منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 15 - 07 - 2017, 07:00 PM   رقم المشاركة : ( 18561 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,336,884

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

مارتن لوثر
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
كان "مارتن لوثر" أحد أبرز قادة الإصلاح الإنجيليّ في ألمانيا. كان والده من طبقة الفلاّحين، ثمّ تحوّل إلى صناعة المعادن حيث نجح وحصّل مداخيل عالية سمحت له بتأمين تعليم ممتاز لولده. درس "لوثر" في مدرسة الكاتدرائيّة في "ماغدبورغ"، حيث وقع تحت تأثير جماعة "أخوة الحياة المشتركة". ثمّ تابع دراسته الثّانويّة في مدرسة "أيزناخ" قبل ذهابه إلى جامعة "إيرفورت" في العام 1501، حيث حصّل شهادة البكالوريوس في العام 1502، والماجستير في العام 1505. درس "لوثر" الحقوق تلبية لأمنية والده. إلاّ أنّ صاعقة برق ضربت قربه، فأرعدته وجعلته يقطع نذراً أن يصير راهباً، وذلك في تمّوز 1505.
.
وفيما هو في الدّير، بدأ "لوثر" في دراسة اللاهوت بجديّة في جامعة "إيرفورت". وفي العام 1508، أُرسِل إلى "ويتنبرغ" حيث كان يُحاضر في الفلسفة الأخلاقيّة في جامعتها الجديدة. وفي العام 1509 عاد إلى "إيرفورت" حيث تابع دراسته وراح يُحاضر في اللاهوت. أمّا أساتذته في "إيرفورت" فكانوا من أتباع مدرسة اللاهوت الإسميّ (Nominalist) الّتي أنشأها "وليام أوكهام" وتلميذه "كابريال بيال"، الّتي قللّت من دور العقل في الوصول إلى الحقائق اللاهوتيّة وشدّدت على دور الإرادة الحرّة للإنسان في تحقيق خلاصه. في العام 1510-1511، سافر "لوثر" إلى روما بمهمّة تخصّ رهبنته. وبينما هو هناك، صُدِمَ بما رآه من دُنيويّة لدى الإكليروس الّذي كان غير مبالٍ بالحياة الدّينيّة. وفي العام 1511 أُرسِل من جديد إلى "ويتنبرغ" حيث أكمل دروسه العليا ونال الدّكتوراه في اللاهوت في تشرين الأوّل 1512. وفي العام نفسه عُيِّنَ رئيساً لقسم دراسات الكتاب المقدّس في الجامعة.
وبين الأعوام 1507-1512 اختبر لوثر صراعاً روحيّاً عنيفاً بينما كان يسعى إلى تتميم خلاصه، عبر التّدقيق في حفظ القواعد الرّهبانيّة، والاعتراف المتواتر، وإماتة الذّات. وربّما بسبب تأثير التّقوى الشّعبيّة وتعليم لاهوت "أوكهام"، كان "لوثر" يرى في الله قاضياً غضوباً يتوقّع من النّاس أن يُحصِّلوا تبريرهم بأنفسهم. إلاّ أنّ "لوثر" غيّر تدريجيّاً نظرته إلى التّبرير، وذلك بفضل مساعدة الرّئيس العامّ لرهبنته "يوحنّا فون ستوبيتز"، وقراءاته لكتابات القدّيس "أوغسطينوس"، ودراسته للكتاب المقدّس بشكل أساسيّ بينما كان يُحضّر محاضراته لصفوفه في الجامعة. نما مفهوم "لوثر" اللاهوتيّ تدريجيّاً من الإيمان بدور الإنسان في خلاص نفسه، كما علّم "أوكهام"، إلى تبنّي التّعليم "الأوغسطيني" القائل: إنّ الله بنعمته المجّانيّة يُبادر إلى تخليص الإنسان بالإيمان فقط، وبعد هذا الاختبار، يبدأ الإنسان بالتّعاون مع الله في حياته الرّوحيّة. قد يكون "لوثر" اختبر الخلاص شخصيّاً بين العامين 1517-1518، وهو ذَكَر في موعظته حول "التّبرير المُثلّث"، كيف أنّ الله يُبرِّر الخاطئ بفضل ذبيحة المسيح الكفّاريّة بشكل آنيّ وكامل، ومن دون أيّ جهد أو استحقاق بشريّ.
ابتدأ الإصلاح الإنجيليّ في تشرين الأوّل من العام 1517، عندما احتجّ "لوثر" على بيع صكوك الغفران، وذلك عبر أطروحة ضمّت خمسة وتسعين بنداً، علّقها على باب كنيسته في "ويتنبرغ" عشيّة عيد جميع القدّيسين. وقد تُرجمت الأطروحة إلى لغة الشّعب في اليوم التّالي، ووُزِّعت في كافّة أرجاء ألمانيا، الأمر الّذي أثار عاصفة من الاحتجاج ضدّ بيع صكوك الغفران. عندما تضرّرت عمليّة بيع الغفرانات، حاولت السّلطات البابويّة إسكات "لوثر"، فوُوجِهَ أوّلاً داخل رهبنته في "هايدلبرغ" وذلك في 26 نيسان 1518، إلاّ أنّ المناظرة تحولّت فرصة "للوثر" ليُدافع عن لاهوته وليربح مُهتَدين جدد. وفي آب 1518 استُدعيَ "لوثر" إلى روما ليَردّ على الاتّهامات المرفوعة ضدّه والّتي تتّهمه بالهرطقة، على الرّغم من أنّه لمّا يكن قد علّم صراحة ضدّ أيّ من العقائد الرّائجة في القرون الوسطى. وخوفاً من عدم حصول "لوثر" على محاكمة عادلة في روما، تدخّل الأمير "فريدريك الحكيم" طالباً من السّلطات البابويّة أن تُرسِل مُمثّلين عنها لإجراء المحاكمة في ألمانيا. تمّ الاجتماع الأوّل برئاسة الكاردينال "كاجيتان" في تشرين الأوّل 1518، والثّاني برئاسة "كارل فون ميلتِتس" في كانون الثّاني 1519، وفي كلا الاجتماعَين رفض "لوثر" أن يتنكّر لمعتقداته، واستمرّ في إظهار كلّ احترام للبابا ولمُمثّليه.
في تمّوز 1519، عُقِدت مناظرة في "لايبزغ"، حيث شكّك "لوثر" بالسّلطة البابويّة وبعِصمَة المجامع الكنسيّة، مُشدّداً على أولويّة الكتاب المقدّس، الأمر الّذي دفع بخصمه "يوهان إيك" إلى نَسْبِهِ إلى المُصلِح البوهيمي "جون هوص" (الّذي عاش في القرن الخامس عشر وحُكِم عليه كهرطوقيّ)، وذلك في محاولة لتحقيره. خرج "لوثر" من هذه المناظرة أكثر تيقّناً من معتقداته وتصميماً على المجاهرة بها.
وفي العام 1520 كتب "لوثر" ثلاثة كُتيّبات مهمّة للغاية. الأوّل كان "خطاباً للنّبلاء المسيحيّين في الأمّة الألمانيّة"، يدعوهم فيه إلى إصلاح الكنيسة والمجتمع، الأمر الّذي عجزت البابويّة عن إتمامه. الثّاني دعاه "الكنيسة في السّبي البابليّ"، الّذي هاجم فيه النّظام الأسراريّ لكنيسة القرون الوسطى، الأمر الّذي أدّى إلى تصنيف "لوثر" مع المُنحَرِفين عن الإيمان المستقيم. وقد حَصَر "لوثر" في هذا الكُتيّب الأسرار الكنسيّة في اثنتين: المعموديّة وعشاء الرّبّ، وقد زاد سرّ التّوبة إليهما، فيما نَكَر عقيدة الاستحالة وذبيحة القدّاس. أمّا الكُتيّب الثّالث، وهو لاهوتيّ غير وعظيّ بعنوان "حريّة الرّجل المسيحيّ"، فقد وجّهه إلى البابا، وعلّم فيه عقيدة التّبرير بالإيمان فقط.
ومن الجدير ذكره، أنّه قبل نشره هذه الكتيّبات الثلاثة، صدر حكم بابويّ بِحَرْم "لوثر" وبِفَصْله عن الكنيسة الكاثوليكيّة، إلاّ أنّ "لوثر" أظهر عدم خضوعه للسّلطة البابويّة بحرْقِهِ قرار الحَرَم علانية، وذلك في كانون الأوّل 1520، قبل شهر من وضع هذا القرار قيد التّنفيذ في حال رفض "لوثر" التّراجع عن إيمانه. وعلى الرّغم من إدانة "لوثر" من قِبَل الكنيسة، إلاّ أنّه أُعطيَ حقّ الدّفاع عن نفسه أمام محكمة "وورمز" الأمبراطوريّة في نيسان 1521. وفي هذه المُحاكمة طُلِب من "لوثر" التّراجع عن تعاليمه، إلاّ أنّه تمسّك بها بشدّة قائلاً: "أنا لا أتراجع عمّا كَتَبت، فضميري أسيرُ كلمة الله. هنا أقِف، وليُعينَني الله". وبموقفه هذا، تحدّى "لوثر" سلطة الأمبراطور الّذي وضعه تحت الحَرَم وأمر بحرق جميع كتاباته. وفي طريق العودة إلى المنزل، خَطَفَه أصدقاؤه وأخذوه إلى قلعة "وارتبورغ"، حيث بقي مختبئاً حوالى السّنة، وكتب عدداً من المناشير الّتي هاجم فيها المُمارسات الكاثوليكيّة، وابتدأ بترجمة الكتاب المقدّس إلى الألمانيّة. وفي العام 1522 عاد "لوثر" إلى "ويتنبرغ" ليُرتّب الأمور بعد أن عمّت الفوضى في أثناء غيابه، وبقي هناك حتّى نهاية حياته.
تزوّج "لوثر" في العام 1525 من الرّاهبة السّابقة "كاثرين فون بورا"، الّتي أنجبت له ستّة أولاد، وكانت حياته العائليّة سعيدة للغاية، لم يُعكّر صفوَها إلاّ المرض المتكرّر والمشادّات العقائديّة الحادّة.
تميّز "لوثر" بكونه رجل العمل المتواصل. كان يقضي أوقاته يكتب ويُعلّم ويُنظّم شؤون الكنيسة الجديدة، ويقود حركة الإصلاح في ألمانيا. ومن أهمّ كتاباته: "اعتراف الإيمان"، الّذي وضعه في العام 1538، والّذي أظهر بوضوح خلافه اللاهوتيّ مع الكنيسة الكاثوليكيّة. كما اشتهر "لوثر" بكونه صعب المِراس، وباستخدامه لغة وعظيّة قاسية في مواجهة خصومه. ففي العام 1525، عند اندلاع ثورة الفلاّحين في جنوب ألمانيا ورفضهم الاستجابة إلى ندائه بالتّروّي والسّماح له بمعالجة الأمور بهدوء، هاجمهم "لوثر" في منشور دعاه: "ضدّ عصابات الفلاّحين القَتَلَة".
لكنّ الحقّ يُقال إنّ "مارتن لوثر" لم ينظر إلى نفسه كمؤسِّس كنيسة جديدة، بل كمُصلِح كرَّس نفسه لإصلاح الكنيسة وإعادة عقيدة التّبرير بالنّعمة، الّتي نادى بها بولس الرّسول، إلى الموقع المركزيّ في اللاهوت المسيحي. وفي العام 1522، عندما بدأ أتباعه يُطلقون على أنفسهم اسم "اللوثريّين"، كتب إليهم ناهياً إيّاهم عن ذلك، قائلاً لهم: "دعونا نتخلّص من كلّ الأسماء الفِئويّة وندعُ أنفسنا مسيحيّين، على اسم ذاك الّذي نتمسّك بتعليمه ... فانا أتمسّك، مع الكنيسة الجامعة، بتعليم المسيح الجامِع، الّذي هو سيّدنا الوحيد". إلاّ أنّ "لوثر" عاد وقَبِلَ التّسمية عندما هاجم الأعداء أتباعه مُعيّريهم باللّوثريّة، الأمر الّذي أخافهم، فقال لهم "لوثر": "إنْ كنتم مقتَنِعين بأنّ تعليم لوثر يتوافق مع تعليم الإنجيل ... فلا تتنكّروا للوثر بالكامل، لئلاّ تتنكّروا أيضاً لتعليمه، الّذي تعترفون بأنّه تعليم المسيح أيضاً".
مات "مارتن لوثر" في "آيسلوبن" في 18 شباط 1546، في أثناء رحلة لمُصالحة اثنين من النّبلاء اللوثريّين، ودُفِن في كنيسة قلعة "وتنبرغ"، إلاّ أنّ الإصلاح الإنجيليّ استمرّ بعده ونما وغيّر وجه أوروبّا والعالم الغربيّ.
 
