منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08 - 08 - 2017, 03:29 PM   رقم المشاركة : ( 18761 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,295,893

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

القبض على المسيح

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"حِينَئِذٍ جَاءَ مَعَهُمْ يَسُوعُ إِلَى ضَيْعَةٍ يُقَالُ لَهَا جَثْسَيْمَانِي، فَقَالَ لِلتَّلَامِيذِ: "اجْلِسُوا ههُنَا حَتَّى أَمْضِيَ وَأُصَلِّيَ هُنَاكَ". ثُمَّ أَخَذَ مَعَهُ بُطْرُسَ وَابْنَيْ زَبْدِي، وَابْتَدَأَ يَحْزَنُ وَيَكْتَئِبُ. فَقَالَ لَهُمْ: "نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدّاً حَتَّى الْمَوْتِ. اُمْكُثُوا ههُنَا وَاسْهَرُوا مَعِي" (متى 26:36-38).
كل قادم وراءه نور، يسبِقه ظلُّه. فالصليب قادمٌ وراءه نور الخلاص، لذلك يظهر الآن ظله كثيفاً بعد ظهوراته الخفيفة السابقة، لأنه قبل غروب الشمس مرة أخرى، يظهر الصليب ذاته. خرج الإسخريوطي من علية العشاء وكان ليلاً. وبعد خروجه رسم المسيح فريضة العشاء الرباني، وتحدث بمناسبتِهِ، ثم ألقى على تلاميذه عظته الوافية وصلاته الشفاعية. فلا بد أن الليل كان قد انتصف عندما كمُلت الصلاة. لكن المسيح لا يستغني في هذا الوقت الرهيب عن اختلاء خصوصي مع الآب استعداداً لِمَا ينتظره، فإن الاستعدادات العدائية في المدينة تتكامل.
خرج المسيح ومعه تلاميذه الإثنا عشر من العلية يمرُّون بالأزقة المسقوفة تحت ستار السكينة والظلام، ويجتازون وادي قدرون في نور البدر متوجِّهين شرقاً إلى بستان في سفح جبل الزيتون، يملكه أحد محبّي المسيح في منطقةٍ اسمها جثسيماني (معناها معصرة). لذلك نرجح أن شجر هذا البستان في معصرة جبل الزيتون كان من نوع الزيتون. وأن المسيح اختار ظل هذه الأشجار الكثيف مخدعاً للصلاة.
وعندما دخلوا البستان أجلس المسيح ثمانية من التلاميذ هناك، وأوصاهم أن يصلُّوا لئلا تتغلب عليهم التجربة التي تأتيهم. وتقدم أكثر إلى الداخل يرافقه تلاميذه الثلاثة: بطرس ويعقوب ويوحنا، فشاهدوا المسيح في حزن واكتئاب. كان الثلاثة قد رافقوه على جبل التجلي، وشاهدوا منه بهجة ومجداً وجلالاً. وكانت هذه المشاهدة الجديدة على جبل الزيتون ضرورية لإِعلان بشريته الحقيقية، كما أعلنت مشاهد جبل التجلي بنويته الحقيقية للّه. قد أراهم المسيح في جبل التجلي شمس عظمته في أفقها الأرضي، وها هو في جثسيماني يريهم بداءة كسوفها في آلام اتضاعه، كسوفاً لا يقلُّ عجباً عن مجدها. فالحادثان مرتبطان برباطٍ لا ينفصم.
اختار المسيح الانفراد التام في مصارعته الأخيرة مع إبليس، ومقابلته العظمى مع أبيه، وتسليمه التام لمشيئته. ونحن نتعجب أن المسيح الذي قَبْل هذا الوقت بساعة كان يقدِّم عظة ثم صلاة ملؤها الابتهاج والمجد، يقول الآن: "نفسي حزينة جداً حتى الموت". السبب أنه قد أتت الساعة التي لأجلها جاء من السماء. ثم أوصى رفقاءه الثلاثة قائلاً: "امكثوا ههنا واسهروا معي". وتقدَّم قليلاً وانفصل عنهم نحو رمية حجر، وجثا على ركبتيه وخرَّ على وجهه على الأرض، وكان يصلي. ما ألطف وأجمل وأكرم طلبه منهم "اسهروا معي"!
 
قديم 08 - 08 - 2017, 03:29 PM   رقم المشاركة : ( 18762 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,295,893

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

المسيح يصلي في جثسيماني


وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"ثُمَّ تَقَدَّمَ قَلِيلاً وَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي قَائِلاً: "يَا أَبَتَاهُ، إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسُ، وَلكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ". ثُمَّ جَاءَ إِلَى التَّلَامِيذِ فَوَجَدَهُمْ نِيَاماً، فَقَالَ لِبُطْرُسَ: "أَهكَذَا مَا قَدَرْتُمْ أَنْ تَسْهَرُوا مَعِي سَاعَةً وَاحِدَةً؟ اِسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلَّا تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ. أَمَّا الرُّوحُ فَنَشِيطٌ وَأَمَّا الْجَسَدُ فَضَعِيفٌ". فَمَضَى أَيْضاً ثَانِيَةً وَصَلَّى قَائِلاً: "يَا أَبَتَاهُ، إِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ تَعْبُرَ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسُ إِلَّا أَنْ أَشْرَبَهَا فَلْتَكُنْ مَشِيئَتُكَ". ثُمَّ جَاءَ فَوَجَدَهُمْ أَيْضاً نِيَاماً، إِذْ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ ثَقِيلَةً. فَتَرَكَهُمْ وَمَضَى أَيْضاً وَصَلَّى ثَالِثَةً قَائِلاً ذلِكَ الْكَلَامَ بِعَيْنِهِ. ثُمَّ جَاءَ إِلَى تَلَامِيذِهِ وَقَالَ لَهُمْ: "نَامُوا الْآنَ وَاسْتَرِيحُوا. هُوَذَا السَّاعَةُ قَدِ اقْتَرَبَتْ، وَابْنُ الْإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي الْخُطَاةِ. قُومُوا نَنْطَلِقْ. هُوَذَا الَّذِي يُسَلِّمُنِي قَدِ اقْتَرَبَ" (متى 26:39-46).
ها هو المسيح بطل السماء الطاهرة، ووحيد الآب وواحد معه، لا يطيق ما يراه أمامه من ساعةٍ فيها يخفي هذا الآب وجهه عنه. وسبب ذلك أنه في موته الفدائي سيتحمَّل لعنة الشريعة كحامِل خطايا البشر. وهو لا يطيق ذلك، إنْ كان لدى الآب وسيلةٌ أخرى لتخليص البشر بغير هذا العذاب الفائق. إنه يأبى أن يتحمل غضب أبيه ولو لحيظة. هذه أسباب اكتئابه الآن وصراخِه في صلاته لكي تعبر عنه الساعة إنْ أمكن، وطلبه من الآب ثلاث مرات أن يُجيز عنه هذه الكأس. كان في جهادٍ يصلي بأشد لجاجة، وصار عرقه كقطرات دمٍ نازلة على الأرض.
علم المسيح أن إبليس لا يهاجمه وحده ليثنيه عن عزمه في تتميم الفداء بموته على الصليب، بل يهاجم أيضاً تلاميذه، فحذَّر تلاميذه من إبليس وأوصاهم أن يسهروا معه ويصلوا لأجله ولأجل ذواتهم. كنا نظن أن النوم يستحيل عليهم في ساعة كهذه، لكن الواقع أنهم استسلموا حالاً للنوم كما ناموا على جبل التجلي.
ثم ركع المسيح للصلاة، وتحدث مع أبيه. لم يطلب أن تعبر عنه هذه الكأس وسكت، لكنه مضى يقول: "لكن ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت".
بعد الصلاة الأولى عاد المسيح إلى تلاميذه وأيقظهم، ثم وجَّه توبيخه اللطيف إلى بطرس أولاً، ثم إلى الجميع بقوله: "لماذا أنتم نيام؟ أهكذا ما قدرتم أن تسهروا معي ساعة واحدة". وأردف توبيخه بعبارة الحنوّ: "أما الروح فنشيط وأما الجسد فضعيف". ثم عاد إلى صلاته ثانية، وكانت مؤثرة أكثر من الأولى، وفيها لهجة المعاناة والألم. وبعدها وجد الثلاثة مثقَّلين أيضاً بالنوم، ولما أيقظهم لم يعلموا بماذا يجيبونه. ثم مضى وصلى ثالثة الصلاة السابقة قائلاً ذلك الكلام بعينه. من عدم استجابة الآب للمسيح في كل ما طلبه، وعلى الصورة التي طلبها في بشريته، عرفنا أهمية شُربه هذه الكأس، لأن محبة اللّه الغير محدودة لابنه الوحيد، لا يمكن أن تتركه في عذابات كهذه دون اضطرار كلي. لكن الآب الذي يحب البشر الساقطين الذين جعلوا أنفسهم أعداءه، لم يشفق على ابنه (الوحيد) بل بذله لأجلنا أجمعين (رومية 8:32).
لما أيقظ المسيح بطرس ويعقوب ويوحنا ثالث مرة، أكد لهم أن فرصة السهر والصلاة قد فاتت، فنومهم ويقظتهم سيَّان. قال: "ناموا الآن واستريحوا. يكفي. قد أتت الساعة. هوذا ابن الإنسان يُسلَّم إلى أيدي الخطاة". محبُّوه نيام لكن الخائن يقظان. الإسخريوطي لا يحتاج إلى وصية أن يسهر. أليست هذه شهادة التاريخ أن "أَبْنَاءَ هذَا الدَّهْرِ أَحْكَمُ مِنْ أَبْنَاءِ النُّورِ فِي جِيلِهِمْ" (لوقا 16:8)؟ مع أن سهر قوات الشر في العالم مدعاةٌ لمضاعفةِ سهرِ قواتِ الخير ويقظتها.
وأظهر المسيح مرة أخرى اهتمامه بيهوذا الذي باع نفسه، كما باع سيده بثلاثين من الفضة، مع أنه جاهد ليربّيه في الصلاح ويقوده إلى الخلاص، فقال: "هوذا الذي يسلّمني قد اقترب". سلّم المسيح نفسه لأبيه في هذا البستان قبل أن يسلّم جسده لأعدائه عند باب البستان، وبذلك التسليم تمَّ الفداء جوهرياً، وصار فِعْل الصليب وآلامه الجسدية تكملةً فقط لعمله الجوهري في جثسيماني.
 
