منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 06 - 07 - 2017, 01:50 PM   رقم المشاركة : ( 18451 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,630

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

يوحنا المعمدان
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

القديس يوحنا المعمدان
יוחנן המטביל
ܝܘܚܢܢ ܡܥܡܕܢܐ


القديس يوحنا المعمدان، بريشة أندريه دل سرتو، قرابة عام 1517. السابق، الصابغ، البشير، الشهيد، المعمدان. الولادة ما بين 2 إلى 6 قبل الميلاد،
(طبقًا للعهد الجديد قبل ميلاد يسوع بستة أشهر.)
عين كارم، جنوب القدس أو يطا، قرب الخليل.
الوفاة 30،
القدس، في سجن هيرودس الكبير كما جاء في العهد الجديد. مبجل(ة) في الصابئية المندائية
الكنيسة الكاثوليكية.
الكنائس الأرثوذكسية الشرقية.
الكنائس الأرثوذكسية المشرقية.
الكنيسة اللوثرية.
الكنيسة الأنجليكانية.
الإسلام
البهائية التطويب قبل التطويب بالشكل المتعارف عليه حاليًا. المقام الرئيسي كنيسة القديس يوحنا المعمدان، القدس.
المسجد الأموي، دمشق.
تاريخ الذكرى 7 يناير، عيده. (وهو اليوم التالي لتذكار عماد يسوع).
24 يونيو، تذكار مولده.
29 أغسطس، تذكار قطع رأسه.
مناسبات أخرى.

رموز مئزر، صليب، خروف. شفيع(ة) فلورنسا، بورتوريكو، جنوة، الأردن، مناطق أخرى عديدة. النسب أليصابات (والدته).
زكريا (والده).
مريم العذراء (خالته حسب التقليد الكنسي).
يسوع (ابن خالته).
يوحنا المعمدان أو يحيى المعمداتي هو من عمّديسوع المسيح. ولد بحسب الإنجيل يوحنا المعمدان من والدين تقيين وهما زكريا الكاهنوإليصابات[1] ويذكر التقليد المسيحي عين كارم على أنها موطن زكريا وأليصابات أبوي يوحنا المعمدان سابق المسيح[2]. وهو النبي يحيى بن زكريا لدى الديانة الإسلامية ونبي الديانة الصابئية المندائية لدى الصابئة حيث ينسب له كتاب دراشة أد يهيا (تعاليم يحيى) وهو أحد الكتب المقدسة في الديانة المندائية، كما أن يحيى أو يوحنا المعمدان أو يحيى بن زكريا يعتبر نبياً حسب الديانة البهائية.


الألقاب

اللقب الأشهر ليوحنا هو "المعمدان" وذلك لكونه عمّديسوع، غير أن هذا اللقب لم يكن متداولاً على نطاق واسع في كتابات العهد الجديد بل إنه استعمل للإشارة إلى يسوع نفسه كما في الرسالة إلى العبرانيين 6\20. وكان أول من دعا يوحنا بالمعمدان هيراكليون الغنوصي في القرن الثاني خلال شرحه إنجيل يوحنا، وبعد ذلك استعمله عدد من كبار آباء الكنيسة مثل كليمنت الإسكندريوأوريجانوس، ومن خلالهم دخل حيّز الاستعمال على نطاق واسع؛ وقد قبلت الكنيسة، بوصفها المؤسسة الرسمية في المسيحية، تسمية "المعمدان" و"السابق" و"المعمدن للمسيح" و"الشهيد الأول" و"الصائم" و"أقرب صديق للمسيح" كألقاب أخرى مضافة إليه، غير أن الكنائس ذات التراث الشرقي والكنائس ذات التراث الغربي شاع في كليها على حد سواء لقب "المعمدان" حتى أصبح رديفًا لاسم اليوم.
مولده في العهد الجديد