قديم 15 - 07 - 2017, 07:10 PM   رقم المشاركة : ( 18562 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,336,884

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

اشكر ربنا انت فى نعمة كبيرة
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
اشكر ربنا انت فى نعمة كبيرة
+ فى يوم كانت الدنيا حر جداً وكنت فى شقتى وحسيت بضيق جدا وزهق وضجر من شدة حرارة الجو فى ذلك اليوم واخذ التذمر والملل يتسلل الى قلبى بسبب الحر واخذت افكر ليه مكنتش فى شقة افضل من كدا ؟؟؟
+ وبعدين كان فى طلب مهم وضرورى لازم احضره من الشارع ولكن كيف انزل الى الشارع فى هذا التوقيت وكان ظهرا والحر شديد ولكن اضطررت للنزول ولما نزلت الى الشارع وجدت الشمس حرارتها حارقة وشديدة والهواء ساخن جدا , المهم جبت الطلب وروحت البيت بسرعة
+ ولما دخلت الشقة حسيت بإحساس غريب , وجدت ان شقتى افضل بكتير جداً جداً من الشارع الذى به حرارة شديدة جدا والشقة مهما كانت فهى افضل بكتير فى حرارتها من الشارع
+ وهنا حسيت انى فى نعمة كبيرة لم احس بها او اعرفها الا لما وجدت حالة اصعب من حالتى ولما نزلت الشارع ووجدته اشد حرارة من شقتى
+ وهكذا فى حياتنا ممكن واحد يتذمر لأنه فقير ولا يعرف انه بالرغم انه فقير ولكن افضل من غيرة فى الصحة او يوجد من افقر منه فى المال فلما يخرج ويجد ناس بتدور عن لقمة فى صفيحة الزبالة يعرف انه فى نعمة كبيرة
+ وفى ناس بتتذمر من المرض ولكن لما يروح المستشفى ويشوف المرضى بالأمراض المستعصية التى لا شفاء لها اكيد هيشكر ربنا انه وبالرغم انه مريض ولكن افضل من غيرة بكتير
+ كل واحد لازم يشكر ربنا على كل حال وفى كل حال لأنه مهما كانت حالته فهو افضل بكتير من غيره ولو عاوز تعرف النعمة التى اعطاها لك الله , اطلع بره نفسك والتفكير فى الذات وحالتك واخرج دور على المرضى والفقراء والمحتاجين والذين فى السجون واللى فى الشوارع وليس لهم مكان او سكن يعيشون فيه , اكيد هتشكر ربنا وهتحس انك فى نعمة كبير
+ ياريت تردد هذه الآية باستمرار
"شَاكِرِينَ كُلَّ حِينٍ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فِي اسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، للهِ وَالآبِ"
(رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس 5: 20)
بنعمة المسيح
 
قديم 16 - 07 - 2017, 02:37 PM   رقم المشاركة : ( 18563 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,336,884

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

التطهير ما بين النقد والتقسير . لوقا 2:22 قراءه نقديه


النص محل البحث


Luk 2:22 وَلَمَّا تَمَّتْ أَيَّامُ تَطْهِيرِهَا حَسَبَ شَرِيعَةِ مُوسَى صَعِدُوا بِهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ لِيُقَدِّمُوهُ لِلرَّبِّ


يوجد لكلمه " نطهيرها " خمس قراءات ما بين المخطوطات وهم تطهيرهما , تطهيرة , تطهيرها , التطهير , التطهير مع كلمه " مريم " , شواهد لا نستطيع التحديد في تقرير ما كان مقصدها هل " تطهيرة " او تطهيرها " فالننظر الي الشواهد النصيه

1:- تطهيرهما [1]

السينائيه

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

الفاتيكانيه

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

السكندريه

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

واشنطن

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


والمخطوطات : K L X Δ Θ Ξ Π Ψ 053 28 33 565 700 892 1009 1010 1071 1079 1195 1216 1230 1241 1242 1253 1344 1365 1546 1646 2148 والمخطوطه 2174 بيد المُصحح الثالث والتى تعود للقرن الرابع عشر والعائلتين f1 f13 ومخطوطات النص البيزنطي Byz


الترجمات : الترجمه اللاتينه في المخطوطه itq , والسريانيه البشيتا والهيراقليه والفلسطينيه , والقبطيه الصعيديه وبعض من المخطوطات القبطيه البحيريه , والترجمه القوطيه والارمينيه والاثيوبيه والجورجيه


الاباء : اوريجانوس , كيرلس الاورشليمى , اغسطينوس , كيرلس الاسكندري


2:- قراءه تطهيرة [2]

بيزا

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

والمخطوطه 2174 بيد الناسخ الاصلي


الترجمات : السريانيه السينائيه , ومخطوطه واحده فقط من القبطيه الصعيديه


3:- قراءه تطهيرها [3]

المخطوطه 76 وهي تعود للقرن الثاني عشر هذه هي المخطوطه الوحيده التى وردت بها قراءه تطهيرها والموجوده بالنص المستلم


4:- التطهير [4]

مخطوطه يونانيه واحده وهي 435 , ووردت في الترجمه القبطيه البحيريه , ويعرفها القديس ايريناؤس و امفيليشيوس


5:- قراءه التطهير مع كلمه " مريم " [5]

يشهد لها مخطوطه واحده من مخطوطات ترجمه الفولجاتا


6:- قراءه " تطهيرة " او " تطهيرها " [6]

يشهد لها الفولجاتا والترجمه اللاتينيه متمثله في المخطوطات ita itaur itb itb itc itd ite itf itff2 itl itr1


وهذه الشواهد تكمن مشكلتها في الكلمه اللاتينيه eius وهي ممكن ان تأتى كضمير مفرد مذكر او ضمير مفرد مؤنث ومن هنا لن نستطيع تقرير اى قراءه تشهد لها هذه الشواهد اللاتينيه


ولكن لا يمكن ان يكون هناك شك في ان " تطهيرهما " هي القراءه الاصليه [7] من القراءات الملفته للنظر بالنسبه لي هي قراءه بيزا تقول " تطهيرة " احدهم قد ادعى ان المقصود بها هو يسوع ولكن هذا غير صحيح , فأن هوارد مارشيل يقول " لكن من غير المحتمل ان ينقل الكتبه النجاسه من مريم الي يسوع " [8] ويضع جوزيف فيتزمير سبب اخر ان تطهيرهما يجب ان تُفهم انها اشاره الي يوسف ومريم بسبب الفعل (ανηγαγον) (صعدا) اى والديه صعدوا به [9] وليس هذا فقط , بل سأزيد اكثر فيعطي لنا ريتشارد بليت العلماء الذين قالوا ان " تطهيرهما " المقصود بها يوسف ومريم وهم ,
جوزيف فيتزمير , ارندت ويليام , بور والتر , بوك داريل , غوديت.ف , بلامير الفريد , لينسكي , ماير , ويليام هندريكسن , صوميرز راى , ريلين و . سويلنغريبيل , موريس ليون , نولاند جون , وتعليقات نسخ
NCV, NET, TEV , [10]



وهذا لا يُعنى ان يوسف كان لابد ان ان يتطهر وهذا قاله نولاند جون , ويليام هندريكسن , لينسكى , و "هما " يُستخدم بشكل فضفاض للتطهير كونها مسأله الأسره فأن قد حان الوقت لطقوس تنقيتهم اليهوديه ( نولاند جون ) [11]


ويقول فيليب تشاف , قد اُعلن في شريعه موسي ان الأم كانت غير نظيفه بعد سبعه ايام من ولاده ابنها ( اربعه عشر يوماً بعد ولاده ابنتها ) ويجب ان تبقي منفصله لمده ثلاثه وثلاثين يوماً من هذه الفتره ويُشار الي الايام الأربعين معاً ايام καθαρισμός ( التطهير ) اذا كان هناك العديد من الأشخاص الذين يتحدثون عن (αὐτῶν، هم) يجب علينا عدم احالته الي اليهود بشكل عام , ولا للأم والطفل ( حسب لاويين 4-6 :12 كان فقط يتعلق بلأم وليس بالطفل ) , لم يكن يوسف ملزماً بالحضور في الهيكل لكنه قد شارك في جديه التطهير , كما ايضاً كان دوره في تقديم البكر الي الرب [12]


ويقول ايضاً كلينتون ارنولد . من الممكن ان يكون يوسف قد تنجس اثناء عمليه الولاده او علي الأرجح لوقا يُشير الي مشاركه الأسره في كل من مراسم التطهير والأحتفال [13]

ملخص : قراءه تطهيرهما هي القراءه الأصليه بشكل ساحق من الادله الخارجيه والداخليه حيث انه متواجد في افضل الشواهد واقدمها وان هذه القراءه هي اصعب القراءات التى تدفع للناسخ ان يُغيرها لأن العهد القديم ينص ان المرأه هي التى يجب ان تتطهر , يوجد تفسيرات منها ان يوسف قد تنجس اثناء مساعدته للعذراء اثناء الولاده لكن انا شخصيا اوافق ارنولد ولا ارجحه بشكل كبير , ولكن كلمه تطهيرهما تُشير الي انه قد حان وقت التطهير فذهب العائله المقدسه لهذا الهدف , اغفروا لي ان اخطأت او سهوت




References



[1] NEW TESTAMENT MANUSCRIPTS by type of manuscriptcuratore Richard Wilson. .,, αὐτῶν] *א A B K L W X Δ Θ Ξ Π Ψ 053 f1 f13 28 33 565 700 892 1009 1010 1071 1079 1195 1216 1230 1241 1242 1253 1344 1365 1546 1646 2148 2174c Byz itq syrp syrh syrpal copsa copbo(mss) goth arm eth geo Origenlat Cyril-Jerusalem Augustine Cyril


[2]Ibid
,, αὐτοῦ] D 2174* pc syrs copsa(ms) Paschal Chronicle


[3]Ibid
,, αὐτῆς] 76 ςScrivener ND


[4]Ibid
,, omit] 435 pc copbo Irenaeuslat Amphilochius


[5]Ibid
,, Marie] vgms


[6]Ibid
,, αὐτοῦ or αὐτῆς] ita itaur itb itb itc itd ite itf itff2 itl itr1 vg


[7] Biblical Studies Press. (2006; 2006). The NET Bible First Edition Notes (Lk 2:22). Biblical Studies Press
,, There can be no doubt that “their purification” is the authentic reading. .


[8] Marshall, I. H. (1978). The Gospel of Luke : A commentary on the Greek text. Includes indexes. The New international Greek testament commentary (116). Exeter [Eng.: Paternoster Press,
, But it is improbable that scribes would transfer the impurity from Mary to Jesus,.


[9] Fitzmyer, J. A., S.J. (2008). The Gospel according to Luke I-IX: Introduction, translation, and notes (424). New Haven; London: Yale University Press
,, The pron., “their,” must be understood to refer to Joseph and Mary because of the main verb anēgagon, “they (i.e. his parents) brought him up.”.


[10] Blight, R. C. (2008). An Exegetical Summary of Luke 1-11 (2nd ed.) (93). Dallas, TX: SIL International
.,, QUESTION—Since the law concerned only the purification of the mother, why does it say ‘their purification’?
1. ‘Their’ refers to Mary and Joseph [AB, Arn, BAGD (p. 387), BECNT, Gdt, ICC, Lns, My, NTC, Su, TH, TNTC, WBC; NCV, NET, TEV].


[11]Ibid,,
This does not mean that Joseph had to be purified [Lns, NTC, WBC]. ‘Their’ is used loosely of the purification being a family matter so that it was time for their Jewish purification ritual [WBC].

من الممكن قراءه نفس المرجع فقد وضع عده تفسيرات اخري منها ان يوسف النجار قد ساعد العذراء مريم في الولاده مما يجعله يحتاج الى التطهير هذا كرأى من ضمن الأراء


[12] Lange, J. P., Schaff, P., van Oosterzee, J. J., & Starbuck, C. C. (2008). A commentary on the Holy Scriptures : Luke (44). Bellingham, WA
,, Vs. 22. Their (not her) purification.—The law of Moses declared, that the mother was unclean seven days after the birth of a son (fourteen days after the birth of a daughter), and must remain separate for thirty-three days from this period. These forty days are together denoted the days of the καθαρισμός. If several persons are spoken of (αὐτῶν, their), we must not refer it to the Jews in general, nor to the mother and the child (for the Mosaic precept, Lev. 12:4–6, had regard only to the mother, not the child), but to the mother and the father. Joseph was not obliged to be present in the temple, yet he might take part in the solemnity of purification, as it was his part to present the firstborn to the Lord.



[13] Arnold, C. E. (2002). Zondervan Illustrated Bible Backgrounds Commentary Volume 1: Matthew, Mark , Luke. (344). Grand Rapids, MI: Zondervan.
,, It is possible that Joseph was rendered unclean during the birth process or, more likely, Luke refers to the family’s participation in both the purification and dedication ceremonies.


 
قديم 17 - 07 - 2017, 02:36 PM   رقم المشاركة : ( 18564 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,336,884

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

ما هى القلنسوة
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

كان يلبسها القديس الأنبا أنطونيوس أبو الرهبان، وهى تغطى الرأس كلها ثم تتدلى خلف الرأس وعلى الكتفين فقط، وهى تشبه (غطاء رأس الأطفال تماماً)، وهى بذلك تشير إلى روح البساطة التى يجب أن يتحلى بها الراهب.
والجزء الذى يغطى الرأس يوجد عليه اثنا عشر صليباً، ستة صلبان من كل جهة، وهى تشير إلى عدد تلاميذ السيد المسيح الاثنا عشر، أما فى وسط القلنسوة فيوجد فرق (قطع) يبدأ من أولها فوق الجبهة مباشرة ويصل إلى ثلثها تقريباً، وهذا الفرق (القطع) فتتم خياطته بطريقة عمل الشبكة (بعرض 1سم تقريباً)، بحيث يظهر الفرق (القطع) واضحاً وقطعتا القلنسوة متباعدتان عن بعضهما قليلاً، وفى نهاية الفرق (القطع) يتم عمل صليب مطرز يكون خلف الرأس مباشرة، وهو يشير إلى السيد المسيح، وتربط القلنسوة أسفل الرقبة من الأمام بشريطين رفيعين.
وقد أعاد قداسة البابا شنودة الثالث البابا 117 من باباوات الكرازة المرقسية إستعمال هذه القلنسوة بين الرهبان فى الأديرة، وهو أول من إستعملها فى عصرنا الحديث.
ويرجع تصميم هذه القلنسوة بالشكل الذى وصفناه سابقاً خصوصاً الفرق (القطع) الواضح الموجود فى وسطها، إلى القصة المتواترة بين الرهبان، والتى تروى أن الشيطان عندما اغتاظ من القلنسوة التى كان يرتديها الأنبا أنطونيوس أب الرهبان فوق رأسه، وأراد الشيطان أن ينـزعها من على رأسه بالقوة، فإنه عندما أمسكها ليخطفها تمسك بها القديس الأنبا أنطونيوس بقوة حتى لا يخطفها منه الشيطان، ولما جذبها الشيطان بعنف لخطفها من بين يدى القديس، فإنها تمزقت من الوسط وهى بين أيديهما، ولما استغاث القديس الأنبا أنطونيوس بالرب يسوع ورشم ذاته بعلامة الصليب، فإن الشيطان أصبح كالدخان وولى هارباً إذ قد انحلت قوته، وهكذا رغماً عنه ترك للقديس قلنسوته الممزقة من الوسط، فأخذها القديس وخاطها بالإبرة الغليظة التى يخيط بها الضفائر (المسلة) ثم لبسها، وهكذا صار هذا هو طقس وشكل القلنسوة حتى وقتنا الحالى (سمو الرهبنة ص153- ص156 ).
 
