُرْسِيِّ الْوِلَايَةِ فِي مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ "الْبَلَاطُ" وَبِالْعِبْرَانِيَّةِ "جَبَّاثَا". وَكَانَ اسْتِعْدَادُ الْفِصْحِ وَنَحْوُ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ. فَقَالَ لِلْيَهُودِ: "هُوَذَا مَلِكُكُمْ". فَصَرَخُوا: "خُذْهُ! خُذْهُ اصْلِبْهُ!" قَالَ لَهُمْ بِيلَاطُسُ: "أَأَصْلِبُ مَلِكَكُمْ؟" أَجَابَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ: "لَيْسَ لَنَا مَلِكٌ إِلَّا قَيْصَرُ". فَحِينَئِذٍ أَسْلَمَهُ إِلَيْهِمْ لِيُصْلَبَ. فَأَخَذُوا يَسُوعَ وَمَضَوْا بِهِ" (يوحنا 19:4-16).
أخيراً أخذ بيلاطس المسيح من بين أيدي الجنود، وخرج به متوَّجاً بإكليل الشوك، ومسربلاً بالثوب الأرجواني، وقدَّمه إلى الجمع المنتِظر، مكرراً مرة أخرى تبرئته قائلاً: "أُخرجه إليكم، لتعلموا أني لم أجد فيه علة واحدة. هوذا الإنسان". قال بيلاطس هذا وهو يشير إلى يسوع وقد أفرط في الاستهزاء به. فازدادت جرأة اليهود وصرخوا من جديد: "اصلبه اصلبه". فكرر بيلاطس حكمه مرة أخرى ببراءته قائلاً: "خذوه أنتم اأصلبوه، لأني لست أجد فيه علَّةً". فصرخوا: "لنا ناموس، وحسب ناموسنا يجب أن يموت، لأنه جعل نفسه ابن اللّه".
كان بيلاطس قد تحقق امتياز المسيح في الصلاح والحكمة، فلما سمع أنه قال عن نفسه إنه ابنُ اللّه، ازداد خوفاً، ورجع للمسيح إلى داخل الدار وسأله: "مِنْ أين أنت؟". فقابل المسيح سؤال الوالي الجدّي الجديد بالسكوت، لكن الوالي لم يتعود عدم إجابة أسئلته، وهو لا يحتمل ذلك، فقال له: "أما تكلمني؟ ألست تعلم أن لي سلطاناً أن أصلبك وسلطاناً أن أطلقك؟" كأنه يقول له: "ألم تلاحظ كل مساعيّ لأجل تبرئتك؟. فلماذا تمنعني بسكوتك عن أن أطلقك؟ قدم الأجوبة السديدة على هذه الشِكايات لكي أكون مسنوداً في إطلاقك".
ومن هذا الذي يدَّعي بالسلطان؟ هل لبيلاطس سلطان على القانون ليخالفه، أو على العدالة ليدوسها؟ هل له سلطان على نفسه ليضحك على الخوف ويتبع ضميره؟ هل له سلطان على أفكار الذين هُمْ تحت حكمه من اليهود؟ هل له سلطان على شهامة هذا الجريح الواقف أمامه والمنهوك القوى الجسدية، فيزحزحه بمقدار شعرةٍ واحدةٍ عن استقامته وقصده؟ كان أشرف لبيلاطس أن لا يتلفظ بكلمة عن السلطان، في ساعة الخضوعِ لرعاياه في الظلم والقسوة.
رأى المسيح أن هذا الادعاء يستحق الجواب، ويتطلَّب منه إظهار عظمته وسلطانه الحقيقيين، فقال له: "لم يكن لك عليّ سلطان البتة، لو لم تكن قد أُعطيت مِنْ فوق. لذلك، الذي أسلمني إليك له خطيئة أعظم". الذي أسلمه إلى بيلاطس هو رئيس الكهنة. فنفهم بكل سهولة كيف عظمَّ المسيحُ خطيئة الرئيس اليهودي على خطيئة بيلاطس الوثني. بيلاطس مدفوع من الرئيس. لكن الرئيس اليهودي مدفوع من عواطفه الشريرة.
هزت إجابة المسيح أعماق نفس بيلاطس، فأراد أن يطلقه حراً، بعد أن حدَّد المسيح في إجابته سلطان بيلاطس، وأشار إلى سلطة الرب على قوات الشر.
أخيراً فرغت كل حيل الرؤساء، فلجأوا إلى التهديد. لو كان بيلاطس مستقيماً لكان التهديد يزيد عزمه على إجراء العدالة والحق، لأن لا شيء يثبِّت الرجل الكبير المستقيم في عزمه الصالح كالتهديد. لكن الشكايات الصادقة التي سبق وقُدِّمت ضد بيلاطس للقيصر جعلت القيصر يستاء منه، ويريد أن يعزله لأَقل سبب. ولذلك هدد رؤساء اليهود بيلاطس بصراخهم: "إنْ أطلقتَ هذا فلست محباً لقيصر. كل من يجعل نفسه ملكاً يقاوم قيصر". يعني إنْ أطلقتَ هذا، نشكوك إلى مولاك الإمبراطور، بأنك انتصرت لإِنسانٍ قام لينازع القيصر على مُلْكه. وأنت تعلم ماذا تكون نتيجة ذلك عليك.
أناخت هذه الضربة الشيطانية بيلاطس تماماً أمامهم، فخرج وجلس على كرسي الولاية في موضع يُقال له البلاط وقال: "هوذا ملككم". فصرخوا أكثر: "خذه خذه. اصلبه". فقال لهم بيلاطس: "أأصلب ملككم؟" فصرخوا: "ليس لنا ملك إلا قيصر". واعتبروا ذلك حكمة سياسية تثبّت نفوذهم. في قولهم هذا ختموا على النبوَّة بزوال قضيب المُلْك من نسل داود متى جاء المسيح "شيلون" الذي "لَهُ يَكُونُ خُضُوعُ شُعُوبٍ" (تكوين 49:10).
لم يبْقَ لبيلاطس من حيلة، فأسلمه إليهم ليُصلب. ولما استلموه كرروا الاستهزاء به، ثم نزعوا الرداء الأرجواني وألبسوه ثيابه، وخرجوا ومضوا به للصلب.
وصف التاريخ بيلاطس بالعناد الزائد، وقد ظهر هذا العناد في دفاعه المتكرر في وجه رؤساء اليهود. فبعناده أثبت فوق كل ريب أن المسيح بريء، وأن شيوخ اليهود ظالمون. لكنه بالرجوع عن عناده، وتسليمه المسيح للصلب، أثبت قول المسيح إنه يموت صلباً ويُسفك دمه لأجل حياة العالم.
 
قديم 08 - 08 - 2017, 04:06 PM   رقم المشاركة : ( 18772 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,295,731

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

الوالي الروماني يحاكم المسيح

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
في الصباح الباكر من يوم الجمعة بلغ الوالي في مخدعه قدومَ رئيس الكهنة مع مجلسه الموقَّر، وأنهم أحضروا معهم النبيَّ الناصري الشهير، صانع المعجزات الفائقة، مكتوفاً ومخفوراً، على صورةٍ تدلُّ أنه ارتكب جريمة عظيمة. وكان رؤساء اليهود يتشبَّثون بعظمتهم حتى في علاقاتهم مع الولاة الرومان. وكان الولاة يحترمون رؤساء اليهود ويعترفون لهم بسلطة واسعة ونفوذ عظيم، فكانوا غالباً ينفّذون لهم أحكامهم الدينية دون مراجعة.
اهتم رؤساء اليهود أن يتصرف بيلاطس معهم حسب عادته، فلا يفحص القضية، لأن الوقت قد دهمهم. كما كانوا يخشون أن فَحْصَ القضية يعني إلغاء حكمهم الظالم. ولما كانت شريعتهم تقول إن دخولَهم إلى دار المحكمة الوثنية ينجسهم، ولا وقت ليتطهروا من هذا التنجُّس قبل العيد العظيم، تساهل الوالي معهم وخرج إليهم، وأدخل المسيح مع العسكر إلى الدار. ثم سأل الرؤساءَ في غياب المسيح: "أية شكاية تقدِّمون على هذا الإنسان؟" فأجابوه: "لو لم يكن فاعلَ شرٍ لما كُنا سلَّمناه إليك". محاولين بهذا الرد أن لا يفحص بيلاطس القضية. لكن الوالي تمسَّك بحقوقه القانونية، فاضطرُّوا أن يصوغوا دعواهم في قالب قانوني، مما يوجِب معاقبة المسيح بالإعدام.
اتهامات اليهود للمسيح

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"ثُمَّ جَاءُوا بِيَسُوعَ مِنْ عِنْدِ قَيَافَا إِلَى دَارِ الْوِلَايَةِ، وَكَانَ صُبْحٌ. وَلَمْ يَدْخُلُوا هُمْ إِلَى دَارِ الْوِلَايَةِ لِكَيْ لَا يَتَنَجَّسُوا، فَيَأْكُلُونَ الْفِصْحَ. فَخَرَجَ بِيلَاطُسُ إِلَيْهِمْ وَقَالَ: "أَيَّةَ شِكَايَةٍ تُقَدِّمُونَ عَلَى هذَا الْإِنْسَانِ؟" أَجَابُوا وَقَالُوا لَهُ: "لَوْ لَمْ يَكُنْ فَاعِلَ شَرٍّ لَمَا كُنَّا قَدْ سَلَّمْنَاهُ إِلَيْكَ!" فَقَالَ لَهُمْ بِيلَاطُسُ: "خُذُوهُ أَنْتُمْ وَاحْكُمُوا عَلَيْهِ حَسَبَ نَامُوسِكُمْ". فَقَالَ لَهُ الْيَهُودُ: "لَا يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَقْتُلَ أَحَداً". لِيَتِمَّ قَوْلُ يَسُوعَ الَّذِي قَالَهُ مُشِيراً إِلَى أَيَّةِ مِيتَةٍ كَانَ مُزْمِعاً أَنْ يَمُوتَ" (يوحنا 18:28-32).
كانت الجريمة الأولى التي نسبها شيوخ اليهود للمسيح هي أنه يفسد الأمة، أي يثير فتنة سياسية ضد الحكومة. لكن لو صدق هذا القول لكان بيلاطس قد عرف هذا بواسطة جواسيسه دون تداخل الرؤساء الذين لا تسيئهم الفتنة ضد الحكومة.
وكانت الجريمة الثانية أن المسيح يمنع أن تُعطى جزية لقيصر. وهذا ما حاولوا أن يجعلوا المسيح أن يقوله، لكنه رفض وقال: "أعطوا ما لقيصر لقيصر وما للّه للّه".
وأما الشكاية الثالثة فكانت أنه "يقول إنه هو مسيحٌ ملك". وهذا أيضاً كذب، فليس في هذه التهمة أيضاً ما يؤثر على الوالي، لأنه يعلم جيداً أن هؤلاء اليهود يفتخرون بكل من يقاوم الحكم الروماني، فلا يمكن أن يسلِّموا يهودياً للقتْل بهذه التهمة لو كانت صحيحة.
فأجابهم الوالي بنفور وتحقير وتهكّم: "خذوه أنتم وأحكموا عليه حسب ناموسكم" مع أنه لا علاقة بين الجرائم التي ذكرها وبين ناموسهم. وكأنه يقول لهم: "لا تستطيعون أن تفعلوا ما تشاؤون بدوني، وأنا لا أخضع لمطاليبكم بدون فحص". فاضطر الرؤساء إلى التذلُّل لينالوا مرامهم، فقالوا: "لا يجوز لنا أن نقتل أحداً".
بيلاطس يستجوب المسيح

