منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 11 - 07 - 2017, 06:20 PM   رقم المشاركة : ( 18471 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,658

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

سلسلة نسب بشارة متى
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


"كِتَابُ مِيلَادِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِ دَاوُدَ ابْنِ إِبْراهِيمَ. إِبْراهِيمُ وَلَدَ إِسْحاقَ. وَإِسْحاقُ وَلَدَ يَعْقُوبَ. وَيَعْقُوبُ وَلَدَ يَهُوذَا وَإِخْوَتَهُ. وَيَهُوذَا وَلَدَ فَارِصَ وَزَارَحَ مِنْ ثَامَارَ. وَفَارِصُ وَلَدَ حَصْرُونَ. وَحَصْرُونُ وَلَدَ أَرَامَ. وَأَرَامُ وَلَدَ عَمِّينَادَابَ. وَعَمِّينَادَابُ وَلَدَ نَحْشُونَ. وَنَحْشُونُ وَلَدَ سَلْمُونَ. وَسَلْمُونُ وَلَدَ بُوعَزَ مِنْ رَاحَابَ. وَبُوعَزُ وَلَدَ عُوبِيدَ مِنْ رَاعُوثَ. وَعُوبِيدُ وَلَدَ يَسَّى. وَيَسَّى وَلَدَ دَاوُدَ الْمَلِكَ. وَدَاوُدُ الْمَلِكُ وَلَدَ سُلَيْمَانَ مِنَ الَّتِي لِأُورِيَّا. وَسُلَيْمَانُ وَلَدَ رَحُبْعَامَ. وَرَحُبْعَامُ وَلَدَ أَبِيَّا. وَأَبِيَّا وَلَدَ آسَا. وَآسَا وَلَدَ يَهُوشَافَاطَ. وَيَهُوشَافَاطُ وَلَدَ يُورَامَ. وَيُورَامُ وَلَدَ عُزِّيَّا. وَعُزِّيَّا وَلَدَ يُوثَامَ. وَيُوثَامُ وَلَدَ أَحَازَ. وَأَحَازُ وَلَدَ حَزَقِيَّا. وَحَزَقِيَّا وَلَدَ مَنَسَّى. وَمَنَسَّى وَلَدَ آمُونَ. وَآمُونُ وَلَدَ يُوشِيَّا. وَيُوشِيَّا وَلَدَ يَكُنْيَا وَإِخْوَتَهُ عِنْدَ سَبْيِ بَابِلَ. وَبَعْدَ سَبْيِ بَابِلَ يَكُنْيَا وَلَدَ شَأَلْتِئِيلَ. وَشَأَلْتِئِيلُ وَلَدَ زَرُبَّابِلَ. وَزَرُبَّابِلُ وَلَدَ أَبِيهُودَ. وَأَبِيهُودُ وَلَدَ أَلِيَاقِيمَ. وَأَلِيَاقِيمُ وَلَدَ عَازُورَ. وَعَازُورُ وَلَدَ صَادُوقَ. وَصَادُوقُ وَلَدَ أَخِيمَ. وَأَخِيمُ وَلَدَ أَلِيُودَ. وَأَلِيُودُ وَلَدَ أَلِيعَازَرَ. وَأَلِيعَازَرُ وَلَدَ مَتَّانَ. وَمَتَّانُ وَلَدَ يَعْقُوبَ. وَيَعْقُوبُ وَلَدَ يُوسُفَ رَجُلَ مَرْيَمَ الَّتِي وُلِدَ مِنْهَا يَسُوعُ الَّذِي يُدْعَى الْمَسِيحَ. فَجَمِيعُ الْأَجْيَالِ مِنْ إِبْراهِيمَ إِلَى دَاوُدَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ جِيلاً، وَمِنْ دَاوُدَ إِلَى سَبْيِ بَابِلَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ جِيلاً، وَمِنْ سَبْيِ بَابِلَ إِلَى الْمَسِيحِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ جِيلاً" (متى 1:1-17).
أما متى، كاتب سلسلة نسب المسيح، فقد كان في الأصل عشاراً يهودياً، اسمه العبراني لاوي، واسمه اليوناني متى، واسم أبيه حلفى، وكان عمله في خدمة الحكومة الرومانية يستلزم أن يكون صاحب معرفة، ولا سيما في الأمور المالية والتجارية، كما كان من ذوي اليُسْر المالي.
وتبدأ مقدمة بشارة متى بالقول: "كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود بن إبراهيم. إبراهيم ولد إسحق، وإسحق ولد يعقوب، ويعقوب ولد يهوذا وإخوته". ثم يذكر أربعين شخصاً من رجال ونساء آخرهم "يوسف رجل مريم التي وُلد منها يسوع الذي يُدعى المسيح". وواضح أن متى يتابع سلسلة نسب المسيح من يوسف، خطيب العذراء مريم. بينما يملُّ القارئ المتعجِّل من مطالعة هذا الجدول، يدرك العاقل أهميته الفائقة، لأن فيه إيضاحات مهمة للأصل البشري، الذي منه تسلسل هذا الشخص العجيب الذي "صار جسداً وحلَّ بيننا". ويسوع هو الإنسان الوحيد في التاريخ البشري الذي حُفظ قيد تسلسله من أب البشر آدم. وهو الوحيد الذي - بالإضافة إلى جوهره الأسمى - تتوقف قيمته الإنسانية على سلسلة أجداده، لأن منها نعرف أنه ابن داود، المخلص المنتظر.
 
قديم 11 - 07 - 2017, 06:21 PM   رقم المشاركة : ( 18472 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,658

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

سلسلة نسب لوقا

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"وَلَمَّا ابْتَدَأَ يَسُوعُ كَانَ لَهُ نَحْوُ ثَلَاثِينَ سَنَةً، وَهُوَ عَلَى مَا كَانَ يُظَنُّ ابْنَ يُوسُفَ بْنِ هَالِي، بْنِ مَتْثَاتَ بْنِ لَاوِي بْنِ مَلْكِي بْنِ يَنَّا بْنِ يُوسُفَ، بْنِ مَتَّاثِيَا بْنِ عَامُوصَ بْنِ نَاحُومَ بْنِ حَسْلِي بْنِ نَجَّايِ، بْنِ مَآثَ بْنِ مَتَّاثِيَا بْنِ شِمْعِي بْنِ يُوسُفَ بْنِ يَهُوذَا، بْنِ يُوحَنَّا بْنِ رِيسَا بْنِ زَرُبَّابِلَ بْنِ شَأَلْتِئِيلَ بْنِ نِيرِي، بْنِ مَلْكِي بْنِ أَدِّي بْنِ قُصَمَ بْنِ أَلْمُودَامَ بْنِ عِيرِ، بْنِ يُوسِي بْنِ أَلِيعَازَرَ بْنِ يُورِيمَ بْنِ مَتْثَاتَ بْنِ لَاوِي، بْنِ شِمْعُونَ بْنِ يَهُوذَا بْنِ يُوسُفَ بْنِ يُونَانَ بْنِ أَلِيَاقِيمَ، بْنِ مَلَيَا بْنِ مَيْنَانَ بْنِ مَتَّاثَا بْنِ نَاثَانَ بْنِ دَاوُدَ، بْنِ يَسَّى بْنِ عُوبِيدَ بْنِ بُوعَزَ بْنِ سَلْمُونَ بْنِ نَحْشُونَ، بْنِ عَمِّينَادَابَ بْنِ آرَامَ بْنِ حَصْرُونَ بْنِ فَارِصَ بْنِ يَهُوذَا، بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ تَارَحَ بْنِ نَاحُورَ، بْنِ سَرُوجَ بْنِ رَعُو بْنِ فَالَجَ بْنِ عَابِرَ بْنِ شَالَحَ، بْنِ قِينَانَ بْنِ أَرْفَكْشَادَ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحِ بْنِ لَامَكَ، بْنِ مَتُوشَالَحَ بْنِ أَخْنُوخَ بْنِ يَارِدَ بْنِ مَهْلَلْئِيلَ بْنِ قِينَانَ، بْنِ أَنُوشَ بْنِ شِيتِ، بْنِ آدَمَ، ابْنِ اللّهِ" (لوقا 3:23-38).
وقد أورد لوقا في بشارته جدولاً آخر لنسب المسيح يختلف بعض الاختلاف عن الذي أورده متى. ولكننا نقول إن الجدولين متفقان في أن يوسف رجل مريم أم يسوع هو الحلقة الأخيرة فيهما. ويتفقان أيضاً في حلقات النسب بين إبراهيم وداود. ويتفقان في اسمي شألتئيل وزربابل في وقت سبي بابل، لكنهما يختلفان اختلافاً فرح له المنتقدون. من هذا الاختلاف أن متى يقدّم أسماء الأجيال من يسوع راجعاً إلى إبراهيم، وأما لوقا فإلى آدم. ويتبع متى سلسلة سليمان بن داود، أما لوقا فيتبع سلسلة ناثان بن داود. ويذكر متى أن يوسف (خطيب مريم) ابن يعقوب، أما لوقا فيجعله ابن هالي والد مريم، وكان اليهود أحياناً ينسبون الرجل لوالد زوجته (قارن ما حدث مع عائلة برزلاي عزرا 2:61 ونحميا 7:63). والحلقات في متى بين داود ويوسف تنقص كثيراً عنها في لوقا. فالأمر ظاهر أن بعض الحلقات متروكة، لأن كلمة "ابن" وكلمة "وَلَدَ" تردان أحياناً في هاتين السلسلتين بالمعنى الواسع، مثل القول إن يسوع ابن داود ابن إبراهيم، لأن متى يذكر أربع حلقات فقط في أيام القضاة بين راحاب وداود، مع أن المدة 450 سنة. كما أن جدول لوقا يختصُّ بمريم، والآخر في متى يختص بيوسف، لأن بيان تسلسل الاثنين ضروري.
على أن البشيرين متى ولوقا يوضّحان أصل المسيح الإلهي، فمتّى بعد أن يقول في كل الحلقات السابقة "فلان ولد فلان" لا يقول - كما كان يُنتظَر - يوسف ولد يسوع، بل "يوسف رجل مريم التي وُلد منها يسوع الذي يدعى المسيح" ولوقا يقول: "وهو على ما كان يُظَنُّ: ابن يوسف".
ولو كان بالجدولين ما يستحق الهجوم والمعارضة لفعل قادة اليهود ذلك من البدء، خصوصاً وأن تسلسل النسب يبرهن أن يسوع هو ابن داود المخلص الآتي. وصَمْت اليهود عن مهاجمة سلسلتي متى ولوقا دليل على صحتهما.
 