قديم 17 - 07 - 2017, 05:41 PM   رقم المشاركة : ( 18565 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,336,884

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

علم الأثار يؤكد صحه الكتاب المقدس , اقتباسات نقلاً عن . RAY COMFORT

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
ينقل RAY COMFORT اقتباسات علميه لصحه الكتاب المقدس استناداً علي علم الأثار



1:- علم الأثار الحديث يؤكد الكتاب المقدس


" بطرق غير عاديه , يؤكد علم الأثار الحديث علي جوهر تاريخ العهدين القديم والجديد , ودعم اجزاء رئيسيه من القصص الكتابيه " , جيفري شيلر , هل الكتاب المقدس صحيح ؟



2:- الأكتشافات الأثريه والكتاب المقدس



وقد اكد علم الأثار مقاطع لا تُعد ولا تُحصي التى رفضها النقاد كغير تاريخيه او متناقضه مع الحقائق المتعارف عليها , ومع ذلك قد كشفت الأكتشافات الأثريه ان هذه الاتهامات خاطئه وأن الكتاب المقدس جدير بالثقه , في التصريحات ذاتها قد وضع اعتبار انه غير جدير بالثقه جانباً , نحن لا نعرف ما هي الحالات التى اثبتت ان الكتاب المقدس خاطيء , دكتور جوزيف



3:- الكتاب المقدس والأمبراطوريه الحثيه



الكتب المقدسه تضع اكثر من 40 أشاره الي الأمبراطوريه الحثيه العظيمه , ومع ذلك حى قبل مئه سنه لم يكن هناك اى دليل اثري لأثبات ادعاء الكتاب المقدس ان للحثيين وجود وقد اعلن المشككون ان الكتاب المقدس كان خاطئاً , حتى اوقفت افواههم فجأه , في عام 1906 كشف Hugo Winckler مكتبه ضخمه من 10000 أقراص من الطين , والتى وثقت تماماً الأمبراطوريه الحثيه المفقوده , ونحن نعلم الأن ان الحضاره الحثيه في ذروتها تنافست مصر وأشور في مجدها وقوتها






References

[1] Comfort, R. (2001). Scientific Facts in the Bible: 100 Reasons to Believe the Bible is Supernatural in Origin (61). Alachua, FL: Bridge-Logos,,

Modern Archaeology Confirms the Bible
“In extraordinary ways, modern archeology is affirming the historical core of the Old and New Testaments, supporting key portions of crucial biblical stories.” Jeffery L. Sheler, “Is the Bible True?” Reader’s Digest, June 2000.


[2] Ibid , p64

Archaeological Discoveries and the Bible
“Archaeology has confirmed countless passages which have been rejected by critics as unhistorical or contradictory to known facts … Yet archaeological discoveries have shown that these critical charges … are wrong and that the Bible is trustworthy in the very statements which have been set aside as untrustworthy … We do not know of any cases where the Bible has been proved wrong.” Dr. Joseph P. Free


[3] Ibid , p65 ,

The Bible and the Hittite Empire
The Scriptures make more than 40 references to the great Hittite Empire. However, until one hundred years ago there was no archaeological evidence to substantiate the biblical claim that the Hittites existed. Skeptics declared that the Bible was in error, until their mouths were suddenly stopped. In 1906, Hugo Winckler uncovered a huge library of 10,000 clay tablets, which completely ********ed the lost Hittite Empire. We now know that at its height, the Hittite civilization rivaled Egypt and Assyria in its glory and power

 
قديم 17 - 07 - 2017, 05:44 PM   رقم المشاركة : ( 18566 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,336,884

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

"ثلاث مدن "

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
ثلاث مدن
المدينة الأولى :
هي أورشليم الأرضية
المدينة الثانية :
أثينا القديمة
والمدينة الثالثة :
هي أورشليم السماوية
*
"وَفِيمَا هُوَ يَقْتَرِبُ نَظَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَبَكَى عَلَيْهَا"
(لوقا 41:19)
"وَبَيْنَمَا بُولُسُ يَنْتَظِرُهُمَا فِي أَثِينَا احْتَدَّتْ رُوحُهُ فِيهِ، إِذْ رَأَى الْمَدِينَةَ مَمْلُؤَةً أَصْنَامًا."
(أعمال 16:17).
"وَأَنَا يُوحَنَّا رَأَيْتُ الْمَدِينَةَ الْمُقَدَّسَةَ أُورُشَلِيمَ الْجَدِيدَةَ نَازِلَةً مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُهَيَّأَةً كَعَرُوسٍ مُزَيَّنَةٍ لِرَجُلِهَا."
(رؤيا 2:21)
*
المدينة الأولى، أورشليم الأرضية
بكى يسوع عليها لأن أهلها عرفوا لكنهم ما أرادوا.. عرفوا الحق كما أعلنه الأنبياء لكنهم لم يريدوا أن يقبلوه.
المدينة الثانية، أثينا
أهلها أرادوا أن يعبدوا الإله الحقيقي لكنهم لم يعرفوه، فأقاموا تمثالاً لإله مجهول.
المدينة الثالثة، أورشليم السماوية
أهلها عرفوا وأرادوا الحق.. حررهم ومجدهم الحق.
*
المدينة الأولى
نحن نعلم أن المسيح دخل هذه المدينة هذه المرة ولكنه في دخوله الانتصاري - قبل صلبه بأيام قليلة - نظر إلى المدينة وبكى عليها.
لماذا ؟ ... قال:
"كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا!"
(متى 23: 37)
.. أنتم لم تريدوا... إنه حديث يخرج من قلب المسيح المتألِّم، المحبة التي جُرحت، وأرادت أن تُغدق البركة، وأرادت أن تحمي أولاد هذه المدينة، ولكن المدينة لم تُرِدْ. كان المسيح يرى خطراً روحياً لأهل هذه المدينة إن هم لم يخضعوا للمسيح. فالمدينة ليست وحدها التي ستخرب لكنهم هم سيهلكون، سيموتون موتاً روحياً أبدياً لأن المسيح وحده طريق الخلاص.
*
وهذه المدينة، أورشليم الأرضية ليست بقعة جغرافية على خريطة هذا العالم، لكنها تمثـِّل قوماً في كل مكان، وفي كل أزمنة هذا التاريخ.. أولئك الذين عرفوا المسيحية لكنهم لم يخضعوا للمسيح رباً ومخلصاً. إن المسيح إذ حذر أورشليم القديمة يحذرنا اليوم قَائِلاً:
«إِنَّكِ لَوْ عَلِمْتِ أَنْتِ أَيْضًا، حَتَّى فِي يَوْمِكِ هذَا، مَا هُوَ لِسَلاَمِكِ! .. كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ .. وَلَمْ تُرِيدُوا!!
(لوقا 19: 42)(متى 23: 37)
*
وهناك الذين عرفوا الحقائق المسيحية لكنهم لم يصدقوها.
ثم هناك الذين عرفوا وصدقوا لكنهم لم يخضعوا، هم يعرفون أن الله قد جاء في المسيح ليخلصهم لكنهم لا يخضعون للمسيح ظناً منهم أنهم إن خضعوا للمسيح فإنه يسلبهم إرادتهم، فالمسيح حين شبّه ملكوته لم يشبهه بمأتم لكنه شبهه بعرس.. المسيحية إن كانت عبودية فهي عبودية أكثر حرية من كل حرية.. العبودية للمسيح هي كل معنى الحرية، المسيحية إن كانت تعطينا قيداً على الخطية فإنما تعطينا انطلاقا لحرية مجد أولاد الله. إنهم عرفوا لكنهم لم يخضعوا.
*
ثم هناك الذين عرفوا معرفة عقلية لكنهم لم يعرفوا معرفة شخصية اختبارية. كثيرون يعرفون المسيح معرفة تاريخية، إنه عاش منذ ألفي عام، ولد في المذود، جاع، عطش، تعب، صلب، قام، لكن لا علاقة شخصية لهم بهذا الشخص التاريخي. إنه مسيحنا ليس مجرد ذكرى في التاريخ لكنه مسيح كل جيل ومسيح التاريخ كله، هو الإله الحيّ الذي ينبغي أن نعرفه ليس فقط معرفة عقلية وإنما نختبره حياً في حياتنا، غافراً لخطايانا، ساكناً في قلوبنا، وإلا فإننا نكون من سكان أورشليم الأرضية.
ثم هناك الذين عرفوا وصدقوا لكنهم يؤجلون هذا القرار إلى وقت مناسب. ولهذا فهم يحرمون أنفسهم من الحياة السعيدة مع الله المحب والمسامح والغفور.
*
المدينة الثانية
هي أثينا القديمة. نظر بولس إليها واحتدت روحه فيه من أجلها إذ رأى المدينة مملوءة أصناماً، وهي التي تمثل قوماً أرادوا معرفة الحق لكنهم لم يعرفوا الله الحقيقي. فرأى بولس أن هذه الأصنام تعبِّر عن رغبة دفينة عند أهل هذه المدينة أن يعبدوا الله ولكنهم لم يعرفوه.
إن أثينا القديمة ليست مكاناً على خريطة العالم لكنها تمثل بعض الناس في كل مكان.. أولئك الذين يريدون لكنهم لا يعرفون، أولئك الذين يعبدون إلهاً مجهولاً، وبولس حذر قوماً لا يعرفون هذا الإله الحقيقي الحي.
هناك قوم يعبدون إلهاً مجهولاً لا يعرفون عنه شيئاً:
هل هو إله محب؟
هل هو قاس؟
وهناك قوم يعبدون أنفسهم، يعبدون أموالهم، مراكزهم. نظر المسيح إلى أورشليم الأرضية وبكى ونظر بولس إلى أثينا القديمة واحتدّت روحه، ترى هل نحن الذين عرفنا الله...
هل نبكي على الذين عرفوا ولم يريدوا؟
هل نحزن وتحتد نفوسنا على الذين يريدون لكنهم لا يعرفون؟
أم أننا لا نبالي، إن كنا حقاً عرفنا المسيح الحقيقي فلا بد أن نقول قول إرميا:
" يَا لَيْتَ رَأْسِي مَاءٌ، وَعَيْنَيَّ يَنْبُوعُ دُمُوعٍ، فَأَبْكِيَ نَهَارًا وَلَيْلاً .."
(إرميا 9: 1)
هل نبكي على الذين لم يعرفوا المسيح؟
هل نبكي على الذين عرفوه معرفة تاريخية ولم يعرفوه معرفة شخصية؟
هل تحتد نفوسنا على قوم يعبدون آلهة كثيرة لكنهم لا يعرفون الإله الحقيقي؟
*
المدينة الثالثة
وأخيراً نأتي إلى أورشليم السماوية، حيث يقطنها قوم عرفوا وأرادوا واختارهم الله، حرّرهم ومجدهم الله. هذه المدينة نظر إليها يوحنا الرائي وتهلل وقال:
"..آمِينَ. تَعَالَ أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ."
أورشليم السماوية هي الكنيسة، وهي مسكن الله مع الناس والمدينة السماوية لا تحتاج إلى الشمس ولا القمر لأن مجد الله قد أنارها والخروف سراجها.
*
قصة المدن الثلاث:
أورشليم الأرضية
بكى عليها يسوع لأن أهلها عرفوا الحق كما أعلن الأنبياء ولكنهم لم يريدوا أن يخضعوا للمسيح.
أثينا القديمة
احتدت نفس بولس عليها وقد امتلأت أصناماً.. أرادوا لكنهم لم يعرفوا.
أورشليم السماوية
يسكنها قوم عرفوا وأرادوا واختبروا وخضعوا ومجَّدهم الله بأن يعيش معهم.
ترى في أي مدن نحن؟
هي دعوة لنا أن نخرج من أورشليم الأرضية وأن نخرج من أثينا القديمة وأن نتهلل بالمسيح الذي أعلن الله لنا ومات عنا وقبلنا وهو يشفع فينا للأبد.

* * *
أشكرك أحبك كثيراً...
الرب يسوع يحبك ...
بركة الرب لكل قارئ .. آمين .
وكل يوم وأنت في ملء بركة إنجيل المسيح... آمين

يسوع يحبك ...
 
قديم 17 - 07 - 2017, 05:46 PM   رقم المشاركة : ( 18567 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,336,884

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

إِنِّي أُجَازِي شَرًّا
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
لاَ تَقُلْ: «إِنِّي أُجَازِي شَرًّا». انْتَظِرِ الرَّبَّ فَيُخَلِّصَكَ.
أمثال 22:20


الإنتقام طريقة بشعة ومؤلمة للرد على من نشعر انهم ارتكبوا خطأ بحقنا. الرب هو ضماننا للمكافئات. اترك الأمر له. تصعيد نزعة الانتقام يؤدي فقط إلى أشخاص مكسورين وحياة مكسورة. والاسوأ، يؤدي إلى شخصيات مكسورة.
الهي القدير ، من فضلك مكنني بروحك لأكون صبوراً لأجلك لكي تعدل الظلم المرتكب ضدي. من فضلك ساعدني لأكون مهتم بخلاص من قد يكونوا ارتكبوا خطأ بحقي أكثر من اهتمامي بأخذ حقي منهم. من فضلك اعطني قلباً مثل قلب ابنك، يسوع، الذي باسمه اصلي. آمين.
 
قديم 18 - 07 - 2017, 05:08 PM   رقم المشاركة : ( 18568 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,336,884

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

جزء منى سقط فى المياه

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
جزء منى سقط فى المياه
بالرغم من مرور الأيام والسنين، إلا أن موجات المد العنيفة تسونامي التي ضربت الساحل الشرقي لأكثر من 14 دولة من عالمنا عام 2004 ستظل محفورة في التاريخ البشري كواحدة من أقوى وأعنف الظواهر الطبيعية التي وقف فيها الإنسان عاجزًا أمام غضب الطبيعة.
كم من بيوتٍ تهدَّمت ومبانٍ انهارت، فتشرَّد الكثير من العائلات بلا مأوى، حيث بلغ ارتفاع المياه 20مترًا تقريبًا، مما أدّى إلى اختفاء العديد من القرى والمدن التي لم تستطع الصمود أمام قوة المياه الجارفة. إلا إنها لم تكن الأخيرة، بل تلتها موجات أخرى، كان إحداها عام 2011 حينما ضربت موجات تسونامي العاتية دولة اليابان مما أدى إلى خسائر كثيرة، فوفقًا لإحصائيات الحكومة اليابانية قُدِّر عدد المتوفين فيها بـ 15800 شخص بينما عدد المفقودين قُدِّر بـ 2636 .
إحدى هؤلاء المفقودين هي السيدة “يوكو” التي لا يزال يبحث عنها زوجها الوفي “ياسوتاكاماسوتو” وهو رجل ياباني يبلغ من العمر 57 عامًا ويعمل سائق أتوبيس في اليابان. لكن الرائع فيه أنه بالرغم من ابتلاع المياه لزوجته منذ أكثر من 3 أعوام إلا أنه يقوم يوميًا بمساعدة صديقين له برحلة غطس للبحث عن بقايا جثة زوجته المفقودة تحت المياه، على أمل أن يحقِّق حلمه بالعثور عليها. وعند سؤاله عن سر إصراره على البحث عنها بالرغم من خطورة وبرودة المياه في هذه المنطقة، كان دائم القول:
"أنا افتقدها بشدة.. أفتقد وجودها إلى جواري.. جزء مني سقط في هذه المياه ولا أستطيع العثور عليه.. أحلم بأن أجد جثتها حتى أرتاح وأكرمها بدفنها وزيارة قبرها يوميًا.. كل ما يقلقني هو مرور العمر دون العثور عليها وعدم المقدرة على الغطس مجدَّدًا.. لا يمكن أن أنسى آخر رسالة لها يوم 11/3/2011 على هاتفي الجوال مستنجدة:
“أريد العودة للمنزل.. أنا أهلك.. تسونامى كبيرة.”
ما أروعك يا ياسوتاكاماسوتو وأنت تعطينا نموذجًا عمليًا في الوفاء والإخلاص في الحياة الزوجية، يندر أن يجود به الزمان علينا، بعد أن كنا نسمع عن هذا النوع من الحب الصادق في التاريخ البعيد أو حتى الأساطير الخيالية.
*
صديقى.. صديقتي..
يعلِّمنا ياسوتاكاماسوتو درسًا رائعًا عن روعة الحب والتضحية، لكنه في الحقيقة يقف قزمًا أمام هذا المحب الأعظم :