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"ثُمَّ دَخَلَ بِيلَاطُسُ أَيْضاً إِلَى دَارِ الْوِلَايَةِ وَدَعَا يَسُوعَ، وَقَالَ لَهُ: "أَأَنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟" أَجَابَهُ يَسُوعُ: "أَمِنْ ذَاتِكَ تَقُولُ هذَا، أَمْ آخَرُونَ قَالُوا لَكَ عَنِّي؟" أَجَابَهُ بِيلَاطُسُ: "أَلَعَلِّي أَنَا يَهُودِيٌّ؟ أُمَّتُكَ وَرُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ أَسْلَمُوكَ إِلَيَّ. مَاذَا فَعَلْتَ؟" أَجَابَ يَسُوعُ: "مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هذَا الْعَالَمِ. لَوْ كَانَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هذَا الْعَالَمِ لَكَانَ خُدَّامِي يُجَاهِدُونَ لِكَيْ لَا أُسَلَّمَ إِلَى الْيَهُودِ. وَلكِنِ الْآنَ لَيْسَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هُنَا". فَقَالَ لَهُ بِيلَاطُسُ: "أَفَأَنْتَ إِذاً مَلِكٌ؟" أَجَابَ يَسُوعُ: "أَنْتَ تَقُولُ إِنِّي مَلِكٌ. لِهذَا قَدْ وُلِدْتُ أَنَا، وَلِهذَا قَدْ أَتَيْتُ إِلَى الْعَالَمِ لِأَشْهَدَ لِلْحَقِّ. كُلُّ مَنْ هُوَ مِنَ الْحَقِّ يَسْمَعُ صَوْتِي". قَالَ لَهُ بِيلَاطُسُ: "مَا هُوَ الْحَقُّ؟". وَلَمَّا قَالَ هذَا خَرَجَ أَيْضاً إِلَى الْيَهُودِ وَقَالَ لَهُمْ: "أَنَا لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً وَاحِدَةً" (يوحنا 18:33-38).
حصل كل هذا في العراء أمام دار الولاية، وبعده دخل الوالي ودعا المسيح ليفحص أمره. وكان سؤاله الأول معقولاً ومناسباً، لأن اتهام اليهود له بأنه قال إنه مسيح ملك لم يكن في مواجهته فسأله: "أأنت ملك اليهود؟" ولم يستطع المسيحُ أن يجيب بنعم فقط، لئلا يأخذ الوالي هذا الجواب على معنى سياسي، بخلاف الواقع. ولم يستطع أن يقول كلا، لأنه بالحقيقة ملك اليهود، بل ملك كل العالم بالمعنى الروحي. وكان يعلم ما قاله اليهود للوالي، فأجاب: "أمِنْ ذاتك تقول هذا، أم آخرون قالوا لك عني؟". أي هل تطلب أن تعرف حقيقة أمري، أو فقط أن تعرف صِدْق الذين سلموني إليك؟ فنفى بيلاطس أنه يطلب معرفة الحقيقة بقوله: "ألعلي أنا يهودي؟". (يعني لماذا أهتمُّ أن أعرف مسيح اليهود؟") "أمَّتُك ورؤساء الكهنة أسلموك إليّ. ماذا فعلتَ؟".
حينئذ كلم المسيح بيلاطس بكلامٍ سامٍ بيَّن فيه ماهية ملكوته الروحي، وبرهان ذلك أن أتباعه لم يدافعوا عنه بالسلاح. بينما كانوا يستعملون السلاح لو كان فهموا ملكوته بالمعنى السياسي. لكن الوالي لم يكتفِ بهذا التصريح الروحي المُبهَم عنده، فطلب جواباً واضحاً على سؤاله، فقال المسيح: "أنت تقول إني ملك. لهذا قد وُلدت أنا. ولهذا قد أتيتُ إلى العالم لأشهد للحق (أي الحق الإلهي). وكلُّ مَنْ هو من الحق يسمع صوتي".
فقال بيلاطس بمزيج من الاستخفاف والاحترام، وهو خارجٌ ليقابل اليهود في الفسحة الخارجية: "ما هو الحق؟". أي من يقدر أن يعرف الحق بين الآراء الدينية الكثيرة المتضاربة؟ هل هو بجانب فلاسفة اليونان المتعبّدين للجمال وآلهته - أم بجانب الرومان المتعبدين للقوة وآلهتها - أم بجانب اليهود المتعبِّدين لإلهٍ واحد وهو روحٌ لا صورة ظاهرة له - أم بجانبك أنت المرفوضِ من أمَّتك اليهودية التي تخالفها، وتقول إنك أتيت من السماء لتشهد للحق؟".
سأل بيلاطس: "ما هو الحق؟" لكنه لم ينتظر الجواب، وما أكثر أمثاله في كل عصرٍ وقطر، الذين يسألون سؤال بيلاطس بالاستخفاف أو بالاحترام، لكنهم لا ينتظرون ليحصلوا على الجواب من الحق سبحانه، ولذلك لا يهتدون إليه. قال المسيح: "إِنْ ثَبَتُّمْ فِي كَلَامِي... تَعْرِفُونَ الْحَقَّ وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ" (يوحنا 8:31 ، 32).
وخرج بيلاطس ليعلن لليهود: "أنا لست أجد فيه علة واحدة". إنْ صحَّ زعْمُ البعض، تكون امرأته قد زرعت فيه مَيْلاً إلى المسيح. والأمر ظاهر أنه كان يهاب المسيح ويحترمه.
"فَقَالَ بِيلَاطُسُ لِرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْجُمُوعِ: "إِنِّي لَا أَجِدُ عِلَّةً فِي هذَا الْإِنْسَانِ". فَكَانُوا يُشَدِّدُونَ قَائِلِينَ: "إِنَّهُ يُهَيِّجُ الشَّعْبَ وَهُوَ يُعَلِّمُ فِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ مُبْتَدِئاً مِنَ الْجَلِيلِ إِلَى هُنَا" (لوقا 23:4 ، 5).
عند هذا التصريح من الوالي جدد اليهود شكاياتٍ متنوعة لم يْرضَ المسيح أن يجيب عليها. ولما سأله الوالي لماذا لا يدافعُ عن نفسه، لم يجِبْه بكلمة، لأنه يعلم أن كلامه يكون عبثاً. وتعجب الوالي من هذا السكوت، لكنه أظهر احترامه بإعادة شهادته أمام الرؤساء والجمهور ببراءة المسيح، فغضبوا وجددوا الشكوى بأن المسيح كان يحرك الشعب للفتنة، ليس فقط في ولاية بيلاطس، بل أكثر أيضاً في وطنه في ولاية هيرودس أنتيباس، في مقاطعة الجليل حيث قضى المسيح معظم سنيه.
ذكر رؤساء اليهود أن المسيح من الجليل ليهيِّجوا الوالي على المسيح ليقتله. لأن الجليليين أكثر الناس إثارةً للفتن السياسية. لكن الرؤساء ندموا على قولهم هذا، لأنه أدَّى إلى بطءٍ جديد في مشروعهم. فقد جعلوا الوالي يفكر في وسيلة جديدة للتخلُّص من هذه الدعوى المزعجة، بإحالتهم إلى حاكم الجليل اليهودي، رغم ما بينهما من الخلاف الشديد. فأرسل بيلاطسُ المسيحَ إلى قصر هيرودس في أورشليم، ومعه المشتكين عليه، وهو يحسب أن هذه الإِحالة تريحه من المسئولية تجاه اليهود وتجاه هيرودس أيضاً، ويكون فيها شيء من الاسترضاء، فينتهي العداء بينه وبين هيرودس، فنجح في الغاية الثانية، وصار بيلاطس وهيرودس صديقين مع بعضهما من ذلك اليوم. لكنه لم ينجح في التخُّلص من مشكلة إرضاء اليهود، ولا إراحة ضميره.
المسيح أمام هيرودس

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"فَلَمَّا سَمِعَ بِيلَاطُسُ ذِكْرَ الْجَلِيلِ، سَأَلَ: "هَلِ الرَّجُلُ جَلِيلِيٌّ؟" وَحِينَ عَلِمَ أَنَّهُ مِنْ سَلْطَنَةِ هِيرُودُسَ، أَرْسَلَهُ إِلَى هِيرُودُسَ، إِذْ كَانَ هُوَ أَيْضاً تِلْكَ الْأَيَّامَ فِي أُورُشَلِيمَ. وَأَمَّا هِيرُودُسُ فَلَمَّا رَأَى يَسُوعَ فَرِحَ جِدّاً، لِأَنَّهُ كَانَ يُرِيدُ مِنْ زَمَانٍ طَوِيلٍ أَنْ يَرَاهُ، لِسَمَاعِهِ عَنْهُ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً، وَتَرَجَّى أَنْ يَرَاهُ يَصْنَعُ آيَةً. وَسَأَلَهُ بِكَلَامٍ كَثِيرٍ فَلَمْ يُجِبْهُ بِشَيْءٍ. وَوَقَفَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةُ يَشْتَكُونَ عَلَيْهِ بِاشْتِدَادٍ، فَاحْتَقَرَهُ هِيرُودُسُ مَعَ عَسْكَرِهِ وَاسْتَهْزَأَ بِهِ، وَأَلْبَسَهُ لِبَاساً لَامِعاً، وَرَدَّهُ إِلَى بِيلَاطُسَ. فَصَارَ بِيلَاطُسُ وَهِيرُودُسُ صَدِيقَيْنِ مَعَ بَعْضِهِمَا فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، لِأَنَّهُمَا كَانَا مِنْ قَبْلُ فِي عَدَاوَةٍ بَيْنَهُمَا" (لوقا 23:6-12).
لما وصل المسيح مع المشتكين عليه إلى قصر الملك هيرودس فرح هذا جداً، ليس فقط لافتخاره بتنازل الوالي له، بل لأنه منذ زمان كان يشتهي أن يرى المسيح، لأنه أشهر كل أفراد رعيته في الجليل. ولم يكن قد رآه حتى ذلك الوقت. وقد فرح هيرودس لأنه ظن أن المسيح سيُجري أمامه المعجزات التي قد سمع بها كثيراً. لكن ألا تكون رؤية المسيح موَثَقَاً بالقيود تذكيراً مؤلماً لهيرودس بيوحنا المعمدان لما أدخلوا أمامه رأسه على طبق؟... لما سمع سابقاً بالمسيح قال إنه يوحنا المعمدان الذي قام من القبر، فماذا يظن الآن؟
فحص هيرودس المسيح بكلام كثير لم يُحفظ لنا منه شيء، لكن المسيح لم يكترث ولم يجِبْه بشيء. كان هيرودس الشرير قد أسكت صوت اللّه بفم المعمدان، والآن لا يكلمه ابنُ اللّه بشيء. فاحتقره هيرودس. مع عسكره واستهزأ به وألبسه لباساً لامعاً وردَّه (دون حكم) إلى بيلاطس.
بيلاطس يحاول أن ينقذ المسيح

