![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 186691 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() يا نوراً يغمر الكون...يا قبلة العيون...يا عزوبة القلوب من أعلى باب عرشك نزلت...وأنا ببابي كوخي وقفت غنيت...غنيت لك وحدي...نجوم الكون غافية وأنا ...وأنا أغني...أغني |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 186692 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() أيها الساهر الدهر كله تصغي الى وقع خطى المقترب إليك عطاياك غير متناهية ويدايا...ويدايا صغيرة حين أترك دفة سفينتي ادرك أن الوقت قد حان لتمسك بها أنت إلهي فضم يديك خاشعاً راكعاً يا قلبي |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 186693 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() استجابة الله لصلاة سليمان قدم سليمان صلاة بروح التواضع مع الشكر والحمد لله الذي وهبه هذا العمل كعطية إلهية. في نفس الوقت لم يطلب شيئًا لنفسه، بل طلب الرحمة للشعب. ولم ينسَ ولا تجاهل دور أبيه في العمل. لهذا استجاب الله لصلاته، لأنها تتناغم مع إرادة الله المقدسة. 1. استجابة الصلاة علانية وَلَمَّا انْتَهَى سُلَيْمَانُ مِنَ الصَّلاَةِ، نَزَلَتِ النَّارُ مِنَ السَّمَاءِ، وَأَكَلَتِ الْمُحْرَقَةَ وَالذَّبَائِحَ، وَمَلأَ مَجْدُ الرَّبِّ الْبَيْتَ. [1] لم ترد في سفر الملوكاستجابة الصلاة علانية ومصادقة الله على تدشين الهيكل [1-6]. إنها صورة رائعة لخبرة المؤمنين لعربون السماء وهم بعد في هذا العالم، في هذا الجسد. قبل أن يتحرك سليمان بعد صلاته، أعلن الله بسرعة فائقة استجابته للصلاة بنارٍ نزلت من السماء. تكرر ذلك عندما قدم إيليا ذبيحة لله مقابل كهنة البعل الأربعمائة وخمسين وهم يصرخون ويجرحون أنفسهم من الصباح حتى الظهيرة (1 مل 18: 36-39). أيضًا نزلت نار من عند الرب، وأحرقت على المذبح المحرقة والشحم عند تكريس هارون رئيس الكهنة (لا 9: 24). ماذا يعني نزول النار؟ وما فاعليتها في حياة الحاضرين؟ 1. أعلن الله لسليمان كما لكل الحاضرين من القادة والشعب بطريقة علنية أنه استجاب لصلاة سليمان، مع قبوله للملك وللبيت الذي بناه والعبادة التي قُدمت وللشعب الحاضر الاحتفال. بنزول النار أظهر الله رضاه على موسى (لا 9: 24)، وجدعون (قض 6: 21)، وداود (1 أي 21: 26)، وإيليا (1 مل 18: 38). قيل بإشعياء النبي: "أخذت الرعدة المنافقين. من منَّا يسكن في نارٍ آكلة؟!" (إش 33: 14) 2. يرى البعض أن النار هنا تشير إلى حلول الله نفسه أو نزول مجده. فقد قيل: "الرب إلهك هو نار آكلة، إله غيور" (تث 4: 24). وعندما تحدّث الله مع موسى على جبل سيناء نزلت نار (خر 24: 16-17). هكذا حلّ الروح القدس على هيئة ألسنة نارية بعد أن تقدست الكنيسة بذبيحة المسيح المصلوب (أع 2: 3). 3. شجع هذا الإعلان الكهنة والشعب أن يستمروا في الاحتفالات المبهجة لمدة أربعة عشر يومًا، وتشجّع سليمان أن يمجد الله علانية. 4. نزول النار أيضًا على الذبيحة، يشير أن الله لم يرسل نارًا تأكلهم بسبب خطاياهم، إنما يرسلها على الذبائح فتلتهمها، إشارة إلى قبول الذبائح كفّارة عنهم، فيرتد غضبه عنهم. يلاحظ هنا أن النار لم تنزل عند نحر الذبائح، وإنما بعد إتمام الصلاة. فمع تقديم الذبيحة، يلزمنا أن ندخل في حوارٍ مع الله بكامل إرادتنا. فهو لا يدخل سفينة حياتنا بدون رضانا، فقد قيل: "فرضوا أن يقبلوه في السفينة" (يو 6: 21). 5. نزول النار أيضًا يشير إلى نزول روح الله الناري ليلهب قلوبنا بنار حبه، ويحرق أشواك الخطية والشهوات المفسدة. حين كان السيد المسيح القائم من الأموات يتحدث مع تلميذي عمواس، قال كل منهما للآخر: "ألم يكن قلبنا ملتهبًا فينا حين كان يكلمنا؟!" (لو 24: 32). 6. يرى بعض الآباء أن نزول النار يشير إلى نزول أحد السمائيين، إذ قيل إن خدامه نار ملتهبة (مز 104: 4). يرى القديس مار يعقوب السروجي أن ما حدث مع إيليا حيث أبصر تلميذه إليشع مركبات نارية وخيول نارية حول الجبل، وأيضًا نزول نارٍ عندما قدم إيليا ذبيحة أنها فِرق سماوية أو ملائكة. v عندما رغب بولس الطوباوي ألاَّ تبرد نعمة الروح المعطاة لنا، حذرنا قائلاً: "لا تطفئوا الروح" (1 تس 5: 19)، حتى نبقى شركاء مع المسيح. ذلك إن تمسكنا حتى النهاية بالروح الذي أخذناه، إذ قال: "لا تطفئوا..." ليس من أجل أن الروح موضوع تحت سلطان الإنسان، أو أنه يحتمل آلامًا منه، بل لأن الإنسان غير الشاكر يرغب في إطفاء الروح علانية، ويصير كالأشرار الذين يضايقون الروح بأعمال غير مقدسة. فإذ هم بلا فهم، مخادعون، ومحبون للخطية، وما زالوا سائرين في الظلام، فإنه ليس لهم ذلك النور الذي يضيء لكل إنسانٍ آت إلى العالم (يو 1: 9). لقد أَمسكت نار كهذه بإرميا النبي عندما كانت الكلمة فيه كنارٍ، قائلاً إنه لا يمكن أن يحتمل هذه النار (إر 20: 9)... وجاء سيِّدنا يسوع المسيح المحب للإنسان لكي يلقي بهذه النار على الأرض، قائلاً: "ماذا أريد لو اضطرمت؟" (لو 12: 49). لقد رغب الرب – كما شهد حزقيال (حز 18: 23، 32) - توبة الإنسان أكثر من موته، حتى ينتزع الشر عن الإنسان تمامًا، عندئذ يمكن للنفوس التي تنقت أن تأتي بثمرٍ. فتثمر البذور التي بذرها (الرب)، البعض بثلاثين والبعض بستين والآخر بمائة. وكمثال، كليوباس وذاك الذي معه (لو 24: 32) مع أنهما كانا ضعفين في بداية الأمر بسبب نقص معلوماتهما، لكنهما أصبحا بعد ذلك ملتهبين بكلمات المخلص، واظهرا ثمار معرفتهما. وبولس الطوباوي أيضًا عندما أمسك بهذه النار (رو 12: 11) لم ينسبها إلى دمٍ ولحمٍ، ولكن كمختبر للنعمة أصبح كارزًا بالكلمة (المسيح). البابا أثناسيوس الرسولي هذه هي عادة الكتاب المقدَّس الإلهي المُوحى به أنه يلقب الكلمات الإلهيَّة المقدَّسة أحيانًا باسم "نار"، ليظهر فاعلية الروح القدس وقوَّته، الذي به نصير نحن حارين في الروح. تحدَّث أحد الأنبياء القدِّيسين في شخص الله عن المسيح مخلِّص الجميع: "يأتي بغتة إلى هيكله السيِّد الذي تطلبونه وملاك العهد الذي تسرون به، هوذا يأتي قال رب الجنود؛ ومن يحتمل يوم مجيئه؟ ومن يثبت عند ظهوره؟ لأنه مثل نار الممحص ومثل أشنان القصّار، فيجلس ممحصًا ومنقيًا للفضة" (ملا 3: 1-3). يقصد بالهيكل الجسد الذي هو مقدَّس بالحق ليس فيه دنس، وُلد من العذراء القدِّيسة بالروح القدس بقوَّة الآب. فقد قيل للعذراء الطوباويَّة: "الروح القدس يحل عليكِ وقوَّة العلي تظللك" (لو 1: 35). وقد حسبه "ملاك (رسول) العهد، إذ جاء يكشف لنا عن إرادة الآب الصالحة ويخدمنا. كما يقول بنفسه: "لأني أعلمتكم بكل ما سمعته من أبي" (يو 15: 15)... وكما أن الذين يعرفون كيف ينقون الذهب والفضة يستخدمون النار... هكذا يطهّر مخلِّص الكل فكر كل الذين يؤمنون به بتعاليم بقوَّة الروح... بماذا نفسر الجمرة التي لمست شفتي النبي (إش 6: 6-7) وطهرته من كل خطيَّة؟ إنها رسالة الخلاص، والاعتراف بالإيمان بالمسيح، من يتقبل هذا في فمه يطهر. هذا ما يؤكده لنا بولس: "لأنك إن اعترفت بفمك بالرب يسوع، وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات خلصت" (رو 10: 9). إذًا، نقول إن قوَّة الرسالة الإلهية تشبه جمرة حيَّة ونارًا. يقول إله الكل للنبي إرميا: "هأنذا جاعل كلامي في فمك نارًا، وهذا الشعب حطبًا فتأكلهم" (إر 5: 14)، "أليست هكذا كلمتي كنارٍ يقول الرب؟" (إر 23: 29) القديس كيرلس الكبير 2. عجز الكهنة عن دخول بيت الرب 2 وَلَمْ يَسْتَطِعِ الْكَهَنَةُ أَنْ يَدْخُلُوا بَيْتَ الرَّبِّ لأَنَّ مَجْدَ الرَّبِّ مَلأَ بَيْتَ الرَّبِّ. 3 وَكَانَ جَمِيعُ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَنْظُرُونَ عِنْدَ نُزُولِ النَّارِ وَمَجْدِ الرَّبِّ عَلَى الْبَيْتِ، وَخَرُّوا عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى الأَرْضِ عَلَى الْبَلاَطِ الْمُجَزَّعِ، وَسَجَدُوا وَحَمَدُوا الرَّبَّ لأَنَّهُ صَالِحٌ وَإِلَى الأَبَدِ رَحْمَتُهُ. وَلَمْ يَسْتَطِعِ الْكَهَنَةُ أَنْ يَدْخُلُوا بَيْتَ الرَّبِّ، لأَنَّ مَجْدَ الرَّبِّ مَلأَ بَيْتَ الرَّبِّ. [2] قال الرب لموسى: "لا تقدر أن ترى وجهي، لأن الإنسان لا يراني ويعيش" (خر 33: 20). v يستحيل علينا أن نتطلع إلى الله بأعينٍ بشريةٍ، لأن غير الجسدي لا يقع تحت الأعين الجسدية. وقد شهد الابن الوحيد، ابن الله نفسه، قائلاً: "الله لم يره أحد في أي زمان". فإن فهم أحد مما ورد في حزقيال أنه رأى الله (حز 28: 1)، فإنه ماذا يقول الكتاب المقدس؟ إنه رأى "شبه مجد الله"، وليس الرب ذاته كما هو في حقيقته، بل شبه مجده. فإن كانت رؤية شبه المجد تملأ الأنبياء رعدة، فبالتأكيد إن حاول أحد رؤية الله ذاته يموت، وذلك كالقول: "الإنسان لا يرى وجهي ويعيش" (خر 33: 20) "لا يراني ويعيش". من أجل هذا فإن الله بحنو رحمته بسط السماوات أمام لاهوته لكي لا نهلك. لست أقول هذا من عندي، بل هو قول النبي: "ليتك تشق السماوات وتنزل، من حضرتك تتزلزل الجبال" وتذوب (إش 64: 1). لماذا تتعجب من سقوط دانيال عند رؤيته شبه المجد، إن كان دانيال عند رؤيتهجبرائيل،الذي هو ليس إلا مجرد خادم الله، ارتعب للحال وسقط على وجهه، ولم يجسر النبي أن يجيبه بالرغم من أن الملاك نفسه جاء على شبه ابن بشر؟ (راجع دا 10: 9، 16، 18). إن كان ظهور جبرائيل أرعب الأنبياء، فهل يرى الإنسان الله كما هو ولا يموت؟! القديس كيرلس الأورشليمي وَمَجْدِ الرَّبِّ عَلَى الْبَيْتِ، وَخَرُّوا عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى الأَرْضِ عَلَى الْبَلاَطِ الْمُجَزَّعِ، وَسَجَدُوا وَحَمَدُوا الرَّبَّ، لأَنَّهُ صَالِحٌ وَإِلَى الأَبَدِ رَحْمَتُهُ. [3] كان رد الفعل لهذه النار المقدسة أن امتلأت قلوب الكهنة بمخافة الرب، ولم يستطيعوا أن يدخلوا بيت الرب، لأن مجد الرب ملأ بيت الرب. أما الشعب فخرّوا وسجدوا وحمدوا الرب [3]. حين نزلت النار السماوية لم يهرب الكهنة ولا الشعب خائفين، بل مع الشعور بخوف الرب المقدس امتلأت قلوبهم بالسلام، وثبَّتوا أقدامهم أمام الرب. لقد كرّموا المجد الإلهي في خضوعٍ تصحبه المخافة مع المسرّة. امتزجت مشاعرهم بعدم الاستحقاق للحضرة الإلهية مع شوقٍ حقيقيٍ للعبادة له بكل خشوعٍ كما مع القوات السماوية. بنزول النار الإلهية انطلقت ألسنتهم بالتسبيح، قائلين: "إنه صالح وإلى الأبد رحمته". إنها تسبحة تُقدم لله على الدوام من السمائيين، كما من البشر الأتقياء. كأن الكهنة مع الشعب صرخوا قائلين: "إنه من مراحم الرب أنه لم يرسل نارًا تلتهمنا، إنما تلتهم الذبيحة عوضًا عنّا؛ تحرق أشواك خطايانا، وتلهب مشاعرنا بنار الحب الإلهي. موضوع التسبيح والشكر هو الله نفسه، بكونه الصالح. وصلاحه فريد ومطلق. إنه حاضر في وسط شعبه، حافظ العهد، القائد الحقيقي، أعظم وأقدر من كل القادة البشريين، وكل الطغمات السماوية . صالح كخالقٍ أوجدنا من العدم، وخلق كل ما نحتاج إليه. صالح كمخلصٍ، فإن أصابنا ضرر أو فساد بسبب خطايانا يبقى الصالح الذي يُصلح ما أفسدناه. صالح كقائدٍ، يبعث قادة، بل ويود أن يقيم من كل إنسانٍ قائدًا، ويبقى هو القائد الخفي القادر أن يدخل بنا إلى أحضانه. صالح كمحاربٍ، فهو نصير الضعفاء والمظلومين والذين ليس لهم من يسندهم. صالح كمعينٍ، يرعى خليقته، ويهتم بكل كبيرةٍ وصغيرةٍ في حياتنا، حتى بكسرة الخبز التي نحتاج إليها. صالح كسماويٍ، يسكن في السماء لا ليعتزل الأرضيين، إنما يود أن يجعل منهم أشبه بطغمة شبه سماوية، ويُعد لهم أماكن في السماء، لكي يأتي ويأخذهم، ويهبهم شركة أمجاد سماوية. v "لأن إلى الأبد رحمته". يقول المرتل: "في الهاوية من يحمدك؟" (مز 6: 5) فإنه يستحيل بالنسبة لأي أحدٍ في الهاوية أن يندم على خطاياه. ما دمت في هذا عالم؛ أتوسل إليك أن تتوب. اعترفْ، واحمد الرب، فإن فقط في هذا العالم الرب رحوم. هنا يقدر أن يتعطف على التائب، أما هناك فهو ديان وليس رحومًا. هنا هو رءوف ولطيف، هناك هو ديان. هنا يبسط يديه للساقطين، هناك يرأس كقاضٍ. أقول الآن هذا كله لنفع أولئك الذين يظنون أنه توجد ندامة على الخطية في الجحيم. القديس جيروم فقد اُستعبد في مصر، واُقتيد إلى أقاصي الأرض، وعانى متاعب لا حصر لها في فلسطين. يقول: حقًا إنهم على وجه الخصوص شهود لخيراته الكثيرة، وتمتعوا أكثر من غيرهم. أتعابهم ذاتها علامة على رعايته العظيمة. وإن فحصت الأمر بدقةٍ، فإنهم يلتزمون بتقديم التشكرات على مجيء المسيح منهم فوق كل شيءٍ. أقصد إن كانوا قد عانوا من محنٍ، فبسبب جحودهم، لا بسبب من جاء (يسوع المسيح). فقد جاء إليهم وكما ترون، وأخبرهم دومًا: "لم أُرسل إلا إلى خراف إسرائيل الضالة" (مت 15: 24). كما قال للتلاميذ: "إلى طريق أمم لا تمضوا... بل اذهبوا بالحري إلى خراف بيت إسرائيل الضالة" (مت 10: 5، 6). وقال للمرأة الكنعانية: "ليس حسنًا أن يُؤخذ خبز البنين ويُطرح للكلاب" (مت 15: 26). صنع كل شيء في الواقع، وشغل نفسه بخلاص هذا الشعب. الآن إن أظهروا أنهم ليسوا أهلاً لهذا الإحسان، فليفكروا في انحطاطهم وجحودهم الزائد. القديس يوحنا الذهبي الفم القديس أغسطينوس 4 ثُمَّ إِنَّ الْمَلِكَ وَكُلَّ الشَّعْبِ ذَبَحُوا ذَبَائِحَ أَمَامَ الرَّبِّ. 5 وَذَبَحَ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ ذَبَائِحَ مِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ أَلْفًا، وَمِنَ الْغَنَمِ مِئَةً وَعِشْرِينَ أَلْفًا، وَدَشَّنَ الْمَلِكُ وَكُلُّ الشَّعْبِ بَيْتَ اللهِ. 6 وَكَانَ الْكَهَنَةُ وَاقِفِينَ عَلَى مَحَارِسِهِمْ، وَاللاَّوِيُّونَ بِآلاَتِ غِنَاءِ الرَّبِّ الَّتِي عَمِلَهَا دَاوُدُ الْمَلِكُ لأَجْلِ حَمْدِ الرَّبِّ «لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ» حِينَ سَبَّحَ دَاوُدُ بِهَا، وَالْكَهَنَةُ يَنْفُخُونَ فِي الأَبْوَاقِ مُقَابِلَهُمْ، وَكُلُّ إِسْرَائِيلَ وَاقِفٌ. ثُمَّ إِنَّ الْمَلِكَ وَكُلَّ الشَّعْبِ ذَبَحُوا ذَبَائِحَ أَمَامَ الرَّبِّ. [4] أشعلت هذه النار قلب الملك مع قلوب الشعب بالحب، فإن كانوا قد سبق فقدموا ذبائح، الآن قدموا ذبائح أكثر. كلما أعلن الله رضاه ومسرّته بنا يزداد بالأكثر شوقنا للعبادة والخدمة بلا فتورٍ. v أنصت إلى صوت النبي: "أذبح لك طوعًا يا رب". تعلم كيف تقدم احتمالاً للمشقةٍ بإرادتك الحرة. الإنسان الذي يكتشف إهماله، متهمًا نفسه، ومحتملاً طوعًا المشقة، لن يعبر به يوم دون أن يتأسف... ليتأمل كل واحدٍ منكم في عطية الحرية العجيبة التي يهبها المسيح لشعبه المخلص خلال الميلاد الجديد واهب الحياة...، وخلال سكب الروح القدس. إنه يدرك أن الله لن يُخدم بفتورٍ. فإننا وإن قدمنا لله كل يوم أية كرامةٍ أو عطيةٍ في مقدورنا، لن نفيه حقه... إذن، ليتنا فوق كل شيءٍ نحرر قلوبنا من الالتصاق بالشر، حتى يمكننا بطريقة أفضل أن نقتات بثمار العدل... "أذبح لك طوعًا". لم يستخدم النبي هذه العبارة بلا سبب حين يودع نفسه لدى الله. كان يدرك أن كثيرين قدموا خدمتهم عن إلزام، فكانت قلوبهم معارضة للخدمة. كانوا يعدون بشيءٍ بأفواههم، ويدبرون في قلوبهم شيئًا آخر. "أذبح لك طوعًا"، فإنه وإن كانت العطايا قليلة في ذاتها، فإنها تصير عظيمة بسبب الرغبة في تقديمها بمسرة. أما تلك التي عن إلزام، فغالبًا ما تُفسد مقدم العطية. هكذا من يُعد مائدة عن تغصبٍ، يشتكي دومًا من تكلفتها. "أذبح لك طوعًا"، بمعنى أقدم العطية طوعًا. لتقدم تقدمة لخالقك كل يومٍ بفرحٍ، تقدم القليل بلسانك، وتُعد عطية التسبيح بكلمات تنطق بالعذوبة. أسرع أيضًا بروح التقوى لتتمم الخدمة المعهود بها إليك. لتهتم بكلمات النبي "تقدمات فمي طوعًا مقبولة يا رب". الأب فاليريان اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ أَلْفًا وَمِنَ الْغَنَمِ مِئَةً وَعِشْرِينَ أَلْفًا، وَدَشَّنَ الْمَلِكُ وَكُلُّ الشَّعْبِ بَيْتَ الله. [5] وَكَانَ الْكَهَنَةُ وَاقِفِينَ عَلَى مَحَارِسِهِمْ، وَاللاَّوِيُّونَ بِآلاَتِ غِنَاءِ الرَّبِّ الَّتِي عَمِلَهَا دَاوُدُ الْمَلِكُ، لأَجْلِ حَمْدِ الرَّبِّ، لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ، حِينَ سَبَّحَ دَاوُدُ بِهَا وَالْكَهَنَةُ يَنْفُخُونَ فِي الأَبْوَاقِ مُقَابِلَهُمْ، وَكُلُّ إِسْرَائِيلَ وَاقِفٌ. [6] امتزجت هذه الذبائح الدموية بذبائح التسبيح بفرحٍ. لما كان سفرا الأخبار هما سفرا العبادة لله، فقد اهتمّا بدور التسبيح في العبادة، في كل مناسبة يتمجد فيها الله. كان اللاويون يسبّحون، والكهنة يضربون بالأبواق، وكل إسرائيل واقف. هذا وقد صحب التسبيح تقديم الذبائح في الهيكل. 4. احتفالات مبهجة 7 وَقَدَّسَ سُلَيْمَانُ وَسَطَ الدَّارِ الَّتِي أَمَامَ بَيْتِ الرَّبِّ، لأَنَّهُ قَرَّبَ هُنَاكَ الْمُحْرَقَاتِ وَشَحْمَ ذَبَائِحِ السَّلاَمَةِ، لأَنَّ مَذْبَحَ النُّحَاسِ الَّذِي عَمِلَهُ سُلَيْمَانُ لَمْ يَكْفِ لأَنْ يَسَعَ الْمُحْرَقَاتِ وَالتَّقْدِمَاتِ وَالشَّحْمَ. 8 وَعَيَّدَ سُلَيْمَانُ الْعِيدَ فِي ذلِكَ الْوَقْتِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، وَكُلُّ إِسْرَائِيلَ مَعَهُ وَجُمْهُورٌ عَظِيمٌ جِدًّا مِنْ مَدْخَلِ حَمَاةَ إِلَى وَادِي مِصْرَ. 9 وَعَمِلُوا فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ اعْتِكَافًا لأَنَّهُمْ عَمِلُوا تَدْشِينَ الْمَذْبَحِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، وَالْعِيدَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ. 10 وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ السَّابعِ صَرَفَ الشَّعْبَ إِلَى خِيَامِهِمْ فَرِحِينَ وَطَيِّبِي الْقُلُوبِ لأَجْلِ الْخَيْرِ الَّذِي عَمِلَهُ الرَّبُّ لِدَاوُدَ وَلِسُلَيْمَانَ وَلإِسْرَائِيلَ شَعْبِهِ. 11 وَأَكْمَلَ سُلَيْمَانُ بَيْتَ الرَّبِّ وَبَيْتَ الْمَلِكِ. وَكُلَّ مَا خَطَرَ بِبَالِ سُلَيْمَانَ أَنْ يَعْمَلَهُ فِي بَيْتِ الرَّبِّ وَفِي بَيْتِهِ نَجَحَ فِيهِ. وَقَدَّسَ سُلَيْمَانُ وَسَطَ الدَّارِ الَّتِي أَمَامَ بَيْتِ الرَّبِّ، لأَنَّهُ قَرَّبَ هُنَاكَ الْمُحْرَقَاتِ وَشَحْمَ ذَبَائِحِ السَّلاَمَةِ، لأَنَّ مَذْبَحَ النُّحَاسِ الَّذِي عَمِلَهُ سُلَيْمَانُ لَمْ يَكْفِ، لأَنْ يَسَعَ الْمُحْرَقَاتِ وَالتَّقْدِمَاتِ وَالشَّحْمَ. [7] وَعَيَّدَ سُلَيْمَانُ الْعِيدَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، وَكُلُّ إِسْرَائِيلَ مَعَهُ، وَجُمْهُورٌ عَظِيمٌ جِدًّا مِنْ مَدْخَلِ حَمَاةَ إِلَى وَادِي مِصْرَ. [8] وَعَمِلُوا فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ اعْتِكَافًا، لأَنَّهُمْ عَمِلُوا تَدْشِينَ الْمَذْبَحِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، وَالْعِيدَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ. [9] وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ السَّابِعِ، صَرَفَ الشَّعْبَ إِلَى خِيَامِهِمْ فَرِحِينَ وَطَيِّبِي الْقُلُوبِ، لأَجْلِ الْخَيْرِ الَّذِي عَمِلَهُ الرَّبُّ لِدَاوُدَ وَلِسُلَيْمَانَ وَلإِسْرَائِيلَ شَعْبِهِ. [10] بكل مسرّة وغيرة امتدت فترة الاحتفالات: أ. عيَّد سليمان العيد سبعة أيام ومعه كل إسرائيل وجمهور عظيم جدًا [8]، من اليوم الثاني إلى التاسع. ب. في اليوم العاشر كان يوم الكفّارة [9]. ج. من اليوم الخامس عشر ابتدأ عيد المظال حتى الثاني والعشرين [9]. د. في اليوم الثالث والعشرين من الشهر صرف الشعب إلى خيامهم فرحين وطيّبي والقلوب [10]. وَأَكْمَلَ سُلَيْمَانُ بَيْتَ الرَّبِّ وَبَيْتَ الْمَلِكِ. وَكُلَّ مَا خَطَرَ بِبَالِ سُلَيْمَانَ أَنْ يَعْمَلَهُ فِي بَيْتِ الرَّبِّ وَفِي بَيْتِهِ نَجَحَ فِيهِ. [11] هذه العبادة المملوءة فرحًا وبهجة سندت سليمان، فأكمل رسالته الخاصة ببناء بيت الرب والقصر الملكي وكل ما كان في فكره أن يعمله. واتسمت حياته بالنجاح! العبادة الحيّة الصادقة تتمشّى مع روح النجاح في كل جوانب الحياة، من أجل التمتع بالحضرة الإلهية.\\ 5. الرب يتراءى لسليمان 12 وَتَرَاءَى الرَّبُّ لِسُلَيْمَانَ لَيْلًا وَقَالَ لَهُ: «قَدْ سَمِعْتُ صَلاَتَكَ، وَاخْتَرْتُ هذَا الْمَكَانَ لِي بَيْتَ ذَبِيحَةٍ. 13 إِنْ أَغْلَقْتُ السَّمَاءَ وَلَمْ يَكُنْ مَطَرٌ، وَإِنْ أَمَرْتُ الْجَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ الأَرْضَ، وَإِنْ أَرْسَلْتُ وَبَأً عَلَى شَعْبِي، 14 فَإِذَا تَوَاضَعَ شَعْبِي الَّذِينَ دُعِيَ اسْمِي عَلَيْهِمْ وَصَلَّوْا وَطَلَبُوا وَجْهِي، وَرَجَعُوا عَنْ طُرُقِهِمِ الرَّدِيةِ فَإِنَّنِي أَسْمَعُ مِنَ السَّمَاءِ وَأَغْفِرُ خَطِيَّتَهُمْ وَأُبْرِئُ أَرْضَهُمْ. 15 اَلآنَ عَيْنَايَ تَكُونَانِ مَفْتُوحَتَيْنِ، وَأُذُنَايَ مُصْغِيَتَيْنِ إِلَى صَلاَةِ هذَا الْمَكَانِ. 16 وَالآنَ قَدِ اخْتَرْتُ وَقَدَّسْتُ هذَا الْبَيْتَ لِيَكُونَ اسْمِي فِيهِ إِلَى الأَبَدِ، وَتَكُونُ عَيْنَايَ وَقَلْبِي هُنَاكَ كُلَّ الأَيَّامِ. 17 وَأَنْتَ إِنْ سَلَكْتَ أَمَامِي كَمَا سَلَكَ دَاوُدُ أَبُوكَ، وَعَمِلْتَ حَسَبَ كُلِّ مَا أَمَرْتُكَ بِهِ، وَحَفِظْتَ فَرَائِضِي وَأَحْكَامِي، 18 فَإِنِّي أُثَبِّتُ كُرْسِيَّ مُلْكِكَ كَمَا عَاهَدْتُ دَاوُدَ أَبَاكَ قَائِلًا: لاَ يُعْدَمُ لَكَ رَجُلٌ يَتَسَلَّطُ عَلَى إِسْرَائِيلَ. وَتَرَاءَى الرَّبُّ لِسُلَيْمَانَ لَيْلاً، وَقَالَ لَهُ: قَدْ سَمِعْتُ صَلاَتَكَ، وَاخْتَرْتُ هَذَا الْمَكَانَ لِي بَيْتَ ذَبِيحَةٍ. [12] الله هو العامل والمدبر، فقد اختار بيته الذي دعاه "بيت الذبيحة"، وهو الذي اختار أورشليم كمدينة الله يُقام فيها بيته، واختار داود ملكًا على شعبه. تراءى الله لسليمان ليلاً، لتأكيد قبول الله عمله ورضاه، بل ومسرّته لأجل أمانة سليمان وإخلاصه وغيرته وأسلوبه الروحي في بناء بيت الرب. وليعلن له مباشرة عن قبول صلاته التي سبق أن سجلها الأصحاح السادس [12]. بيت الذبيحة: دعا الهيكل أو بيت الرب "بيت الذبيحة". يدعو القدِّيس أغناطيوس الثيؤفورس الكنيسة: "موضع الذبيحة"، فهي الجلجثة التي رُفع عليها السيد المسيح المصلوب ذبيحة خطية عن العالم كله. يدعو الرب نفسه الهيكل "بيت ذبيحة"، وهذا يحمل معنيين: 1. يلزم أن ترتبط العبادة بالذبيحة، فلن نستطيع الاقتراب من الله بدون سفك دم، حيث تتحقق المغفرة بدم رب المجد يسوع. 2. أورشليم هي الموقع المناسب لتقديم الذبيحة. لقد بذل كل من حزقيا ويوشيا كل الجهد لإغلاق كل مكانٍ آخر لتقديم ذبيحة للرب. إِنْ أَغْلَقْتُ السَّمَاءَ وَلَمْ يَكُنْ مَطَرٌ، وَإِنْ أَمَرْتُ الْجَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ الأَرْضَ، وَإِنْ أَرْسَلْتُ وَبَاء عَلَى شَعْبِي [13] فَإِذَا تَوَاضَعَ شَعْبِي الَّذِينَ دُعِيَ اسْمِي عَلَيْهِمْ، وَصَلُّوا وَطَلَبُوا وَجْهِي، وَرَجَعُوا عَنْ طُرُقِهِمِ الرَّدِيئَةِ، فَإِنِّي أَسْمَعُ مِنَ السَّمَاءِ، وَأَغْفِرُ خَطِيَّتَهُمْ، وَأُبْرِئُ أَرْضَهُمْ. [14] يعلن الله استجابته الكاملة للصلاة، الأمر الذي لم يذكر في سفر الملوك. وعد الله بقبول توبة شعبه ورجوعه إليهم "أسمع من السماء، وأغفر خطيتهم، وأُبرئ أرضهم". v عندما يجتمع الشعب العادي ويتفقون معًا، يصير الأمر عظيمًا ولا يمكن تجاهل صلوات الكثيرين (2 أي 7: 14، مت 18: 19). الأب أمبروسياستر وَأُذُنَايَ مُصْغِيَتَيْنِ إِلَى صَلاَةِ هَذَا الْمَكَانِ. [15] وَالآنَ قَدِ اخْتَرْتُ وَقَدَّسْتُ هَذَا الْبَيْتَ، لِيَكُونَ اسْمِي فِيهِ إِلَى الأَبَدِ، وَتَكُونُ عَيْنَايَ وَقَلْبِي هُنَاكَ كُلَّ الأَيَّامِ. [16] وَأَنْتَ إِنْ سَلَكْتَ أَمَامِي كَمَا سَلَكَ دَاوُدُ أَبُوكَ، وَعَمِلْتَ حَسَبَ كُلِّ مَا أَمَرْتُكَ بِهِ، وَحَفِظْتَ فَرَائِضِي وَأَحْكَامِي [17] وعد الله بحفظ عهده مع داود إن حفظ نسله الوصية الإلهية. إذ يدرك سليمان عجزه وعجز كل بشرٍ عن تنفيذ الوصية، جاء في صلاته: "ليكن الرب إلهنا معنا، كما كان مع آبائنا، فلا يتركنا ولا يرفضنا، ليميل بقلوبنا إليه، لكي نسير في جميع طرقه ونحفظ وصاياه وفرائضه وأحكامه التي أوصى بها آباءنا" (1 مل 8: 57-58). أما من جانب الإنسان فيقول: "فليكن قلبكم كاملاً لدى الرب إلهنا، إذ تسيرون في فرائضه، وتحفظون وصاياه كهذا اليوم" (1 مل 8: 61). الله من جانبه تراءى لسليمان، وملأ بيته بالمجد، وسكب فرحًا وتهليلاً في قلوب الحاضرين. غير أنه من جانب سليمان والقادة والشعب يلتزمون بالطاعة للوصية والشعور بالمسئولية، فيتجاوبون مع مراحم الله ونعمته. هكذا يقدم لنا الرب نعمته لتهبنا عذوبة الوصية، وإمكانية الشركة مع الله، ومن جانبنا يلزمنا الجهاد بالرب، بغير إهمالٍ أو تراخٍ. v إني أرى أن نعمة الروح القدس على أتم استعداد لكي تملأ أولئك الذين يعزمون منذ البداية أن يكونوا ثابتين في محاربتهم ضد العدو (الشيطان)، غير مستسلمين في أي أمر من الأمور، حتى يغلبوه. على أي الأحوال، يقوم الروح القدس الذي دعاهم، بتسهيل كل الأمور لهم حتى يجعل لهم بداية طريق التوبة عذبًا (ممهدًا)، لكنه يعود فيكشف لهم بعد ذلك حقيقة الطريق (شدة مصاعبه وأتعابه). وإذ يعينهم الروح القدس في كل شيءٍ، يضع على عاتقهم أن يقدموا أعمال التوبة اللازمة، كما يكشف لهم ما هي أعمال الجسد والنفس... إلى أن يرجعهم إلى الله خالقهم في توبة صادقة. بهذا الهدف يقويهم الروح القدس للجهاد جسدًا ونفسًا، حتى يصير كلاهما (الجسد والنفس) متشابهين في الطهارة كما في ميراث الحياة الأبدية. فمن جهة الجسد، فإنه يكافح في أصوامٍ مستمرةٍ وجهادٍ وأسهارٍ دائمةٍ، وأما النفس فتجاهد في تداريب روحية مع مثابرة في كل أنواع الخدم (الطاعة)، منفذة ذلك خلال الجسد. لذلك يجب علينا أن نراعي (ألاَّ نصنع شيئًا بإهمالٍ، بل يكون كل شيء بحرصٍ دائمٍ وفي خوف الله)، وذلك في كل عملٍ نقوم به بالجسد، حتى يأتي بالثمر. القديس أنطونيوس الكبير v ما يقوله هو هذا: إن خلاصكم ليس من عملنا نحن وحدنا، وإنما هو عملكم أنتم أيضًا. فإذ نكرز لكم بالكلمة، نحتمل أحزانًا، وأنتم إذ تقبلونها تحتملون ذات الأمور. نحن نحتمل لكي نهبكم ما تتسلمونه، وأنتم تحتملون لكي تقبلوا ما يوُهب لكم ولا يضيع منكم... فإن خلاصكم يتحقق لا بالإيمان المجرد، وإنما بالآلام واحتمالكم معنا ذات الشيء... خلاصكم يشبه ملاكمًا في الحلبة مملوء طاقة "العامل في ذاته" أعظم، هذه الطاقة تُعلن وتزداد وتعلو عندما تشعرون بالحاجة إلى التألم واحتمال كل شيءٍ بنبلٍ. القديس يوحنا الذهبي الفم v لتركض في هذا العالم، فتنال (المكافأة) في العالم العتيد. القديس جيروم فَإِنِّي أُثَبِّتُ كُرْسِيَّ مُلْكِكَ كَمَا عَاهَدْتُ دَاوُدَ أَبَاكَ قَائِلاً: لاَ يُعْدَمُ لَكَ رَجُلٌ يَتَسَلَّطُ عَلَى إِسْرَائِيلَ. [18] 6. تحذير من الانحراف عن الوصية 19 وَلكِنْ إِنِ انْقَلَبْتُمْ وَتَرَكْتُمْ فَرَائِضِي وَوَصَايَايَ الَّتِي جَعَلْتُهَا أَمَامَكُمْ، وَذَهَبْتُمْ وَعَبَدْتُمْ آلِهَةً أُخْرَى وَسَجَدْتُمْ لَهَا، 20 فَإِنِّي أَقْلَعُهُمْ مِنْ أَرْضِي الَّتِي أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا، وَهذَا الْبَيْتُ الَّذِي قَدَّسْتُهُ لاسْمِي أَطْرَحُهُ مِنْ أَمَامِي وَأَجْعَلُهُ مَثَلًا وَهُزْأَةً فِي جَمِيعِ الشُّعُوبِ. 