الرب يسوع المسيح، الذي يحبنا بالرغم من شرورنا وخطايانا :
«وَلَكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيح لأَجْلِنَا»
(رومية5: 8).
قد يكون ياسو محقًا في بحثه عن زوجته إذ إنها زوجته ورفيقة عمره وشريكة حياته، لكن ماذا إذا كانت عدوته؟!!
*
أخي.. أختي..
أعرف مُحبًّا أحبنا ونحن أعداء له في القول والفكر والفعل. وبالرغم من أننا أعطيناه القفا لا الوجه، رفضناه بكل معنى الكلمة. لكنه أحبَّنا، ويحبنا، وسيظل يحبنا. ومن ثم يقدر أن يصالحنا مع الله ويعطينا نعمة الخلاص :
«لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا وَنَحْنُ أَعْدَاءٌ قَدْ صُولِحْنَا مَعَ اللهِ بِمَوْتِ ابْنِهِ، فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا وَنَحْنُ مُصَالَحُونَ نَخْلُصُ بِحَيَاتِهِ!»
(رومية5: 10).
فصرنا قريبين بعد أن كنا بعيدين :
«وَلكِنِ الآنَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، أَنْتُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ قَبْلاً بَعِيدِينَ، صِرْتُمْ قَرِيبِينَ بِدَمِ الْمَسِيحِ»
(أفسس2: 13).
بل والمدهش إننا صرنا رعية مع القديسين بعد أن كنا غرباء عنه :
«فَلَسْتُمْ إِذًا بَعْدُ غُرَبَاءَ وَنُزُلاً، بَلْ رَعِيَّةٌ مَعَ الْقِدِّيسِينَ وَأَهْلِ بَيْتِ اللهِ»
(أفسس2: 19).
*
كانت أقصى طموحات ياسو في العثور على زوجته المفقودة هي أن يجدها ليدفنها ويزور قبرها، لكنه أظهر عجز الإنسان في أوضح صورة :
«الأَخُ لَنْ يَفْدِيَ الإِنْسَانَ فِدَاءً، وَلاَ يُعْطِيَ اللهَ كَفَّارَةً عَنْهُ»
(مزمور49: 7).
أما سيدي ومخلِّصي، الرب يسوع المسيح، فقيل عنه بروح النبوة :
«غَرِقْتُ فِي حَمْأَةٍ عَمِيقَةٍ، وَلَيْسَ مَقَرٌّ. دَخَلْتُ إِلَى أَعْمَاقِ الْمِيَاهِ، وَالسَّيْلُ غَمَرَنِي»
(مزمور69: 2)،
وذلك ليس ليدفني، بل ليُقيمني ويعطيني الحياة الأبدية معه في السماويات :
«وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ»
(أفسس2: 6).
فهو يبحث عن الضال حتى يجده
(لوقا15: 4)،
إذ إنه الوحيد القادر على دفن الخطايا في بحر النسيان وإعطاء الضمان، إنه لن يعود يذكرها فيما بعد :
«كَبُعْدِ الْمَشْرِقِ مِنَ الْمَغْرِبِ أَبْعَدَ عَنَّا مَعَاصِيَنَا»
(مزمور103: 12)،
«أَنَا أَنَا هُوَ الْمَاحِي ذُنُوبَكَ لأَجْلِ نَفْسِي، وَخَطَايَاكَ لاَ أَذْكُرُهَا»
(إشعياء43: 25).
*
أيها القارئ العزيز..
قد تكون في بحر شرورك غرقان..
تمكن منك اليأس مع مرور الزمان..
تبحث عن حل، لكنك تقف حيران..
إذ لا يوجد رجاء عند الإنسان..
ها الرب يسوع المحب والحنان،
صاحب الوعد والضمان،
لكل من يأتي إليه تائب ندمان
عن كل شر مهما إن كان،
ليمنحه الحرية والسعادة والأمان.
فهل تسرع إليه ليمحو ذنوبك ويطرحها في بحر النسيان؟

* * *
أشكرك أحبك كثيراً...
الرب يسوع يحبك ...
بركة الرب لكل قارئ .. آمين .
وكل يوم وأنت في ملء بركة إنجيل المسيح... آمين

يسوع يحبك ...
 
قديم 18 - 07 - 2017, 05:42 PM   رقم المشاركة : ( 18569 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,336,884

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

إبليس يجرب المسيح

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
رأينا في أخبار طفولة يسوع شيئاً من أعمال إبليس التي ظهرت في تصرُّفات هيرودس الملك. لكننا لم نعثر إلى الآن في تاريخ يسوع على ذكر إسم إبليس، ولا على أخبار صريحة عنه. أما الآن فقد وصلنا في درسنا إلى رؤية صورته بجلاء، إذ تُذكر أسماؤه الثلاثة "المجرب" و "إبليس" (أي: المشتكي) و"الشيطان" (أي: العدو). ويصوّره الإنجيل يهاجم يسوع ويريد أن يجعله يخطئ. ويروي لنا قصة تجريب إبليس للمسيح في إنجيل متى 4:1-11 ، ولوقا 4:1-13.
يتبيَّن من الكتاب المقدس أن الشيطان شخص حقيقي روحي، مجرَّد من المادة وشرير جداً، وأنه رئيس ملائكة الشر الذين أشار إليهم المسيح في كلامه عن "النَّارِ الْأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ لِإِبْلِيسَ وَمَلَائِكَتِهِ" (متى 25:41). قيل "إن الله لم يشفق عليهم لأنهم أخطأوا ولَمْ يَحْفَظُوا رِيَاسَتَهُمْ، بَلْ تَرَكُوا مَسْكَنَهُمْ. ففي سلاسل الظلام طرحهم في جهنم، وسلّمهم محروسين للقضاء، وحَفِظَهُمْ إِلَى دَيْنُونَةِ الْيَوْمِ الْعَظِيمِ بِقُيُودٍ أَبَدِيَّةٍ تَحْتَ الظَّلَامِ" (يهوذا 6) ويُسمى أيضاً "رَئِيسَ هذَا الْعَالَمِ" (يوحنا 16:11) و"إِلهُ هذَا الدَّهْرِ" (2 كورنثوس 4:4). و"رَئِيسِ سُلْطَانِ الْهَوَاءِ" (أفسس 2:2) لأنه بذكائه الفائق، يتسلَّط على البشر تسلُّطاً عظيماً وغريباً جداً. وأهم البراهين على أنه شخص حقيقي مهم ومقتدر أمر يسوع لتابعيه أن يذكروه في صلاتهم مهما اختصروها، ويقولوا: "نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ" (متى 6:13) ليس من الشر ولا من الأشرار، بل "من الشرير".
ويتضح أيضاً من الكتاب المقدس أن هذا التسلُّط مقيَّد بالسماح الإلهي، وأن إبليس يعترف بذلك، ويطلب هذا السماح ويُعطاه أحياناً. إنما القصد الإلهي في هذا السماح هو حبّي محض نحو الذين يُجرَّبون، لأن المنتصرين منهم ينالون التزكية والتقوية والتمجيد. والذي يدفع كل ريب في مزية الحب الخالص في هذا السماح هو تجربة المسيح، لأن الروح القدس هو الذي أصعده إلى البرية ليجربه إبليس.
التجربة الأولى: إبليس يطلب أن يحوّل المسيح الحجارة إلى خبز

(تجربة الجوع)

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"ثُمَّ أُصْعِدَ يَسُوعُ إِلَى الْبَرِّيَّةِ مِنَ الرُّوحِ لِيُجَرَّبَ مِنْ إِبْلِيسَ. فَبَعْدَ مَا صَامَ أَرْبَعِينَ نَهَاراً وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، جَاعَ أَخِيراً. فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ الْمُجَرِّبُ وَقَالَ لَهُ: "إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللّهِ فَقُلْ أَنْ تَصِيرَ هذِهِ الْحِجَارَةُ خُبْزاً". فَأَجَابَ: "مَكْتُوبٌ: لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الْإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ اللّهِ" (متى 4:1-4).
ولا يخفى الفرق العظيم بين نوعي التجربة. هناك تجربة الألم لأجل الإمتحان الخيري بقصد التزكية والتقوية والتمجيد، مثل ما فعل الله بإبراهيم. وفيه يجد الرسول يعقوب سبباً عظيماً للفرح (يعقوب 1:2) والثاني تجربة الشر لأجل إغواء الإنسان. وفي هذا قال الرسول ذاته: "لَا يَقُلْ أَحَدٌ إِذَا جُرِّبَ إِنِّي أُجَرَّبُ مِنْ قِبَلِ اللّهِ، لِأَنَّ اللّهَ غَيْرُ مُجَرَّبٍ بِالشُّرُورِ وَهُوَ لَا يُجَرِّبُ أَحَداً (بالشرور)" (يعقوب 1:13).
وتجربة المسيح أصعب حوادث حياته تفسيراً. ومن جملة المصاعب: التوفيق بين طهارته التامة والقول بأنه "تجرَّب في كل شيء مثلنا" (عبرانيين 4:15) فأين تجربة القدوس من تجربة الأثيم؟ إن ما نتيقَّنه تماماً من سموّ صفات المسيح لا يدع مجالاً للظن بأن تجربته كانت وهمية أو صورية. وقد أورد خبرها على الصورة الموجودة في الإنجيل المسيحُ وحده، إذ ليس آخر يعرف هذا الأمر ليخبر عنه. ولما كان المسيح يترفع كثيراً عن تصوير الوهم كأنه حقيقة، وعن إفادتنا بمحادثة لم تقع ومع شخص لا وجود له، كما يترفع رسله عن اختلاق خبر سري مهمٍ كهذا عن معلّمهم وسيدهم وربهم - فلا بد أن قصة التجربة حقيقية وليست وهماً.
يكشف المسيح بيده في خبر تجربته الستار عن سرٍ عميق من أسرار اختباراته الروحية، والمحنة الشديدة التي اجتازها منفرداً تماماً عن سائر البشر. وهذا الخبر هو الوحيد بين أخبار الإنجيل الذي يتوقف كشفه على المسيح وحده، فبناءً عليه يجب على المفسِّر أن يتحفَّظ من الجزم في شيء يتعلق بتجربة المسيح إلا ما ذُكر صريحاً، وأن يلتزم أيضاً مزيد الوقار.
يريد البعض أن يعتبروا أن الشيطان ليس إلا خيالاً يُستخدَم للتعبير عن الشر الداخلي الذي يقود الناس إلى الخطيئة، وأن القول باستقلاله الشخصي، هو من الخرافات التي لا تخلو من فائدة. لكن خبر تجربة المسيح يعارض هذا الرأي تماماً، لأن خلوَّ قلب المسيح وأفكاره التام من كل فساد، يؤكد أن التجربة للخطيئة لا يمكن أن تأتيه من داخل، فباب التجربة في قلبه لا يمكن فتحه إلا من خارج. وهذا يعني أن الذي جرّبه شخص شيطاني خارج عنه.
أشرف المسيح بانتهاء سني الاستعداد على بدء خدمته الجهارية. لكن عليه أن يمرَّ أولاً في أتون التجربة ليثبت أهليَّته ليكون المخلّص، فيصارع قائد قوات الشر ويقهره، لتتمّ أول النبوات التي أُعطيت للبشر، لما قال الله في جنة عدن لأبوينا الأولين إن نسل المرأة سيسحق رأس الحية (تكوين 3:15). فعليه أن يقهر إبليس، هذا العاتي الذي لم يقهره بشرٌ بعد، لكي يفتح لغيره باب الفوز الوحيد بهذا الخصم الجبار، لأن غلبة كل من يَسْلَم من مخالبه المهلكة لا تكون إلا باسم المسيح، وبقوة الروح القدس الذي أصعده إلى برية التجربة، ثم كلله بالنصر.
خضع المسيح كابن الإنسان لقوانين الحياة الأرضية التي هي من وضعه أصلاً. منها أن وراء كل جبل مرتفع وادياً منخفضاً، وبعد كل ابتهاج عظيم انزعاج يضارعه. فارتفاع المسيح وابتهاجه في معموديته بالأمس، أُبدلا سريعاً باتّضاعه وانزعاجه في برية التجربة. وينبئنا التاريخ المقدس بأن الشيطان يترقّب زمن ارتفاع الإنسان ليُسقطه، وبذلك يتضاعف أذى الساقط مع افتخار الذي أسقطه. يكفينا شاهداً على ذلك موسى وإيليا وبطرس ويهوذا الإسخريوطي. لأن إبليس أسقط موسى في خطية الغضب التي حرمته من دخول أرض الميعاد بعد عناء أربعين سنة، وأفقدته نيْلَ أماني حياته الطويلة، وكان ذلك عند بلوغه أوج عظمته الفائقة (العدد 12:3 ، 20:8-13). وإيليا نال انتصاره الباهر على المملكة وملكها وكهنة أوثانها على جبل الكرمل، ولم يمرَّ عليه أكثر من يومٍ إلا ورماه إبليس في خطية اليأس، فهرب مخذولاً إلى برية سيناء بعيداً عن محل مأموريته، وطلب الموت لنفسه (1 ملوك 18:30-40 ، 19:1-9).
وبطرس ارتفع إلى السماء عندما مدحه يسوع بكلام بليغ، فحالاً أسقطه هذا العدو الروحي في خطية الكبرياء، وجعله ينتهر المسيح ليمنعه من طريق الصليب، محاولاً أن يفسد عمله الخلاصي، لذلك عنّفه المسيح تعنيفاً لم يعامل غيره به قائلاً له: "اذْهَبْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ. أَنْتَ مَعْثَرَةٌ لِي" (متى 16:13-23). ويهوذا الإسخريوطي لما استكمل سني تمتُّعه بالوسائل الممتازة لترقيته الروحية، بمرافقته الدائمة للمسيح ثلاث سنين ونصفاً، أسقطه هذا المجرب المقتدر في خطيئة الطمع الفاحش، الذي أغرقه في الهوَّة العميقة التي جعلت اسمه إلى آخر الزمان مثال قساوة القلب الفائقة البربرية، والخيانة الشنيعة الدنيئة (أعمال 1:15-20).
وقد اتخذ إبليس الطاغي هذه الخطة عينها مع المسيح. رآه ممجَّداً للغاية وقت المعمودية، ومبتهجاً بحلول الروح القدس عليه، وبرضى الآب الممتاز المعلن بصوته من السماء، فأسرع إلى الهجوم عليه بأقوى تجاربه مدة أربعين يوماً، ليسقطه في خطيئةٍ من الخطايا العديدة. فإنه أسقط قبل هذا الوقت نسل آدم جميعاً دون استثناء. والآن يتوقع أن يفوز على ابن مريم. ويرى أن أحوال المسيح الخارجية تسهّل له ذلك.
بين تجربة آدم وتجربة المسيح