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"فَدَعَا بِيلَاطُسُ رُؤَسَاءَ الْكَهَنَةِ وَالْعُظَمَاءَ وَالشَّعْبَ، وَقَالَ لَهُمْ: "قَدْ قَدَّمْتُمْ إِلَيَّ هذَا الْإِنْسَانَ كَمَنْ يُفْسِدُ الشَّعْبَ. وَهَا أَنَا قَدْ فَحَصْتُ قُدَّامَكُمْ وَلَمْ أَجِدْ فِي هذَا الْإِنْسَانِ عِلَّةً مِمَّا تَشْتَكُونَ بِهِ عَلَيْهِ. وَلَا هِيرُودُسُ أَيْضاً، لِأَنِّي أَرْسَلْتُكُمْ إِلَيْهِ. وَهَا لَا شَيْءَ يَسْتَحِقُّ الْمَوْتَ صُنِعَ مِنْهُ. فَأَنَا أُؤَدِّبُهُ وَأُطْلِقُهُ". وَكَانَ مُضْطَرّاً أَنْ يُطْلِقَ لَهُمْ كُلَّ عِيدٍ وَاحِداً، فَصَرَخُوا بِجُمْلَتِهِمْ قَائِلِينَ: "خُذْ هذَا وَأَطْلِقْ لَنَا بَارَابَاسَ!" وَذَاكَ كَانَ قَدْ طُرِحَ فِي السِّجْنِ لِأَجْلِ فِتْنَةٍ حَدَثَتْ فِي الْمَدِينَةِ وَقَتْلٍ. فَنَادَاهُمْ أَيْضاً بِيلَاطُسُ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُطْلِقَ يَسُوعَ، فَصَرَخُوا: "اصْلِبْهُ! اصْلِبْهُ!" فَقَالَ لَهُمْ ثَالِثَةً: "فَأَيَّ شَرٍّ عَمِلَ هذَا؟ إِنِّي لَمْ أَجِدْ فِيهِ عِلَّةً لِلْمَوْتِ، فَأَنَا أُؤَدِّبُهُ وَأُطْلِقُهُ". فَكَانُوا يَلِجُّونَ بِأَصْوَاتٍ عَظِيمَةٍ طَالِبِينَ أَنْ يُصْلَبَ. فَقَوِيَتْ أَصْوَاتُهُمْ وَأَصْوَاتُ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ. فَحَكَمَ بِيلَاطُسُ أَنْ تَكُونَ طِلْبَتُهُمْ. فَأَطْلَقَ لَهُمُ الَّذِي طُرِحَ فِي السِّجْنِ لِأَجْلِ فِتْنَةٍ وَقَتْلٍ، الَّذِي طَلَبُوهُ، وَأَسْلَمَ يَسُوعَ لِمَشِيئَتِهِمْ" (لوقا 23:13-25).
لما عاد الجمع بالمسيح إلى بيلاطس مع جواب أن هيرودس لم يقف له على ذنب حقيقي يستوجبُ قَتْله، دعا بيلاطس الشعب مع رؤساء الكهنة والعظماء، لعله يحصل من الشعب على مساعدةٍ ضد مكائد الرؤساء، واقترح على اليهود أن يكتفوا بجلْدِه، زاعماً أن هذا إشفاق على المسيح يخدم العدالة بتخليص بريء من الإِعدام، وفي الوقت ذاته يجتنب استياء اليهود منه، الذي لا بد سيحصل، لو أنه أطلق المسيح بدون أن يعذبه. فقال لهم: "أنا أؤدبه وأطلقه". بيلاطس يؤدب المسيح بعد أن برَّأه تماماً، والأمران ضِدان. هذا بداءة خطئه، الذي جرَّه إلى أخطاء أعظم.
عند ذلك تحوَّلت أفكار الجموع إلى أمرٍ آخر تعوَّدوه في مثل هذا الوقت من كل عام، وهو أن الوالي يُطلق أحد المسجونين تحت الحكم بالإِعدام هديةً لهم بمناسبة عيد الفصح. فلما طالبوا بيلاطس بهذه المنحة، رأى في ذلك بابَ فرجٍ للمسيح، فخيَّرهم مراعاةً لحريتهم بين المسيح وبين محكومٍ عليه بالإِعدام، اسمه باراباس، قائد زمرةِ لصوصٍ ارتكبوا فتنة وقتلاً. ولم يتصور بيلاطس أن الجمهور سيطلب منه أن يطلق لهم باراباس ويقتلَ المعلمَ الديني التقي الصالح، الذي شفى من مرضاهم عدداً لا يُحصى. وكان بيلاطس يظن أن الجمهور ليس مدفوعاً كالرؤساء بعوامل الحسد ليفضِّلوا لِصاً صانع فتنة على صانع المعجزات الذي اتهموه زوراً بأنه صانع فتنة. فسأل الجمهور: "من تريدون أن أطلق لكم، باراباس أم يسوع الذي يُدعَى المسيح ملك اليهود؟" ثم دخل بعد سؤاله وجلس على كرسي الولاية ليعطي فرصة للجمهور ليقرروا من يختارون.
وصية زوجة بيلاطس

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"وَإِذْ كَانَ جَالِساً عَلَى كُرْسِيِّ الْوِلَايَةِ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ امْرَأَتُهُ قَائِلَةً: "إِيَّاكَ وَذلِكَ الْبَارَّ، لِأَنِّي تَأَلَّمْتُ الْيَوْمَ كَثِيراً فِي حُلْمٍ مِنْ أَجْلِهِ". وَلكِنَّ رُؤَسَاءَ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخَ حَرَّضُوا الْجُمُوعَ عَلَى أَنْ يَطْلُبُوا بَارَابَاسَ وَيُهْلِكُوا يَسُوعَ. فَسَأَلَ الْوَالِي: "مَنْ مِنَ الِاثْنَيْنِ تُرِيدُونَ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ؟" فَقَالُوا: "بَارَابَاسَ". قَالَ لَهُمْ بِيلَاطُسُ: "فَمَاذَا أَفْعَلُ بِيَسُوعَ الَّذِي يُدْعَى الْمَسِيحَ؟" قَالَ لَهُ الْجَمِيعُ: "لِيُصْلَبْ!" فَقَالَ الْوَالِي: "وَأَيَّ شَرٍّ عَمِلَ؟" فَكَانُوا يَزْدَادُونَ صُرَاخاً قَائِلِينَ: "لِيُصْلَبْ!" فَلَمَّا رَأَى بِيلَاطُسُ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُ شَيْئاً، بَلْ بِالْحَرِيِّ يَحْدُثُ شَغَبٌ، أَخَذَ مَاءً وَغَسَلَ يَدَيْهِ قُدَّامَ الْجَمْعِ قَائِلاً: "إِنِّي بَرِيٌّ مِنْ دَمِ هذَا الْبَارِّ. أَبْصِرُوا أَنْتُمْ". فَأَجَابَ جَمِيعُ الشَّعْبِ: "دَمُهُ عَلَيْنَا وَعَلَى أَوْلَادِنَا". حِينَئِذٍ أَطْلَقَ لَهُمْ بَارَابَاسَ" (متى 27:19-26 أ).
اتفق عند ذلك مجيء رسول من زوجة بيلاطس تحذّره من أن يحكم ضد المسيح الذي سمَّتْه "ذلك البار". لأنها تألمت كثيراً في ذلك اليوم في حلم من أجله. لا بد أن هذا الحلم ترك أثره في زوجها، لأنه مِثْلُ جميع الوثنيين تحت سلطة الخرافات، فيزيد خوفَه من أن يأخذ على نفسه مسئولية إعدام المسيح. لكن بينما كانت أسباب تبرئة المسيح تزيد في غرفة الوالي، كان العكس تماماً يزيد في خارجها، لأن الرؤساء بذلوا كل جهدهم ليقنعوا الجمهور أن يُصرُّوا على قَتْله بدعوى أنه جدَّف، إذْ أطلق على نفسه صفة الإله، فجريمته أعظم من جريمة باراباس، ولا سيما أنه أراد أن ينقُضَ هيكلهم المعظَّم. فلما طلب بيلاطس جوابهم، صرخوا جميعاً قائلين: "خُذْ هذا وأطلق لنا باراباس". ولما راجعهم لعل اختيارهم كان عن إسراعٍ أو سوء فهم، وكأنه يُظِهرُ لهم مرة أخرى مَيْله لأن يطلق المسيح، كان ينتظر أن يؤثر ذلك فيهم ليغيِّروا قرارهم، ولكنهم أصرُّوا على قرارهم الأول قائلين: "أطلِقْ لنا باراباس".
لم يكتفِ الوالي بهذا الجواب فسألهم: "ماذا تريدون أن أفعل بيسوع؟". فكرروا صراخهم: "اصلبه اصلبه".
لكن الوالي راجعهم ثالثة فقال: "وأي شرٍ عمل هذا؟ إني لم أجدْ فيه علة للموت. فأنا أؤدبه وأطلقه". غير أن قبوله أن يؤدِّب رجلاً، كرَّر هو تصريحَه ببراءته، يعني أنه سلَّم بعض الحكم والسلطة للجمهور، فتهيَّج طمعهم وعنادهم وتشبُّثهم بأن يفعل الوالي إرادتهم لا إرادته. وأخذوا يلجُّون بأصوات عظيمة ويزدادون جداً صراخاً قائلين: "اصلبه". فقويت أصواتهم وأصوات رؤساء الكهنة، وأصبح بيلاطس آلة بين أيديهم، واستسلم لجنون الجمهور وطلبهم أن يُصلَب. إلا أنه لم يسلِّم دون تحفظ، بل حاول التخلُّص تماماً من مسئولية هذا الغدر، ووضعها على الرؤساء والشعب. وعلامة لذلك أخذ ماءً وغسل يديه أمام الجَمْع قائلاً: "إني بريء من دم هذا البار". فقال جميع الشعب: "دمه علينا وعلى أولادنا".
ومن الغريب أن الذين قالوا: "دمه علينا وعلى أولادنا" اغتاظوا بعد حين على بعض رسل المسيح وقالوا لهم: "قَدْ مَلَأْتُمْ أُورُشَلِيمَ بِتَعْلِيمِكُمْ، وَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْلِبُوا عَلَيْنَا دَمَ هذَا الْإِنْسَانِ" (أعمال 5:28).
جَلْد المسيح

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"وَأَمَّا يَسُوعُ فَجَلَدَهُ وَأَسْلَمَهُ لِيُصْلَبَ. فَأَخَذَ عَسْكَرُ الْوَالِي يَسُوعَ إِلَى دَارِ الْوِلَايَةِ وَجَمَعُوا عَلَيْهِ كُلَّ الْكَتِيبَةِ، فَعَرَّوْهُ وَأَلْبَسُوهُ رِدَاءً قِرْمِزِيّاً، وَضَفَرُوا إِكْلِيلاً مِنْ شَوْكٍ وَوَضَعُوهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَقَصَبَةً فِي يَمِينِهِ. وَكَانُوا يَجْثُونَ قُدَّامَهُ وَيَسْتَهْزِئُونَ بِهِ قَائِلِينَ: "السَّلَامُ يَا مَلِكَ الْيَهُودِ!" وَبَصَقُوا عَلَيْهِ، وَأَخَذُوا الْقَصَبَةَ وَضَرَبُوهُ عَلَى رَأْسِهِ" (متى 27:26 ب-30).
في قانون اليهود كان لا بد لمن يُحكَم عليه بالصلب أن يُجلَد أولاً، وكان الجَلْد يوقف عند تسع وثلاثين جلدة على الأكثر، لكن العدالة الرومانية المشهورة كانت عديمة الإِشفاق، فكان جَلْد المجرمين يتجاوز في القساوة كل الحدود المعقولة، بأسواطٍ من جلد مربوط في أطرافها قطعٌ من حديد أو رصاص أو عظام. فكثيراً ما كان يُغمى على المضروب. وكان البعض يموتون في أثناء الجلد.
وقد أسلم بيلاطس المسيح للجلد، ولعله كان يأمل أن اليهود يكتفون بهذا القصاص الصارم، فيعدلون عن طلب الصلب.
أخذ الجنود الرومان المسيح وجعلوه بين أيديهم. سمعوا أنه تلقَّب ملكَ اليهود فقصدوا أن يسخروا به كملك. أخذوه إلى داخل دار الولاية، وجمعوا عليه كل الكتبة، وعرُّوه وألبسوه رداء قرمزياً (ثوب أرجوان) وضفروا إكليلاً من شوك ووضعوه على رأسه. وقصبة في يمينه (إشارةً إلى قضيب المُلْك والصولجان). وكانوا يجثون أمامه استهزاءً قائلين: "السلام يا ملك اليهود". وكانوا يخطفون من يده القصبة ويلطمونه ويضربونه بها على رأسه ويبصقون عليه، ثم يعيدون السجود له.
محاولة أخيرة لإنقاذ المسيح