قديم 08 - 08 - 2017, 03:30 PM   رقم المشاركة : ( 18763 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,295,893

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

يهوذا يقود الرؤساء


وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"وَفِيمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ، إِذَا يَهُوذَا أَحَدُ الِاثْنَيْ عَشَرَ قَدْ جَاءَ وَمَعَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ بِسُيُوفٍ وَعِصِيٍّ مِنْ عِنْدِ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَشُيُوخِ الشَّعْبِ. وَالَّذِي أَسْلَمَهُ أَعْطَاهُمْ عَلَامَةً قَائِلاً: "الَّذِي أُقَبِّلُهُ هُوَ هُوَ. أَمْسِكُوهُ". فَلِلْوَقْتِ تَقَدَّمَ إِلَى يَسُوعَ وَقَالَ: "السَّلَامُ يَا سَيِّدِي!" وَقَبَّلَهُ. فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: "يَا صَاحِبُ، لِمَاذَا جِئْتَ؟" حِينَئِذٍ تَقَدَّمُوا وَأَلْقَوُا الْأَيَادِيَ عَلَى يَسُوعَ وَأَمْسَكُوهُ. وَإِذَا وَاحِدٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَ يَسُوعَ مَدَّ يَدَهُ وَاسْتَلَّ سَيْفَهُ وَضَرَبَ عَبْدَ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ، فَقَطَعَ أُذْنَهُ. فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: "رُدَّ سَيْفَكَ إِلَى مَكَانِهِ. لِأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ السَّيْفَ بِالسَّيْفِ يَهْلِكُونَ! أَتَظُنُّ أَنِّي لَا أَسْتَطِيعُ الْآنَ أَنْ أَطْلُبَ إِلَى أَبِي فَيُقَدِّمَ لِي أَكْثَرَ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ جَيْشاً مِنَ الْمَلَائِكَةِ؟ فَكَيْفَ تُكَمَّلُ الْكُتُبُ: أَنَّهُ هكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ؟" (متى 26:47-54).
نعود بالفكر إلى الإسخريوطي الذي قضى مع شيوخ اليهود هذه الساعات في التدبير لنجاح مشروعهم، بينما كان غيرهم من أهل المدينة مثقلين بالنوم بعد وليمة عشاء الفصح، والمسيح وتلاميذه في البستان. فارق الإسخريوطي المسيح والتلاميذ في علية العشاء، وهو يعلم أنه لا سلاح معهم إلا السيفين، ولا أنصار لهم بين الشعب في ساعات النوم، فطمأن شركاءه الرؤساء أن المسيح لن يستخدم قوته المعجزية ليتخلص منهم، لأنه أعلن مراراً نيّته أن يسلِّم نفسه للصليب، فلا صعوبة تُذكر في القبض عليه في العلية وتسليمه باكراً للحكومة الرومانية، ما دام الجمهور نائماً.
لكنهم لم يجدوه في العلية، فرأى الإسخريوطي أن يفتشوا عنه في بستان جثسيماني، حيث يُرجَّح وجوده. فزادوا القوة التي معهم وهيأوا ما يحتاجون إليه لأجل عملهم خارج المدينة. نعلم أن الذين بلغوا البستان هم يهوذا والجند الروماني المقيم بجوار الهيكل، الذين وضعهم الوالي تحت إمرة رؤساء اليهود، وخدام رؤساء الكهنة والكتبة والفريسيين وشيوخ الشعب، حتى أصبحوا جمعاً كثيراً بمشاعل ومصابيح وسلاح بسيوف وعصيّ. ولئلا يقع غلط في الليل ويقبض الجند على أحد التلاميذ بدلاً من المسيح فيتسنّى له الهرب من بينهم تحت جناح الليل، تم الاتفاق أن الإسخريوطي الذي يعرف المسيح جيداً يعطيهم علامة تقيهم من الغلط. وقال لهم: "الذي أقبله هو هو".
تقدم الإسخريوطي إلى المسيح وقال: "السلام يا سيدي". وقبّله لا قبلة واحدة بسيطة بل قبلات عديدة، كأنه أوفر الناس حباً له. أما المسيح فكان لا يزال يحاول أن يخلّصه من فساد قلبه إن أمكن، فقال له: "يا صاحب، لماذا جئت؟ يا يهوذا أبقبلة تسلم ابن الإنسان؟". وعمل المسيح هذا مع الإسخريوطي مثال مفيد يقدِّم لأعظم الخطاة رجاء بأن المخلِّص لا يهمله لكثرة شروره. وفيه درس لصيادي النفوس يجعلهم يتمسكون إلى النهاية بتخليص النفوس الهالكة مهما توغلت في الآثام.
يظهر أن يهوذا وبعض القادة دخلوا البستان، بينما بقي الباقون خارجاً ينتظرون أوامر القادة. وعندما خرج يهوذا مع المسيح من البستان، رأى المسيح الجمع المحتشد بالأسلحة، فكان همُّه الأول أن يحمي تلاميذه من الضرر، فسأل الجمهور: "من تطلبون؟" أجابوه: "يسوع الناصري". فقال لهم "أنا هو". فأرعبتهم هيبته جداً حتى رجعوا إلى الوراء، هم والخائن، وسقطوا على الأرض. بذلك تأكد لهم أنهم لا يأخذونه دون إرادته.
ولما نهضوا أعاد السؤال عليهم ثانية. فلما أجابوا كالأول، دون أن يتقدموا قال لهم: "قد قلتُ لكم إني أنا هو، فإنْ كنتمُ تطلبونني فدعوا هؤلاء (أي تلاميذه) يذهبون". وقف أمامهم كآمِرٍ فأطاعوا. ليست هذه المرة الأولى التي أرعب المسيح فيها جمهوراً معادياً فأحبط مقاصدهم ضده، لكنها أعظم تلك الحوادث وأغربُها. لقد اكتسب المسيح من سهره وصلاته وتسليمه للآب في البستان قوة وهَيْبة جديدة. وعندما شاهد أعداؤه هيبته ظهر جُبْنهُم، لأن ضمائرهم كانت تشهد ضدهم.
لم ينصرف التلاميذ عند قول المسيح لأعدائه: "دعوا هؤلاء يذهبون" لأنهم تذكروا وعْدَهم أنهم يذهبون معه للسجن والموت، وأن سيدهم قال لهم في هذا المساء: "مَنْ ليس له سيف فليبعْ ثوبه ويشتري سيفاً". ولما قالوا له: "هنا سيفان". قال لهم: "يكفي" ظنوا أنه يريدهم أن يدافعوا عنه بالقوة. فلما رأوا أن الذين أمسكوه لم يكتفوا بمَسْكه، بل أوثقوه (أي ربطوا يديه وراء ظهره، كعادتهم عند مَسْك أصحاب الجرائم الكبيرة" تحمَّسوا فسألوا سيدهم بعبارة التعظيم أمام خصومه: "يا رب، أنضرب بالسيف؟".
يظهر أن بطرس لاحظ أن المهاجِم الأعظم على سيده، كان عبد رئيس الكهنة، فلم يصبر ليسمع جواب المسيح، بل استَّل السيف الذي معه، وضرب به هذا العبد (واسمه ملخس) على رأسه ليقتله، لكنه لم يصِبْ إلا أذنه اليمنى فقطعها. اهتم المسيح حالاً بإصلاح خطأ بطرس، كما اهتم أن يُظهِر حبَّه لأعدائه واستعدادَه أن يفعل معجزة لخيرهم، وفي الوقت ذاته يوضح لأعدائه مقامه الحقيقي. لم يتسلطوا عليه إلا برضاه، فأظهر أولاً استياءه من فعل بطرس، وأمَرَه أن يردَّ سيفه إلى غمده. وذكَّره بالحكمة القديمة القائلة إن: "الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون". ثم علّمه أنه لا يحتاج إلى بشرٍ يخلِّصون، فهو لا ينتظر من التلاميذ أن يعِينوه بالقوة. ولو احتاج لمعونة لطلب من أبيه فيرسل له أكثر من اثني عشر جيشاً من الملائكة. أَوَلا يعلم بطرس حتى الآن أن القبض على سيده ينبغي أن يكون لكي تُكمل نبوات التوراة؟ ثم طلب المسيح أن يقدموا ملخس إليه، وهذا يعني تخفيف القيود التي تقيد يدي المسيح. فلما حلوه، مد يده وشفى أذن ملخس وفقاً لوصيته: "أحسنوا إلى مبغضيكم". وكانت هذه المعجزة خاتمة معجزاته قبل صلبه.
ولما عرف التلاميذ أن المسيح لا يطلب مساعدتهم، وأن بقاءهم تحت الخطر لا يفيد سيدهم شيئاً، تركوه كلهم وهربوا. فتمت نبوته لهم وهم في العلية أنهم جميعاً سيتركونه.
 
قديم 08 - 08 - 2017, 03:30 PM   رقم المشاركة : ( 18764 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,295,893

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

القبض على المسيح في بستان جثسيماني

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"حِينَئِذٍ جَاءَ مَعَهُمْ يَسُوعُ إِلَى ضَيْعَةٍ يُقَالُ لَهَا جَثْسَيْمَانِي، فَقَالَ لِلتَّلَامِيذِ: "اجْلِسُوا ههُنَا حَتَّى أَمْضِيَ وَأُصَلِّيَ هُنَاكَ". ثُمَّ أَخَذَ مَعَهُ بُطْرُسَ وَابْنَيْ زَبْدِي، وَابْتَدَأَ يَحْزَنُ وَيَكْتَئِبُ. فَقَالَ لَهُمْ: "نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدّاً حَتَّى الْمَوْتِ. اُمْكُثُوا ههُنَا وَاسْهَرُوا مَعِي" (متى 26:36-38).
كل قادم وراءه نور، يسبِقه ظلُّه. فالصليب قادمٌ وراءه نور الخلاص، لذلك يظهر الآن ظله كثيفاً بعد ظهوراته الخفيفة السابقة، لأنه قبل غروب الشمس مرة أخرى، يظهر الصليب ذاته. خرج الإسخريوطي من علية العشاء وكان ليلاً. وبعد خروجه رسم المسيح فريضة العشاء الرباني، وتحدث بمناسبتِهِ، ثم ألقى على تلاميذه عظته الوافية وصلاته الشفاعية. فلا بد أن الليل كان قد انتصف عندما كمُلت الصلاة. لكن المسيح لا يستغني في هذا الوقت الرهيب عن اختلاء خصوصي مع الآب استعداداً لِمَا ينتظره، فإن الاستعدادات العدائية في المدينة تتكامل.
خرج المسيح ومعه تلاميذه الإثنا عشر من العلية يمرُّون بالأزقة المسقوفة تحت ستار السكينة والظلام، ويجتازون وادي قدرون في نور البدر متوجِّهين شرقاً إلى بستان في سفح جبل الزيتون، يملكه أحد محبّي المسيح في منطقةٍ اسمها جثسيماني (معناها معصرة). لذلك نرجح أن شجر هذا البستان في معصرة جبل الزيتون كان من نوع الزيتون. وأن المسيح اختار ظل هذه الأشجار الكثيف مخدعاً للصلاة.
وعندما دخلوا البستان أجلس المسيح ثمانية من التلاميذ هناك، وأوصاهم أن يصلُّوا لئلا تتغلب عليهم التجربة التي تأتيهم. وتقدم أكثر إلى الداخل يرافقه تلاميذه الثلاثة: بطرس ويعقوب ويوحنا، فشاهدوا المسيح في حزن واكتئاب. كان الثلاثة قد رافقوه على جبل التجلي، وشاهدوا منه بهجة ومجداً وجلالاً. وكانت هذه المشاهدة الجديدة على جبل الزيتون ضرورية لإِعلان بشريته الحقيقية، كما أعلنت مشاهد جبل التجلي بنويته الحقيقية للّه. قد أراهم المسيح في جبل التجلي شمس عظمته في أفقها الأرضي، وها هو في جثسيماني يريهم بداءة كسوفها في آلام اتضاعه، كسوفاً لا يقلُّ عجباً عن مجدها. فالحادثان مرتبطان برباطٍ لا ينفصم.
اختار المسيح الانفراد التام في مصارعته الأخيرة مع إبليس، ومقابلته العظمى مع أبيه، وتسليمه التام لمشيئته. ونحن نتعجب أن المسيح الذي قَبْل هذا الوقت بساعة كان يقدِّم عظة ثم صلاة ملؤها الابتهاج والمجد، يقول الآن: "نفسي حزينة جداً حتى الموت". السبب أنه قد أتت الساعة التي لأجلها جاء من السماء. ثم أوصى رفقاءه الثلاثة قائلاً: "امكثوا ههنا واسهروا معي". وتقدَّم قليلاً وانفصل عنهم نحو رمية حجر، وجثا على ركبتيه وخرَّ على وجهه على الأرض، وكان يصلي. ما ألطف وأجمل وأكرم طلبه منهم "اسهروا معي"!
المسيح يصلي في جثسيماني