قديم 11 - 07 - 2017, 06:21 PM   رقم المشاركة : ( 18473 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,658

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

نسب يسوع المسيح البشري

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
يلاحظ القارئ المتعجِّل فرقاً بين سلسلة نسب المسيح في بشارة متى وبشارة لوقا. أما بشارة يوحنا فيظنُّها تغفل سلسلة النسب تماماً. والواقع أن يوحنا لم يغفل نسب المسيح، بل عاد به إلى أصله الأزلي، كما أنه لا خلاف حقيقي بين سلسلتي نسب متى ولوقا، كما سنرى هنا.
سلسلة نسب بشارة يوحنا

والحقيقة هي أن يوحنا لم يغفل نسب المسيح، فقد أتى بلقب جديد ليسوع، لم يستعمله غيره من كتَبة الإنجيل، إذْ سماه "الكلمة". وهو لقب مناسب جداً، لأن الكلمة تعلن فكر المتكلم الذي لا يظهر بدونها. وهكذا يعلن يسوع الظاهر في الجسد "الإله الذي يرى ولا يُرى". وقد أعلن المسيح بتصرفاته قولاً وفعلاً صفات الله، كقدرته وحكمته وجودته وقداسته، فصحَّ أن يكون من جملة أسمائه الوصفية اسم "الكلمة"، وهو القائل: "اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الْآبَ" (يوحنا 14:9).
كنا نظن أن يكون اللقب "الكلمة" في صيغة المؤنث، لكن من الفعل المذكر والضمير المذكر، ومن القول إن "الكلمة صار جسداً وحلّ بيننا، ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب" نرى أن يوحنا قد حوّل اسم الكلمة عن المعنى المألوف، وجعله يعني شخصاً حقيقياً هو يسوع المسيح.
وختم يوحنا مقدمة إنجيله مؤكداً أن الله روح لا يُرى قط، لكن هذا الكلمة، الابن الوحيد من الآب، قد أعلنه، وهو أهلٌ لذلك، لأنه ساكن في حضن الآب فيعرفه حق المعرفة. ولكي يعلنه للبشر "صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا" (يوحنا 1:14) وهذا الحلول يُسمَّى التجسد أو التأنُّس.
سلسلة نسب بشارة متى

"كِتَابُ مِيلَادِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِ دَاوُدَ ابْنِ إِبْراهِيمَ. إِبْراهِيمُ وَلَدَ إِسْحاقَ. وَإِسْحاقُ وَلَدَ يَعْقُوبَ. وَيَعْقُوبُ وَلَدَ يَهُوذَا وَإِخْوَتَهُ. وَيَهُوذَا وَلَدَ فَارِصَ وَزَارَحَ مِنْ ثَامَارَ. وَفَارِصُ وَلَدَ حَصْرُونَ. وَحَصْرُونُ وَلَدَ أَرَامَ. وَأَرَامُ وَلَدَ عَمِّينَادَابَ. وَعَمِّينَادَابُ وَلَدَ نَحْشُونَ. وَنَحْشُونُ وَلَدَ سَلْمُونَ. وَسَلْمُونُ وَلَدَ بُوعَزَ مِنْ رَاحَابَ. وَبُوعَزُ وَلَدَ عُوبِيدَ مِنْ رَاعُوثَ. وَعُوبِيدُ وَلَدَ يَسَّى. وَيَسَّى وَلَدَ دَاوُدَ الْمَلِكَ. وَدَاوُدُ الْمَلِكُ وَلَدَ سُلَيْمَانَ مِنَ الَّتِي لِأُورِيَّا. وَسُلَيْمَانُ وَلَدَ رَحُبْعَامَ. وَرَحُبْعَامُ وَلَدَ أَبِيَّا. وَأَبِيَّا وَلَدَ آسَا. وَآسَا وَلَدَ يَهُوشَافَاطَ. وَيَهُوشَافَاطُ وَلَدَ يُورَامَ. وَيُورَامُ وَلَدَ عُزِّيَّا. وَعُزِّيَّا وَلَدَ يُوثَامَ. وَيُوثَامُ وَلَدَ أَحَازَ. وَأَحَازُ وَلَدَ حَزَقِيَّا. وَحَزَقِيَّا وَلَدَ مَنَسَّى. وَمَنَسَّى وَلَدَ آمُونَ. وَآمُونُ وَلَدَ يُوشِيَّا. وَيُوشِيَّا وَلَدَ يَكُنْيَا وَإِخْوَتَهُ عِنْدَ سَبْيِ بَابِلَ. وَبَعْدَ سَبْيِ بَابِلَ يَكُنْيَا وَلَدَ شَأَلْتِئِيلَ. وَشَأَلْتِئِيلُ وَلَدَ زَرُبَّابِلَ. وَزَرُبَّابِلُ وَلَدَ أَبِيهُودَ. وَأَبِيهُودُ وَلَدَ أَلِيَاقِيمَ. وَأَلِيَاقِيمُ وَلَدَ عَازُورَ. وَعَازُورُ وَلَدَ صَادُوقَ. وَصَادُوقُ وَلَدَ أَخِيمَ. وَأَخِيمُ وَلَدَ أَلِيُودَ. وَأَلِيُودُ وَلَدَ أَلِيعَازَرَ. وَأَلِيعَازَرُ وَلَدَ مَتَّانَ. وَمَتَّانُ وَلَدَ يَعْقُوبَ. وَيَعْقُوبُ وَلَدَ يُوسُفَ رَجُلَ مَرْيَمَ الَّتِي وُلِدَ مِنْهَا يَسُوعُ الَّذِي يُدْعَى الْمَسِيحَ. فَجَمِيعُ الْأَجْيَالِ مِنْ إِبْراهِيمَ إِلَى دَاوُدَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ جِيلاً، وَمِنْ دَاوُدَ إِلَى سَبْيِ بَابِلَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ جِيلاً، وَمِنْ سَبْيِ بَابِلَ إِلَى الْمَسِيحِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ جِيلاً" (متى 1:1-17).
أما متى، كاتب سلسلة نسب المسيح، فقد كان في الأصل عشاراً يهودياً، اسمه العبراني لاوي، واسمه اليوناني متى، واسم أبيه حلفى، وكان عمله في خدمة الحكومة الرومانية يستلزم أن يكون صاحب معرفة، ولا سيما في الأمور المالية والتجارية، كما كان من ذوي اليُسْر المالي.
وتبدأ مقدمة بشارة متى بالقول: "كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود بن إبراهيم. إبراهيم ولد إسحق، وإسحق ولد يعقوب، ويعقوب ولد يهوذا وإخوته". ثم يذكر أربعين شخصاً من رجال ونساء آخرهم "يوسف رجل مريم التي وُلد منها يسوع الذي يُدعى المسيح". وواضح أن متى يتابع سلسلة نسب المسيح من يوسف، خطيب العذراء مريم. بينما يملُّ القارئ المتعجِّل من مطالعة هذا الجدول، يدرك العاقل أهميته الفائقة، لأن فيه إيضاحات مهمة للأصل البشري، الذي منه تسلسل هذا الشخص العجيب الذي "صار جسداً وحلَّ بيننا". ويسوع هو الإنسان الوحيد في التاريخ البشري الذي حُفظ قيد تسلسله من أب البشر آدم. وهو الوحيد الذي - بالإضافة إلى جوهره الأسمى - تتوقف قيمته الإنسانية على سلسلة أجداده، لأن منها نعرف أنه ابن داود، المخلص المنتظر.
سلسلة نسب لوقا

"وَلَمَّا ابْتَدَأَ يَسُوعُ كَانَ لَهُ نَحْوُ ثَلَاثِينَ سَنَةً، وَهُوَ عَلَى مَا كَانَ يُظَنُّ ابْنَ يُوسُفَ بْنِ هَالِي، بْنِ مَتْثَاتَ بْنِ لَاوِي بْنِ مَلْكِي بْنِ يَنَّا بْنِ يُوسُفَ، بْنِ مَتَّاثِيَا بْنِ عَامُوصَ بْنِ نَاحُومَ بْنِ حَسْلِي بْنِ نَجَّايِ، بْنِ مَآثَ بْنِ مَتَّاثِيَا بْنِ شِمْعِي بْنِ يُوسُفَ بْنِ يَهُوذَا، بْنِ يُوحَنَّا بْنِ رِيسَا بْنِ زَرُبَّابِلَ بْنِ شَأَلْتِئِيلَ بْنِ نِيرِي، بْنِ مَلْكِي بْنِ أَدِّي بْنِ قُصَمَ بْنِ أَلْمُودَامَ بْنِ عِيرِ، بْنِ يُوسِي بْنِ أَلِيعَازَرَ بْنِ يُورِيمَ بْنِ مَتْثَاتَ بْنِ لَاوِي، بْنِ شِمْعُونَ بْنِ يَهُوذَا بْنِ يُوسُفَ بْنِ يُونَانَ بْنِ أَلِيَاقِيمَ، بْنِ مَلَيَا بْنِ مَيْنَانَ بْنِ مَتَّاثَا بْنِ نَاثَانَ بْنِ دَاوُدَ، بْنِ يَسَّى بْنِ عُوبِيدَ بْنِ بُوعَزَ بْنِ سَلْمُونَ بْنِ نَحْشُونَ، بْنِ عَمِّينَادَابَ بْنِ آرَامَ بْنِ حَصْرُونَ بْنِ فَارِصَ بْنِ يَهُوذَا، بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ تَارَحَ بْنِ نَاحُورَ، بْنِ سَرُوجَ بْنِ رَعُو بْنِ فَالَجَ بْنِ عَابِرَ بْنِ شَالَحَ، بْنِ قِينَانَ بْنِ أَرْفَكْشَادَ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحِ بْنِ لَامَكَ، بْنِ مَتُوشَالَحَ بْنِ أَخْنُوخَ بْنِ يَارِدَ بْنِ مَهْلَلْئِيلَ بْنِ قِينَانَ، بْنِ أَنُوشَ بْنِ شِيتِ، بْنِ آدَمَ، ابْنِ اللّهِ" (لوقا 3:23-38).
وقد أورد لوقا في بشارته جدولاً آخر لنسب المسيح يختلف بعض الاختلاف عن الذي أورده متى. ولكننا نقول إن الجدولين متفقان في أن يوسف رجل مريم أم يسوع هو الحلقة الأخيرة فيهما. ويتفقان أيضاً في حلقات النسب بين إبراهيم وداود. ويتفقان في اسمي شألتئيل وزربابل في وقت سبي بابل، لكنهما يختلفان اختلافاً فرح له المنتقدون. من هذا الاختلاف أن متى يقدّم أسماء الأجيال من يسوع راجعاً إلى إبراهيم، وأما لوقا فإلى آدم. ويتبع متى سلسلة سليمان بن داود، أما لوقا فيتبع سلسلة ناثان بن داود. ويذكر متى أن يوسف (خطيب مريم) ابن يعقوب، أما لوقا فيجعله ابن هالي والد مريم، وكان اليهود أحياناً ينسبون الرجل لوالد زوجته (قارن ما حدث مع عائلة برزلاي عزرا 2:61 ونحميا 7:63). والحلقات في متى بين داود ويوسف تنقص كثيراً عنها في لوقا. فالأمر ظاهر أن بعض الحلقات متروكة، لأن كلمة "ابن" وكلمة "وَلَدَ" تردان أحياناً في هاتين السلسلتين بالمعنى الواسع، مثل القول إن يسوع ابن داود ابن إبراهيم، لأن متى يذكر أربع حلقات فقط في أيام القضاة بين راحاب وداود، مع أن المدة 450 سنة. كما أن جدول لوقا يختصُّ بمريم، والآخر في متى يختص بيوسف، لأن بيان تسلسل الاثنين ضروري.
على أن البشيرين متى ولوقا يوضّحان أصل المسيح الإلهي، فمتّى بعد أن يقول في كل الحلقات السابقة "فلان ولد فلان" لا يقول - كما كان يُنتظَر - يوسف ولد يسوع، بل "يوسف رجل مريم التي وُلد منها يسوع الذي يدعى المسيح" ولوقا يقول: "وهو على ما كان يُظَنُّ: ابن يوسف".
ولو كان بالجدولين ما يستحق الهجوم والمعارضة لفعل قادة اليهود ذلك من البدء، خصوصاً وأن تسلسل النسب يبرهن أن يسوع هو ابن داود المخلص الآتي. وصَمْت اليهود عن مهاجمة سلسلتي متى ولوقا دليل على صحتهما.
دروس من سلسلة النسب

يُستخلَص من جدولي متى ولوقا من ذِكْر اسم راعوث الموآبية أن للفقراء وللأغراب عن الجنس الإسرائيلي نصيب في لائحة الشرف الملكي المسيحي. وأيضاً من اسم راحاب التي كانت قبلاً زانية، واسميْ ثامار وبثشبع أن للأشرار التائبين توبة حقيقية محلاً في هذه القائمة الشريفة، مهما كان ماضيهم معيباً. فقد اعتنى المسيح بضعفاء القوم، وغفر لكثيرين من البعيدين عن الصلاح، وقال: "لَا يَحْتَاجُ الْأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيبٍ بَلِ الْمَرْضَى" (متى 9:12) و "ابْنَ الْإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لِكَيْ يَطْلُبَ وَيُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ" (لوقا 19:10).
ونجد محور الإنجيل كله في العبارة الجوهرية التي أوردها يوحنا في مقدمته "كان الكلمة الله. والكلمة صار جسداً وحلَّ بيننا".
وبما أن المصدر الوحيد لأخبار المسيح هو الإنجيل، وبما أن كتبة الإنجيل جميعاً متفقون على القول بلاهوته، يستلزم الإنصاف أن تُفسَّر حوادث حياته وفقاً للقول بلاهوته.
 