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"فَخَرَجَ بِيلَاطُسُ أَيْضاً خَارِجاً وَقَالَ لَهُمْ: "هَا أَنَا أُخْرِجُهُ إِلَيْكُمْ لِتَعْلَمُوا أَنِّي لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً وَاحِدَةً". فَخَرَجَ يَسُوعُ خَارِجاً وَهُوَ حَامِلٌ إِكْلِيلَ الشَّوْكِ وَثَوْبَ الْأُرْجُوانِ. فَقَالَ لَهُمْ بِيلَاطُسُ: "هُوَذَا الْإِنْسَانُ". فَلَمَّا رَآهُ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْخُدَّامُ صَرَخُوا: "اصْلِبْهُ! اصْلِبْهُ!" قَالَ لَهُمْ بِيلَاطُسُ: "خُذُوهُ أَنْتُمْ وَاصْلِبُوهُ، لِأَنِّي لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً". أَجَابَهُ الْيَهُودُ: "لَنَا نَامُوسٌ، وَحَسَبَ نَامُوسِنَا يَجِبُ أَنْ يَمُوتَ، لِأَنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ ابْنَ اللّهِ". فَلَمَّا سَمِعَ بِيلَاطُسُ هذَا الْقَوْلَ ازْدَادَ خَوْفاً. فَدَخَلَ أَيْضاً إِلَى دَارِ الْوِلَايَةِ وَقَالَ لِيَسُوعَ: "مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟" وَأَمَّا يَسُوعُ فَلَمْ يُعْطِهِ جَوَاباً. فَقَالَ لَهُ بِيلَاطُسُ: "أَمَا تُكَلِّمُنِي؟ أَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ لِي سُلْطَاناً أَنْ أَصْلِبَكَ وَسُلْطَاناً أَنْ أُطْلِقَكَ؟" أَجَابَ يَسُوعُ: " لَمْ يَكُنْ لَكَ عَلَيَّ سُلْطَانٌ الْبَتَّةَ، لَوْ لَمْ تَكُنْ قَدْ أُعْطِيتَ مِنْ فَوْقُ. لِذلِكَ الَّذِي أَسْلَمَنِي إِلَيْكَ لَهُ خَطِيَّةٌ أَعْظَمُ". مِنْ هذَا الْوَقْتِ كَانَ بِيلَاطُسُ يَطْلُبُ أَنْ يُطْلِقَهُ، وَلكِنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَصْرُخُونَ: "إِنْ أَطْلَقْتَ هذَا فَلَسْتَ مُحِبّاً لِقَيْصَرَ. كُلُّ مَنْ يَجْعَلُ نَفْسَهُ مَلِكاً يُقَاوِمُ قَيْصَرَ".
فَلَمَّا سَمِعَ بِيلَاطُسُ هذَا الْقَوْلَ أَخْرَجَ يَسُوعَ، وَجَلَسَ عَلَى كُرْسِيِّ الْوِلَايَةِ فِي مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ "الْبَلَاطُ" وَبِالْعِبْرَانِيَّةِ "جَبَّاثَا". وَكَانَ اسْتِعْدَادُ الْفِصْحِ وَنَحْوُ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ. فَقَالَ لِلْيَهُودِ: "هُوَذَا مَلِكُكُمْ". فَصَرَخُوا: "خُذْهُ! خُذْهُ اصْلِبْهُ!" قَالَ لَهُمْ بِيلَاطُسُ: "أَأَصْلِبُ مَلِكَكُمْ؟" أَجَابَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ: "لَيْسَ لَنَا مَلِكٌ إِلَّا قَيْصَرُ". فَحِينَئِذٍ أَسْلَمَهُ إِلَيْهِمْ لِيُصْلَبَ. فَأَخَذُوا يَسُوعَ وَمَضَوْا بِهِ" (يوحنا 19:4-16).
أخيراً أخذ بيلاطس المسيح من بين أيدي الجنود، وخرج به متوَّجاً بإكليل الشوك، ومسربلاً بالثوب الأرجواني، وقدَّمه إلى الجمع المنتِظر، مكرراً مرة أخرى تبرئته قائلاً: "أُخرجه إليكم، لتعلموا أني لم أجد فيه علة واحدة. هوذا الإنسان". قال بيلاطس هذا وهو يشير إلى يسوع وقد أفرط في الاستهزاء به. فازدادت جرأة اليهود وصرخوا من جديد: "اصلبه اصلبه". فكرر بيلاطس حكمه مرة أخرى ببراءته قائلاً: "خذوه أنتم اأصلبوه، لأني لست أجد فيه علَّةً". فصرخوا: "لنا ناموس، وحسب ناموسنا يجب أن يموت، لأنه جعل نفسه ابن اللّه".
كان بيلاطس قد تحقق امتياز المسيح في الصلاح والحكمة، فلما سمع أنه قال عن نفسه إنه ابنُ اللّه، ازداد خوفاً، ورجع للمسيح إلى داخل الدار وسأله: "مِنْ أين أنت؟". فقابل المسيح سؤال الوالي الجدّي الجديد بالسكوت، لكن الوالي لم يتعود عدم إجابة أسئلته، وهو لا يحتمل ذلك، فقال له: "أما تكلمني؟ ألست تعلم أن لي سلطاناً أن أصلبك وسلطاناً أن أطلقك؟" كأنه يقول له: "ألم تلاحظ كل مساعيّ لأجل تبرئتك؟. فلماذا تمنعني بسكوتك عن أن أطلقك؟ قدم الأجوبة السديدة على هذه الشِكايات لكي أكون مسنوداً في إطلاقك".
ومن هذا الذي يدَّعي بالسلطان؟ هل لبيلاطس سلطان على القانون ليخالفه، أو على العدالة ليدوسها؟ هل له سلطان على نفسه ليضحك على الخوف ويتبع ضميره؟ هل له سلطان على أفكار الذين هُمْ تحت حكمه من اليهود؟ هل له سلطان على شهامة هذا الجريح الواقف أمامه والمنهوك القوى الجسدية، فيزحزحه بمقدار شعرةٍ واحدةٍ عن استقامته وقصده؟ كان أشرف لبيلاطس أن لا يتلفظ بكلمة عن السلطان، في ساعة الخضوعِ لرعاياه في الظلم والقسوة.
رأى المسيح أن هذا الادعاء يستحق الجواب، ويتطلَّب منه إظهار عظمته وسلطانه الحقيقيين، فقال له: "لم يكن لك عليّ سلطان البتة، لو لم تكن قد أُعطيت مِنْ فوق. لذلك، الذي أسلمني إليك له خطيئة أعظم". الذي أسلمه إلى بيلاطس هو رئيس الكهنة. فنفهم بكل سهولة كيف عظمَّ المسيحُ خطيئة الرئيس اليهودي على خطيئة بيلاطس الوثني. بيلاطس مدفوع من الرئيس. لكن الرئيس اليهودي مدفوع من عواطفه الشريرة.
هزت إجابة المسيح أعماق نفس بيلاطس، فأراد أن يطلقه حراً، بعد أن حدَّد المسيح في إجابته سلطان بيلاطس، وأشار إلى سلطة الرب على قوات الشر.
أخيراً فرغت كل حيل الرؤساء، فلجأوا إلى التهديد. لو كان بيلاطس مستقيماً لكان التهديد يزيد عزمه على إجراء العدالة والحق، لأن لا شيء يثبِّت الرجل الكبير المستقيم في عزمه الصالح كالتهديد. لكن الشكايات الصادقة التي سبق وقُدِّمت ضد بيلاطس للقيصر جعلت القيصر يستاء منه، ويريد أن يعزله لأَقل سبب. ولذلك هدد رؤساء اليهود بيلاطس بصراخهم: "إنْ أطلقتَ هذا فلست محباً لقيصر. كل من يجعل نفسه ملكاً يقاوم قيصر". يعني إنْ أطلقتَ هذا، نشكوك إلى مولاك الإمبراطور، بأنك انتصرت لإِنسانٍ قام لينازع القيصر على مُلْكه. وأنت تعلم ماذا تكون نتيجة ذلك عليك.
أناخت هذه الضربة الشيطانية بيلاطس تماماً أمامهم، فخرج وجلس على كرسي الولاية في موضع يُقال له البلاط وقال: "هوذا ملككم". فصرخوا أكثر: "خذه خذه. اصلبه". فقال لهم بيلاطس: "أأصلب ملككم؟" فصرخوا: "ليس لنا ملك إلا قيصر". واعتبروا ذلك حكمة سياسية تثبّت نفوذهم. في قولهم هذا ختموا على النبوَّة بزوال قضيب المُلْك من نسل داود متى جاء المسيح "شيلون" الذي "لَهُ يَكُونُ خُضُوعُ شُعُوبٍ" (تكوين 49:10).
لم يبْقَ لبيلاطس من حيلة، فأسلمه إليهم ليُصلب. ولما استلموه كرروا الاستهزاء به، ثم نزعوا الرداء الأرجواني وألبسوه ثيابه، وخرجوا ومضوا به للصلب.
وصف التاريخ بيلاطس بالعناد الزائد، وقد ظهر هذا العناد في دفاعه المتكرر في وجه رؤساء اليهود. فبعناده أثبت فوق كل ريب أن المسيح بريء، وأن شيوخ اليهود ظالمون. لكنه بالرجوع عن عناده، وتسليمه المسيح للصلب، أثبت قول المسيح إنه يموت صلباً ويُسفك دمه لأجل حياة العالم.
 
قديم 08 - 08 - 2017, 04:06 PM   رقم المشاركة : ( 18773 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,295,731

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

اتهامات اليهود للمسيح


وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"ثُمَّ جَاءُوا بِيَسُوعَ مِنْ عِنْدِ قَيَافَا إِلَى دَارِ الْوِلَايَةِ، وَكَانَ صُبْحٌ. وَلَمْ يَدْخُلُوا هُمْ إِلَى دَارِ الْوِلَايَةِ لِكَيْ لَا يَتَنَجَّسُوا، فَيَأْكُلُونَ الْفِصْحَ. فَخَرَجَ بِيلَاطُسُ إِلَيْهِمْ وَقَالَ: "أَيَّةَ شِكَايَةٍ تُقَدِّمُونَ عَلَى هذَا الْإِنْسَانِ؟" أَجَابُوا وَقَالُوا لَهُ: "لَوْ لَمْ يَكُنْ فَاعِلَ شَرٍّ لَمَا كُنَّا قَدْ سَلَّمْنَاهُ إِلَيْكَ!" فَقَالَ لَهُمْ بِيلَاطُسُ: "خُذُوهُ أَنْتُمْ وَاحْكُمُوا عَلَيْهِ حَسَبَ نَامُوسِكُمْ". فَقَالَ لَهُ الْيَهُودُ: "لَا يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَقْتُلَ أَحَداً". لِيَتِمَّ قَوْلُ يَسُوعَ الَّذِي قَالَهُ مُشِيراً إِلَى أَيَّةِ مِيتَةٍ كَانَ مُزْمِعاً أَنْ يَمُوتَ" (يوحنا 18:28-32).
كانت الجريمة الأولى التي نسبها شيوخ اليهود للمسيح هي أنه يفسد الأمة، أي يثير فتنة سياسية ضد الحكومة. لكن لو صدق هذا القول لكان بيلاطس قد عرف هذا بواسطة جواسيسه دون تداخل الرؤساء الذين لا تسيئهم الفتنة ضد الحكومة.
وكانت الجريمة الثانية أن المسيح يمنع أن تُعطى جزية لقيصر. وهذا ما حاولوا أن يجعلوا المسيح أن يقوله، لكنه رفض وقال: "أعطوا ما لقيصر لقيصر وما للّه للّه".
وأما الشكاية الثالثة فكانت أنه "يقول إنه هو مسيحٌ ملك". وهذا أيضاً كذب، فليس في هذه التهمة أيضاً ما يؤثر على الوالي، لأنه يعلم جيداً أن هؤلاء اليهود يفتخرون بكل من يقاوم الحكم الروماني، فلا يمكن أن يسلِّموا يهودياً للقتْل بهذه التهمة لو كانت صحيحة.
فأجابهم الوالي بنفور وتحقير وتهكّم: "خذوه أنتم وأحكموا عليه حسب ناموسكم" مع أنه لا علاقة بين الجرائم التي ذكرها وبين ناموسهم. وكأنه يقول لهم: "لا تستطيعون أن تفعلوا ما تشاؤون بدوني، وأنا لا أخضع لمطاليبكم بدون فحص". فاضطر الرؤساء إلى التذلُّل لينالوا مرامهم، فقالوا: "لا يجوز لنا أن نقتل أحداً".
 