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"ثُمَّ تَقَدَّمَ قَلِيلاً وَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي قَائِلاً: "يَا أَبَتَاهُ، إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسُ، وَلكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ". ثُمَّ جَاءَ إِلَى التَّلَامِيذِ فَوَجَدَهُمْ نِيَاماً، فَقَالَ لِبُطْرُسَ: "أَهكَذَا مَا قَدَرْتُمْ أَنْ تَسْهَرُوا مَعِي سَاعَةً وَاحِدَةً؟ اِسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلَّا تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ. أَمَّا الرُّوحُ فَنَشِيطٌ وَأَمَّا الْجَسَدُ فَضَعِيفٌ". فَمَضَى أَيْضاً ثَانِيَةً وَصَلَّى قَائِلاً: "يَا أَبَتَاهُ، إِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ تَعْبُرَ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسُ إِلَّا أَنْ أَشْرَبَهَا فَلْتَكُنْ مَشِيئَتُكَ". ثُمَّ جَاءَ فَوَجَدَهُمْ أَيْضاً نِيَاماً، إِذْ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ ثَقِيلَةً. فَتَرَكَهُمْ وَمَضَى أَيْضاً وَصَلَّى ثَالِثَةً قَائِلاً ذلِكَ الْكَلَامَ بِعَيْنِهِ. ثُمَّ جَاءَ إِلَى تَلَامِيذِهِ وَقَالَ لَهُمْ: "نَامُوا الْآنَ وَاسْتَرِيحُوا. هُوَذَا السَّاعَةُ قَدِ اقْتَرَبَتْ، وَابْنُ الْإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي الْخُطَاةِ. قُومُوا نَنْطَلِقْ. هُوَذَا الَّذِي يُسَلِّمُنِي قَدِ اقْتَرَبَ" (متى 26:39-46).
ها هو المسيح بطل السماء الطاهرة، ووحيد الآب وواحد معه، لا يطيق ما يراه أمامه من ساعةٍ فيها يخفي هذا الآب وجهه عنه. وسبب ذلك أنه في موته الفدائي سيتحمَّل لعنة الشريعة كحامِل خطايا البشر. وهو لا يطيق ذلك، إنْ كان لدى الآب وسيلةٌ أخرى لتخليص البشر بغير هذا العذاب الفائق. إنه يأبى أن يتحمل غضب أبيه ولو لحيظة. هذه أسباب اكتئابه الآن وصراخِه في صلاته لكي تعبر عنه الساعة إنْ أمكن، وطلبه من الآب ثلاث مرات أن يُجيز عنه هذه الكأس. كان في جهادٍ يصلي بأشد لجاجة، وصار عرقه كقطرات دمٍ نازلة على الأرض.
علم المسيح أن إبليس لا يهاجمه وحده ليثنيه عن عزمه في تتميم الفداء بموته على الصليب، بل يهاجم أيضاً تلاميذه، فحذَّر تلاميذه من إبليس وأوصاهم أن يسهروا معه ويصلوا لأجله ولأجل ذواتهم. كنا نظن أن النوم يستحيل عليهم في ساعة كهذه، لكن الواقع أنهم استسلموا حالاً للنوم كما ناموا على جبل التجلي.
ثم ركع المسيح للصلاة، وتحدث مع أبيه. لم يطلب أن تعبر عنه هذه الكأس وسكت، لكنه مضى يقول: "لكن ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت".
بعد الصلاة الأولى عاد المسيح إلى تلاميذه وأيقظهم، ثم وجَّه توبيخه اللطيف إلى بطرس أولاً، ثم إلى الجميع بقوله: "لماذا أنتم نيام؟ أهكذا ما قدرتم أن تسهروا معي ساعة واحدة". وأردف توبيخه بعبارة الحنوّ: "أما الروح فنشيط وأما الجسد فضعيف". ثم عاد إلى صلاته ثانية، وكانت مؤثرة أكثر من الأولى، وفيها لهجة المعاناة والألم. وبعدها وجد الثلاثة مثقَّلين أيضاً بالنوم، ولما أيقظهم لم يعلموا بماذا يجيبونه. ثم مضى وصلى ثالثة الصلاة السابقة قائلاً ذلك الكلام بعينه. من عدم استجابة الآب للمسيح في كل ما طلبه، وعلى الصورة التي طلبها في بشريته، عرفنا أهمية شُربه هذه الكأس، لأن محبة اللّه الغير محدودة لابنه الوحيد، لا يمكن أن تتركه في عذابات كهذه دون اضطرار كلي. لكن الآب الذي يحب البشر الساقطين الذين جعلوا أنفسهم أعداءه، لم يشفق على ابنه (الوحيد) بل بذله لأجلنا أجمعين (رومية 8:32).
لما أيقظ المسيح بطرس ويعقوب ويوحنا ثالث مرة، أكد لهم أن فرصة السهر والصلاة قد فاتت، فنومهم ويقظتهم سيَّان. قال: "ناموا الآن واستريحوا. يكفي. قد أتت الساعة. هوذا ابن الإنسان يُسلَّم إلى أيدي الخطاة". محبُّوه نيام لكن الخائن يقظان. الإسخريوطي لا يحتاج إلى وصية أن يسهر. أليست هذه شهادة التاريخ أن "أَبْنَاءَ هذَا الدَّهْرِ أَحْكَمُ مِنْ أَبْنَاءِ النُّورِ فِي جِيلِهِمْ" (لوقا 16:8)؟ مع أن سهر قوات الشر في العالم مدعاةٌ لمضاعفةِ سهرِ قواتِ الخير ويقظتها.
وأظهر المسيح مرة أخرى اهتمامه بيهوذا الذي باع نفسه، كما باع سيده بثلاثين من الفضة، مع أنه جاهد ليربّيه في الصلاح ويقوده إلى الخلاص، فقال: "هوذا الذي يسلّمني قد اقترب". سلّم المسيح نفسه لأبيه في هذا البستان قبل أن يسلّم جسده لأعدائه عند باب البستان، وبذلك التسليم تمَّ الفداء جوهرياً، وصار فِعْل الصليب وآلامه الجسدية تكملةً فقط لعمله الجوهري في جثسيماني.
يهوذا يقود الرؤساء