21 وَهذَا الْبَيْتُ الَّذِي كَانَ مُرْتَفِعًا، كُلُّ مَنْ يَمُرُّ بِهِ يَتَعَجَّبُ وَيَقُولُ: لِمَاذَا عَمِلَ الرَّبُّ هكَذَا لِهذِهِ الأَرْضِ وَلِهذَا الْبَيْتِ؟ 22 فَيَقُولُونَ: مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ تَرَكُوا الرَّبَّ إِلهَ آبَائِهِمِ الَّذِي أَخْرَجَهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، وَتَمَسَّكُوا بِآلِهَةٍ أُخْرَى وَسَجَدُوا لَهَا وَعَبَدُوهَا، لِذلِكَ جَلَبَ عَلَيْهِمْ كُلَّ هذَا الشَّرِّ». وَلَكِنْ إِنِ انْقَلَبْتُمْ، وَتَرَكْتُمْ فَرَائِضِي وَوَصَايَايَ الَّتِي جَعَلْتُهَا أَمَامَكُمْ، وَذَهَبْتُمْ وَعَبَدْتُمْ آلِهَةً أُخْرَى وَسَجَدْتُمْ لَهَا [19] v يليق بنا أن نؤمن أن فترة التأخير في تنفيذ الوصية هي وقت للعصيان بالنسبة لمن ينفذ الوصية بعد ذلك... لذلك وجب علينا أن نتذكر القول: [لا تتأخر في الرجوع إلى الرب، ولا تؤجله من يوم إلى يوم] (سيراخ 5: 8)، والقول: "لا تقل لصاحبك اذهب وعد، فأعطيك غدًا، وموجود عندك" (أم 3: 28). العلامة أوريجينوس فَإِنِّي أَقْلَعُهُمْ مِنْ أَرْضِي الَّتِي أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا، وَهَذَا الْبَيْتُ الَّذِي قَدَّسْتُهُ لاِسْمِي أَطْرَحُهُ مِنْ أَمَامِي، وَأَجْعَلُهُ مَثَلاً وَهُزْأَةً فِي جَمِيعِ الشُّعُوبِ. [20] وَهَذَا الْبَيْتُ الَّذِي كَانَ مُرْتَفِعًا كُلُّ مَنْ يَمُرُّ بِهِ يَتَعَجَّبُ، وَيَقُولُ: لِمَاذَا عَمِلَ الرَّبُّ هَكَذَا لِهَذِهِ الأَرْضِ، وَلِهَذَا الْبَيْتِ؟ [21] فَيَقُولُونَ: مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ تَرَكُوا الرَّبَّ إِلَهَ آبَائِهِمِ الَّذِي أَخْرَجَهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْر،َ وَتَمَسَّكُوا بِآلِهَةٍ أُخْرَى وَسَجَدُوا لَهَا وَعَبَدُوهَا، لِذَلِكَ جَلَبَ عَلَيْهِمْ كُلَّ هَذَا الشَّرِّ. [22] إن كان الله قد سُر ببناء بيت له، ليسكن فيه إلى الأبد في وسط شعبه، فإن ما يشغل قلب الله قداسة شعبه. فالهيكل لا يحميهم من الدمار الذي يحل عليهم إن عصوا الوصية الإلهية. وكما يقول إرميا النبي: "لا تتكلوا على كلام الكذب، قائلين: هيكل الرب، هيكل الرب، هيكل الرب هو" (إر 7: 4). v "ويكون حين تقولون لماذا صنع الرب إلهنا بنا كل هذه. تقول لهم كما أنكم تركتموني وعبدتم آلهة غريبة في أرضكم، هكذا تعبدون الغرباء في أرض ليست لكم" (إر 5: 19). يجب علينا أن نفهم المعنى الحرفي، ويكفي الآن، كما تقول الآيات، تنشيط ذاكرة الذين يريدون أن يفهموا. كان بنو إسرائيل يمتلكون الأرض المقدسة، والهيكل، وبيت الصلاة. وكان يجب عليهم أن يقدموا عبادتهم لله، لكنهم خالفوا الشريعة والوصية الإلهية، وعبدوا الأوثان، وكانوا يستقبلون عندهم الأوثان من دمشق كما هو مكتوب في سفر الملوك، وقبلوا أوثانًا أخرى في الأرض المقدسة. وبما أنهم كانوا يستقبلون الأوثان الأممية في أرضهم، استحقوا أن يُطرَحوا في بلاد الأوثان، وأن يهبطوا إلى حيث تُعبَد الأصنام. لذلك قال الرب لهم: "كما أنكم تركتموني، وعبدتم آلهة غريبة في أرضكم، هكذا تعبدون الغرباء في أرض ليست لكم". أي أن كل إنسان يتخذ له إلهًا من أي شيء كان، فهو بذلك يعبد آلهة غريبة. هل تُؤلّهِ المأكولات والمشروبات؟فإن إلهك يكون بطنك (في 3: 19). هل تحسب فضة هذا العالم وغناه خيرًا عظيمًا؟ إذًا المال هو إلهك، حيث قال عنه السيد المسيح إنه سيد الذين يحبون الفضة، حينما قال: "لا تقدرون أن تعبدوا الله والمال، لا يقدر أحد أن يخدم سيدين" (لو 16: 12). v الله في تهديده، يهدد بحيث إذا رجعت الأمة وتابت لا ينفذ فيها تهديده، كما أنه في وعوده، يعد بحيث إذا فسدت الأمة وصارت غير مستحقة، تحرم من تلك الوعود. إن التدبير الإلهي الذي يختص بالبشر في هذا العالم، يدور أساسًا حول أمتين رئيسيتين. تأتي الأمة اليهودية أو الشعب الإسرائيلي في المقام الأول، ثم من بعد مجيء السيد المسيح تأتي أمتنا نحن في المقام الثاني. قام الرب بتهديد الأمة الأولى، وظهر آثار هذا التهديد: فقد تم سبيها، وخُرِّبت مدينتهم، وهُدم الهيكل، ودُنِس المذبح، ولم يبقَ عندهم شيئًا من المقدسات التي كانوا يملكونها، لأن الرب قال لهذه الأمة: ارجعي إليَّ، فلم ترجع. ثم يتحدث الرب إلى الأمة الثانية عن بنائها وغرسها، لكنه يرى أن تلك الأمة مكونة من أناس قابلين أيضًا للسقوط والفساد؛ لذلك يهددها ويقول لها: بالرغم من أنني تكلمت عليكِ في البداية بالبناء والغرس، إلا أنكِ إن أخطأتِ فسوف يحدث لك ما حدث مع غيرك حينما أخطأوا. العلامة أوريجينوس لتعلن سكناك في أعماقي v إذ لم يستعرض سليمان أعماله أمام الغرباء، بل اجتمع بشعبه في هيكلك، بروح الحب والتواضع جثا وبسط يديه إليك، استجبت لصلاته بناركِ العجيبة. لم تحرق النار أحدًا، بل التهمت الذبائح لتعلن قبولك ورضاك. لتؤكد لهم أنك غافر الخطايا وقابل التقدمات. v ملأ مجدك البيت، فارتعب الكهنة أمامك. وسجد الشعب في مخافة. وانطلقت قلوبهم قبل ألسنتهم بروح الحمد والتهليل. v ليُعلن روحك القدوس حضوره في أعماقي. وتُسمِّر خوفك فيّ. في مهابةٍ التقي بك يا غافر الخطايا. وبيقينٍ أثق أنك تنقذ نفسي من الفساد. تملأ أعماقي بانعكاس بهائك في داخلي. أعتز بحضورك، وتنحني أعماقي أمامك. لا أعود أذكر خطاياي في يأسٍ. ولا تضطرب نفسي بسبب ضعفي. أثق أنك ترافقني في رحلة حياتي. وأصعد كما بسلمٍ الصليب إلى فردوسك. تسبحك نفسي، ولا تنسى مراحمك إلى الأبد. v أيّة ذبيحة أقدمها لك؟ سوى التصاقي بصليبك، وتمسّكي بدمك الثمين! v بالحق صالح أنت، وكلّي الصلاح. عوض فسادي تهبني طبيعة صالحة. تحوّل كل أموري لبنيان نفسي. تمسكني بيمينك، وتنطلق بي من مجدٍ إلى مجدٍ. ترفعني فلا أخشى أحداث الزمن. تحتضنّي، فلا يتسلل عدو الخير إليّ! يا لحبك ورحمتك، يا أيها الفادي العجيب! v عوض تنهداتي الخفية ومرارة نفسي، تضمّني كما إلى الخورس السماوي. تحوّل جسدي وعواطفي وأحاسيسي وكل طاقاتي، إلى قيثارة يعزف عليها روحك القدوس! v تتحول أيام غربتي إلى احتفالاتٍ دائمةٍ. وأصير كمن في السماء. لا يستطيع الضيق أن يحطم نفسي، ولا يكون للشهوات سلطان عليّ. بك تتحول الأرض كما إلى السماء! نعمتك تدخل بي كما إلى المقادس السماوية. v عوض الجفاف، يمطر عليّ روحك القدوس بالنعمة الإلهية. وعوض الجوع، تشبع نفسي بك يا خبز الحياة. تتجلّى وعودك الإلهية أمامي. تصير وصاياك كالحليّ تُزيّن نفسي. فرائضك تقطر عسلاً وشهدًا. لن يحتل قلبي شيء ما، بل تجلس أنت فيه كعرشٍ لك! v لن يسبيني عدو إلى أرضه، ما دمت تعلن مجدك في قلبي. ولن يأسرني أحد، فأنت محرر نفسي! إنشاءات سليمان واهتماماته يبرز سفر أخبار الأيام الثاني عمل سليمان الأول وهو بناء بيت الرب وتنظيم العبادة والخدمة فيه، غير أنه لم يتجاهل التزاماته الأخرى، سواء من جهة بناء قصر المملكة، وبناء المدن وتحصينها بجانب تقديم الذبائح والتقدمات، وأيضًا الدخول في علاقات تجارية مع دول أخرى. علاقة سليمان بالأمم في الأصحاح الثاني يشير السفر إلى دعوة سليمان للأمم إلى الاشتراك في بناء الهيكل، خاصة حورام ملك صور والغرباء الذين كانوا في المملكة. إن كان لسبب سياسي أو آخر تزوج سليمان نساء وثنيات، فإنه لم يَقْبَلْ أن تسكن ابنة فرعون وحاشيتها في بيت داود الذي دخل فيه تابوت العهد، فتقدس المكان. هذا وقد كان له فكر متفتح في علاقته بالأمم، فدخل معهم في علاقات تجارية، كان لها تأثيرها على الممالك الوثنية حيث اختبروا حكمته. ويظهر ذلك من ذكر زيارة ملكة سبأ له بعد ورود اهتمامه بالعلاقات التجارية الخارجية. عندما تراءى الرب لسليمان في جبعون، وعده أن يهبه غِنَى وكرامة فلا يكون مَلِك في أيامه مثله كل أيام حياته (2 أخ 3: 13). حفظ هذا الوعد، وأعطاه شهرة فائقة وأُعجِبَتْ به كل شعوب الأمم الأخرى. غلب داود أبوه أعداء كثيرين، وامتدت مملكته جدًا، ومع هذا لم يحاول أن يُقِيمَ منشآت كثيرة بجانب قصره. أما سليمان فاستلم مملكة متسعة يسودها السلام، فاستخدم كل فرصة ليزيد من ثروته وسلطانه بطريقة دبلوماسية. واهتم بإقامة منشآت كثيرة في شيءٍ من الترف الزائد والرفاهية المُبالغ بها[1]. 1. المدن التي بناها سليمان 1 وَبَعْدَ نِهَايَةِ عِشْرِينَ سَنَةً، بَعْدَ أَنْ بَنَى سُلَيْمَانُ بَيْتَ الرَّبِّ وَبَيْتَهُ، 2 بَنَى سُلَيْمَانُ الْمُدُنَ الَّتِي أَعْطَاهَا حُورَامُ لِسُلَيْمَانَ، وَأَسْكَنَ فِيهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ. 3 وَذَهَبَ سُلَيْمَانُ إِلَى حَمَاةِ صُوبَةَ وَقَوِيَ عَلَيْهَا. 4 وَبَنَى تَدْمُرَ فِي الْبَرِّيَّةِ وَجَمِيعَ مُدُنِ الْمَخَازِنِ الَّتِي بَنَاهَا فِي حَمَاةَ. 5 وَبَنَى بَيْتَ حُورُونَ الْعُلْيَا وَبَيْتَ حُورُونَ السُّفْلَى، مُدُنًا حَصِينَةً بِأَسْوَارٍ وَأَبْوَابٍ وَعَوَارِضَ. 6 وَبَعْلَةَ وَكُلَّ مُدُنِ الْمَخَازِنِ الَّتِي كَانَتْ لِسُلَيْمَانَ، وَجَمِيعَ مُدُنِ الْمَرْكَبَاتِ وَمُدُنِ الْفُرْسَانِ وَكُلَّ مَرْغُوبِ سُلَيْمَانَ الَّذِي رَغِبَ أَنْ يَبْنِيَهُ فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي لُبْنَانَ وَفِي كُلِّ أَرْضِ سُلْطَانِهِ. يرى البعض أن سليمان انشغل بالإنشاءات العملية، وبالرغم من كونه رجل علم وفهم ومعرفة وحكمة، لم يُذكَرْ عنه أنه كان متفرغًا للدراسة والتأمل. غير أن قيامه بأعمال كثيرة تُظهر حياته الخاصة باهتمامه بكلمة الله والتأمل فيها. ظهر ذلك خلال عمل روح الله القدوس الذي أوحى إليه بالأسفار المقدسة وهي الأمثال والجامعة ونشيد الأناشيد والحكمة. وأيضًا تكشف صلاته في الهيكل عن دراسته للشريعة، خاصة سفر التثنية. هذا كله يوحي لنا أنه لم يتجاهل دراساته وقراءاته وتأملاته. وَبَعْدَ نِهَايَةِ عِشْرِينَ سَنَةً بَعْدَ أَنْ بَنَى سُلَيْمَانُ بَيْتَ الرَّبِّ وَبَيْتَهُ [1] بَنَى سُلَيْمَانُ الْمُدُنَ الَّتِي أَعْطَاهَا حُورَامُ لِسُلَيْمَانَ. اهتم بالمبنى الكنسي، أي هيكل الرب وملحقاته، كما اهتم بقصره وبناء أو تجديد بعض المدن، والعمل على راحة زوجته ابنة فرعون خارج بيت داود، والاهتمام بالعاملين من الأمم ورجال الرب من بني شعبه وتنظيم العبادة والخدمة. نرى هنا حورام ملك صور يعطي مدنًا لسليمان، إشارة إلى عمل الله مع كنيسة العهد الجديد حيث يسلم العالم مدنًا فاخرة لكنيسة المسيح، تَقْبَل الإيمان، وتمتلئ بالسلام. سبق أن أشار إلى هذه المدن التي أعطاها ملك صور لسليمان (1 مل 9: 11-13). لم يُشِرْ هنا إلى الخطأ الذي ارتكبه سليمان بتسليمه عشرين مدينة من أرض الجليل لحيرام، وقد احتقرها حيرام، ودعاها "أرض كابول" أي تافهة وبلا قيمة (1 مل 9: 11-14). فمن جهة احتقر ملك صور هذه المدن التي كانت في منطقة أرض الموعد، ومن جهة أخرى ففي هذا التصرف عدم أمانة، إذ تصرَّف سليمان في ملكية أرض الرب وسَلَّمها للأمم. وَأَسْكَنَ فِيهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ. [2] وَذَهَبَ سُلَيْمَانُ إِلَى حَمَاةِ صُوبَةَ وَقَوِيَ عَلَيْهَا. [3] حماة صوبة: إما حماة المعروفة الآن، أو حماة أخرى في مملكة صوبة. وَبَنَى تَدْمُرَ فِي الْبَرِّيَّةِ وَجَمِيعَ مُدُنِ الْمَخَازِنِ الَّتِي بَنَاهَا فِي حَمَاةَ. [4] وَبَنَى بَيْتَ حُورُونَ الْعُلْيَا وَبَيْتَ حُورُونَ السُّفْلَى، مُدُنًا حَصِينَةً بِأَسْوَارٍ وَأَبْوَابٍ وَعَوَارِضَ. [5] وَبَعْلَةَ وَكُلَّ مُدُنِ الْمَخَازِنِ الَّتِي كَانَتْ لِسُلَيْمَانَ، وَجَمِيعَ مُدُنِ الْمَرْكَبَاتِ وَمُدُنِ الْفُرْسَانِ، وَكُلَّ مَرْغُوبِ سُلَيْمَانَ الَّذِي رَغِبَ أَنْ يَبْنِيَهُ فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي لُبْنَانَ، وَفِي كُلِّ أَرْضِ سُلْطَانِهِ. [6] سمح له الرب لا أن يبني ما تحتاج إليه الدولة فحسب، بل وكل ما اشتهاه سليمان، فبالغ في النفقات والمنشآت. وهذا دفعه فيما بعد إلى الترف الذي أفسد حياته، خاصة وأنه تزوج كثيرات، لسبب أو آخر، كما أَثْقَلَ على الشعب بدفع ضرائب سبَّبت انقسام المملكة بعد موته مباشرة، واستلام ابنه رحبعام العرش. إذ انضم عشرة أسباط إلى يربعام الذي انشق وكوَّن مملكة الشمال. هذا ورد في سفر الملوك، غير أن أخبار الأيام ركَّز على الجانب المُشرِق الخاص بالعبادة، وترك الضعفات والسقطات يُسَجِّلها سفر الملوك. 2. العُمَّال الذين استخدمهم سليمان 7 أَمَّا جَمِيعُ الشَّعْبِ الْبَاقِي مِنَ الْحِثِّيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ الَّذِينَ لَيْسُوا مِنْ إِسْرَائِيلَ، 8 مِنْ بَنِيهِمِ، الَّذِينَ بَقُوا بَعْدَهُمْ فِي الأَرْضِ، الَّذِينَ لَمْ يُفْنِهِمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ، فَجَعَلَ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِمْ سُخْرَةً إِلَى هذَا الْيَوْمِ. 9 وَأَمَّا بَنُو إِسْرَائِيلَ فَلَمْ يَجْعَلْ سُلَيْمَانُ مِنْهُمْ عَبِيدًا لِشُغْلِهِ، لأَنَّهُمْ رِجَالُ الْقِتَالِ وَرُؤَسَاءُ قُوَّادِهِ وَرُؤَسَاءُ مَرْكَبَاتِهِ وَفُرْسَانِهِ. 10 وَهؤُلاَءِ رُؤَسَاءُ الْمُوَكَّلِينَ الَّذِينَ لِلْمَلِكِ سُلَيْمَانَ، مِئَتَانِ وَخَمْسُونَ الْمُتَسَلِّطُونَ عَلَى الشَّعْبِ. كمَلِك وقائدٍ ورجل أعمال لم يكن يسعى إلى راحته الشخصية، بل استخدم أيادي كثيرة. أدرك أنه من مصلحة الشعب تشجيع العمالة بكل وسيلة، حتى لا تُصَاب الدولة بالبطالة. أَمَّا جَمِيعُ الشَّعْبِ الْبَاقِي مِنَ الْحِثِّيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ الَّذِينَ لَيْسُوا مِنْ إِسْرَائِيلَ [7] مِنْ بَيْنِهِمِ الَّذِينَ بَقُوا بَعْدَهُمْ فِي الأَرْضِ الَّذِينَ لَمْ يُفْنِهِمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ، فَجَعَلَ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِمْ سُخْرَةً إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. [8] كان في إسرائيل غرباء كثيرون تَبَقُّوا من الكنعانيين، وقد سمح لهم بالمعيشة في وسطهم، لكن ليس بدون عملٍ. وَأَمَّا بَنُو إِسْرَائِيلَ، فَلَمْ يَجْعَلْ سُلَيْمَانُ مِنْهُمْ عَبِيدًا لِشُغْلِهِ، لأَنَّهُمْ رِجَالُ الْقِتَالِ وَرُؤَسَاءُ قُوَّادِهِ وَرُؤَسَاءُ مَرْكَبَاتِهِ وَفُرْسَانِهِ. [9] وَهَؤُلاَءِ رُؤَسَاءُ الْمُوَكَّلِينَ الَّذِينَ لِلْمَلِكِ سُلَيْمَانَ مِئَتَانِ وَخَمْسُونَ، الْمُتَسَلِّطُونَ عَلَى الشَّعْبِ. [10] 3. اهتمامه بزوجته خارج مدينة داود وَأَمَّا بِنْتُ فِرْعَوْنَ، فَأَصْعَدَهَا سُلَيْمَانُ مِنْ مَدِينَةِ دَاوُدَ إِلَى الْبَيْتِ الَّذِي بَنَاهُ لَهَا، لأَنَّهُ قَالَ: لاَ تَسْكُنِ امْرَأَةٌ لِي فِي بَيْتِ دَاوُدَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّ الأَمَاكِنَ الَّتِي دَخَلَ إِلَيْهَا تَابُوتُ الرَّبِّ، إِنَّمَا هِيَ مُقَدَّسَةٌ. [11] إصعاد ابنة فرعون من مدينة داود إلى البيت الذي بناه لها سليمان في نظر سفر الملوك (1 مل 9: 24) نوع من تمييزه لها، أما في نظر أخبار الأيام الذي يهتم بالعبادة والقداسة، فإنه لم يكن لائقًا أن تبقى في مدينة داود، حتى وإن قبلت الإيمان، وذلك لوجود وصيفات لها من مصر قد يكن وثنيات. يُحَدِّثنا عن علاقة سليمان بابنة فرعون. وقد حمل ذلك معنى رمزيًا. اعتاد ملوك الفراعنة أن يُعطوا بنات جواريهم اللواتي ليس لهن حق العرش لملوك الأمم، أما سليمان فقد أعطاه فرعون ابنته كزوجةٍ شرعيةٍ. وكان لها حق الجلوس على عرش مصر، إن لم يكن لها ابن وريث للعرش. فالزواج هنا علامة تأكيد أن لسليمان حق شرعي في أرض مصر. هذا التصرُّف يُشِير إلى خضوع كثير من الملوك والعظماء للسيد المسيح، بقبولهم الإيمان به. بنى سليمان قصرًا للملكة ابنة فرعون، وأصعدها مع حاشيتها خارج مدينة داود. لقد أراد أن تَبقَى مدينة داود مقدسة، وخشي أن ابنة فرعون وحاشيتها يقمن بأعمالٍ لا تليق بقدسية المدينة. من المحتمل أن الملكة كانت دخيلة، وربما وُجِدَ معها أو مع حاشيتها بعض أوثان من مصر. وإن كان للأسف سليمان نفسه فيما بعد أَغرَته زوجاته الوثنيات على بناء مذابح وثنية. مع العلاقات الطيبة مع الأمم يرفض سليمان أن تسكن ابنة فرعون حيث يوجد تابوت العهد، حتى وإن قبلت الإيمان بالله، خشية أن يوجد في القصر جاريات لها من مصر غير مؤمنات. 4. ترتيب خدمة الهيكل 12 حِينَئِذٍ أَصْعَدَ سُلَيْمَانُ مُحْرَقَاتٍ لِلرَّبِّ عَلَى مَذْبَحِ الرَّبِّ الَّذِي بَنَاهُ قُدَّامَ الرِّواقِ. 13 أَمْرَ كُلِّ يَوْمٍ بِيَوْمِهِ مِنَ الْمُحْرَقَاتِ حَسَبَ وَصِيَّةِ مُوسَى فِي السُّبُوتِ وَالأَهِلَّةِ وَالْمَوَاسِمِ، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فِي السَّنَةِ، فِي عِيدِ الْفَطِيرِ وَعِيدِ الأَسَابِيعِ وَعِيدِ الْمَظَالِّ. 14 وَأَوْقَفَ حَسَبَ قَضَاءِ دَاوُدَ أَبِيهِ فِرَقَ الْكَهَنَةِ عَلَى خِدْمَتِهِمْ وَاللاَّوِيِّينَ عَلَى حِرَاسَاتِهِمْ، لِلتَّسْبِيحِ وَالْخِدْمَةِ أَمَامَ الْكَهَنَةِ، عَمَلِ كُلِّ يَوْمٍ بِيَوْمِهِ، وَالْبَوَّابِينَ حَسَبَ فِرَقِهِمْ عَلَى كُلِّ بَابٍ. لأَنَّهُ هكَذَا هِيَ وَصِيَّةُ دَاوُدَ رَجُلِ اللهِ. 15 وَلَمْ يَحِيدُوا عَنْ وَصِيَّةِ الْمَلِكِ عَلَى الْكَهَنَةِ وَاللاَّوِيِّينَ فِي كُلِّ أَمْرٍ وَفِي الْخَزَائِنِ. 16 فَتَهَيَّأَ كُلُّ عَمَلِ سُلَيْمَانَ إِلَى يَوْمِ تَأْسِيسِ بَيْتِ الرَّبِّ وَإِلَى نِهَايَتِهِ. فَكَمَلَ بَيْتُ الرَّبِّ. وردت الخدمات الدينية والكهنوتية في (ع 12-16)، خاصة ذبائح المُحرَقة، الأمر الذي لم يُشِرْ إليه في سفر الملوك. لم يُشِرْ السفر إلى تفاصيل الأعمال التي قام بها سليمان، إنما اهتم بتأكيد قيامه بتدبير خدمة الهيكل اليومية والأسبوعية والشهرية والسنوية، خاصة المُحرَقات والتسبيح. حِينَئِذٍ أَصْعَدَ سُلَيْمَانُ مُحْرَقَاتٍ لِلرَّبِّ عَلَى مَذْبَحِ الرَّبِّ، الَّذِي بَنَاهُ قُدَّامَ الرِّواقِ. [12] أَمْرَ كُلِّ يَوْمٍ بِيَوْمِهِ مِنَ الْمُحْرَقَاتِ حَسَبَ وَصِيَّةِ مُوسَى، فِي السُّبُوتِ وَالأَهِلَّةِ وَالْمَوَاسِمِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فِي السَّنَةِ، فِي عِيدِ الْفَطِيرِ وَعِيدِ الأَسَابِيعِ وَعِيدِ الْمَظَالِّ. [13] لم يقف دور سليمان عند بناء الهيكل والاحتفال بتدشينه، إنما استمر في تقديم الذبائح المقدسة حسب شريعة موسى [12-13]. كانت تُقَدَّم ذبائح يومية بلا توقُّف، وذبائح أسبوعية في كل سبتٍ، وهي ضِعْفُ ما يُقَدَّم يوميًا، وأيضًا ذبائح إضافية شهرية في الأهِلَّة، وذبائح سنوية في الأعياد الثلاثة الكبرى. كان قلب سليمان المُلتهِب بالاشتياق للعبادة اليومية وتقديم المُحرَقات والبخور والتسابيح يتمُّ حسب الشريعة خلال الكهنة واللاويين. في هذه الفترة قبل انحرافه وراء النساء الوثنيات لم يكن يمارس العبادة في عملٍ روتينيٍ حرفي، إنما مع التزامه بالتدبير الحسن حسب الناموس والنظام كان يشترك بكل كيانه الداخلي مُتمتِّعًا بالشركة مع الله وتقديم الصلوات والتمتُّع بالفكر السماوي خلال ظلال العهد القديم. كان مُلتصِقًا بالله ومحبًا له، يشعر مع إرميا النبي بأن مراحم الرب جديدة كل صباحٍ (مرا 3: 23). وكأنه يُرَدِّد معه قوله: "نصيبي هو الرب، قالت نفسي، من أجل هذا أرجوه" (مرا 3: 24). v ما هي المُحرَقات؟ احتراق الذبيحة بالنار بكاملها؛ عندما يُوضَع الحيوان على المذبح ويحترق بالنار، فيُدعَى مُحرَقة. ليت النيران الإلهية ترفعنا بكليتنا إلى فوق، ونلتهب بالكامل... ليس فقط نفوسنا ترتفع بنار الحكمة هذه، بل وجسدنا أيضًا، إذ ينال الخلود. ليُقدَّم إذًا كمُحرَقة فيُبتلع الموت! القديس أغسطينوس v لنُقَدِّم نفوسنا ذبيحة بالصوم. فإننا لا نستطيع أن نُقَدِّمَ لله ما هو أفضل من هذا. يؤكد النبي ذلك بقوله: "الروح المنسحق ذبيحة لله، والقلب المتواضع لا يرذله الله". قَدِّمْ يا إنسان نفسك لله. قَدِّمْ تقدمة الصوم. افعلْ هذا لتجعل نفسك ذبيحة طاهرة، ذبيحة مقدسة، ذبيحة حية تبقى لك وأنت تُقَدِّمها لله. الأب بطرس خريستولوجوس رسالة برناباس القديس جيروم v كنت أخاف من كل أعمالي، عالمًا أنك لا تبرئني، عندما أكون مذنبًا". ما هي الأعمال التي مارسها الطوباوي أيوب، هذه قد أوضحها هذا التاريخ المقدس. فقد تَعَلَّم أن يسترضي خالقه بتقديم مُحرَقات كثيرة. بحسب عدد أبنائه - كما هو مكتوب - كان يُبَكِّر في الصباح، ويُقَدِّم مُحرَقات عن كل واحدٍ منهم، مُطَهِّرًا إياهم ليس فقط من الأعمال الدنسة، بل ومن الأفكار الشريرة. سَجَّل لنا ذلك بشهادة الكتاب المقدس: "لأن أيوب قال ربما أخطأ بني، وجَدَّفوا على الله في قلوبهم" (أي 1: 5). البابا غريغوريوس (الكبير) وأيضًا أظن أنه يلزم مراعاة هذا هنا (أن يحمل الصليب)، لأنه عندما صعد الطوباوي إبراهيم على الجبل الذي رآه ليقدِّم إسحق مُحرَقة كأمر الله وضع الحطب على الابن، وكان ذلك رمزًا للمسيح الحامل صليبه على كتفيه مرتفعًا إلى مجد صليبه. فقد كانت آلام المسيح هي أمجاده كما علَّمنا بنفسه: "الآن تَمَجَّد ابنالإنسان، وتَمَجَّد الله فيه" (يو 13: 31). القديس كيرلس الكبير وَاللاَّوِيِّينَ عَلَى حِرَاسَاتِهِمْ (لِلتَّسْبِيحِ وَالْخِدْمَةِ أَمَامَ الْكَهَنَةِ)، عَمَلِ كُلِّ يَوْمٍ بِيَوْمِهِ، وَالْبَوَّابِينَ حَسَبَ فِرَقِهِمْ عَلَى كُلِّ بَابٍ. لأَنَّهُ هَكَذَا هِيَ وَصِيَّةُ دَاوُدَ رَجُلِ الله. [14] استمر سليمان في تقديم ذبائح التسبيح والحمد والشكر حسب وصية أبيه داود. لم يُغَيِّرْ شيئًا من التدبير الذي وضعه أبوه داود. ولم يتوقَّف، بل كان "يعمل "كل يومٍ بيومه". رجل الله: أو إنسان الله، وهو تعبير عام في سفريّ الملوك، لكن نادرًا ما يَرِد في أخبار الأيام؛ لم يذكر إلا عن موسى (1 أي 23: 14)، وداود، ونبي آخر (2 أي 25: 7، 9). v يليق بقلب المسيحي وفمه ألا يكفا عن التسبيح لله، فلا يُمَجِّده في الفرج، ويتذمَّر عليه في الشدة. v من يصلي برغبة يُسَبِّح في قلبه حتى إن كان لسانه صامتًا. أما إذا صَلَّى (الإنسان) بغير شوقٍ، فهو أبكم أمام الله حتى إن بلغ صوته آذان البشر. v الآن إذ نجتمع مع بعضنا البعض في الكنيسة نُسَبِّح الله، ولكن عندما يذهب كل واحد إلى عمله يبدو كمن توقَّف عن تسبيح الله. لكن ليته لا يتوقَّف أحد عن الحياة المستقيمة، فيكون مُسَبِّحًا لله على الدوام. إنك تتوقَّف عن التسبيح لله عندما تنحرف عن العدل وعن كل ما يسر الله. ولكن إن كنت لا تتوقف عن الحياة المستقيمة فإن حياتك بليغة، وتنفتح أذن الله لقلبك. v كل ما تفعله، افعله حسنًا، بهذا تُسَبِّحُ الله. v هناك نستريح، وهناك نرى. سنرى ونحب، سنحب ونُسَبِّح! القديس أغسطينوس v يا لجمال أولئك الذين يترنمون بأسرار الله. ليتني أنا أيضا أرتبط بهذه الأغاني في صلاتي... لا تمنع تسبحة روحية ولا تستهن بالإصغاء إليها. القديس ميثوديوس أسقف أولمبيوس القديس جيروم v ملكوت الله داخلكم، يعني الفرح الذي يغرسه الروح القدس في قلوبكم، بكونه أيقونة وعربون للفرح الأبدي الذي تتمتع به نفوس القديسين. القديس غريغوريوس أسقف نيصص وَاللاَّوِيِّينَ فِي كُلِّ أَمْرٍ، وَفِي الْخَزَائِنِ. [15] فَتَهَيَّأَ كُلُّ عَمَلِ سُلَيْمَانَ إِلَى يَوْمِ تَأْسِيسِ بَيْتِ الرَّبِّ وَإِلَى نِهَايَتِهِ. فَكَمُلَ بَيْتُ الرَّبِّ. [16] 5. علاقاته التجارية مع دول أجنبية 17 حِينَئِذٍ ذَهَبَ سُلَيْمَانُ إِلَى عِصْيُونَ جَابِرَ، وَإِلَى أَيْلَةَ عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ فِي أَرْضِ أَدُومَ. 18 وَأَرْسَلَ لَهُ حُورَامُ بِيَدِ عَبِيدِهِ سُفُنًا وَعَبِيدًا يَعْرِفُونَ الْبَحْرَ، فَأَتَوْا مَعَ عَبِيدِ سُلَيْمَانَ إِلَى أُوفِيرَ، وَأَخَذُوا مِنْ هُنَاكَ أَرْبَعَ مِئَةٍ وَخَمْسِينَ وَزْنَةَ ذَهَبٍ وَأَتَوْا بِهَا إِلَى الْمَلِكِ سُلَيْمَانَ. سَاهَم حورام ملك صور ليس فقط في بناء الهيكل، وإنما في ازدهار مملكة سليمان المجيدة. حينئذ ذهب سليمانُ إِلَى عِصْيُونَ جَابِرَ، وَإِلَى أَيْلَةَ عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ فِي أَرْضِ أَدُومَ. [17] عصيون جابر: على خليج العقبة بجانب إيلة. وَأَرْسَلَ لَهُ حُورَامُ بِيَدِ عَبِيدِهِ سُفُنًا وَعَبِيدًا يَعْرِفُونَ الْبَحْرَ، فَأَتُوا مَعَ عَبِيدِ سُلَيْمَانَ إِلَى أُوفِيرَ، وَأَخَذُوا مِنْ هُنَاكَ أَرْبَعَ مِئَةٍ وَخَمْسِينَ وَزْنَةَ ذَهَبٍ، وَأَتُوا بِهَا إِلَى الْمَلِكِ سُلَيْمَانَ. [18] أوفير: في اليمن. إذ اهتم سليمان بالتجارة الدولية، بَنَى أسطولاً بحريًا، ولجأ إلى حورام ملك صور ليمده بخبراء في شئون البحر لإدارة الأسطول وتشغيله. قام بنفسه بزيارة مواني مدينتيّ إيلة وعصيون جابر لفحص الأمر والدخول في علاقات تجارية دولية. انتفع سليمان بخبرة حورام ملك صور البحرية، فقد كان عبيده "يعرفون البحر". لم يكن لدى اليهود أناس أصحاب خبرة في العمل البحري، إذ كانت خبرتهم محدودة بالبحيرات التي في داخل أراضيهم. أما صور القائمة على البحر، فكان بها خبراء في العمل البحري. من وحي 2 أي 8 لأُقَدِّم لك ذبيحة يومية وتسبيحًا لا ينقطع! v بَنَى سليمان هيكلاً فخمًا، شدَّ أنظار الكثيرين. ظن الكثيرون أنه يبقى إلى نهاية الدهور. وأقام منشآت عظيمة هذا مقدارها. وبني مدنًا وحصونًا! ماذا تبقَّى من كل هذه المنشآت؟! حتى الهيكل الذي كان يُمَثِّل حضورك الإلهي وسط شعبك، احترق وتهدَّم وزالت حتى أساساته. v لم تبقَ سوى القلوب النقية التي اقتدت بقلب داود أبيه. بقت ذبائح الحب ومُحرَقات التسبيح وبخور الصلوات النقية! هَبْ لي أن تتحوَّلَ حياتي إلى ذبيحة حُبٍّ. هَبْ لي أن يصير كل كياني قيثارة روحية، تبعث سيمفونية فريدة، تتناغم مع تسابيح السمائيين! v متى ألتقي بك على السحاب؟! وأنعم بالانضمام إلى خورُس السمائيين؟! متى أنشد التسبحة الجديدة، وأَتغنَّى بحُبِّك؟! ترى بأيّة لغة أنشد في السماء، وأناجيك أيها الحبيب؟! وأيّة ذبيحة أُقَدِّمها أمام عرشك المقدس؟! ملكة سبأ وشهرة سليمان العالمية يستعرض هذا الأصحاح الختامي لسيرة سليمان في هذا السفر شهرة سليمان العالمية، خاصة زيارة ملكة سبأ له، وحديثها معه. جاء هذا الأصحاح مطابقًا تمامًا لما ورد في (1 مل 10) آية بآية، باستثناء الآيتين 1-2. وجاءت الآيات الثلاث الأخيرة مُقتبَسة من (1 مل 11: 41-43). كانت سبأ دولة مُتحضِّرة وغنية في شمال غرب العربية. وقد أحضرت الملكة هدايا ثمينة كعيِّنات لما يُمكِن لدولتها أن تُقَدِّمَه (إش 60: 6؛ إر 6: 20؛ حز 38: 13). كان لسبأ أهمية كبرى في ذلك الحين، حيث كانت كل السفن القادمة العابرة إلى الجنوب أو إلى المحيط الهندي تمر بسبأ. 1. زيارة ملكة سبأ لسليمان وتكريمها له 1 وَسَمِعَتْ مَلِكَةُ سَبَاءٍ بِخَبَرِ سُلَيْمَانَ، فَأَتَتْ لِتَمْتَحِنَ سُلَيْمَانَ بِمَسَائِلَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، بِمَوْكِبٍ عَظِيمٍ جِدًّا، وَجِمَال حَامِلَةٍ أَطْيَابًا وَذَهَبًا بِكَثْرَةٍ وَحِجَارَةً كَرِيمَةً، فَأَتَتْ إِلَى سُلَيْمَانَ وَكَلَّمَتْهُ عَنْ كُلِّ مَا فِي قَلْبِهَا. 2 فَأَخْبَرَهَا سُلَيْمَانُ بِكُلِّ كَلاَمِهَا. وَلَمْ يُخْفَ عَنْ سُلَيْمَانَ أَمْرٌ إِلاَّ وَأَخْبَرَهَا بِهِ. 