قديم 08 - 08 - 2017, 04:07 PM   رقم المشاركة : ( 18774 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,295,731

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

بيلاطس يستجوب المسيح


وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"ثُمَّ دَخَلَ بِيلَاطُسُ أَيْضاً إِلَى دَارِ الْوِلَايَةِ وَدَعَا يَسُوعَ، وَقَالَ لَهُ: "أَأَنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟" أَجَابَهُ يَسُوعُ: "أَمِنْ ذَاتِكَ تَقُولُ هذَا، أَمْ آخَرُونَ قَالُوا لَكَ عَنِّي؟" أَجَابَهُ بِيلَاطُسُ: "أَلَعَلِّي أَنَا يَهُودِيٌّ؟ أُمَّتُكَ وَرُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ أَسْلَمُوكَ إِلَيَّ. مَاذَا فَعَلْتَ؟" أَجَابَ يَسُوعُ: "مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هذَا الْعَالَمِ. لَوْ كَانَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هذَا الْعَالَمِ لَكَانَ خُدَّامِي يُجَاهِدُونَ لِكَيْ لَا أُسَلَّمَ إِلَى الْيَهُودِ. وَلكِنِ الْآنَ لَيْسَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هُنَا". فَقَالَ لَهُ بِيلَاطُسُ: "أَفَأَنْتَ إِذاً مَلِكٌ؟" أَجَابَ يَسُوعُ: "أَنْتَ تَقُولُ إِنِّي مَلِكٌ. لِهذَا قَدْ وُلِدْتُ أَنَا، وَلِهذَا قَدْ أَتَيْتُ إِلَى الْعَالَمِ لِأَشْهَدَ لِلْحَقِّ. كُلُّ مَنْ هُوَ مِنَ الْحَقِّ يَسْمَعُ صَوْتِي". قَالَ لَهُ بِيلَاطُسُ: "مَا هُوَ الْحَقُّ؟". وَلَمَّا قَالَ هذَا خَرَجَ أَيْضاً إِلَى الْيَهُودِ وَقَالَ لَهُمْ: "أَنَا لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً وَاحِدَةً" (يوحنا 18:33-38).
حصل كل هذا في العراء أمام دار الولاية، وبعده دخل الوالي ودعا المسيح ليفحص أمره. وكان سؤاله الأول معقولاً ومناسباً، لأن اتهام اليهود له بأنه قال إنه مسيح ملك لم يكن في مواجهته فسأله: "أأنت ملك اليهود؟" ولم يستطع المسيحُ أن يجيب بنعم فقط، لئلا يأخذ الوالي هذا الجواب على معنى سياسي، بخلاف الواقع. ولم يستطع أن يقول كلا، لأنه بالحقيقة ملك اليهود، بل ملك كل العالم بالمعنى الروحي. وكان يعلم ما قاله اليهود للوالي، فأجاب: "أمِنْ ذاتك تقول هذا، أم آخرون قالوا لك عني؟". أي هل تطلب أن تعرف حقيقة أمري، أو فقط أن تعرف صِدْق الذين سلموني إليك؟ فنفى بيلاطس أنه يطلب معرفة الحقيقة بقوله: "ألعلي أنا يهودي؟". (يعني لماذا أهتمُّ أن أعرف مسيح اليهود؟") "أمَّتُك ورؤساء الكهنة أسلموك إليّ. ماذا فعلتَ؟".
حينئذ كلم المسيح بيلاطس بكلامٍ سامٍ بيَّن فيه ماهية ملكوته الروحي، وبرهان ذلك أن أتباعه لم يدافعوا عنه بالسلاح. بينما كانوا يستعملون السلاح لو كان فهموا ملكوته بالمعنى السياسي. لكن الوالي لم يكتفِ بهذا التصريح الروحي المُبهَم عنده، فطلب جواباً واضحاً على سؤاله، فقال المسيح: "أنت تقول إني ملك. لهذا قد وُلدت أنا. ولهذا قد أتيتُ إلى العالم لأشهد للحق (أي الحق الإلهي). وكلُّ مَنْ هو من الحق يسمع صوتي".
فقال بيلاطس بمزيج من الاستخفاف والاحترام، وهو خارجٌ ليقابل اليهود في الفسحة الخارجية: "ما هو الحق؟". أي من يقدر أن يعرف الحق بين الآراء الدينية الكثيرة المتضاربة؟ هل هو بجانب فلاسفة اليونان المتعبّدين للجمال وآلهته - أم بجانب الرومان المتعبدين للقوة وآلهتها - أم بجانب اليهود المتعبِّدين لإلهٍ واحد وهو روحٌ لا صورة ظاهرة له - أم بجانبك أنت المرفوضِ من أمَّتك اليهودية التي تخالفها، وتقول إنك أتيت من السماء لتشهد للحق؟".
سأل بيلاطس: "ما هو الحق؟" لكنه لم ينتظر الجواب، وما أكثر أمثاله في كل عصرٍ وقطر، الذين يسألون سؤال بيلاطس بالاستخفاف أو بالاحترام، لكنهم لا ينتظرون ليحصلوا على الجواب من الحق سبحانه، ولذلك لا يهتدون إليه. قال المسيح: "إِنْ ثَبَتُّمْ فِي كَلَامِي... تَعْرِفُونَ الْحَقَّ وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ" (يوحنا 8:31 ، 32).
وخرج بيلاطس ليعلن لليهود: "أنا لست أجد فيه علة واحدة". إنْ صحَّ زعْمُ البعض، تكون امرأته قد زرعت فيه مَيْلاً إلى المسيح. والأمر ظاهر أنه كان يهاب المسيح ويحترمه.
"فَقَالَ بِيلَاطُسُ لِرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْجُمُوعِ: "إِنِّي لَا أَجِدُ عِلَّةً فِي هذَا الْإِنْسَانِ". فَكَانُوا يُشَدِّدُونَ قَائِلِينَ: "إِنَّهُ يُهَيِّجُ الشَّعْبَ وَهُوَ يُعَلِّمُ فِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ مُبْتَدِئاً مِنَ الْجَلِيلِ إِلَى هُنَا" (لوقا 23:4 ، 5).
عند هذا التصريح من الوالي جدد اليهود شكاياتٍ متنوعة لم يْرضَ المسيح أن يجيب عليها. ولما سأله الوالي لماذا لا يدافعُ عن نفسه، لم يجِبْه بكلمة، لأنه يعلم أن كلامه يكون عبثاً. وتعجب الوالي من هذا السكوت، لكنه أظهر احترامه بإعادة شهادته أمام الرؤساء والجمهور ببراءة المسيح، فغضبوا وجددوا الشكوى بأن المسيح كان يحرك الشعب للفتنة، ليس فقط في ولاية بيلاطس، بل أكثر أيضاً في وطنه في ولاية هيرودس أنتيباس، في مقاطعة الجليل حيث قضى المسيح معظم سنيه.
ذكر رؤساء اليهود أن المسيح من الجليل ليهيِّجوا الوالي على المسيح ليقتله. لأن الجليليين أكثر الناس إثارةً للفتن السياسية. لكن الرؤساء ندموا على قولهم هذا، لأنه أدَّى إلى بطءٍ جديد في مشروعهم. فقد جعلوا الوالي يفكر في وسيلة جديدة للتخلُّص من هذه الدعوى المزعجة، بإحالتهم إلى حاكم الجليل اليهودي، رغم ما بينهما من الخلاف الشديد. فأرسل بيلاطسُ المسيحَ إلى قصر هيرودس في أورشليم، ومعه المشتكين عليه، وهو يحسب أن هذه الإِحالة تريحه من المسئولية تجاه اليهود وتجاه هيرودس أيضاً، ويكون فيها شيء من الاسترضاء، فينتهي العداء بينه وبين هيرودس، فنجح في الغاية الثانية، وصار بيلاطس وهيرودس صديقين مع بعضهما من ذلك اليوم. لكنه لم ينجح في التخُّلص من مشكلة إرضاء اليهود، ولا إراحة ضميره.
 
قديم 08 - 08 - 2017, 04:07 PM   رقم المشاركة : ( 18775 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,295,731

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

المسيح أمام هيرودس


وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"فَلَمَّا سَمِعَ بِيلَاطُسُ ذِكْرَ الْجَلِيلِ، سَأَلَ: "هَلِ الرَّجُلُ جَلِيلِيٌّ؟" وَحِينَ عَلِمَ أَنَّهُ مِنْ سَلْطَنَةِ هِيرُودُسَ، أَرْسَلَهُ إِلَى هِيرُودُسَ، إِذْ كَانَ هُوَ أَيْضاً تِلْكَ الْأَيَّامَ فِي أُورُشَلِيمَ. وَأَمَّا هِيرُودُسُ فَلَمَّا رَأَى يَسُوعَ فَرِحَ جِدّاً، لِأَنَّهُ كَانَ يُرِيدُ مِنْ زَمَانٍ طَوِيلٍ أَنْ يَرَاهُ، لِسَمَاعِهِ عَنْهُ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً، وَتَرَجَّى أَنْ يَرَاهُ يَصْنَعُ آيَةً. وَسَأَلَهُ بِكَلَامٍ كَثِيرٍ فَلَمْ يُجِبْهُ بِشَيْءٍ. وَوَقَفَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةُ يَشْتَكُونَ عَلَيْهِ بِاشْتِدَادٍ، فَاحْتَقَرَهُ هِيرُودُسُ مَعَ عَسْكَرِهِ وَاسْتَهْزَأَ بِهِ، وَأَلْبَسَهُ لِبَاساً لَامِعاً، وَرَدَّهُ إِلَى بِيلَاطُسَ. فَصَارَ بِيلَاطُسُ وَهِيرُودُسُ صَدِيقَيْنِ مَعَ بَعْضِهِمَا فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، لِأَنَّهُمَا كَانَا مِنْ قَبْلُ فِي عَدَاوَةٍ بَيْنَهُمَا" (لوقا 23:6-12).
لما وصل المسيح مع المشتكين عليه إلى قصر الملك هيرودس فرح هذا جداً، ليس فقط لافتخاره بتنازل الوالي له، بل لأنه منذ زمان كان يشتهي أن يرى المسيح، لأنه أشهر كل أفراد رعيته في الجليل. ولم يكن قد رآه حتى ذلك الوقت. وقد فرح هيرودس لأنه ظن أن المسيح سيُجري أمامه المعجزات التي قد سمع بها كثيراً. لكن ألا تكون رؤية المسيح موَثَقَاً بالقيود تذكيراً مؤلماً لهيرودس بيوحنا المعمدان لما أدخلوا أمامه رأسه على طبق؟... لما سمع سابقاً بالمسيح قال إنه يوحنا المعمدان الذي قام من القبر، فماذا يظن الآن؟
فحص هيرودس المسيح بكلام كثير لم يُحفظ لنا منه شيء، لكن المسيح لم يكترث ولم يجِبْه بشيء. كان هيرودس الشرير قد أسكت صوت اللّه بفم المعمدان، والآن لا يكلمه ابنُ اللّه بشيء. فاحتقره هيرودس. مع عسكره واستهزأ به وألبسه لباساً لامعاً وردَّه (دون حكم) إلى بيلاطس.
 