عائلته

حسب المصادر الرسمية في المسيحية فإن والد يوحنا هو زكريا النبي ووالدته هي أليصابات وكلاهما من أسباط بني إسرائيل وتحديدًا من السبط الذي أوكل إليه حسب رواية العهد القديم منذ أيام النبي موسى شؤون الخدمة الدينية للأسباط وهو سبط اللاويين، وكانت مهام السبط تشمل خدمة تابوت العهد وبعد أن شيد النبي سليمانهيكل بيت المقدس أوكل إليهم خدمته أيضًا وبشكل احتكاري، بحيث يورث الآباء مهنتهم للأبناء.[3] وقد كانت عادة كل سبط أن يقسم بدوره إلى مجموعة من الفرق، بحيث تشكل كل فرقة من ذرية أحد شيوخ السبط، وبحسب إنجيل لوقا فإن يوحنا ينتسب لفرقة أبيا،[لوقا 1\5] أما أليصابات فهي بدورها من سبط لاوي، إذ يشير إنجيل لوقا أنها من ذرية هارون شقيق موسى النبي، ومن المعروف أن سبط اللاويين إنما هو ذرية النبي هارون، حسب ما جاء في رواية سفري الخروجوالعدد، غير أنه صمت حول فرقتها.[لوقا 1\5] وسبب تقسيم سبط اللاويين بنوع خاص إلى فرق يعود لكثرة عددهم، فخلال عهد الملك هيرودس كان يوجد نحو عشرين ألف كاهن في كل أنحاء البلاد، وهو عدد ضخم من أن يتمكن معه كل الكهنة من الخدمة في الوقت نفسه، ولذلك تم تقسيم الكهنة إلى أربع وعشرين فرقة منفصلة قوام كل فرقة بين 800 و1000 كاهن وذلك حسب تعليمات مذكورة في سفر أخبار الأيام الأول.[4]
وعن حياة هذه الأسرة يقول الإنجيل: "وكان كلاهما بارين أمام الله، يسلكان في وفقًا لوصايا الرّب وأحكامه كلها بغير لوم".[لوقا 1\6] غير أنّ أليصابات كانت عاقرًا وهي وزوجها متقدمين في السن. وفي المجتمعات الشرقية القديمة ومنها المجتمع اليهودي فإن قيمة المرأة كانت تقاس بمقدار قدرتها على إنجاب الأطفال، ولذلك فن التقدم في السن بدون إنجاب غالبًا ما يؤدي إلى مشكلات شخصية وعار اجتماعي، إلى جانب ذلك كان ينظر إليه كمصاب من قبل الله، لعدم صلاح العائلة. ما يشكل - من وجهة نظر المجمع - سببًا إضافيًا لمزيد من النبذ والعزلة.[5] وبالتالي تنطوي آية إنجيل لوقا على تنفاض من وجهة نظر المجتمع آنذاك: "وكان كلاهما بارين أمام الله، يسلكان وفقًا لوصايا الرب وأحكامه كلها بغير لوم، ولكن لم يكن لهما ولد، إذ كانت أليصابات عاقرًا وكلاهما قد تقدما في السن كثيرًا".[لوقا 1\5-6] وبالتالي فإن إنجيل لوقا يحاول أن يظهر أن ما قد يعتبر تناقضًا في الظاهر لا يمكن أن يحتمل تناقضًا حتميًا من وجهة نظر الله.[6] ويقول إنجيل لوقا ان عائلة زكريا كانت تسكن في "جبال يهوذا" التي تقع إلى الجنوب الشرقي من القدس على الطريق نحو بيت لحم، وقد قال أغلب آباء الكنيسة وكذلك مؤرخون معاصرون أنها قرية يطا قرب الخليل والمعروفة تاريخيًا باسم "حبرون".[7]
البشارة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
زكريا يكتب أسفل اسم ابنه. دومنيكو غرلاندايو. كابيلا تورنابوني مينا، سانتا ماريا نوفيلا، فلورنسا.


عندما حان موعد فرقة أبيا التي ينتسب إليها زكريا في خدمة الهيكل والتي تستمر وفق التقاليد المتوارثة من أيام سفر أخبار الأيام الأول لمدة أسبوعين، سافر زكريا نحو القدس؛ وهناك يجري الكهنة قرعة لمعرفة من يدخل إلى الهيكل ليقوم بحرق البخور فوقعت القرعة على زكريا، وهو الأمر الذي يمكن ألا يحدث ولا حتى مرة واحدة في حياة الكاهن،[8] أما حرق البخور فيتم في الغرفة الداخلية في الهيكل المعروفة باسم "القدس"، وبشكل عام فإن الهيكل مقسوم إلى ثلاث أقسام الأول للعامة والثاني هو "القدس" والذي يسمح للكاهن فقط دخوله، والثالث هو "قدس الأقداس" ولا يدخله إلى رئيس الكهنة ولمرة واحدة في العام يوم عيد الغفران، وكان البخور يحرق مرتين يوميًا كل صباح ومساء كما ذكر في مزامير داود، ويتزامن إحراق البخور مع رفع الناس لصلواتهم وطلباتهم إلى الله.[9]
وبينما كان زكريا يحرق البخور: "ظهر له ملاك من عند الرّب واقفًا عن يمين مذبح البخور".[لوقا 1] ويكشف إنجيل لوقا على لسان الملاك أنه جبرائيل، ووفق المعتقدات المسيحية هو نفسه الملاك الذي نقل بشارة حمل مريم العذراء،[9] اما ردة فعل زكريا فقد كانت الخوف الشديد، لذلك طمأنه الملاك: "لا تخف يا زكريا، فإن طلبتك قد سُمعت، وزوجتك أليصابات ستلد لك ابنًا".[لوقا 1] ويذكر في العهد القديم عدة قصص مشابهة عن تبشير ملاكة بولادة شخص، فحصل ذلك مع شمشون الجباروالنبي إيليا؛ وكما حصل في بشارة يسوع اللاحقة فقد أخبر الملاك ما يجب أن يسمى به الطفل عندما يولد: "وأنت تسميه يوحنا".[لوقا 1\13] وتابع الملاك بأن مولد يوحنا سيسبب الفرح والابتهاج ليس فقط لأسرته بل "سيفرح الكثيرون بولادته"[لوقا 1\14] وذلك كما يقول الملاك في إنجيل لوقا لأنه سيكون ممتلئًا من الروح القدس، "منذ أن يكون في بطن أمه"، ولأنه "سيرد الكثيرين من بني إسرائيل إلى الرب إلههم"، ولأنه "سيكون له روح إيليا وقدرته" فيردّ "العصاة إلى حكمة الأبرار" وبالتالي فهو "عظيم أمام الرب" إذ "يهيئ له شعبًا معدًا".[10] ولهذه المناسبة، وكما طلب سابقًا من شمشونوإيليا وغيرهما، فإن الطفل لن يشرب خمرًا ولا مسكرًا،[لوقا 1\18] ويعتبر ذلك جزءًا من عهد النذور التي يعلنها الشخص تجاه الله كما جاء في غير موضع من التوراة.[11]
شكّ زكريا