3 فَلَمَّا رَأَتْ مَلِكَةُ سَبَا حِكْمَةَ سُلَيْمَانَ وَالْبَيْتَ الَّذِي بَنَاهُ، 4 وَطَعَامَ مَائِدَتِهِ، وَمَجْلِسَ عَبِيدِهِ، وَمَوْقِفَ خُدَّامِهِ وَمَلاَبِسَهُمْ، وَسُقَاتَهُ وَمَلاَبِسَهُمْ، وَمُحْرَقَاتِهِ الَّتِي كَانَ يُصْعِدُهَا فِي بَيْتِ الرَّبِّ، لَمْ تَبْقَ فِيهَا رُوحٌ بَعْدُ. 5 فَقَالَتْ لِلْمَلِكِ: «صَحِيحٌ الْخَبَرُ الَّذِي سَمِعْتُهُ فِي أَرْضِي عَنْ أُمُورِكَ وَعَنْ حِكْمَتِكَ. 6 وَلَمْ أُصَدِّقْ كَلاَمَهُمْ حَتَّى جِئْتُ وَأَبْصَرَتْ عَيْنَايَ، فَهُوَذَا لَمْ أُخْبَرْ بِنِصْفِ كَثْرَةِ حِكْمَتِكَ. زِدْتَ عَلَى الْخَبَرِ الَّذِي سَمِعْتُهُ. 7 فَطُوبَى لِرِجَالِكَ وَطُوبَى لِعَبِيدِكَ هؤُلاَءِ الْوَاقِفِينَ أَمَامَكَ دَائِمًا وَالسَّامِعِينَ حِكْمَتَكَ. 8 لِيَكُنْ مُبَارَكًا الرَّبُّ إِلهُكَ الَّذِي سُرَّ بِكَ وَجَعَلَكَ عَلَى كُرْسِيِّهِ مَلِكًا لِلرَّبِّ إِلهِكَ. لأَنَّ إِلهَكَ أَحَبَّ إِسْرَائِيلَ لِيُثْبِتَهُ إِلَى الأَبَدِ، قَدْ جَعَلَكَ عَلَيْهِمْ مَلِكًا، لِتُجْرِيَ حُكْمًا وَعَدْلًا». 9 وَأَهْدَتْ لِلْمَلِكِ مِئَةً وَعِشْرِينَ وَزْنَةَ ذَهَبٍ وَأَطْيَابًا كَثِيرَةً جِدًّا وَحِجَارَةً كَرِيمَةً، وَلَمْ يَكُنْ مِثْلُ ذلِكَ الطِّيبِ الَّذِي أَهْدَتْهُ مَلِكَةُ سَبَا لِلْمَلِكِ سُلَيْمَانَ. 10 وَكَذَا عَبِيدُ حُورَامَ وَعَبِيدُ سُلَيْمَانَ الَّذِينَ جَلَبُوا ذَهَبًا مِنْ أُوفِيرَ أَتَوْا بِخَشَبِ الصَّنْدَلِ وَحِجَارَةٍ كَرِيمَةٍ. 11 وَعَمِلَ الْمَلِكُ خَشَبَ الصَّنْدَلِ دَرَجًا لِبَيْتِ الرَّبِّ وَبَيْتِ الْمَلِكِ، وَأَعْوَادًا وَرَبَابًا، وَلَمْ يُرَ مِثْلُهَا قَبْلُ فِي أَرْضِ يَهُوذَا. 12 وَأَعْطَى الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ مَلِكَةَ سَبَا كُلَّ مُشْتَهَاهَا الَّذِي طَلَبَتْ، فَضْلًا عَمَّا أَتَتْ بِهِ إِلَى الْمَلِكِ. فَانْصَرَفَتْ وَذَهَبَتْ إِلَى أَرْضِهَا هِيَ وَعَبِيدُهَا. ذُكِرَت هذه القصة بالتفصيل في سفر ملوك الأول، هذا وقد أشار السيد المسيح نفسه إليها (مت 12: 42). ويُلاحَظ في هذه القصة الآتي: 1. يُعتبَر لقاء ملكة سبأ بسليمان دعوة مُوَجَّهة لكل إنسانٍ ليلتقي مع من هو أعظم من سليمان، ألا وهو حكمة الله نفسه، خالق سليمان وواهبه الحكمة. لقد عاتب السيد المسيح اليهود الذين لم يَقْبَلوه، بينما جاءت ملكة سبأ التي من الأمم إلى سليمان تسمع له. ما تمتَّعت به ملكة سبأ بلقائها مع سليمان لا يُقارَن بما نتمتَّع به بلقائنا وشركتنا مع رب سليمان ومخلصه. 2. لم يَدعُ سليمان مَلِكَة سبأ لزيارته، ولم تكن هي في حاجة إلى تَقَصِّي الحقائق عن سليمان، بل أسرعت لتبصر بعينيها [6]. لقد جذبها مجده. اجتذبت شخصية سليمان الكثيرين حتى الملوك، وهو في هذا يختلف عن كثير من الملوك الذين نالوا شهرة عالمية: فمن جانب لم يكتسب شهرته بالحروب والعنف، بل بروح الحكمة مع السلام. ففي أيامه كملكٍ امتدت مملكته أربعين عامًا لم نسمع عن قيامه بمعركةٍ ما مع أحد الأمم أو الشعوب. ومن جانبٍ آخر علاقته مع الملوك والشعوب حملت احترامًا متبادلاً، فقد تبادل مع ملكة سبأ هدايا ثمينة وبسخاءٍ. إذ التقت به أدركت أن ما لمسته أكثر بكثير مما سمعته عنه. هكذا حين يُعلِن مسيحنا مجده فينا، فإن رائحته الذكية فينا تشهد لنا، فنكون مُستعدِّين لمجاوبة من يسألنا عن سبب الرجاء الذي فينا (1 بط 3: 15). 3. قَدَّم حورام ملك صور لسليمان الكثير من الذهب والأخشاب وغيرهما من مواد البناء وأيضًا أصحاب الخبرة في البناء والعمال، لكن لم يذهب إلى سليمان ليتتلمذ على حكمته. أما ملكة سبأ فجاءت إليه واستمعت إلى حكمته. 4. التقت ملكة سبأ بسليمان، فتهللت نفسها، إشارة إلى السيد المسيح ينبوع الفرح لكل من يلتقي به. 5. طَوَّبت الواقفين أمامه على الدوام، لأنهم يرون وجهه ويسمعون حكمته. 6. أبرزت سلطانه على جميع الملوك من النهر إلى أرض الفلسطينيين [26]. حقًا إن الذين يكرمون الله، يكرمهم (1 صم 2: 30) لقد أكرم سليمان الله كثيرًا سواء ببناء الهيكل وتزيينه وتدشينه، أو تسبيحه وشكره له، أو تكريس ما وهبه الله من حكمة وغِنَى لحساب ملكوت الله، وخدمة شعبه. 7. احتملت ملكة سبأ متاعب كثيرة وتكلفة كثيرة لتسمع حكمة سليمان، ومع هذا حسبت أنها إذ سمعت حكمته كوفئت بالكثير. لقد حملت حكمة سليمان رمزًا لأقنوم الحكمة ربنا يسوع الذي يجتذب النفوس، ويدخل بها إلى حضن الآب. 8. عرف سليمان كيف يضرم الموهبة التي أُعطيت له مجَّانًا، فقَدَّمها مجَّانًا للآخرين. إن قُدِّمَت له أية هدايا لا تشغله، إنما ما يشغله هو أن يتمتَّع الكل بحكمة الله. 9. ما شدَّ انتباه ملكة سبأ، التدبير الحسن لأُسرة سليمان والعاملين معه وخدمه. يرى البعض أن سليمان في حديثه عن الحكمة أو تدبير أمور العبادة وغيره سحب قلب ملكة سبأ إلى السيد المسيح الذبيحة الكفَّارية الوحيدة، والقادرة أن تُتَمِّمَ الخلاص لكل القادمين من بين البشر. 10. كان تأثير سليمان بحكمته في الرب، ليس فقط على عبيده الذين يخدمونه، بل وعلى بنيهم، فكانوا يعتزّون بأن يُدعَوا "بنو عبيد سليمان" (عز 2: 55، نح 7: 57). 11. قَدَّمت ملكة سبأ مثالاً حيًّا للمحبة الصادقة، فسبَّحت الله من أجل عمله مع شعب إسرائيل خلال سليمان الملك [8]. وَسَمِعَتْ مَلِكَةُ سَبَأ بِخَبَرِ سُلَيْمَانَ، فَأَتَتْ لِتَمْتَحِنَ سُلَيْمَانَ بِمَسَائِلَ إِلَى أُورُشَلِيمَ بِمَوْكِبٍ عَظِيمٍ جِدًّا، وَجِمَالٍ حَامِلَةٍ أَطْيَابًا وَذَهَبًا بِكَثْرَةٍ وَحِجَارَةً كَرِيمَةً، فَأَتَتْ إِلَى سُلَيْمَانَ وَكَلَّمَتْهُ عَنْ كُلِّ مَا فِي قَلْبِهَا. [1] لقد سمعت ملكة سبأ عن سليمان خلال التُجَّار الذين يَعْبرون بسفنهم على سبأ. هنا تُقَدِّم ملكة سبأ صورة حيَّة للمؤمن الحقيقي من جوانب كثيرة: 1. لم تقف الملكة عند سماعها عن سليمان، بل تحرَّكت لتلتقي به وتمتحنه، ليس في شكٍ مما سمعته، وإلا ما كانت جاءت تحمل هذه الهدايا الثمينة، وإنما جاءت لتتمتَّع باللقاء معه. وهي في هذا ترمز للمجوس الذين لما رأوا النجم تحرَّكوا بهداياهم نحو أورشليم ليلتقوا بالمولود ملك اليهود ويسجدوا له. على عكس هذا عندما جمع هيرودس الملك رؤساء الكهنة وكتبة الشعب (مت 2: 4) يسألهم: أين يولد المسيح، قَدَّموا له النبوة، ولم يتحرَّكوا للقاء مع المسيح المولود. v أَعدُّوا الهدايا للملك ليُكرَم بها، حتى يدخلوا عنده بالقرابين عندما ينظرونه. عندما اهتموا بتهيئة القرابين، قام الحق ليُعَلِّمهم ماذا يجب عليهم. فتحوا كنوزهم، وجلبوا الذهب، لأنه الملك العظيم، وأخذوا المرَّ، لأنه يصير قتيلاً. اللبان يفيد لإكرامه، لأنه إله أيضًا: جلبوا عطورًا ومُرًّا وذهبًا لتُقَرَّب له. حملوا خزائن آبائهم فرحين، ليُقَدِّموا قرابينهم للملك العظيم... صاروا كارزين وهم سائرون في الطريق يُبَشِّرون أنه أشرق الملك على العالم كله... أينما كانوا يرحلون ويَحِلُّون، قصُّوا خبره (قائلين): طريقنا مُتَّجِه نحو جبارٍ مولود في اليهودية. في طريقهم أشرق تعليمه، وفي مواعيدهم كانت تُسمَع عباراتهم. في كل موضع كانوا يَحِلُّون فيه زرعوا البشارة، وحين كانوا يرحلون سردوا خبر ميلاده. انتشرت كرازتهم على أميال الطريق، وفي مراحلها كانت تُرتَّل تلك الأخبار. القديس مار يعقوب السروجي يليق بالمؤمن أن يفتح قلبه أمام مُخَلِّصه، ويدخل معه في حوارٍ مفتوحٍ. فَأَخْبَرَهَا سُلَيْمَانُ بِكُلِّ كَلاَمِهَا. وَلَمْ يُخْفَ عَنْ سُلَيْمَانَ أَمْرٌ إِلاَّ وَأَخْبَرَهَا بِهِ. [2] إذ يفتح المؤمن قلبه للحديث الصريح مع مُخَلِّصه كما فعلت ملكة سبأ مع سليمان، يفتح رب المجد كنوز أسراره، ولا يخفي عنه شيئًا. v دُعِي ابن الله هكذا (رسول المشورة العظيمة) من أجل الأمور التي علَّمها، خاصة وأنه أعلن للبشر عن الآب، إذ يقول: "أظهرت اسمك للناس" (يو 17: 6)... أعلن اسمه بالكلمات والأعمال. القديس يوحنا الذهبي الفم v ليست معرفة بدون إيمان، ولا إيمان بدون معرفة... الابن هو المُعَلِّم الحقيقي عن الآب؛ إننا نؤمن بالابن لكي نعرف الآب، الذي معه أيضًا الابن. مرة أخرى، لكي نعرف الآب يلزمنا أن نؤمن بالابن، إنه ابن الآب. معرفة الآب والابن، بطريقة الغنوسي الحقيقي، إنما هي بلوغ للحق بواسطة الحق... حقًا، قليلون هم الذين يؤمنون ويعرفون. القديس إكليمنضس السكندري العلامة أوريجينوس القديس مار يعقوب السروجي القديس أغسطينوس وطَعَامَ مَائِدَتِهِ وَمَجْلِسَ عَبِيدِهِ وَمَوْقِفَ خُدَّامِهِ وَمَلاَبِسَهُمْ وَسُقَاتَهُ وَمَلاَبِسَهُمْ، وَمُحْرَقَاتِهِ الَّتِي كَانَ يُصْعِدُهَا فِي بَيْتِ الرَّبِّ، لَمْ تَبْقَ فِيهَا رُوحٌ بَعْدُ. [4] جاء التقرير الخاص بزيارتها له يكشف لنا ليس عن عظمة قصر سليمان فقط، وإنما عن الحياة التي تدور في القصر من طعام مائدته ومجلس عبيده وسلوك خدامه حتى ملابسهم. غالبًا كأممية لم يأخذها إلى هيكل الرب، لكنها عرفت أيضًا ما كان يُقَدِّمه من مُحرَقات بواسطة الكهنة. لم تستطع الملكة أن تُسَجِّل مشاعرها من جهة حياته في قصره وحُبِّه وعطائه لبيت الرب، إنما قيل: "لم تبقَ فيها روح بعد". ما شاهدته وسمعته وتلامست معه، إنما هو ظل كما حدث مع بولس الرسول الذي سمع كلمات لا يُنطَق بها (2 كو 12: 4). لقد أدركت الملكة أن سليمان وأهل بيته والعاملين معه أسعد من رأتهم على وجه الأرض! هنا نذكر ما كتبه القديس يوحنا الذهبي الفم أن الإنسان المسيحي أسعد إنسان على الأرض. لم يُشِر الكتاب المقدس إن كانت ملكة سبأ قد زارت الهيكل بكونه أعظم ما أقامه سليمان في العاصمة، غير أن اهتمامه بعدم سُكنَى زوجته ابنة فرعون في بيت داود يوحي بأنه لم يُعطِ لملكة سبأ فرصةً لزيارة هيكل الرب المقدس. فَقَالَتْ لِلْمَلِكِ: صَحِيحٌ الْخَبَرُ الَّذِي سَمِعْتُهُ فِي أَرْضِي عَنْ أُمُورِكَ وَعَنْ حِكْمَتِكَ! [5] وَلَمْ أُصَدِّقْ كَلاَمَهُمْ حَتَّى جِئْتُ وَأَبْصَرَتْ عَيْنَايَ، فَهُوَذَا لَمْ أُخْبَرْ بِنِصْفِ كَثْرَةِ حِكْمَتِكَ. زِدْتَ عَلَى الْخَبَرِ الَّذِي سَمِعْتُهُ. [6] شتَّان ما بين ما سمعته الملكة عن حكمة سليمان، وبين ما لمسته بنفسها عندما التقت معه. حقًا عندما تلامس الشعب مع حكمة سليمان، مَجَّدوا الرب واهب الحكمة. v حينئذ هتف كل شعب بيت إسرائيل ليُمجِّد الرب الذي أعطى له الحكمة. "مبارك هو الرب الحافظ محبته لعبده داود، وأقام بعده ابنه وملأه حكمة... ليعظم كرسي الملك سليمان على إسرائيل، وينتشر خبره بين الأمراء وشعوب الأرض. لتذهب ملكة سبأ، وتستفسر عن حِكمته (1 مل 10)، وتقابله بعطور كل الروائح. القديس مار يعقوب السروجي هَؤُلاَءِ الْوَاقِفِينَ أَمَامَكَ دَائِمًا، وَالسَّامِعِينَ حِكْمَتَكَ. [7] شَعَرَتْ ملكة سبأ أن لسانها يعجز عن التعبير فيما يخص سليمان نفسه، فصارت لا تُطَوِّبه هو، بل تُطَوِّب رجاله العاملين معه والسامعين له. ولعلها شعرت أنه أعظم من أن تُطوِّبه، فَطَوَّبَتْ من يلتقي معه، ويتمتَّع به. هذا ما أعلنه السيد المسيح للذين التصقوا به ونظروه وتلامسوا معه، قائلاً لهم: "طوبى للعيون التي تنظر ما تنظرونه" (لو 10: 23). لِيَكُنْ مُبَارَكًا الرَّبُّ إِلَهُكَ الَّذِي سُرَّ بِكَ، وَجَعَلَكَ عَلَى كُرْسِيِّهِ مَلِكًا لِلرَّبِّ إِلَهِكَ. لأَنَّ إِلَهَكَ أَحَبَّ إِسْرَائِيلَ لِيُثْبِتَهُ إِلَى الأَبَدِ. قَدْ جَعَلَكَ عَلَيْهِمْ مَلِكًا لِتُجْرِيَ حُكْمًا وَعَدْلاً. [8] أدركت ملكة سبأ محبة الله لشعبه، إذ جعل سليمان ملكًا عليهم يجري حكمًا وعدلاً (أو برًّا)، غير أن سليمان فيما بعد أثقل عليهم بطلباته لكي ينفق على مشروعاته وإنشاءاته. أما وقد ملك السيد المسيح على البشرية، فبذل ذاته لأجل خلاص العالم، ووهبهم برَّه برًّا لهم. v المسيح هو الصلاح الذي كان ينتظره الشعب. العلامة أوريجينوس القديس كيرلس الكبير يقول إنه لا يملك العطية بالمشاركة، بل هو نفسه ينبوع ذاته وأصل كل صلاح، الحياة ذاتها، النور ذاته، الحق ذاته، يحتجز في داخله غِنَى صلاحه، بل يفيض به على الآخرين، ويبقى بعد هذا الفيض في ملئه، لا ينقص وهو يمدُّ الآخرين، بل على الدوام يفيض، ويهب الغير ليشاركوه بركاته، ويبقى في كماله كما هو. ما أقتنيه أنا هو بالمشاركة (أي أَقْبَله من الغير)، لدي نصيب قليل من الكل، كنقطة ماء فقيرة إن قورنت بلجةٍ لا تُحد أو بحر بلا حدود. وحتى هذا المثل لا يقدر أن يُعَبِّرَ بالكامل عما نحاول أن نقوله... لنفترض وجود مصدر نار، ومن هذا المصدر أشعلت ربوات المصابيح... ألا تبقى النار كما هي في ملئها حتى بعد أن قَدَّمت ما لها لكل مثل هذا العدد؟ واضح لكل إنسانٍ إن الأمر هكذا. القديس يوحنا الذهبي الفم وَلَمْ يَكُنْ مِثْلُ ذَلِكَ الطِّيبِ الَّذِي أَهْدَتْهُ مَلِكَةُ سَبَا لِلْمَلِكِ سُلَيْمَانَ. [9] تقديم ملكة سبأ الأممية هدايا لسليمان كان رمزًا لما سيفعله المجوس الغرباء عند ميلاد السيد المسيح الملك العجيب حيث قَدَّموا له هدايا. وَكَذَا عَبِيدُ حُورَامَ وَعَبِيدُ سُلَيْمَانَ الَّذِينَ جَلَبُوا ذَهَبًا مِنْ أُوفِيرَ، أَتُوا بِخَشَبِ الصَّنْدَلِ وَحِجَارَةٍ كَرِيمَةٍ. [10] وَعَمِلَ الْمَلِكُ خَشَبَ الصَّنْدَلِ دَرَجًا لِبَيْتِ الرَّبِّ وَبَيْتِ الْمَلِكِ وَأَعْوَادًا وَرَبَابًا وَلَمْ يُرَ مِثْلُهَا قَبْلُ فِي أَرْضِ يَهُوذَا. [11] وَأَعْطَى الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ مَلِكَةَ سَبَا كُلَّ مُشْتَهَاهَا الَّذِي طَلَبَتْ، فَضْلاً عَمَّا أَتَتْ بِهِ إِلَى الْمَلِكِ. فَانْصَرَفَتْ، وَذَهَبَتْ إِلَى أَرْضِهَا هِيَ وَعَبِيدُهَا. [12] 2. عظمة بلاط سليمان وثروته 13 وَكَانَ وَزْنُ الذَّهَبِ الَّذِي جَاءَ سُلَيْمَانَ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، سِتَّ مِئَةٍ وَسِتًّا وَسِتِّينَ وَزْنَةَ ذَهَبٍ، 14 فَضْلًا عَنِ الَّذِي جَاءَ بِهِ التُّجَّارُ وَالْمُسْتَبْضِعُونَ. وَكُلُّ مُلُوكِ الْعَرَبِ وَوُلاَةُ الأَرْضِ كَانُوا يَأْتُونَ بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ إِلَى سُلَيْمَانَ. 15 وَعَمِلَ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ مِئَتَيْ تُرْسٍ مِنْ ذَهَبٍ مُطَرَّق، خَصَّ التُّرْسَ الْوَاحِدَ سِتُّ مِئَةِ شَاقِل مِنَ الذَّهَبِ الْمُطَرَّقِ، 16 وَثَلاَثَ مِئَةِ مِجَنٍّ مِنْ ذَهَبٍ مُطَرَّق، خَصَّ الْمِجَنَّ الْوَاحِدَ ثَلاَثُ مِئَةِ شَاقِل مِنَ الذَّهَبِ. وَجَعَلَهَا الْمَلِكُ فِي بَيْتِ وَعْرِ لُبْنَانَ. 17 وَعَمِلَ الْمَلِكُ كُرْسِيًّا عَظِيمًا مِنْ عَاجٍ وَغَشَّاهُ بِذَهَبٍ خَالِصٍ. 18 وَلِلْكُرْسِيِّ سِتُّ دَرَجَاتٍ. وَلِلْكُرْسِيِّ مَوْطِئٌ مِنْ ذَهَبٍ كُلُّهَا مُتَّصِلَةٌ، وَيَدَانِ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ عَلَى مَكَانِ الْجُلُوسِ، وَأَسَدَانِ وَاقِفَانِ بِجَانِبِ الْيَدَيْنِ. 19 وَاثْنَا عَشَرَ أَسَدًا وَاقِفَةٌ هُنَاكَ عَلَى الدَّرَجَاتِ السِّتِّ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ. لَمْ يُعْمَلْ مِثْلُهُ فِي جَمِيعِ الْمَمَالِكِ. 20 وَجَمِيعُ آنِيَةِ شُرْبِ الْمَلِكِ سُلَيْمَانَ مِنْ ذَهَبٍ، وَجَمِيعُ آنِيَةِ بَيْتِ وَعْرِ لُبْنَانَ مِنْ ذَهَبٍ خَالِصٍ. لَمْ تُحْسَبِ الْفِضَّةُ شَيْئًا فِي أَيَّامِ سُلَيْمَانَ، 21 لأَنَّ سُفُنَ الْمَلِكِ كَانَتْ تَسِيرُ إِلَى تَرْشِيشَ مَعَ عَبِيدِ حُورَامَ، وَكَانَتْ سُفُنُ تَرْشِيشَ تَأْتِي مَرَّةً فِي كُلِّ ثَلاَثِ سِنِينَ حَامِلَةً ذَهَبًا وَفِضَّةً وَعَاجًا وَقُرُودًا وَطَوَاوِيسَ. 22 فَتَعَظَّمَ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ عَلَى كُلِّ مُلُوكِ الأَرْضِ فِي الْغِنَى وَالْحِكْمَةِ. 23 وَكَانَ جَمِيعُ مُلُوكِ الأَرْضِ يَلْتَمِسُونَ وَجْهَ سُلَيْمَانَ لِيَسْمَعُوا حِكْمَتَهُ الَّتِي جَعَلَهَا اللهُ فِي قَلْبِهِ. 24 وَكَانُوا يَأْتُونَ كُلُّ وَاحِدٍ بِهَدِيَّتِهِ، بِآنِيَةِ فِضَّةٍ وَآنِيَةِ ذَهَبٍ وَحُلَل وَسِلاَحٍ وَأَطْيَابٍ وَخَيْل وَبِغَال سَنَةً فَسَنَةً. 25 وَكَانَ لِسُلَيْمَانَ أَرْبَعَةُ آلاَفِ مِذْوَدِ خَيْل وَمَرْكَبَاتٍ، وَاثْنَا عَشَرَ أَلْفَ فَارِسٍ، فَجَعَلَهَا فِي مُدُنِ الْمَرْكَبَاتِ وَمَعَ الْمَلِكِ فِي أُورُشَلِيمَ. 26 وَكَانَ مُتَسَلِّطًا عَلَى جَمِيعِ الْمُلُوكِ مِنَ النَّهْرِ إِلَى أَرْضِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ وَإِلَى تُخُومِ مِصْرَ. 27 وَجَعَلَ الْمَلِكُ الْفِضَّةَ فِي أُورُشَلِيمَ مِثْلَ الْحِجَارَةِ، وَجَعَلَ الأَرْزَ مِثْلَ الْجُمَّيْزِ الَّذِي فِي السَّهْلِ فِي الْكَثْرَةِ. 28 وَكَانَ مُخْرَجُ خَيْلِ سُلَيْمَانَ مِنْ مِصْرَ وَمِنْ جَمِيعِ الأَرَاضِي. إذ كان الله كلي الغِنَى والمجد والقوة والحكمة مع سليمان، سكب مما له على محبوبه. لم يذكر التاريخ ملكًا في غِنَى سليمان ومجده مع حكمته وقدرته على خلق جوٍ من السلام مع الأمم والشعوب في عصره. مع ذلك يقول السيد المسيح إن زنابق الحقل التي تظهر لمدة يوم وتجف أبرع جمالاً مما يرتديه سليمان (مت 6: 29). هذا ولم يُسَجِّل هذا السفر انحرافات سليمان وسقوطه، التي وردت في ملوك الأول. ولعل الكتاب يُقَدِّم لنا درسًا هامًا وهو وإن كان حتى العظماء والحكماء قد يسقطون، وسقوطهم يكون خطيرًا، غير أنه ليس لنا أن نشهر بهم في كل وقتٍ. هذا ومن جانب آخر، ربما قَدَّم سليمان توبة عنها، لذلك صمت السفر عنها، لأنها غُفِرَت له (حز 33: 16). الله في محبته للإنسان، لا يعود يذكر خطايانا مادمنا رجعنا إليه وتركنا طريق الشر. وَكَانَ وَزْنُ الذَّهَبِ الَّذِي جَاءَ سُلَيْمَانَ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، سِتَّ مِئَةٍ وَسِتًّا وَسِتِّينَ وَزْنَةَ ذَهَبٍ [13] هذا الوزن من الذهب يعادل حوالي 25 طنًا من الذهب. ومع هذا يُسَجِّل لنا الحكيم فيما بعد عن خبرته هذه في سفر الجامعة: "باطل الأباطيل، الكل باطل". وجاء في سفر الأمثال: "القليل مع مخافة الرب، خير من كنزٍ عظيمٍ مع همٍّ. أكلة من البقول حيث تكون المحبة، خير من ثورٍ معلوف ومعه بغضة" (أم 15: 16-17). غالبًا ما سمعت منه أمثال هذه الحكمة، وهي تشاهد ما في قصره من غنى ومخازنه من كنوز، فقيل عنها: "لم تبقَ فيها روح بعد" [4]. فَضْلاً عَنِ الَّذِي جَاءَ بِهِ التُّجَّارُ وَالْمُسْتَبْضِعُونَ. وَكُلُّ مُلُوكِ الْعَرَبِ وَوُلاَةُ الأَرْضِ، كَانُوا يَأْتُونَ بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ إِلَى سُلَيْمَانَ. [14] وَعَمِلَ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ مِئَتَيْ تُرْسٍ مِنْ ذَهَبٍ مُطَرَّقٍ، خَصَّ التُّرْسَ الْوَاحِدَ سِتُّ مِئَةِ شَاقِلٍ مِنَ الذَّهَبِ الْمُطَرَّقِ [15] لقد وعد الله سليمان أن يهبه مع الحكمة الغِنَى والمجد (2 أخ 3: 13). الغِنَى في ذاته ليس خطية، فقد كان إبراهيم غنيُّا جدًا، وأعطى كل ثروته لابنه إسحق (تك 24: 34-36). تدبير الثروة ليس خطية، إنما محبة المال هي خطية (1 تي 6: 7-10). لقد كتب سليمان نفسه: "من يحب الفضة لا يشبع من الفضة، ومن يحب الثروة لا يشبع من دخلٍ. هذا أيضًا باطل" (جا 5: 10). وَثَلاَثَ مِئَةِ مِجَنٍّ مِنْ ذَهَبٍ مُطَرَّقٍ، خَصَّ الْمِجَنَّ الْوَاحِدَ ثَلاَثُ مِئَةِ شَاقِلٍ مِنَ الذَّهَبِ. وَجَعَلَهَا الْمَلِكُ فِي بَيْتِ وَعْرِ لُبْنَانَ. [16] وَعَمِلَ الْمَلِكُ كُرْسِيًّا عَظِيمًا مِنْ عَاجٍ وَغَشَّاهُ بِذَهَبٍ خَالِصٍ. [17] وَلِلْكُرْسِيِّ سِتُّ دَرَجَاتٍ. وَلِلْكُرْسِيِّ مَوْطِئٌ مِنْ ذَهَبٍ كُلُّهَا مُتَّصِلَةٌ، وَيَدَانِ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ عَلَى مَكَانِ الْجُلُوسِ، وَأَسَدَانِ وَاقِفَانِ بِجَانِبِ الْيَدَيْنِ. [18] كانت قدما سليمان تُوضعان على ذهب خالص. وقد قيل عن السيد المسيح: "الحق والعدل قاعدة كرسيك" (مز 89: 14، راجع مز 97: 2). وَاثْنَا عَشَرَ أَسَدًا وَاقِفَةٌ هُنَاكَ عَلَى الدَّرَجَاتِ السِّتِّ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ. لَمْ يُعْمَلْ مِثْلُهُ فِي جَمِيعِ الْمَمَالِكِ. [19] كان سليمان يود تأكيد غناه وقوته، فزَيَّن عرشه وبيته بتماثيل أسود، أما السيد المسيح فأعلن عن إمكانياته بأن وهب تلاميذه ومؤمنيه سلطانًا أن يطأوا إبليس وقوات الظلمة، فلا يخشون الأسد الذي يجول ملتمسًا من يبتلعه (1 بط 5: 8). v أتريد أن تكون بتولاً؟... إن كنت تتوق إلى هذا كلّه اِغلبْ الجسد، اهزم شهوات الجسد، اغلب العالم في روح الله، انتصر على الزمنيّات الباطلة التي تعبر وتشيخ وتفسد وتنتهي، اغلب التنّين (رؤ 12: 7)، اغلب الأسد (1 بط 5: 8)، اغلب الحيَّة (2 كو 11: 3)، اِغلب الشيطان، بيسوع الذي يُقَوِّيك، بسماعك كلماته وتمتُّعك بالإفخارستيّا في الله. احمل صليبه واتبعه (مت 26: 24)، ذاك الذي يُطَهِّرك، يسوع المسيح ربك. القديس إكليمنضس الروماني القديس يوحنا الذهبي الفم وَجَمِيعُ آنِيَةِ شُرْبِ الْمَلِكِ سُلَيْمَانَ مِنْ ذَهَبٍ،وَجَمِيعُ آنِيَةِ بَيْتِ وَعْرِ لُبْنَانَ مِنْ ذَهَبٍ خَالِصٍ. لَمْ تُحْسَبِ الْفِضَّةُ شَيْئًا فِي أَيَّامِ سُلَيْمَانَ [20] أبرز سليمان عظمته باستخدامه أوانٍ جميعها من الذهب، أما مسيحنا فتبرز عظمته بأن يُقِيمنا نحن الترابيين سمائيين، إذ يُشِير الذهب إلى السماء. v وُلِدَ في مذود، ليرفعكم إلى المذبح، جاء إلى الأرض، ليرفعكم إلى السماء، لم يجد له موضعًا إلا في مذود البقر، لكي يقدم لكم منازل في السماء (يو 14: 2)، وكما يقول الرسول: "إنه من أجلكم افتقر وهو غنيٌّ، لكي تستغنوا أنتم بفقره" (2 كو 9:8). فميراثي هو فقر المسيح، وقوتي هي ضعف المسيح. القديس أمبروسيوس القديس إكليمنضس الإسكندري لأَنَّ سُفُنَ الْمَلِكِ كَانَتْ تَسِيرُ إِلَى تَرْشِيشَ مَعَ عَبِيدِ حُورَامَ،وَكَانَتْ سُفُنُ تَرْشِيشَ تَأْتِي مَرَّةً فِي كُلِّ ثَلاَثِ سِنِينَ، حَامِلَةً ذَهَبًا وَفِضَّةً وَعَاجًا وَقُرُودًا وَطَوَاوِيسَ. [21] فَتَعَظَّمَ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ عَلَى كُلِّ مُلُوكِ الأَرْضِ فِي الْغِنَى وَالْحِكْمَةِ. [22] تعظَّم سليمان بالغِنَى والمجد والحكمة الأمور التي وهبها الله له. أما نحن فقد صار لنا مسيحنا غِنَى وشبعًا وحكمة! v من يساندنا؟ يسوع المسيح، كلمة الله وحكمة الله. علاوة على هذا يؤازرنا، ليس ليومٍ أو يومين، وإنما أبديًا. العلامة أوريجينوس القديس غريغوريوس النيسي لِيَسْمَعُوا حِكْمَتَهُ الَّتِي جَعَلَهَا الله فِي قَلْبِهِ. [23] كان ملوك الأرض يشتهون الاستماع لسليمان بسبب الحكمة التي وهبه الله إياها، فإن المؤمنين إذ يُقِيمهم الرب ملك الملوك ملوكًا، يلتمسون وجهه ليقتنوه بكونه حكمة الله. وَكَانُوا يَأْتُونَ كُلُّ وَاحِدٍ بِهَدِيَّتِهِ، بِآنِيَةِ فِضَّةٍ وَآنِيَةِ ذَهَبٍ، وَحُلَلٍ وَسِلاَحٍ وَأَطْيَابٍ وَخَيْلٍ وَبِغَالٍ سَنَةً فَسَنَةً. [24] وَكَانَ لِسُلَيْمَانَ أَرْبَعَةُ آلاَفِ مِذْوَدِ خَيْلٍ وَمَرْكَبَاتٍ وَاثْنَا عَشَرَ أَلْفَ فَارِس، فَجَعَلَهَا فِي مُدُنِ الْمَرْكَبَاتِ وَمَعَ الْمَلِكِ فِي أُورُشَلِيمَ. [25] لم ينصت سليمان إلى تحذير الشريعة للملوك: "ولكن لا يكثر له الخيل، ولا يرد الشعب إلى مصر لكي يكثر الخيل" (تث 17: 16). وَكَانَ مُتَسَلِّطًا عَلَى جَمِيعِ الْمُلُوكِ مِنَ النَّهْرِ إِلَى أَرْضِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ، وَإِلَى تُخُومِ مِصْرَ. [26] وَجَعَلَ الْمَلِكُ الْفِضَّةَ فِي أُورُشَلِيمَ مِثْلَ الْحِجَارَةِ، وَجَعَلَ الأَرْزَ مِثْلَ الْجُمَّيْزِ الَّذِي فِي السَّهْلِ فِي الْكَثْرَةِ. [27] وَكَانَ مُخْرَجُ خَيْلِ سُلَيْمَانَ مِنْ مِصْرَ وَمِنْ جَمِيعِ الأَرَاضِي. [28] 3. ختام حكمه وَبَقِيَّةُ أُمُورِ سُلَيْمَانَ الأُولَى وَالأَخِيرَةِ، مَكْتُوبَةٌ فِي أَخْبَارِ نَاثَانَ النَّبِيِّ وَفِي نُبُوَّةِ أَخِيَّا الشِّيلُونِيِّ، وَفِي رُؤَى يَعْدُو الرَّائِي عَلَى يَرُبْعَامَ بْنِ نَبَاطَ. [29] وَمَلَكَ سُلَيْمَانُ فِي أُورُشَلِيمَ عَلَى كُلِّ إِسْرَائِيلَ أَرْبَعِينَ سَنَةً. [30] ثُمَّ اضْطَجَعَ سُلَيْمَانُ مَعَ آبَائِهِ، فَدَفَنُوهُ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ أَبِيهِ. وَمَلَكَ رَحُبْعَامُ ابْنُهُ عِوَضًا عَنْهُ. [31] خَتَمَ السفر الحديث عن سليمان دون أن يذكر سقطاته في محبته للنساء الغريبات وانحرافه لعبادة الأوثان عن طريقهن. وذلك بكون مملكته ترمز لمملكة المسيح التي يلزم أن تكون مُقَدَّسة وبلا خطية، مُشرِقة ببهاء شمس البرِّ. من وحي 2 أي 9 لألتقي بك وأقتنيك يا حكمة الله! v انطلقت ملكة سبأ إلى سليمان، إذ سمعت عنه. وها أنت رب سليمان قد نزلت إليَّ. سمعت ملكة سبأ عن حكمة سليمان، فحملت إليه هدايا! أما أنت فتدعوني لأتحد بك، وأَتمتَّع بشركة مجدك. v اسمح لي أن أكشف لك كل ما في قلبي. بروحك القدوس أجلس عند قدميك. هناك أُنَاجيك يا عريس نفسي. أسمع صوتك، وأتمتع ببهائك. يذوب قلبي حبًا فيك. وأشتهي أن تنجذب كل البشرية إليك. v التقت ملكة سبأ بالعاملين في قصر سليمان. بُهِرَتْ بتدبير قصره، وطَوَّبَت العاملين معه والسامعين له. أما أنت فتفتح لي أبواب سماواتك. أُطَوِّب الأنبياء والرسل والتلاميذ وكل المؤمنين. وأشتهي أن أُسَبِّحك معهم كما مع كل الطغمات السماوية. أرى في الفردوس لصوصًا صاروا قديسين. وأَتلمَّس نعمتك التي أقامت من الترابيين شبه سماويين. أقف في دهشة أمام غنى نعمتك الفائقة! v حَسبت ملكة سبأ كل الذين حولك أسعد من هم على الأرض. وها أنا أرى كنيستك العروس الفريدة. تحمل انعكاس بهائك يا من أنت أبرع جمالاً من بني البشر! بنورك أزلتَ عنها كل ظلمة. وبنعمتك صارت تحمل برَّك. بصليبك صارت الملكة الجالسة عن يمينك! v صار مسكنها معك في السماء. حيث لا يقدر الأسد الذي يشتهي أن يفترسها أن يتسلل إليها! لن يجد العدو فيها شيئًا له! أنت نورها ومجدها وغناها وسعادتها. أنت كل شيءٍ، فلا تعوزها شيء. v هَبْ لي أن ألتصق بك وأقتنيك. لن أتركك، بل تسكن فيَّ وأنا فيك. لك المجد يا قوة الله وحكمة الله. بك أختبر عربون سماواتك. بك يرتفع قلبي وفكري كما إلى السماء. بك أحيا سعيدًا مهما حلَّت متاعب العالم! ترفعني من مجدٍ إلى مجدٍ! الملوك بعد سليمان أخبار الأيام الثاني 10-36 خلفاء سليمان كانت شخصية داود الملك التقي والمتألم هي مركز سفر أخبار الأيام الأول. كانت شهوة قلبه أن يبني بيتًا للرب، لكن هذا الطلب رُفِضَ، لأنه كان رجل حروب، حتى وإن كانت لحساب مجد الله. نال داود وعدًا أن يُحَقِّقَ ابنه سليمان شهوة قلبه، وجاءت الأصحاحات التسعة الأولى من هذا السفر تبرز اهتمامه ببناء الهيكل، وكأن رسالته الوحيدة هي تحقيق هذا العمل، خاصة وأنه ظهر كملك السلام. الآن، جاءت تكملة السفر عن خلفاء سليمان كملوكٍ ليهوذا حتى سقطت المملكة تحت السبي البابلي، وتَحَقَّقَ الوعد الإلهي بالرجوع في السنة السبعين من السبي. يكاد يتخصص السفر في مملكة يهوذا متجاهلاً إلى حدٍ كبيرٍ مملكة إسرائيل المنشقة والمقاومة لبيت داود. يلاحظ في تاريخ هذه الحقبة الآتي: 1. مع اهتمام السفر بحذف أخطاء سليمان تمامًا، ليبرز أن ملك السلام الحقيقي الذي يبني بيت الله هو ابن داود ملك السلام الذي بلا خطية، والذي قيل عنه: "أنا أكون له أبًا، وهو يكون لي ابنًا (2 صم 7: 14)، "أنت ابني وأنا اليوم ولدتك" (مز 2: 7). هده الأقوال لا يمكن أن تنطبق على داود أو سليمان، إنما على حكمة الله المتجسد، ابن الله الوحيد، مُخَلِّص العالم، الذي هو من ذرية داود حسب الجسد. لهذا جاء الوعد الإلهي أن يعطيه وبنيه سراجًا كل الأيام (2 أي 21: 7). لقد بقي هذا السراج في البيت الملكي، أحيانًا خافتًا جدًا حتى ظهور الابن الموعود به في وسط الظلمة الحالكة، لكي يُشرِقَ بنوره على الجالسين في الظلمة. لقد بذل عدو الخير كل الجهد لكي يطفئ هذا السراج قبل مجيء ابن داود، لكن نعمة الله كانت تعمل عبر الأجيال، حتى يأتي ذاك الذي يُحَطِّم مملكة إبليس، ويُحَرِّر البشرية من أسره خلال الصليب. 