قديم 08 - 08 - 2017, 04:07 PM   رقم المشاركة : ( 18776 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,295,731

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

بيلاطس يحاول أن ينقذ المسيح


وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"فَدَعَا بِيلَاطُسُ رُؤَسَاءَ الْكَهَنَةِ وَالْعُظَمَاءَ وَالشَّعْبَ، وَقَالَ لَهُمْ: "قَدْ قَدَّمْتُمْ إِلَيَّ هذَا الْإِنْسَانَ كَمَنْ يُفْسِدُ الشَّعْبَ. وَهَا أَنَا قَدْ فَحَصْتُ قُدَّامَكُمْ وَلَمْ أَجِدْ فِي هذَا الْإِنْسَانِ عِلَّةً مِمَّا تَشْتَكُونَ بِهِ عَلَيْهِ. وَلَا هِيرُودُسُ أَيْضاً، لِأَنِّي أَرْسَلْتُكُمْ إِلَيْهِ. وَهَا لَا شَيْءَ يَسْتَحِقُّ الْمَوْتَ صُنِعَ مِنْهُ. فَأَنَا أُؤَدِّبُهُ وَأُطْلِقُهُ". وَكَانَ مُضْطَرّاً أَنْ يُطْلِقَ لَهُمْ كُلَّ عِيدٍ وَاحِداً، فَصَرَخُوا بِجُمْلَتِهِمْ قَائِلِينَ: "خُذْ هذَا وَأَطْلِقْ لَنَا بَارَابَاسَ!" وَذَاكَ كَانَ قَدْ طُرِحَ فِي السِّجْنِ لِأَجْلِ فِتْنَةٍ حَدَثَتْ فِي الْمَدِينَةِ وَقَتْلٍ. فَنَادَاهُمْ أَيْضاً بِيلَاطُسُ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُطْلِقَ يَسُوعَ، فَصَرَخُوا: "اصْلِبْهُ! اصْلِبْهُ!" فَقَالَ لَهُمْ ثَالِثَةً: "فَأَيَّ شَرٍّ عَمِلَ هذَا؟ إِنِّي لَمْ أَجِدْ فِيهِ عِلَّةً لِلْمَوْتِ، فَأَنَا أُؤَدِّبُهُ وَأُطْلِقُهُ". فَكَانُوا يَلِجُّونَ بِأَصْوَاتٍ عَظِيمَةٍ طَالِبِينَ أَنْ يُصْلَبَ. فَقَوِيَتْ أَصْوَاتُهُمْ وَأَصْوَاتُ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ. فَحَكَمَ بِيلَاطُسُ أَنْ تَكُونَ طِلْبَتُهُمْ. فَأَطْلَقَ لَهُمُ الَّذِي طُرِحَ فِي السِّجْنِ لِأَجْلِ فِتْنَةٍ وَقَتْلٍ، الَّذِي طَلَبُوهُ، وَأَسْلَمَ يَسُوعَ لِمَشِيئَتِهِمْ" (لوقا 23:13-25).
لما عاد الجمع بالمسيح إلى بيلاطس مع جواب أن هيرودس لم يقف له على ذنب حقيقي يستوجبُ قَتْله، دعا بيلاطس الشعب مع رؤساء الكهنة والعظماء، لعله يحصل من الشعب على مساعدةٍ ضد مكائد الرؤساء، واقترح على اليهود أن يكتفوا بجلْدِه، زاعماً أن هذا إشفاق على المسيح يخدم العدالة بتخليص بريء من الإِعدام، وفي الوقت ذاته يجتنب استياء اليهود منه، الذي لا بد سيحصل، لو أنه أطلق المسيح بدون أن يعذبه. فقال لهم: "أنا أؤدبه وأطلقه". بيلاطس يؤدب المسيح بعد أن برَّأه تماماً، والأمران ضِدان. هذا بداءة خطئه، الذي جرَّه إلى أخطاء أعظم.
عند ذلك تحوَّلت أفكار الجموع إلى أمرٍ آخر تعوَّدوه في مثل هذا الوقت من كل عام، وهو أن الوالي يُطلق أحد المسجونين تحت الحكم بالإِعدام هديةً لهم بمناسبة عيد الفصح. فلما طالبوا بيلاطس بهذه المنحة، رأى في ذلك بابَ فرجٍ للمسيح، فخيَّرهم مراعاةً لحريتهم بين المسيح وبين محكومٍ عليه بالإِعدام، اسمه باراباس، قائد زمرةِ لصوصٍ ارتكبوا فتنة وقتلاً. ولم يتصور بيلاطس أن الجمهور سيطلب منه أن يطلق لهم باراباس ويقتلَ المعلمَ الديني التقي الصالح، الذي شفى من مرضاهم عدداً لا يُحصى. وكان بيلاطس يظن أن الجمهور ليس مدفوعاً كالرؤساء بعوامل الحسد ليفضِّلوا لِصاً صانع فتنة على صانع المعجزات الذي اتهموه زوراً بأنه صانع فتنة. فسأل الجمهور: "من تريدون أن أطلق لكم، باراباس أم يسوع الذي يُدعَى المسيح ملك اليهود؟" ثم دخل بعد سؤاله وجلس على كرسي الولاية ليعطي فرصة للجمهور ليقرروا من يختارون.
 
قديم 08 - 08 - 2017, 04:08 PM   رقم المشاركة : ( 18777 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,295,731

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وصية زوجة بيلاطس


وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"وَإِذْ كَانَ جَالِساً عَلَى كُرْسِيِّ الْوِلَايَةِ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ امْرَأَتُهُ قَائِلَةً: "إِيَّاكَ وَذلِكَ الْبَارَّ، لِأَنِّي تَأَلَّمْتُ الْيَوْمَ كَثِيراً فِي حُلْمٍ مِنْ أَجْلِهِ". وَلكِنَّ رُؤَسَاءَ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخَ حَرَّضُوا الْجُمُوعَ عَلَى أَنْ يَطْلُبُوا بَارَابَاسَ وَيُهْلِكُوا يَسُوعَ. فَسَأَلَ الْوَالِي: "مَنْ مِنَ الِاثْنَيْنِ تُرِيدُونَ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ؟" فَقَالُوا: "بَارَابَاسَ". قَالَ لَهُمْ بِيلَاطُسُ: "فَمَاذَا أَفْعَلُ بِيَسُوعَ الَّذِي يُدْعَى الْمَسِيحَ؟" قَالَ لَهُ الْجَمِيعُ: "لِيُصْلَبْ!" فَقَالَ الْوَالِي: "وَأَيَّ شَرٍّ عَمِلَ؟" فَكَانُوا يَزْدَادُونَ صُرَاخاً قَائِلِينَ: "لِيُصْلَبْ!" فَلَمَّا رَأَى بِيلَاطُسُ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُ شَيْئاً، بَلْ بِالْحَرِيِّ يَحْدُثُ شَغَبٌ، أَخَذَ مَاءً وَغَسَلَ يَدَيْهِ قُدَّامَ الْجَمْعِ قَائِلاً: "إِنِّي بَرِيٌّ مِنْ دَمِ هذَا الْبَارِّ. أَبْصِرُوا أَنْتُمْ". فَأَجَابَ جَمِيعُ الشَّعْبِ: "دَمُهُ عَلَيْنَا وَعَلَى أَوْلَادِنَا". حِينَئِذٍ أَطْلَقَ لَهُمْ بَارَابَاسَ" (متى 27:19-26 أ).
اتفق عند ذلك مجيء رسول من زوجة بيلاطس تحذّره من أن يحكم ضد المسيح الذي سمَّتْه "ذلك البار". لأنها تألمت كثيراً في ذلك اليوم في حلم من أجله. لا بد أن هذا الحلم ترك أثره في زوجها، لأنه مِثْلُ جميع الوثنيين تحت سلطة الخرافات، فيزيد خوفَه من أن يأخذ على نفسه مسئولية إعدام المسيح. لكن بينما كانت أسباب تبرئة المسيح تزيد في غرفة الوالي، كان العكس تماماً يزيد في خارجها، لأن الرؤساء بذلوا كل جهدهم ليقنعوا الجمهور أن يُصرُّوا على قَتْله بدعوى أنه جدَّف، إذْ أطلق على نفسه صفة الإله، فجريمته أعظم من جريمة باراباس، ولا سيما أنه أراد أن ينقُضَ هيكلهم المعظَّم. فلما طلب بيلاطس جوابهم، صرخوا جميعاً قائلين: "خُذْ هذا وأطلق لنا باراباس". ولما راجعهم لعل اختيارهم كان عن إسراعٍ أو سوء فهم، وكأنه يُظِهرُ لهم مرة أخرى مَيْله لأن يطلق المسيح، كان ينتظر أن يؤثر ذلك فيهم ليغيِّروا قرارهم، ولكنهم أصرُّوا على قرارهم الأول قائلين: "أطلِقْ لنا باراباس".
لم يكتفِ الوالي بهذا الجواب فسألهم: "ماذا تريدون أن أفعل بيسوع؟". فكرروا صراخهم: "اصلبه اصلبه".
لكن الوالي راجعهم ثالثة فقال: "وأي شرٍ عمل هذا؟ إني لم أجدْ فيه علة للموت. فأنا أؤدبه وأطلقه". غير أن قبوله أن يؤدِّب رجلاً، كرَّر هو تصريحَه ببراءته، يعني أنه سلَّم بعض الحكم والسلطة للجمهور، فتهيَّج طمعهم وعنادهم وتشبُّثهم بأن يفعل الوالي إرادتهم لا إرادته. وأخذوا يلجُّون بأصوات عظيمة ويزدادون جداً صراخاً قائلين: "اصلبه". فقويت أصواتهم وأصوات رؤساء الكهنة، وأصبح بيلاطس آلة بين أيديهم، واستسلم لجنون الجمهور وطلبهم أن يُصلَب. إلا أنه لم يسلِّم دون تحفظ، بل حاول التخلُّص تماماً من مسئولية هذا الغدر، ووضعها على الرؤساء والشعب. وعلامة لذلك أخذ ماءً وغسل يديه أمام الجَمْع قائلاً: "إني بريء من دم هذا البار". فقال جميع الشعب: "دمه علينا وعلى أولادنا".
ومن الغريب أن الذين قالوا: "دمه علينا وعلى أولادنا" اغتاظوا بعد حين على بعض رسل المسيح وقالوا لهم: "قَدْ مَلَأْتُمْ أُورُشَلِيمَ بِتَعْلِيمِكُمْ، وَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْلِبُوا عَلَيْنَا دَمَ هذَا الْإِنْسَانِ" (أعمال 5:28).
 
قديم 08 - 08 - 2017, 04:08 PM   رقم المشاركة : ( 18778 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,295,731

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

جَلْد المسيح


وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"وَأَمَّا يَسُوعُ فَجَلَدَهُ وَأَسْلَمَهُ لِيُصْلَبَ. فَأَخَذَ عَسْكَرُ الْوَالِي يَسُوعَ إِلَى دَارِ الْوِلَايَةِ وَجَمَعُوا عَلَيْهِ كُلَّ الْكَتِيبَةِ، فَعَرَّوْهُ وَأَلْبَسُوهُ رِدَاءً قِرْمِزِيّاً، وَضَفَرُوا إِكْلِيلاً مِنْ شَوْكٍ وَوَضَعُوهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَقَصَبَةً فِي يَمِينِهِ. وَكَانُوا يَجْثُونَ قُدَّامَهُ وَيَسْتَهْزِئُونَ بِهِ قَائِلِينَ: "السَّلَامُ يَا مَلِكَ الْيَهُودِ!" وَبَصَقُوا عَلَيْهِ، وَأَخَذُوا الْقَصَبَةَ وَضَرَبُوهُ عَلَى رَأْسِهِ" (متى 27:26 ب-30).
في قانون اليهود كان لا بد لمن يُحكَم عليه بالصلب أن يُجلَد أولاً، وكان الجَلْد يوقف عند تسع وثلاثين جلدة على الأكثر، لكن العدالة الرومانية المشهورة كانت عديمة الإِشفاق، فكان جَلْد المجرمين يتجاوز في القساوة كل الحدود المعقولة، بأسواطٍ من جلد مربوط في أطرافها قطعٌ من حديد أو رصاص أو عظام. فكثيراً ما كان يُغمى على المضروب. وكان البعض يموتون في أثناء الجلد.
وقد أسلم بيلاطس المسيح للجلد، ولعله كان يأمل أن اليهود يكتفون بهذا القصاص الصارم، فيعدلون عن طلب الصلب.
أخذ الجنود الرومان المسيح وجعلوه بين أيديهم. سمعوا أنه تلقَّب ملكَ اليهود فقصدوا أن يسخروا به كملك. أخذوه إلى داخل دار الولاية، وجمعوا عليه كل الكتبة، وعرُّوه وألبسوه رداء قرمزياً (ثوب أرجوان) وضفروا إكليلاً من شوك ووضعوه على رأسه. وقصبة في يمينه (إشارةً إلى قضيب المُلْك والصولجان). وكانوا يجثون أمامه استهزاءً قائلين: "السلام يا ملك اليهود". وكانوا يخطفون من يده القصبة ويلطمونه ويضربونه بها على رأسه ويبصقون عليه، ثم يعيدون السجود له.
 