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
عندما هجم إبليس على آدم الأول وأسقطه أول مرة، كان في جنة فاخرة، حاوية كل أسباب السرور، وكان محيطه خالياً من كل شر أو فساد، حتى أن الحيوانات على أنواعها كانت أليفة وطوع أمره. ولم يكن يعرف من الأتعاب ولا الأوجاع ولا الأحزان ولا الأسقام شيئاً، وهو عالمٌ أن ليس أمامه غير دوام هذا الرغد، ما دام باقياً على الوضع الإلهي الذي أوجده الله فيه.
أما الآن فإن الشيطان يجد المسيح، آدم الثاني، في برية مقفرة، خالية ليس فقط من أسباب الراحة، بل من الطعام الضروري أيضاً، تحيط به الوحوش الضارية. وحياته السابقة كانت بين جماعة كلهم خطاة، وأعظم من ذلك أنه عالمٌ بأنه إنْ لم يرجع عن قصده فليس أمامه سوى سنوات التعب والشقاء والإهانة والآلام المبرحة ثم موت الصليب. فكيف لا يكون إسقاطه سهلاً ومكفولاً؟
كانت الوحوش الضارية رفيقة المسيح في هذه البرية. ونستنتج من الكتاب أن آدم الأول كان قبل سقوطه متسلطاً عليها، وليس على الحيوانات الأليفة فقط، وأن عداوة الوحوش لبني آدم هي إحدى نتائج سقوطه. فلما نقرأ أن المسيح كان مع الوحوش، نتصوره يستعيد تلك السلطة، مُحاطاً بها مثل دانيال في جب الأسود (دانيال 6) تحفظه هيبته المقدسة من أنيابها المسنونة. أوَليس من شأن إزالة الخطيئة إعادة تلك السلطة المفقودة؟ أوَليس الرفق بالحيوانات من مقتضيات الدين والأدب؟.
لم يكن المسيح قد أكل شيئاً مدة الأربعين يوماً والأربعين ليلة التي قضاها في البرية، فاغتنم المجرب فرصة إعيائه الجسدي ليفرغ قواه في ثلاث تجارب قوية. كان صوم المسيح هذا أمراً عرضياً طبيعياً، أولاً لأن البرية لا تقدم له بسهولة طعاماً، وثانياً لأنه مشغول عن التفتيش عن الطعام بانصرافه إلى الأمور الروحية، ولا يرضى أن يترك البرية في طلب الطعام إلا بإرشاد الروح الإلهي الذي أصعده إليها. فلم يشعر كثيراً بالجوع، إلا عند نهاية هذه المدة الطويلة.
في إغواء حواء، اتخذ إبليس صورة حيوان، إذْ لم يكن لديه إنسان يستخدمه، لكن حالما تسلط عليها ترك الحية، واستخدم حواء في إغواء زوجها. ومن ذلك الحين يستغني إبليس عن الحيوانات، لأن الآلات البشرية متوفرة لديه. وللتجربة بواسطة المقرَّبين مفعولٌ مضاعَف. ولما قصد إبليس أن يحوِّل المسيح عن التكفير بموته عن خطايا العالم، استخدم رسول المسيح الممتاز: سمعان بطرس (مرقس 8:33).
قد سكت الوحيُ تماماً عن بيان الصورة التي ظهر فيها إبليس للمسيح لما حاوره، إلا أن العقل يحكم بأنه لم يظهر في هيئة شيطانية، لأن ذلك يحذّر المسيح للكُرْهِ والمقاومة، ويعطّل سعي إبليس. والأغلب أن إبليس ظهر شخصياً للمسيح، فليس في المسيح أساس داخلي للشر حتى تأتيه التجربة من قلبه، ويحتمل أن إبليس ظهر أولاً بهيئة شخص اعتيادي أقبل على المسيح في البرية. فإنْ صحَّ هذا الفرض يكون إبليس قد أظهر تعجُّبه من جوع المسيح الناتج عن قيادة الروح الإلهي له إلى هذا القَفْر، ثم تركه بدون القوت الضروري الذي هو من حاجات الإنسان الأولية. ثم من باب التودُّد، ذكر للمسيح أن قوَّته كابن الله تجعل سدَّ هذه الحاجة أمراً سهلاً عليه جداً، لأن الذي خلق الحجارة في الأصل لا يعسر عليه تحويلها كيف شاء. وإنْ لم يفعل ذلك فإنه يزرع الشك في أنه حقاً ابن الله. وبما أن الآب قد أهمله ولم يعطه خبزاً، فلماذا ينتظر أمره؟ يحقُّ له إذاً أن يشك في محبة الآب، وأن يتذمر على تدبير العناية الإلهية.
ونحن نسأل اليوم: ما المانع من إجابة اقتراح هذا المجرب بأن يحوّل المسيح الحجارة إلى خبز ليسدَّ جوعه؟ وما هي الخطيئة أو الخطايا التي قصد إبليس أن يولِّدها في قلب المسيح؟
لا يصحُّ القول إن المسيح رفض هذا الاقتراح لمجرد أنه صدر من الشيطان، لأن المسيح لم يعترض في جوابه على المصدر، بل على الاقتراح، بغضِّ النظرِ عن مصدره. فلا تُعرَف ماهية التجارب التي ذُكرت في هذا الحادث إلا من شكل اعتراض المسيح وأجوبته على اقتراحات المجرِّب، لأن المسيح أخذ أجوبته من الكتاب المقدس وعليه بنى أحكامه.
ولما كانت إجابة المسيح الأولى "مكتوب" فقد أعلن لمجرِّبه وللعالم أنه قدَّم ذاته للتجربة لا كصاحب سلطان، بل كبشر تحت القانون والطاعة، وكخاضع مثل سائر البشر لأقوال الكتاب. وفي الوقت ذاته أظهر باستناده على أقوال الكتاب ما هو المرجع الحقيقي في أمور الدين. ومع أنه أقدر الناس على إفحام المجرب بالحُجج الفلسفية، أثبت بجوابه "مكتوب" أن قوة الاحتجاج الديني توجد في ما هو مكتوب في كتاب الله، لا فيما يُستنبَط من الفلسفة البشرية، لأن سيف الروح الماضي ذا الحدين الذي به وحده يقهر الإنسان عدوَّه الشيطان هو كلام الله. وقد استخدم المسيح هذا السلاح المُتاح لكل إنسان، وبه نال فوزه على إبليس.
تمسك المجرب بأن المسيح ابن الله، لأن افتخاره يزيد كثيراً إن تغلب على ابن الله لكنه رغم ذكائه الفائق نسي أن ابن الله لا يجوع ولا يأكل خبزاً، ولا يمكن أن يُجرَّب. فأصلح المسيح وَهْمَ إبليس لما أوضح له أنه يقابله، لا كابن الله، بل كابن الإنسان. لم يهتم المسيح كثيراً في كل حياته بتذكير الناس أنه ابن الله. فبينما يشير إلى ذاته في الإنجيل كابن الله أقل من عشر مرات، يشير نحو خمسين مرة إلى كونه ابن الإنسان. فلو أسندت طبيعته الالهية طبيعته البشرية وقت التجربة، لكان ذلك بمثابة اعتراف منه أن الطبيعة البشرية عاجزة عن التغلُّب عليها، ولَمَا صحَّ القول أنه تجرب مثلنا، ولا أن يكون مثالاً للناس. فهو لا يفعل في ساعة التجربة ما يعجز تابعوه عن أن يفعلوه. وهذا سببٌ كافٍ لعدم تحويله الحجارة خبزاً. فضلاً عن أنه يريد أن يذوق بنفسه مصيبة الجوع الشديد، لأن هذا نصيب كثيرين من بني البشر.
هذه التجربة الأولى هي الحيلة التي نجح إبليس بواسطتها لمّا استخدمها في دفع حواء للتذمُّر على الله والاستقلال عنه، لحرمانه إياها الأكل من شجرة معرفة الخير والشر (تكوين 3:3). وفي دفع بني إسرائيل للتذمُّر عليه والاستقلال عنه بحجة الطعام والشراب (خروج 16:3). لكن المسيح أظهر لإبليس أنه لا يتذمر على الآب بسبب جوعه، لأن عنده كلامه، وهذا أهم جداً عنده من الطعام الجسدي، وأنه لا يستقل عن الآب في التدبير، ولا يسعى للتخلُّص من الجوع إلا بأمره. وقد ظهرت أفكاره من هذا القبيل في غير هذا الوقت لما قال: "طَعَامِي أَنْ أَعْمَلَ مَشِيئَةَ الَّذِي أَرْسَلَنِي" (يوحنا 4:34).
وقد قصد المجرب في هذه التجربة أيضاً أن يُغري المسيح على الاهتمام أولاً بخدمة ذاته. فإنْ أقنعه أن يفعل معجزته الأولى لمنفعته الشخصية، يُعَدُّ ذلك نجاحاً عظيماً له، لأنه يعطل عمل المسيح الخلاصي، إذْ يصير المسيح من الذين يعيشون لذواتهم. لكن المسيح جعل هدف كل معجزاته خدمة الآخرين، حتى أعداءه، كما في حادث شفاء أذن ملخس (لوقا 22:51) ولم يفعل لمنفعته الخصوصية ولا معجزة واحدة، وقد صدق فيه قول الرسول بولس: "لِأَنَّ الْمَسِيحَ أَيْضاً لَمْ يُرْضِ نَفْسَهُ" (رومية 15:3) وصحَّ فيه تعيير مبغضيه وهو على الصليب: "خَلَّصَ آخَرِينَ وَأَمَّا نَفْسُهُ فَمَا يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَهَا" (مرقس 15:31). فصار هذا المبدأ قانونياً لتابعيه الذين وضع لهم شرطاً أولياً هو إنكار الذات. ومن أهم وصاياه "اطْلُبُوا أَوَّلاً مَلَكُوتَ اللّهِ" (مت 6:33). وفي أقواله كما في أفعاله حذَّرنا بقوة من الأنانية.
ثم أن لهذه التجربة معنى يتعلق بعمل المسيح بين الناس كمخلّص ومُصلح. أراد المجرب أن يغريه على تقديم الأمور الجسدية على الروحية، مراعاةً لمزاج عامة الناس، فينضم كثيرون إليه لهذا السبب، ويكون نجاحه في الظاهر سريعاً. فرفض المسيح هذه الحيلة، لأن مبدأه "اِعْمَلُوا لَا لِلطَّعَامِ الْبَائِدِ، بَلْ لِلطَّعَامِ الْبَاقِي لِلْحَيَاةِ الْأَبَدِيَّةِ" (يوحنا 6:27). وبجوابه علّم البشر في كل مكان وزمان أن خدمة الأرواح تُقدَّم على خدمة الأجساد. وأن الإحسان الحقيقي هو ما ينفع النفوس قبل الأجساد. وأن الإحسان إلى الجسم الفاني يُقصد به أولاً أن يصير مقدمة ووسيلة للإحسان إلى النفس الخالدة.
ذاك الذي تجرب مثلنا ولأجلنا وانتصر، حاضرٌ معنا في كل معركة يثيرها علينا إبليس، فإن انتبهنا لحضوره حالاً في ساعات التجربة، يعطينا نصراً كانتصاره على عدوّنا وعدوه، فنتهلل مع الرسول مرنمين: "شُكْراً لِلّهِ الَّذِي يُعْطِينَا الْغَلَبَةَ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ" (1 كورنثوس 15:57).
وهكذا انتصر المسيح على إبليس في أول تجربة جرّبه بها، ورفض أن يحوّل الحجارة إلى خبز ليُشبع جوعه. انتصر عندما قال: "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله".
التجربة الثانية: إبليس يطلب من المسيح أن يطرح نفسه إلى أسفل

(تجربة حب الظهور)