2. خلال هذه الفترة، ظَنَّ عدو الخير أنه قادر أن يطفئ السراج تمامًا خلال الملوك الأشرار مثل يورام وأخزيا وآحاز وغيرهم. لقد جاء وقت كما في أيام أخزيا لم يبقَ من نسل داود سوى طفل صغير نجا من مذبحة الجنس الملكي. لم يكن ممكنًا للشيطان بكل عنفه وقسوته وخداعه أن يقف ضد نعمة الله العاملة لحساب خلاص البشرية. وكما يقول النبي: "من هو إله مثلك، غافر الإثم، وصافح عن الذنب لبقية ميراثه؟ لا يحفظ إلى الأبد غضبه. فإنه يسر بالرأفة. يعود ويرحمنا، يدوس آثامنا، وتُطرَح في أعماق البحر جميع خطاياهم" (مي 7: 18-19). 3. بعد الرجوع من السبي، صار الخط الخاص ببيت داود مستمرًا، لكن لم يعد بينهم ملوك، وتدريجيًا فقد امتيازاته الزمنية وإمكانياته المادية، حتى جاءت الصبية التقية والمخطوبة لنجارٍ فقيرٍ ليولد منها ملك الملوك، المسيا مُخَلِّص العالم ، ملك البرّ. بصليب ابن داود وقيامته وصعوده إلى السماء، ملك على قلوب المؤمنين من اليهود والأمم دون محاباة، وها هو يُعِّد المكان للعروس الملكة التي تجلس عن يمينه إلى الأبد. انقسام المملكة يُعتبَر الأصحاح العاشر الخط الفاصل بين حكم داود وسليمان من جانب، حيث كانت الأسباط في وحدة باسم بني إسرائيل وبين انقسام المملكة إلى مملكتين، مملكة يهوذا تضم سبطي يهوذا وبنيامين، بينما مملكة إسرائيل المنشقة تضم العشرة أسباط الأخرى. وهنا نلاحظ الآتي: 1. أن سبط بنيامين الذي ينتسب إليه شاول الملك المرفوض والمقاوم لداود صار السبط الوحيد المُتَّحد مع يهوذا. هذا من فضل نعمة الله الذي حَوَّل العداوة التي أثارها شاول ضد داود إلى صداقة بين السبطين أو هو مكافأة لداود بعد نياحته، فقد رَدَّ له محبته العجيبة لشاول المملوء كراهية له وذلك في أحفاد أحفاده. 2. ما يشغل هذا السفر هو سبط يهوذا بكونه السبط المُمَثِّل لشعب الله، والذي منه يأتي ملك السلام والبرّ متجسّدًا. أما الحديث عن مملكة إسرائيل، فلا تُذكَر إلا فيما يخص علاقتها بيهوذا. 3. شملت مملكة الشمال تسع أُسَر حاكمة، وقد انتشر الاغتيال بينها بهدف اغتصاب الحكم، وقد دامت لمدة 250 عامًا. أما مملكة الجنوب فدامت لمدة 350 عامًا، وتمسكت بالأسرة المالكة التي هي بيت داود حيث وعد الله داود أن تثبت المملكة التي يحكمها نسله إلى الأبد، إن حفظوا وصاياه. وقد جاء السيد المسيح مولودًا من نسل داود حسب الجسد، وهو ملك الملوك الذي يملك إلى الأبد. مع كل الأخطاء التي ارتكبها بعض الملوك الذين جاءوا من بيت داود، إلا أنه وُجِدَ بينهم ملوك اهتموا بالعبادة لله الحيّ. 4. سجَّلت لنا الأصحاحات 10-36 ملوك يهوذا. تسعة ملوك منهم كانوا صالحين، وعشرة ملوك كانوا أشرارًا. منسّى الذي ملك 55 سنة، بدأ كأشر ملك في تاريخ يهوذا، وختم حياته كأحد الملوك الصالحين، برجوعه إلى الله. رحبعام رفض مشورة الشيوخ الصالحين، وقَبِلَ مشورة أصدقائه الأشرار، فانقسمت في أيامه المملكة، وفقد عشرة أسباط. لقد بذل كل جهده لتقوية مملكته، وصارت قوية، لكنه عاد فعصى وصايا الله وناموسه (أصحاح 12). سدّ أذنيه عن مشورة الصالحين، والآن سدّ أذنيه عن الاستماع لله نفسه. الملك الشرير الثاني يهورام، تسلل الحسد إلى قلبه، فقتل إخوته بالسيف مع بعض رؤساء إسرائيل. تَمثَّل بالأمم، فعبد في المرتفعات، بدأ بعبادة الرب، لكن سرعان ما تسلَّلت عبادة الأوثان في يهوذا. ثمرة هذا الانحراف غزو الفلسطينيين لهم. الملك الشرير الثالث آحاز (2 أي 28)، تزايد في الشر، فقدم الملك أبناءه مُحرَقات في وادي بن هنّوم مثل الأمم. لذلك سمح الله للأراميين أن ينتصروا عليه، ويسبوا الكثيرين من شعبه. أرسل الله ملوكًا صالحين لتصحيح ما أفسده الأشرار. أساسات الإصلاح 1. الرجوع إلى الله وتجديد العهد معه، على مستوى الملك والقادة والشعب. 2. الإصرار على إطاعة الوصية (2 أخ 15: 12-15). 3. الاهتمام بخدمة التعليم (يهوشافاط 17: 7-9). 4. ردّ حقوق الله (يوآش 24: 4-5). 5. تطهير الهيكل (يوشيا 34: 14). 6. العودة إلى الاستماع لكلمة الله (2 أخ 34: 29-31). أنبياء هذا العصر نظرًا لمقاومة عدو الخير بيت داود بعنفٍ، حتى لا يخرج منه من يملك إلى الأبد، وبسبب عدم أمانة الكثير من الملوك أنفسهم الذين من بيت داود، فقد اتَّسم ذلك منذ انقسام المملكة حتى السبي البابلي والعودة منه بظهور الكثير من الأنبياء. هؤلاء يؤكدون خطة الله للخلاص ومجيء ملك البرّ ابن داود، ويفتحون أبواب الرجاء. وفي نفس الوقت يحذرون الملوك والكهنة والشعب من التمادي في العصيان والاستهتار بالوصية الإلهية. كما أعلنوا عن تأديبات الله التي ستحل بهم، من بين هؤلاء الأنبياء، ورد الآتي: 1. ناثان النبي (2 أخ 9: 29). 2. أخيا الشيلوني (2 أخ 9: 29؛ 10: 15). 3. عدّو الرائي (2 أخ 9: 29؛ 12: 15؛ 13: 22). 4. شمعيا رجل الله (2 أخ 11: 2؛ 12: 5، 15). 5. عزريا بن عوديد (2 أخ 15: 1). 6. عوديد (2 أخ 15: 8). 7. حناني الرائي (2 أخ 16: 7). 8. ميخا (ميخايا) بن يملة (2 أخ 18: 7). 9. ياهو بن حناني الرائي (2 أخ 19: 2؛ 20: 34). 10. يحزئيل بن زكريا (2 أخ 20: 14). 11. أليعازر بن دوداهو (2 أخ 20: 37). 12. إيليا النبي (2 أخ 21: 12). 13. بعض أنبياء وزكريا بن يهوياداع (2 أخ 24: 19-20). 14. رجل الله (2 أخ 25: 7). 15. نبي (2 أخ 25: 15). 16. زكريا الرائي (2 أخ 26: 56). 17. إشعياء بن آموص (2 أخ 26: 22؛ 32: 32). 18. ميخا المورشتي (إر 26: 18). 19. بعض الرائين (الأنبياء) (2 أخ 33: 18-19؛ 2 مل 21: 10). 20. خلدة النبية (2 أخ 34: 22). 21. إرميا (2 أخ 35: 25؛ 36: 12، 21). 22. رسل وأنبياء (2 أخ 36: 15-16)؛ أوريا بن شمعي (إر 26: 20). لقد عَبَّرَ السيد المسيح عن مدى مقاومة القيادات والشعب للأنبياء، بقوله: "ولما قرب وقت الأثمار أرسل عبيده إلى الكرَّامين ليأخذ أثماره، فأخذ الكرامون عبيده، وجلدوا بعضًا، وقتلوا بعضًا، ورجموا بعضًا. ثم أرسل أيضًا عبيدًا آخرين أكثر من الأول، ففعلوا بهم كذلك" (مت 21: 34-36). انشقاق في عصر رحبعام تجاهل أخبار الأيام أخطاء داود وسليمان، ليس للتغطية عليهما، إنما ليُقَدِّم الملكين بكونهما رمزين للمسيّا الملك الذي بلا خطية وحده. الآن يتحدث عما حدث من انقسام في أيام رحبعام للشعب (2 أي 10: 15). سُجِّلَت الظروف التي دفعت إلى انقسام المملكة في (1 مل 2: 1-24)، بنفس الطريقة التي وردت هنا، غير أن سفر الملوك اهتم بتسجيل أصول مملكة إسرائيل، أما سفر الأخبار فاهتم بأصول مملكة يهوذا. يروي الكتاب المقدس عن سليمان أنه أكثر ملوك إسرائيل حكمةً، لكن للأسف كان ابنه رحبعام غير حكيم، يسلك حسب مشورة الأشرار بروح العنف والقسوة، ولم يقبل مشورة الشيوخ أصحاب الخبرة. أحد المبادئ الرئيسية التي رَكَّز عليها سفر الأمثال لسليمان الحكيم هو عدم تجاهل مشورة أصحاب الخبرة والجري وراء اندفاعات الشبان الذين بلا خبرة. 1. جهالة رحبعام وَذَهَبَ رَحُبْعَامُ إِلَى شَكِيمَ، لأَنَّهُ جَاءَ إِلَى شَكِيمَ كُلُّ إِسْرَائِيلَ لِيُمَلِّكُوهُ. [1] رحبعام هو الابن الوحيد لسليمان الذي سَجَّل عنه التاريخ، وقد وُلِدَ لسليمان من نُعمة العمونية (1 مل 14: 31)، يُحتمَل أن تكون ابنة حانون ملك عمون. "رحبعام" معناها "سعة الشعب"، دُعِي هكذا تذكارًا لاستكمال اكتساب أرض الموعد التي لم يتم امتلاكها إلا في أواخر أيام داود (خر 34: 24). ذُكِرَ عنه أنه بسبب عدم حكمته انقسمت المملكة. يرى البعض أن سليمان تكلم عن نفسه، حين قال: "من ولد جاهلاً فلحزنه، ولا يفرح أبو الأحمق" (أم 17: 21). فقد تمرَّرت نفسه في أواخر أيامه حين أدرك أنه سيترك مملكته لابنه العديم الفهم. عَبَّر عن ذلك بقوله: "فكرهتُ كل تعبي الذي تعبت فيه تحت الشمس، حيث أتركه للإنسان الذي بعدي. ومن يعلم، هل يكون حكيمًا أو جاهلاً، ويستولي على تعبي الذي تعبت فيه، وأظهرت فيه حكمتي تحت الشمس؟ هذا أيضًا باطل... لأنه قد يكون إنسان تعبه بالحكمة والمعرفة وبالفلاح، فيتركه نصيبًا لإنسانٍ لم يتعب فيه. هذا أيضًا باطل وشر عظيم" (جا 2: 18-19، 21). لا يعلم الحكيم ماذا يفعل ورثته بما تعب فيه واقتناه، أما من يرتبط بالحكمة السماوية في حياته وسلوكه، فيورثهم البركة التي لا تضيع. ماذا ورَّث زكريا الكاهن واليصابات القدِّيس يوحنا المعمدان؟ صلواتهما الدائمة المقدسة وبرّهما في الرب. فكانت حياتهما سندًا له في البرية وهو محروم من رعايتهما المنظورة! 1. مع حكمة سليمان وإمكانياته ونيّته الصادقة، انحرف بزواجه بالوثنيات، وكان من ثمرة هذا أيضًا أن ابنه لم يسلك بفكر أبيه. 2. أخطأ سليمان في مبالغته في الإنشاءات، وفي الإنفاق على نسائه، فأثقل على شعبه من جهة الضرائب، وكان هذا عاملاً أساسيًا في انقسام المملكة. 3. يرى البعض في هؤلاء المتذمّرين أنهم نسوا ما فعله سليمان، حيث عاشت المملكة أربعين عامًا في سلامٍ ورخاء بلا حروب، وقد اتَّسم عصره بالرخاء للجميع. 4. هنا الخطأ مُشترَك، فالشعب تذمَّر ونسيَ بركات عصر سليمان، ومن جانب آخر رحبعام لبس تاج أبيه ولم يتمتع بعقله وحكمته. ولا تمتَّع بروح الرعاية الصادقة التي لجده داود. لم ينصت رحبعام لحكمة أيوب وتواضعه، إذ قال إنه لم يكن يرفض حق عبده وأمَته في دعواهما لديه (أي 31: 13). كان الشعب في حاجة إلى كلمات لطيفة من رحبعام، فيكونون له عبيدًا كل الأيام بكل سرورٍ [7]. فالكلمات الطيّبة لا تكلفنا إلا القليل من إنكار الذات، بها نقتني بركات لا حصر لها. شكيم اجتمع كل إسرائيل في شكيم ليُمَّلكوا رحبعام بن سليمان عليهم. تقع شكيم على بُعْدِ حوالي 40 ميلاً شمال أورشليم، وهي مركز لائق لاجتماع هام كهذا، فهي تقع في منطقة منسّى، وهذا أمر يبهج الشعب القاطن في الشمال. في شكيم توجد مقبرة يوسف (يش 24: 34). كان إبراهيم أب كل اليهود في شكيم (تك 12: 6)، وأيضًا يعقوب (تك 33: 18). وقام يشوع مع جميع أسباط إسرائيل بتجديد العهد مع الله في شكيم (يش 24). فاختيار شكيم كان يحمل إمكانية غرس روح الوحدة بين الشمال والجنوب، لكن للأسف تصرُّف رحبعام سبَّب انشقاقًا خطيرًا وتقسيم المملكة. حسن أن تم الاجتماع في شكيم، لكن للأسف لم نسمع عن تجديد العهد مع الله كما حدث عندما صار شاول ملكًا وأيضًا داود (2 صم 2: 4) وسليمان (1 مل 1: 28 الخ). إن صحّ لنا القول إن رحبعام عندما تسلَّم المملكة لم يكن الله أولاً في قلبه، ولم يشعر أنه تَسَلَّم هذا العمل من يديه. 2. تطرّف المنقسمين 2 وَلَمَّا سَمِعَ يَرُبْعَامُ بْنُ نَبَاطَ، وَهُوَ فِي مِصْرَ حَيْثُ هَرَبَ مِنْ وَجْهِ سُلَيْمَانَ الْمَلِكِ، رَجَعَ يَرُبْعَامُ مِنْ مِصْرَ. 3 فَأَرْسَلُوا وَدَعَوْهُ، فَأَتَى يَرُبْعَامُ وَكُلُّ إِسْرَائِيلَ وَكَلَّمُوا رَحُبْعَامَ قَائِلِينَ: 4 «إِنَّ أَبَاكَ قَسَّى نِيرَنَا، فَالآنَ خَفِّفْ مِنْ عُبُودِيَّةِ أَبِيكَ الْقَاسِيَةِ وَمِنْ نِيرِهِ الثَّقِيلِ الَّذِي جَعَلَهُ عَلَيْنَا فَنَخْدِمَكَ». 5 فَقَالَ لَهُمُ: «ارْجِعُوا إِلَيَّ بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ». فَذَهَبَ الشَّعْبُ. 6 فَاسْتَشَارَ الْمَلِكُ رَحُبْعَامُ الشُّيُوخَ الَّذِينَ كَانُوا يَقِفُونَ أَمَامَ سُلَيْمَانَ أَبِيهِ وَهُوَ حَيٌّ قَائِلًا: «كَيْفَ تُشِيرُونَ أَنْ أَرُدَّ جَوَابًا عَلَى هذَا الشَّعْبِ؟» 7 فَكَلَّمُوهُ قَائِلِينَ: «إِنْ كُنْتَ صَالِحًا نَحْوَ هذَا الشَّعْبِ وَأَرْضَيْتَهُمْ وَكَلَّمْتَهُمْ كَلاَمًا حَسَنًا، يَكُونُونَ لَكَ عَبِيدًا كُلَّ الأَيَّامِ». 8 فَتَرَكَ مَشُورَةَ الشُّيُوخِ الَّتِي أَشَارُوا بِهَا عَلَيْهِ، وَاسْتَشَارَ الأَحْدَاثَ الَّذِينَ نَشَأُوا مَعَهُ وَوَقَفُوا أَمَامَهُ، 9 وَقَالَ لَهُمْ: «بِمَاذَا تُشِيرُونَ أَنْتُمْ فَنَرُدَّ جَوَابًا عَلَى هذَا الشَّعْبِ الَّذِينَ كَلَّمُونِي قَائِلِينَ: خَفِّفْ مِنَ النِّيرِ الَّذِي جَعَلَهُ عَلَيْنَا أَبُوكَ؟» 10 فَكَلَّمَهُ الأَحْدَاثُ الَّذِينَ نَشَأُوا مَعَهُ قَائِلِينَ: «هكَذَا تَقُولُ لِلشَّعْبِ الَّذِينَ كَلَّمُوكَ قَائِلِينَ: إِنَّ أَبَاكَ ثَقَّلَ نِيرَنَا وَأَمَّا أَنْتَ فَخَفِّفْ عَنَّا، هكَذَا تَقُولُ لَهُمْ: إِنَّ خِنْصَرِي أَغْلَظُ مِنْ مَتْنَيْ أَبِي. 11 وَالآنَ أَبِي حَمَّلَكُمْ نِيرًا ثَقِيلًا وَأَنَا أَزِيدُ عَلَى نِيرِكُمْ. أَبِي أَدَّبَكُمْ بِالسِّيَاطِ وَأَمَّا أَنَا فَبِالْعَقَارِبِ». 12 فَجَاءَ يَرُبْعَامُ وَجَمِيعُ الشَّعْبِ إِلَى رَحُبْعَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ كَمَا تَكَلَّمَ الْمَلِكُ قَائِلًا: «ارْجِعُوا إِلَيَّ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ». 13 فَأَجَابَهُمُ الْمَلِكُ بِقَسَاوَةٍ، وَتَرَكَ الْمَلِكُ رَحُبْعَامُ مَشُورَةَ الشُّيُوخِ، 14 وَكَلَّمَهُمْ حَسَبَ مَشُورَةِ الأَحْدَاثِ قَائِلًا: «أَبِي ثَقَّلَ نِيرَكُمْ وَأَنَا أَزِيدُ عَلَيْهِ. أَبِي أَدَّبَكُمْ بِالسِّيَاطِ وَأَمَّا أَنَا فَبِالْعَقَارِبِ». 15 وَلَمْ يَسْمَعِ الْمَلِكُ لِلشَّعْبِ، لأَنَّ السَّبَبَ كَانَ مِنْ قِبَلِ اللهِ، لِكَيْ يُقِيمَ الرَّبُّ كَلاَمَهُ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ عَنْ يَدِ أَخِيَّا الشِّيلُونِيِّ إِلَى يَرُبْعَامَ بْنِ نَبَاطَ. وَلَمَّا سَمِعَ يَرُبْعَامُ بْنُ نَبَاطَ، (وَهُوَ فِي مِصْرَ حَيْثُ هَرَبَ مِنْ وَجْهِ سُلَيْمَانَ الْمَلِكِ) رَجَعَ يَرُبْعَامُ مِنْ مِصْرَ. [2] فَأَرْسَلُوا وَدَعُوهُ، فَأَتَى يَرُبْعَامُ وَكُلُّ إِسْرَائِيلَ وَكلموا ِرَحُبْعَامَ، قَائلين: [3] إِنَّ أَبَاكَ قَسَّى نِيرَنَا، فَالآنَ خَفِّفْ مِنْ عُبُودِيَّةِ أَبِيكَ الْقَاسِيَةِ، وَمِنْ نِيرِهِ الثَّقِيلِ الَّذِي جَعَلَهُ عَلَيْنَا فَنَخْدِمَكَ. [4] كان الشعب يئن من نير سليمان الثقيل، إذ لم يحمل روح أبيه داود الذي كان بالحق يحب شعبه، ويبذل نفسه من أجل خدمتهم. أما سليمان فلم يخدم شعبه، إنما ما كان يشغله تحقيق مشروعاته واشتياقاته التي بالغ فيها. أما رحبعام فلم يكن يشغله الإنصات إلى أنين الشعب. كان رحبعام لا يدرك مفهوم القيادة، إذ لم يكن راعيًا صالحًا كجده داود. قَسَّم سليمان الدولة من جهة مسئوليات العمل إلى اثنتي عشرة منطقة (1 مل 4: 7-19)، ويبدو أنه استثنى سبط يهوذا، تبع هذا أنه حين جنَّد مسئولين للعمل أعفى يهوذا من العمل (1 مل 5: 13-18). هذا ما سبق أن أشار إليه صموئيل النبي مُقَدَّمًا حين طلب الشعب إقامة ملكٍ عليهم كسائر الأمم. لقد حذَّرهم، قائلاً: "هذا يكون قضاء الملك الذي يملك عليكم: يأخذ بنيكم ويجعلهم لنفسه لمراكبه وفرسانه... ويجعل لنفسه رؤساء ألوف ورؤساء خماسين، فيحرثون حراثته ويحصدون حصاده... وأنتم تكونون له عبيدًا" (1 صم 8: 11-18). v توجد بالحقيقة أمور أخرى كثيرة قادرة أن تهبنا دالة لدى الله، وتظهرنا بهيين ومُزكِّين، وأما أكثر الكل مما يجلب إرادة صالحة من الأعالي، فهو الاهتمام بقريبنا في حنوٍ، الأمر الذي طلبه المسيح من بطرس. القديس يوحنا الذهبي الفم vكم من تذمُّرات وجَّهها الشعب ضد موسى، ومع ذلك احتملها! وعندما أراد الرب أن ينتقم له منهم، فضَّل أن يُقَدِّمَ نفسه للموت لكي ينقذهم من الغضب الإلهي (خر 32: 32). بأي حُنُو كان يتكلَّم موسى مع الشعب، حتى بعدما أخطأوا في حقِّه! لقد أراحهم بأعماله، وعزَّاهم بنبوُّته عن المستقبل وشجَّعهم. مع أنه كان يتحدَّث مع الله كثيرًا، لكنَّه متى تحدَّث مع الشعب، كان يتكلَّم برقَّة وسرور. vلقد تأهَّل موسى أن يصير فوق كل الناس، حتى لم يقدروا أن ينظروا وجهه (خر 34: 30). وقد أسرهم، حتى أحبُّوه بسبب حنوُّه أكثر من إعجابهم بالمعجزات التي تمَّت على يديه. vداود أيضًا اقتفى آثار موسى، فإذ اختير ليحكم الشعب، كان رقيقًا وعطوفًا، منسحق الروح، مثابرًا، مستعدًا لإظهار المودَّة. فقبل أن يجلس على العرش، قدَّم نفسه للهلاك من أجل الكل (1 صم 17: 22)، وإذ صار ملكًا ساوى نفسه بالكل في الحرب، مساهمًا معهم في العمل. كان مشجِّعًا في المعارك، لطيفًا في الحكم (بين الشعب)، صبورًا على احتمال الشتائم، مستعدًا أن يحتمل الآخرين عن أن يرد الخطأ بخطأ. لهذا كان عزيزًا لدى الجميع... أحب الشجعان حتى الذين هم أعداؤه، مُفكِّرًا بأن العدالة تقتضي تكريم من احتملوا الكثير في الحرب، كما لو كانوا رجال جيشه. أُعجِبَ بأبنِير، القائد الشجاع مع أنه كان أحد خصومه، لذلك لم يحتقره عندما سأله السلام بل كرَّمه، صانعًا له وليمة خاصة (1 مل 2: 5). وعندما قُتِلَ في خيانةٍ حزن داود عليه ورثاه... إنه ليس بالأمر الهيِّن أن يُظهر ملك تواضعًا في أعماله، حاسبًا نفسه كأقل أفراد شعبه، رافضًا أن يأكل أو يشرب ماءً خاطَرَ آخرون بحياتهم وأحضروه. داود هذا، طلب أن يصب الله غضبه عليه بدلاً من أن يُصبَّ على الشعب، مقدِّمًا ذاته للملاك المهلك، قائلاً: "ها أنا أخطأت وأنا أذنبت، وأما هؤلاء الخراف فماذا فعلوا. فلتكن يدك عليَّ وعلى بيت أبي" (2 صم 24: 17). القديس أمبروسيوس الراعي بالاسم لا يحب قريبه كنفسه، فيتهاون به حتى يأخذه اللص أو يخطفه الذئب. القديس يوحنا الدرجي فَذَهَبَ الشَّعْبُ. [5] حسن أن يعطي رحبعام لنفسه مهلة للإجابة دون تَسَرُّع، وحسن أنه استشار الشيوخ الحكماء، لكنه أخطأ لأنه لم يطلب مشورة الرب، ولم يرفع قلبه إليه بالصلاة وتقديم ذبائح. فَاسْتَشَارَ الْمَلِكُ رَحُبْعَامُ الشُّيُوخَ الَّذِينَ كَانُوا يَقِفُونَ أَمَامَ سُلَيْمَانَ أَبِيهِ، وَهُوَ حَيٌّ، قَائِلاً: كَيْفَ تُشِيرُونَ أَنْ أَرُدَّ جَوَابًا عَلَى هَذَا الشَّعْبِ؟ [6] فَكلموه قَائلين: إِنْ كُنْتَ صَالِحًا نَحْوَ هَذَا الشَّعْبِ وَأَرْضَيْتَهُمْ، وَكَلَّمْتَهُمْ كَلاَمًا حَسَنًا يَكُونُونَ لَكَ عَبِيدًا كُلَّ الأَيَّامِ. [7] كان الشيوخ يَعْلَمون تمامًا أن الشعب لم يكن مُتمرِّدًا على الملك، إنهم مستعدون أن يخدموه بطيب قلبٍ، إن كان صالحًا يحمل في قلبه روح الرعاية الصادقة. ما كان يشغل قلب القادة الصالحين هو أنهم يخدمون الله نفسه بخدمتهم وبذلهم من أجل شعبهم. كانوا يحسبون أنفسهم خُدَّامًا لا أصحاب سلطان. لقد جاء كلمة الله نفسه متجسدًا، لا ليُخدَم بل ليَخدِمَ ويبذل نفسه لأجل الكثيرين (لو 22: 24-27؛ في 2: 1-13). دَرَّب تلاميذه على العمل القيادي خلال الخدمة وغسل أرجل المخدومين (يو 13: 1-17)، وقد طلب منَّا: "من أراد أن يكون فيكم عظيمًا، فليكن لكم خادمًا، ومن أراد أن يكون فيكم أولاً، فليكن لكم عبدًا" (مت 20: 26-27). v ليت ذلك الذي هو رئيس لا ينتفخ بسبب عمله، لئلا يهوي من طوباوية التواضع، وإنما يليق به أن يعرف التواضع الحقيقي كخدمة للكثيرين... ليت الأعظم يكون كالأصغر. v يليق بالذين يحتلون المراكز الرئيسية أن يكونوا مستعدين أن يُقَدِّموا حتى الخدمة الجسدية على مثال الرب الذي غسل أقدام تلاميذه. لذا قيل "(ليكن) المُتقدِّم كالخادم". القديس باسيليوس الكبير v التواضع وِشَاح الإلوهة، لأن الكلمة المتجسد تسربله، وكَلَّمنا عنه من خلال أجسادنا، فكل من يلبسه يتشبَّه حقًا بذاك الذي انحدر من علوه، وغَطَّى فضيلة عظمته بالتواضع، وستر مجده به كي لا تلتهب الخليقة بمنظره. v لا يبغض أحد المتواضع، ولا يوبخه ولا يحتقره، لأن سيده يُحِبهُّ. يحب الجميع، والجميع يحبونه ويشتهونه في كل مكان، وحيثما وُجِدَ ينظرون إليه كملاكٍ نوراني، ويُقَدِّمون له الإكرام. v التواضع قوة خفية يحصل عليها القديسون الكاملون بعد تمام سيرتهم، ولا تعطي النعمة هذه القوة إلا للكاملين في الفضيلة. مار إسحق السرياني وَاسْتَشَارَ الأَحْدَاثَ الَّذِينَ نَشَأُوا مَعَهُ، وَوَقَفُوا أَمَامَهُ [8] تَرْكُه مشورة الشيوخ واستشارته للأحداث لم يكن للتعرُّف على مشورة أخرى، فيقارن بين المشورتين، إنما رفض مشورة الشيوخ لأنها ليست حسب هواه. فإنه لا يريد أن يخدم، بل أن يَتسلَّط. يليق بالخادم أن يسمع للشيوخ كما للشباب، إذ يتطلع إلى المجتمع كله بشيوخه وأطفاله وشبابه ونسائه كأسرة واحدة تتفاعل معًا بروح الحُبِّ والوحدة في تواضعٍ أمام الرب. يُحَدِّثنا آباء الكنيسة عن حاجة الشباب إلى الشيوخ، كما الشيوخ إلى الشباب. يقول الرسول: "كونوا جميعًا خاضعين بعضكم لبعض، وتسربلوا بالتواضع، لأن الله يقاوم المستكبرين، وأما المتواضعون فيعطيهم نعمة" (1 بط 5:5). بدأ أليشع الشاب يعمل مع إيليا الشيخ. يُعجَب القديس أمبروسيوس بالعمل المُشترَك بين الخدام الشيوخ والشبان، فلكل منهم دوره المكمِّل للآخر. v ما أجمل الوِحْدة بين الشيخ والشاب. واحد يشهد، والآخر يعطي راحة. واحد يقود، والآخر يعطي سرورًا... ماذا عن إيليَّا وأليشع؟ مع أن الكتاب المقدس لم يتكلَّم كثيرًا عن أليشع أنَّه كان شابًا، إلا أنه يمكن أن نفهم أنَّه كان الأصغر. في أعمال الرسل أخذ برنابا مرقس معه، وبولس سيلا (أع 15: 39-40) وتيموثاوس (أع 16: 3) وتيطس (تي 1: 5). نرى أيضًا تقسيم الواجبات بينهم. فالشيوخ يقودون، مُقدِّمين المشورة، والشبَّان يظهرون حيويَّة عملٍ. غالبًا كلهم متشابهون في الفضيلة، ولكنَّهم ليسوا في السنوات. يبتهجون في وحدتهم، كما كان بطرس ويوحنا. نقرأ في الإنجيل أن يوحنا كان شابًا، بشهادة كلماته نفسها، ومع هذا لم ينقص عن الشيوخ في الاستحقاقات والحكمة. يحمل سمات ناضجة وقورة وتعقُّلاً في ذهنه. القديس أمبروسيوس وَسَأَلَهُمْ: بِمَاذَا تُشِيرُونَ أَنْتُمْ،فَنَرُدَّ جَوَابًا عَلَى هَذَا الشَّعْبِ، الَّذِينَ كَلَّمُونِي، قَائِلِينَ: خَفِّفْ مِنَ النِّيرِ الَّذِي جَعَلَهُ عَلَيْنَا أَبُوكَ؟ [9] فَكلمه الأَحْدَاثُ الَّذِينَ نَشَأُوا مَعَهُ، قائلين: هَكَذَا تَقُولُ لِلشَّعْبِ الَّذِينَ كلموك قَائلين إِنَّ أَبَاكَ ثَقَّلَ نِيرَنَا، وَأَمَّا أَنْتَ فَخَفِّفْ عَنَّا، هكذا تقول لهم: إِنَّ خِنْصَرِي أَغْلَظُ مِنْ متني أَبِي. [10] لم يُنصِتْ رحبعام إلى كلمات أبيه الحكيم في الرب: "الجواب الليّن يصرف الغضب، والكلام الموجع يُهَيِّج السخط. لسان الحكماء يُحسن المعرفة، وفم الجُهَّال ينبع حماقة" (جا 15: 1-2). لم يُدرِكْ رحبعام خطورة اللسان، إذ قيل: "يوجد من يهذر مثل طعن السيف، أما لسان الحكماء فشفاء" (جا 12: 18). وَالآنَ أَبِي حَمَّلَكُمْ نِيرًا ثَقِيلاً، وَأَنَا أَزِيدُ عَلَى نِيرِكُمْ. أَبِي أَدَّبَكُمْ بِالسِّيَاطِ، وَأَمَّا أَنَا فَبِالْعَقَارِبِ. [11] جاءت كلماته عنيفة ولهجته قاسية، فعوض أن يُخَفِّفَ النير الذي وضعه أبوه على الشعب، ولو بكلمة رقيقة، أَكَّد لهم أنه سيزيده ثِقلاً، حتى يجعله لا يُحتمَل. ظن أنه بهذا يمارس حقه كملكٍ صاحب سلطان، غير مُبالٍ بمصلحة الشعب ومشاعرهم. لقد أخذ قرارًا خطيرًا يُحَطِّم وحدة المملكة، ويُحَطِّم شخصية رحبعام نفسه! ما قد بناه داود الملك البار، يُحَطِّمه حفيده رحبعام في الجيل الثالث لداود. أخطأ رحبعام أنه لم يستشر الله، إذ لم تكن له علاقة شخصية معه. العقارب: هي سياط تنتهي أطرافها بمادة حديدية مُدَبَّبة، وضربتها تُشبِه لدغة العقارب. فَجَاءَ يَرُبْعَامُ وَجَمِيعُ الشَّعْبِ إِلَى رَحُبْعَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ كَمَا تكلم الْمَلِكُ، قائلاً: ارْجِعُوا إِلَيَّ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ. [12] فَأَجَابَهُمُ الْمَلِكُ بِقَسَاوَةٍ، وَتَرَكَ الْمَلِكُ رَحُبْعَامُ مَشُورَةَ الشُّيُوخِ [13] يليق بالقائد ألا يُواجِه هياج المرؤوسين بالعنف، لئلا يضيف إلى النار زيتًا، بل يمسك بعجلة القيادة بهدوءٍ وثباتٍ خلال العاصفة حتى تعبر بسلامٍ. وَكَلَّمَهُمْ حَسَبَ مَشُورَةِ الأَحْدَاثِ، قَائِلاً: أبِي ثَقَّلَ نِيرَكُمْ، وَأَنَا أَزِيدُ عَلَيْهِ. أَبِي أَدَّبَكُمْ بِالسِّيَاطِ، وَأَمَّا أَنَا فَبِالْعَقَارِبِ. [14] وَلَمْ يَسْمَعِ الْمَلِكُ لِلشَّعْبِ، لأَنَّ السَّبَبَ كَانَ مِنْ قِبَلِ الله، لِيُقِيمَ الرَّبُّ كَلاَمَهُ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ عَنْ يَدِ أَخِيَّا الشِّيلُونِيِّ إِلَى يَرُبْعَامَ بْنِ نَبَاطَ. [15] إن كان الله ضابط الكل سبق فأعلن عَمَّا سيحدث خلال أخيّا الشيلوني [15]، هذا لا يُبَرِّر حماقة رحبعام، ولا يُقَلِّل من مسئوليته عن تصرفه بعجرفة وتشامخ، الأمر الذي استخدمه الرب لتنفيذ مقاصده. كثيرًا ما يسمح الله أن يفتقد شر الآباء في الأبناء، إن سلكوا في نفس طريق آبائهم. لقد ترك سليمان الرب، فسمح الله لمعظم الشعب أن يتركوا رحبعام بن سليمان. يسمح الله بذلك ليحث الآباء الذين لا يبالون بما يحلُّ عليهم من متاعب أن يدركوا أن ما يفعلونه سيرتد على أبنائهم أكثر مما يتصوّرون، فكثيرون يهتمون ألا يصيب أبناءهم ضرر. إن كان الله سمح بتنفيذ توعُّداته، بأن افتقدت خطية سليمان ابنه رحبعام، في نفس الوقت لم ينسَ وعده لداود، لذلك احتفظ لحفيده رحبعام بسبطيْن. يقول المُرَتِّل على لسان الرب: "إن نقضوا فرائضي ولم يحفظوا وصاياي، افتقد بعصا معصيتهم، وبضربات إثمهم، أما رحمتي فلا أنزعها عنه، ولا أكذب من جهة أمانتي. لا أنقض عهدي، ولا أُغَيِّر ما خرج من شفتيّ" (مز 89: 31-34). 3. نبذهم رحبعام 16 فَلَمَّا رَأَى كُلُّ إِسْرَائِيلَ أَنَّ الْمَلِكَ لَمْ يَسْمَعْ لَهُمْ، جَاوَبَ الشَّعْبُ الْمَلِكِ قَائِلِينَ: «أَيُّ قِسْمٍ لَنَا فِي دَاوُدَ؟ وَلاَ نَصِيبَ لَنَا فِي ابْنِ يَسَّى! كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى خَيْمَتِهِ يَا إِسْرَائِيلُ. الآنَ انْظُرْ إِلَى بَيْتِكَ يَا دَاوُدُ». وَذَهَبَ كُلُّ إِسْرَائِيلَ إِلَى خِيَامِهِمْ. 17 وَأَمَّا بَنُو إِسْرَائِيلَ السَّاكِنُونَ فِي مُدُنِ يَهُوذَا فَمَلَكَ عَلَيْهِمْ رَحُبْعَامُ. 