قديم 08 - 08 - 2017, 04:09 PM   رقم المشاركة : ( 18779 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,295,731

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

محاولة أخيرة لإنقاذ المسيح


وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"فَخَرَجَ بِيلَاطُسُ أَيْضاً خَارِجاً وَقَالَ لَهُمْ: "هَا أَنَا أُخْرِجُهُ إِلَيْكُمْ لِتَعْلَمُوا أَنِّي لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً وَاحِدَةً". فَخَرَجَ يَسُوعُ خَارِجاً وَهُوَ حَامِلٌ إِكْلِيلَ الشَّوْكِ وَثَوْبَ الْأُرْجُوانِ. فَقَالَ لَهُمْ بِيلَاطُسُ: "هُوَذَا الْإِنْسَانُ". فَلَمَّا رَآهُ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْخُدَّامُ صَرَخُوا: "اصْلِبْهُ! اصْلِبْهُ!" قَالَ لَهُمْ بِيلَاطُسُ: "خُذُوهُ أَنْتُمْ وَاصْلِبُوهُ، لِأَنِّي لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً". أَجَابَهُ الْيَهُودُ: "لَنَا نَامُوسٌ، وَحَسَبَ نَامُوسِنَا يَجِبُ أَنْ يَمُوتَ، لِأَنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ ابْنَ اللّهِ". فَلَمَّا سَمِعَ بِيلَاطُسُ هذَا الْقَوْلَ ازْدَادَ خَوْفاً. فَدَخَلَ أَيْضاً إِلَى دَارِ الْوِلَايَةِ وَقَالَ لِيَسُوعَ: "مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟" وَأَمَّا يَسُوعُ فَلَمْ يُعْطِهِ جَوَاباً. فَقَالَ لَهُ بِيلَاطُسُ: "أَمَا تُكَلِّمُنِي؟ أَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ لِي سُلْطَاناً أَنْ أَصْلِبَكَ وَسُلْطَاناً أَنْ أُطْلِقَكَ؟" أَجَابَ يَسُوعُ: " لَمْ يَكُنْ لَكَ عَلَيَّ سُلْطَانٌ الْبَتَّةَ، لَوْ لَمْ تَكُنْ قَدْ أُعْطِيتَ مِنْ فَوْقُ. لِذلِكَ الَّذِي أَسْلَمَنِي إِلَيْكَ لَهُ خَطِيَّةٌ أَعْظَمُ". مِنْ هذَا الْوَقْتِ كَانَ بِيلَاطُسُ يَطْلُبُ أَنْ يُطْلِقَهُ، وَلكِنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَصْرُخُونَ: "إِنْ أَطْلَقْتَ هذَا فَلَسْتَ مُحِبّاً لِقَيْصَرَ. كُلُّ مَنْ يَجْعَلُ نَفْسَهُ مَلِكاً يُقَاوِمُ قَيْصَرَ".
فَلَمَّا سَمِعَ بِيلَاطُسُ هذَا الْقَوْلَ أَخْرَجَ يَسُوعَ، وَجَلَسَ عَلَى كُرْسِيِّ الْوِلَايَةِ فِي مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ "الْبَلَاطُ" وَبِالْعِبْرَانِيَّةِ "جَبَّاثَا". وَكَانَ اسْتِعْدَادُ الْفِصْحِ وَنَحْوُ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ. فَقَالَ لِلْيَهُودِ: "هُوَذَا مَلِكُكُمْ". فَصَرَخُوا: "خُذْهُ! خُذْهُ اصْلِبْهُ!" قَالَ لَهُمْ بِيلَاطُسُ: "أَأَصْلِبُ مَلِكَكُمْ؟" أَجَابَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ: "لَيْسَ لَنَا مَلِكٌ إِلَّا قَيْصَرُ". فَحِينَئِذٍ أَسْلَمَهُ إِلَيْهِمْ لِيُصْلَبَ. فَأَخَذُوا يَسُوعَ وَمَضَوْا بِهِ" (يوحنا 19:4-16).
أخيراً أخذ بيلاطس المسيح من بين أيدي الجنود، وخرج به متوَّجاً بإكليل الشوك، ومسربلاً بالثوب الأرجواني، وقدَّمه إلى الجمع المنتِظر، مكرراً مرة أخرى تبرئته قائلاً: "أُخرجه إليكم، لتعلموا أني لم أجد فيه علة واحدة. هوذا الإنسان". قال بيلاطس هذا وهو يشير إلى يسوع وقد أفرط في الاستهزاء به. فازدادت جرأة اليهود وصرخوا من جديد: "اصلبه اصلبه". فكرر بيلاطس حكمه مرة أخرى ببراءته قائلاً: "خذوه أنتم اأصلبوه، لأني لست أجد فيه علَّةً". فصرخوا: "لنا ناموس، وحسب ناموسنا يجب أن يموت، لأنه جعل نفسه ابن اللّه".
كان بيلاطس قد تحقق امتياز المسيح في الصلاح والحكمة، فلما سمع أنه قال عن نفسه إنه ابنُ اللّه، ازداد خوفاً، ورجع للمسيح إلى داخل الدار وسأله: "مِنْ أين أنت؟". فقابل المسيح سؤال الوالي الجدّي الجديد بالسكوت، لكن الوالي لم يتعود عدم إجابة أسئلته، وهو لا يحتمل ذلك، فقال له: "أما تكلمني؟ ألست تعلم أن لي سلطاناً أن أصلبك وسلطاناً أن أطلقك؟" كأنه يقول له: "ألم تلاحظ كل مساعيّ لأجل تبرئتك؟. فلماذا تمنعني بسكوتك عن أن أطلقك؟ قدم الأجوبة السديدة على هذه الشِكايات لكي أكون مسنوداً في إطلاقك".
ومن هذا الذي يدَّعي بالسلطان؟ هل لبيلاطس سلطان على القانون ليخالفه، أو على العدالة ليدوسها؟ هل له سلطان على نفسه ليضحك على الخوف ويتبع ضميره؟ هل له سلطان على أفكار الذين هُمْ تحت حكمه من اليهود؟ هل له سلطان على شهامة هذا الجريح الواقف أمامه والمنهوك القوى الجسدية، فيزحزحه بمقدار شعرةٍ واحدةٍ عن استقامته وقصده؟ كان أشرف لبيلاطس أن لا يتلفظ بكلمة عن السلطان، في ساعة الخضوعِ لرعاياه في الظلم والقسوة.
رأى المسيح أن هذا الادعاء يستحق الجواب، ويتطلَّب منه إظهار عظمته وسلطانه الحقيقيين، فقال له: "لم يكن لك عليّ سلطان البتة، لو لم تكن قد أُعطيت مِنْ فوق. لذلك، الذي أسلمني إليك له خطيئة أعظم". الذي أسلمه إلى بيلاطس هو رئيس الكهنة. فنفهم بكل سهولة كيف عظمَّ المسيحُ خطيئة الرئيس اليهودي على خطيئة بيلاطس الوثني. بيلاطس مدفوع من الرئيس. لكن الرئيس اليهودي مدفوع من عواطفه الشريرة.
هزت إجابة المسيح أعماق نفس بيلاطس، فأراد أن يطلقه حراً، بعد أن حدَّد المسيح في إجابته سلطان بيلاطس، وأشار إلى سلطة الرب على قوات الشر.
أخيراً فرغت كل حيل الرؤساء، فلجأوا إلى التهديد. لو كان بيلاطس مستقيماً لكان التهديد يزيد عزمه على إجراء العدالة والحق، لأن لا شيء يثبِّت الرجل الكبير المستقيم في عزمه الصالح كالتهديد. لكن الشكايات الصادقة التي سبق وقُدِّمت ضد بيلاطس للقيصر جعلت القيصر يستاء منه، ويريد أن يعزله لأَقل سبب. ولذلك هدد رؤساء اليهود بيلاطس بصراخهم: "إنْ أطلقتَ هذا فلست محباً لقيصر. كل من يجعل نفسه ملكاً يقاوم قيصر". يعني إنْ أطلقتَ هذا، نشكوك إلى مولاك الإمبراطور، بأنك انتصرت لإِنسانٍ قام لينازع القيصر على مُلْكه. وأنت تعلم ماذا تكون نتيجة ذلك عليك.
أناخت هذه الضربة الشيطانية بيلاطس تماماً أمامهم، فخرج وجلس على كرسي الولاية في موضع يُقال له البلاط وقال: "هوذا ملككم". فصرخوا أكثر: "خذه خذه. اصلبه". فقال لهم بيلاطس: "أأصلب ملككم؟" فصرخوا: "ليس لنا ملك إلا قيصر". واعتبروا ذلك حكمة سياسية تثبّت نفوذهم. في قولهم هذا ختموا على النبوَّة بزوال قضيب المُلْك من نسل داود متى جاء المسيح "شيلون" الذي "لَهُ يَكُونُ خُضُوعُ شُعُوبٍ" (تكوين 49:10).
لم يبْقَ لبيلاطس من حيلة، فأسلمه إليهم ليُصلب. ولما استلموه كرروا الاستهزاء به، ثم نزعوا الرداء الأرجواني وألبسوه ثيابه، وخرجوا ومضوا به للصلب.
وصف التاريخ بيلاطس بالعناد الزائد، وقد ظهر هذا العناد في دفاعه المتكرر في وجه رؤساء اليهود. فبعناده أثبت فوق كل ريب أن المسيح بريء، وأن شيوخ اليهود ظالمون. لكنه بالرجوع عن عناده، وتسليمه المسيح للصلب، أثبت قول المسيح إنه يموت صلباً ويُسفك دمه لأجل حياة العالم.
 
قديم 09 - 08 - 2017, 02:56 PM   رقم المشاركة : ( 18780 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,295,731

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

صلاة إيماننا الأرثوذكسي الحي،

الصلاة حسب إنجيل بشارة الحياة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الرسم المقدس الذي لنا – الصلاة حسب إنجيل بشارة الحياة
صلاة إيماننا الأرثوذكسي الحي
(ملحوظة هذا الموضوع لا علاقة له بالطائفية،
لكن القصد منه صلاتنا المستقيمة حسب الحق المعلن في الإنجيل)

التسليم الكنسي وقوة الصلاة
الكنيسة – في جوهرها – كيان حي، فهي ليست مؤسسة اجتماعية ولا تُصنف مع الجمعيات الخيرية ولا الأحزاب السياسية، ولا هي تكتلات طائفية، أو مجرد شكل تنظيمي طقسي فيه تسلسل قيادي ومناصب رفيعة، بل هي فوق كل هذا لأنها ليست من هذا العالم، لأنها كيان إلهي خاص، أنها جسد المسيح السري والفعلي، كل من فيها أعضاء من لحمه وعِظامه بالصدق والحق وليس بالرمز والتأمل أو مجرد وضع شرفي، وهذه حقيقة مُعلنه في سرّ الإنجيل لا تقبل الجدل ولا النقاش أو المساومة، ولا تُعرف معرفة حقيقية إلا بخبرة الشركة بروح البنوة التي لنا في المسيح يسوع، والذي بها وحدها نعرف أبوة الله، لذلك في الكنيسة نتعرَّف (بالخبرة) على سرّ البنوة الذي به وحده نعرف قوة الأبوة وفعلها، وبالأبوة نتذوق سرّ التبني ونتأصل فيه.