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"وَفِيمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ، إِذَا يَهُوذَا أَحَدُ الِاثْنَيْ عَشَرَ قَدْ جَاءَ وَمَعَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ بِسُيُوفٍ وَعِصِيٍّ مِنْ عِنْدِ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَشُيُوخِ الشَّعْبِ. وَالَّذِي أَسْلَمَهُ أَعْطَاهُمْ عَلَامَةً قَائِلاً: "الَّذِي أُقَبِّلُهُ هُوَ هُوَ. أَمْسِكُوهُ". فَلِلْوَقْتِ تَقَدَّمَ إِلَى يَسُوعَ وَقَالَ: "السَّلَامُ يَا سَيِّدِي!" وَقَبَّلَهُ. فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: "يَا صَاحِبُ، لِمَاذَا جِئْتَ؟" حِينَئِذٍ تَقَدَّمُوا وَأَلْقَوُا الْأَيَادِيَ عَلَى يَسُوعَ وَأَمْسَكُوهُ. وَإِذَا وَاحِدٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَ يَسُوعَ مَدَّ يَدَهُ وَاسْتَلَّ سَيْفَهُ وَضَرَبَ عَبْدَ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ، فَقَطَعَ أُذْنَهُ. فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: "رُدَّ سَيْفَكَ إِلَى مَكَانِهِ. لِأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ السَّيْفَ بِالسَّيْفِ يَهْلِكُونَ! أَتَظُنُّ أَنِّي لَا أَسْتَطِيعُ الْآنَ أَنْ أَطْلُبَ إِلَى أَبِي فَيُقَدِّمَ لِي أَكْثَرَ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ جَيْشاً مِنَ الْمَلَائِكَةِ؟ فَكَيْفَ تُكَمَّلُ الْكُتُبُ: أَنَّهُ هكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ؟" (متى 26:47-54).
نعود بالفكر إلى الإسخريوطي الذي قضى مع شيوخ اليهود هذه الساعات في التدبير لنجاح مشروعهم، بينما كان غيرهم من أهل المدينة مثقلين بالنوم بعد وليمة عشاء الفصح، والمسيح وتلاميذه في البستان. فارق الإسخريوطي المسيح والتلاميذ في علية العشاء، وهو يعلم أنه لا سلاح معهم إلا السيفين، ولا أنصار لهم بين الشعب في ساعات النوم، فطمأن شركاءه الرؤساء أن المسيح لن يستخدم قوته المعجزية ليتخلص منهم، لأنه أعلن مراراً نيّته أن يسلِّم نفسه للصليب، فلا صعوبة تُذكر في القبض عليه في العلية وتسليمه باكراً للحكومة الرومانية، ما دام الجمهور نائماً.
لكنهم لم يجدوه في العلية، فرأى الإسخريوطي أن يفتشوا عنه في بستان جثسيماني، حيث يُرجَّح وجوده. فزادوا القوة التي معهم وهيأوا ما يحتاجون إليه لأجل عملهم خارج المدينة. نعلم أن الذين بلغوا البستان هم يهوذا والجند الروماني المقيم بجوار الهيكل، الذين وضعهم الوالي تحت إمرة رؤساء اليهود، وخدام رؤساء الكهنة والكتبة والفريسيين وشيوخ الشعب، حتى أصبحوا جمعاً كثيراً بمشاعل ومصابيح وسلاح بسيوف وعصيّ. ولئلا يقع غلط في الليل ويقبض الجند على أحد التلاميذ بدلاً من المسيح فيتسنّى له الهرب من بينهم تحت جناح الليل، تم الاتفاق أن الإسخريوطي الذي يعرف المسيح جيداً يعطيهم علامة تقيهم من الغلط. وقال لهم: "الذي أقبله هو هو".
تقدم الإسخريوطي إلى المسيح وقال: "السلام يا سيدي". وقبّله لا قبلة واحدة بسيطة بل قبلات عديدة، كأنه أوفر الناس حباً له. أما المسيح فكان لا يزال يحاول أن يخلّصه من فساد قلبه إن أمكن، فقال له: "يا صاحب، لماذا جئت؟ يا يهوذا أبقبلة تسلم ابن الإنسان؟". وعمل المسيح هذا مع الإسخريوطي مثال مفيد يقدِّم لأعظم الخطاة رجاء بأن المخلِّص لا يهمله لكثرة شروره. وفيه درس لصيادي النفوس يجعلهم يتمسكون إلى النهاية بتخليص النفوس الهالكة مهما توغلت في الآثام.
يظهر أن يهوذا وبعض القادة دخلوا البستان، بينما بقي الباقون خارجاً ينتظرون أوامر القادة. وعندما خرج يهوذا مع المسيح من البستان، رأى المسيح الجمع المحتشد بالأسلحة، فكان همُّه الأول أن يحمي تلاميذه من الضرر، فسأل الجمهور: "من تطلبون؟" أجابوه: "يسوع الناصري". فقال لهم "أنا هو". فأرعبتهم هيبته جداً حتى رجعوا إلى الوراء، هم والخائن، وسقطوا على الأرض. بذلك تأكد لهم أنهم لا يأخذونه دون إرادته.
ولما نهضوا أعاد السؤال عليهم ثانية. فلما أجابوا كالأول، دون أن يتقدموا قال لهم: "قد قلتُ لكم إني أنا هو، فإنْ كنتمُ تطلبونني فدعوا هؤلاء (أي تلاميذه) يذهبون". وقف أمامهم كآمِرٍ فأطاعوا. ليست هذه المرة الأولى التي أرعب المسيح فيها جمهوراً معادياً فأحبط مقاصدهم ضده، لكنها أعظم تلك الحوادث وأغربُها. لقد اكتسب المسيح من سهره وصلاته وتسليمه للآب في البستان قوة وهَيْبة جديدة. وعندما شاهد أعداؤه هيبته ظهر جُبْنهُم، لأن ضمائرهم كانت تشهد ضدهم.
لم ينصرف التلاميذ عند قول المسيح لأعدائه: "دعوا هؤلاء يذهبون" لأنهم تذكروا وعْدَهم أنهم يذهبون معه للسجن والموت، وأن سيدهم قال لهم في هذا المساء: "مَنْ ليس له سيف فليبعْ ثوبه ويشتري سيفاً". ولما قالوا له: "هنا سيفان". قال لهم: "يكفي" ظنوا أنه يريدهم أن يدافعوا عنه بالقوة. فلما رأوا أن الذين أمسكوه لم يكتفوا بمَسْكه، بل أوثقوه (أي ربطوا يديه وراء ظهره، كعادتهم عند مَسْك أصحاب الجرائم الكبيرة" تحمَّسوا فسألوا سيدهم بعبارة التعظيم أمام خصومه: "يا رب، أنضرب بالسيف؟".
يظهر أن بطرس لاحظ أن المهاجِم الأعظم على سيده، كان عبد رئيس الكهنة، فلم يصبر ليسمع جواب المسيح، بل استَّل السيف الذي معه، وضرب به هذا العبد (واسمه ملخس) على رأسه ليقتله، لكنه لم يصِبْ إلا أذنه اليمنى فقطعها. اهتم المسيح حالاً بإصلاح خطأ بطرس، كما اهتم أن يُظهِر حبَّه لأعدائه واستعدادَه أن يفعل معجزة لخيرهم، وفي الوقت ذاته يوضح لأعدائه مقامه الحقيقي. لم يتسلطوا عليه إلا برضاه، فأظهر أولاً استياءه من فعل بطرس، وأمَرَه أن يردَّ سيفه إلى غمده. وذكَّره بالحكمة القديمة القائلة إن: "الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون". ثم علّمه أنه لا يحتاج إلى بشرٍ يخلِّصون، فهو لا ينتظر من التلاميذ أن يعِينوه بالقوة. ولو احتاج لمعونة لطلب من أبيه فيرسل له أكثر من اثني عشر جيشاً من الملائكة. أَوَلا يعلم بطرس حتى الآن أن القبض على سيده ينبغي أن يكون لكي تُكمل نبوات التوراة؟ ثم طلب المسيح أن يقدموا ملخس إليه، وهذا يعني تخفيف القيود التي تقيد يدي المسيح. فلما حلوه، مد يده وشفى أذن ملخس وفقاً لوصيته: "أحسنوا إلى مبغضيكم". وكانت هذه المعجزة خاتمة معجزاته قبل صلبه.
ولما عرف التلاميذ أن المسيح لا يطلب مساعدتهم، وأن بقاءهم تحت الخطر لا يفيد سيدهم شيئاً، تركوه كلهم وهربوا. فتمت نبوته لهم وهم في العلية أنهم جميعاً سيتركونه.
 
قديم 08 - 08 - 2017, 03:46 PM   رقم المشاركة : ( 18765 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,295,893

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

شهود الزور


وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخُ وَالْمَجْمَعُ كُلُّهُ يَطْلُبُونَ شَهَادَةَ زُورٍ عَلَى يَسُوعَ لِكَيْ يَقْتُلُوهُ، فَلَمْ يَجِدُوا. وَمَعَ أَنَّهُ جَاءَ شُهُودُ زُورٍ كَثِيرُونَ، لَمْ يَجِدُوا. وَلكِنْ أَخِيراً تَقَدَّمَ شَاهِدَا زُورٍ وَقَالَا: "هذَا قَالَ إِنِّي أَقْدِرُ أَنْ أَنْقُضَ هَيْكَلَ اللّهِ، وَفِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَبْنِيهِ". فَقَامَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ وَقَالَ لَهُ: "أَمَا تُجِيبُ بِشَيْءٍ؟ مَاذَا يَشْهَدُ بِهِ هذَانِ عَلَيْكَ؟" وَأَمَّا يَسُوعُ فَكَانَ سَاكِتاً. فَسَأَلَهُ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ: "أَسْتَحْلِفُكَ بِاللّهِ الْحَيِّ أَنْ تَقُولَ لَنَا: هَلْ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ؟" قَالَ لَهُ يَسُوعُ: "أَنْتَ قُلْتَ! وَأَيْضاً أَقُولُ لَكُمْ: مِنَ الْآنَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الْإِنْسَانِ جَالِساً عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ، وَآتِياً عَلَى سَحَابِ السَّمَاءِ". فَمَزَّقَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ حِينَئِذٍ ثِيَابَهُ قَائِلاً: "قَدْ جَدَّفَ! مَا حَاجَتُنَا بَعْدُ إِلَى شُهُودٍ؟ هَا قَدْ سَمِعْتُمْ تَجْدِيفَهُ! مَاذَا تَرَوْنَ؟" فَأَجَابُوا وَقَالُوا: "إِنَّهُ مُسْتَوْجِبُ الْمَوْتِ". حِينَئِذٍ بَصَقُوا فِي وَجْهِهِ وَلَكَمُوهُ، وَآخَرُونَ لَطَمُوهُ قَائِلِينَ: "تَنَبَّأْ لَنَا أَيُّهَا الْمَسِيحُ، مَنْ ضَرَبَكَ!" (متى 26:59-68).
أهتم الرؤساء كثيراً بتدبير شهود زور. لكن لم تتفق شهاداتهم. أخيراً تنسّموا نجاحاً من شاهدين يشهدان بأن المسيح قال إنه يهدم الهيكل ثم يُقيمه في ثلاثة أيام. وهذا تحريف لكلام قاله منذ ثلاث سنين في الهيكل لما طهَّره أول مرة، وكان يَقصد به هيكل جسده. لكن كلام الشاهديْن اختلف فسقطت شهادتُهما، فاحتدَّ الرئيس ووقف في الوسط وطلب من المسيح أن يدافع عن نفسه جواباً على الشهود. "فلم يجبه بكلمة". فتحققت نبوة إشعياء القائلة: "ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ" (إشعياء 53:7).
عند ذلك قال الرئيس: "استحلفك باللّه الحي أن تقول لنا: أأنت المسيح ابن اللّه؟". لم يقدر المسيح أن يسكت عند هذا السؤال، لئلا يُؤخذ سكوته دليلاً على رجوعه عن تصريحاته السابقة بهذا المعنى، أو على خوفه من مضطهديه، لذلك أجاب حالاً بالإِيجاب. وزاد قوله إنهم سوف يبصرونه كابن الإنسان جالساً عن يمين القوة وآتياً على سحاب السماء.كأنه يتنبأ للرئيس وللمحكمة عن يوم يأتي، حين تتبدَّل الأمور، فيكون هو الديَّان الذي يدين الرئيس وقومه.
ما هذا الكلام الغريب العظيم من مكتوفٍ يُحاكم، يوجِّهه إلى محاكميه الذين بيدهم حياته؟ وهل يحقُّ لمجرد بشرٍ أن يقول كلاماً كهذا؟ وتظاهر الرئيس بأنه لا يحتمل أن يسمع كلاماً يعارض العظمة الإلهية، فمزَّق ثيابه وقال: "قد جدف. ما حاجتنا بعد إلى شهود؟ ها قد سمعتم تجديفه. ما رأيكم؟".
لا يحقُّ لرئيس أن يعلن رأيه في قضية مطروحة لحكم المجلس، لأن ذلك يؤثر تأثيراً مهماً في الأصوات بعده. وكان القانون العبراني العادل يقضي بأن تُؤخذ في المجالس أصوات الأصاغر فيه قبل الأكابر. ومن هذا نرى أن قيافا فقد صلاحيته كحاكم في هذا الوقت، عندما أصدر حكمه أن المسيح جدف، الأمر الذي يعني قتل المسيح. ولكنه حصل على موافقة جميع زملائه في المجلس أن المسيح يستحق الموت.
ولما رأى الخدم والحرس العسكري أن الرؤساء حكموا بصوت واحد على المسيح بأعظم جريمة دينية ممكنة، وأنهم مستاؤون منه غاية الاستياء، أطلقوا العنان لميولهم الوحشية، عالمين أنهم بذلك يسُرُّون الرؤساء. ومع أن المحاكمة الرسمية لم تكن قد بدأت أخذوا يبصقون في وجه المسيح، ويغطُّون وجهه ويلكمونه، ويقولون: "تنبأ لنا أيها المسيح، من هو الذي ضربك؟" ثم جلدوه وأجروا عليه أنواع الإستهزاء المُهين، تحقيقاً للنبوة القديمة القائلة: "بَذَلْتُ ظَهْرِي لِلضَّارِبِينَ وَخَدَّيَّ لِلنَّاتِفِينَ. وَجْهِي لَمْ أَسْتُرْ عَنِ الْعَارِ وَالْبَصْقِ" (إشعياء 50:6).
كانت محاكمة المسييح في غرفة تشرف على الدار الخارجية، حيث تجمَّع الخدم والعبيد. وفي أوائل نيسان يشتد البرد قبيل الفجر. فأضرموا جمراً في وسط الدار ليستدفئوا، وانضمَّ بطرس إليهم. ويظهر أن بطرس لم يعترض على شيء من الكلام المُهين الذي دار بينهم في حق سيده، فلم ينتقده أحد. لكن بعد حين تقدمت "البوابة" التي فتحت له، وتفرست فيه، وقالت له: "وأنت كنت مع يسوع الناصري الجليلي. ألست أنت أيضاً من تلاميذ هذا الإنسان؟". فأنكر قدام الجميع قائلاً: "لستُ أنا (أي لست من تلاميذ هذا الإنسان). لست أدري ولا أفهم ما تقولين. ولست أعرفه يا امرأة".
 