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"ثُمَّ أَخَذَهُ إِبْلِيسُ إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ، وَأَوْقَفَهُ عَلَى جَنَاحِ الْهَيْكَلِ، وَقَالَ لَهُ: "إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللّهِ فَاطْرَحْ نَفْسَكَ إِلَى أَسْفَلُ، لِأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنَّهُ يُوصِي مَلَائِكَتَهُ بِكَ، فَعَلَى أيَادِيهِمْ يَحْمِلُونَكَ لِكَيْ لَا تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ". قَالَ لَهُ يَسُوعُ: "مَكْتُوبٌ أَيْضاً: لَا تُجَرِّبِ الرَّبَّ إِلهَكَ" (متى 4:5-7).
أسفرت التجربة الأولى عن انكسار إبليس أمام المسيح. لكن إبليس لا ينثني بسهولة عن مشروعه الخبيث، إنما لفرط ذكائه يجدّد الهجوم على صورةٍ تخالف الأولى على خطٍ مستقيم، فقد ترك خُطة البساطة وأبدلها بخُطة الاحتيال، لأنه يعلم أن كل انتصار يفتح الباب لغيره، فيتظاهر بالرضى التام عن تصريح المسيح أنه تحت حكم ما هو مكتوب، وسلّم أيضاً بمبدأ أن المسيح لا ينفصل عن الآب، فطلب منه أن يتمسك بهذا الارتباط ويبرهن على ذلك. وتظاهر أنه سلم للمسيح بأفضلية الأمور الروحية على الجسدية، فطلب منه عملاً خطيراً خالياً من المنافع الجسدية، لكن فيه تعريض الجسد لخطرٍ عظيم.. طلب من المسيح عملاً يكون له تأثير ديني عظيم، فيه إنكار للنفس وتمسُّك بخدمة الآخرين، ليظهر لشعب الله المجتمع في الهيكل من رئيس الكهنة فما دون، أنه حقاً ابن الله ليؤمنوا به. والنقطة الوحيدة في تجربته الأولى التي تكررت في التجربة الثانية هي قوله: "إن كنت ابن الله".
يقول الإنجيل إن إبليس جاء بالمسيح إلى المدينة المقدسة أورشليم، وأوقفه على جناح الهيكل، وقال له: "إن كنت ابن الله فاطرح نفسك من هنا إلى أسفل، لأنه مكتوب أنه يوصي ملائكته بك لكي يحفظوك، وأنهم على أيديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجرٍ رجلك".
نظن أن الشيطان أخذ في هذه التجربة صورة ملاك نور، وأن بولس يشير إلى ذلك بقوله: "لِأَنَّ الشَّيْطَانَ نَفْسَهُ يُغَيِّرُ شَكْلَهُ إِلَى شِبْهِ مَلَاكِ نُورٍ" (2 كورنثوس 11:14) وأنه ظهر كأحد الملائكة المشار إليهم في كلام المزمور، المكلَّفين أن يحملوه على أيديهم، لئلا تصدم بحجر رجله. وهو هنا كأنه يضمن للمسيح أن يصونه من الأذى في كل الأحوال، حتى ولو رمى بنفسه من هذا المرتَفَع، ولا سيما لأنه بذلك يقدم للجمهور وللعالم برهان نزوله من السماء من عند الله.
من جواب المسيح على هذه التجربة نستخلص ماهيتها. أجاب: "مكتوب أيضاً لا تجرب الرب إلهك". إذاً ما كُتب في مكان من الكتاب يُفسَّر وفقاً لما كُتب في باقي الكتاب، إذْ يجب أن نفسر كلام الوحي بمثله، فيكون مفتاح التفسير الصائب لكل آيات الكتاب ما ورد في الموضوع ذاته من الآيات الأخرى، مع مراعاة روح الكتاب إجمالاً. ويدل الاختبار على أن إِفراد بعض الآيات المقدسة، والتشبُّث بظاهر معناها فقط، قد أدى ويؤدي إلى ضلالات كثيرة ومضرة.
دعا إبليس المسيح في هذه التجربة ليفتخر بالقوة التي له، فيظهرها أمام الجمهور. لكن روح الكتاب وفحوى آياته هي أساسٌ كافٍ للقول إن الله لا يسمح للإنسان أن يقتحم المخاطر دون داعٍ يوجب ذلك، لأن الإتكال على حمايته في ذلك الاقتحام، يكون تجاسراً مُنكراً. فهل يليق أن يطلب إنسان من الرب أن يحفظه من أضرار تعرَّض لها تطفُّلاً أو افتخاراً أو امتحاناً؟ لقد تجنَّب المسيح في كل حياته المخاطر، إلى أن أتت الساعة التي وجب أن يقدم حياته ذبيحة إثم.
ثم أن الوجه الآخر في هذه التجربة هو دعوة إبليس للمسيح ليتخذ سياسة الإدهاش العقلي وسيلةً بها يجعل الناس يؤمنون به، فيعتمد على قوة المعجزة لا على قوة الحق وعلى الإقناع الفكري لا على الشعور القلبي، وعلى الإدهاش لا التعليم. ولو نجح إبليس في تحويل المسيح عن الاهتمام بالتأثير الروحي في القلوب، يكون إبليس قد حفظ سلطته على الناس، ولو شاهدوا من المسيح مدهشات كثيرة.
لم يسقط المسيح في هذه الحفرة التي حفرها له المجرِّب. ومع أنه مزمع أن يصنع معجزات كثيرة فيما بعد، فإنه لا يصنعها لأجل الإدهاش، ولا كوسيلةٍ لجذب الناس إلى الإيمان به، بل سيصنعها تثبيتاً للذين قد آمنوا. فلا يُبنى إيمان الناس به على قوته بل على قوة الحق، وعلى أساس صفاته المقدسة، وعلى أساس المحبة له. لأن مركز الدين هو القلب لا الرأس. وعبثاً يستنير إن لم يُمَسّ القلب أيضاً. لذلك رفض المسيح كثيراً طلب اليهود أن يريهم آيات السماء.
التجربة الثالثة: إبليس يطلب من المسيح أن يسجد له

(تجربة الشرك بالله)

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"ثُمَّ أَخَذَهُ أَيْضاً إِبْلِيسُ إِلَى جَبَلٍ عَالٍ جِدّاً، وَأَرَاهُ جَمِيعَ مَمَالِكِ الْعَالَمِ وَمَجْدَهَا، وَقَالَ لَهُ: "أُعْطِيكَ هذِهِ جَمِيعَهَا إِنْ خَرَرْتَ وَسَجَدْتَ لِي". حِينَئِذٍ قَالَ لَهُ يَسُوعُ: "اذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! لِأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ". ثُمَّ تَرَكَهُ إِبْلِيسُ، وَإِذَا مَلَائِكَةٌ قَدْ جَاءَتْ فَصَارَتْ تَخْدِمُهُ" (متى 4:8-11).
بعد فشل إبليس في خُطة البساطة ثم الاحتيال، لجأ إلى خطة الوقاحة، فنراه يغيّر نوع الطلب ويدعو المسيح إلى أمر منكر، هو السجود له، ويقدم مقابل ذلك شيئاً لا تُقدَّر قيمته. لأنه على كيفية نجهلها أصعده إلى جبل عالٍ جداً، وأراه جميع ممالك المسكونة ومجدها في لحظة من الزمان وقال له: "لك أعطي هذا السلطان كله، وهذه جميعها ومجدهنَّ، لأنه إليَّ دُفع، وأنا أعطيه لمن أريد. فإنْ خررْتَ وسجدتَ لي يكون لك الجميع".
ليس في جواب المسيح على هذه التجربة أقل إشارة إلى أن اقتراح إبليس كاذب ومواعيده فارغة، مع أن باستطاعة المسيح أن يرغم إبليس على القيام بما وعد، إن شاء ذلك. بل بنى رفضه على نوعية ما كلّفه إبليس به، وهو أن يقدّم السجود لغير الله، أو أن يقدم هذا السجود من باب النفاق لشخص لا يسجد له قلبياً. وأن يتخذ لأجل غاية حسنة وسيلةً سيئة، متساهلاً مع الشر القليل لأجل الخير الجزيل. وهذه على الدوام خدعة شيطانية تضيِّع على المتساهل كل ما يريده من الخير، وتجلب على رأسه ويلاً وبيلاً عقاباً على تساهله، فالغاية لا تبرِّر الوسيلة أبداً.
كانت هذه التجربة الشيطانية الثالثة تطلب من المسيح أن يتبنَّى خطة المجد العالمي في أمور الدين، كما يفعل رجال الدين جميعاً، حتى رسله، ويوحنا المعمدان، الذين كانوا يشتهون ويتوقَّعون ملكوتاً زمنياً مجيداً يقيمه المسيح متى جاء. وتعهد إبليس للمسيح أن يسهّل له إتمام هذه الرغائب اليهودية السائدة عند الجميع. وفي الوقت ذاته يغنيه عن الأتعاب والإهانات والآلام والصلب، وعن الصبر طويلاً مئات السنين لتأييد سلطته على البشر مكان سلطة إبليس. فينال المسيح غايته السامية بسرعة وسهولة.
ولا يُستبعَد أن هيئة إبليس في هذه التجربة أيضاً لم تكن شيطانية ظاهرة تولّد النفور منه مباشرة والاشمئزاز من تقديم السجود له. لكن وقاحة اقتراحه في طلبه من المسيح الطاهر أن يفعل أمراً منكراً في الدين، تكفي لتكشف عن حقيقة شخصه. لذلك قابله المسيح بالرفض القوي، وانتهره بقوله: "اذهب يا شيطان". ومع ذلك لم يمسك عنه قوة البرهان، بل سرد له عبارة من نفس خطاب موسى الذي اقتبس منه سابقاً: "مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ" (تثنية 6:13، 10:20).
لما أمر المسيح إبليس بالذهاب، ولَّى مخذولاً. ولكنه فارقه إلى حين فقط. وحالما تقرر فوز زعيم البر على زعيم الإثم وهرب إبليس خاسراً، ظهرت مراقبة أهل السماء لهذا العراك الفاصل الخطير. لأنه يُقال: "وإذا ملائكة قد جاءت فصارت تخدمه". كأنها تنقل إليه التهاني السماوية على فوزه، وبشائر الرضى الإلهي الممتاز، لأن الملائكة هم "أَرْوَاحٌ خَادِمَةً مُرْسَلَةٌ لِلْخِدْمَةِ لِأَجْلِ الْعَتِيدِينَ أَنْ يَرِثُوا الْخَلَاصَ" (عبرانيين 1:14). فكم يكون فرحهم وافتخارهم أن يخدموا الآن - ليس ورثة الخلاص - بل رئيس الخلاص ورئيس الإيمان ومكمّله.
في هذه البرية هاجمت المسيح أنواع التجربة الثلاثة "شَهْوَةَ الْجَسَدِ، وَشَهْوَةَ الْعُيُونِ، وَتَعَظُّمَ الْمَعِيشَةِ" (1 يوحنا 2:16) تجربة للجسد في أمر الطعام، وتجربة للعقل في أمر إعجاب الناس، وتجربة للنفس في أمر المجد العالمي. وفي هذه كلها تجرَّب مثلنا لكي يرثي لضعفاتنا. وبها تزكَّى وتقوى وتمجد، وشهد له إبليس شهادة ضمنية قوية، لأنه لم يقدم له أول الأمر تجربة في أمر شرير رديء، لكنه أتاه أولاً بتجارب ظاهرها شريف، حتى إذا سقط فيها يجذبه تدريجياً إلى ما وراءها من المنكرات.
وتعتبر تجربة المسيح في البرية معمودية المسيح الثالثة، وهي معموديته بالنار، بعد أن تعمد بالماء ثم بالروح القدس. وبقيت عليه معمودية رابعة هي المعمودية بالدم على الصليب.
في آدم الأول تمثَّل الجنس البشري كله، فلما تجرب وسقط، هوى مع كل نسله إلى الجحيم، فهبطوا جميعاً من الجنة وصاروا بعضهم لبعض عدو. وفي آدم الثاني (المسيح) تمثَّل الجنس البشري مرة ثانية، فلما تجرب ثبت ليصعد جنسُه معه إلى النعيم. بسقوط آدم الأول تحولت جنة عدن إلى برية، وبثبات آدم الثاني تتحول البرية جنة، فإذا برية الشر تصبح جنة البر، وبرية الخصام جنة السلام، وبرية السخط الإلهي والدينونة الأبدية جنة الرضى الإلهي والرحمة والحياة الأبدية، وبرية العداوة لله جنة البنوَّة لله، وبرية اليأس والهلاك جنة الرجاء والخلاص.
 
قديم 18 - 07 - 2017, 05:42 PM   رقم المشاركة : ( 18570 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,336,884

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

إبليس يجرب المسيح

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
رأينا في أخبار طفولة يسوع شيئاً من أعمال إبليس التي ظهرت في تصرُّفات هيرودس الملك. لكننا لم نعثر إلى الآن في تاريخ يسوع على ذكر إسم إبليس، ولا على أخبار صريحة عنه. أما الآن فقد وصلنا في درسنا إلى رؤية صورته بجلاء، إذ تُذكر أسماؤه الثلاثة "المجرب" و "إبليس" (أي: المشتكي) و"الشيطان" (أي: العدو). ويصوّره الإنجيل يهاجم يسوع ويريد أن يجعله يخطئ. ويروي لنا قصة تجريب إبليس للمسيح في إنجيل متى 4:1-11 ، ولوقا 4:1-13.
يتبيَّن من الكتاب المقدس أن الشيطان شخص حقيقي روحي، مجرَّد من المادة وشرير جداً، وأنه رئيس ملائكة الشر الذين أشار إليهم المسيح في كلامه عن "النَّارِ الْأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ لِإِبْلِيسَ وَمَلَائِكَتِهِ" (متى 25:41). قيل "إن الله لم يشفق عليهم لأنهم أخطأوا ولَمْ يَحْفَظُوا رِيَاسَتَهُمْ، بَلْ تَرَكُوا مَسْكَنَهُمْ. ففي سلاسل الظلام طرحهم في جهنم، وسلّمهم محروسين للقضاء، وحَفِظَهُمْ إِلَى دَيْنُونَةِ الْيَوْمِ الْعَظِيمِ بِقُيُودٍ أَبَدِيَّةٍ تَحْتَ الظَّلَامِ" (يهوذا 6) ويُسمى أيضاً "رَئِيسَ هذَا الْعَالَمِ" (يوحنا 16:11) و"إِلهُ هذَا الدَّهْرِ" (2 كورنثوس 4:4). و"رَئِيسِ سُلْطَانِ الْهَوَاءِ" (أفسس 2:2) لأنه بذكائه الفائق، يتسلَّط على البشر تسلُّطاً عظيماً وغريباً جداً. وأهم البراهين على أنه شخص حقيقي مهم ومقتدر أمر يسوع لتابعيه أن يذكروه في صلاتهم مهما اختصروها، ويقولوا: "نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ" (متى 6:13) ليس من الشر ولا من الأشرار، بل "من الشرير".
ويتضح أيضاً من الكتاب المقدس أن هذا التسلُّط مقيَّد بالسماح الإلهي، وأن إبليس يعترف بذلك، ويطلب هذا السماح ويُعطاه أحياناً. إنما القصد الإلهي في هذا السماح هو حبّي محض نحو الذين يُجرَّبون، لأن المنتصرين منهم ينالون التزكية والتقوية والتمجيد. والذي يدفع كل ريب في مزية الحب الخالص في هذا السماح هو تجربة المسيح، لأن الروح القدس هو الذي أصعده إلى البرية ليجربه إبليس.
التجربة الأولى: إبليس يطلب أن يحوّل المسيح الحجارة إلى خبز

(تجربة الجوع)