قديم 11 - 07 - 2017, 06:28 PM   رقم المشاركة : ( 18474 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,658

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

جبرائيل يبشّر زكريا

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"كَانَ فِي أَيَّامِ هِيرُودُسَ مَلِكِ الْيَهُودِيَّةِ كَاهِنٌ اسْمُهُ زَكَرِيَّا مِنْ فِرْقَةِ أَبِيَّا، وَامْرَأَتُهُ مِنْ بَنَاتِ هارُونَ وَاسْمُهَا أَلِيصَابَاتُ. وَكَانَا كِلَاهُمَا بَارَّيْنِ أَمَامَ اللّهِ، سَالِكَيْنِ فِي جَمِيعِ وَصَايَا الرَّبِّ وَأَحْكَامِهِ بِلَا لَوْمٍ. وَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا وَلَدٌ، إِذْ كَانَتْ أَلِيصَابَاتُ عَاقِراً. وَكَانَا كِلَاهُمَا مُتَقَدِّمَيْنِ فِي أَيَّامِهِمَا.
فَبَيْنَمَا هُوَ يَكْهَنُ فِي نَوْبَةِ فِرْقَتِهِ أَمَامَ اللّهِ، حَسَبَ عَادَةِ الْكَهَنُوتِ، أَصَابَتْهُ الْقُرْعَةُ أَنْ يَدْخُلَ إِلَى هَيْكَلِ الرَّبِّ وَيُبَخِّرَ. وَكَانَ كُلُّ جُمْهُورِ الشَّعْبِ يُصَلُّونَ خَارِجاً وَقْتَ الْبَخُورِ. فَظَهَرَ لَهُ مَلَاكُ الرَّبِّ وَاقِفاً عَنْ يَمِينِ مَذْبَحِ الْبَخُورِ. فَلَمَّا رَآهُ زَكَرِيَّا اضْطَرَبَ وَوَقَعَ عَلَيْهِ خَوْفٌ. فَقَالَ لَهُ الْمَلَاكُ: "لَا تَخَفْ يَا زَكَرِيَّا، لِأَنَّ طِلْبَتَكَ قَدْ سُمِعَتْ، وَامْرَأَتُكَ أَلِيصَابَاتُ سَتَلِدُ لَكَ ابْناً وَتُسَمِّيهِ يُوحَنَّا. وَيَكُونُ لَكَ فَرَحٌ وَابْتِهَاجٌ، وَكَثِيرُونَ سَيَفْرَحُونَ بِوِلَادَتِهِ، لِأَنَّهُ يَكُونُ عَظِيماً أَمَامَ الرَّبِّ، وَخَمْراً وَمُسْكِراً لَا يَشْرَبُ، وَمِنْ بَطْنِ أُمِّهِ يَمْتَلِئُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. وَيَرُدُّ كَثِيرِينَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى الرَّبِّ إِلَهِهِمْ. وَيَتَقَدَّمُ أَمَامَهُ بِرُوحِ إِيلِيَّا وَقُوَّتِهِ، لِيَرُدَّ قُلُوبَ الْآبَاءِ إِلَى الْأَبْنَاءِ، وَالْعُصَاةَ إِلَى فِكْرِ الْأَبْرَارِ، لِكَيْ يُهَيِّئَ لِلرَّبِّ شَعْباً مُسْتَعِدّاً". فَقَالَ زَكَرِيَّا لِلْمَلَاكِ: "كَيْفَ أَعْلَمُ هذَا، لِأَنِّي أَنَا شَيْخٌ وَامْرَأَتِي مُتَقَدِّمَةٌ فِي أَيَّامِهَا؟" فَأَجَابَ الْمَلَاكُ: "أَنَا جِبْرَائِيلُ الْوَاقِفُ قُدَّامَ اللّهِ، وَأُرْسِلْتُ لِأُكَلِّمَكَ وَأُبَشِّرَكَ بِهذَا. وَهَا أَنْتَ تَكُونُ صَامِتاً وَلَا تَقْدِرُ أَنْ تَتَكَلَّمَ، إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ هذَا، لِأَنَّكَ لَمْ تُصَدِّقْ كَلَامِي الَّذِي سَيَتِمُّ فِي وَقْتِهِ".
وَكَانَ الشَّعْبُ مُنْتَظِرِينَ زَكَرِيَّا وَمُتَعّجِّبِينَ مِنْ إِبْطَائِهِ فِي الْهَيْكَلِ. فَلَمَّا خَرَجَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُكَلِّمَهُمْ، فَفَهِمُوا أَنَّهُ قَدْ رَأَى رُؤْيَا فِي الْهَيْكَلِ. فَكَانَ يُومِئُ إِلَيْهِمْ وَبَقِيَ صَامِتاً.
وَلَمَّا كَمِلَتْ أَيَّامُ خِدْمَتِهِ مَضَى إِلَى بَيْتِهِ. وَبَعْدَ تِلْكَ الْأَيَّامِ حَبِلَتْ أَلِيصَابَاتُ امْرَأَتُهُ، وَأَخْفَتْ نَفْسَهَا خَمْسَةَ أَشْهُرٍ قَائِلَةً: "هكَذَا قَدْ فَعَلَ بِيَ الرَّبُّ فِي الْأَيَّامِ الَّتِي فِيهَا نَظَرَ إِلَيَّ، لِيَنْزِعَ عَارِي بَيْنَ النَّاسِ" (لوقا 1:5-25).
نُفاجأ بشروق النجوم دون علامات سابقة بخلاف شروق الشمس ملكة الأنوار، فإن طلائع الفجر تتقدمه. هكذا فاجأ ظهور الأنبياء العظام جوَّ التاريخ البشري، فلم يرِدْ خبرٌ سابق لظهور إبراهيم أو موسى أو داود أو إيليا (باستثناء يوحنا المعمدان). لكن ظهور المسيح سيّدهم - الذي من جملة ألقابه العديدة لقب "شمس البر" - لم يكن فجائياً، لأن النبوَّات العديدة المتواصلة كوَّنتْ فجراً عجيباً سابقاً لمجيئه. وفي الوقت ذاته، وخارجاً عن دائرة هذا الفجر، كان الظلام الأخلاقي والروحي قد بلغ أشُدَّه قبيل مجيئه. فجاء هذا النور السماوي الفائق في وقت شدة احتياج العالم وشوق أتقيائه إليه.
وتستحق المقدمات النبوية القديمة السابقة لظهور المسيح أن نراجعها بكل عناية، لكن ضيق المقام يضطرنا أن نكتفي بالنبوات والأدلة التي منها عُرف أن المسيح المنتَظر صار على الباب.
كانت رسل السماء الملائكية قد احتجبت تماماً عن الظهور للبشر مدة خمسمئة سنة، لكن لما قرُبَ تأنُّس المسيح تواردت بعددٍ أوفر ومجدٍ أبهى مما حدث في كل الأزمنة، منذ الخَلْق إلى الآن، لكي تُنْبئ بقُرب مجيء ملك الملوك ورب الأرباب إلى مقاطعته الأرضية، ظاهراً بهيئة بشرية. وفي ذلك يقول الإنجيل: "مَتَى أَدْخَلَ الْبِكْرَ إِلَى الْعَالَمِ يَقُولُ: "وَلْتَسْجُدْ لَهُ كُلُّ مَلَائِكَةِ اللّهِ" (عبرانيين 1:6) هذا هو الذي قال عنه نبي التوراة دانيال: "سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ مَا لَنْ يَزُولَ، وَمَلَكُوتُهُ مَا لَا يَنْقَرِضُ" (دانيال 7:14). فلاق أن يتقدم هذا الملك رسلٌ من أمام عرشه السماوي، يبشرون أهل العالم بقدومه القريب. وملأ صوت هذه البشرى السماء، واهتزَّ له الجند العلوي قبلما سُمع في الأرض أو رنَّ في آذان بني آدم.
أصابت القرعة زكريا أن يحرق البخور العطر على المذبح الذهبي في هيكل أورشليم فدخل خلف الستار الثقيل الذي حجبه عن أبصار الساجدين، ووقف أمام مذبح البخور يصلي، ودخان البخور ورائحته الزكية يصعدان نحو السماء. فرأى بغتة رئيس الملائكة جبرائيل العظيم، واقفاً عن يمين مذبح البخور، فاضطرب ووقع عليه خوف، لأن اضطراب الإنسان عندما يرى ملاكاً من السماء أمر طبيعي، مهما كانت درجة تقواه وصلاحه. فليس صالحٌ إلا ويعرف ذاته خاطئاً، والضمير الحي يجعل صاحبه جباناً في حضرة الأطهار، إذْ يبكّته على أقل الهفوات، وعلى التقصير عن الكمال التام، ويجعله يقشعرُّ عند مفاجأة الملاك له. لئلا يكون جاءه ليطالبه بحقوق الله عليه، أو ليجازيه على ذنوبه.
وكان آخر ظهور ملائكي قبَيْل هذا، ظهور جبرائيل ذاته منذ نحو خمسمئة سنة، وبذات غرضه الحالي - وذلك لدانيال، آخر الأنبياء العظام قبل المسيح. ظهر كرجل "لَابِساً كَتَّاناً، وَحَقَوَاهُ مُتَنَطِّقَانِ بِذَهَبِ أُوفَازَ، وَجِسْمُهُ كَالزَّبَرْجَدِ، وَوَجْهُهُ كَمَنْظَرِ الْبَرْقِ، وَعَيْنَاهُ كَمِصْبَاحَيْ نَارٍ، وَذِرَاعَاهُ وَرِجْلَاهُ كَعَيْنِ النُّحَاسِ الْمَصْقُولِ، وَصَوْتُ كَلَامِهِ كَصَوْتِ جُمْهُورٍ" (دانيال 10:5 و6).
انتدب الله جبرائيل ليكلم زكريا لذات الغرض. وفي هذا دليل واضح على اهتمام السماء بمجيء المسيح إلى العالم. وحالما رأى زكريا جبرائيل، خاف فأسرع الملاك لتسكين روعه وقال له: "لا تخف". ثم أعلمه بأن صلاته وصلاة زوجته أليصابات لأجل النسل قد استُجيبت، مع أن سنهما يجعل هذه الاستجابة مستحيلة في أعين البشر وأعينهما.
ثم أعطى جبرائيل لزكريا الاسم الذي يجب أن يطلقه على ولده. وأعلن له عن مستقبل ابنه أنه لا يسبّب فرحاً وابتهاجاً لوالديه فقط، بل أيضاً لكثيرين غيرهما. وأنه يكون عظيماً، ليس في أعين الناس فقط بل أمام الله، إذ يمتلئ من الروح القدس الإلهي من أول أيام وجوده، ويكون للرب نذيراً عفيفاً طوال حياته. وينجح نجاحاً باهراً في العمل الوحيد الذي هو محور الاهتمام الإلهي في العالم، أي ردّ كثيرين إلى الرب إلههم.
وزاد جبرائيل لزكريا ما هو أعظم من ذلك، إذ قال له إن هذا الصبي الموعود به يكون المبشِّر بظهور المسيح الآتي، فيتقدم أمامه متمّماً النبوة التي كان يتمسك بها كل يهودي تمسُّكاً شديداً، بأن إيليا يأتي قدام المسيح ويهيء للرب شعباً مستعداً. قد بشر ملاك في القديم أكثر من مرة أحد الأبوين بولدٍ سيولد لهما، لكن أمامنا المرة الوحيدة التي فيها بُشِّر أبٌ بولدٍ تكون وظيفته أن يبشر بقدوم آخر أعظم منه جداً (الذي هو المسيح) وهذا دليلٌ على تفوُّق المسيح على كل البشر.
ولم يصدق زكريا هذه البشارة، مع أنه سمعها من جبرائيل رئيس الملائكة الواقف قدام الله، والمرسَل منه لهذا الغرض الخصوصي، لأن الموانع الطبيعية كانت عظيمة جداً. لكننا نلوم زكريا لأنه يعلم جيداً ببشارةٍ نظيرها جاءت للشيخين إبراهيم وسارة، وآمن إبراهيم أبُ المؤمنين بتلك البشارة. ولما لم يصدق زكريا، ضرب الله لسانه بالخرس، وتحدّدت مدة قصاصه هذا بتسعة أشهر، إلى أن ينظر بعينيه ويسمع بأذنيه البرهان الحسي الذي كان يطلبه على صدق قول الملاك.
وبسبب هذه المقابلة الغريبة بين الملاك وزكريا، طال انحجاب الكاهن عن الجمهور المصلِّي خارجاً، والذي كان ينتظر الانصراف عند خروج الكاهن من وراء الستار ليعطيهم البركة "فتعجبوا من إبطائه". لكن زاد عجبُهم لما خرج إليهم عاجزاً عن النطق بالبركة المفروضة عليه، أو عن إخبارهم بسبب إبطائه، فجعل يشير لهم ويومئ بقدر ما أمكنه "ففهموا أنه قد رأى رؤيا".
ولما كان زكريا أميناً لخدمته لم يعتذر عن إكمالها بسبب ما جرى له، أو بسبب شوقه إلى أن يخبر امرأته في البيت، بل بقي حتى كملت أيام خدمته، وبعدها رجع إلى بيته.
ونتصور انزعاج أليصابات العجوز الصالحة لما استقبلت زوجها زكريا في البيت عند رجوعه فاقداً قوتي النطق والسمع، ثم دهشتها عندما كتب أمامها ما أعلنه له الملاك جبرائيل. ولا بد أنه أنذرها أيضاً كتابةً أن لا تشك في هذا الكلام لئلا يقع عليها العقاب الذي وقع عليه هو.
انشغل فكر زكريا وأليصابات بكلام البشارة عن مجيء المسيح، الذي يبشر به ابنهما يوحنا، ويجّهز الطريق له، والذي سمّاه الملاك "الرب" - ولا بدّ أنهما تساءلا: متى يظهر وأين وكيف؟ عن قريب سيأخذان العلم بذلك، ليس من الملاك جبرائيل، بل من نسيبةٍ لهما، سوف تصبح أشهر نساء التاريخ البشري وأسعدهن.
لا يسلِّم العقل أن المعجزة الفائقة التي هي تأنُّس المسيح الابن الأزلي تحدث دون أن تحوطَها معجزات أخرى ترافقها وتثبّتها، فمعجزة البشارة لزكريا ثم قصاصه، وحبَلُ أليصابات العجيب، هي مقدمة المعجزات التي أحاطت بولادة المسيح ابن مريم.
وهذه كلها تسهّل تصديق تلك المعجزة الأعظم التي تتبعها قريباً - وهي ولادة المسيح من عذراء، فتتحقَّق فيه النبوات القديمة العديدة، وتتم الرموز الكثيرة الدقيقة. وليس في التاريخ البشري شخصٌ غيره تنطبق عليه تلك النبوات أو تلائمه تلك الرموز. كذلك حقَّ الحكمُ بأن يسوع الناصري هو المخلص الذي تنبأ أنبياء التوراة بمجيئه. ويتَّضح لكل من يراجع توراة اليهود بإمعان، أن المسيح الموعود به في ذلك الكتاب الموحى به ليس كأحد الأنبياء، مجرد بشر، بل هو شخص إلهي.
 