18 ثُمَّ أَرْسَلَ الْمَلِكُ رَحُبْعَامُ هَدُورَامَ الَّذِي عَلَى التَّسْخِيرِ، فَرَجَمَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِالْحِجَارَةِ فَمَاتَ. فَبَادَرَ الْمَلِكُ رَحُبْعَامُ وَصَعِدَ إِلَى الْمَرْكَبَةِ لِيَهْرُبَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، 19 فَعَصَى إِسْرَائِيلُ بَيْتَ دَاوُدَ إِلَى هذَا الْيَوْمِ. فَلَمَّا رَأَى كُلُّ إِسْرَائِيلَ أَنَّ الْمَلِكَ لَمْ يَسْمَعْ لَهُمْ، جاوبَ الشَّعْبُ لِلْمَلِكِ، قائلين: أَيُّ قِسْمٍ لَنَا فِي دَاوُدَ! وَلاَ نَصِيبَ لَنَا فِي ابْنِ يَسَّى! كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى خَيْمَتِهِ يَا إِسْرَائِيلُ. الآنَ انْظُرْ إِلَى بَيْتِكَ يَا دَاوُدُ! وَذَهَبَ كُلُّ إِسْرَائِيلَ إِلَى خِيَامِهِمْ. [16] مع أن رحبعام هو الذي قَسَّى قلبه، وتَصَرَّف بغير حكمةٍ، غير أن الأسباط العشرة حسبوا تمردهم لا على رحبعام بل على داود: "أي قِسم لنا في داود؟ ولا نصيب لنا في ابن يسّى!" [16] وحسب الله هذا الرفض هو رفض لنعمته ووعوده. فصار يهوذا في عينيّ الله يُمَثِّل شعبه، وإسرائيل منشقًّا عنه. يظهر شرُّهم من الآتي: 1. قبول الغالبية العظمى من العشرة أسباط عبادة العجول. 2. طردهم للكهنة واللاويين، وإقامة كهنة للأصنام. 3. المُخْلِصُون للإيمان انطلقوا إلى أورشليم ومدن يهوذا. وَأَمَّا بَنُو إِسْرَائِيلَ السَّاكِنُونَ فِي مُدُنِ يَهُوذَا، فَمَلَكَ عَلَيْهِمْ رَحُبْعَامُ. [17] ثُمَّ أَرْسَلَ الْمَلِكُ رَحُبْعَامُ هَدُورَامَ الَّذِي عَلَى التَّسْخِيرِ، فَرَجَمَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِالْحِجَارَةِ فَمَاتَ. فَبَادَرَ الْمَلِكُ رَحُبْعَامُ وَصَعِدَ إِلَى الْمَرْكَبَةِ، لِيَهْرُبَ إِلَى أُورُشَلِيمَ [18] كما أخذ رحبعام بالمشورة الخاطئة، فإنه حين أراد معالجة خطئه اختار الوسيط الخطأ، اختار هدورام الذي على التسخير، الذي يرون فيه أنه يُمَثِّل النير الثقيل الذي وضعه سليمان عليهم. لم يُرسِلْ إنسانًا معروفًا بالحكمة واللطف يمكن أن يستمعوا إليه، بل أرسل من كانوا لا يطيقون رؤيته بسبب مركزه كمسئول عام على عملية التسخير. فَعَصَى إِسْرَائِيلُ بَيْتَ دَاوُدَ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. [19] من وحي 2 أي 10 تَسلَّمْ يا رب عجلة القيادة! v في شكيم العظيمة التقى رحبعام بكل إسرائيل. تسلَّم عرش أبيه المُتَّسم بالمجد والغِنَى. ظَنَّ في نفسه أنه كملكٍ يأمر فيُطَاع. لم يُسَلِّمَك عجلة القيادة، ولا جَدَّد العهد معك ومع شعبك! v ظَنَّ أن كل الشعب عبيد له. لم يقتدِ بك يا ملك الملوك، الراعي الصالح! لم يقتدِ بجده داود في نقاوة قلبه. ولا اختفى فيك، لتعمل أنت فيه وبه! v اشتاق الشعب أن يراه بالحق حفيدًا لداود. طلب منه أن يرفع عنه ثقل النير الذي وضعه أبوه سليمان. لم يرفضوا الخدمة له، إنما طلبوا منه الترفق بهم، فيخدمونه بأمانة. v لم يعرف رحبعام أن يسأل الرب المشورة. لم يكن الله قائدًا لفكره وحياته. استشار الشيوخ كما الشباب. قبل المشورة التي تتفق مع هواه. في كبرياء مع جهالة، وجد العنف له مكانًا في قلبه كما في فكره. v هَبْ لي يا رب أن تتسلم عجلة القيادة. فأسلك بروحك يا كُلِّي الحب والحنو. أشتاق أن أُبذَل من أجل شعبك. وأجد لذة في خدمة الجميع. v انزعْ من قلبي كل قسوةٍ، ومن فمي كل كلمةٍ جارحةٍ، فأكون بالحق سفيرًا لك! v بالعنف فقد الشعب وحدته. ودخل الانشقاق والخلاف بينهم. هَبْ لي الحب والحنو، فيجتمع الكل معًا لك. لتكن أنت قائد شعبك، بروح الوحدة ينطلق الكل من قوةٍ إلى قوةٍ. ويختبر الجميع المجد الحقيقي. ويسير الكل في رحلةٍ ممتعةٍ في رفقتك. وينطلق الكل كما إلى سماواتك! لك المجد يا أيها القائد الراعي الصالح! محاولات رحبعام الفاشلة القصص الخاصة بأنبياء الشمال نابضة بالحياة وبارزة، مثل ميخا وإيليا وإليشع، لذلك يرى البعض أن خدمة الأنبياء كانت مُرَكَّزة في الشمال على الأقل إلى القرن الثامن ق.م. غير أننا هنا نسمع عن شمعيا رجل الله الذي قَدَّم رسالة لرحبعام ألا يحارب إخوته (مملكة الشمال المُنشقَّة). هذا أول دليل على وجود خدمة نبويّة في ذلك الحين في منطقة الجنوب. وقد جاء أخبار الأيام الثاني يروي لنا الكثير عن أنبياء مملكة الجنوب. تضم هذه القائمة عزريا بن عوديد (2 أخ 15: 1-7)، وحناني الرائي (2 أخ 16: 7-9)، وياهو بن حناني (2 أخ 19: 2-3)، وزكريا بن يهوياداع (2 أخ 24: 20—22)، ونبي غير معروف اسمه أرسله الله إلى الملك أمصيا (2 أخ 25: 7-9)، وبحسب أخبار الأيام أرسل إيليا التشبي إلى مملكة الجنوب رسالة إلى يهورام ملك يهوذا (2 أخ 21: 12-15) 1. محاولة استعادة العشرة أسباط 1 وَلَمَّا جَاءَ رَحُبْعَامُ إِلَى أُورُشَلِيمَ، جَمَعَ مِنْ بَيْتِ يَهُوذَا وَبَنْيَامِينَ مِئَةً وَثَمَانِينَ أَلْفَ مُخْتَارٍ مُحَارِبٍ لِيُحَارِبَ إِسْرَائِيلَ، لِيَرُدَّ الْمُلْكَ إِلَى رَحُبْعَامَ. 2 وَكَانَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَى شَمْعِيَا رَجُلِ اللهِ قَائِلًا: 3 «كَلِّمْ رَحُبْعَامَ بْنَ سُلَيْمَانَ مَلِكَ يَهُوذَا وَكُلَّ إِسْرَائِيلَ فِي يَهُوذَا وَبَنْيَامِينَ قَائِلًا: 4 هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: لاَ تَصْعَدُوا وَلاَ تُحَارِبُوا إِخْوَتَكُمْ. ارْجِعُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى بَيْتِهِ، لأَنَّهُ مِنْ قِبَلِي صَارَ هذَا الأَمْرُ». فَسَمِعُوا لِكَلاَمِ الرَّبِّ وَرَجَعُوا عَنِ الذَّهَابِ ضِدَّ يَرُبْعَامَ. وَلَمَّا جَاءَ رَحُبْعَامُ إِلَى أُورُشَلِيمَ جَمَعَ مِنْ بَيْتِ يَهُوذَا وَبِنْيَامِينَ، مِئَةً وَثَمَانِينَ أَلْفَ مُخْتَارٍ مُحَارِبٍ لِيُحَارِبَ إِسْرَائِيلَ، لِيَرُدَّ الْمُلْكَ إِلَى رَحُبْعَامَ. [1] غالبًا ما قام رحبعام بجمع المحاربين بناء على مشورة الشُبَّان الذين دفعوه للإجابة بعنفٍ مع الشعب، ففقد العشرة أسباط بكلماته العنيفة. وجد رحبعام مُبَرِّرات دفعته للرغبة في محاربة يربعام والأسباط العشرة، وهي: 1. تطلعه إلى هذه الأسباط أنها مُنشقَّة ومُتمرِّدة يلزم تأديبها. 2. يلزمه كملكٍ شرعيٍ من بيت داود أن يؤكد سلطانه وقدرته العسكرية لجمع شمل الأسباط الاثني عشر معًا. 3. إنه يُحَقِّق رغبة سليمان أبيه الحكيم، الذي طلب قتل يربعام، لأنه رفع يده عليه (1 مل 11: 26، 40). هرب يربعام إلى مصر، وكان هناك إلى وفاة سليمان. أليس سليمان أحكم إنسان على الأرض في ذلك الوقت؟ 4. قام العشرة أسباط بقتل هدورام الذي أرسله إليهم للمصالحة، وفي نظره أنهم قتلوا رجل سلام بريء لا ذنب له (2 أي 10: 18). إن كان داود قد أعلن الحرب على العمونيين لأنهم أهانوا رسله (2 صم 10: 7)، فإن يربعام قتل رسول رحبعام بلا ذنبٍ. ففي نظره يلزم تأديب يربعام والأسباط العشرة. وَكَانَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَى شَمَعْيَا رَجُلِ الله. [2] كان خطأ رحبعام المتكرر هو عدم الرجوع إلى الرب واستشارته قبل التصرُّف. لذلك تركه الرب يُتَمِّم ما في فكره، فجمع مائة وثمانين ألف مختار ليُحارِب الأسباط العشرة، بعد ذلك أرسل إليه شمعيا رجل الله ليكشف له أنه قد أضاع وقته وجهده في جمع هذا الجيش، وعليه أن يطلقهم ليرجعوا إلى بيوتهم. كان يليق برحبعام أن يستشير الرب في كل شيءٍ مثل جده داود، الذي جاءت أغلب مزاميره تؤكد ثقته في مشورة الرب وقدرته ورعايته له (2 صم 2: 1). كان يسأل الرب في كل صغيرةٍ وكبيرةٍ، واثقًا أنه يقوده نحو النصرة، ويهبه النجاح في كل شيءٍ. v "أنقذني من أعدائي يا رب إليك التجأت". أنا الذي هربت مَرَّة منك، الآن أَهربُ إليك. فإن آدم هرب من وجه الله، واختفى بين أشجار الفردوس، فقيل عنه في سفر أيوب: "مثل عبدٍ هاربٍ من وجه سيده، ووجد ظلاً" (أي 7: 2) LXX. ويل لي، إن بقيت تحت الظل، لئلا يُقال فيما بعد: "كل الأشياء تعبر مثل ظلٍ" (حك 5: 9). لتحاربوا رؤساء هذا العالم، هذه الظلمة، رؤساء الأشرار (إبليس وجنوده). عظيم هو جهادكم، فإنكم لا ترون أعداءكم ومع ذلك تغلبوهم! القديس أغسطينوس أنقذني من الذين يُدَبِّرون المكائد، هَبْ لي أن تحررني من الضيق. "وتبيد كل مضايقي نفسي، لأني أنا عبدك". لاحظوا مرة أخرى كيف تتحقق الطلبة. إنه ليس بسهولة ننال طلبتنا، إنما يلزمنا أن نجعل أنفسنا أهلاً لذلك، وأن نساهم من جانبنا ما يلزم أن نساهم به، وبهذا نُقَدِّم طلبتنا. الصلاة (المجردة) غير كافية في ذاتها طبيعيًا. فاليهود صَلُّوا، وكانت الإجابة: "وإن أكثرتم الصلاة لا أسمع" (إش 1: 15). لماذا تندهشون لهذا إن كان (حزقيال) نفسه لم يُسمَع له. فقد قيل: "إن جاء نوح وأيوب ودانيال لا يخلصون أبناءهم وبناتهم" (راجع حز 14: 14). لتدركوا هذا، فلا نصلي فقط، وإنما مع الصلاة نجعل أنفسنا أهلاً لنوال البركات الحاضرة والمستقبلة. القديس يوحنا الذهبي الفم الأب أنسيمُس الأورشليمي هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ: لاَ تَصْعَدُوا وَلاَ تُحَارِبُوا إِخْوَتَكُمْ. ارْجِعُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى بَيْتِهِ، لأَنَّهُ مِنْ قِبَلِي صَارَ هَذَا الأَمْرُ. فَسَمِعُوا لِكَلاَمِ الرَّبِّ، وَرَجَعُوا عَنِ الذَّهَابِ ضِدَّ يَرُبْعَامَ. [4] إذ حاول رحبعام أن يُعِيدَ العشرة الأسباط لطاعته، جاءت كلمة الرب له خلال شمعي رجل الله: "لا تصعدوا، ولا تحاربوا إخوتكم. ارجعوا كل واحدٍ إلى بيته، لأنه من قِبَلي صار هذا الأمر (2 أخ 11: 4). لقد رفضوا داود، فحسبهم الرب رافضين له شخصيًا! لقد حرموا أنفسهم من اعتبارهم شعب الله، ولم يَقُمْ منهم ملك واحد صالح. وضع رحبعام في قلبه أن يستعيد وحدة الشعب بالقوة. لكن الرب منعه من الدخول في معركة مع بقية الأسباط، وبالفعل توقَّف عن ذلك. لماذا لم يسمح الله لرحبعام بالحرب ضد يربعام؟ 1. لمعاقبة سليمان على عبادة الأوثان. 2. سمح الله بما حدث لتأديب رحبعام الذي لم يستشر الرب قبل إجابته على يربعام ومن معه. 3. لأن الله فصل بين الخراف والجداء حتى لا يُضَلِّل إسرائيل يهوذا. إن كان الشعب قد انقسم إلى مملكتين: عشرة أسباط تحت اسم "مملكة إسرائيل"، وسبطان تحت اسم "مملكة يهوذا"، فإن أخبار الأيام الذي يهتم بالهيكل والعبادة يكاد يحسب أن مملكة إسرائيل أو المملكة الشمالية المنشقة عن بيت داود لا وجود لها. ويعتبر ملك يهوذا هو المُعترَف به بكونه ملك يهوذا وبنيامين وكل إسرائيل الراجعين إلى يهوذا وبنيامين. في نفس الوقت يحسب شعب المملكة المنشقة هم إخوة شعب يهوذا وبنيامين، لا يجوز لهم أن يحاربوهم، فإنهم لا يزالون أبناء الله، يطلب خلاصهم لا هلاكهم. 3. ليؤكد لهم الله أن القوة ليست في اتحاد يهوذا مع إسرائيل، إنما في الالتجاء إلى الرب. 4. يقول الرب "لا تحاربوا إخوتكم"، إذ لا يليق بالإخوة تحت أيّة ظروف أن يدخلوا معًا في معارك. فعندما اختلف إبراهيم ولوط (تك 12)، ذكَّر إبراهيم ابن أخيه أنه لا يجوز لهما أن يدخلا في معركة لأنهما أخوان (تك 13: 8). وعندما اختلف يعقوب وعيسو معًا ودخلا في شِبْهِ معركة دامت كل حياتهما، استمر نسلهما في عداوة شديدة لقرون عديدة (تك 27: 41-46؛ مز 137: 7؛ عو 10: 13). وإذ رفض داود أن يقتل شاول الذي كان يبذل كل جهده لقتل داود، كافأه الرب بأن سَلَّمه العرش وثبَّت كرسيه ومن نسله جاء المسيا مُخَلِّص العالم، وتكوَّنت صداقة حميمة بين سبطي يهوذا وبنيامين بعد موت داود وشاول، وصار الاثنان مملكة واحدة مُقابِل العشرة أسباط الأخرى. يليق بالمؤمن في شوقه إلى خلاص الكل ألا يقوم بهذا بدافع تعصبي أعمى، بل في حبٍ، خلال الإحساس بالإخوة وإدراكه لحُبِّ الله القدوس الذي بذل ابنه الوحيد من أجل كل إنسانٍ، وحُبُّه أيضًا لزميله في البشرية. فالمؤمن يتوق أن يرتبط بكل بني البشر الذين يعرفهم والذين لا يعرفهم، يرتبط بالمعاصرين له والراحلين والآتين من بعده. يرتبط بهم في وحدانية الحُبِّ الحقيقي، في قرابة روحية تسمو فوق كل رابطة جسدانية أو دموية. يرتبط معهم في الرأس "يسوع المسيح"، ويكون الكل شركاء معًا في كل شيءٍ إلى الأبد، خاصة في القداسة بالله القدوس. vليتنا نحن الذين تأهلنا لمثل هذه الأسرار نظهر حياة تليق بالعطية، أي نظهر سلوكًا غاية في الامتياز!... فإن كان الإنسان أبًا أو ابنًا أو أخًا أو في أية قرابةٍ أخرى، فإنه لا يُحسَب قريبًا حقيقيًا مثلما تكون القرابة نابعة عن علاقات علوية. أي نفع للارتباط بعلاقات عائلية أرضية دون الارتباط بعلاقات روحية؟! أي فائدة إن كنا أقرباء على الأرض وغرباء في السماء؟! لأن الموعوظ غريب عن المؤمن، إذ ليس له ذات الرأس روحيًا، ولا نفس الأب، ولا عين المدينة، ولا ذات الطعام أو الثوب أو المائدة أو المنزل، إنما يكون مغايرًا له. هذه الأمور تكون للموعوظ على الأرض (أي ينشغل بأمورٍ عاديةٍ أرضيةٍ)، أما الآخر فيطلبها (كأمورٍ سماويةٍ) في السماء. واحد له المسيح ملكًا، الآخر طعامه اللحوم التي تفسد وتنتهي! واحد له ثياب يفسدها العث، الآخر له رب الملائكة! واحد مدينته السماء، الآخر الأرض! فإذًا ليس لنا شيء مُشترَك، ففي ماذا تكون لنا الشركة؟! هل نحن توائم، ولدنا من رحمٍ واحدٍ؟! فإن هذا يعجز عن إقامة قرابة غاية في الكمال. إذن لنجاهد أن نكون مواطنين للمدينة العلوية! القديس يوحنا الذهبي الفم هذا ومن جانب آخر فقد بقي أمينًا في عبادته للرب لمدة ثلاث سنوات، انحرف بعدها إلى العبادة الوثنية. 2. مساعي رحبعام لحفظ السبطين 5 وَأَقَامَ رَحُبْعَامُ فِي أُورُشَلِيمَ وَبَنَى مُدُنًا لِلْحِصَارِ فِي يَهُوذَا. 6 فَبَنَى بَيْتَ لَحْمٍ وَعِيطَامَ وَتَقُوعَ 7 وَبَيْتَ صُورَ وَسُوكُوَ وَعَدُلاَّمَ 8 وَجَتَّ وَمَرِيشَةَ وَزِيفَ 9 وَأَدُورَايِمَ وَلَخِيشَ وَعَزِيقَةَ 10 وَصَرْعَةَ وَأَيَّلُونَ وَحَبْرُونَ الَّتِي فِي يَهُوذَا وَبَنْيَامِينَ، مُدُنًا حَصِينَةً. 11 وَشَدَّدَ الْحُصُونَ وَجَعَلَ فِيهَا قُوَّادًا وَخَزَائِنَ مَأْكَل وَزَيْتٍ وَخَمْرٍ 12 وَأَتْرَاسًا فِي كُلِّ مَدِينَةٍ وَرِمَاحًا، وَشَدَّدَهَا كَثِيرًا جِدًّا، وَكَانَ لَهُ يَهُوذَا وَبَنْيَامِينُ. وَأَقَامَ رَحُبْعَامُ فِي أُورُشَلِيمَ، وَبَنَى مُدُنًا لِلْحِصَارِ فِي يَهُوذَا. [5] بلا شك أن انقسام المملكة هزَّ صورة إسرائيل أمام الأمم والشعوب، غير أن رحبعام لم يبالِ بسخرية الأمم بهم، إنما اهتم بتحصين حدود دولته والكثير من المدن الرئيسية في مملكته. ففي عصر أبيه سليمان في أيام السلام، لم تكن هناك حاجة لتحصينها. كان أغلب عمل سليمان هو البناء والتعمير والإنتاج مع التجارة. فَبَنَى بَيْتَ لَحْمٍ وَعِيطَامَ وَتَقُوعَ. [6] قام بتحصين بيت لحم وهي تبعد حوالي عشر كيلومترات من أورشليم، اشتهرت بكونها مسقط رأس داود وابن داود يسوع المسيح. تؤكد الحفريات الحديثة وجود حصون للمدن المذكورة هنا في ذلك الوقت. اهتم رحبعام أن يبني حصونًا في الشرق والغرب، وأيضًا نحو الجنوب، تاركًا منطقة الشمال أشبه ببابٍ مفتوحٍ، وذلك لسببين رئيسيين: 1. كان رحبعام يَعْلَمُ أن يربعام على علاقة طيبة مع مصر، فخشي أن تهاجمه مصر من الجنوب كنوعٍ من التحالف مع يربعام الذي سبق أن التجأ إليها حين كان سليمان يطلب قتله. 2. ترك الشمال أشبه ببابٍ مفتوح، فمن جانب رجع إليه الكهنة واللاويون الذين كانوا في مملكة الشمال، حيث وجدوا مقاومة وإحلال كهنة الأوثان والمرتفعات مكانهم. هذا وقد رجع بعض الأتقياء من الشعب الذين رفضوا عبادة الأوثان وأرادوا العبادة لله الحيّ. كان رحبعام يأمل أن يحن الشعب إلى التمتُّع بالعبادة في أورشليم خاصة في الاحتفالات والمواسم. وَبَيْتَ صُورَ وَسُوكُوَ وَعَدُلاَّمَ. [7] وَجَتَّ وَمَرِيشَةَ وَزِيفَ. [8] جت: مدينة أخذها اليهود من الفلسطينيين أيام صموئيل وداود الملك (1 صم 7: 14؛ 1 أي 18: 1). وَأَدُورَايِمَ وَلَخِيشَ وَعَزِيقَةَ. [9] وَصَرْعَةَ وَأَيَّلُونَ وَحَبْرُونَ الَّتِي فِي يَهُوذَا وَبِنْيَامِينَ مُدُنًا حَصِينَةً. [10] حبرون: هي الخليل اليوم ومذكورة كثيرًا، ففيها سكن إبراهيم وإسحق ويعقوب، ودُفِنَ فيها سارة وإبراهيم وإسحق ورفقة وليئة ويعقوب. وكانت من مدن الكهنة ومدن الملجأ وملك داود فيها سبع سنوات. وَشَدَّدَ الْحُصُونَ، وَجَعَلَ فِيهَا قُوَّادًا وَخَزَائِنَ مَأْكَلٍ وَزَيْتٍ وَخَمْرٍ. [11] وَأَتْرَاسًا فِي كُلِّ مَدِينَةٍ وَرِمَاحًا، وَشَدَّدَهَا كَثِيرًا جِدًّا، وَكَانَ لَهُ يَهُوذَا وَبَنْيَامِينُ. [12] أقام رحبعام مدنًا للحصار في الجنوب لمواجهة أي هجوم من مصر [5-12]. المدن الحصينة المذكورة هي إلى جهة الجنوب والغرب، لأنه خاف من مصر، لكننا رأينا الغازي آتيًا من مصر، ولم تمنعه المدن الحصينة، فإنه إن لم يحرس الرب المدينة فباطلاً يسهر الحراس. 3. عودة الكهنة واللاويين 13 وَالْكَهَنَةُ وَاللاَّوِيُّونَ الَّذِينَ فِي كُلِّ إِسْرَائِيلَ مَثَلُوا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ جَمِيعِ تُخُومِهِمْ، 14 لأَنَّ اللاَّوِيِّينَ تَرَكُوا مَسَارِحَهُمْ وَأَمْلاَكَهُمْ وَانْطَلَقُوا إِلَى يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ، لأَنَّ يَرُبْعَامَ وَبَنِيهِ رَفَضُوهُمْ مِنْ أَنْ يَكْهَنُوا لِلرَّبِّ 15 وَأَقَامَ لِنَفْسِهِ كَهَنَةً لِلْمُرْتَفَعَاتِ وَلِلتُّيُوسِ وَلِلْعُجُولِ الَّتِي عَمِلَ. 16 وَبَعْدَهُمْ جَاءَ إِلَى أُورُشَلِيمَ مِنْ جَمِيعِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ وَجَّهُوا قُلُوبَهُمْ إِلَى طَلَبِ الرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ لِيَذْبَحُوا لِلرَّبِّ إِلهِ آبَائِهِمْ. 17 وَشَدَّدُوا مَمْلَكَةَ يَهُوذَا وَقَوَّوْا رَحُبْعَامَ بْنَ سُلَيْمَانَ ثَلاَثَ سِنِينَ، لأَنَّهُمْ سَارُوا فِي طَرِيقِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ ثَلاَثَ سِنِينَ. واضح أن هذه الأسباط العشرة قاوموا الله بإقامتهم كهنة للمرتفعات وللتيوس والعجول (2 أخ 11: 15)، واضطر كهنة الله واللاويون أن يتركوا الأسباط وينطلقوا إلى يهوذا وأورشليم (2 أخ 11: 14). وَالْكَهَنَةُ وَاللاَّوِيُّونَ الَّذِينَ فِي كُلِّ إِسْرَائِيلَ، مَثَلُوا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ جَمِيعِ تُخُومِهِمْ [13] لأَنَّ اللاَّوِيِّينَ تَرَكُوا مَرَاعِيَهُمْ وَأَمْلاَكَهُمْ، وَانْطَلَقُوا إِلَى يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ، لأَنَّ يَرُبْعَامَ وَبَنِيهِ رَفَضُوهُمْ مِنْ أَنْ يَكْهَنُوا لِلرَّبِّ [14] وَأَقَامَ لِنَفْسِهِ كَهَنَةً لِلْمُرْتَفَعَاتِ وَلِلتُّيُوسِ وَلِلْعُجُولِ الَّتِي عَمِلَ. [15] ذكر سفر الملوك عبادة العجول، وهنا إشارة إلى نوعٍ آخر من العبادة الوثنية، وكان أصحاب هذه العبادة يؤمنون أن الشياطين أو الجن يأخذ شكل تيوس ويعيش في الأماكن الخربة. وأصل الكلمة العبري للتيوس هو الجن. وكانت الشعوب البدائية تعبد ما تخافه. وللأسف نرى هنا شعب الله يقلد هذه الشعوب ويعبد ما يخاف منه. إذ نبذ يربعام عبادة الله الحيّ، وأقام لنفسه كهنة للمرتفعات والتيوس والعجول التي عملها، خشي أن يشتاق الشعب إلى الرجوع إلى أورشليم ليعبدوا في الهيكل، لذلك سمح للكهنة واللاويين أن يذهبوا إلى أورشليم. لقد تركوا مسارحهم وأملاكهم، فتشدَّد رحبعام بمثولهم مع أتقياء إسرائيل المُخلِصين للعبادة [17]. لا عجب أن الذي رفض الله، يرفض أيضًا خدامه، ويشتاق أن يتخلَّص منهم. في نفس الوقت كان لصالح هؤلاء الكهنة واللاويين أن يتركوا إسرائيل، وينطلقوا إلى مملكة يهوذا، حيث يوجد هيكل الرب ومذبحه، ويَتخلَّصوا من المشاحنات والمضايقات التي قد يثيرها كهنة المرتفعات ضدهم. ومما يلزمنا ألا ننكره أن رحبعام وشعبه رَحَّبوا بهم، ولم يشعروا أنهم يُمَثِّلون ثقلاً على مملكتهم بعد أن فقدوا مسارحهم وممتلكاتهم والحقول. لقد حققوا ما قاله فيما بعد إشعياء النبي: "افتحوا الأبواب لتدخل الأمة البارة الحافظة الأمانة" (إش 26: 2). وَبَعْدَهُمْ جَاءَ إِلَى أُورُشَلِيمَ مِنْ جَمِيعِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ، الَّذِينَ وَجَّهُوا قُلُوبَهُمْ إِلَى طَلَبِ الرَّبِّ إِلَهِ إِسْرَائِيلَ، لِيَذْبَحُوا لِلرَّبِّ إِلَهِ آبَائِهِمْ. [16] وُجِدَ أناسٌ في هذه الأسباط أمناء للرب. عندما انطلق الكهنة واللاويون إلى أورشليم، تبعهم كل الإسرائيليين الأبرار الأتقياء، الذين وَجَّهوا قلوبهم إلى طلب الرب إله إسرائيل". تركوا ميراث آبائهم، وذهبوا ليسكنوا في يهوذا، لتكون لهم الحرية الكاملة للذهاب إلى مذبح الرب، ويبتعدوا هم وأبناؤهم من أية غواية لعبادة التيوس. يُقَدِّم هؤلاء الأتقياء مثالاً جميلاً لنا: 1. أعطوا الأولوية لعبادة الله والاهتمام بخلاص نفوسهم ونفوس أبنائهم قبل أية منفعة مادية أو راحة وسعادة زمنية. 2. التصقوا بكهنة الرب الأمناء. جاء في يشوع: "عندما ترون تابوت العهد الرب إلهكم والكهنة اللاويين حاملين إيَّاه، فارتحلوا من أماكنكم، وسيروا وراءه" (يش 3:3). وَشَدَّدُوا مَمْلَكَةَ يَهُوذَا، وَقَوُّوا رَحُبْعَامَ بْنَ سُلَيْمَانَ ثَلاَثَ سِنِينَ، لأَنَّهُمْ سَارُوا فِي طَرِيقِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ ثَلاَثَ سِنِينَ. [17] تشدَّدت مملكة يهوذا، ليس فقط بزيادة التعداد، ولا بما أحضروه معهم من ممتلكاتهم الشخصية، وإنما حَلَّت بركة الرب على المملكة بتقواهم وصلواتهم والتصاقهم بالرب. 4. زوجات رحبعام وأولاده 18 وَاتَّخَذَ رَحُبْعَامُ لِنَفْسِهِ امْرَأَةً: مَحْلَةَ بِنْتَ يَرِيمُوثَ بْنِ دَاوُدَ، وَأَبِيحَايِلَ بِنْتَ أَلِيآبَ بْنِ يَسَّى. 19 فَوَلَدَتْ لَهُ بَنِينَ: يَعُوشَ وَشَمَرْيَا وَزَاهَمَ. 20 ثُمَّ بَعْدَهَا أَخَذَ مَعْكَةَ بِنْتَ أَبْشَالُومَ، فَوَلَدَتْ لَهُ: أَبِيَّا وَعَتَّايَ وَزِيزَا وَشَلُومِيثَ. 21 وَأَحَبَّ رَحُبْعَامُ مَعْكَةَ بِنْتَ أَبْشَالُومَ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ نِسَائِهِ وَسَرَارِيهِ، لأَنَّهُ اتَّخَذَ ثَمَانِيَ عَشَرَةَ امْرَأَةً وَسِتِّينَ سُرِّيَّةً، وَوَلَدَ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ ابْنًا وَسِتِّينَ ابْنَةً. 22 وَأَقَامَ رَحُبْعَامُ أَبِيَّا ابْنَ مَعْكَةَ رَأْسًا وَقَائِدًا بَيْنَ إِخْوَتِهِ لِكَيْ يُمَلِّكَهُ. 23 وَكَانَ فَهِيمًا، وَفَرَّقَ مِنْ كُلِّ بَنِيهِ فِي جَمِيعِ أَرَاضِي يَهُوذَا وَبَنْيَامِينَ فِي كُلِّ الْمُدُنِ الْحَصِينَةِ وَأَعْطَاهُمْ زَادًا بِكَثْرَةٍ. وَطَلَبَ نِسَاءً كَثِيرَةً. وَاتَّخَذَ رَحُبْعَامُ لِنَفْسِهِ امْرَأَةً: مَحْلَةَ بِنْتَ يَرِيمُوثَ بْنِ دَاوُد،َ وَأَبِيجَايِلَ بِنْتَ أَلِيآبَ بْنِ يَسَّى. [18] ضعف رحبعام بانغماسه في ملذَّاته، فطلب نساء كثيرات كما فعل أبوه. مع هذا كان أحكم من أبيه، إذ يبدو أنه لم يتَّخِذْ نساء من الوثنيات. إحداهن كانت من نسل اليآب أخي داود [18]، وأخرى من نسل أبشالوم بن داود [20]، وثالثة من يريموث بن داود [18]. لم يُذكَرْ من قبل اسم يريموث بن داود، وربما كان ابن إحدى سراري داود. فَوَلَدَتْ لَهُ بَنِينَ: يَعُوشَ وَشَمَرْيَا وَزَاهَمَ [19] ثُمَّ بَعْدَهَا أَخَذَ مَعْكَةَ بِنْتَ أَبْشَالُومَ فَوَلَدَتْ لَهُ أَبِيَّا وَعَتَّايَ وَزِيزَا وَشَلُومِيثَ. [20] وَأَحَبَّ رَحُبْعَامُ مَعْكَةَ بِنْتَ أَبْشَالُومَ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ نِسَائِهِ وَسَرَارِيهِ، لأَنَّهُ اتَّخَذَ ثَمَانِيَ عَشَرَةَ امْرَأَةً وَسِتِّينَ سُرِّيَّةً، وَوَلَدَ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ ابْنًا وَسِتِّينَ ابْنَةً. [21] تَشَبَّه رحبعام بأبيه حيث كان له زوجات وسراري كثيرات. ومع هذا لم يُشِرْ السفر إلى أنه تَشَبَّه بأبيه. لم يذكر عن أبناء سليمان سوى شخص واحد وهو رحبعام، والبقية لم يستحقُّوا حتى ذِكْر عددهم. أما أبناء رحبعام، فذكر عددهم ثمانية وعشرين ابنًا وستين ابنة. وَأَقَامَ رَحُبْعَامُ أَبِيَّا ابْنَ مَعْكَةَ رَأْسًا وَقَائِدًا بَيْنَ إِخْوَتِهِ لِيُمَلِّكَهُ. [22] وَكَانَ فَهِيمًا، وَفَرَّقَ مِنْ كُلِّ بَنِيهِ فِي جَمِيعِ أَرَاضِي يَهُوذَا وَبِنْيَامِينَ، فِي كُلِّ الْمُدُنِ الْحَصِينَةِ، وَأَعْطَاهُمْ زَادًا بِكَثْرَةٍ. وَطَلَبَ نِسَاءً كَثِيرَةً. [23] يرى البعض أن رحبعام تصرف بحكمةٍ عندما قام بتوزيع أراضي يهوذا وبنيامين على كل بنيه، لكي يتجنَّب التآمر ضده كما فعل أدونيا وأبشالوم، فيحدث شقاق في المملكة، لكي يكونوا غرماء لأخيهم أبيّا الذي أقامه رأسًا وقائدًا بينهم. ومن جانب آخر، إذ ينتشر أبناؤه في كل المدن، يحفظون سلامة الشعب ويهتمون بالمدن التي حَصَّنها بأسوارٍ ومخازنها، فيسندون أخاهم إن حدث غزو أجنبي، كما يتفادى قيام أية ثورة في البلاد ضد أبيّا. من وحي 2 أي 11 عجيبة هي محبتك يا أيها القدوس! v عجيب هو حبك، وعجيبة هي تدابيرك يا مخلصي! من أجل خلاص العالم كله اخترت إبراهيم البار! وَعَدتَه أن يكون أبًا لأممٍ كثيرةٍ! واخترت إسحق ابنه ويعقوب حفيده. من نسله أقمت لك شعبًا لا عن محاباة، إنما لتأتي متجسدًا من نسله، وتبذل ذاتك فداءً عن كل البشرية. v في عصيانه انحرف إسرائيل، وتَمرَّد عليك يا أيها القدوس. من بين الاثني عشر، عزلت سبطين هما يهوذا وبنيامين، أَقَمْتَ منهما مملكة يهوذا، لعلهما يسلكان بالحُبِّ والقداسة. لم تسمح لهما بمقاومة الأسباط العشرة المتمردة. لأنك تطلب الحب الأخوي مع القداسة! v انحرف كثيرون حتى من السبطين، لكنك كنت تحتفظ ببقية باقية مقدسة. بتدبيرك العجيب أَوْجدتَ في كل جيلٍ بقية مقدسة لك! من هذه البقية، تجسدتَ من القديسة مريم لأجل فدائنا. تطلب أن تتقدَّس البشرية كلها ويسودها الحب. عجيبة هي محبتك، يا أيها القدوس العجيب! v هَبْ لكنيستك أن تتحد بك على الدوام. تسلك فيك، فتمتلئ حبًّا وقداسة. تصير أيقونة لك، وتتأهل للعُرْسِ السماوي. يفرح بها الآب القدوس، وتتعجَّب منها الطغمات السماوية! أَعطني قلبًا نقيًّا مملوء حبًا وقداسة! انحدار رحبعام المُحزِن بعد أن تَثَبَّتَت مملكة رحبعام، ترك هو وشعبه شريعة الرب. بلا شك صُدِمَ الكهنة واللاويون وأيضًا الأتقياء الذين جاءوا من مملكة الشمال لتركها عبادة الله، عندما وجدوا رحبعام بعد ثلاث سنوات انحرف عن شريعة الرب. بعد خمس سنوات من تبوُّء رحبعام العرش غزا شيشق مؤسس الأسرة الثانية والعشرين لملوك مصر أورشليم، ونهب من الأرض المقدسة كل ما جذب عينيه، سواء في الهيكل أو القصر الملكي. يُقَدِّم لنا هذا الأصحاح تفاصيل عن حياة رحبعام أكثر مما ورد في الملوك، وللأسف يُقَدِّم تاريخًا مُحزِنًا. يبدو كأننا عُدْنا إلى فترة القضاة. 