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"ثُمَّ أُصْعِدَ يَسُوعُ إِلَى الْبَرِّيَّةِ مِنَ الرُّوحِ لِيُجَرَّبَ مِنْ إِبْلِيسَ. فَبَعْدَ مَا صَامَ أَرْبَعِينَ نَهَاراً وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، جَاعَ أَخِيراً. فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ الْمُجَرِّبُ وَقَالَ لَهُ: "إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللّهِ فَقُلْ أَنْ تَصِيرَ هذِهِ الْحِجَارَةُ خُبْزاً". فَأَجَابَ: "مَكْتُوبٌ: لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الْإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ اللّهِ" (متى 4:1-4).
ولا يخفى الفرق العظيم بين نوعي التجربة. هناك تجربة الألم لأجل الإمتحان الخيري بقصد التزكية والتقوية والتمجيد، مثل ما فعل الله بإبراهيم. وفيه يجد الرسول يعقوب سبباً عظيماً للفرح (يعقوب 1:2) والثاني تجربة الشر لأجل إغواء الإنسان. وفي هذا قال الرسول ذاته: "لَا يَقُلْ أَحَدٌ إِذَا جُرِّبَ إِنِّي أُجَرَّبُ مِنْ قِبَلِ اللّهِ، لِأَنَّ اللّهَ غَيْرُ مُجَرَّبٍ بِالشُّرُورِ وَهُوَ لَا يُجَرِّبُ أَحَداً (بالشرور)" (يعقوب 1:13).
وتجربة المسيح أصعب حوادث حياته تفسيراً. ومن جملة المصاعب: التوفيق بين طهارته التامة والقول بأنه "تجرَّب في كل شيء مثلنا" (عبرانيين 4:15) فأين تجربة القدوس من تجربة الأثيم؟ إن ما نتيقَّنه تماماً من سموّ صفات المسيح لا يدع مجالاً للظن بأن تجربته كانت وهمية أو صورية. وقد أورد خبرها على الصورة الموجودة في الإنجيل المسيحُ وحده، إذ ليس آخر يعرف هذا الأمر ليخبر عنه. ولما كان المسيح يترفع كثيراً عن تصوير الوهم كأنه حقيقة، وعن إفادتنا بمحادثة لم تقع ومع شخص لا وجود له، كما يترفع رسله عن اختلاق خبر سري مهمٍ كهذا عن معلّمهم وسيدهم وربهم - فلا بد أن قصة التجربة حقيقية وليست وهماً.
يكشف المسيح بيده في خبر تجربته الستار عن سرٍ عميق من أسرار اختباراته الروحية، والمحنة الشديدة التي اجتازها منفرداً تماماً عن سائر البشر. وهذا الخبر هو الوحيد بين أخبار الإنجيل الذي يتوقف كشفه على المسيح وحده، فبناءً عليه يجب على المفسِّر أن يتحفَّظ من الجزم في شيء يتعلق بتجربة المسيح إلا ما ذُكر صريحاً، وأن يلتزم أيضاً مزيد الوقار.
يريد البعض أن يعتبروا أن الشيطان ليس إلا خيالاً يُستخدَم للتعبير عن الشر الداخلي الذي يقود الناس إلى الخطيئة، وأن القول باستقلاله الشخصي، هو من الخرافات التي لا تخلو من فائدة. لكن خبر تجربة المسيح يعارض هذا الرأي تماماً، لأن خلوَّ قلب المسيح وأفكاره التام من كل فساد، يؤكد أن التجربة للخطيئة لا يمكن أن تأتيه من داخل، فباب التجربة في قلبه لا يمكن فتحه إلا من خارج. وهذا يعني أن الذي جرّبه شخص شيطاني خارج عنه.
أشرف المسيح بانتهاء سني الاستعداد على بدء خدمته الجهارية. لكن عليه أن يمرَّ أولاً في أتون التجربة ليثبت أهليَّته ليكون المخلّص، فيصارع قائد قوات الشر ويقهره، لتتمّ أول النبوات التي أُعطيت للبشر، لما قال الله في جنة عدن لأبوينا الأولين إن نسل المرأة سيسحق رأس الحية (تكوين 3:15). فعليه أن يقهر إبليس، هذا العاتي الذي لم يقهره بشرٌ بعد، لكي يفتح لغيره باب الفوز الوحيد بهذا الخصم الجبار، لأن غلبة كل من يَسْلَم من مخالبه المهلكة لا تكون إلا باسم المسيح، وبقوة الروح القدس الذي أصعده إلى برية التجربة، ثم كلله بالنصر.
خضع المسيح كابن الإنسان لقوانين الحياة الأرضية التي هي من وضعه أصلاً. منها أن وراء كل جبل مرتفع وادياً منخفضاً، وبعد كل ابتهاج عظيم انزعاج يضارعه. فارتفاع المسيح وابتهاجه في معموديته بالأمس، أُبدلا سريعاً باتّضاعه وانزعاجه في برية التجربة. وينبئنا التاريخ المقدس بأن الشيطان يترقّب زمن ارتفاع الإنسان ليُسقطه، وبذلك يتضاعف أذى الساقط مع افتخار الذي أسقطه. يكفينا شاهداً على ذلك موسى وإيليا وبطرس ويهوذا الإسخريوطي. لأن إبليس أسقط موسى في خطية الغضب التي حرمته من دخول أرض الميعاد بعد عناء أربعين سنة، وأفقدته نيْلَ أماني حياته الطويلة، وكان ذلك عند بلوغه أوج عظمته الفائقة (العدد 12:3 ، 20:8-13). وإيليا نال انتصاره الباهر على المملكة وملكها وكهنة أوثانها على جبل الكرمل، ولم يمرَّ عليه أكثر من يومٍ إلا ورماه إبليس في خطية اليأس، فهرب مخذولاً إلى برية سيناء بعيداً عن محل مأموريته، وطلب الموت لنفسه (1 ملوك 18:30-40 ، 19:1-9).
وبطرس ارتفع إلى السماء عندما مدحه يسوع بكلام بليغ، فحالاً أسقطه هذا العدو الروحي في خطية الكبرياء، وجعله ينتهر المسيح ليمنعه من طريق الصليب، محاولاً أن يفسد عمله الخلاصي، لذلك عنّفه المسيح تعنيفاً لم يعامل غيره به قائلاً له: "اذْهَبْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ. أَنْتَ مَعْثَرَةٌ لِي" (متى 16:13-23). ويهوذا الإسخريوطي لما استكمل سني تمتُّعه بالوسائل الممتازة لترقيته الروحية، بمرافقته الدائمة للمسيح ثلاث سنين ونصفاً، أسقطه هذا المجرب المقتدر في خطيئة الطمع الفاحش، الذي أغرقه في الهوَّة العميقة التي جعلت اسمه إلى آخر الزمان مثال قساوة القلب الفائقة البربرية، والخيانة الشنيعة الدنيئة (أعمال 1:15-20).
وقد اتخذ إبليس الطاغي هذه الخطة عينها مع المسيح. رآه ممجَّداً للغاية وقت المعمودية، ومبتهجاً بحلول الروح القدس عليه، وبرضى الآب الممتاز المعلن بصوته من السماء، فأسرع إلى الهجوم عليه بأقوى تجاربه مدة أربعين يوماً، ليسقطه في خطيئةٍ من الخطايا العديدة. فإنه أسقط قبل هذا الوقت نسل آدم جميعاً دون استثناء. والآن يتوقع أن يفوز على ابن مريم. ويرى أن أحوال المسيح الخارجية تسهّل له ذلك.
بين تجربة آدم وتجربة المسيح

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
عندما هجم إبليس على آدم الأول وأسقطه أول مرة، كان في جنة فاخرة، حاوية كل أسباب السرور، وكان محيطه خالياً من كل شر أو فساد، حتى أن الحيوانات على أنواعها كانت أليفة وطوع أمره. ولم يكن يعرف من الأتعاب ولا الأوجاع ولا الأحزان ولا الأسقام شيئاً، وهو عالمٌ أن ليس أمامه غير دوام هذا الرغد، ما دام باقياً على الوضع الإلهي الذي أوجده الله فيه.
أما الآن فإن الشيطان يجد المسيح، آدم الثاني، في برية مقفرة، خالية ليس فقط من أسباب الراحة، بل من الطعام الضروري أيضاً، تحيط به الوحوش الضارية. وحياته السابقة كانت بين جماعة كلهم خطاة، وأعظم من ذلك أنه عالمٌ بأنه إنْ لم يرجع عن قصده فليس أمامه سوى سنوات التعب والشقاء والإهانة والآلام المبرحة ثم موت الصليب. فكيف لا يكون إسقاطه سهلاً ومكفولاً؟
كانت الوحوش الضارية رفيقة المسيح في هذه البرية. ونستنتج من الكتاب أن آدم الأول كان قبل سقوطه متسلطاً عليها، وليس على الحيوانات الأليفة فقط، وأن عداوة الوحوش لبني آدم هي إحدى نتائج سقوطه. فلما نقرأ أن المسيح كان مع الوحوش، نتصوره يستعيد تلك السلطة، مُحاطاً بها مثل دانيال في جب الأسود (دانيال 6) تحفظه هيبته المقدسة من أنيابها المسنونة. أوَليس من شأن إزالة الخطيئة إعادة تلك السلطة المفقودة؟ أوَليس الرفق بالحيوانات من مقتضيات الدين والأدب؟.
لم يكن المسيح قد أكل شيئاً مدة الأربعين يوماً والأربعين ليلة التي قضاها في البرية، فاغتنم المجرب فرصة إعيائه الجسدي ليفرغ قواه في ثلاث تجارب قوية. كان صوم المسيح هذا أمراً عرضياً طبيعياً، أولاً لأن البرية لا تقدم له بسهولة طعاماً، وثانياً لأنه مشغول عن التفتيش عن الطعام بانصرافه إلى الأمور الروحية، ولا يرضى أن يترك البرية في طلب الطعام إلا بإرشاد الروح الإلهي الذي أصعده إليها. فلم يشعر كثيراً بالجوع، إلا عند نهاية هذه المدة الطويلة.
في إغواء حواء، اتخذ إبليس صورة حيوان، إذْ لم يكن لديه إنسان يستخدمه، لكن حالما تسلط عليها ترك الحية، واستخدم حواء في إغواء زوجها. ومن ذلك الحين يستغني إبليس عن الحيوانات، لأن الآلات البشرية متوفرة لديه. وللتجربة بواسطة المقرَّبين مفعولٌ مضاعَف. ولما قصد إبليس أن يحوِّل المسيح عن التكفير بموته عن خطايا العالم، استخدم رسول المسيح الممتاز: سمعان بطرس (مرقس 8:33).
قد سكت الوحيُ تماماً عن بيان الصورة التي ظهر فيها إبليس للمسيح لما حاوره، إلا أن العقل يحكم بأنه لم يظهر في هيئة شيطانية، لأن ذلك يحذّر المسيح للكُرْهِ والمقاومة، ويعطّل سعي إبليس. والأغلب أن إبليس ظهر شخصياً للمسيح، فليس في المسيح أساس داخلي للشر حتى تأتيه التجربة من قلبه، ويحتمل أن إبليس ظهر أولاً بهيئة شخص اعتيادي أقبل على المسيح في البرية. فإنْ صحَّ هذا الفرض يكون إبليس قد أظهر تعجُّبه من جوع المسيح الناتج عن قيادة الروح الإلهي له إلى هذا القَفْر، ثم تركه بدون القوت الضروري الذي هو من حاجات الإنسان الأولية. ثم من باب التودُّد، ذكر للمسيح أن قوَّته كابن الله تجعل سدَّ هذه الحاجة أمراً سهلاً عليه جداً، لأن الذي خلق الحجارة في الأصل لا يعسر عليه تحويلها كيف شاء. وإنْ لم يفعل ذلك فإنه يزرع الشك في أنه حقاً ابن الله. وبما أن الآب قد أهمله ولم يعطه خبزاً، فلماذا ينتظر أمره؟ يحقُّ له إذاً أن يشك في محبة الآب، وأن يتذمر على تدبير العناية الإلهية.
ونحن نسأل اليوم: ما المانع من إجابة اقتراح هذا المجرب بأن يحوّل المسيح الحجارة إلى خبز ليسدَّ جوعه؟ وما هي الخطيئة أو الخطايا التي قصد إبليس أن يولِّدها في قلب المسيح؟
لا يصحُّ القول إن المسيح رفض هذا الاقتراح لمجرد أنه صدر من الشيطان، لأن المسيح لم يعترض في جوابه على المصدر، بل على الاقتراح، بغضِّ النظرِ عن مصدره. فلا تُعرَف ماهية التجارب التي ذُكرت في هذا الحادث إلا من شكل اعتراض المسيح وأجوبته على اقتراحات المجرِّب، لأن المسيح أخذ أجوبته من الكتاب المقدس وعليه بنى أحكامه.
ولما كانت إجابة المسيح الأولى "مكتوب" فقد أعلن لمجرِّبه وللعالم أنه قدَّم ذاته للتجربة لا كصاحب سلطان، بل كبشر تحت القانون والطاعة، وكخاضع مثل سائر البشر لأقوال الكتاب. وفي الوقت ذاته أظهر باستناده على أقوال الكتاب ما هو المرجع الحقيقي في أمور الدين. ومع أنه أقدر الناس على إفحام المجرب بالحُجج الفلسفية، أثبت بجوابه "مكتوب" أن قوة الاحتجاج الديني توجد في ما هو مكتوب في كتاب الله، لا فيما يُستنبَط من الفلسفة البشرية، لأن سيف الروح الماضي ذا الحدين الذي به وحده يقهر الإنسان عدوَّه الشيطان هو كلام الله. وقد استخدم المسيح هذا السلاح المُتاح لكل إنسان، وبه نال فوزه على إبليس.
تمسك المجرب بأن المسيح ابن الله، لأن افتخاره يزيد كثيراً إن تغلب على ابن الله لكنه رغم ذكائه الفائق نسي أن ابن الله لا يجوع ولا يأكل خبزاً، ولا يمكن أن يُجرَّب. فأصلح المسيح وَهْمَ إبليس لما أوضح له أنه يقابله، لا كابن الله، بل كابن الإنسان. لم يهتم المسيح كثيراً في كل حياته بتذكير الناس أنه ابن الله. فبينما يشير إلى ذاته في الإنجيل كابن الله أقل من عشر مرات، يشير نحو خمسين مرة إلى كونه ابن الإنسان. فلو أسندت طبيعته الالهية طبيعته البشرية وقت التجربة، لكان ذلك بمثابة اعتراف منه أن الطبيعة البشرية عاجزة عن التغلُّب عليها، ولَمَا صحَّ القول أنه تجرب مثلنا، ولا أن يكون مثالاً للناس. فهو لا يفعل في ساعة التجربة ما يعجز تابعوه عن أن يفعلوه. وهذا سببٌ كافٍ لعدم تحويله الحجارة خبزاً. فضلاً عن أنه يريد أن يذوق بنفسه مصيبة الجوع الشديد، لأن هذا نصيب كثيرين من بني البشر.
هذه التجربة الأولى هي الحيلة التي نجح إبليس بواسطتها لمّا استخدمها في دفع حواء للتذمُّر على الله والاستقلال عنه، لحرمانه إياها الأكل من شجرة معرفة الخير والشر (تكوين 3:3). وفي دفع بني إسرائيل للتذمُّر عليه والاستقلال عنه بحجة الطعام والشراب (خروج 16:3). لكن المسيح أظهر لإبليس أنه لا يتذمر على الآب بسبب جوعه، لأن عنده كلامه، وهذا أهم جداً عنده من الطعام الجسدي، وأنه لا يستقل عن الآب في التدبير، ولا يسعى للتخلُّص من الجوع إلا بأمره. وقد ظهرت أفكاره من هذا القبيل في غير هذا الوقت لما قال: "طَعَامِي أَنْ أَعْمَلَ مَشِيئَةَ الَّذِي أَرْسَلَنِي" (يوحنا 4:34).
وقد قصد المجرب في هذه التجربة أيضاً أن يُغري المسيح على الاهتمام أولاً بخدمة ذاته. فإنْ أقنعه أن يفعل معجزته الأولى لمنفعته الشخصية، يُعَدُّ ذلك نجاحاً عظيماً له، لأنه يعطل عمل المسيح الخلاصي، إذْ يصير المسيح من الذين يعيشون لذواتهم. لكن المسيح جعل هدف كل معجزاته خدمة الآخرين، حتى أعداءه، كما في حادث شفاء أذن ملخس (لوقا 22:51) ولم يفعل لمنفعته الخصوصية ولا معجزة واحدة، وقد صدق فيه قول الرسول بولس: "لِأَنَّ الْمَسِيحَ أَيْضاً لَمْ يُرْضِ نَفْسَهُ" (رومية 15:3) وصحَّ فيه تعيير مبغضيه وهو على الصليب: "خَلَّصَ آخَرِينَ وَأَمَّا نَفْسُهُ فَمَا يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَهَا" (مرقس 15:31). فصار هذا المبدأ قانونياً لتابعيه الذين وضع لهم شرطاً أولياً هو إنكار الذات. ومن أهم وصاياه "اطْلُبُوا أَوَّلاً مَلَكُوتَ اللّهِ" (مت 6:33). وفي أقواله كما في أفعاله حذَّرنا بقوة من الأنانية.
ثم أن لهذه التجربة معنى يتعلق بعمل المسيح بين الناس كمخلّص ومُصلح. أراد المجرب أن يغريه على تقديم الأمور الجسدية على الروحية، مراعاةً لمزاج عامة الناس، فينضم كثيرون إليه لهذا السبب، ويكون نجاحه في الظاهر سريعاً. فرفض المسيح هذه الحيلة، لأن مبدأه "اِعْمَلُوا لَا لِلطَّعَامِ الْبَائِدِ، بَلْ لِلطَّعَامِ الْبَاقِي لِلْحَيَاةِ الْأَبَدِيَّةِ" (يوحنا 6:27). وبجوابه علّم البشر في كل مكان وزمان أن خدمة الأرواح تُقدَّم على خدمة الأجساد. وأن الإحسان الحقيقي هو ما ينفع النفوس قبل الأجساد. وأن الإحسان إلى الجسم الفاني يُقصد به أولاً أن يصير مقدمة ووسيلة للإحسان إلى النفس الخالدة.
ذاك الذي تجرب مثلنا ولأجلنا وانتصر، حاضرٌ معنا في كل معركة يثيرها علينا إبليس، فإن انتبهنا لحضوره حالاً في ساعات التجربة، يعطينا نصراً كانتصاره على عدوّنا وعدوه، فنتهلل مع الرسول مرنمين: "شُكْراً لِلّهِ الَّذِي يُعْطِينَا الْغَلَبَةَ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ" (1 كورنثوس 15:57).
وهكذا انتصر المسيح على إبليس في أول تجربة جرّبه بها، ورفض أن يحوّل الحجارة إلى خبز ليُشبع جوعه. انتصر عندما قال: "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله".
التجربة الثانية: إبليس يطلب من المسيح أن يطرح نفسه إلى أسفل