قديم 11 - 07 - 2017, 06:35 PM   رقم المشاركة : ( 18475 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,658

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

حيرة يوسف


وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"أَمَّا وِلَادَةُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَكَانَتْ هكَذَا: لَمَّا كَانَتْ مَرْيَمُ أُمُّهُ مَخْطُوبَةً لِيُوسُفَ، قَبْلَ أَنْ يَجْتَمِعَا، وُجِدَتْ حُبْلَى مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. فَيُوسُفُ رَجُلُهَا إِذْ كَانَ بَارّاً، وَلَمْ يَشَأْ أَنْ يُشْهِرَهَا، أَرَادَ تَخْلِيَتَهَا سِرّاً. وَلكِنْ فِيمَا هُوَ مُتَفَكِّرٌ فِي هذِهِ الْأُمُورِ، إِذَا مَلَاكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لَهُ فِي حُلْمٍ قَائِلاً: "يَا يُوسُفُ ابْنَ دَاوُدَ، لَا تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ امْرَأَتَكَ، لِأَنَّ الَّذِي حُبِلَ بِهِ فِيهَا هُوَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. فَسَتَلِدُ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ، لِأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ". وَهذَا كُلُّهُ كَانَ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ: "هُوَذَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً، وَيَدْعُونَ اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ" (الَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللّهُ مَعَنَا). فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ يُوسُفُ مِنَ النَّوْمِ فَعَلَ كَمَا أَمَرَهُ مَلَاكُ الرَّبِّ، وَأَخَذَ امْرَأَتَهُ. وَلَمْ يَعْرِفْهَا حَتَّى وَلَدَتِ ابْنَهَا الْبِكْرَ. وَدَعَا اسْمَهُ يَسُوعَ" (متى 1:18-25).
ماذا كان تفكير يوسف خطيب مريم، بعد أن عرف أن خطيبته حامل؟
لسنا نعرف كيف عرف يوسف سِرَّ خطيبته مريم، ولكننا نعلم أنه وقع كما وقعت هي في خوف عظيم بسبب خطورة كلا الأمرين اللذين اضطُرَّ أن يختار بينهما.
في حبه الصادق يودُّ من كل قلبه تصديق رواية مريم عن بشارة الملاك، لولا الصعوبة الكلية في ذلك. واختباره صفاتها الممتازة يجعله لا يظن فيها السوء.
ولأنها خطيبته يجب أن يحميها بكل قوته من كل كدر وضرر. فلو وقَّع عليها أخف درجات القصاص بتركها جهاراً، وكانت روايتها صادقة، فإنه بذلك يظلمها ظلماً فاحشاً. ثم أيُّ شرفٍ يكون له أن يولد المسيح العظيم في بيته؟
ومن الوجه الآخر لأنه "رجل بار" يحافظ فوق كل شيء على احترام الناموس الإلهي والوصايا المقدسة، والشرف والصيت الحسن، يكون عليه أن يوقِّع على مريم عقاباً بحسب نصوص الشريعة، فما أعظم حيرة يوسف واضطرابه. إلا أنه بعد التروّي الكافي ساقه حبه وشهامته إلى اختيار ألطف درجات القصاص، إذْ قيل إنه "أراد تخليتها سراً".
وهنا تدخلت عناية الله الذي لا يغفل عن أصغر الأمور وأحقرها في عالمه الواسع. مرة أخرى نرى اهتمام السماء بأهل الإيمان على الأرض، فقد صدر الأمر الإلهي لأحد الملائكة (لعله جبرائيل) أن يزور يوسف ليلاً، فظهر له في حلم وأعلن له أن الذي حُبل به في مريم هو من الروح القدس، ولذلك فالاقتران بها أوجب من الافتراق عنها. إذاً ما كان يحسبه للآن عاراً عليهما، هو بالحقيقة أعظم فخر لهما. ومثل ذلك كثير من العار الذي يتحمله رجال الله، من الذين يجهلون الحقائق.
وكرر الملاك ليوسف ما أوصى به مريم: أن يعطي ابنها، متى وُلد، اسم "يسوع" لأن الحق الأول في تسمية المولود يكون للرجل، فيجب أن يعرف يوسف أيضاً إرادة الله بخصوص هذا الاسم، لكي تتحقق تسمية الصبي بالاسم الذي يعلن وظيفته الخصوصية ويوافقها.
واسم يسوع ويشوع اسم واحد، وهو اسم قديم من أكرم الأسماء عند اليهود، ومعناه مخلِّص. فهو أسمى الأسماء البشرية، لأنه يدل على أسمى عمل يُعمَل على الأرض وهو تخليص البشر من خطاياهم. فالذي اسمه يسوع (أي مخلِّص) هو الطبيب الشافي الذي يخلّص من داء الخطية الوبائي القتَّال المستولي على جميع بني البشر.
كان اليهود يحدثون أطفالهم بمسيحٍ يأتي من سبط يهوذا ومن بيت داود ليخلّصهم من مصائب هذا الدهر، كالفقر والمرض والتعب والذل، ومن سلطة الأعداء. وكان انتظارهم هذا سبب ثورات دموية أثارها مسحاء كذبة بدافع التهوُّس الوهمي والطموح الشخصي أو الطمع المادي. وكانت هذه الثورات تأتي عليهم دائماً بالوبال. وقد نفى كلام الملاك هذه التخيُّلات الذميمة، وأعلن حقيقة وظيفة المسيح الموعود به وعمله. وذلك أعظم جداً من كل ما كانوا يتصورونه، وهكذا تحققت نبوة إشعياء النبي بأن المسيح سيُولد من عذراء، وأنه بسبب طبيعته العجيبة يُسمَّى "عمانوئيل" ومعناه "الله معنا" (إشعياء 7:14).
وأطاع يوسف أمر ملاك الرب وأخذ امرأته ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر. فبناء عليه عرف الجميع أن يسوع هو ابن يوسف كما أنه ابن مريم، وبهذا صان شرفه وشرف مريم ومولودها، كل مدة سكنهم في الناصرة. فما أعظم الجائزة التي نالها يوسف البار بسبب اختياره خطيبةً ذات خُلق، على رغم فقرها المادي، ثم بسبب طاعته للأمر الإلهي - على رغم صعوبة هذه الطاعة دون برهان حسي - آمن بالله كما آمن جده إبراهيم فحُسب له براً.
 