قديم 08 - 08 - 2017, 03:46 PM   رقم المشاركة : ( 18766 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,295,893

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

أمام رئيس الكهنة


وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"فَسَأَلَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ يَسُوعَ عَنْ تَلَامِيذِهِ وَعَنْ تَعْلِيمِهِ. أَجَابَهُ يَسُوعُ: "أَنَا كَلَّمْتُ الْعَالَمَ عَلَانِيَةً. أَنَا عَلَّمْتُ كُلَّ حِينٍ فِي الْمَجْمَعِ وَفِي الْهَيْكَلِ حَيْثُ يَجْتَمِعُ الْيَهُودُ دَائِماً. وَفِي الْخَفَاءِ لَمْ أَتَكَلَّمْ بِشَيْءٍ. لِمَاذَا تَسْأَلُنِي أَنَا؟ اِسْأَلِ الَّذِينَ قَدْ سَمِعُوا مَاذَا كَلَّمْتُهُمْ. هُوَذَا هؤُلَاءِ يَعْرِفُونَ مَاذَا قُلْتُ أَنَا". وَلَمَّا قَالَ هذَا لَطَمَ يَسُوعَ وَاحِدٌ مِنَ الْخُدَّامِ كَانَ وَاقِفاً، قَائِلاً: "أَهكَذَا تُجَاوِبُ رَئِيسَ الْكَهَنَةِ؟" أَجَابَهُ يَسُوعُ: "إِنْ كُنْتُ قَدْ تَكَلَّمْتُ رَدِيّاً فَاشْهَدْ عَلَى الرَّدِيِّ، وَإِنْ حَسَناً فَلِمَاذَا تَضْرِبُنِي؟" وَكَانَ حَنَّانُ قَدْ أَرْسَلَهُ مُوثَقاً إِلَى قَيَافَا رَئِيسِ الْكَهَنَةِ" (يوحنا 18:19-24).
يا لغرابة الصورة التي أمامنا الآن! ها رئيس الكهنة الأصلي الحقيقي المُقام من اللّه (المسيح) يقف مكتوفاً مخفوراً ليُحاكَم أمام شخصٍ اختلس اسْمَ رئيس الكهنة ووظيفتَه ومقامَه، بعد أن حصل على موافقة والٍ شريرٍ وثني.
اتهم رئيس الكهنة المسيح أنه قائد مجموعة من المتآمرين لإثارة فتنة ضد الحكومة. بدليل مرافقة الجماهير له في جولاته، فسأله عن تلاميذه وتعليمه. وكان جواب المسيح: "في الخفاء لم أتكلم بشيء. لماذا تسألني أنا؟ إسأل الذين قد سمعوا ماذا كلمتُهم. هوذا هؤلاء يعرفون ماذا قلتُ أنا؟". ولو أن المسيح لبَّى طلب رئيس المحكمة وشَرحَ تعاليمه لَمَا كان لجوابه تأثيرٌ في المحاكمة القانونية، ولَمَا أقنع سائليه. ولم يعجب ردُّ المسيح واحداً من الخدم الواقفين في الغرفة فلطم المسيح ووبّخه على جوابه للرئيس. ولا شك أننا نذكر تعليم المسيح في وعظه على الجبل بأن المضروب على أحد خديه يحوّل للضارب خده الآخر، الذي لم يقصِدْ منه المعنى الحرفي، ولا أن إطلاقه يكون على كل الظروف. فبدلاً من خضوعه لهذه اللطمة بسكوت، وبَّخ الخادم الذي ضربه بكل رزانة وحق قائلاً: "إنْ كنتُ تكلمتُ ردياً فاشهد على الرديء، وإنْ حسناً فلماذا تضربني؟". أما اللطمات الأخرى التي أتته بعد حين فلم يعترض عليها بشيء.
 
قديم 08 - 08 - 2017, 03:47 PM   رقم المشاركة : ( 18767 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,295,893

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

بطرس ينكر المسيح


وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"وَبَيْنَمَا كَانَ بُطْرُسُ فِي الدَّارِ أَسْفَلَ جَاءَتْ إِحْدَى جَوَارِي رَئِيسِ الْكَهَنَةِ. فَلَمَّا رَأَتْ بُطْرُسَ يَسْتَدْفِئُ، نَظَرَتْ إِلَيْهِ وَقَالَتْ: "وَأَنْتَ كُنْتَ مَعَ يَسُوعَ النَّاصِرِيِّ!" فَأَنْكَرَ قَائِلاً: "لَسْتُ أَدْرِي وَلَا أَفْهَمُ مَا تَقُولِينَ!" وَخَرَجَ خَارِجاً إِلَى الدِّهْلِيزِ، فَصَاحَ الدِّيكُ. فَرَأَتْهُ الْجَارِيَةُ أَيْضاً وَابْتَدَأَتْ تَقُولُ لِلْحَاضِرِينَ: "إِنَّ هذَا مِنْهُمْ!" فَأَنْكَرَ أَيْضاً. وَبَعْدَ قَلِيلٍ أَيْضاً قَالَ الْحَاضِرُونَ لِبُطْرُسَ: "حَقّاً أَنْتَ مِنْهُمْ، لِأَنَّكَ جَلِيلِيٌّ أَيْضاً وَلُغَتُكَ تُشْبِهُ لُغَتَهُمْ". فَابْتَدَأَ يَلْعَنُ وَيَحْلِفُ: "إِنِّي لَا أَعْرِفُ هذَا الرَّجُلَ الَّذِي تَقُولُونَ عَنْهُ!" وَصَاحَ الدِّيكُ ثَانِيَةً، فَتَذَكَّرَ بُطْرُسُ الْقَوْلَ الَّذِي قَالَهُ لَهُ يَسُوعُ: "إِنَّكَ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ الدِّيكُ مَرَّتَيْنِ، تُنْكِرُنِي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ". فَلَمَّا تَفَكَّرَ بِهِ بَكَى" (مرقس 14:66-72).
لكن إنكاره أوقد حريقاً في قلبه، فتركهم وخرج خارجاً إلى الدهليز. وبينما هو هناك سمع صوت صياح الديك. واعترضته جارية أخرى أكّدت للحاضرين أن هذا منهم. فأنكر بقَسَم تثبيتاً لإنكاره السابق لكي لا يكشفوا كذبه. أخيراً بعد ساعة زاد عليه الاعتراض من الذين أكدوا أنه أحد تلاميذ المسيح، ولا سيما أن لهجته الجليلية تدلُّ على ذلك، إلى أن ظهر بينهم نسيب ملخس الذي قطع أذنه في البستان، وقال إنه رآه مع المسيح هناك.
ولما رأى بطرس شدة الخطر الذي يتهدده، وعرف أن الإنكار البسيط كالسابق لا يكفيه، أخذ يحلف ويلعن مؤكداً أنه لا يعرف المسيح.
لم يفرغ بطرس من إنكاره الفظيع، إلا وصاح الديك ثانية. وكان المسيح ينتظر هذا الصياح لينقذ تلميذه من الهوَّة التي تورط فيها، فحوَّل اهتمامه عن عذابه في تلك المحاكمة وما يتبعها، ليسأل عن نفس هذا البطل الساقط. وأدار وجهه عن رئيس الكهنة والرؤساء لينظر إلى بطرس في الدار، فالتقَت عينا المسيح بعيني تلميذه، بالاتفاق مع صياح الديك. وأسَرَ المسيحُ قلْبَ بطرس بلفْتةِ الحب المقترن بالحزن. فابتدأت دموعه تسيل نهراً، وتغلَّبت فيه العواطف الشريفة على الدنيئة، وحلّت التوبة القلبية الصافية محل الجحود والإنكار، فعلم أن خطيئته قد غُفرت وأن صلاة المسيح لأجله لكي لا يفنى إيمانه قد استُجيبت. لم يعُد بطرس يسأل: ماذا يقول الناس عنه، ولا ماذا يتهدده من الخطر. لكنه سأل فقط عن رضى سيده حبيب نفسه. "فخرج إلى خارج وبكى بكاء مراً". ونال الغفران التام.
"هَلُمَّ نَتَحَاجَجْ، يَقُولُ الرَّبُّ. إِنْ كَانَتْ خَطَايَاكُمْ كَالْقِرْمِزِ تَبْيَضُّ كَالثَّلْجِ. إِنْ كَانَتْ حَمْرَاءَ كَالدُّودِيِّ تَصِيرُ كَالصُّوفِ" (اش 1:18). "أَنَا أَنَا هُوَ الْمَاحِي ذُنُوبَكَ لِأَجْلِ نَفْسِي، وَخَطَايَاكَ لَا أَذْكُرُهَا" (إشعياء 43:25) "طُوبَى لِلَّذِي غُفِرَ إِثْمُهُ وَسُتِرَتْ خَطِيَّتُهُ " (مز 32:1). والمسيح الذي خلّص بطرس بلَفْتَتِه، ينجّي في كل حين من أعمال الإِثم ودركاته كلَّ من ينظر إليه نظرة الإيمان.
 