المسيح أيضاً رأس الكنيسة وهو مخلِّص الجسد؛ وهو رأس الجسد الكنيسة الذي هو البداءة، بكر من الأموات، لكي يكون هو متقدماً في كل شيء؛ أخبر باسمك إخوتي وفي وسط الكنيسة اسبحك؛ لأننا أعضاء جسمه، من لحمه ومن عِظامه.
(أفسس 5: 23، كولوسي 1: 18، عبرانيين 2: 12، أفسس 5: 30)

فكل من دخل في سرّ الولادة الجديدة من الماء والروح صار عضواً حياً فعالاً فيها، وذلك بالإيمان الحي العامل بالمحبة، لأن من الرأس تنساب النعمة ويتوزع الغذاء على الجسد كله، كل عضو في مكانه ينال الغذاء الذي يقويه ويُنميه، وأي عضو منعزل عن جسد الكنيسة الحي، يعتبر غريب لأنه خارج العيلة الإلهية، لذلك فأنه لا يتمتع بالمائدة الواحدة، مائدة الشركة، حتى لو جلس وسط أصحاب البيت، لأن الغريب والضيف لا يبقى إلى الأبد، بل فقط أهل البيت يبقوا معاً لأن صار لهم حق الميراث لأنهم عائلة من أب واحد، لهم كل ما لهُ، ومن حقهم أن يدخلوا ويخرجوا ويجدوا المرعى[1] متحدين معاً، ويحيوا في شركة حقيقية في الأفراح والأحزان مشددين ومقويين بعضهم البعض، ودائماً متفقين في الرأي والفكر لأنهم متحدين معاً يجمعهم رباط الصلح الكامل.

مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بَارَكَنَا بِكُلِّ بَرَكَةٍ رُوحِيَّةٍ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ، كَمَا اخْتَارَنَا فِيهِ قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، لِنَكُونَ قِدِّيسِينَ وَبِلاَ لَوْمٍ قُدَّامَهُ فِي الْمَحَبَّةِ، إِذْ سَبَقَ فَعَيَّنَنَا لِلتَّبَنِّي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ لِنَفْسِهِ، حَسَبَ مَسَرَّةِ مَشِيئَتِهِ، لِمَدْحِ مَجْدِ نِعْمَتِهِ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْنَا فِي الْمَحْبُوبِ، الَّذِي فِيهِ لَنَا الْفِدَاءُ، بِدَمِهِ غُفْرَانُ الْخَطَايَا، حَسَبَ غِنَى نِعْمَتِهِ، الَّتِي أَجْزَلَهَا لَنَا بِكُلِّ حِكْمَةٍ وَفِطْنَةٍ، إِذْ عَرَّفَنَا بِسِرِّ مَشِيئَتِهِ، حَسَبَ مَسَرَّتِهِ الَّتِي قَصَدَهَا فِي نَفْسِهِ، لِتَدْبِيرِ مِلْءِ الأَزْمِنَةِ، لِيَجْمَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ، مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، فِي ذَاكَ الَّذِي فِيهِ أَيْضاً نِلْنَا نَصِيباً، مُعَيَّنِينَ سَابِقاً حَسَبَ قَصْدِ الَّذِي يَعْمَلُ كُلَّ شَيْءٍ حَسَبَ رَأْيِ مَشِيئَتِهِ، لِنَكُونَ لِمَدْحِ مَجْدِهِ، نَحْنُ الَّذِينَ قَدْ سَبَقَ رَجَاؤُنَا فِي الْمَسِيحِ. الَّذِي فِيهِ أَيْضاً أَنْتُمْ، إِذْ سَمِعْتُمْ كَلِمَةَ الْحَقِّ، إِنْجِيلَ خَلاَصِكُمُ، الَّذِي فِيهِ أَيْضاً إِذْ آمَنْتُمْ خُتِمْتُمْ بِرُوحِ الْمَوْعِدِ الْقُدُّوسِ، الَّذِي هُوَ عَرْبُونُ مِيرَاثِنَا، لِفِدَاءِ الْمُقْتَنَى، لِمَدْحِ مَجْدِهِ. (أفسس 1: 3 – 14)

فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ، أَنَا الأَسِيرَ فِي الرَّبِّ، أَنْ تَسْلُكُوا كَمَا يَحِقُّ لِلدَّعْوَةِ الَّتِي دُعِيتُمْ بِهَا. بِكُلِّ تَوَاضُعٍ، وَوَدَاعَةٍ، وَبِطُولِ أَنَاةٍ، مُحْتَمِلِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فِي الْمَحَبَّةِ. مُجْتَهِدِينَ أَنْ تَحْفَظُوا وَحْدَانِيَّةَ الرُّوحِ بِرِبَاطِ السَّلاَمِ. جَسَدٌ وَاحِدٌ، وَرُوحٌ وَاحِدٌ، كَمَا دُعِيتُمْ أَيْضاً فِي رَجَاءِ دَعْوَتِكُمُ الْوَاحِدِ. رَبٌّ وَاحِدٌ، إِيمَانٌ وَاحِدٌ، مَعْمُودِيَّةٌ وَاحِدَةٌ، إِلَهٌ وَآبٌ وَاحِدٌ لِلْكُلِّ، الَّذِي عَلَى الْكُلِّ وَبِالْكُلِّ وَفِي كُلِّكُمْ. وَلَكِنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا أُعْطِيَتِ النِّعْمَةُ حَسَبَ قِيَاسِ هِبَةِ الْمَسِيحِ. (أفسس 4: 1 – 7)

ومن هذا المنطلق نستطيع أن نفهم معنى التسليم الكنسي، لأن الكنيسة تُسلِّم التعليم كميراث حي لجميع المنضمين إليها، وذلك لكي يحيوا كملوك وكهنة فيها، لأنهم عائلة الله الخاصة، من لحم المسيح الرب وعِظامه، فلستم إذاً بعد غُرباء ونُزلاً، بل رعية مع القديسين وأهل بيت الله؛ وأما أنتم فـ جنس مختار وكهنوت ملوكي، أُمة مقدسة، شعب اقتناء، لكي تخبروا بفضائل الذي دعاكم من الظلمة إلى نوره العجيب؛ ومن يسوع المسيح الشاهد الأمين، البكر من الأموات ورئيس ملوك الأرض، الذي أحبنا وقد غسلنا من خطايانا بدمه، وجعلنا ملوكاً وكهنة لله أبيه له المجد والسلطان إلى أبد الآبدين آمين. (أفسس 2: 19، 1بطرس 2: 9، رؤيا 1: 6)

ولنا أن نعي أن التسليم في الكنيسة ليس هو التلقين وتحفيظ كلمات وتعبيرات فكرية، لأن الكنيسة لا تعرف الكلام، لأن كل ما تعرفه هو الأسرار الإلهية المُخلِّصة، تلك التي تُسلمها كما هي بنفس ذات قوتها بدون لغو كلام فلسفي، لأنه ينبغي أن نعي معنى التعليم في الكنيسة، لأن التعليم ليس كثرة كلام وأبحاث، ولا حفظ التعبيرات اللاهوتية وشرحها المعقد، إنما المعنى = يحفر ويُشكل على صورة، وذلك مثل النحات الذي يُشكل الخامة التي في يده على صورة الشخص الواقف أمامه، وهكذا الكنيسة بقوة وسلطان الروح القدس وعمله السري ترى بوضوح شكل المسيح الرب ونوره المُشع متجلياً فيها، وبناء على هذه الرؤيا السرية يتم تشكيل كل من فيها على صورة بهاء مجد المسيح الرب، لكي يكون هناك شركة في نفس ذات القداسة والطهارة عينها، وهذا يتم على المستوى السري في النفوس بالروح القدس الرب المُحيي، لذلك المعلمين في الكنيسة هما الممتلئين بروح الله الذين يأخذون من المسيح الرب وينطقون بإلهام الروح القدس الذي يمس كل قلب حسب احتياجه فينال الغذاء الحي ويشبع ويفرح ويزداد شركة مع الكنيسة ويتأصل عضو فعال فيها.

الشَّعْبُ الْجَالِسُ فِي ظُلْمَةٍ أَبْصَرَ نُوراً عَظِيماً وَالْجَالِسُونَ فِي كُورَةِ الْمَوْتِ وَظِلاَلِهِ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ نُورٌ؛ لأَنَّ اللهَ الَّذِي قَالَ أَنْ يُشْرِقَ نُورٌ مِنْ ظُلْمَةٍ، هُوَ الَّذِي أَشْرَقَ فِي قُلُوبِنَا، لِإِنَارَةِ مَعْرِفَةِ مَجْدِ اللهِ فِي وَجْهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ؛ وَنَحْنُ جَمِيعاً نَاظِرِينَ مَجْدَ الرَّبِّ بِوَجْهٍ مَكْشُوفٍ، كَمَا فِي مِرْآةٍ، نَتَغَيَّرُ إِلَى تِلْكَ الصُّورَةِ عَيْنِهَا، مِنْ مَجْدٍ إِلَى مَجْدٍ، كَمَا مِنَ الرَّبِّ الرُّوحِ. (متى 4: 16؛ 2كورنثوس 4: 6؛ 2كورنثوس 3: 18)

فالكنيسة – على هذا المستوى – تُسلّم حياة المسيح الرب التي تحفظها من الدنس والموت، لأنها سرّ نُصرتها، فالكنيسة بطبيعتها منتصرة على الموت، غالبة الفاسد، لأن حياتها مستمدة من شخص المسيح الرب رأسها الجالس عن يمين الآب والذي يقودها في موكب نصرته كل حين[2] نحو حضن الآب القدوس بالروح، لذلك نستطيع أن نقول أن الكنيسة حياتها هو الثالوث، ولو دققنا في الصلوات الكنسية نجد أن كل صلواتها تنحصر في الثالوث القدوس لأنه هو حياتها وشغلها الشاغل، وهي لا تعترف بأي صلاة أو تقبلها بدون ذكر وتمجيد الثالوث القدوس على نحو خاص، لأنه هو نورها وفرحها وسرّ بهجتها ونُصرتها على كل ما في العالم من شهوة جسد وشهوة عيون وتعظم المعيشة[3].

لذلك منذ نعومة أظفارنا نجد الكنيسة سلمتنا قوة الصلاة وسرها العظيم، لأنها علمتنا أن نقوم – في بداية كل صلاة – برسم الصليب وننطق في ذات الوقت باسم الثالوث القدوس، وهذا ما نجده يحدث في كل مكان في بقاع العالم، لأن كل مسيحي بتلقائية يقوم بهذا العمل الفائق والذي لا يدرك قوته الكثيرين.

لذلك علينا أن ندخل في سرّ الصلاة بوعي عميق لكي نحيا قوتها كما تسلمناها، لأن إنجيل بشارة الحياة الجديدة في المسيح يسوع هو قلب الكنيسة النابض بحياة المسيح الرب شخصياً، وهي تُسلِّمه لنا كما هو لكي نحياه بالقوة التي فيه، لذلك صلاتنا هي صلاة إيمان حي مستقيم حسب البرّ الذي صار لنا، البرّ الذي من الله بالإيمان، بِرُّ اللهِ بِالإِيمَانِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ إِلَى كُلِّ وَعَلَى كُلِّ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ. لأَنَّهُ لاَ فَرْقَ. (فيلبي 3: 9؛ رومية 3: 22)

_________________________
[1] أنا هو الباب، أن دخل بي أحد فيخلُّص، ويدخل ويخرج ويجد مرعى (يوحنا 10: 9)
[2] وَلَكِنْ شُكْراً لِلَّهِ الَّذِي يَقُودُنَا فِي مَوْكِبِ نُصْرَتِهِ فِي الْمَسِيحِ كُلَّ حِينٍ، وَيُظْهِرُ بِنَا رَائِحَةَ مَعْرِفَتِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ (2كورنثوس 2: 14)
[3] لأَنَّ كُلَّ مَا فِي الْعَالَمِ شَهْوَةَ الْجَسَدِ، وَشَهْوَةَ الْعُيُونِ، وَتَعَظُّمَ الْمَعِيشَةِ، لَيْسَ مِنَ الآبِ بَلْ مِنَ الْعَالَمِ (1يوحنا 2: 16)
 
موضوع مغلق

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:53 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025