قديم 11 - 07 - 2017, 06:35 PM   رقم المشاركة : ( 18476 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,658

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

مريم تزور أليصابات


وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"فَقَامَتْ مَرْيَمُ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ وَذَهَبَتْ بِسُرْعَةٍ إِلَى الْجِبَالِ إِلَى مَدِينَةِ يَهُوذَا، وَدَخَلَتْ بَيْتَ زَكَرِيَّا وَسَلَّمَتْ عَلَى أَلِيصَابَاتَ. فَلَمَّا سَمِعَتْ أَلِيصَابَاتُ سَلَامَ مَرْيَمَ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ فِي بَطْنِهَا، وَامْتَلَأَتْ أَلِيصَابَاتُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَصَرَخَتْ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَالَتْ: "مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ وَمُبَارَكَةٌ هِيَ ثَمَرَةُ بَطْنِكِ! فَمِنْ أَيْنَ لِي هذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ؟ فَهُوَذَا حِينَ صَارَ صَوْتُ سَلَامِكِ فِي أُذُنَيَّ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ بِابْتِهَاجٍ فِي بَطْنِي. فَطُوبَى لِلَّتِي آمَنَتْ أَنْ يَتِمَّ مَا قِيلَ لَهَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ" (لوقا 1:39-45).
ذهبت مريم في تلك الأيام لزيارة أليصابات، لترى بعينها صحة خبر الملاك عن حبلها العجيب في شيخوختها. فإن صحة قول جبرائيل لزكريا يزيد يقينها بأن قوله لها صحيح. فضلاً عن ذلك، فهي ترغب في تهنئة أليصابات والاشتراك معها في أفراحها الجديدة، بسبب حظها الممتاز. ثم أنها تغتنم هذه الفرصة الحسنة للاستفادة من نسيبتها بعد أن تكشَّف لها سرُّها العميق.
استغرقت الرحلة من الناصرة إلى مدينة يهوذا خمسة أيام، وهناك وجدت مريم أليصابات في الشهر السادس من حبلها العجيب. وقد اشتهر أمرها الآن بين قومها فزال عنها عار العُقم. وبسبب المعجزة السارة التي حدثت معها، نالت كرامة عظيمة، كأحد القديسين المختارين من الله، وامتلأت ابتهاجاً جديداً نتيجة لآمالها الجديدة. ولما ألقت مريم سلامها على أليصابات وهنأتها لما نالته من الالتفات الإلهي، تحرَّك في رحم أليصابات الطفل الذي لم يولد بعد. فاتّخذت ذلك دليلاً على أن هذه الزيارة غير المنتظرة هي ممن سوف تكون والدة المسيح المنتظر، لأن الروح القدس حلّ عليها بقوة وأنار عقلها وأطلق لسانها، فهتفت بصوت عظيم، وكررت حرفياً تهنئة الملاك السابقة لمريم في بيتها في الناصرة. وأضافت القول: "ومباركة ثمرة بطنك". ثم طوّبت مريم على الإيمان الذي أظهرته عندما بشّرها الملاك.
نرى في تهنئة أليصابات لمريم تواضعاً جميلاً، وإلهاماً روحياً سامياً، لأنها قالت: "من أين لي أن تأتي أمُّ ربي إليَّ؟". فقد انعكست آية الاحترام. أليصابات في مقامها كامرأة كاهن جليل، وفي سنّ الشيخوخة، وفي منزلة الإكرام الإلهي الفائق، تقدِّم الآن احتراماً كاملاً لفتاة فقيرة لم يعرف لها أحدٌ بعد امتيازاً إلا في حسن الصفات! ومن قولها: "أم ربي" عرفنا أن هذا الاحترام لم يكن لاستحقاق في مريم، بل إكراماً للذي سوف تلده، واعترافاً بمقامه الإلهي. وهذا قول كبير جداً من فم امرأة يهودية فهيمة تقية مثل أليصابات، لا يمكن أن تقوله إلا لأن الروح القدس الحالَّ فيها قد ألهمها به.
"فَقَالَتْ مَرْيَمُ: "تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ، وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللّهِ مُخَلِّصِي، لِأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى اتِّضَاعِ أَمَتِهِ. فَهُوَذَا مُنْذُ الْآنَ جَمِيعُ الْأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي، لِأَنَّ الْقَدِيرَ صَنَعَ بِي عَظَائِمَ، وَاسْمُهُ قُدُّوسٌ، وَرَحْمَتُهُ إِلَى جِيلِ الْأَجْيَالِ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَهُ. صَنَعَ قُوَّةً بِذِرَاعِهِ. شَتَّتَ الْمُسْتَكْبِرِينَ بِفِكْرِ قُلُوبِهِمْ. أَنْزَلَ الْأَعِزَّاءَ عَنِ الْكَرَاسِيِّ وَرَفَعَ الْمُتَّضِعِينَ. أَشْبَعَ الْجِيَاعَ خَيْرَاتٍ وَصَرَفَ الْأَغْنِيَاءَ فَارِغِينَ. عَضَدَ إِسْرَائِيلَ فَتَاهُ لِيَذْكُرَ رَحْمَةً، كَمَا كَلَّمَ آبَاءَنَا. لِإِبْراهِيمَ وَنَسْلِهِ إِلَى الْأَبَدِ" (لوقا 1:46-55).
وبعد أن أكملت أليصابات تسبيحتها حلَّ الروح القدس على مريم أيضاً، فترنَّمت بنشيد ارتجالي، يُعَدُّ بين أشعار الإنجيل القليلة، أجملها وأسماها، إذ تضاهي هذه الترتيلة أفخر مزامير جدِّها داود، كما أنها تبيّن ما جمَّلها الله به من الذكاء العقلي والشعور الروحي. في هذا النشيد تذكِّرنا بمريم أخت موسى التي ترنَّمت بعد عبور بني إسرائيل البحر الأحمر. ولهجة مريم العذراء في هذه الترنيمة بعيدة عن التعظُّم وعامرة بالتواضع. فهي تشعر الآن بصغرها أكثر من قبل، وتبيّن أن ليس هي بل الرب هو الذي تعظَّم بهذا العمل. تعترف في فاتحة ترنيمتها بأنها كغيرها تحتاج إلى مخلّص، وأنها قد لجأت إلى الله لأجل خلاصها الشخصي. فلا يُنتظَر منها أن تخلِّص الآخرين.
قالت مريم: "تعظّم نفسي الرب" فهي تشعر بعدم استحقاقها لهذا الإنعام الإلهي، فقد اختارها الرب رغم وضاعة منزلتها، ورفعها إلى أوج العظمة بإنعامه الإلهي. وهي أول من شعر واعترف بهذا الإنعام، فقالت: "إن الرب نظر إلى اتضاع أمَتِه، لأن القدير صنع بي عظائم".
ولقد برهنت هذه الكلمات على عظمة مريم، لأنها لم تصنع معجزة كالرسل والأنبياء وغيرهم من القديسين، ولم يُذكَر لها كلام ذو شأن بعد هذا الحادث، ولا قُدِّم لها إكرام خصوصي. وبعد قيامة المسيح سكت الوحي عنها تماماً، إلا في ذكْرٍ بسيطٍ ساواها بغيرها، أنها كانت ضمن 120 تلميذاً اجتمعوا لأجل الصلاة في العلية.
يجب أن نتعلم من مثال إنكار الذات في مريم التقية. حتى في ساعة أعظم ارتفاعها، قالت: "واسمه قدوس" فقد كان كل افتكارها في الرب، ابتهاجاً بما صنع. لقد أعلنت أن الله لا يحابي بالوجوه، ويعمل بفكره الإلهي الذي يخالف أفكار البشر "يُنزِل الأعزّاء عن الكراسي ويرفع المتّضعين". يُغني الفقراء ويُفقر الإغنياء. يرفض الذين يظنون أنهم يستحقون التفاته الخصوصي، ويقبل الذين يُحسَبون غير مستحقين. "هو إلهٌ يحفظ العهد والرحمة إلى جيل الأجيال للذين يتقونه". فيحقُّ للكنيسة المسيحية أن تفتخر بتسبحة مريم هذه، وتحسبها أنفس الترنيمات الإنجيلية
 
قديم 11 - 07 - 2017, 06:36 PM   رقم المشاركة : ( 18477 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,658

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

الْمَلَاكُ يبشر مريم


وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"وَفِي الشَّهْرِ السَّادِسِ أُرْسِلَ جِبْرَائِيلُ الْمَلَاكُ مِنَ اللّهِ إِلَى مَدِينَةٍ مِنَ الْجَلِيلِ اسْمُهَا نَاصِرَةُ، إِلَى عَذْرَاءَ مَخْطُوبَةٍ لِرَجُلٍ مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ اسْمُهُ يُوسُفُ. وَاسْمُ الْعَذْرَاءِ مَرْيَمُ. فَدَخَلَ إِلَيْهَا الْمَلَاكُ وَقَالَ: "سَلَامٌ لَكِ أَيَّتُهَا الْمُنْعَمُ عَلَيْهَا! اَلرَّبُّ مَعَكِ. مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ". فَلَمَّا رَأَتْهُ اضْطَرَبَتْ مِنْ كَلَامِهِ، وَفَكَّرَتْ مَا عَسَى أَنْ تَكُونَ هذِهِ التَّحِيَّةُ! فَقَالَ لَهَا الْمَلَاكُ: "لَا تَخَافِي يَا مَرْيَمُ، لِأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ اللّهِ. وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْناً وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. هذَا يَكُونُ عَظِيماً، وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيُعْطِيهِ الرَّبُّ الْإِلهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ، وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى الْأَبَدِ، وَلَا يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ".
فَقَالَتْ مَرْيَمُ لِلْمَلَاكِ: "كَيْفَ يَكُونُ هذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلاً؟" فَأَجَابَ الْمَلَاكُ وَقَالَ لَهَا: "اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أَيْضاً الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللّهِ. وَهُوَذَا أَلِيصَابَاتُ نَسِيبَتُكِ هِيَ أَيْضاً حُبْلَى بِابْنٍ فِي شَيْخُوخَتِهَا، وَهذَا هُوَ الشَّهْرُ السَّادِسُ لِتِلْكَ الْمَدْعُوَّةِ عَاقِراً، لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَى اللّهِ". فَقَالَتْ مَرْيَمُ: "هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ". فَمَضَى مِنْ عِنْدِهَا الْمَلَاكُ" (لوقا 1:26-38).
زار رئيس الملائكة جبرائيل الكاهن الجليل زكريا، وبشَّره بولادة يوحنا من زوجته العاقر أليصابات. وكان زكريا باراً ومكرَّماً ورئيساً بين قومه. فأيُّ عظيمٍ أعظم من هذا الكاهن يزوره جبرائيل بعد ذلك؟ هل يزور أحد الملوك والأمراء، أو شهيراً من الرؤساء، أو حكيماً من العلماء أو عظيماً من الأغنياء؟ كلا! بل زار فتاة عذراء من بيت جماعة فقراء، لا أهمية سابقة لها عند قومها فوق سائر عذارى البلاد، ولا ذِكْر لها قبل زيارة جبرائيل، ولا أهمية لها مطلقاً لولا هذه الزيارة. أُرسل إليها ليبشرها أن الله قد اصطفاها في قضائه الأزلي ليدخل مخلص العالم الوحيد إلى العالم بواسطتها .
أنعم الله على هذه العذراء بأن ألبسها أعظم شرفٍ نالتْه امرأة في الزمان، وهو شرف لا تساويه ألقاب الأمراء وأوسمتهم ولا تيجان الملوك وعظمتهم. لذلك هنأها جبرائيل بقوله: "سَلَامٌ لَكِ أَيَّتُهَا الْمُنْعَمُ عَلَيْهَا" (لوقا 1:28). قدم الله باختياره مريم برهاناً للجنس البشري بأن العظمة الحقيقية لا تنشأ عن المركز والبيئة، ولا عن الأصل والأجسام، ولا حتى من العقول السامية، بل من النفوس الطاهرة.
أغلب الظن أن مريم كانت وحدها في بيت أبيها لما فاجأها الملاك وألقى عليها السلام. وربما كانت هذه التقية تصلي في تلك الساعة، لأن اليهودي التقي كان يختلي ثلاث مرات في النهار للصلاة. فكانت تحية جبرائيل لهذه الصبية الفقيرة أبلغ من تحيته للكاهن الموقر زكريا، إذ قال له: "لا تخف يا زكريا". أما لمريم فقال: "سلامٌ لك أيتها المنْعم عليها. مباركةٌ أنت في النساء". وفي الوقت ذاته ظهر في كلامه أن الامتياز الذي نالته فوق سائر النساء كان إنعاماً لا استحقاقاً.
اضطربت هذه العذراء الطاهرة لرؤية الملاك، وتحيّرت لتحيته، فطمأنها حالاً كما فعل مع زكريا بقوله لها: "لا تخافي" ثم ناداها باسمها "يا مريم". وكرر تهنئتها، ثم أضاف خبراً لم تتصوره ولا حلُمَت به قبلاً، وهو أنها ستحبل حبلاً أعجب من حبل نسيبتها أليصابات، وتلد ابناً بقوة الروح القدس وهي عذراء. وهذا الابن لا يكون فقط عظيماً كابن أليصابات بل "يُدعى ابن الله" (لوقا 1:32) ولأنها من نسل داود سيكون ابنها الخَلَف الأعظم لداود كملكٍ مُلْكُه أبدي.
ربما شاركت مريم سائر النساء من نسل داود في شيء من الآمال بأنها ستلد المسيح. ولا سيما أنها مخطوبة لرجل صالح هو أيضاً من نسل داود، فيأتيها هذا الإمتياز المشتهى بطريقة طبيعية بعد زواجها من خطيبها يوسف. فلما أعلن لها الملاك بأن حبَلَها يكون في الحال، وقبْل أن تتزوج، اضطربت، وكان اضطرابها طبيعياً وشريفاً، إذ رأت أن عليها أن تدافع عن عفتَها، وتستوضح من الملاك كيف يمكن تصديق قوله، فكانت حشمتها إكليل فضائلها، وتواضعها تاج جمالها.
لقد اصطفى الله مريم من بين كل عذارى شعبها بعد أن أسس في روحها الاستعداد لهذا المقام الجديد الذي تفوق رفعتُه الوصف، ثم حدّد لها إنعامه لتكون الأم للطبيعة البشرية في المسيح الذي هو أيضاً ابن العلي. والله دوماً يؤهِّل الذين ينتقيهم لما ينتدبهم إليه، فأسبغ على مريم بغزارة إنعاماته المتواصلة، ليمكنها من القيام بما يُطلَب منها في أحوالها الجديدة.
وقد جاوب جبرائيل مريم بأن الروح القدس يحلُّ عليها، وأن قوة العلي تظللها فتلد ابن الله.. ولم يخفّف جواب الملاك شيئاً من غرابة بشارته، ولم يقرّب التصديق للعقل البشري، واكتفى بأن أكّد لها أن حبلها يكون بفعل الروح الخالق عز وجل، وعلى صورة استثنائية لا مثيل لها من قبل أو من بعد. وقال لها ثانية إن الذي تلده سيُدعى "ابن الله". لكن لئلا يؤخذ هذا الاسم العظيم بالمعنى المجازي الذي يسوغ استعماله لمجرد بشر، ولأنه يولد من الروح القدس سمَّاه "القدوس" وهو اسمٌ لا يُعطى مطلقاً لبشر أو لملاك.
وهنا كان ردُّ فعل مريم لكلام الملاك مختلفاً عن ردّ فعل زكريا، فقد شكّ زكريا في بشارة الملاك له، لكن مريم طلبت إيضاح طريقة إتمام الوعد الإلهي فقط، فأعطاها الملاك علامةً مفرحة، هي خبر المعجزة التي حصلت لأليصابات البعيدة عنها في جانب البلاد الآخر. ثم ختم جبرائيل خطابه بتذكير مريم أن ليس شيءٌ غير ممكن لدى الله. وهل يعسر على من أوجد الكون من العدم أن يوجد ابناً لمريم دون أب بشري؟ ومع أنّ كلام الملاك لمريم لم يتضمن شيئاً يسهِّل عليها التصديق إلا أنها سلّمت تماماً وصدقت يقيناً، إذْ قالت والملاك منصرف: "هوذا أنا أمَةُ الرب. ليكن لي كقولك". سلّمت تسليماً أعمى لله. وهذا عين الحكمة وكمال الفخر، بينما التسليم الأعمى للبشر يكون جهالة وذلاً.
فما أعظم ابتهاج هذه العذراء الطاهرة في هذه الساعة المباركة. ها المسيح رجاؤها ورجاء شعبها ورجاء العالم على الباب. فكيف لا تبتهج، وقد اختارها الله من بين جميع المؤمنات الإسرائيليات في نسل داود لتلد المسيح؟ فهل لابتهاجها حدّ؟
لكن ليس في الدنيا فرح كامل. فلا بد من امتزاج بعض الخوف مع الابتهاج في صدرها الطاهر. إنها تخاف غضب خطيبها وانفصاله عنها متى ظهر سِرُّها. وليس لديها من وسيلة لإثبات الحقيقة التي لا يمكن أن يصدقها أحدٌ على الإطلاق!
ثم أن صلاحها الممتاز يضيف خوفاً آخر شريفاً. لأنها رأت نفسها غير مستحقة لهذا الامتياز الفائق، فخافت أن تعجز عن القيام بما يستدعيه مقامها الجديد كوالدة المسيح. ولا ريب أنها ضاعفت التجاءها إلى المراحم الإلهية ليفعل لها ربُّها في مشكلتها الجديدة ما ليس في استطاعتها أو استطاعة غيرها من البشر.
 