(تجربة حب الظهور)

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"ثُمَّ أَخَذَهُ إِبْلِيسُ إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ، وَأَوْقَفَهُ عَلَى جَنَاحِ الْهَيْكَلِ، وَقَالَ لَهُ: "إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللّهِ فَاطْرَحْ نَفْسَكَ إِلَى أَسْفَلُ، لِأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنَّهُ يُوصِي مَلَائِكَتَهُ بِكَ، فَعَلَى أيَادِيهِمْ يَحْمِلُونَكَ لِكَيْ لَا تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ". قَالَ لَهُ يَسُوعُ: "مَكْتُوبٌ أَيْضاً: لَا تُجَرِّبِ الرَّبَّ إِلهَكَ" (متى 4:5-7).
أسفرت التجربة الأولى عن انكسار إبليس أمام المسيح. لكن إبليس لا ينثني بسهولة عن مشروعه الخبيث، إنما لفرط ذكائه يجدّد الهجوم على صورةٍ تخالف الأولى على خطٍ مستقيم، فقد ترك خُطة البساطة وأبدلها بخُطة الاحتيال، لأنه يعلم أن كل انتصار يفتح الباب لغيره، فيتظاهر بالرضى التام عن تصريح المسيح أنه تحت حكم ما هو مكتوب، وسلّم أيضاً بمبدأ أن المسيح لا ينفصل عن الآب، فطلب منه أن يتمسك بهذا الارتباط ويبرهن على ذلك. وتظاهر أنه سلم للمسيح بأفضلية الأمور الروحية على الجسدية، فطلب منه عملاً خطيراً خالياً من المنافع الجسدية، لكن فيه تعريض الجسد لخطرٍ عظيم.. طلب من المسيح عملاً يكون له تأثير ديني عظيم، فيه إنكار للنفس وتمسُّك بخدمة الآخرين، ليظهر لشعب الله المجتمع في الهيكل من رئيس الكهنة فما دون، أنه حقاً ابن الله ليؤمنوا به. والنقطة الوحيدة في تجربته الأولى التي تكررت في التجربة الثانية هي قوله: "إن كنت ابن الله".
يقول الإنجيل إن إبليس جاء بالمسيح إلى المدينة المقدسة أورشليم، وأوقفه على جناح الهيكل، وقال له: "إن كنت ابن الله فاطرح نفسك من هنا إلى أسفل، لأنه مكتوب أنه يوصي ملائكته بك لكي يحفظوك، وأنهم على أيديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجرٍ رجلك".
نظن أن الشيطان أخذ في هذه التجربة صورة ملاك نور، وأن بولس يشير إلى ذلك بقوله: "لِأَنَّ الشَّيْطَانَ نَفْسَهُ يُغَيِّرُ شَكْلَهُ إِلَى شِبْهِ مَلَاكِ نُورٍ" (2 كورنثوس 11:14) وأنه ظهر كأحد الملائكة المشار إليهم في كلام المزمور، المكلَّفين أن يحملوه على أيديهم، لئلا تصدم بحجر رجله. وهو هنا كأنه يضمن للمسيح أن يصونه من الأذى في كل الأحوال، حتى ولو رمى بنفسه من هذا المرتَفَع، ولا سيما لأنه بذلك يقدم للجمهور وللعالم برهان نزوله من السماء من عند الله.
من جواب المسيح على هذه التجربة نستخلص ماهيتها. أجاب: "مكتوب أيضاً لا تجرب الرب إلهك". إذاً ما كُتب في مكان من الكتاب يُفسَّر وفقاً لما كُتب في باقي الكتاب، إذْ يجب أن نفسر كلام الوحي بمثله، فيكون مفتاح التفسير الصائب لكل آيات الكتاب ما ورد في الموضوع ذاته من الآيات الأخرى، مع مراعاة روح الكتاب إجمالاً. ويدل الاختبار على أن إِفراد بعض الآيات المقدسة، والتشبُّث بظاهر معناها فقط، قد أدى ويؤدي إلى ضلالات كثيرة ومضرة.
دعا إبليس المسيح في هذه التجربة ليفتخر بالقوة التي له، فيظهرها أمام الجمهور. لكن روح الكتاب وفحوى آياته هي أساسٌ كافٍ للقول إن الله لا يسمح للإنسان أن يقتحم المخاطر دون داعٍ يوجب ذلك، لأن الإتكال على حمايته في ذلك الاقتحام، يكون تجاسراً مُنكراً. فهل يليق أن يطلب إنسان من الرب أن يحفظه من أضرار تعرَّض لها تطفُّلاً أو افتخاراً أو امتحاناً؟ لقد تجنَّب المسيح في كل حياته المخاطر، إلى أن أتت الساعة التي وجب أن يقدم حياته ذبيحة إثم.
ثم أن الوجه الآخر في هذه التجربة هو دعوة إبليس للمسيح ليتخذ سياسة الإدهاش العقلي وسيلةً بها يجعل الناس يؤمنون به، فيعتمد على قوة المعجزة لا على قوة الحق وعلى الإقناع الفكري لا على الشعور القلبي، وعلى الإدهاش لا التعليم. ولو نجح إبليس في تحويل المسيح عن الاهتمام بالتأثير الروحي في القلوب، يكون إبليس قد حفظ سلطته على الناس، ولو شاهدوا من المسيح مدهشات كثيرة.
لم يسقط المسيح في هذه الحفرة التي حفرها له المجرِّب. ومع أنه مزمع أن يصنع معجزات كثيرة فيما بعد، فإنه لا يصنعها لأجل الإدهاش، ولا كوسيلةٍ لجذب الناس إلى الإيمان به، بل سيصنعها تثبيتاً للذين قد آمنوا. فلا يُبنى إيمان الناس به على قوته بل على قوة الحق، وعلى أساس صفاته المقدسة، وعلى أساس المحبة له. لأن مركز الدين هو القلب لا الرأس. وعبثاً يستنير إن لم يُمَسّ القلب أيضاً. لذلك رفض المسيح كثيراً طلب اليهود أن يريهم آيات السماء.
التجربة الثالثة: إبليس يطلب من المسيح أن يسجد له

(تجربة الشرك بالله)

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"ثُمَّ أَخَذَهُ أَيْضاً إِبْلِيسُ إِلَى جَبَلٍ عَالٍ جِدّاً، وَأَرَاهُ جَمِيعَ مَمَالِكِ الْعَالَمِ وَمَجْدَهَا، وَقَالَ لَهُ: "أُعْطِيكَ هذِهِ جَمِيعَهَا إِنْ خَرَرْتَ وَسَجَدْتَ لِي". حِينَئِذٍ قَالَ لَهُ يَسُوعُ: "اذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! لِأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ". ثُمَّ تَرَكَهُ إِبْلِيسُ، وَإِذَا مَلَائِكَةٌ قَدْ جَاءَتْ فَصَارَتْ تَخْدِمُهُ" (متى 4:8-11).
بعد فشل إبليس في خُطة البساطة ثم الاحتيال، لجأ إلى خطة الوقاحة، فنراه يغيّر نوع الطلب ويدعو المسيح إلى أمر منكر، هو السجود له، ويقدم مقابل ذلك شيئاً لا تُقدَّر قيمته. لأنه على كيفية نجهلها أصعده إلى جبل عالٍ جداً، وأراه جميع ممالك المسكونة ومجدها في لحظة من الزمان وقال له: "لك أعطي هذا السلطان كله، وهذه جميعها ومجدهنَّ، لأنه إليَّ دُفع، وأنا أعطيه لمن أريد. فإنْ خررْتَ وسجدتَ لي يكون لك الجميع".
ليس في جواب المسيح على هذه التجربة أقل إشارة إلى أن اقتراح إبليس كاذب ومواعيده فارغة، مع أن باستطاعة المسيح أن يرغم إبليس على القيام بما وعد، إن شاء ذلك. بل بنى رفضه على نوعية ما كلّفه إبليس به، وهو أن يقدّم السجود لغير الله، أو أن يقدم هذا السجود من باب النفاق لشخص لا يسجد له قلبياً. وأن يتخذ لأجل غاية حسنة وسيلةً سيئة، متساهلاً مع الشر القليل لأجل الخير الجزيل. وهذه على الدوام خدعة شيطانية تضيِّع على المتساهل كل ما يريده من الخير، وتجلب على رأسه ويلاً وبيلاً عقاباً على تساهله، فالغاية لا تبرِّر الوسيلة أبداً.
كانت هذه التجربة الشيطانية الثالثة تطلب من المسيح أن يتبنَّى خطة المجد العالمي في أمور الدين، كما يفعل رجال الدين جميعاً، حتى رسله، ويوحنا المعمدان، الذين كانوا يشتهون ويتوقَّعون ملكوتاً زمنياً مجيداً يقيمه المسيح متى جاء. وتعهد إبليس للمسيح أن يسهّل له إتمام هذه الرغائب اليهودية السائدة عند الجميع. وفي الوقت ذاته يغنيه عن الأتعاب والإهانات والآلام والصلب، وعن الصبر طويلاً مئات السنين لتأييد سلطته على البشر مكان سلطة إبليس. فينال المسيح غايته السامية بسرعة وسهولة.
ولا يُستبعَد أن هيئة إبليس في هذه التجربة أيضاً لم تكن شيطانية ظاهرة تولّد النفور منه مباشرة والاشمئزاز من تقديم السجود له. لكن وقاحة اقتراحه في طلبه من المسيح الطاهر أن يفعل أمراً منكراً في الدين، تكفي لتكشف عن حقيقة شخصه. لذلك قابله المسيح بالرفض القوي، وانتهره بقوله: "اذهب يا شيطان". ومع ذلك لم يمسك عنه قوة البرهان، بل سرد له عبارة من نفس خطاب موسى الذي اقتبس منه سابقاً: "مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ" (تثنية 6:13، 10:20).
لما أمر المسيح إبليس بالذهاب، ولَّى مخذولاً. ولكنه فارقه إلى حين فقط. وحالما تقرر فوز زعيم البر على زعيم الإثم وهرب إبليس خاسراً، ظهرت مراقبة أهل السماء لهذا العراك الفاصل الخطير. لأنه يُقال: "وإذا ملائكة قد جاءت فصارت تخدمه". كأنها تنقل إليه التهاني السماوية على فوزه، وبشائر الرضى الإلهي الممتاز، لأن الملائكة هم "أَرْوَاحٌ خَادِمَةً مُرْسَلَةٌ لِلْخِدْمَةِ لِأَجْلِ الْعَتِيدِينَ أَنْ يَرِثُوا الْخَلَاصَ" (عبرانيين 1:14). فكم يكون فرحهم وافتخارهم أن يخدموا الآن - ليس ورثة الخلاص - بل رئيس الخلاص ورئيس الإيمان ومكمّله.
في هذه البرية هاجمت المسيح أنواع التجربة الثلاثة "شَهْوَةَ الْجَسَدِ، وَشَهْوَةَ الْعُيُونِ، وَتَعَظُّمَ الْمَعِيشَةِ" (1 يوحنا 2:16) تجربة للجسد في أمر الطعام، وتجربة للعقل في أمر إعجاب الناس، وتجربة للنفس في أمر المجد العالمي. وفي هذه كلها تجرَّب مثلنا لكي يرثي لضعفاتنا. وبها تزكَّى وتقوى وتمجد، وشهد له إبليس شهادة ضمنية قوية، لأنه لم يقدم له أول الأمر تجربة في أمر شرير رديء، لكنه أتاه أولاً بتجارب ظاهرها شريف، حتى إذا سقط فيها يجذبه تدريجياً إلى ما وراءها من المنكرات.
وتعتبر تجربة المسيح في البرية معمودية المسيح الثالثة، وهي معموديته بالنار، بعد أن تعمد بالماء ثم بالروح القدس. وبقيت عليه معمودية رابعة هي المعمودية بالدم على الصليب.
في آدم الأول تمثَّل الجنس البشري كله، فلما تجرب وسقط، هوى مع كل نسله إلى الجحيم، فهبطوا جميعاً من الجنة وصاروا بعضهم لبعض عدو. وفي آدم الثاني (المسيح) تمثَّل الجنس البشري مرة ثانية، فلما تجرب ثبت ليصعد جنسُه معه إلى النعيم. بسقوط آدم الأول تحولت جنة عدن إلى برية، وبثبات آدم الثاني تتحول البرية جنة، فإذا برية الشر تصبح جنة البر، وبرية الخصام جنة السلام، وبرية السخط الإلهي والدينونة الأبدية جنة الرضى الإلهي والرحمة والحياة الأبدية، وبرية العداوة لله جنة البنوَّة لله، وبرية اليأس والهلاك جنة الرجاء والخلاص.
 
موضوع مغلق

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:09 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025