قديم 08 - 08 - 2017, 03:47 PM   رقم المشاركة : ( 18768 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,295,893

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

محاكمة المسيح صباحاً


وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"وَلَمَّا كَانَ النَّهَارُ اجْتَمَعَتْ مَشْيَخَةُ الشَّعْبِ: رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةُ، وَأَصْعَدُوهُ إِلَى مَجْمَعِهِمْ قَائِلِينَ: "إِنْ كُنْتَ أَنْتَ الْمسِيحَ فَقُلْ لَنَا". فَقَالَ لَهُمْ: "إِنْ قُلْتُ لَكُمْ لَا تُصَدِّقُونَ، وَإِنْ سَأَلْتُ لَا تُجِيبُونَنِي وَلَا تُطْلِقُونَنِي. مُنْذُ الْآنَ يَكُونُ ابْنُ الْإِنْسَانِ جَالِساً عَنْ يَمِينِ قُوَّةِ اللّهِ". فَقَالَ الْجَمِيعُ: "أَفَأَنْتَ ابْنُ اللّهِ؟" فَقَالَ لَهُمْ: "أَنْتُمْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا هُوَ". فَقَالُوا: "مَا حَاجَتُنَا بَعْدُ إِلَى شَهَادَةٍ؟ لِأَنَّنَا نَحْنُ سَمِعْنَا مِنْ فَمِهِ". فَقَامَ كُلُّ جُمْهُورِهِمْ وَجَاءُوا بِهِ إِلَى بِيلَاطُسَ" (لوقا 22:66-23:1).
كانت المحاكمة في الليل غير قانونية - وما أن أشرق صباح يوم الجمعة حتى قرَّر شيوخ اليهود أن يصدِروا حكمهم الذي اتفقوا عليه خلال الليل. ولما عقدوا جلستهم الرسمية سألوه إن كان هو المسيح المنتظر، فأجابهم: "إنْ قلتُ لكم لا تصدقون، وإنْ سألتكم لا تجيبونني". ثم كرر عبارته السابقة بخصوص جلوسه عن يمين القوة الإلهية. فسألوه: "أفأنت ابن اللّه؟" ولما أجابهم بالإيجاب قالوا: "ما حاجتنا بعد إلى شهود، لأننا نحن سمعنا من فمه؟".
فحكم هذا المجلس الملي المعظَّم على المسيح بالإِعدام، لارتكابه جريمة التجديف. فماذا يفعل المجلس الآن بعد حكمه هذا؟
كان لا بد أن يصدق الوالي الروماني بيلاطس على هذا الحكم، ليصبح نافذ المفعول. ولما كان اليوم التالي من أيام عيد الفصح الهامة التي تدوم أسبوعاً، كان عليهم أن يسرعوا للحصول على موافقة بيلاطس، لأنه لو لم ينفَّذْ هذا الحكم يوم الجمعة لاقتضى الأمر تأجيله أسبوعاً كاملاً. ومن يدري ما سيحدث خلال هذا الأسبوع؟ سيحاول الشعب أن يخلصه من الحكم الظالم.. لذلك قام كل جمهورهم وجاءوا إلى دار الولاية ودفعوه إلى بيلاطس البنطي الوالي.
ما هذه الصورة المحزنة والمكدرة؟ ها رؤساء الشعب معلمو الشريعة الإلهية الطاهرة، يسيرون في مقدمة جمع في شوارع المدينة المقدسة، ليسلّموا مسيحهم ورجاءهم الوحيد، ورجاء العالم أجمع، إلى والٍ قاسٍ ظالم وثني ليصلبه.
 
قديم 08 - 08 - 2017, 03:47 PM   رقم المشاركة : ( 18769 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,295,893

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

يهوذا ينتحر


وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"حِينَئِذٍ لَمَّا رَأَى يَهُوذَا الَّذِي أَسْلَمَهُ أَنَّهُ قَدْ دِينَ، نَدِمَ وَرَدَّ الثَّلَاثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخِ قَائِلاً: "قَدْ أَخْطَأْتُ إِذْ سَلَّمْتُ دَماً بَرِيئاً". فَقَالُوا: "مَاذَا عَلَيْنَا؟ أَنْتَ أَبْصِرْ!" فَطَرَحَ الْفِضَّةَ فِي الْهَيْكَلِ وَانْصَرَفَ، ثُمَّ مَضَى وَخَنَقَ نَفْسَهُ. فَأَخَذَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ الْفِضَّةَ وَقَالُوا: "لَا يَحِلُّ أَنْ نُلْقِيَهَا فِي الْخِزَانَةِ لِأَنَّهَا ثَمَنُ دَمٍ". فَتَشَاوَرُوا وَاشْتَرَوْا بِهَا حَقْلَ الْفَخَّارِيِّ مَقْبَرَةً لِلْغُرَبَاءِ. لِهذَا سُمِّيَ ذلِكَ الْحَقْلُ "حَقْلَ الدَّمِ" إِلَى هذَا الْيَوْمِ. حِينَئِذٍ تَمَّ مَا قِيلَ بِإِرْمِيَا النَّبِيِّ: "وَأَخَذُوا الثَّلَاثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ، ثَمَنَ الْمُثَمَّنِ الَّذِي ثَمَّنُوهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَعْطَوْهَا عَنْ حَقْلِ الْفَخَّارِيِّ، كَمَا أَمَرَنِي الرَّبُّ" (متى 27:3-10).
وهنا شعر يهوذا الإسخريوطي أنه أجرم في حق المسيح. ربما تمنّى أن يُفلت المسيح من قبضتهم بقوته ومعجزاته. ولكن لما رأى أن المحاكمة ماضية في الطريق وأن المسيح يواجه الموت، أسرع لشيوخ اليهود يردُّ الثلاثين من الفضة ويقول: "قد أخطأت إذْ سلّمتُ دماً بريئاً". ولم يكن رؤساء اليهود يهتمُّون بمحاكمة عادلة، فجاوبوا يهوذا باحتقار قائلين: "ماذا علينا؟ أبصر أنت؟".
ألقى يهوذا بالفضة إليهم. ولكن تمسُّكهم الظاهري بالشريعة جعلهم يرفضون إعادتها للخزانة، فتغلَّبوا على المشكلة بأن اشتروا بالمال حقلاً جعلوه مقبرة للغرباء، فتحقَّقت نبوة هامة في التوراة (زكريا 11:12 ، 13).
ولما رأى الإسخريوطي أن المسيح لم يَنْجُ من الموت، ندم غاية الندم، لكن ندمه كان مختلفاً عن ندم بطرس الذي أنكر، فقد سعى ليصلح أمره مع الناس فقط. اعترف للبشر أولاً، فلقي الفشل الذي يصيب كل من يقدِّم أولاً للبشر اعترافه بخطاياه. توهم أنه يقدر أن يصلح ما فعل وهذا مستحيل. كان عليه أن يستغفر من اللّه أولاً، ويطلب منه أن يصلح ما أفسده هو.
مسكين الإسخريوطي، أولاً وأخيراً... مضى وخنق نفسه. سقط على وجهه وانشقَّ من الوسط، فانسكبت أحشاؤه كلها. فأي نتيجة مرعبة هذه التي تجانس خيانته العظيمة؟ هذه لمحة من عذاب جهنم، أبرقت منها على العالم عبرة ومثالاً. فمن لا يتَّعظ بها؟
 
قديم 08 - 08 - 2017, 03:49 PM   رقم المشاركة : ( 18770 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,295,893

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

شيوخ اليهود يحاكمون المسيح

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
كان حق توقيع حكم الإعدام للوالي الروماني وحده، ولو أن الحكومة الرومانية، كانت تنفذ أحكام رؤساء الدين اليهودي بسهولة، منعاً للمشاكل.
وكان لليهود رئيسان للكهنة، أولهما حنان - الرئيس الشرعي. ولكن الوالي الروماني كان قد عزله منذ عشرين سنة، وأقام صهره قيافا رئيساً للكهنة بدله. وكان حَنّان صاحبَ نفوذ عند الشعب، كما كان صانع المكائد الأكبر ضد المسيح.
أخذ الجنود المسيح بعد القبض عليه في البستان إلى بيت حنان، وكان تلاميذه قد هربوا، لكن يوحنا التلميذ الحبيب رجع وانضم إلى الجمهور المتَّجه من البستان إلى دار رئيس الكهنة. ولأنه كان معروفاً ومقبولاً فيها، دخل مع الداخلين. ورجع سمعان بطرس أيضاً وتبعهم لكن من بعيد، فلما وصل بعد الآخرين أوقفتْهُ الجارية البوابة، فطلب منها أن تستدعي له من داخل صديقه ورفيقه يوحنا. فلما خرج يوحنا وتكلم مع الجارية أدخل بطرس معه إلى الدار، لكن ليس إلى غرفة الرئيس حيث دخل هو.
يظهر أن الرئيس قيافا أرسل حالاً فجمع ليلاً الذين أرادهم من رؤساء الكهنة والكتبة والشيوخ، لكي يُجْروا محاكمة غير رسمية يُصدِرون فيها حكماً رسمياً معجَّل التنفيذ، ليتمكَّنوا من تسليم المسيح باكراً للوالي الروماني، لكي ينفّذ حكمهم بالإعدام قبل يوم ذبيحة الفصح، لأن شريعة موسى كانت تحرم أي عمل مثل هذا يوم عيد الفصح وفي أيام العيد بعده.
أمام رئيس الكهنة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"فَسَأَلَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ يَسُوعَ عَنْ تَلَامِيذِهِ وَعَنْ تَعْلِيمِهِ. أَجَابَهُ يَسُوعُ: "أَنَا كَلَّمْتُ الْعَالَمَ عَلَانِيَةً. أَنَا عَلَّمْتُ كُلَّ حِينٍ فِي الْمَجْمَعِ وَفِي الْهَيْكَلِ حَيْثُ يَجْتَمِعُ الْيَهُودُ دَائِماً. وَفِي الْخَفَاءِ لَمْ أَتَكَلَّمْ بِشَيْءٍ. لِمَاذَا تَسْأَلُنِي أَنَا؟ اِسْأَلِ الَّذِينَ قَدْ سَمِعُوا مَاذَا كَلَّمْتُهُمْ. هُوَذَا هؤُلَاءِ يَعْرِفُونَ مَاذَا قُلْتُ أَنَا". وَلَمَّا قَالَ هذَا لَطَمَ يَسُوعَ وَاحِدٌ مِنَ الْخُدَّامِ كَانَ وَاقِفاً، قَائِلاً: "أَهكَذَا تُجَاوِبُ رَئِيسَ الْكَهَنَةِ؟" أَجَابَهُ يَسُوعُ: "إِنْ كُنْتُ قَدْ تَكَلَّمْتُ رَدِيّاً فَاشْهَدْ عَلَى الرَّدِيِّ، وَإِنْ حَسَناً فَلِمَاذَا تَضْرِبُنِي؟" وَكَانَ حَنَّانُ قَدْ أَرْسَلَهُ مُوثَقاً إِلَى قَيَافَا رَئِيسِ الْكَهَنَةِ" (يوحنا 18:19-24).
يا لغرابة الصورة التي أمامنا الآن! ها رئيس الكهنة الأصلي الحقيقي المُقام من اللّه (المسيح) يقف مكتوفاً مخفوراً ليُحاكَم أمام شخصٍ اختلس اسْمَ رئيس الكهنة ووظيفتَه ومقامَه، بعد أن حصل على موافقة والٍ شريرٍ وثني.
اتهم رئيس الكهنة المسيح أنه قائد مجموعة من المتآمرين لإثارة فتنة ضد الحكومة. بدليل مرافقة الجماهير له في جولاته، فسأله عن تلاميذه وتعليمه. وكان جواب المسيح: "في الخفاء لم أتكلم بشيء. لماذا تسألني أنا؟ إسأل الذين قد سمعوا ماذا كلمتُهم. هوذا هؤلاء يعرفون ماذا قلتُ أنا؟". ولو أن المسيح لبَّى طلب رئيس المحكمة وشَرحَ تعاليمه لَمَا كان لجوابه تأثيرٌ في المحاكمة القانونية، ولَمَا أقنع سائليه. ولم يعجب ردُّ المسيح واحداً من الخدم الواقفين في الغرفة فلطم المسيح ووبّخه على جوابه للرئيس. ولا شك أننا نذكر تعليم المسيح في وعظه على الجبل بأن المضروب على أحد خديه يحوّل للضارب خده الآخر، الذي لم يقصِدْ منه المعنى الحرفي، ولا أن إطلاقه يكون على كل الظروف. فبدلاً من خضوعه لهذه اللطمة بسكوت، وبَّخ الخادم الذي ضربه بكل رزانة وحق قائلاً: "إنْ كنتُ تكلمتُ ردياً فاشهد على الرديء، وإنْ حسناً فلماذا تضربني؟". أما اللطمات الأخرى التي أتته بعد حين فلم يعترض عليها بشيء.
شهود الزور