قديم 11 - 07 - 2017, 06:37 PM   رقم المشاركة : ( 18478 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,658

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

جبرائيل يبشر مريم

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"وَفِي الشَّهْرِ السَّادِسِ أُرْسِلَ جِبْرَائِيلُ الْمَلَاكُ مِنَ اللّهِ إِلَى مَدِينَةٍ مِنَ الْجَلِيلِ اسْمُهَا نَاصِرَةُ، إِلَى عَذْرَاءَ مَخْطُوبَةٍ لِرَجُلٍ مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ اسْمُهُ يُوسُفُ. وَاسْمُ الْعَذْرَاءِ مَرْيَمُ. فَدَخَلَ إِلَيْهَا الْمَلَاكُ وَقَالَ: "سَلَامٌ لَكِ أَيَّتُهَا الْمُنْعَمُ عَلَيْهَا! اَلرَّبُّ مَعَكِ. مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ". فَلَمَّا رَأَتْهُ اضْطَرَبَتْ مِنْ كَلَامِهِ، وَفَكَّرَتْ مَا عَسَى أَنْ تَكُونَ هذِهِ التَّحِيَّةُ! فَقَالَ لَهَا الْمَلَاكُ: "لَا تَخَافِي يَا مَرْيَمُ، لِأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ اللّهِ. وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْناً وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. هذَا يَكُونُ عَظِيماً، وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيُعْطِيهِ الرَّبُّ الْإِلهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ، وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى الْأَبَدِ، وَلَا يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ".
فَقَالَتْ مَرْيَمُ لِلْمَلَاكِ: "كَيْفَ يَكُونُ هذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلاً؟" فَأَجَابَ الْمَلَاكُ وَقَالَ لَهَا: "اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أَيْضاً الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللّهِ. وَهُوَذَا أَلِيصَابَاتُ نَسِيبَتُكِ هِيَ أَيْضاً حُبْلَى بِابْنٍ فِي شَيْخُوخَتِهَا، وَهذَا هُوَ الشَّهْرُ السَّادِسُ لِتِلْكَ الْمَدْعُوَّةِ عَاقِراً، لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَى اللّهِ". فَقَالَتْ مَرْيَمُ: "هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ". فَمَضَى مِنْ عِنْدِهَا الْمَلَاكُ" (لوقا 1:26-38).
زار رئيس الملائكة جبرائيل الكاهن الجليل زكريا، وبشَّره بولادة يوحنا من زوجته العاقر أليصابات. وكان زكريا باراً ومكرَّماً ورئيساً بين قومه. فأيُّ عظيمٍ أعظم من هذا الكاهن يزوره جبرائيل بعد ذلك؟ هل يزور أحد الملوك والأمراء، أو شهيراً من الرؤساء، أو حكيماً من العلماء أو عظيماً من الأغنياء؟ كلا! بل زار فتاة عذراء من بيت جماعة فقراء، لا أهمية سابقة لها عند قومها فوق سائر عذارى البلاد، ولا ذِكْر لها قبل زيارة جبرائيل، ولا أهمية لها مطلقاً لولا هذه الزيارة. أُرسل إليها ليبشرها أن الله قد اصطفاها في قضائه الأزلي ليدخل مخلص العالم الوحيد إلى العالم بواسطتها .
أنعم الله على هذه العذراء بأن ألبسها أعظم شرفٍ نالتْه امرأة في الزمان، وهو شرف لا تساويه ألقاب الأمراء وأوسمتهم ولا تيجان الملوك وعظمتهم. لذلك هنأها جبرائيل بقوله: "سَلَامٌ لَكِ أَيَّتُهَا الْمُنْعَمُ عَلَيْهَا" (لوقا 1:28). قدم الله باختياره مريم برهاناً للجنس البشري بأن العظمة الحقيقية لا تنشأ عن المركز والبيئة، ولا عن الأصل والأجسام، ولا حتى من العقول السامية، بل من النفوس الطاهرة.
أغلب الظن أن مريم كانت وحدها في بيت أبيها لما فاجأها الملاك وألقى عليها السلام. وربما كانت هذه التقية تصلي في تلك الساعة، لأن اليهودي التقي كان يختلي ثلاث مرات في النهار للصلاة. فكانت تحية جبرائيل لهذه الصبية الفقيرة أبلغ من تحيته للكاهن الموقر زكريا، إذ قال له: "لا تخف يا زكريا". أما لمريم فقال: "سلامٌ لك أيتها المنْعم عليها. مباركةٌ أنت في النساء". وفي الوقت ذاته ظهر في كلامه أن الامتياز الذي نالته فوق سائر النساء كان إنعاماً لا استحقاقاً.
اضطربت هذه العذراء الطاهرة لرؤية الملاك، وتحيّرت لتحيته، فطمأنها حالاً كما فعل مع زكريا بقوله لها: "لا تخافي" ثم ناداها باسمها "يا مريم". وكرر تهنئتها، ثم أضاف خبراً لم تتصوره ولا حلُمَت به قبلاً، وهو أنها ستحبل حبلاً أعجب من حبل نسيبتها أليصابات، وتلد ابناً بقوة الروح القدس وهي عذراء. وهذا الابن لا يكون فقط عظيماً كابن أليصابات بل "يُدعى ابن الله" (لوقا 1:32) ولأنها من نسل داود سيكون ابنها الخَلَف الأعظم لداود كملكٍ مُلْكُه أبدي.
ربما شاركت مريم سائر النساء من نسل داود في شيء من الآمال بأنها ستلد المسيح. ولا سيما أنها مخطوبة لرجل صالح هو أيضاً من نسل داود، فيأتيها هذا الإمتياز المشتهى بطريقة طبيعية بعد زواجها من خطيبها يوسف. فلما أعلن لها الملاك بأن حبَلَها يكون في الحال، وقبْل أن تتزوج، اضطربت، وكان اضطرابها طبيعياً وشريفاً، إذ رأت أن عليها أن تدافع عن عفتَها، وتستوضح من الملاك كيف يمكن تصديق قوله، فكانت حشمتها إكليل فضائلها، وتواضعها تاج جمالها.
لقد اصطفى الله مريم من بين كل عذارى شعبها بعد أن أسس في روحها الاستعداد لهذا المقام الجديد الذي تفوق رفعتُه الوصف، ثم حدّد لها إنعامه لتكون الأم للطبيعة البشرية في المسيح الذي هو أيضاً ابن العلي. والله دوماً يؤهِّل الذين ينتقيهم لما ينتدبهم إليه، فأسبغ على مريم بغزارة إنعاماته المتواصلة، ليمكنها من القيام بما يُطلَب منها في أحوالها الجديدة.
وقد جاوب جبرائيل مريم بأن الروح القدس يحلُّ عليها، وأن قوة العلي تظللها فتلد ابن الله.. ولم يخفّف جواب الملاك شيئاً من غرابة بشارته، ولم يقرّب التصديق للعقل البشري، واكتفى بأن أكّد لها أن حبلها يكون بفعل الروح الخالق عز وجل، وعلى صورة استثنائية لا مثيل لها من قبل أو من بعد. وقال لها ثانية إن الذي تلده سيُدعى "ابن الله". لكن لئلا يؤخذ هذا الاسم العظيم بالمعنى المجازي الذي يسوغ استعماله لمجرد بشر، ولأنه يولد من الروح القدس سمَّاه "القدوس" وهو اسمٌ لا يُعطى مطلقاً لبشر أو لملاك.
وهنا كان ردُّ فعل مريم لكلام الملاك مختلفاً عن ردّ فعل زكريا، فقد شكّ زكريا في بشارة الملاك له، لكن مريم طلبت إيضاح طريقة إتمام الوعد الإلهي فقط، فأعطاها الملاك علامةً مفرحة، هي خبر المعجزة التي حصلت لأليصابات البعيدة عنها في جانب البلاد الآخر. ثم ختم جبرائيل خطابه بتذكير مريم أن ليس شيءٌ غير ممكن لدى الله. وهل يعسر على من أوجد الكون من العدم أن يوجد ابناً لمريم دون أب بشري؟ ومع أنّ كلام الملاك لمريم لم يتضمن شيئاً يسهِّل عليها التصديق إلا أنها سلّمت تماماً وصدقت يقيناً، إذْ قالت والملاك منصرف: "هوذا أنا أمَةُ الرب. ليكن لي كقولك". سلّمت تسليماً أعمى لله. وهذا عين الحكمة وكمال الفخر، بينما التسليم الأعمى للبشر يكون جهالة وذلاً.
فما أعظم ابتهاج هذه العذراء الطاهرة في هذه الساعة المباركة. ها المسيح رجاؤها ورجاء شعبها ورجاء العالم على الباب. فكيف لا تبتهج، وقد اختارها الله من بين جميع المؤمنات الإسرائيليات في نسل داود لتلد المسيح؟ فهل لابتهاجها حدّ؟
لكن ليس في الدنيا فرح كامل. فلا بد من امتزاج بعض الخوف مع الابتهاج في صدرها الطاهر. إنها تخاف غضب خطيبها وانفصاله عنها متى ظهر سِرُّها. وليس لديها من وسيلة لإثبات الحقيقة التي لا يمكن أن يصدقها أحدٌ على الإطلاق!
ثم أن صلاحها الممتاز يضيف خوفاً آخر شريفاً. لأنها رأت نفسها غير مستحقة لهذا الامتياز الفائق، فخافت أن تعجز عن القيام بما يستدعيه مقامها الجديد كوالدة المسيح. ولا ريب أنها ضاعفت التجاءها إلى المراحم الإلهية ليفعل لها ربُّها في مشكلتها الجديدة ما ليس في استطاعتها أو استطاعة غيرها من البشر.
حيرة يوسف