1. رحبعام وشعبه يفعلون الشر وَلَمَّا تَثَبَّتَتْ مَمْلَكَةُ رَحُبْعَامَ وَتَشَدَّدَتْ، تَرَكَ شَرِيعَةَ الرَّبِّ هُوَ وَكُلُّ إِسْرَائِيلَ مَعَهُ. [1] كثيرًا ما يتجاهل الإنسان الاتكال على الله متى شبع وتقوَّى، وعوض تسبيح الله على عطاياه ينشغل بالعطية عن العاطي نفسه. عاش رحبعام وشعبه ثلاث سنوات سالكًا في طريق الرب، وكانت المملكة قوية بالرغم من انفصال عشرة أسباط عنهم. للأسف كل ما كان يشغل رحبعام تثبيت المملكة، وليس العِشْرَة مع الله. لم يعد يخاف من مصر، إذ اتكل على مدنه الحصينة، وترك الرب. "وكل إسرائيل": يقصد هنا مملكة يهوذا التي تضم سبطين فقط مع جميع الكهنة اللاويين والأتقياء الذين جاءوا من مملكة إسرائيل. لم يقل مملكة يهوذا، بل "إسرائيل"، لأنه لا ينظر إلى المملكة الشمالية على أنها إسرائيل حتى وإن دعت نفسها هكذا، ودعتها الأمم المجاورة هكذا، لأنها سارت في طريق الشر حيث سحب يربعام الشعب إليه. ولعله يدعو مملكة يهوذا هنا إسرائيل، وإن كانت هي بدورها تركت الرب مثل مملكة الشمال. تبرز خطورة القائد، فإذ انحرف رحبعام تبعه انحراف الشعب كله وراءه. عندما اهتز رحبعام بسبب الانشقاق، لجأ إلى الله، وإذ تشدَّدت مملكته اتَّكل على قوته وإمكانياته وترك طريق الرب. هذا ما يحذرنا منه الرب، فحين يشبع الإنسان ويطمئن ويتمتع بكثير من البركات، ينسى خالقه ويجحد راعيه، عوض تقديم الشكر له. يقول الرب: "لأني أدخلهم الأرض التي أقسمت لآبائهم الفائضة لبنًا وعسلاً، فيأكلون ويشبعون ويسمنون، ثم يلتفتون إلى آلهة أخرى ويعبدونها، ويزدرون بي وينكثون عهدي" (تث 31: 20). "فسمن يشورون (أي المحبوب) ورفس. سمنت وغلظت واكتسيت شحمًا! فرفض الإله الذي عمله، وغبيَ عن صخرة خلاصه" (تث 32: 15). هكذا يُشبِّه إسرائيل المحبوب بفرسٍ أكل وشبع وسمن وغلظ وامتلأ شحمًا، فبدأ يرفس صاحبه الذي أوجده، وفي غباوة استهان بالله صخرة خلاصه. قدَّم الله لهم من خيراته فعِوَض تقديم ذبيحة شكر له، يرفعون أقدامهم ليرفسوا الله نفسه. عندما يُوبِّخهم الله خلال أنبيائه يثورون كبقرة جامحة وثورٍ غير معتاد أن يحمل النير. بكبريائهم لا يحتملون كلمة توبيخ حتى إن صدرت من الله خالقهم. قيل: "سمنوا لمعوا. أيضًا تجاوزوا في أمور الشر، لم يقضوا في الدعوى، دعوى اليتيم. وقد نجحوا، وبحق المساكين لم يقضوا" (إر 5: 28). بمعنى ظنوا أنهم صاروا عظماء أصحاب سلطان، أغنياء لا يعوزهم شيء، سمناء مملئون صحة، لامعين أو ملسو الشعر أي مملئون جمالاً، ولم يدركوا أنهم في واقع الأمر جمعوا لأنفسهم شرًا عظيمًا. هذا هو ما اقتنوه، لأن الأمور السابقة تتغيَّر وتنتهي ويبقى القلب فاسدًا بالشر. v هذه (الأحزان) تسحب الرحمة، وتُقَدِّم لنا الحنو، ومن الجانب الآخر فإن ذاك (الغنى) يرفعنا إلى كبرياء غبي، ويقودنا إلى الكسل، ويدفع الإنسان إلى مظاهر كثيرة تجعله متشامخًا. لهذا يقول المرتل: "خير ليّ يا رب أنك أذللتني، فأتعلَّم أحكامك" (مز 119: 71)... كما "الرب يعرف عندما يقضي أحكامًا" (مز 9: 16). القديس يوحنا الذهبي الفم 2. تسليمهم لشيشق ملك مصر2 وَفِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ لِلْمَلِكِ رَحُبْعَامَ صَعِدَ شِيشَقُ مَلِكُ مِصْرَ عَلَى أُورُشَلِيمَ، لأَنَّهُمْ خَانُوا الرَّبَّ، 3 بِأَلْفٍ وَمِئَتَيْ مَرْكَبَةٍ وَسِتِّينَ أَلْفَ فَارِسٍ، وَلَمْ يَكُنْ عَدَدٌ لِلشَّعْبِ الَّذِينَ جَاءُوا مَعَهُ مِنْ مِصْرَ: لُوبِيِّينَ وَسُكِّيِّينَ وَكُوشِيِّينَ. 4 وَأَخَذَ الْمُدُنَ الْحَصِينَةَ الَّتِي لِيَهُوذَا وَأَتَى إِلَى أُورُشَلِيمَ. وَفِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ لِلْمَلِكِ رَحُبْعَامَ صَعِدَ شِيشَقُ مَلِكُ مِصْرَ عَلَى أُورُشَلِيم، لأَنَّهُمْ خَانُوا الرَّبَّ. [2] في السنة الرابعة تركوا الرب، وفي السنة الخامسة سمح الله لشيشق ملك مصر أن يصعد إلى مملكة يهوذا، ويأخذ المدن الحصينة التي ليهوذا، وأتى إلى أورشليم. لقد أراد الله أن يوقظهم ويَرُدَّهم للتوبة قبل أن تتحجَّر قلوبهم. حَلَّت الضيقة من دولة لا يتوقعون أنها تهاجمهم. فقد كانت العلاقة طيِّبة مع مصر في العهد السابق. جاء ملك مصر بقوة عظيمة حتى استولى على المدن المُحصّنة بالأسوار، والتي اعتمد عليها رحبعام لسلامة مملكته. يرى الربيون، خاصة الحاخام Sol. Jarchi أن شيشق المذكور هنا هو فرعون نخو Necho الذي غزا إسرائيل للاستيلاء على العرش العاجي الذي لزوج ابنته سليمان، والذي طالما اشتهاه، وقد أخذه فعلاً. يبدو أنه قام بسلب الهيكل والقصر الملكي الخ، وباختصار أخذ كل ما سقط بين يديه دون مقاومة، خاصة وأن رحبعام لم يكن يُبالِي بالهيكل. حسب الفكر البشري الظاهر أن شيشق هاجم مملكة يهوذا كنوعٍ من مساندة يربعام الذي التجأ إلى مصر، ولإبراز قوة مصر، لكن حسب خطة الله كان لتأديب رحبعام وشعبه. بِأَلْفٍ وَمِئَتَيْ مَرْكَبَةٍ وَسِتِّينَ أَلْفَ فَارِسٍ، وَلَمْ يَكُنْ عَدَدٌ لِلشَّعْبِ الَّذِينَ جَاءُوا مَعَهُ مِنْ مِصْرَ: لُوبِيِّينَ وَسُكِّيِّينَ وَكُوشِيِّينَ. [3] لوبيون، أي شعب ليبيا، الذين كانوا محاذين لمصر. سُكيون أو سكيوم Sukkiims: كانوا غالبًا من المصريين الساكنين غرب البحر الأحمر. جاء اسمهم في الترجمة السبعينية "ساكنو المغارات Troglodytes"، فغالبًا ما كانوا من سكان الجبال. يرى البعض أن اسمهم جاء مشتقًّا من الكلمة Cykiyiym أو Caakak، ويعني مُغطي أو مغمور، إذ كانوا كمن هم مغمورون تحت الأرض. وَأَخَذَ الْمُدُنَ الْحَصِينَةَ الَّتِي لِيَهُوذَا، وَأَتَى إِلَى أُورُشَلِيمَ. [4] يسمح الله للقائد كما للشعب بالتأديب (2 أخ 12: 2-4). لا نعجب إن رأينا الله الذي سبق فأنقذهم من عبودية مصر على يدي موسى النبي، الآن إذ انحرف شعبه يهوذا لم يُسَلِّمهم للتأديب على يديّ إخوتهم إسرائيل، بل سَلَّمهم كما للعالم الشرير ليؤدبهم. ما يشغل قلب الله هو خلاص المؤمنين به، لا مُتعتهم الزمنية أو كرامتهم الوقتية في العالم. 3. شمعيا يدعوهم للتوبة فَجَاءَ شَمَعْيَا النَّبِيُّ إِلَى رَحُبْعَامَ وَرُؤَسَاءِ يَهُوذَا، الَّذِينَ اجْتَمَعُوا فِي أُورُشَلِيمَ مِنْ وَجْهِ شِيشَقَ، وَقَالَ لَهُمْ: هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ: أَنْتُمْ تَرَكْتُمُونِي، وَأَنَا أَيْضًا تَرَكْتُكُمْ لِيَدِ شِيشَقَ. [5] جاء التأديب: "أنتم تركتموني، وأنا أيضًا تركتكم ليد شيشق". اجتمع رؤساء يهوذا في أورشليم مع الملك بكونهم مجلس شورى حربي، لبحث الموقف في تلك الفترة الحرجة. أرسل الله إليهم نبيًا، يوضح لهم سرَّ سقوطهم. وهو نفس النبي الذي سبق فأرسله إليهم ليمنعهم من القيام بحربٍ مع الأسباط العشرة (2 أخ 11: 2). جاء النبي ليؤكد لهم أن ما حلَّ بهم هو بسماحٍ من الله لتأديبهم، وليس لإهمال في تدبير أمورهم العسكرية. ربما انشغل المجلس بدراسة سرِّ هزيمتهم بالرغم من المجهودات التي بُذِلَت من أجل سلامة البلاد من الأعداء. أَكَّد لهم النبي أن سرَّ فشلهم هو تركهم للرب. 4. توبة الرؤساء والملك فَتَذَلَّلَ رُؤَسَاءُ إِسْرَائِيلَ وَالْمَلِكُ وَقَالُوا: بَارٌّ هُوَ الرَّبُّ. [6] أثمرت رسالة شمعيا بتوبة رؤساء إسرائيل والملك. لقد قَدَّموا توبة، وتذلَّلوا أمام الرب، واعترفوا أن انحرافهم هو السبب في هزيمتهم. "قالوا: بار هو الرب"، أي ليس لنا أن نلوم الله، بل نلوم أنفسنا. فصدّ الرب شيشق، فلا تزداد ضغوطه على أورشليم، إنما سمح لشعبه أن يصيروا عبيدًا لملك مصر. أراد لهم أن يختبروا الفارق بين التعبُّد لله واهب الحرية والسعادة، والعبودية للملك الوثني التي تُحَطِّم النفس، وتُفقد كل ثمينٍ بين أيديهم. 5. الرب يرجع عن غضبه 7 فَلَمَّا رَأَى الرَّبُّ أَنَّهُمْ تَذَلَّلُوا، كَانَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَى شَمْعِيَا قَائِلًا: «قَدْ تَذَلَّلُوا فَلاَ أُهْلِكُهُمْ بَلْ أُعْطِيهِمْ قَلِيلًا مِنَ النَّجَاةِ، وَلاَ يَنْصَبُّ غَضَبِي عَلَى أُورُشَلِيمَ بِيَدِ شِيشَقَ، 8 لكِنَّهُمْ يَكُونُونَ لَهُ عَبِيدًا وَيَعْلَمُونَ خِدْمَتِي وَخِدْمَةَ مَمَالِكِ الأَرَاضِي». 9 فَصَعِدَ شِيشَقُ مَلِكُ مِصْرَ عَلَى أُورُشَلِيمَ وَأَخَذَ خَزَائِنَ بَيْتِ الرَّبِّ وَخَزَائِنَ بَيْتِ الْمَلِكِ، أَخَذَ الْجَمِيعَ، وَأَخَذَ أَتْرَاسَ الذَّهَبِ الَّتِي عَمِلَهَا سُلَيْمَانُ. 10 فَعَمِلَ الْمَلِكُ رَحُبْعَامُ عِوَضًا عَنْهَا أَتْرَاسَ نُحَاسٍ وَسَلَّمَهَا إِلَى أَيْدِي رُؤَسَاءِ السُّعَاةِ الْحَافِظِينَ بَابَ بَيْتِ الْمَلِكِ. 11 وَكَانَ إِذَا دَخَلَ الْمَلِكُ بَيْتَ الرَّبِّ يَأْتِي السُّعَاةُ وَيَحْمِلُونَهَا، ثُمَّ يُرْجِعُونَهَا إِلَى غُرْفَةِ السُّعَاةِ. 12 وَلَمَّا تَذَلَّلَ ارْتَدَّ عَنْهُ غَضَبُ الرَّبِّ فَلَمْ يُهْلِكْهُ تَمَامًا. وَكَذلِكَ كَانَ فِي يَهُوذَا أُمُورٌ حَسَنَةٌ. فَلَمَّا رَأَى الرَّبُّ أَنَّهُمْ تَذَلَّلُوا، كَانَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَى شَمَعْيَا: قَدْ تَذَلَّلُوا، فَلاَ أُهْلِكُهُمْ، بَلْ أُعْطِيهِمْ قَلِيلاً مِنَ النَّجَاةِ، وَلاَ يَنْصَبُّ غَضَبِي عَلَى أُورُشَلِيمَ بِيَدِ شِيشَقَ [7] إذ تذلل الملك والشعب، لم يسمح الله بإبادتهم إنما بتأديبهم، فكل ما صنعه أبوه في إقامة هيكل جميل للرب أفسده رحبعام، حيث سلب شيشق ملك مصر زخارفه وكل خزائنه، وأفسد مجد العبادة الماضية. لم يسمح الله بدمار أورشليم وإفنائها تمامًا [7، 12]. لكن تركهم تحت ضيقٍ مؤقت، لأن توبتهم لم تكن كاملة تمامًا، إنما قيل: "وكذلك كان في يهوذا أمور حسنة" [12]. بمعنى أنه وُجِدَ في يهوذا خدام صالحون وشعب صالح وعائلات صالحة، الذين استجابوا لنداء النبي، وأدركوا ما وراء المصائب التي حَلَّت بالبلاد. يقول المرتل: "تأْديبًا أدَّبني الرب، وإلى الموت لم يُسَلِّمني" (مز 118: 18). v "تأديبًا أدبني الرب، وإلى الموت لم يسلمني"... لا يشكر المرتل لأنه يتحرر (من الضيق)، وإنما يدرك أيضًا النعمة العظيمة التي حلَّت عليه، فأشار إلى فائدة التجربة. ما هي؟ يقول: "تأديبًا أدَّبني الرب". هذه هي قيمة المخاطر، فإنها تجعل الإنسان في حالة أفضل. v هكذا يعمل الله، بكونه الآب المُعتنِي بنا وليس المُنتقِم، إنما يُسَلِّمنا للتجارب كما لو كانت نظار مدارس ومدرسين، لتأديبنا وتمتعنا بالتعقُّل، فنُظهر الصبر، ونتعلم كل تدبيرٍ صالحٍ، ونرث ملكوت السماوات. v الأمراض والمصائب تُعَلِّمنا. ألم يُعَلِّمك أب أو مُعَلِّم أو أمير أو مُشَرِّع أو قاضٍ أن تخاف؟... فإنه حين يحلُّ المرض الجسدي غالبًا ما يرد لك صوابك... علاوة على هذا، فإن المصاعب المُرَّة التي تحل ليس فقط علينا، بل وحتى على الآخرين أيضًا لها منافع كبرى بالنسبة لنا. فقد لا نعاني نحن من ألمٍ، لكننا إذ ننظر الغير يُؤدَّبون نتعقَّل نحن أكثر منهم. القديس يوحنا الذهبي الفم يظهر المعلِّم هذا التوبيخ حين يقول في الكتاب: "كم مرَّة أردتُ أن أجمع أولادك، كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا" (مت 23: 37). ويقول الكتاب أيضًا: "زَنوا وراء الأصنام والحجر، وقرَّبوا مُحرَقاتهم للبعل". إنه لدليل عظيم على حُبِّه، فمع أنه يعرف خزي الذين رفضوه، وأنهم جروا بعيدًا عنه، مع ذلك يحثَّهم على التوبة. ويقول لحزقيال: "أماأنتياابنآدم،لاتخف أن تكلِّمهم،فربَّما يسمعون" (راجع حز 2: 6). ويقول لموسى: "اذهب وقُلْ لفرعون أن يُطلِقَ شعبي. ولكن أنا أعلم أنه لن يُطلقهم." هنا يظهر كلا الأمرين: أُلوهيَّته، التي تظهر من سابق علمه بالذي سوف يحدث، وحبُّه، بإتاحته الفرصة لهم أن يختاروا التوبة لأنفسهم. باهتمامه بالشعب وَبَّخهم في إشعياء، قائلاً: "هذا الشعب أكرمني بشفتيه، وأما قلبه فمُبتعد عنِّي" (إش 29: 13). ويقول أيضًا: "باطلاً يعبدونني، وهم يعلمون تعاليم هي وصايا الناس" (مت 15: 9). هنا رعايته المُحِبَّة تظهر خطاياهم والخلاص جنبًا إلى جنب. القديس إكليمنضس السكندري القديس أمبروسيوس الأب أنسيمُس الأورشليمي بكلمات الصبر سبَّح الله عندما ضُرِبَ. لقد صوَّب سهامًا كثيرة في صدر خصمه، وأصابه بجراحات أكثر مرارة من التي سقط هو تحتها. فإنه بمحنته فقد الأرضيات، وباحتماله لها بتواضع ضاعف بركاته السماوية. البابا غريغوريوس (الكبير) وَيَعْلَمُونَ خِدْمَتِي، وَخِدْمَةَ مَمَالِكِ الأَرَاضِي. [8] إن كان الله من أجل تَذَلُّلهم لم يسمح بتدمير أورشليم وقطع بيت داود، إلا أنه سمح لهم بالسقوط في العبودية لخدمة ملك مصر، ليدركوا مرارة ثمر الخطية. إذ تركوا الرب مُحَرِّر النفوس من عبودية إبليس، سمح لهم أن يكونوا عبيدًا تحت رحمة ملك مصر، يلتزمون بدفع جزيةٍ ثقيلةٍ، حتى يدركوا أن وصية الرب ليس ثقيلة، إنما تركهم للرب ثقيل للغاية. إذ رفضوا الخضوع للرب وخدمته، صاروا يخدمون أعداءهم في جوعٍ وعطشٍ وعارٍ وخزيٍ. بهذا ترجع كل نفسٍ إلى الله بكونه رجلها الأول الذي هجرته لتسلك في الفساد. جاء في هوشع: "تقول: أذهب وأرجع إلى رجلي الأول، لأنه حينئذٍ كان خير لي من الآن" (هو 2: 7). لقد رفضوا فرائض الرب واهبة الفرح، فسقطوا تحت فرائض شيشق ملك مصر غير الصالحة. تبدو وصية الرب فيها حرمان من اللذات، وفقدان لبهجة الحياة الزمنية، لكن الهروب من الوصية الإلهية هو عبودية لإبليس ومحبة العالم وملذات الجسد. فَصَعِدَ شِيشَقُ مَلِكُ مِصْرَ عَلَى أُورُشَلِيمَ، وَأَخَذَ خَزَائِنَ بَيْتِ الرَّبِّ وَخَزَائِنَ بَيْتِ الْمَلِكِ، أَخَذَ الْجَمِيعَ، وَأَخَذَ أَتْرَاسَ الذَّهَبِ الَّتِي عَمِلَهَا سُلَيْمَانُ. [9] تركهم الله يخدمون ملك مصر، لكي يختبروا عمليًا الفرق بين خدمة الله التي رفضوها وخدمة ملك مصر الذي يستعبدهم، بكونه رمزًا لإبليس. نهب ملك مصر خزائن الهيكل والقصر الملكي التي تركها سليمان مملوءة. ما جمعه داود وابنه سليمان خلال التصاقهما بالرب، أضاعه رحبعام بتركه للرب. فَعَمِلَ الْمَلِكُ رَحُبْعَامُ عِوَضًا عَنْهَا أَتْرَاسَ نُحَاسٍ، وَسَلَّمَهَا إِلَى أَيْدِي رُؤَسَاءِ السُّعَاةِ الْحَافِظِينَ بَابَ بَيْتِ الْمَلِكِ. [10] جاء الانحدار من سليمان إلى ابنه رحبعام، من عصر ذهبي مجيد إلى عصر مَذَلَّة؛ إذ أخذ ملك مصر أتراس الذهب، وعمل الملك رحبعام أتراس نحاس [9]. تم الانحدار في جيلٍ واحدٍ وبصورة مُرَّة، لم يحدث مثلها من قبل في إسرائيل. تكرر كثيرًا الانحدار المُفاجِئ في عصور كثيرة وأخيرًا سقطت أورشليم في السبي البابلي. يقول يوسيفوس المؤرخ عن رحبعام: "إنسان متكبِّر وأحمق"[9]. فقدان الأتراس الذهبية واستخدام أتراس نحاسية، يشير إلى عمل الخطية في حياتنا حيث تُحَوِّل ما هو سماوي بين أيدينا إلى ما هو أرضي. وَكَانَ إِذَا دَخَلَ الْمَلِكُ بَيْتَ الرَّبِّ يَأْتِي السُّعَاةُ وَيَحْمِلُونَهَا، ثُمَّ يُرْجِعُونَهَا إِلَى غُرْفَةِ السُّعَاةِ. [11] وَلَمَّا تَذَلَّلَ ارْتَدَّ عَنْهُ غَضَبُ الرَّبِّ فَلَمْ يُهْلِكْهُ تَمَامًا. وَكَذَلِكَ كَانَ فِي يَهُوذَا أُمُورٌ حَسَنَةٌ. [12] مع أخطاء رحبعام الخطيرة، قيل: "كان في يهوذا أمور حسنة" (2 أخ 12: 12). 6. شخصية رحبعام 13 فَتَشَدَّدَ الْمَلِكُ رَحُبْعَامُ فِي أُورُشَلِيمَ وَمَلَكَ، لأَنَّ رَحُبْعَامَ كَانَ ابْنَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ، وَمَلَكَ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ، الْمَدِينَةِ الَّتِي اخْتَارَهَا الرَّبُّ لِيَضَعَ اسْمَهُ فِيهَا دُونَ جَمِيعِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ، وَاسْمُ أُمِّهِ نَعْمَةُ الْعَمُّونِيَّةُ. 14 وَعَمِلَ الشَّرَّ لأَنَّهُ لَمْ يُهَيِّئْ قَلْبَهُ لِطَلَبِ الرَّبِّ. 15 وَأُمُورُ رَحُبْعَامَ الأُولَى وَالأَخِيرَةُ، أَمَا هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي أَخْبَارِ شَمْعِيَا النَّبِيِّ وَعِدُّو الرَّائِي عَنِ الانْتِسَابِ؟ وَكَانَتْ حُرُوبٌ بَيْنَ رَحُبْعَامَ وَيَرُبْعَامَ كُلَّ الأَيَّامِ. 16 ثُمَّ اضْطَجَعَ رَحُبْعَامُ مَعَ آبَائِهِ وَدُفِنَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ، وَمَلَكَ أَبِيَّا ابْنُهُ عِوَضًا عَنْهُ. فَتَشَدَّدَ الْمَلِكُ رَحُبْعَامُ فِي أُورُشَلِيمَ وَمَلَكَ، لأَنَّ رَحُبْعَامَ كَانَ ابْنَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ، وَمَلَكَ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ الْمَدِينَةِ الَّتِي اخْتَارَهَا الرَّبُّ لِيَضَعَ اسْمَهُ فِيهَا، دُونَ جَمِيعِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ. وَاسْمُ أُمِّهِ نَعْمَةُ الْعَمُّونِيَّةُ. [13] تثبَّتت مملكته إلى حدٍّ ما، واهتَّم بتحصين مدينة أورشليم. وَعَمِلَ الشَّرَّ، لأَنَّهُ لَمْ يُهَيِّئْ قَلْبَهُ لِطَلَبِ الرَّبِّ. [14] وَأُمُورُ رَحُبْعَامَ الأُولَى وَالأَخِيرَةُ، مَكْتُوبَةٌ فِي أَخْبَارِ شَمَعْيَا النَّبِيِّ وَعِدُّو الرَّائِي عَنِ الاِنْتِسَابِ. وَكَانَتْ حُرُوبٌ بَيْنَ رَحُبْعَامَ وَيَرُبْعَامَ كُلَّ الأَيَّامِ. [15] لم يثبت في علاقته بالرب؛ غالبًا لم يصل إلى حد نبذ عبادة الرب تمامًا، غير أنه عمل الشرّ،َ ولم يُهَيِّئ قلبه لطلب الرب. غالبًا ما كان يُعَرِّج بين الرغبة في عبادة الرب والتمتُّع باللذّات الزمنية. لم يُسَلِّمْ قلبه وفكره وحياته للرب بالتمام. تكرر التحرش بين الشعبين: يهوذا وإسرائيل مما أدى إلى قيام حروب مستمرة. ثُمَّ اضْطَجَعَ رَحُبْعَامُ مَعَ آبَائِهِ وَدُفِنَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ، وَمَلَكَ أَبِيَّا ابْنُهُ عِوَضًا عَنْهُ. [16] من وحي 2 أي 12 بحُبِّك تؤدب لكي تُخَلِّص! v حَصَّنَ رحبعام مدنه، وتثبتت مملكته. اطمأنت نفسه، واعتزَّ بقدراته وإمكانياته. حسب في وصاياك حرمانًا فتركها. دفع شعبه للعصيان والبُعد عنك. v ظن شيشق ملك مصر أنه بحكمة يتحرك. غزا مملكة يهوذا ليُرضِي يربعام صديقه، ويعلن قوته وعظمته أمام الدول المحيطة. لم يدرك أن الله يسمح له بذلك لتأديب رحبعام. v سمح له الرب بالنصرة لكن في حدود. فإنه يؤدب رحبعام وشعبه، ولكن ليس لهلاكهم بل لرجوعهم إليه. إنه يسمح بتأديبنا حتى بأيدي الأشرار. لكن إلى الموت لا يُسَلِّمنا. إنه أب يود رجوع أولاده إليه. إنه طبيب، يمسك بالمشرط ليشفي لا ليقتل. تأديباته تشع حبًا ورعاية خفية. خير لي أنك أذللتني. ففي وسط مرارتي، تعزياتك تُلَذِّذ نفسي! الملك أبيَّا بن رحبعام يستعرض هذا الأصحاح حياة الملك أبيَّا بن رحبعام بتفصيلٍ أكثر مما ورد في سفر الملوك، حيث ذكر أن شخصيته لم تكن أفضل من أبيه (1 مل 5: 2-3). غير أننا نجده هنا أكثر شجاعة، ونجاحًا في الحرب من أبيه. جلس أبيَّا على العرش لمدة قصيرة، ثلاث سنوات، ومع ذلك وردت سيرته هنا في أصحاح كامل، وإن كان ليس ما يُقابِلها في ملوك الأول. فقد دخل في معركة مع يربعام، انتهت بقتل حوالي نصف مليون مقاتل في جيش مملكة الشمال. 1. أبيَّا ملك على يهوذا فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةَ عَشَرَةَ لِلْمَلِكِ يَرُبْعَامَ مَلَكَ أَبِيَّا عَلَى يَهُوذَا. [1] 2. احتشاد جيشه ضد يربعام 2 مَلَكَ ثَلاَثَ سِنِينَ فِي أُورُشَلِيمَ، وَاسْمُ أُمِّهِ مِيخَايَا بِنْتُ أُورِيئِيلَ مِنْ جَبْعَةَ. وَكَانَتْ حَرْبٌ بَيْنَ أَبِيَّا وَيَرُبْعَامَ. 3 وَابْتَدَأَ أَبِيَّا فِي الْحَرْبِ بِجَيْشٍ مِنْ جَبَابِرَةِ الْقِتَالِ، أَرْبَعِ مِئَةِ أَلْفِ رَجُل مُخْتَارٍ، وَيَرُبْعَامُ اصْطَفَّ لِمُحَارَبَتِهِ بِثَمَانِ مِئَةِ أَلْفِ رَجُل مُخْتَارٍ، جَبَابِرَةِ بَأْسٍ. مَلَكَ ثَلاَثَ سِنِينَ فِي أُورُشَلِيمَ. وَاسْمُ أُمِّهِ مِيخَايَا بِنْتُ أُورِيئِيلَ مِنْ جَبْعَةَ. وَكَانَتْ حَرْبٌ بَيْنَ أَبِيَّا وَيَرُبْعَامَ. [2] في (2 أي 11: 20) قيل إن أمه تدعى معكة ابنة أبشالوم، وهنا دُعيَت ميخايا بنت أوريئيل. أغلب الظن أنها كانت حفيدة أبشالوم من ابنته ثامار (2 صم 14: 27). في سفر الملوك يذكر الله اسم الأم، لأنها تتحمَّل جزءًا من المسئولية عن ابنها، فإذا أصبح ذا سيرة صالحة تشترك في الفضل في ذلك، وإذ سلك في الشر تتحمَّل اللوم معه. وَابْتَدَأَ أَبِيَّا فِي الْحَرْبِ بِجَيْشٍ مِنْ جَبَابِرَةِ الْقِتَالِ أَرْبَعِ مِئَةِ أَلْفِ رَجُلٍ مُخْتَارٍ، وَيَرُبْعَامُ اصْطَفَّ لِمُحَارَبَتِهِ بِثَمَانِ مِئَةِ أَلْفِ رَجُلٍ مُخْتَارٍ جَبَابِرَةِ بَأْسٍ. [3] واجه أبيّا بجيشه الذي يضم 400 ألفًا مختارًا جيش يربعام الذي يبلغ الضعف 800,000 رجل مختار. ربما لأن الله أعان يهوذا، وخصوصًا جاءت هذه المعونة بسبب شهادة أبيا لله. جلس أبيا مع نفسه وحسب النفقة، إذ أضاف إلى جيشه اتكاله على الله وإيمانه به، فغلب جيش يربعام. في إنجيل لوقا (لو 14: 21)، يقول السيد المسيح: "وأي ملك إن ذهب لمقاتلة ملك آخر في حرب لا يجلس أولاً، ويتشاور: هل يستطيع أن يلاقي بعشرة آلاف الذي يأتي إليه بعشرين ألفًا؟!" قَدَّم أبيّا كشفًا بالنفقة: 1. عهد الرب مع يهوذا بواسطة داود هو عهد أبدي لا يُنقَض. 2. تمرد العشرة أسباط خلال ملكهم يربعام علنًا ضد نسل داود مسيح الرب [6-7]. 3. انحراف الأسباط العشرة إلى العبادة الوثنية، واتكالهم على آلهة كاذبة [8]. 4. طردهم كهنة الرب، وإقامة كهنة حسب هواهم. 5. يتكل يهوذا على الله بكونه رأسهم، ويعتمدون على كلمة الله (أبواق الكهنة). خلاصة هذه النفقة أن أبيّا اختفى في الله، وحسب المعركة ضد الله شخصيًا، بينما اعتمد يربعام على كثرة عدد الجنود، فنال أبيّا النصرة واسترد بيت إيل ويشانه وعفرون. 3. خطاب أبيَّا ليربعام وشعبه 4 وَقَامَ أَبِيَّا عَلَى جَبَلِ صَمَارَايِمَ الَّذِي فِي جَبَلِ أَفْرَايِمَ وَقَالَ: «اسْمَعُونِي يَا يَرُبْعَامُ وَكُلَّ إِسْرَائِيلَ. 5 أَمَا لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا أَنَّ الرَّبَّ إِلهَ إِسْرَائِيلَ أَعْطَى الْمُلْكَ عَلَى إِسْرَائِيلَ لِدَاوُدَ إِلَى الأَبَدِ وَلِبَنِيهِ بِعَهْدِ مِلْحٍ؟ 6 فَقَامَ يَرُبْعَامُ بْنُ نَبَاطَ عَبْدُ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ وَعَصَى سَيِّدَهُ. 7 فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ رِجَالٌ بَطَّالُونَ بَنُو بَلِيَّعَالَ وَتَشَدَّدُوا عَلَى رَحُبْعَامَ بْنِ سُلَيْمَانَ، وَكَانَ رَحُبْعَامُ فَتًى رَقِيقَ الْقَلْبِ فَلَمْ يَثْبُتْ أَمَامَهُمْ. 8 وَالآنَ أَنْتُمْ تَقُولُونَ إِنَّكُمْ تَثْبُتُونَ أَمَامَ مَمْلَكَةِ الرَّبِّ بِيَدِ بَنِي دَاوُدَ، وَأَنْتُمْ جُمْهُورٌ كَثِيرٌ وَمَعَكُمْ عُجُولُ ذَهَبٍ قَدْ عَمِلَهَا يَرُبْعَامُ لَكُمْ آلِهَةً. 9 أَمَا طَرَدْتُمْ كَهَنَةَ الرَّبِّ بَنِي هَارُونَ وَاللاَّوِيِّينَ، وَعَمِلْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ كَهَنَةً كَشُعُوبِ الأَرَاضِي، كُلُّ مَنْ أَتَى لِيَمْلأَ يَدَهُ بِثَوْرٍ ابْنِ بَقَرٍ وَسَبْعَةِ كِبَاشٍ، صَارَ كَاهِنًا لِلَّذِينَ لَيْسُوا آلِهَةً؟ 10 وَأَمَّا نَحْنُ فَالرَّبُّ هُوَ إِلهُنَا، وَلَمْ نَتْرُكْهُ. وَالْكَهَنَةُ الْخَادِمُونَ الرَّبَّ هُمْ بَنُو هَارُونَ وَاللاَّوِيُّونَ فِي الْعَمَلِ، 11 وَيُوقِدُونَ لِلرَّبِّ مُحْرَقَاتٍ كُلَّ صَبَاحٍ وَمَسَاءٍ. وَبَخُورُ أَطْيَابٍ وَخُبْزُ الْوُجُوهِ عَلَى الْمَائِدَةِ الطَّاهِرَةِ، وَمَنَارَةُ الذَّهَبِ وَسُرُجُهَا لِلإِيقَادِ كُلَّ مَسَاءٍ، لأَنَّنَا نَحْنُ حَارِسُونَ حِرَاسَةَ الرَّبِّ إِلهِنَا. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَقَدْ تَرَكْتُمُوهُ. 12 وَهُوَذَا مَعَنَا اللهُ رَئِيسًا، وَكَهَنَتُهُ وَأَبْوَاقُ الْهُتَافِ لِلْهُتَافِ عَلَيْكُمْ. فَيَا بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تُحَارِبُوا الرَّبَّ إِلهَ آبَائِكُمْ لأَنَّكُمْ لاَ تُفْلِحُونَ». وَقَامَ أَبِيَّا عَلَى جَبَلِ صَمَارَايِمَ الَّذِي فِي جَبَلِ أَفْرَايِمَ، وَقَالَ: اسْمَعُونِي يَا يَرُبْعَامُ وَكُلَّ إِسْرَائِيلَ. [4] يدعو البعض خطاب أبيَّا على جبل صمارايم "موعظة أبيَّا على الجبل"، كشف فيها الملك عن أخذ القرار السليم بالنسبة للإنسان كفردٍ أو الأمة كجماعةٍ. إما أن يقبل الإنسان كما الجماعة الرب رئيسًا وقائدًا [12] أو عدوًا، فيقومون بمحاربته [12]. جاءت معركة أبيا توضيحًا عمليًا للالتصاق بالرب واهب النصرة، أو مقاومته فلا يفلح الإنسان أو الجماعة. كان لدى أبيّا الشجاعة أن يكرز أمام الملك يربعام و800 ألف جندي، مستخدمًا جبل صماريم منبرًا يعظ عليه. جبل صماريم: كانت صماريم إحدى مدن يهوذا (يش 18: 22). إذًا ميدان المعركة كان على حدود يهوذا وإسرائيل. أَمَا لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا أَنَّ الرَّبَّ إِلَهَ إِسْرَائِيلَ أَعْطَى الْمُلْكَ عَلَى إِسْرَائِيلَ، لِدَاوُدَ إِلَى الأَبَدِ وَلِبَنِيهِ بِعَهْدِ مِلْحٍ؟ [5] يرى القديس أغسطينوس أن الانقسام قام على أساس سياسي لا ديني[1]، غير أن خطاب أبيا يكشف عن أن الانقسام يقوم على أساس ديني[2]. إذ وقف أبيَّا يخاطب الأسباط العشرة أَكَّد لهم أن المعركة ليست صراعًا بين مملكتين من يستلم الحكم، فقد حسم الرب نفسه الأمر، وأعطى وعدًا إلهيًا أن يُعطي الحكم لبيت داود. وإن ما فعله يربعام، هو عصيان لأمرٍ إلهيٍ. أراد أبيَّا أن يقنع بني إسرائيل بالجدال لا بالسيف. ذهب أبيَّا بجيشه في قلب بلادهم، وألقى خطابه من على جبل أفرايم حتى يمكن ليربعام ورجاله أن يسمعوه. ربما بهذا عرض الدخول في معاهدة صلح رهن موافقتهم. اعتاد قادة الجيش أو الملوك أن يلقوا خطابهم قبل الحرب إلى جنودهم لبث روح الغيرة والشجاعة، أما أبيَّا فلم يُوَجِّه الخطاب إلى جنوده بل إلى يربعام وكل شعب إسرائيل. أما محور الخطاب فهو أن الحق الإلهي بجانبه، لأن الله نفسه بجانبه. يؤكد أبيَّا أن الله أعطى المُلْكَ على إسرائيل لبيت داود، ليس كتدبيرٍ لفترة زمنية مؤقتة، وإنما بعهدٍ إلهي دائم وأبدي، وفي إلحاحٍ. فَقَامَ يَرُبْعَامُ بْنُ نَبَاطَ عَبْدُ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ وَعَصَى سَيِّدَهُ. [6] لم يُقِمْ الله يربعام ملكًا، لكن أقام نفسه بخداعه ومكره وتعدِّيه على سيده، وقد سمح الله بذلك، لكن ليس حسب مسرَّة الله. ألقى أبيَّا اللوم كله على يربعام الذي استغل صغر سن رحبعام وتردده، ليثير الأسباط ضده. أما جوهر عِلَّة الانقسام فهو أن يربعام كان يتعبَّد للعجول الذهبية لا الله الحيّ [8]، هذا الذي لم يترك اللاويين يعملون في الشمال [9]. أما أحقيَّة يهوذا في العرش، فتقوم على الإخلاص والإيمان بوعد الله لداود [10]. فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ رِجَالٌ بَطَّالُونَ بَنُو بَلِيَّعَالَ، وَتَشَدَّدُوا عَلَى رَحُبْعَامَ بْنِ سُلَيْمَانَ، وَكَانَ رَحُبْعَامُ فَتىً رَقِيقَ الْقَلْبِ، فَلَمْ يَثْبُتْ أَمَامَهُمْ. [7] كما دعا يربعام "عاصي سيده" حسب أن رجالاً بطّالين وقفوا معه وشجعوه، وهو تعبير مستعار من (قضاة 11: 3)، كما دعاهم بني بليعال، أي أناس بلا مبدأ، ما يهدفون إليه هو إقامة ملك يسلك حسب هواهم. وَأَنْتُمْ جُمْهُورٌ كَثِيرٌ، وَمَعَكُمْ عُجُولُ ذَهَبٍ قَدْ عَمِلَهَا يَرُبْعَامُ لَكُمْ آلِهَةً. [8] واضح أن أبيَّا لم يكن عابد وثنٍ، لذلك هاجم رجال يربعام، لأنهم يعبدون العجول التي أقامها يربعام، ربما لم ينزع المرتفعات والأصنام من المملكة (2 أي 14: 3-5)، إلا أنه استمر في حفظ خدمة الهيكل. مهما بلغ الفساد في مملكة يهوذا في ذلك الوقت، فإنه لا يُقارَن بفساد بني إسرائيل. "أنتم جمهور كثير": هذا ما كانت مملكة إسرائيل تفتخر به على مملكة يهوذا، إذ كانوا أكثر عددًا منهم، لكن أبيَّا لا يهابهم، لأن في وسطهم "عجول كثيرة"، وهذا ما يكفي لهلاكهم. إنها ليس فقط تعجز عن حمايتهم، إنما تجعلهم موضع غضب الله، فيهلكون. أَمَا طَرَدْتُمْ كَهَنَةَ الرَّبِّ بَنِي هَارُونَ وَاللاَّوِيِّينَ، وَعَمِلْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ كَهَنَةً كَشُعُوبِ الأَرَاضِي، كُلُّ مَنْ أَتَى لِيَمْلأَ يَدَهُ بِثَوْرٍ ابْنِ بَقَرٍ وَسَبْعَةِ كِبَاشٍ، صَارَ كَاهِنًا لِلَّذِينَ لَيْسُوا آلِهَةً! [9] أبرز أبيّا أن يربعام ومن ساروا وراءه قد تمرَّدوا على بيت داود، الأسرة المالكة الشرعية من قبل الرب، كما طردوا الكهنة أبناء هرون الذين وحدَهم لهم حق القيادة وتقديم الذبائح لله. إنها فضيحة كبرى أنهم طردوا الكهنة واللاويين الذين عيَّنهم الرب، وعيَّنوا كهنة كل مؤهلات الكاهن فيهم أن يأتي ويملأ يده بثور ابن بقر وسبعة كباش. وَأَمَّا نَحْنُ فَالرَّبُّ هُوَ إِلَهُنَا وَلَمْ نَتْرُكْهُ. وَالْكَهَنَةُ الْخَادِمُونَ الرَّبَّ هُمْ بَنُو هَارُونَ. وَاللاَّوِيُّونَ فِي الْعَمَلِ [10] التمرُّد على بيت داود وطَرْد أبناء هرون ليس إهانة للسبطين يهوذا ولاوي، وإنما رفض لله الحي، وتركه، لذا تركهم الله. أما مملكة يهوذا فتتمتَّع بسُكنَى الله في وسطها: "نحن للرب ولم نتركه". وثق أبيَّا من النصرة، معتمدًا لا على إمكانياته العسكرية، إنما على الله. فالرب هو إلهنا، ولم نتركه [10]. وَيُوقِدُونَ لِلرَّبِّ مُحْرَقَاتٍ كُلَّ صَبَاحٍ وَمَسَاءٍ وَبَخُورُ أَطْيَابٍ، وَخُبْزُ الْوُجُوهِ عَلَى الْمَائِدَةِ الطَّاهِرَةِ، وَمَنَارَةُ الذَّهَبِ وَسُرُجُهَا لِلإِيقَادِ كُلَّ مَسَاءٍ، لأَنَّنَا نَحْنُ حَارِسُونَ حِرَاسَةَ الرَّبِّ إِلَهِنَا. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَقَدْ تَرَكْتُمُوهُ. [11] "لأننا نحن حارسون حراسة الرب"، إننا مؤتمنون على الحفاظ على أوامر الرب وخطته وتدبيره، وملتزمون بذلك. أما أنتم فتركتم الرب، وسلكتم حسب فكركم البشري الخاطئ، أقمتم آلهة باطلة من صُنْعِ أيديكم، وكهنة لا يعرفون الحق الإلهي. تَرَكَت مملكة الشمال الكهنوت الشرعي، وانصرفت عن العبادة المستقيمة. وَهُوَذَا مَعَنَا الله رَئِيسًا، وَكَهَنَتُهُ وَأَبْوَاقُ الْهُتَافِ لِلْهُتَافِ عَلَيْكُمْ. فَيَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، لاَ تُحَارِبُوا الرَّبَّ إِلَهَ آبَائِكُمْ، لأَنَّكُمْ لاَ تُفْلِحُونَ. [12] أكد أبيَّا أنه لا مجال للحرب، فالنصرة لا تقوم على إمكانيات وخبرات عسكرية، إنما على الإخلاص في عبادة الرب. نستطيع أن نقول إن حديث أبيَّا كله يدور حول الإيمان بالله الحيّ واستقامة العبادة له. قائدنا معنا، حيّ لا يموت، وجيشه الحقيقي هو كهنته الحاملون أبواق الهتاف التي تعلن عن نصرته الأكيدة. كل مقاومةٍ له مصيرها الفشل والهزيمة. من الحماقة أن يدخل إنسان أو شعب في مقاومة الله! 4. هزيمة إسرائيل أمام يهوذا 13 وَلكِنْ يَرُبْعَامُ جَعَلَ الْكَمِينَ يَدُورُ لِيَأْتِيَ مِنْ خَلْفِهِمْ. فَكَانُوا أَمَامَ يَهُوذَا وَالْكَمِينُ خَلْفَهُمْ. 14 فَالْتَفَتَ يَهُوذَا وَإِذَا الْحَرْبُ عَلَيْهِمْ مِنْ قُدَّامٍ وَمِنْ خَلْفٍ. فَصَرَخُوا إِلَى الرَّبِّ، وَبَوَّقَ الْكَهَنَةُ بِالأَبْوَاقِ، 15 وَهَتَفَ رِجَالُ يَهُوذَا. وَلَمَّا هَتَفَ رِجَالُ يَهُوذَا ضَرَبَ اللهُ يَرُبْعَامَ وَكُلَّ إِسْرَائِيلَ أَمَامَ أَبِيَّا وَيَهُوذَا. 16 فَانْهَزَمَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْ أَمَامِ يَهُوذَا وَدَفَعَهُمُ اللهُ لِيَدِهِمْ. 17 وَضَرَبَهُمْ أَبِيَّا وَقَوْمُهُ ضَرْبَةً عَظِيمَةً، فَسَقَطَ قَتْلَى مِنْ إِسْرَائِيلَ خَمْسُ مِئَةِ أَلْفِ رَجُل مُخْتَارٍ. 18 فَذَلَّ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي ذلِكَ الْوَقْتِ وَتَشَجَّعَ بَنُو يَهُوذَا لأَنَّهُمُ اتَّكَلُوا عَلَى الرَّبِّ إِلهِ آبَائِهِمْ. 19 وَطَارَدَ أَبِيَّا يَرُبْعَامَ وَأَخَذَ مِنْهُ مُدُنًا: بَيْتَ إِيلَ وَقُرَاهَا، وَيَشَانَةَ وَقُرَاهَا، وَعَفْرُونَ وَقُرَاهَا. 20 وَلَمْ يَقْوَ يَرُبْعَامُ بَعْدُ فِي أَيَّامِ أَبِيَّا، فَضَرَبَهُ الرَّبُّ وَمَاتَ. وَلَكِنْ يَرُبْعَامُ جَعَلَ الْكَمِينَ يَدُورُ لِيَأْتِيَ مِنْ خَلْفِهِمْ. فَكَانُوا أَمَامَ يَهُوذَا وَالْكَمِينُ خَلْفَهُمْ. [13] أطال أبيَّا خطابه، واعتبر يربعام ذلك فرصة لينشغل أبيَّا بالخطاب، ويقوم بوضع كمينٍ خلف أبيَّا ليجد نفسه محصورًا بين الكمين من خلف والجيش من أمام. لم يرد عليه يربعام بكلمة، وحسب كأنه لم يسمع شيئًا، كنوعٍ من الاستخفاف بأبيَّا وإلهه وجيشه، أو لكي يدبر خطته بمكرٍ. لقد حسب أن الخطة العسكرية للنصرة هي خير ردٍ على خطاب أبيَّا. بحسب المنطق العسكري، لم يقم جيش أبيًّا بحراسة يقظة، وترك الفرصة ليربعام كي يُحَقِّقَ خطته. وصار أبيّا وجيشه في خطرٍ من جهة قلة العدد ومحاصرته من قدام وخلف بجيش يربعام. فَالْتَفَتَ يَهُوذَا، وَإِذَا الْحَرْبُ عَلَيْهِمْ مِنْ قُدَّامٍ وَمِنْ خَلْفٍ. فَصَرَخُوا إِلَى الرَّبِّ، وَبَوَّقَ الْكَهَنَةُ بِالأَبْوَاقِ [14] التصاق الكهنة بأبيَّا وجيشه كان له دوره الرئيسي في النصرة. دخل يهوذا في ضيقٍ شديدٍ، فالمعركة من خلف ومن قدام، وعدد جيش العدو الضِعْف، أدرك يهوذا أنه لا خلاص إلا بالتدخُّل الإلهي. وكما يقول المرتل: "أحاطوا بي واكتنفوني، باسم الرب أبيدهم. أحاطوا بي مثل النحل، وانطفأوا كنار الشوك. باسم الرب أبيدهم" (مز 118: 11-12). كان يربعام رجل حرب قدير، ولو أنه سار في طريق الرب لازدهرت مملكته جدًا، ولكن لأنه خالف الله، وطلب ما لنفسه، وسار بحكمته البشرية انكسر في الحرب، ومات ابنه (1 مل 14)، فخسر زمانه الحاضر وأبديته. لم يطلب أبيَّا مساعدة من أمةٍ ما، ولا تحالف مع أحدٍ ضد يربعام، إنما رفع قلبه وعينيه مع كل جيشه إلى الله، مصدر النصرة الحقيقية. سمح الله بالضيق حتى يصرخوا إليه، ويدركوا أن نصرتهم ليست خلال قوتهم أو إمكانياتهم أو خططهم العسكرية، إنما من الله. لكي يهتف كل واحدٍ منهم: "وهذه هي الغلبة التي تغلب العالم، إيماننا!" (1 يو 5: 4) سمح الرب أن يشتبك أبيَّا في معركة ضد يربعام وساعده فيها فغلب، بينما لم يسمح لأبيه أن يدخل في معركة مع يربعام، لماذا؟ ربما أراد الله أن يراجع كل من رحبعام ويربعام نفسه. الأول سلك بمشورة أصدقائه الأشرار، ولم يستشر الرب قبل أن يُجِيبَ على الشعب، فاستخدم أسلوب العنف مع الشعب بغير حكمة، والثاني أخطأ لأنه اغتصب الحكم بإثارته للشعب. كان الاثنان في حاجة إلى فترة هدوء وعودة صادقة لله. ربما كان يربعام يطمع في ضم السبطيْن أيضًا إلى العشرة أسباط تحت حُكْمِه. في بداية أيام رحبعام والانشقاق، لم يكن يربعام قد أخذ موقفًا متشدِّدًا ضد عبادة الله الحيّ، لكن الآن أقام يربعام العجول وطرد الكهنة، فسمح الله لأبيَّا أن يؤدبه. وَهَتَفَ رِجَالُ يَهُوذَا. وَلَمَّا هَتَفَ رِجَالُ يَهُوذَا، ضَرَبَ الله يَرُبْعَامَ وَكُلَّ إِسْرَائِيلَ، أَمَامَ أَبِيَّا وَيَهُوذَا. [15] تكرَّر الآن مشهد المعركة ضد أريحا (يش 6). ضرب الكهنة بالأبواق يُشِير إلى التمسُّك بكلمة الله ووعوده الإلهية، أما هتاف رجال يهوذا، فيُشير إلى التسبيح لله بروح الفرح والبهجة. التمسُّك بالوصية والوعود الإلهية مع التسبيح بفرحٍ هو طريق الغلبة على إبليس وكل قواته. تمتع جيش أبيَّا بعطية الفرح بخلاص الله، بينما ضُرِبَ يربعام وكل جيشه برعبٍ شديد، حتى هربوا مع شعور بالفشل والهزيمة. فَانْهَزَمَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْ أَمَامِ يَهُوذَا، وَدَفَعَهُمُ الله لِيَدِهِمْ. [16] وَضَرَبَهُمْ أَبِيَّا وَقَوْمُهُ ضَرْبَةً عَظِيمَةً، فَسَقَطَ قَتْلَى مِنْ إِسْرَائِيلَ خَمْسُ مِئَةِ أَلْفِ رَجُلٍ مُخْتَارٍ. [17] كان عدد جيش يربعام ضعف جيش أبيَّا، إذ كان الأول يحكم عشرة أسباط يُقِيم منهم جيشًا والثاني سبطان فقط. وكان لدى الجيشين رجال أقوياء وجبابرة بأس. مع ذلك فإن جيش أبيَّا غلب جيش يربعام، فالنصرة ليست دائمًا للقوي، ولا الحق دائمًا مع الأغلبية. فَذَلَّ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَتَشَجَّعَ بَنُو يَهُوذَا، لأَنَّهُمُ اتَّكَلُوا عَلَى الرَّبِّ إِلَهِ آبَائِهِمْ. [18] لم يُذكَر عن أبيّا أنه فعل المستقيم في عينيّ الرب، لكن الله وهبه النصرة من أجل تمسُّكِه بالوعود الإلهية واتكاله عليه. لم يكن أبيّا مثل يشوع حتى يهبه ما وهبه ليشوع عند دخوله أريحا، إنما يبقى الله أمينًا في وعوده مادمنا نتكل عليه. v إذ أتقوى بقوتك لذلك أنطق بالكلمات التالية بجسارة: "أطرد أعدائي فأدركهم، ولا أرجع حتى يفنوا". القديس يوحنا كاسيان نعم، أَعِنِّي كي أحبك؛ فأنت هو إلهي، حاميَّ؛ أنت حصني المنيع؛ أنت رجائي العذب وسط ضيقاتي... لألتصق بك، فأنت هو الخير وحدك، وبدونك ليس للخير وجود! لتكن أنت كل سعادتي، يا كُلَّي الصلاح... أيها الحياة، لمجدك يحيا كل مخلوق. لقد وهبتني الحياة، وفيك حياتي. بك أحيا، وبدونك أموت... أتوسل إليك: أخبرني أين أنت؟! أين ألقاك، فأختفي فيك بالكلية، ولا أوجد إلا فيك! v "هو ناصر جميع المُتَّكلين عليه". كل من يتكل على المسيح لا على الأنا، يجتاز التجربة بسلامٍ، لأن الإيمان يُوَلِّد رجاءً. القديس أغسطينوس القديس أوغريس من بنطس بَيْتَ إِيلَ وَقُرَاهَا وَيَشَانَةَ وَقُرَاهَا وَعَفْرُونَ وَقُرَاهَا. [19] وَلَمْ يَقْوَ يَرُبْعَامُ بَعْدُ فِي أَيَّامِ أَبِيَّا، فَضَرَبَهُ الرَّبُّ وَمَاتَ. [20] أضعفت هذه المعركة قوة يربعام، وضربه الرب ومات، لكن لم ترجع وحدة المملكة كما في أيام داود وسليمان. 5. ختام حياته وَتَشَدَّدَ أَبِيَّا، وَاتَّخَذَ لِنَفْسِهِ أَرْبَعَ عَشَرَةَ امْرَأَةً، وَوَلَدَ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ ابْنًا وَسِتَّ عَشَرَةَ بِنْتًا. [21] وَبَقِيَّةُ أُمُورِ أَبِيَّا وَطُرُقُهُ وَأَقْوَالُهُ مَكْتُوبَةٌ فِي مِدْرَسِ النَّبِيِّ عِدُّو. [22] "مدرس": كلمة عبرية معناها تفسير، لاسيما التفسير الذي يصحبه مواعظ. أصل الكلمة "مدراش"، وردت هنا كما وردت في (2 أي 24: 27). من وحي 2 أي 13 أنت هو حصني ونُصرتي وخلاصي! v نجح يربعام في كسب عشرة أسباط ضد بيت داود. واستطاع أن يجمع جيشًا ضعف جيش يهوذا. وقف يربعام في المعركة يسنده جيشه الضخم. ووقف أبيَّا ملك يهوذا متَّكِئًا على الله. v لم يلقِ أبيًّا خطابًا يثير به جيشه ويلهبه بالحماس. إنما ألقى خطابه إلى يربعام والأسباط العشرة. يطلب منهم الالتصاق بالله الحيّ عوض عبادة العجول. استخف به يربعام، وبمكيدة هاجمه من الخلف كما من قدام. v لم يكن ممكنًا لا لكثرة الجيش ولا لخطته العسكرية، أن تقف أمام من يتكئ على الله ويثق فيه. بالقليل هزم أبيّا يربعام، طارده وأخذ منه مدنًا. v هَبْ لي يا رب في معاركي ضد إبليس، أن ألتصق بك، فلا يقوى العدو عليّ. أنت ملجأي وحصن حياتي. أنت نصرتي وخلاصي! لن يخاف قلبي ما دمتَ في داخلي. ولا أرهب الموت، فأنت حياتي! آسا ملك يهوذا آسا أحد الملوك الخمسة الذين استخدمهم الله لنهضة مملكة يهوذا؛ على خلاف مملكة إسرائيل (الشمال) التي قام فيها تسعة عشر ملكًا، ولم يكن من بينهم ملك واحد مستقيم، ولم يقم أحدهم بالإصلاح. ولكن وُجد ملوك من يهوذا دعوا صالحين، خمسة منهم كانوا بارزين في الإصلاح وهم آسا ويهوشافاط ويوآش وحزقيا ويوشيا. وُجِدَ تشابه بينهم كما وُجِدَ تنوُّع في الإصلاح. وقد تخصصت الأصحاحات الثلاثة (14-16) في تاريخ الملك آسا. جلس آسا على العرش 41 عامًا، يمكن تقسيم هذه الفترة إلى ثلاث مراحل: المرحلة الأولى [الأصحاح 14]: تمتد إلى عشرة سنوات منذ بدء حُكْمِه، سلك فيها باستقامة قلبٍ، وتمتعت المملكة بالسلام كثمرة لانتصار أبيه أبيا على يربعام. قام في هذه الفترة ببعض الإصلاحات وتنظيف المملكة من العبادة الوثنية، وحث الشعب على طلب الرب [2-5]، كما اهتم بتقوية الجانب العسكري، غير أن سرَّ نجاحه في هذه المرحلة يقوم على طلبه الرب [7]. المرحلة الثانية [الأصحاح 15]: إن كانت المرحلة الأولى هي مرحلة السلام، فهذه المرحلة تُدعَى مرحلة الإصلاحات، حيث تشدَّد الملك ونزع الرجاسات من كل الأرض، وقام بتجديد مذبح الرب. المرحلة الثالثة [الأصحاح 16] مرحلة نكسة وانحراف في السنوات الأخيرة، وتأديب الرب له. حياة هذا الملك استمرت في استقامة، لكن سقوطه في السنوات الأخيرة تعتبر تحذيرًا لنا، وكما يقول الرسول: "إذًا من يظن أنه قائم، فلينظر أن لا يسقط" (1 كو 10-12). v ثباتنا هنا ليس ثباتًا آمنًا. لا، حتى نخلص من تيارات هذه الحياة الحاضرة ونبحر إلى الميناء الهادئ. لا تنتفخوا إذن أنكم ثابتون، بل احرصوا لئلا تسقطوا، فإن كان بولس يخشى ذلك وهو أكثر ثباتًا منا جميعًا، كم بالأكثر يليق بنا نحن أن نحذر؟! v من يسب الآخرين يسقط حالاً في نفس الخطايا. لهذا ينصحنا الطوباوي بولس: "من يظن أنه قائم، فلينظر أن لا يسقط" [11]. v أول ملامح التنظيم للقوى العسكرية (التكتيك العسكري) هو أن يعرف كيف تقف حسنًا. أمور كثيرة تعتمد على هذا. لهذا كثيرًا ما يتحدث عن القيام بثبات، قائلاً: "اسهروا، اثبتوا في الإيمان" (1 كو 16: 13). وأيضًا :" اثبتوا في الرب" (في 4 : 1)، وأيضًا: "من يظن أنه قائم، فلينظر أن لا يسقط". وأيضًا: "وبعد أن تتمموا كل شيء أن تثبتوا" (أف 6: 13). بلا شك لا يقصد مُجَرَّد أية طريقة للثبات، بل الطريقة الصحيحة. وكما أن كثيرين لهم خبرة في الحروب يلزمهم أن يعرفوا الأهمية القصوى لمعرفة كيف يثبتون. فإن كان في حالة الملاكمين والمصارعين يذكر المُمَرَّنون هذا الأمر قبل كل شيء، أقصد الثبات، فكم بالأكثر يكون له الأولوية في الحروب والشئون العسكرية. القديس يوحنا الذهبي الفم 1 ثُمَّ اضْطَجَعَ أَبِيَّا مَعَ آبَائِهِ فَدَفَنُوهُ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ، وَمَلَكَ آسَا ابْنُهُ عِوَضًا عَنْهُ. فِي أَيَّامِهِ اسْتَرَاحَتِ الأَرْضُ عَشَرَ سِنِينَ. 2 وَعَمِلَ آسَا مَا هُوَ صَالِحٌ وَمُسْتَقِيمٌ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ إِلهِهِ. 3 وَنَزَعَ الْمَذَابحَ الْغَرِيبَةَ وَالْمُرْتَفَعَاتِ، وَكَسَّرَ التَّمَاثِيلَ وَقَطَّعَ السَّوَارِيَ، 4 وَقَالَ لِيَهُوذَا أَنْ يَطْلُبُوا الرَّبَّ إِلهَ آبَائِهِمْ وَأَنْ يَعْمَلُوا حَسَبَ الشَّرِيعَةِ وَالْوَصِيَّةِ. 5 وَنَزَعَ مِنْ كُلِّ مُدُنِ يَهُوذَا الْمُرْتَفَعَاتِ وَتَمَاثِيلَ الشَّمْسِ، وَاسْتَرَاحَتِ الْمَمْلَكَةُ أَمَامَهُ. ثُمَّ اضْطَجَعَ أَبِيَّا مَعَ آبَائِهِ، فَدَفَنُوهُ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ، وَمَلَكَ آسَا ابْنُهُ عِوَضًا عَنْهُ. فِي أَيَّامِهِ اسْتَرَاحَتِ الأَرْضُ عَشَرَ سِنِينَ. [1] لم تدم مدة حكم أبيَّا سوى ثلاث سنوات، وجاء موته غامضًا في شبابه، لذا يرى البعض أن موته هذا كان ضريبة دفعها كما دفعتها أسرته، لارتباطه بأربعة عشر زوجة واثنين وعشرين ابنًا وستة عشر ابنة. خلف آسا أباه أبيَّا، وكما شهد الكتاب المقدس عن تقواه، وقد ملك أكبر مدة من كل الملوك. وصفه يوسيفوس قائلاً: [الآن آسا ملك أورشليم كان ذا شخصية ممتازة، يضع الله أمام عينيه، ولم يفعل شيئًا ولا فكر في شيءٍ إلا ما فيه حفظ للشريعة. قام بنهضة لمملكته، ونزع ما فيها من شرٍ، وطهَّرها من كل دنسٍ.] وَعَمِلَ آسَا مَا هُوَ صَالِحٌ وَمُسْتَقِيمٌ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ إِلَهِهِ. [2] يليق بالمؤمن أن يهدف نحو إرضاء الله، فيعمل ما هو صالح في عينيّ الله، وليس في عيني نفسه أو أعين الناس. وَنَزَعَ الْمَذَابِحَ الْغَرِيبَةَ وَالْمُرْتَفَعَاتِ، وَكَسَّرَ التَّمَاثِيلَ، وَقَطَّعَ السَّوَارِيَ [3] أول ملك منذ بداية حكمه في يهوذا ينزع المرتفعات ويُكسِّرها. المرتفعات: ظهرت في زمن سليمان الذي بَنَى مرتفعة لكموش وغيره على جبل تجاه أورشليم (1 مل 11: 5-8). السواري: أعمدة مُزَيَّنة مأخوذة عن أشور بها إشارات لأعضاء التناسل لإثارة الشهوة. تحدث سفر أخبار اليوم هنا عن الإصلاحات الدينية [3-5] وهي إلى حد كبير تطابق ما ورد في 1 مل 15: 7-12. تلى ذلك فصل لم يرد في سفر الملوك (2 أي 14: 6-15:15). بدأ الإصلاح بمُجَرَّد اعتلائه العرش. قام بإزالة العبادة الوثنية، فمنذ دخلت في أواخر أيام سليمان بسبب نسائه الغريبات الجنس، لم يُعمَلْ شيء لإزالتها، فتأسست في البلاد، وصار لها مذابحها وأصنامها وبساتينها. لم يهدف آسا إلى قتل وإبادة الذين كانوا يعبدون الأصنام، إنما أن يتوبوا ويرجعوا عنها. أما خدمة هيكل الرب، فمع استمرار قيام الكهنة بالخدمة، كانوا يعملون في فتورٍ، فأهملها الكثيرون. وَقَالَ لِيَهُوذَا أَنْ يَطْلُبُوا الرَّبَّ إِلَهَ آبَائِهِمْ، وَأَنْ يَعْمَلُوا حَسَبَ الشَّرِيعَةِ وَالْوَصِيَّةِ. [4] أمر الملك أن يطلب الشعب مع القادة الرب إله آبائهم وليس إله الوثنيين، وأن يسلكوا حسب الشريعة والوصية الإلهية التي أهملها الكثيرون. إذ عمل آسا ما هو مستقيم في عيني الرب، اشتهى أن يختبر القادة والشعب عذوبة الوصية الإلهية. فيليق مع الصلاة أن "يطلبوا الرب إله آبائهم"، وأن يسلكوا حسب الشريعة والوصية. في انحراف الإنسان، يرى في الوصية الإلهية حرمانًا وثقلاً على النفس، أما في التصاقه بالرب، فيرى فيها الحلي الثمين الذي يُزَيِّن النفس كعروسٍ سماويةٍ مقدسة، تحمل صورة خالقها الجميلة. غاية وصية الرب أن تُقَدِّمَ لنا الرب عريسًا لنفوسنا، نتحد معه، وننال شركة الطبيعة الإلهية (2 بط 1: 4)، أي ننعم بسماته فينا، فنتهيأ للعرس الأبدي. في ميامر عيد الفصح يدعونا القديس مار يعقوب السروجي أن نتطلع إلى الوصايا الإلهية، لا بكونها أوامر ونواهٍ، بل قلادة وحُليّ ومجوهرات تتزيَّن بها العروس. v يا لكِ من شقية كم ارتويتِ بشهوتكِ! لماذا تحترقين مع أصنامكِ؟ لماذا تُحبِّين أصدقاءكِ الفاسقين أكثر من العريس الملك؟ هوذا ذاك الذي خطبكِ من سيناء (تث 32: 2) قد أتى. قومي واخرجي للقائه، هوذا ذاك الذي قدَّم لكِ خاتمًا من داخل النار (تث 19: 18)، يريد أن يصنع له عُرْسًا. ألقي الأصنام من حضنكِ، وقومي وابتهجي بوليمتكِ. إن خطبتكِ مقبولة من قبل أبيه، فلا تردِّي وجهكِ عن الوارث (مت 21: 38). هوذا مجوهرات وصاياه في أذنيكِ، ومهر نواميسه على يديك، قلادة كهنوته على عنقكِ، ولباس خدمته على جسدك. افتحي له خدركِ بحبٍّ، لأنه خطيب شبابكِ في القفر (إر 2: 2). القديس مار يعقوب السروجي من يتلذَّذ بالحق أولاً، قائلاً: "أتلذذ بوصاياك التي أحببتها جدًا"، يقول بعد ذلك: "ورفعت أذرعي إلى وصاياك التي وددتها جدًا". ما أجمل أن نتلذذ بالوصايا ونفهم معانيها، ثم نرفع أذرعنا إلى الأعمال التي تتفق مع الوصايا. لا نتمم عمل الوصايا عن حزنٍ أو اضطرارٍ (2 كو 9: 7)، وإنما بفرحٍ. إذ نتلذذ بها ونُنَفِّذها يلزمنا أن ننطق بها (تث 6: 7)، لهذا يضيف: "وتَلَوتُ (أناجي) في حقوقك"، بمعنى أنه من أجل حُبِّي لوصاياك، لا أتوقف عن الحديث عنها، وإنني أتلوها وأنا متلذذ جدًا بكل ما يمسُّ حقوقك. العلامة أوريجينوس وَنَزَعَ مِنْ كُلِّ مُدُنِ يَهُوذَا الْمُرْتَفَعَاتِ وَتَمَاثِيلَ الشَّمْسِ،وَاسْتَرَاحَتِ الْمَمْلَكَةُ أَمَامَهُ. [5] إذ رجع الملك مع القادة والشعب إلى الرب الحقيقي، والتزموا بالشريعة والوصية استراحت الأرض، بعد فترة طويلة من الحروب في عصري الملكين السابقين له. بلا شك أن نصرة أبيَّا – الملك السابق – على إسرائيل بقوةٍ، مهَّدت لفترة السلام التي عاش فيها ابنه الملك آسا. آسا يُمَثِّل الإنسان المُثابِر، فعندما استراحت المملكة أمامه (2 أخ 14: 5)، لم يفعل مثل داود الذي فكر في الراحة لنفسه بينما كان جيشه في الميدان، إنما استغلَّ الراحة لبناء مدنٍ حصينة في يهوذا، بالرغم من أنه لم تكن عليه حرب، لأن الرب أراحه، اهتم ببناء الجيش وتسليحه (2 أخ 4: 6-7). إنه يُمَثِّلُ الإنسان اليقظ الذي يستعد بنعمة الله لأي هجوم من عدو الخير. إن استراحت نفوسنا من هجوم عدو الخير، فلا نُحَوِّل الراحة إلى الترف والتهاون، بل نتسلَّح بكلمة الله. يتحدَّث الأب يوحنا من كرونستادتعن الجهاد والتغصُّب قائلاً: [من الذي جعل طريق المختارين ضيقًا؟ العالم يضغط على المختارين، والشيطان يضغط عليهم، وكذلك الجسد، هذا هو ما جعل طريقنا لملكوت السماوات ضَيِّقًا.] كما يقول: [إن كنَّا لا نجاهد يوميًا لنغلب الشهوات التي تهاجمنا، ونقتني ملكوت الله في قلوبنا، فالشهوات تمتلكنا بطغيانٍ شديدٍ وعنفٍ، وتسلب نفوسنا كاللصوص.] v تُعَلِّمنا المزامير التي تُدعَى "مزامير الصعود" كيف نصعد ونتقدَّم في سيرنا مع الله. يدعونا المرتل بالروح القدس أن نصعد بالقلب، أي أن نزداد في الرغبة المقدسة الحقيقية، الأمر الذي هو أعظم من البحث عن "المشاعر الروحية". نبدأ بالإيمان، ونؤمن في حقيقة عالم الله غير المنظور، وأُسس ملكوته الثابت. هذا يلهب فينا رجاءً حيًا بأننا أبناء الملكوت. هذا بدوره يجعلنا نسكب حب الله على الغير. هذا يُزِيد رغبتنا لخبرة حضور الله الأبدي الآن، كما في الحياة العتيدة، التي بلا نهاية. هذا هو ما يعنيه أننا نصعد. أتحدث إليكم من هذا الكتاب (المزامير)، لأنكم تفزعون عندما يُقرأ عليكم تحذير ورد في الإنجيل... إنكم تقرأون أن الرب يأتي مثل لصٍ في الليل. كما يقول يسوع في مثال: "إن كان رب البيت يعرف في أيَّة ساعة بالليل يأتي اللص، لسهر ولا يدع بيته يُنقَب، هكذا أنتم أيضًا كونوا مستعدين" (مت 24: 43–44). في فزعكم وخوفكم تفكرون: "كيف يهيئ الإنسان نفسه إن كانت الساعة تأتي كلصٍ؟ هل هذا عدل؟ أبدأ فأقول لكم، هذا لأنكم لا تعرفون ساعة مجيئه، لذا تسعون في الإيمان على الدوام. ربما يُخَطِّط الله بهذه الطريقة، جاعلاً إيَّانا نجهل ساعة مجيئه حتى نتهيأ في كل لحظةٍ لاستقباله. الطريقة التي بها يتطلَّع العبد إلى يد سيِّده. ستكون هذه الساعة موضع دهشة للذين يحسبون أنفسهم "أرباب بيوتهم"، الأمر الذي به يعني الذين هم في كبرياء يُدَبِّرون أمورهم دون اختبار لإرادة سيِّدهم الحقيقي. لذلك لا تكن سيِّدًا بهذه الطريقة الباطلة، فلا تدهش ولا تفزع. تسألني: فبماذا أتشبَّه إذن؟ أقول: تشبَّه بذاك الذي سمعت عنه من المرتل الصارخ: "فقير أنا وحزين" (مز 63: 30 Douay). إن رأيت أنك دومًا فقير وحزين في الروح (مت 5: 3)، تكون عيناك دومًا على الرب، وتنال رحمة من تعبك وراحة وقوة مستمرة. القديس أغسطينوس 6 وَبَنَى مُدُنًا حَصِينَةً فِي يَهُوذَا لأَنَّ الأَرْضَ اسْتَرَاحَتْ وَلَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ حَرْبٌ فِي تِلْكَ السِّنِينَ، لأَنَّ الرَّبَّ أَرَاحَهُ. 7 وَقَالَ لِيَهُوذَا: «لِنَبْنِ هذِهِ الْمُدُنَ وَنُحَوِّطْهَا بِأَسْوَارٍ وَأَبْرَاجٍ وَأَبْوَابٍ وَعَوَارِضَ مَا دَامَتِ الأَرْضُ أَمَامَنَا، لأَنَّنَا قَدْ طَلَبْنَا الرَّبَّ إِلهَنَا. طَلَبْنَاهُ فَأَرَاحَنَا مِنْ كُلِّ جِهَةٍ». فَبَنَوْا وَنَجَحُوا. 8 وَكَانَ لآسَا جَيْشٌ يَحْمِلُونَ أَتْرَاسًا وَرِمَاحًا مِنْ يَهُوذَا، ثَلاَثُ مِئَةِ أَلْفٍ، وَمِنْ بَنْيَامِينَ مِنَ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الأَتْرَاسَ وَيَشُدُّونَ الْقِسِيَّ مِئَتَانِ وَثَمَانُونَ أَلْفًا. كُلُّ هؤُلاَءِ جَبَابِرَةُ بَأْسٍ. وَبَنَى مُدُنًا حَصِينَةً فِي يَهُوذَا، لأَنَّ الأَرْضَ اسْتَرَاحَتْ، وَلَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ حَرْبٌ فِي تِلْكَ السِّنِينَ، لأَنَّ الرَّبَّ أَرَاحَهُ. [6] تظهر حكمة آسا وجديته، أنه إذ استراحت مملكته، لم يسلك في ترفٍ وتدليلٍ، وإنما استغل هذه الفترة لتحصين مدنه. هكذا يليق بالمؤمن أن يكون يقظًا وعاملاً بكل نشاطٍ حتى في فترات راحته. بنى مدنًا حصينةً، لكنه كان مُتَّكلاً على حماية الله، استغل وقت الراحة في تحصين مدنه، فهو لا يضيع وقته، بل يعمل حتى في وقت السلم. هكذا يليق بنا ألا نتوقَّف عن الجهاد الروحي، حتى لو لم توجد محاربات، حتى لا نسقط في الفتور الروحي. سرُّ راحته ليس كثرة عدد المُجَنَّدين، ولا قدرته العسكرية، ولا إمكانياته، إنما "لأن الرب أراحه". هكذا إذ يسلك المؤمن في المسيح يسوع، يهبه سلامه "وليس كما يعطي العالم" (يو 14: 27). وَقَالَ لِيَهُوذَا: لِنَبْنِ هَذِهِ الْمُدُنَ، وَنُحَوِّطْهَا بِأَسْوَارٍ وَأَبْرَاجٍ وَأَبْوَابٍ وَعَوَارِضَ، مَا دَامَتِ الأَرْضُ أَمَامَنَا، لأَنَّنَا قَدْ طَلَبْنَا الرَّبَّ إِلَهَنَا. طَلَبْنَاهُ فَأَرَاحَنَا مِنْ كُلِّ جِهَةٍ. فَبَنُوا وَنَجَحُوا. [7] لم ينسب آسا الراحة التي تمتعت بها دولته وحركة الإنشاءات إلى حكمته أو تقواه، وإنما يقول: "لأننا قد طلبنا الرب إلهنا؛ طلبناه فأراحنا من كل جهة" [7]. هذه الراحة هي هبة من الله لتشجيعنا على السلوك ببرِّه (حجّي 2: 18-19؛ ملا 3: 10). كثيرون إذ تحلُّ بهم الراحة، عوض تقديم الشكر لله والعمل لبناء الجماعة، تجتذبهم الملذّات والشهوات، ويحلُّ بهم الفساد كما حدث مع بني إسرائيل بعد أن تمتعوا بأرض الميعاد، إذ تركوا الرب وانجذبوا للرجاسات الوثنية. أما آسا فلم تكن الراحة بالنسبة له دافعًا للرخاوة والترف، وإنما فرصة للعمل، إذ "قال ليهوذا: لنبنٍ هذه المدن ونحوِّطها بأسوار وأبراجٍ وأبوابٍ وعوارضٍ، ما دامت الأرض أمامنا... فبنوا ونجحوا" [7]. وكما قيل عن الكنيسة الأولى: "وأما الكنائس في جميع اليهودية والجليل والسامرة، فكان لها سلام، وكانت تُبنَى وتسير في خوف الرب، وبتعزية الروح القدس كانت تتكاثر" (أع 9: 31). وَكَانَ لآسَا جَيْشٌ يَحْمِلُونَ أَتْرَاسًا وَرِمَاحًا مِنْ يَهُوذَا ثَلاَثُ مِئَةِ أَلْفٍ، وَمِنْ بَنْيَامِينَ مِنَ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الأَتْرَاسَ وَيَشُدُّونَ الْقِسِيَّ مِئَتَانِ وَثَمَانُونَ أَلْفًا. كُلُّ هَؤُلاَءِ جَبَابِرَةُ بَأْسٍ. [8] لا يستكين المؤمن في فترة السلام، بل يستعد دومًا لمواجهة المقاومات والحروب، لذلك في فترة الراحة أعدَّ جيشًا، وكان أعضاؤه "جبابرة بأس"، كما أحاط المدن بأسوارٍ وأبراجٍ الخ [7]. من الغريب أن سبط بنيامين الذي دُعِي منذ فترة ليست ببعيدة "بنيامين الصغير" (مز 68: 27)، كان لديه من جبابرة البأس مائتان وثمانون ألفًا وهو يقترب من العدد الذي كان لسبط يهوذا، فقد بارك الرب في القليل فصار كثيرًا، وتعاون السبطان معًا، وإن كان لكل سبطٍ موهبته الخاصة. 3. نصرته على الكوشيين 9 فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ زَارَحُ الْكُوشِيُّ بِجَيْشٍ أَلْفِ أَلْفٍ، وَبِمَرْكَبَاتٍ ثَلاَثِ مِئَةٍ، وَأَتَى إِلَى مَرِيشَةَ. 10 وَخَرَجَ آسَا لِلِقَائِهِ وَاصْطَفُّوا لِلْقِتَالِ فِي وَادِي صَفَاتَةَ عِنْدَ مَرِيشَةَ. 11 وَدَعَا آسَا الرَّبَّ إِلهَهُ وَقَالَ: «أَيُّهَا الرَّبُّ، لَيْسَ فَرْقًا عِنْدَكَ أَنْ تُسَاعِدَ الْكَثِيرِينَ وَمَنْ لَيْسَ لَهُمْ قُوَّةٌ. فَسَاعِدْنَا أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهُنَا لأَنَّنَا عَلَيْكَ اتَّكَلْنَا وَبِاسْمِكَ قَدُمْنَا عَلَى هذَا الْجَيْشِ. أَيُّهَا الرَّبُّ أَنْتَ إِلهُنَا. لاَ يَقْوَ عَلَيْكَ إِنْسَانٌ». 12 فَضَرَبَ الرَّبُّ الْكُوشِيِّينَ أَمَامَ آسَا وَأَمَامَ يَهُوذَا، فَهَرَبَ الْكُوشِيُّونَ. 13 وَطَرَدَهُمْ آسَا وَالشَّعْبُ الَّذِي مَعَهُ إِلَى جَرَارَ، وَسَقَطَ مِنَ الْكُوشِيِّينَ حَتَّى لَمْ يَكُنْ لَهُمْ حَيٌّ لأَنَّهُمُ انْكَسَرُوا أَمَامَ الرَّبِّ وَأَمَامَ جَيْشِهِ. فَحَمَلُوا غَنِيمَةً كَثِيرَةً جِدًّا. 14 وَضَرَبُوا جَمِيعَ الْمُدُنِ الَّتِي حَوْلَ جَرَارَ، لأَنَّ رُعْبَ الرَّبِّ كَانَ عَلَيْهِمْ، وَنَهَبُوا كُلَّ الْمُدُنِ لأَنَّهُ كَانَ فِيهَا نَهْبٌ كَثِيرٌ. 