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخُ وَالْمَجْمَعُ كُلُّهُ يَطْلُبُونَ شَهَادَةَ زُورٍ عَلَى يَسُوعَ لِكَيْ يَقْتُلُوهُ، فَلَمْ يَجِدُوا. وَمَعَ أَنَّهُ جَاءَ شُهُودُ زُورٍ كَثِيرُونَ، لَمْ يَجِدُوا. وَلكِنْ أَخِيراً تَقَدَّمَ شَاهِدَا زُورٍ وَقَالَا: "هذَا قَالَ إِنِّي أَقْدِرُ أَنْ أَنْقُضَ هَيْكَلَ اللّهِ، وَفِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَبْنِيهِ". فَقَامَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ وَقَالَ لَهُ: "أَمَا تُجِيبُ بِشَيْءٍ؟ مَاذَا يَشْهَدُ بِهِ هذَانِ عَلَيْكَ؟" وَأَمَّا يَسُوعُ فَكَانَ سَاكِتاً. فَسَأَلَهُ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ: "أَسْتَحْلِفُكَ بِاللّهِ الْحَيِّ أَنْ تَقُولَ لَنَا: هَلْ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ؟" قَالَ لَهُ يَسُوعُ: "أَنْتَ قُلْتَ! وَأَيْضاً أَقُولُ لَكُمْ: مِنَ الْآنَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الْإِنْسَانِ جَالِساً عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ، وَآتِياً عَلَى سَحَابِ السَّمَاءِ". فَمَزَّقَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ حِينَئِذٍ ثِيَابَهُ قَائِلاً: "قَدْ جَدَّفَ! مَا حَاجَتُنَا بَعْدُ إِلَى شُهُودٍ؟ هَا قَدْ سَمِعْتُمْ تَجْدِيفَهُ! مَاذَا تَرَوْنَ؟" فَأَجَابُوا وَقَالُوا: "إِنَّهُ مُسْتَوْجِبُ الْمَوْتِ". حِينَئِذٍ بَصَقُوا فِي وَجْهِهِ وَلَكَمُوهُ، وَآخَرُونَ لَطَمُوهُ قَائِلِينَ: "تَنَبَّأْ لَنَا أَيُّهَا الْمَسِيحُ، مَنْ ضَرَبَكَ!" (متى 26:59-68).
أهتم الرؤساء كثيراً بتدبير شهود زور. لكن لم تتفق شهاداتهم. أخيراً تنسّموا نجاحاً من شاهدين يشهدان بأن المسيح قال إنه يهدم الهيكل ثم يُقيمه في ثلاثة أيام. وهذا تحريف لكلام قاله منذ ثلاث سنين في الهيكل لما طهَّره أول مرة، وكان يَقصد به هيكل جسده. لكن كلام الشاهديْن اختلف فسقطت شهادتُهما، فاحتدَّ الرئيس ووقف في الوسط وطلب من المسيح أن يدافع عن نفسه جواباً على الشهود. "فلم يجبه بكلمة". فتحققت نبوة إشعياء القائلة: "ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ" (إشعياء 53:7).
عند ذلك قال الرئيس: "استحلفك باللّه الحي أن تقول لنا: أأنت المسيح ابن اللّه؟". لم يقدر المسيح أن يسكت عند هذا السؤال، لئلا يُؤخذ سكوته دليلاً على رجوعه عن تصريحاته السابقة بهذا المعنى، أو على خوفه من مضطهديه، لذلك أجاب حالاً بالإِيجاب. وزاد قوله إنهم سوف يبصرونه كابن الإنسان جالساً عن يمين القوة وآتياً على سحاب السماء.كأنه يتنبأ للرئيس وللمحكمة عن يوم يأتي، حين تتبدَّل الأمور، فيكون هو الديَّان الذي يدين الرئيس وقومه.
ما هذا الكلام الغريب العظيم من مكتوفٍ يُحاكم، يوجِّهه إلى محاكميه الذين بيدهم حياته؟ وهل يحقُّ لمجرد بشرٍ أن يقول كلاماً كهذا؟ وتظاهر الرئيس بأنه لا يحتمل أن يسمع كلاماً يعارض العظمة الإلهية، فمزَّق ثيابه وقال: "قد جدف. ما حاجتنا بعد إلى شهود؟ ها قد سمعتم تجديفه. ما رأيكم؟".
لا يحقُّ لرئيس أن يعلن رأيه في قضية مطروحة لحكم المجلس، لأن ذلك يؤثر تأثيراً مهماً في الأصوات بعده. وكان القانون العبراني العادل يقضي بأن تُؤخذ في المجالس أصوات الأصاغر فيه قبل الأكابر. ومن هذا نرى أن قيافا فقد صلاحيته كحاكم في هذا الوقت، عندما أصدر حكمه أن المسيح جدف، الأمر الذي يعني قتل المسيح. ولكنه حصل على موافقة جميع زملائه في المجلس أن المسيح يستحق الموت.
ولما رأى الخدم والحرس العسكري أن الرؤساء حكموا بصوت واحد على المسيح بأعظم جريمة دينية ممكنة، وأنهم مستاؤون منه غاية الاستياء، أطلقوا العنان لميولهم الوحشية، عالمين أنهم بذلك يسُرُّون الرؤساء. ومع أن المحاكمة الرسمية لم تكن قد بدأت أخذوا يبصقون في وجه المسيح، ويغطُّون وجهه ويلكمونه، ويقولون: "تنبأ لنا أيها المسيح، من هو الذي ضربك؟" ثم جلدوه وأجروا عليه أنواع الإستهزاء المُهين، تحقيقاً للنبوة القديمة القائلة: "بَذَلْتُ ظَهْرِي لِلضَّارِبِينَ وَخَدَّيَّ لِلنَّاتِفِينَ. وَجْهِي لَمْ أَسْتُرْ عَنِ الْعَارِ وَالْبَصْقِ" (إشعياء 50:6).
كانت محاكمة المسييح في غرفة تشرف على الدار الخارجية، حيث تجمَّع الخدم والعبيد. وفي أوائل نيسان يشتد البرد قبيل الفجر. فأضرموا جمراً في وسط الدار ليستدفئوا، وانضمَّ بطرس إليهم. ويظهر أن بطرس لم يعترض على شيء من الكلام المُهين الذي دار بينهم في حق سيده، فلم ينتقده أحد. لكن بعد حين تقدمت "البوابة" التي فتحت له، وتفرست فيه، وقالت له: "وأنت كنت مع يسوع الناصري الجليلي. ألست أنت أيضاً من تلاميذ هذا الإنسان؟". فأنكر قدام الجميع قائلاً: "لستُ أنا (أي لست من تلاميذ هذا الإنسان). لست أدري ولا أفهم ما تقولين. ولست أعرفه يا امرأة".
بطرس ينكر المسيح