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"أَمَّا وِلَادَةُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَكَانَتْ هكَذَا: لَمَّا كَانَتْ مَرْيَمُ أُمُّهُ مَخْطُوبَةً لِيُوسُفَ، قَبْلَ أَنْ يَجْتَمِعَا، وُجِدَتْ حُبْلَى مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. فَيُوسُفُ رَجُلُهَا إِذْ كَانَ بَارّاً، وَلَمْ يَشَأْ أَنْ يُشْهِرَهَا، أَرَادَ تَخْلِيَتَهَا سِرّاً. وَلكِنْ فِيمَا هُوَ مُتَفَكِّرٌ فِي هذِهِ الْأُمُورِ، إِذَا مَلَاكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لَهُ فِي حُلْمٍ قَائِلاً: "يَا يُوسُفُ ابْنَ دَاوُدَ، لَا تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ امْرَأَتَكَ، لِأَنَّ الَّذِي حُبِلَ بِهِ فِيهَا هُوَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. فَسَتَلِدُ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ، لِأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ". وَهذَا كُلُّهُ كَانَ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ: "هُوَذَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً، وَيَدْعُونَ اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ" (الَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللّهُ مَعَنَا). فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ يُوسُفُ مِنَ النَّوْمِ فَعَلَ كَمَا أَمَرَهُ مَلَاكُ الرَّبِّ، وَأَخَذَ امْرَأَتَهُ. وَلَمْ يَعْرِفْهَا حَتَّى وَلَدَتِ ابْنَهَا الْبِكْرَ. وَدَعَا اسْمَهُ يَسُوعَ" (متى 1:18-25).
ماذا كان تفكير يوسف خطيب مريم، بعد أن عرف أن خطيبته حامل؟
لسنا نعرف كيف عرف يوسف سِرَّ خطيبته مريم، ولكننا نعلم أنه وقع كما وقعت هي في خوف عظيم بسبب خطورة كلا الأمرين اللذين اضطُرَّ أن يختار بينهما.
في حبه الصادق يودُّ من كل قلبه تصديق رواية مريم عن بشارة الملاك، لولا الصعوبة الكلية في ذلك. واختباره صفاتها الممتازة يجعله لا يظن فيها السوء.
ولأنها خطيبته يجب أن يحميها بكل قوته من كل كدر وضرر. فلو وقَّع عليها أخف درجات القصاص بتركها جهاراً، وكانت روايتها صادقة، فإنه بذلك يظلمها ظلماً فاحشاً. ثم أيُّ شرفٍ يكون له أن يولد المسيح العظيم في بيته؟
ومن الوجه الآخر لأنه "رجل بار" يحافظ فوق كل شيء على احترام الناموس الإلهي والوصايا المقدسة، والشرف والصيت الحسن، يكون عليه أن يوقِّع على مريم عقاباً بحسب نصوص الشريعة، فما أعظم حيرة يوسف واضطرابه. إلا أنه بعد التروّي الكافي ساقه حبه وشهامته إلى اختيار ألطف درجات القصاص، إذْ قيل إنه "أراد تخليتها سراً".
وهنا تدخلت عناية الله الذي لا يغفل عن أصغر الأمور وأحقرها في عالمه الواسع. مرة أخرى نرى اهتمام السماء بأهل الإيمان على الأرض، فقد صدر الأمر الإلهي لأحد الملائكة (لعله جبرائيل) أن يزور يوسف ليلاً، فظهر له في حلم وأعلن له أن الذي حُبل به في مريم هو من الروح القدس، ولذلك فالاقتران بها أوجب من الافتراق عنها. إذاً ما كان يحسبه للآن عاراً عليهما، هو بالحقيقة أعظم فخر لهما. ومثل ذلك كثير من العار الذي يتحمله رجال الله، من الذين يجهلون الحقائق.
وكرر الملاك ليوسف ما أوصى به مريم: أن يعطي ابنها، متى وُلد، اسم "يسوع" لأن الحق الأول في تسمية المولود يكون للرجل، فيجب أن يعرف يوسف أيضاً إرادة الله بخصوص هذا الاسم، لكي تتحقق تسمية الصبي بالاسم الذي يعلن وظيفته الخصوصية ويوافقها.
واسم يسوع ويشوع اسم واحد، وهو اسم قديم من أكرم الأسماء عند اليهود، ومعناه مخلِّص. فهو أسمى الأسماء البشرية، لأنه يدل على أسمى عمل يُعمَل على الأرض وهو تخليص البشر من خطاياهم. فالذي اسمه يسوع (أي مخلِّص) هو الطبيب الشافي الذي يخلّص من داء الخطية الوبائي القتَّال المستولي على جميع بني البشر.
كان اليهود يحدثون أطفالهم بمسيحٍ يأتي من سبط يهوذا ومن بيت داود ليخلّصهم من مصائب هذا الدهر، كالفقر والمرض والتعب والذل، ومن سلطة الأعداء. وكان انتظارهم هذا سبب ثورات دموية أثارها مسحاء كذبة بدافع التهوُّس الوهمي والطموح الشخصي أو الطمع المادي. وكانت هذه الثورات تأتي عليهم دائماً بالوبال. وقد نفى كلام الملاك هذه التخيُّلات الذميمة، وأعلن حقيقة وظيفة المسيح الموعود به وعمله. وذلك أعظم جداً من كل ما كانوا يتصورونه، وهكذا تحققت نبوة إشعياء النبي بأن المسيح سيُولد من عذراء، وأنه بسبب طبيعته العجيبة يُسمَّى "عمانوئيل" ومعناه "الله معنا" (إشعياء 7:14).
وأطاع يوسف أمر ملاك الرب وأخذ امرأته ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر. فبناء عليه عرف الجميع أن يسوع هو ابن يوسف كما أنه ابن مريم، وبهذا صان شرفه وشرف مريم ومولودها، كل مدة سكنهم في الناصرة. فما أعظم الجائزة التي نالها يوسف البار بسبب اختياره خطيبةً ذات خُلق، على رغم فقرها المادي، ثم بسبب طاعته للأمر الإلهي - على رغم صعوبة هذه الطاعة دون برهان حسي - آمن بالله كما آمن جده إبراهيم فحُسب له براً.
مريم تزور أليصابات