15 وَضَرَبُوا أَيْضًا خِيَامَ الْمَاشِيَةِ وَسَاقُوا غَنَمًا كَثِيرًا وَجِمَالًا، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ. يكشف السفر عن هذه الحقيقة أنه إذ يتكئ الملك على الله تمامًا ينجح ضد أعدائه (2 أخ 14:9-13)، وإن لم يتكل عليه يُعاقَب (2 أخ 16: 7-12). فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ زَارَحُ الْكُوشِيُّ بِجَيْشٍ أَلْفِ أَلْفٍ وَبِمَرْكَبَاتٍ ثَلاَثِ مِئَةٍ، وَأَتَى إِلَى مَرِيشَةَ. [9] زارح الكوشي: غالبًا من بلاد العرب جاء بتأييد من مصر. إذ يوجد مكانان باسم كوش، النوبة جنوب مصر حتى أثيوبيا؛ وشرق بلاد العرب وجنوبها عند اليمن. غالبًا ما تقصد المنطقة الثانية بدليل أن الغنيمة كانت من الغنم والجمال. مريشة: تبعد حوالي خمسة وعشرين ميلاً جنوب غرب أورشليم. "بجيش ألف ألف": لم يوجد في لغة الكتاب العبرية، ولم يُعرَف رقم مليون. هذا وتعبير "ألف ألف" اصطلاح يستخدم بمعنى فِرقًا فِرقًا، أو مجموعة كبيرة كبيرة. مع ما اتَّسم به الملك من استقامة، وتجاوب معه القادة والشعب، غير أن ضيقة شديدة حلَّت بالبلد. سمح الله بالضيقة كفرصةٍ لإظهار مجد الله، فقد هاجمهم الكوشيون بمليون من رجال الجيش. وَخَرَجَ آسَا لِلِقَائِهِ، وَاصْطَفُّوا لِلْقِتَالِ فِي وَادِي صَفَاتَةَ عِنْدَ مَرِيشَةَ. [10] وَدَعَا آسَا الرَّبَّ إِلَهَهُ: أَيُّهَا الرَّبُّ لَيْسَ فَرْقًا عِنْدَكَ أَنْ تُسَاعِدَ الْكَثِيرِينَ وَمَنْ لَيْسَ لَهُمْ قُوَّةٌ. فَسَاعِدْنَا أَيُّهَا الرَّبُّ إِلَهُنَا، لأَنَّنَا عَلَيْكَ اتَّكَلْنَا، وَبِاسْمِكَ قَدُمْنَا عَلَى هَذَا الْجَيْشِ. أَيُّهَا الرَّبُّ أَنْتَ إِلَهُنَا. لاَ يَقْوَ عَلَيْكَ إِنْسَانٌ. [11] عندما خرج زارح الكوشي بجيش قدامه مليون من المشاة وثلاث مئة من المركبات، لجأ آسا إلى الله (2 أخ 14: 11)، فضرب الرب الكوشيين. لم يستطع زارح أن يقف ليس أمام آسا الذي حسب نفسه لا قوة له [11]، بل أمام الرب وجيشه [13]، دُعِي جيش آسا جيش الرب! اتكاء آسا على الرب وهبه الآتي: ا. النصرة على العدو، فصاروا كأنهم مَوْتى "لم يكن لهم حي" [13]. ب. حُسِبَت الحرب للرب لا لآسا، لأن الملك اختفى في الرب وتحصَّن به، ودُعِي جيشه "جيش الرب" [13]. ج. استولى وجيشه على مدن كثيرة، أَرعبها الرب، ونالوا غنائم كثيرة [14]. د. رجعوا إلى أورشليم [15] مدينة الله، بالقُرْبِ من هيكل الرب، لكي يُجَدِّدوا قوتهم بالشركة مع الرب. لم يرجع الجيش إلى معسكراته، ولا رجع كل جنديٍ إلى بيته، بل إلى مدينة الله كما في بيت الرب. هـ. لم يصنع آسا أنصبة يُسَجِّل عليها نصرته، ولا سَجَّل هذه النصرة في سجلات مُعَيَّنة، لأنه حسب النصرة هي من قبل الرب، أما من جهته ومن جهة جيشه، فلا فضل لهم في شيءٍ. هذا ولم يكن ممكنًا لزارح أن يُسَجِّلَ هزيمته، فهي فضيحة عُظمَى لجيش يبلغ قوامه المليون. جاءت صلاة آسا الملك قصيرة، لكنها عميقة، وتحمل معاني كثيرة: أ. أعطى المجد لله على قدرته وسلطانه، فهو يُخَلِّص بالقليل كما بالكثير، وبالأقوياء كما بمن ليس لهم قوة. إنه يعمل بقوته لا بقوة الأسلحة. وكما قال داود لجليات: "أنت تأتي إليَّ بسيفٍ وبرمحٍ وبترسٍ، وأنا آتي إليك باسم رب الجنود إله صفوف إسرائيل الذين عيَّرتهم" (1 صم 17: 45). ب. لم يقل الملك لله بأن لديه جيشًا قويًا واستعدادًا حكيمًا، فليعمل به، وإنما مع ما لديه من جيشٍ، فالنصرة هي من عنده، "لأننا عليك اتكلنا". ج. لم يقل: "لا تدع إنسانًا يقوى علينا"، بل حسب الحرب ضد الله نفسه: "لا يقوَ إنسان عليك". حين قال آسا في صلاته: "أيها الرب ، ليس فرقًا عندك أن تساعد الكثيرين ومن ليس لهم قوة"، غالبًا ما تذكر كلمات يوناثان بن شاول للغلام حامل سلاحه: "لعل الله يعمل معنا، لأنه ليس للرب مانع من أن يُخَلِّصَ بالكثير أو بالقليل" (1 صم 14: 6)، وكلمات سليمان عند تدشين الهيكل: "إذا خرج شعبك لمحاربة أعدائه في الطريق الذي تُرْسِلهم فيه، وصلوا إليك نحو هذه المدينة التي اخترتها، والبيت الذي يثبت لاسمك، فاسمع من السماء صلاتهم وتضرعهم واقضِ قضاءهم" (2 أي 6: 34-35). يقول الرسول بولس: "بالإيمان قهروا ممالك، صنعوا بِرًا، نالوا مواعيد، سَدُّوا أفواه أسود، أطفأوا قوة النار، نجوا من حد السيف، تقووا من ضعف، صاروا أشداء في الحرب، هزموا جيوش غرباء" (عب 11: 33-34). فَضَرَبَ الرَّبُّ الْكُوشِيِّينَ أَمَامَ آسَا وَأَمَامَ يَهُوذَا، فَهَرَبَ الْكُوشِيُّونَ. [12] يقول يوسيفوس إن المعركة بدأت بينما كان آسا لا يزال يُصَلِّي من أجل النصرة[8]. وَطَرَدَهُمْ آسَا وَالشَّعْبُ الَّذِي مَعَهُ إِلَى جَرَارَ، وَسَقَطَ مِنَ الْكُوشِيِّينَ حَتَّى لَمْ يَكُنْ لَهُمْ حَيٌّ، لأَنَّهُمُ انْكَسَرُوا أَمَامَ الرَّبِّ وَأَمَامَ جَيْشِهِ. فَحَمَلُوا غَنِيمَةً كَثِيرَةً جِدًّا. [13] وَضَرَبُوا جَمِيعَ الْمُدُنِ الَّتِي حَوْلَ جَرَارَ، لأَنَّ رُعْبَ الرَّبِّ كَانَ عَلَيْهِمْ، وَنَهَبُوا كُلَّ الْمُدُنِ، لأَنَّهُ كَانَ فِيهَا نَهْبٌ كَثِيرٌ. [14] لم ينكسروا أمام آسا وجيشه، إنما "انكسروا أمام الرب وأمام جيشه". ولم يسقط الكوشيون أمام رُعْبِ آسا وجيشه، بل "رُعْب الرب كان عليهم". أخيرًا، تَحَوَّلَتْ ثروة الخاطي إلى يد البار. وَضَرَبُوا أَيْضًا خِيَامَ الْمَاشِيَةِ، وَسَاقُوا غَنَمًا كَثِيرًا، وَجِمَالاً ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ. [15] من وحي 2 أي 14 بذراعك الإلهي قَدِّسني وخلصني! v صنع آسا ما هو مستقيم في عينيك. نزع عبادة الأصنام وحَطَّمها. طلب من شعبه أن يحفظ شريعتك ووصاياك! v بروحك القدوس هَبْ لي الاستقامة والصلاح. انزع من قلبي كُلَّ وَثَنٍ، وحَطِّمْ في داخلي كل شهوةٍ شريرةٍ. عوض شهوات الجسد، ألهب فيَّ شهوات الروح. يلتهب قلبي بحُبِّك، وتتقدَّس حواسي بنعمتك! انقش وصاياك في قلبي، فأَتلذَّذ بها وتتزيَّن أعماقي ببهائك. v لتتزين نفسي بوصاياك. أَعتزُّ بها لأنها الحليّ السماوي. بها أحمل صورتك، وأتهيأ ليوم عُرْسِي. روحك القدوس يُجَدِّدُ أعماقي كل صباح. فتشتهي القوات السماوية أن تفرح بعملك فيَّ. v يهيج العدو لأنه لا يطيق يوم عُرْسِك. ماذا يُخَلِّصني من عبودية إبليس سوى صليبك؟ ماذا يُحَطِّم ظلمة إبليس سوى قيامتك؟ v ليثر العدو بكل قوته. بك نُحَطِّمُ كل حيله وأعماله الشريرة. بك ننال النصرة، ونتكلل بك. ننطلق إلى السماء، ولا يقدر العدو أن يصطادنا في شباكه! لك المجد يا واهب النصرة! |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 186694 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() استجابة الله لصلاة سليمان قدم سليمان صلاة بروح التواضع مع الشكر والحمد لله الذي وهبه هذا العمل كعطية إلهية. في نفس الوقت لم يطلب شيئًا لنفسه، بل طلب الرحمة للشعب. ولم ينسَ ولا تجاهل دور أبيه في العمل. لهذا استجاب الله لصلاته، لأنها تتناغم مع إرادة الله المقدسة. استجابة الصلاة علانية وَلَمَّا انْتَهَى سُلَيْمَانُ مِنَ الصَّلاَةِ، نَزَلَتِ النَّارُ مِنَ السَّمَاءِ، وَأَكَلَتِ الْمُحْرَقَةَ وَالذَّبَائِحَ، وَمَلأَ مَجْدُ الرَّبِّ الْبَيْتَ. [1] لم ترد في سفر الملوكاستجابة الصلاة علانية ومصادقة الله على تدشين الهيكل [1-6]. إنها صورة رائعة لخبرة المؤمنين لعربون السماء وهم بعد في هذا العالم، في هذا الجسد. قبل أن يتحرك سليمان بعد صلاته، أعلن الله بسرعة فائقة استجابته للصلاة بنارٍ نزلت من السماء. تكرر ذلك عندما قدم إيليا ذبيحة لله مقابل كهنة البعل الأربعمائة وخمسين وهم يصرخون ويجرحون أنفسهم من الصباح حتى الظهيرة (1 مل 18: 36-39). أيضًا نزلت نار من عند الرب، وأحرقت على المذبح المحرقة والشحم عند تكريس هارون رئيس الكهنة (لا 9: 24). ماذا يعني نزول النار؟ وما فاعليتها في حياة الحاضرين؟ 1. أعلن الله لسليمان كما لكل الحاضرين من القادة والشعب بطريقة علنية أنه استجاب لصلاة سليمان، مع قبوله للملك وللبيت الذي بناه والعبادة التي قُدمت وللشعب الحاضر الاحتفال. بنزول النار أظهر الله رضاه على موسى (لا 9: 24)، وجدعون (قض 6: 21)، وداود (1 أي 21: 26)، وإيليا (1 مل 18: 38). قيل بإشعياء النبي: "أخذت الرعدة المنافقين. من منَّا يسكن في نارٍ آكلة؟!" (إش 33: 14) 2. يرى البعض أن النار هنا تشير إلى حلول الله نفسه أو نزول مجده. فقد قيل: "الرب إلهك هو نار آكلة، إله غيور" (تث 4: 24). وعندما تحدّث الله مع موسى على جبل سيناء نزلت نار (خر 24: 16-17). هكذا حلّ الروح القدس على هيئة ألسنة نارية بعد أن تقدست الكنيسة بذبيحة المسيح المصلوب (أع 2: 3). 3. شجع هذا الإعلان الكهنة والشعب أن يستمروا في الاحتفالات المبهجة لمدة أربعة عشر يومًا، وتشجّع سليمان أن يمجد الله علانية. 4. نزول النار أيضًا على الذبيحة، يشير أن الله لم يرسل نارًا تأكلهم بسبب خطاياهم، إنما يرسلها على الذبائح فتلتهمها، إشارة إلى قبول الذبائح كفّارة عنهم، فيرتد غضبه عنهم. يلاحظ هنا أن النار لم تنزل عند نحر الذبائح، وإنما بعد إتمام الصلاة. فمع تقديم الذبيحة، يلزمنا أن ندخل في حوارٍ مع الله بكامل إرادتنا. فهو لا يدخل سفينة حياتنا بدون رضانا، فقد قيل: "فرضوا أن يقبلوه في السفينة" (يو 6: 21). 5. نزول النار أيضًا يشير إلى نزول روح الله الناري ليلهب قلوبنا بنار حبه، ويحرق أشواك الخطية والشهوات المفسدة. حين كان السيد المسيح القائم من الأموات يتحدث مع تلميذي عمواس، قال كل منهما للآخر: "ألم يكن قلبنا ملتهبًا فينا حين كان يكلمنا؟!" (لو 24: 32). 6. يرى بعض الآباء أن نزول النار يشير إلى نزول أحد السمائيين، إذ قيل إن خدامه نار ملتهبة (مز 104: 4). يرى القديس مار يعقوب السروجي أن ما حدث مع إيليا حيث أبصر تلميذه إليشع مركبات نارية وخيول نارية حول الجبل، وأيضًا نزول نارٍ عندما قدم إيليا ذبيحة أنها فِرق سماوية أو ملائكة. v عندما رغب بولس الطوباوي ألاَّ تبرد نعمة الروح المعطاة لنا، حذرنا قائلاً: "لا تطفئوا الروح" (1 تس 5: 19)، حتى نبقى شركاء مع المسيح. ذلك إن تمسكنا حتى النهاية بالروح الذي أخذناه، إذ قال: "لا تطفئوا..." ليس من أجل أن الروح موضوع تحت سلطان الإنسان، أو أنه يحتمل آلامًا منه، بل لأن الإنسان غير الشاكر يرغب في إطفاء الروح علانية، ويصير كالأشرار الذين يضايقون الروح بأعمال غير مقدسة. فإذ هم بلا فهم، مخادعون، ومحبون للخطية، وما زالوا سائرين في الظلام، فإنه ليس لهم ذلك النور الذي يضيء لكل إنسانٍ آت إلى العالم (يو 1: 9). لقد أَمسكت نار كهذه بإرميا النبي عندما كانت الكلمة فيه كنارٍ، قائلاً إنه لا يمكن أن يحتمل هذه النار (إر 20: 9)... وجاء سيِّدنا يسوع المسيح المحب للإنسان لكي يلقي بهذه النار على الأرض، قائلاً: "ماذا أريد لو اضطرمت؟" (لو 12: 49). لقد رغب الرب – كما شهد حزقيال (حز 18: 23، 32) - توبة الإنسان أكثر من موته، حتى ينتزع الشر عن الإنسان تمامًا، عندئذ يمكن للنفوس التي تنقت أن تأتي بثمرٍ. فتثمر البذور التي بذرها (الرب)، البعض بثلاثين والبعض بستين والآخر بمائة. وكمثال، كليوباس وذاك الذي معه (لو 24: 32) مع أنهما كانا ضعفين في بداية الأمر بسبب نقص معلوماتهما، لكنهما أصبحا بعد ذلك ملتهبين بكلمات المخلص، واظهرا ثمار معرفتهما. وبولس الطوباوي أيضًا عندما أمسك بهذه النار (رو 12: 11) لم ينسبها إلى دمٍ ولحمٍ، ولكن كمختبر للنعمة أصبح كارزًا بالكلمة (المسيح). البابا أثناسيوس الرسولي هذه هي عادة الكتاب المقدَّس الإلهي المُوحى به أنه يلقب الكلمات الإلهيَّة المقدَّسة أحيانًا باسم "نار"، ليظهر فاعلية الروح القدس وقوَّته، الذي به نصير نحن حارين في الروح. تحدَّث أحد الأنبياء القدِّيسين في شخص الله عن المسيح مخلِّص الجميع: "يأتي بغتة إلى هيكله السيِّد الذي تطلبونه وملاك العهد الذي تسرون به، هوذا يأتي قال رب الجنود؛ ومن يحتمل يوم مجيئه؟ ومن يثبت عند ظهوره؟ لأنه مثل نار الممحص ومثل أشنان القصّار، فيجلس ممحصًا ومنقيًا للفضة" (ملا 3: 1-3). يقصد بالهيكل الجسد الذي هو مقدَّس بالحق ليس فيه دنس، وُلد من العذراء القدِّيسة بالروح القدس بقوَّة الآب. فقد قيل للعذراء الطوباويَّة: "الروح القدس يحل عليكِ وقوَّة العلي تظللك" (لو 1: 35). وقد حسبه "ملاك (رسول) العهد، إذ جاء يكشف لنا عن إرادة الآب الصالحة ويخدمنا. كما يقول بنفسه: "لأني أعلمتكم بكل ما سمعته من أبي" (يو 15: 15)... وكما أن الذين يعرفون كيف ينقون الذهب والفضة يستخدمون النار... هكذا يطهّر مخلِّص الكل فكر كل الذين يؤمنون به بتعاليم بقوَّة الروح... بماذا نفسر الجمرة التي لمست شفتي النبي (إش 6: 6-7) وطهرته من كل خطيَّة؟ إنها رسالة الخلاص، والاعتراف بالإيمان بالمسيح، من يتقبل هذا في فمه يطهر. هذا ما يؤكده لنا بولس: "لأنك إن اعترفت بفمك بالرب يسوع، وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات خلصت" (رو 10: 9). إذًا، نقول إن قوَّة الرسالة الإلهية تشبه جمرة حيَّة ونارًا. يقول إله الكل للنبي إرميا: "هأنذا جاعل كلامي في فمك نارًا، وهذا الشعب حطبًا فتأكلهم" (إر 5: 14)، "أليست هكذا كلمتي كنارٍ يقول الرب؟" (إر 23: 29) القديس كيرلس الكبير |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 186695 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() v عندما رغب بولس الطوباوي ألاَّ تبرد نعمة الروح المعطاة لنا، حذرنا قائلاً: "لا تطفئوا الروح" (1 تس 5: 19)، حتى نبقى شركاء مع المسيح. ذلك إن تمسكنا حتى النهاية بالروح الذي أخذناه، إذ قال: "لا تطفئوا..." ليس من أجل أن الروح موضوع تحت سلطان الإنسان، أو أنه يحتمل آلامًا منه، بل لأن الإنسان غير الشاكر يرغب في إطفاء الروح علانية، ويصير كالأشرار الذين يضايقون الروح بأعمال غير مقدسة. فإذ هم بلا فهم، مخادعون، ومحبون للخطية، وما زالوا سائرين في الظلام، فإنه ليس لهم ذلك النور الذي يضيء لكل إنسانٍ آت إلى العالم (يو 1: 9). لقد أَمسكت نار كهذه بإرميا النبي عندما كانت الكلمة فيه كنارٍ، قائلاً إنه لا يمكن أن يحتمل هذه النار (إر 20: 9)... وجاء سيِّدنا يسوع المسيح المحب للإنسان لكي يلقي بهذه النار على الأرض، قائلاً: "ماذا أريد لو اضطرمت؟" (لو 12: 49). لقد رغب الرب – كما شهد حزقيال (حز 18: 23، 32) - توبة الإنسان أكثر من موته، حتى ينتزع الشر عن الإنسان تمامًا، عندئذ يمكن للنفوس التي تنقت أن تأتي بثمرٍ. فتثمر البذور التي بذرها (الرب)، البعض بثلاثين والبعض بستين والآخر بمائة. وكمثال، كليوباس وذاك الذي معه (لو 24: 32) مع أنهما كانا ضعفين في بداية الأمر بسبب نقص معلوماتهما، لكنهما أصبحا بعد ذلك ملتهبين بكلمات المخلص، واظهرا ثمار معرفتهما. وبولس الطوباوي أيضًا عندما أمسك بهذه النار (رو 12: 11) لم ينسبها إلى دمٍ ولحمٍ، ولكن كمختبر للنعمة أصبح كارزًا بالكلمة (المسيح). البابا أثناسيوس الرسولي |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 186696 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() ماذا يعني نزول النار؟ وما فاعليتها في حياة الحاضرين؟ 1. أعلن الله لسليمان كما لكل الحاضرين من القادة والشعب بطريقة علنية أنه استجاب لصلاة سليمان، مع قبوله للملك وللبيت الذي بناه والعبادة التي قُدمت وللشعب الحاضر الاحتفال. بنزول النار أظهر الله رضاه على موسى (لا 9: 24)، وجدعون (قض 6: 21)، وداود (1 أي 21: 26)، وإيليا (1 مل 18: 38). قيل بإشعياء النبي: "أخذت الرعدة المنافقين. من منَّا يسكن في نارٍ آكلة؟!" (إش 33: 14) 2. يرى البعض أن النار هنا تشير إلى حلول الله نفسه أو نزول مجده. فقد قيل: "الرب إلهك هو نار آكلة، إله غيور" (تث 4: 24). وعندما تحدّث الله مع موسى على جبل سيناء نزلت نار (خر 24: 16-17). هكذا حلّ الروح القدس على هيئة ألسنة نارية بعد أن تقدست الكنيسة بذبيحة المسيح المصلوب (أع 2: 3). 3. شجع هذا الإعلان الكهنة والشعب أن يستمروا في الاحتفالات المبهجة لمدة أربعة عشر يومًا، وتشجّع سليمان أن يمجد الله علانية. 4. نزول النار أيضًا على الذبيحة، يشير أن الله لم يرسل نارًا تأكلهم بسبب خطاياهم، إنما يرسلها على الذبائح فتلتهمها، إشارة إلى قبول الذبائح كفّارة عنهم، فيرتد غضبه عنهم. يلاحظ هنا أن النار لم تنزل عند نحر الذبائح، وإنما بعد إتمام الصلاة. فمع تقديم الذبيحة، يلزمنا أن ندخل في حوارٍ مع الله بكامل إرادتنا. فهو لا يدخل سفينة حياتنا بدون رضانا، فقد قيل: "فرضوا أن يقبلوه في السفينة" (يو 6: 21). 5. نزول النار أيضًا يشير إلى نزول روح الله الناري ليلهب قلوبنا بنار حبه، ويحرق أشواك الخطية والشهوات المفسدة. حين كان السيد المسيح القائم من الأموات يتحدث مع تلميذي عمواس، قال كل منهما للآخر: "ألم يكن قلبنا ملتهبًا فينا حين كان يكلمنا؟!" (لو 24: 32). 6. يرى بعض الآباء أن نزول النار يشير إلى نزول أحد السمائيين، إذ قيل إن خدامه نار ملتهبة (مز 104: 4). يرى القديس مار يعقوب السروجي أن ما حدث مع إيليا حيث أبصر تلميذه إليشع مركبات نارية وخيول نارية حول الجبل، وأيضًا نزول نارٍ عندما قدم إيليا ذبيحة أنها فِرق سماوية أو ملائكة. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 186697 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() v إننا نؤكد أن هذه النار التي أرسلها المسيح هي لخلاص البشر ونفعهم، الله يهب كل قلوبنا أن تمتلئ بها. فإن النار هنا -كما أقول- هي رسالة الإنجيل الخلاصيَّة وقوَّة وصاياه، فإننا جميعًا نحن الذين على الأرض باردون وأموات بسبب الخطيَّة وفي جهالة... نلتهب بالحياة التقويَّة ونصير "حارين في الروح" (رو 12: 11) كتعبير الطوباوي بولس. بجانب هذا نصير شركاء في الروح القدس الذي هو مثل نارٍ في داخلنا... هذه هي عادة الكتاب المقدَّس الإلهي المُوحى به أنه يلقب الكلمات الإلهيَّة المقدَّسة أحيانًا باسم "نار"، ليظهر فاعلية الروح القدس وقوَّته، الذي به نصير نحن حارين في الروح. تحدَّث أحد الأنبياء القدِّيسين في شخص الله عن المسيح مخلِّص الجميع: "يأتي بغتة إلى هيكله السيِّد الذي تطلبونه وملاك العهد الذي تسرون به، هوذا يأتي قال رب الجنود؛ ومن يحتمل يوم مجيئه؟ ومن يثبت عند ظهوره؟ لأنه مثل نار الممحص ومثل أشنان القصّار، فيجلس ممحصًا ومنقيًا للفضة" (ملا 3: 1-3). يقصد بالهيكل الجسد الذي هو مقدَّس بالحق ليس فيه دنس، وُلد من العذراء القدِّيسة بالروح القدس بقوَّة الآب. فقد قيل للعذراء الطوباويَّة: "الروح القدس يحل عليكِ وقوَّة العلي تظللك" (لو 1: 35). وقد حسبه "ملاك (رسول) العهد، إذ جاء يكشف لنا عن إرادة الآب الصالحة ويخدمنا. كما يقول بنفسه: "لأني أعلمتكم بكل ما سمعته من أبي" (يو 15: 15)... وكما أن الذين يعرفون كيف ينقون الذهب والفضة يستخدمون النار... هكذا يطهّر مخلِّص الكل فكر كل الذين يؤمنون به بتعاليم بقوَّة الروح... بماذا نفسر الجمرة التي لمست شفتي النبي (إش 6: 6-7) وطهرته من كل خطيَّة؟ إنها رسالة الخلاص، والاعتراف بالإيمان بالمسيح، من يتقبل هذا في فمه يطهر. هذا ما يؤكده لنا بولس: "لأنك إن اعترفت بفمك بالرب يسوع، وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات خلصت" (رو 10: 9). إذًا، نقول إن قوَّة الرسالة الإلهية تشبه جمرة حيَّة ونارًا. يقول إله الكل للنبي إرميا: "هأنذا جاعل كلامي في فمك نارًا، وهذا الشعب حطبًا فتأكلهم" (إر 5: 14)، "أليست هكذا كلمتي كنارٍ يقول الرب؟" (إر 23: 29) القديس كيرلس الكبير |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 186698 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() عجز الكهنة عن دخول بيت الرب 2 وَلَمْ يَسْتَطِعِ الْكَهَنَةُ أَنْ يَدْخُلُوا بَيْتَ الرَّبِّ لأَنَّ مَجْدَ الرَّبِّ مَلأَ بَيْتَ الرَّبِّ. 3 وَكَانَ جَمِيعُ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَنْظُرُونَ عِنْدَ نُزُولِ النَّارِ وَمَجْدِ الرَّبِّ عَلَى الْبَيْتِ، وَخَرُّوا عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى الأَرْضِ عَلَى الْبَلاَطِ الْمُجَزَّعِ، وَسَجَدُوا وَحَمَدُوا الرَّبَّ لأَنَّهُ صَالِحٌ وَإِلَى الأَبَدِ رَحْمَتُهُ. وَلَمْ يَسْتَطِعِ الْكَهَنَةُ أَنْ يَدْخُلُوا بَيْتَ الرَّبِّ، لأَنَّ مَجْدَ الرَّبِّ مَلأَ بَيْتَ الرَّبِّ. [2] قال الرب لموسى: "لا تقدر أن ترى وجهي، لأن الإنسان لا يراني ويعيش" (خر 33: 20). v يستحيل علينا أن نتطلع إلى الله بأعينٍ بشريةٍ، لأن غير الجسدي لا يقع تحت الأعين الجسدية. وقد شهد الابن الوحيد، ابن الله نفسه، قائلاً: "الله لم يره أحد في أي زمان". فإن فهم أحد مما ورد في حزقيال أنه رأى الله (حز 28: 1)، فإنه ماذا يقول الكتاب المقدس؟ إنه رأى "شبه مجد الله"، وليس الرب ذاته كما هو في حقيقته، بل شبه مجده. فإن كانت رؤية شبه المجد تملأ الأنبياء رعدة، فبالتأكيد إن حاول أحد رؤية الله ذاته يموت، وذلك كالقول: "الإنسان لا يرى وجهي ويعيش" (خر 33: 20) "لا يراني ويعيش". من أجل هذا فإن الله بحنو رحمته بسط السماوات أمام لاهوته لكي لا نهلك. لست أقول هذا من عندي، بل هو قول النبي: "ليتك تشق السماوات وتنزل، من حضرتك تتزلزل الجبال" وتذوب (إش 64: 1). لماذا تتعجب من سقوط دانيال عند رؤيته شبه المجد، إن كان دانيال عند رؤيتهجبرائيل،الذي هو ليس إلا مجرد خادم الله، ارتعب للحال وسقط على وجهه، ولم يجسر النبي أن يجيبه بالرغم من أن الملاك نفسه جاء على شبه ابن بشر؟ (راجع دا 10: 9، 16، 18). إن كان ظهور جبرائيل أرعب الأنبياء، فهل يرى الإنسان الله كما هو ولا يموت؟! القديس كيرلس الأورشليمي |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 186699 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() يستحيل علينا أن نتطلع إلى الله بأعينٍ بشريةٍ، لأن غير الجسدي لا يقع تحت الأعين الجسدية. وقد شهد الابن الوحيد، ابن الله نفسه، قائلاً: "الله لم يره أحد في أي زمان". فإن فهم أحد مما ورد في حزقيال أنه رأى الله (حز 28: 1)، فإنه ماذا يقول الكتاب المقدس؟ إنه رأى "شبه مجد الله"، وليس الرب ذاته كما هو في حقيقته، بل شبه مجده. فإن كانت رؤية شبه المجد تملأ الأنبياء رعدة، فبالتأكيد إن حاول أحد رؤية الله ذاته يموت، وذلك كالقول: "الإنسان لا يرى وجهي ويعيش" (خر 33: 20) "لا يراني ويعيش". من أجل هذا فإن الله بحنو رحمته بسط السماوات أمام لاهوته لكي لا نهلك. لست أقول هذا من عندي، بل هو قول النبي: "ليتك تشق السماوات وتنزل، من حضرتك تتزلزل الجبال" وتذوب (إش 64: 1). لماذا تتعجب من سقوط دانيال عند رؤيته شبه المجد، إن كان دانيال عند رؤيتهجبرائيل،الذي هو ليس إلا مجرد خادم الله، ارتعب للحال وسقط على وجهه، ولم يجسر النبي أن يجيبه بالرغم من أن الملاك نفسه جاء على شبه ابن بشر؟ (راجع دا 10: 9، 16، 18). إن كان ظهور جبرائيل أرعب الأنبياء، فهل يرى الإنسان الله كما هو ولا يموت؟! القديس كيرلس الأورشليمي |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 186700 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() وَكَانَ جَمِيعُ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَنْظُرُونَ عِنْدَ نُزُولِ النَّارِ، وَمَجْدِ الرَّبِّ عَلَى الْبَيْتِ، وَخَرُّوا عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى الأَرْضِ عَلَى الْبَلاَطِ الْمُجَزَّعِ، وَسَجَدُوا وَحَمَدُوا الرَّبَّ، لأَنَّهُ صَالِحٌ وَإِلَى الأَبَدِ رَحْمَتُهُ. [3] كان رد الفعل لهذه النار المقدسة أن امتلأت قلوب الكهنة بمخافة الرب، ولم يستطيعوا أن يدخلوا بيت الرب، لأن مجد الرب ملأ بيت الرب. أما الشعب فخرّوا وسجدوا وحمدوا الرب [3]. حين نزلت النار السماوية لم يهرب الكهنة ولا الشعب خائفين، بل مع الشعور بخوف الرب المقدس امتلأت قلوبهم بالسلام، وثبَّتوا أقدامهم أمام الرب. لقد كرّموا المجد الإلهي في خضوعٍ تصحبه المخافة مع المسرّة. امتزجت مشاعرهم بعدم الاستحقاق للحضرة الإلهية مع شوقٍ حقيقيٍ للعبادة له بكل خشوعٍ كما مع القوات السماوية. بنزول النار الإلهية انطلقت ألسنتهم بالتسبيح، قائلين: "إنه صالح وإلى الأبد رحمته". إنها تسبحة تُقدم لله على الدوام من السمائيين، كما من البشر الأتقياء. كأن الكهنة مع الشعب صرخوا قائلين: "إنه من مراحم الرب أنه لم يرسل نارًا تلتهمنا، إنما تلتهم الذبيحة عوضًا عنّا؛ تحرق أشواك خطايانا، وتلهب مشاعرنا بنار الحب الإلهي. موضوع التسبيح والشكر هو الله نفسه، بكونه الصالح. وصلاحه فريد ومطلق. إنه حاضر في وسط شعبه، حافظ العهد، القائد الحقيقي، أعظم وأقدر من كل القادة البشريين، وكل الطغمات السماوية . صالح كخالقٍ أوجدنا من العدم، وخلق كل ما نحتاج إليه. صالح كمخلصٍ، فإن أصابنا ضرر أو فساد بسبب خطايانا يبقى الصالح الذي يُصلح ما أفسدناه. صالح كقائدٍ، يبعث قادة، بل ويود أن يقيم من كل إنسانٍ قائدًا، ويبقى هو القائد الخفي القادر أن يدخل بنا إلى أحضانه. صالح كمحاربٍ، فهو نصير الضعفاء والمظلومين والذين ليس لهم من يسندهم. صالح كمعينٍ، يرعى خليقته، ويهتم بكل كبيرةٍ وصغيرةٍ في حياتنا، حتى بكسرة الخبز التي نحتاج إليها. صالح كسماويٍ، يسكن في السماء لا ليعتزل الأرضيين، إنما يود أن يجعل منهم أشبه بطغمة شبه سماوية، ويُعد لهم أماكن في السماء، لكي يأتي ويأخذهم، ويهبهم شركة أمجاد سماوية. v "لأن إلى الأبد رحمته". يقول المرتل: "في الهاوية من يحمدك؟" (مز 6: 5) فإنه يستحيل بالنسبة لأي أحدٍ في الهاوية أن يندم على خطاياه. ما دمت في هذا عالم؛ أتوسل إليك أن تتوب. اعترفْ، واحمد الرب، فإن فقط في هذا العالم الرب رحوم. هنا يقدر أن يتعطف على التائب، أما هناك فهو ديان وليس رحومًا. هنا هو رءوف ولطيف، هناك هو ديان. هنا يبسط يديه للساقطين، هناك يرأس كقاضٍ. أقول الآن هذا كله لنفع أولئك الذين يظنون أنه توجد ندامة على الخطية في الجحيم. القديس جيروم فقد اُستعبد في مصر، واُقتيد إلى أقاصي الأرض، وعانى متاعب لا حصر لها في فلسطين. يقول: حقًا إنهم على وجه الخصوص شهود لخيراته الكثيرة، وتمتعوا أكثر من غيرهم. أتعابهم ذاتها علامة على رعايته العظيمة. وإن فحصت الأمر بدقةٍ، فإنهم يلتزمون بتقديم التشكرات على مجيء المسيح منهم فوق كل شيءٍ. أقصد إن كانوا قد عانوا من محنٍ، فبسبب جحودهم، لا بسبب من جاء (يسوع المسيح). فقد جاء إليهم وكما ترون، وأخبرهم دومًا: "لم أُرسل إلا إلى خراف إسرائيل الضالة" (مت 15: 24). كما قال للتلاميذ: "إلى طريق أمم لا تمضوا... بل اذهبوا بالحري إلى خراف بيت إسرائيل الضالة" (مت 10: 5، 6). وقال للمرأة الكنعانية: "ليس حسنًا أن يُؤخذ خبز البنين ويُطرح للكلاب" (مت 15: 26). صنع كل شيء في الواقع، وشغل نفسه بخلاص هذا الشعب. الآن إن أظهروا أنهم ليسوا أهلاً لهذا الإحسان، فليفكروا في انحطاطهم وجحودهم الزائد. القديس يوحنا الذهبي الفم القديس أغسطينوس |
||||