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"وَبَيْنَمَا كَانَ بُطْرُسُ فِي الدَّارِ أَسْفَلَ جَاءَتْ إِحْدَى جَوَارِي رَئِيسِ الْكَهَنَةِ. فَلَمَّا رَأَتْ بُطْرُسَ يَسْتَدْفِئُ، نَظَرَتْ إِلَيْهِ وَقَالَتْ: "وَأَنْتَ كُنْتَ مَعَ يَسُوعَ النَّاصِرِيِّ!" فَأَنْكَرَ قَائِلاً: "لَسْتُ أَدْرِي وَلَا أَفْهَمُ مَا تَقُولِينَ!" وَخَرَجَ خَارِجاً إِلَى الدِّهْلِيزِ، فَصَاحَ الدِّيكُ. فَرَأَتْهُ الْجَارِيَةُ أَيْضاً وَابْتَدَأَتْ تَقُولُ لِلْحَاضِرِينَ: "إِنَّ هذَا مِنْهُمْ!" فَأَنْكَرَ أَيْضاً. وَبَعْدَ قَلِيلٍ أَيْضاً قَالَ الْحَاضِرُونَ لِبُطْرُسَ: "حَقّاً أَنْتَ مِنْهُمْ، لِأَنَّكَ جَلِيلِيٌّ أَيْضاً وَلُغَتُكَ تُشْبِهُ لُغَتَهُمْ". فَابْتَدَأَ يَلْعَنُ وَيَحْلِفُ: "إِنِّي لَا أَعْرِفُ هذَا الرَّجُلَ الَّذِي تَقُولُونَ عَنْهُ!" وَصَاحَ الدِّيكُ ثَانِيَةً، فَتَذَكَّرَ بُطْرُسُ الْقَوْلَ الَّذِي قَالَهُ لَهُ يَسُوعُ: "إِنَّكَ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ الدِّيكُ مَرَّتَيْنِ، تُنْكِرُنِي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ". فَلَمَّا تَفَكَّرَ بِهِ بَكَى" (مرقس 14:66-72).
لكن إنكاره أوقد حريقاً في قلبه، فتركهم وخرج خارجاً إلى الدهليز. وبينما هو هناك سمع صوت صياح الديك. واعترضته جارية أخرى أكّدت للحاضرين أن هذا منهم. فأنكر بقَسَم تثبيتاً لإنكاره السابق لكي لا يكشفوا كذبه. أخيراً بعد ساعة زاد عليه الاعتراض من الذين أكدوا أنه أحد تلاميذ المسيح، ولا سيما أن لهجته الجليلية تدلُّ على ذلك، إلى أن ظهر بينهم نسيب ملخس الذي قطع أذنه في البستان، وقال إنه رآه مع المسيح هناك.
ولما رأى بطرس شدة الخطر الذي يتهدده، وعرف أن الإنكار البسيط كالسابق لا يكفيه، أخذ يحلف ويلعن مؤكداً أنه لا يعرف المسيح.
لم يفرغ بطرس من إنكاره الفظيع، إلا وصاح الديك ثانية. وكان المسيح ينتظر هذا الصياح لينقذ تلميذه من الهوَّة التي تورط فيها، فحوَّل اهتمامه عن عذابه في تلك المحاكمة وما يتبعها، ليسأل عن نفس هذا البطل الساقط. وأدار وجهه عن رئيس الكهنة والرؤساء لينظر إلى بطرس في الدار، فالتقَت عينا المسيح بعيني تلميذه، بالاتفاق مع صياح الديك. وأسَرَ المسيحُ قلْبَ بطرس بلفْتةِ الحب المقترن بالحزن. فابتدأت دموعه تسيل نهراً، وتغلَّبت فيه العواطف الشريفة على الدنيئة، وحلّت التوبة القلبية الصافية محل الجحود والإنكار، فعلم أن خطيئته قد غُفرت وأن صلاة المسيح لأجله لكي لا يفنى إيمانه قد استُجيبت. لم يعُد بطرس يسأل: ماذا يقول الناس عنه، ولا ماذا يتهدده من الخطر. لكنه سأل فقط عن رضى سيده حبيب نفسه. "فخرج إلى خارج وبكى بكاء مراً". ونال الغفران التام.
"هَلُمَّ نَتَحَاجَجْ، يَقُولُ الرَّبُّ. إِنْ كَانَتْ خَطَايَاكُمْ كَالْقِرْمِزِ تَبْيَضُّ كَالثَّلْجِ. إِنْ كَانَتْ حَمْرَاءَ كَالدُّودِيِّ تَصِيرُ كَالصُّوفِ" (اش 1:18). "أَنَا أَنَا هُوَ الْمَاحِي ذُنُوبَكَ لِأَجْلِ نَفْسِي، وَخَطَايَاكَ لَا أَذْكُرُهَا" (إشعياء 43:25) "طُوبَى لِلَّذِي غُفِرَ إِثْمُهُ وَسُتِرَتْ خَطِيَّتُهُ " (مز 32:1). والمسيح الذي خلّص بطرس بلَفْتَتِه، ينجّي في كل حين من أعمال الإِثم ودركاته كلَّ من ينظر إليه نظرة الإيمان.
محاكمة المسيح صباحاً

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"وَلَمَّا كَانَ النَّهَارُ اجْتَمَعَتْ مَشْيَخَةُ الشَّعْبِ: رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةُ، وَأَصْعَدُوهُ إِلَى مَجْمَعِهِمْ قَائِلِينَ: "إِنْ كُنْتَ أَنْتَ الْمسِيحَ فَقُلْ لَنَا". فَقَالَ لَهُمْ: "إِنْ قُلْتُ لَكُمْ لَا تُصَدِّقُونَ، وَإِنْ سَأَلْتُ لَا تُجِيبُونَنِي وَلَا تُطْلِقُونَنِي. مُنْذُ الْآنَ يَكُونُ ابْنُ الْإِنْسَانِ جَالِساً عَنْ يَمِينِ قُوَّةِ اللّهِ". فَقَالَ الْجَمِيعُ: "أَفَأَنْتَ ابْنُ اللّهِ؟" فَقَالَ لَهُمْ: "أَنْتُمْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا هُوَ". فَقَالُوا: "مَا حَاجَتُنَا بَعْدُ إِلَى شَهَادَةٍ؟ لِأَنَّنَا نَحْنُ سَمِعْنَا مِنْ فَمِهِ". فَقَامَ كُلُّ جُمْهُورِهِمْ وَجَاءُوا بِهِ إِلَى بِيلَاطُسَ" (لوقا 22:66-23:1).
كانت المحاكمة في الليل غير قانونية - وما أن أشرق صباح يوم الجمعة حتى قرَّر شيوخ اليهود أن يصدِروا حكمهم الذي اتفقوا عليه خلال الليل. ولما عقدوا جلستهم الرسمية سألوه إن كان هو المسيح المنتظر، فأجابهم: "إنْ قلتُ لكم لا تصدقون، وإنْ سألتكم لا تجيبونني". ثم كرر عبارته السابقة بخصوص جلوسه عن يمين القوة الإلهية. فسألوه: "أفأنت ابن اللّه؟" ولما أجابهم بالإيجاب قالوا: "ما حاجتنا بعد إلى شهود، لأننا نحن سمعنا من فمه؟".
فحكم هذا المجلس الملي المعظَّم على المسيح بالإِعدام، لارتكابه جريمة التجديف. فماذا يفعل المجلس الآن بعد حكمه هذا؟
كان لا بد أن يصدق الوالي الروماني بيلاطس على هذا الحكم، ليصبح نافذ المفعول. ولما كان اليوم التالي من أيام عيد الفصح الهامة التي تدوم أسبوعاً، كان عليهم أن يسرعوا للحصول على موافقة بيلاطس، لأنه لو لم ينفَّذْ هذا الحكم يوم الجمعة لاقتضى الأمر تأجيله أسبوعاً كاملاً. ومن يدري ما سيحدث خلال هذا الأسبوع؟ سيحاول الشعب أن يخلصه من الحكم الظالم.. لذلك قام كل جمهورهم وجاءوا إلى دار الولاية ودفعوه إلى بيلاطس البنطي الوالي.
ما هذه الصورة المحزنة والمكدرة؟ ها رؤساء الشعب معلمو الشريعة الإلهية الطاهرة، يسيرون في مقدمة جمع في شوارع المدينة المقدسة، ليسلّموا مسيحهم ورجاءهم الوحيد، ورجاء العالم أجمع، إلى والٍ قاسٍ ظالم وثني ليصلبه.
يهوذا ينتحر

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"حِينَئِذٍ لَمَّا رَأَى يَهُوذَا الَّذِي أَسْلَمَهُ أَنَّهُ قَدْ دِينَ، نَدِمَ وَرَدَّ الثَّلَاثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخِ قَائِلاً: "قَدْ أَخْطَأْتُ إِذْ سَلَّمْتُ دَماً بَرِيئاً". فَقَالُوا: "مَاذَا عَلَيْنَا؟ أَنْتَ أَبْصِرْ!" فَطَرَحَ الْفِضَّةَ فِي الْهَيْكَلِ وَانْصَرَفَ، ثُمَّ مَضَى وَخَنَقَ نَفْسَهُ. فَأَخَذَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ الْفِضَّةَ وَقَالُوا: "لَا يَحِلُّ أَنْ نُلْقِيَهَا فِي الْخِزَانَةِ لِأَنَّهَا ثَمَنُ دَمٍ". فَتَشَاوَرُوا وَاشْتَرَوْا بِهَا حَقْلَ الْفَخَّارِيِّ مَقْبَرَةً لِلْغُرَبَاءِ. لِهذَا سُمِّيَ ذلِكَ الْحَقْلُ "حَقْلَ الدَّمِ" إِلَى هذَا الْيَوْمِ. حِينَئِذٍ تَمَّ مَا قِيلَ بِإِرْمِيَا النَّبِيِّ: "وَأَخَذُوا الثَّلَاثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ، ثَمَنَ الْمُثَمَّنِ الَّذِي ثَمَّنُوهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَعْطَوْهَا عَنْ حَقْلِ الْفَخَّارِيِّ، كَمَا أَمَرَنِي الرَّبُّ" (متى 27:3-10).
وهنا شعر يهوذا الإسخريوطي أنه أجرم في حق المسيح. ربما تمنّى أن يُفلت المسيح من قبضتهم بقوته ومعجزاته. ولكن لما رأى أن المحاكمة ماضية في الطريق وأن المسيح يواجه الموت، أسرع لشيوخ اليهود يردُّ الثلاثين من الفضة ويقول: "قد أخطأت إذْ سلّمتُ دماً بريئاً". ولم يكن رؤساء اليهود يهتمُّون بمحاكمة عادلة، فجاوبوا يهوذا باحتقار قائلين: "ماذا علينا؟ أبصر أنت؟".
ألقى يهوذا بالفضة إليهم. ولكن تمسُّكهم الظاهري بالشريعة جعلهم يرفضون إعادتها للخزانة، فتغلَّبوا على المشكلة بأن اشتروا بالمال حقلاً جعلوه مقبرة للغرباء، فتحقَّقت نبوة هامة في التوراة (زكريا 11:12 ، 13).
ولما رأى الإسخريوطي أن المسيح لم يَنْجُ من الموت، ندم غاية الندم، لكن ندمه كان مختلفاً عن ندم بطرس الذي أنكر، فقد سعى ليصلح أمره مع الناس فقط. اعترف للبشر أولاً، فلقي الفشل الذي يصيب كل من يقدِّم أولاً للبشر اعترافه بخطاياه. توهم أنه يقدر أن يصلح ما فعل وهذا مستحيل. كان عليه أن يستغفر من اللّه أولاً، ويطلب منه أن يصلح ما أفسده هو.
مسكين الإسخريوطي، أولاً وأخيراً... مضى وخنق نفسه. سقط على وجهه وانشقَّ من الوسط، فانسكبت أحشاؤه كلها. فأي نتيجة مرعبة هذه التي تجانس خيانته العظيمة؟ هذه لمحة من عذاب جهنم، أبرقت منها على العالم عبرة ومثالاً. فمن لا يتَّعظ بها؟
 
موضوع مغلق

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:07 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025