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"فَقَامَتْ مَرْيَمُ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ وَذَهَبَتْ بِسُرْعَةٍ إِلَى الْجِبَالِ إِلَى مَدِينَةِ يَهُوذَا، وَدَخَلَتْ بَيْتَ زَكَرِيَّا وَسَلَّمَتْ عَلَى أَلِيصَابَاتَ. فَلَمَّا سَمِعَتْ أَلِيصَابَاتُ سَلَامَ مَرْيَمَ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ فِي بَطْنِهَا، وَامْتَلَأَتْ أَلِيصَابَاتُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَصَرَخَتْ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَالَتْ: "مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ وَمُبَارَكَةٌ هِيَ ثَمَرَةُ بَطْنِكِ! فَمِنْ أَيْنَ لِي هذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ؟ فَهُوَذَا حِينَ صَارَ صَوْتُ سَلَامِكِ فِي أُذُنَيَّ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ بِابْتِهَاجٍ فِي بَطْنِي. فَطُوبَى لِلَّتِي آمَنَتْ أَنْ يَتِمَّ مَا قِيلَ لَهَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ" (لوقا 1:39-45).
ذهبت مريم في تلك الأيام لزيارة أليصابات، لترى بعينها صحة خبر الملاك عن حبلها العجيب في شيخوختها. فإن صحة قول جبرائيل لزكريا يزيد يقينها بأن قوله لها صحيح. فضلاً عن ذلك، فهي ترغب في تهنئة أليصابات والاشتراك معها في أفراحها الجديدة، بسبب حظها الممتاز. ثم أنها تغتنم هذه الفرصة الحسنة للاستفادة من نسيبتها بعد أن تكشَّف لها سرُّها العميق.
استغرقت الرحلة من الناصرة إلى مدينة يهوذا خمسة أيام، وهناك وجدت مريم أليصابات في الشهر السادس من حبلها العجيب. وقد اشتهر أمرها الآن بين قومها فزال عنها عار العُقم. وبسبب المعجزة السارة التي حدثت معها، نالت كرامة عظيمة، كأحد القديسين المختارين من الله، وامتلأت ابتهاجاً جديداً نتيجة لآمالها الجديدة. ولما ألقت مريم سلامها على أليصابات وهنأتها لما نالته من الالتفات الإلهي، تحرَّك في رحم أليصابات الطفل الذي لم يولد بعد. فاتّخذت ذلك دليلاً على أن هذه الزيارة غير المنتظرة هي ممن سوف تكون والدة المسيح المنتظر، لأن الروح القدس حلّ عليها بقوة وأنار عقلها وأطلق لسانها، فهتفت بصوت عظيم، وكررت حرفياً تهنئة الملاك السابقة لمريم في بيتها في الناصرة. وأضافت القول: "ومباركة ثمرة بطنك". ثم طوّبت مريم على الإيمان الذي أظهرته عندما بشّرها الملاك.
نرى في تهنئة أليصابات لمريم تواضعاً جميلاً، وإلهاماً روحياً سامياً، لأنها قالت: "من أين لي أن تأتي أمُّ ربي إليَّ؟". فقد انعكست آية الاحترام. أليصابات في مقامها كامرأة كاهن جليل، وفي سنّ الشيخوخة، وفي منزلة الإكرام الإلهي الفائق، تقدِّم الآن احتراماً كاملاً لفتاة فقيرة لم يعرف لها أحدٌ بعد امتيازاً إلا في حسن الصفات! ومن قولها: "أم ربي" عرفنا أن هذا الاحترام لم يكن لاستحقاق في مريم، بل إكراماً للذي سوف تلده، واعترافاً بمقامه الإلهي. وهذا قول كبير جداً من فم امرأة يهودية فهيمة تقية مثل أليصابات، لا يمكن أن تقوله إلا لأن الروح القدس الحالَّ فيها قد ألهمها به.
"فَقَالَتْ مَرْيَمُ: "تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ، وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللّهِ مُخَلِّصِي، لِأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى اتِّضَاعِ أَمَتِهِ. فَهُوَذَا مُنْذُ الْآنَ جَمِيعُ الْأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي، لِأَنَّ الْقَدِيرَ صَنَعَ بِي عَظَائِمَ، وَاسْمُهُ قُدُّوسٌ، وَرَحْمَتُهُ إِلَى جِيلِ الْأَجْيَالِ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَهُ. صَنَعَ قُوَّةً بِذِرَاعِهِ. شَتَّتَ الْمُسْتَكْبِرِينَ بِفِكْرِ قُلُوبِهِمْ. أَنْزَلَ الْأَعِزَّاءَ عَنِ الْكَرَاسِيِّ وَرَفَعَ الْمُتَّضِعِينَ. أَشْبَعَ الْجِيَاعَ خَيْرَاتٍ وَصَرَفَ الْأَغْنِيَاءَ فَارِغِينَ. عَضَدَ إِسْرَائِيلَ فَتَاهُ لِيَذْكُرَ رَحْمَةً، كَمَا كَلَّمَ آبَاءَنَا. لِإِبْراهِيمَ وَنَسْلِهِ إِلَى الْأَبَدِ" (لوقا 1:46-55).
وبعد أن أكملت أليصابات تسبيحتها حلَّ الروح القدس على مريم أيضاً، فترنَّمت بنشيد ارتجالي، يُعَدُّ بين أشعار الإنجيل القليلة، أجملها وأسماها، إذ تضاهي هذه الترتيلة أفخر مزامير جدِّها داود، كما أنها تبيّن ما جمَّلها الله به من الذكاء العقلي والشعور الروحي. في هذا النشيد تذكِّرنا بمريم أخت موسى التي ترنَّمت بعد عبور بني إسرائيل البحر الأحمر. ولهجة مريم العذراء في هذه الترنيمة بعيدة عن التعظُّم وعامرة بالتواضع. فهي تشعر الآن بصغرها أكثر من قبل، وتبيّن أن ليس هي بل الرب هو الذي تعظَّم بهذا العمل. تعترف في فاتحة ترنيمتها بأنها كغيرها تحتاج إلى مخلّص، وأنها قد لجأت إلى الله لأجل خلاصها الشخصي. فلا يُنتظَر منها أن تخلِّص الآخرين.
قالت مريم: "تعظّم نفسي الرب" فهي تشعر بعدم استحقاقها لهذا الإنعام الإلهي، فقد اختارها الرب رغم وضاعة منزلتها، ورفعها إلى أوج العظمة بإنعامه الإلهي. وهي أول من شعر واعترف بهذا الإنعام، فقالت: "إن الرب نظر إلى اتضاع أمَتِه، لأن القدير صنع بي عظائم".
ولقد برهنت هذه الكلمات على عظمة مريم، لأنها لم تصنع معجزة كالرسل والأنبياء وغيرهم من القديسين، ولم يُذكَر لها كلام ذو شأن بعد هذا الحادث، ولا قُدِّم لها إكرام خصوصي. وبعد قيامة المسيح سكت الوحي عنها تماماً، إلا في ذكْرٍ بسيطٍ ساواها بغيرها، أنها كانت ضمن 120 تلميذاً اجتمعوا لأجل الصلاة في العلية.
يجب أن نتعلم من مثال إنكار الذات في مريم التقية. حتى في ساعة أعظم ارتفاعها، قالت: "واسمه قدوس" فقد كان كل افتكارها في الرب، ابتهاجاً بما صنع. لقد أعلنت أن الله لا يحابي بالوجوه، ويعمل بفكره الإلهي الذي يخالف أفكار البشر "يُنزِل الأعزّاء عن الكراسي ويرفع المتّضعين". يُغني الفقراء ويُفقر الإغنياء. يرفض الذين يظنون أنهم يستحقون التفاته الخصوصي، ويقبل الذين يُحسَبون غير مستحقين. "هو إلهٌ يحفظ العهد والرحمة إلى جيل الأجيال للذين يتقونه". فيحقُّ للكنيسة المسيحية أن تفتخر بتسبحة مريم هذه، وتحسبها أنفس الترنيمات الإنجيلية
 
قديم 12 - 07 - 2017, 09:47 AM   رقم المشاركة : ( 18479 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,658

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

ماذا كتب يسوع على الأرض عندما أتوا بالزانية ليرجموها؟
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


هل تذكر يا يسوع؟ عندما أكلتَ مع الخطأة! ألَم تبالي بصيتك وسمعتك؟ أخبرني متّى الجابي أنّك كنت تغسل خطاياهم بضحكتك، وتطهر قلوبهم بابتسامتك… في تلك الليلة نام الخاطئون على سمفونية التوبة…
هل تذكر يا يسوع؟ عندما أتوا بالزانية ليرجموها أمامك؟ كنت تكتب بإصبعك على التراب… ماذا كنتَ تكتب؟ أخبرتني الزانية لاحقاً أنّها رأتك تكتب شريعة جديدة: شريعة الرحمة والحب…
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
هل تذكر يا يسوع؟ عندما ذهبتَ الى عرس قانا، حوّلت العرسَ الى عرس الاعراس. أخبرتني العروسُ أنّهم شربوا معك نخب الحياة وفي اليوم التالي صرخت قائلا: انا هو الطريق والحق والحياة… أعطيتهم نبيذا لانك لا تحب أن تحوّل العرس الى مهانة، ولأنك تريدنا أن نحب الحياة كما أحببتها!
هل تذكر يا يسوع؟ الخروف الضال الذي حملتَه على أكتافك بعد أن وجدتَه يلعب قمار، ويدمن على المخدرات، ويسرق كاللص… أخبرني الخروف أنّك قلت له عندما رأيته: الله محبّة. قال لك الخروف: دعني وشأني لا أؤمن! قلت له مبتسماً: هلمَّ نذهب معاً الى مراع خصبة! وضع الخروف إصبعه في قلبك! عندها قرعت السماء أجراسَها وتدفق من جنبك المطعون بحربة سَيَلان من الحب…
هل تذكر يا يسوع؟ عندما التقيت بطفل تعرّض للتحرش؟ عندما ألتقيت بأم فقدت أبنها باكراً؟ هل تذكر عندما إالتقيت بمثلي الجنس؟ هل تذكر عندما إلتقيت بأب يرى ابنه يفتش في برميل النفايات ليأكل؟ هل تذكر عندما ألتقيت بإمرأة مجروحة من خيانة زوجها؟ قالوا لك: لماذا؟ لماذا أنا؟ عندها ذهبت الى بستان الزيتون وراح عرقك يتساقط كعبيط الدم… تألمت معهم… بكيت يا يسوع معهم…ومن أجلهم عانقت الصليب كمشتاق…غمرت المسامير، وضعت إكليل الشوك وذهبت الى أعلى قمّة في العالم وصرخت من هناك: “أحبّوا بعضكم كما أنا أحببتكم”
عندها بَصَق عليك البعض، أمّا الام تراز وفرنسيس الاسيزي، وشربل مخلوف، وجان فانيه، والبابا… راحوا محاولين أن يزرعوا الحب لتحصد البشريّة سماء. راحوا حاملين قلبك المطعون بحربة الظلم والحقد والشر، وسَقَوا ألتهاباتنا فتعافى البعض، وما زال البعض الاخر يفتش عن زانية ليرجمها، عن خاطئ ليشهّر به، عن عرس ليفجّره، عن خروف ليدينه، وما زلت أنا أنظر الى أعلى قمة في العالم وأقول همساً: الله محبّة!
 
قديم 12 - 07 - 2017, 09:56 AM   رقم المشاركة : ( 18480 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,658

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

ما سبب ارتداء العذراء الأزرق على الدوام؟
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
للون الأزرق معانٍ روحية متعددة يكشف كل منها صفةً مختلفة من صفات أم الله.
فلدى مشاهدة الفن المسيحي من نحوِ ألف عامٍ، نرى أن هناك لوناً مرتبطاً بطريقة شبه دائمة بالطوباوية مريم العذراء: إنه الأزرق.
ما السبب؟ وما دلالته؟
بدايةً، للأزرق جذور عميقة في العهد القديم من الكتاب المقدس. فاللون مذكور بخاصة كلون شعب إسرائيل في سفر العدد، وفقاً للدكتور ر. جارد ستودت.
“قُل لبني إسرائيل أن يصنعوا لهم أهداباً على أذيال ثيابهم مدى أجيالكم، ويجعلوا على أهداب الذيل سلكاً أزرق اللون. فترونها وتذكرون جميع وصايا الرب وتعملون بها، ولا تضِلّون باتباع ما قد يكون في قلوبكم وعيونكم من ميلٍ إلى خيانة الرب”. (العدد 15: 38، 39).
بالنسبة إلى شعب إسرائيل، يذكّر الأزرق باتّباع وصايا الله وليس مشيئة الإنسان الأنانية.
هذا ما عاشته بشكل ممتاز الأم المباركة التي قالت: “أنا خادمة الرب، فليكن لي كما تقول” (لوقا 1، 38). كانت العذراء “بنت صهيون” الأمينة التي لبّت نداء الطاعة الذي وجهه الله إلى بني إسرائيل.
إضافة إلى ذلك، أشار سفر العدد إلى أنه كان ينبغي على بني لاوي أن يفرشوا من فوق تابوت العهد ثوباً كله أزرق اللون (4، 6)، وأن يفرشوا “على مائدة خبز التقدمة ثوباً أزرق اللون” (4، 7).
مريم بحسب التقليد هي تابوت العهد الجديد لأنها حملت في داخلها حضور الله الإلهي.
من جهة أخرى، ينطوي إلباس مريم اللون الأزرق في التقليد البيزنطي/الأرثوذكسي على معنى مختلف.
الأزرق في رسم الأيقونات يمثل السموّ، السر والألوهة. إنه لون السماء وبالتالي يُعتَبَر لوناً سماوياً. بالمقابل، يُعتبر الأحمر لوناً دنيوياً، لون الدماء.
يُُصوَّر يسوع بشكل نموذجي في الأيقونات برداء أزرق وملابس داخلية حمراء، ما يرمز إلى أن الألوهة تغطي إنسانيته. بالمقابل، تُصوَّر العذراء برداء أحمر وثياب داخلية زرقاء، ما يعكس أنها حملت الألوهة (يسوع) في إنسانيتها.
عندما ظهرت مريم للقديس خوان دييغو، كانت ترتدي معطفاً أزرق وأخضر. ووفقاً لفرسان كولومبوس، فإن “المعطف الأزرق الأخضر المرقّط بالنجوم يرمز إلى السماوات. علاوة على ذلك، يشير لون المعطف إلى ملكيتها لأن الأباطرة هم الوحيدون الذين يستطيعون أن يرتدوا عباءات من ذلك اللون”.
الأزرق إذاً لون مهمّ جداً في التقاليد الفنية في المسيحية، وله معانٍ روحية عميقة تُبرز صفات مختلفة للأم المباركة. إنه لون مقدّس يذكّرنا بأمانة مريم ودورها الأساسي في تاريخ الخلاص.
 
موضوع مغلق

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:40 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024