يعتبر موضوع الشك سمة بارزة في مراحل مختلفة من الكتاب المقدس، فقد أظهر كل من إبراهيموسارةوموسىوالأسباطوجدعون قبلاً حين بلغوا رسالة ما شكًا في إمكانية تحققها،[12] وكذلك فعل زكريا حين بلغه الملاك جبرائيل ذلك، إذ ظنّ أنه من المستحيل بالنسبة له ولزوجته العاقر في شيخوختهما، أن يستطيعا إنجاب طفل رغم كلام الملاك الحاسم وما تبعه من إغداق صفات على الطفل الوعود.[13] غير أن جواب الملاك كان واضحًا: أنا جبرائيل الواقف أمام الله، وقد أرسلت لأكلمك وأبشرك بهذا".[لوقا 1\19] وبعد أن طلب زكريا دليلاً على صحة كلام الملاك الذي سيتم في حينه،[لوقا 1\19] أخبره الملاك أنّ زكريا لن يستطيع الكلام حتى يولد الطفل.[لوقا 1\19]
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
أليصابات (يسار) تستقبل مريم في بيتها، رسم فيليب دي شامبين، القرن السابع عشر.


حسب رواية إنجيل لوقا فإن زكريا قد أطال الوقت داخل الهيكل، وأنّ الشعب كان واقفًا في الخارج ينتظر ليقوم الكاهن الذي أحرق البخور بتقديم البركمة اليومية كما هو وارد في سفر العدد، وعندما خرج زكريا ولم يستطع أن يتكلم، عرف الشعب أنه قد رأى رؤيا داخل الهيكل، فأخذ يشير إليهم وظلّ أخرسًا، ولما كملت أيام خدمته رجع إلى بيته.[لوقا 1\23] ثم يؤطر إنجيل لوقا حادثة الحمل بأنها: "وبعد تلك الأيام، حبلت أليصابات".[لوقا 1\25] إلا أنها كتمت أمر حملها خمسة أشهر وأبدت سرورها: "هكذا فعل الرب بي في الأيام التي فيها نظر إلي، لينزع عني العار بين الناس".[لوقا 1\25]
بشارة مريم وزيارتها أليصابات

بعد بشارتها سافرت مريم من الناصرة إلى بيت أليصابات في جبال يهوذا،[لوقا 1\39] وعندما ألقت سلامها على أليصابات وفق رواية إنجيل لوقا قفز الجنين في بطن الأخيرة، فقالت أليصابات: "مباركة أنت بين النساء، ومباركة ثمرة بطنك".[لوقا 1\42] وقد أضافت الكنيسة هذه العبارة لاحقًا إلى السلام الملائكي. ثم أردفت: "فإنه ما إن وقع صوت سلامك في أذني، حتى قفز الجنين ابتهاجًا في بطني".[لوقا 1\44] فأنشدت حينها مريم النشيد المعروف باسمها، ويقول الإنجيل أن مريم مكثت في بيت أليصابات ثلاثة أشهر وأنها بعد أن ولد يوحنا عادت إلى بيتها.[لوقا 1\56]
مولد الطفل وختانه

ولد يوحنا لعائلة زكريا، وانتشر الفرح بين سكان المنطقة وأقارب العائلة،[لوقا 1\58] وفي حفلة ختان الطفل التي تتم وفق الشريعة اليهودية في اليوم الثامن لميلاده، والتي خلالها يمنح اسما، كاد أفراد العائلة أن يسموه زكريا على اسم أبيه، إلا أن أليصابات اعترضت وطلبت أن يسمى "يوحنا".[لوقا 1\60] فأبدى الحضور استغرابهم لعدم وجود أحد في العائلة بهذا الاسم، وسألوا زكريا رأيه في الموضوع، فأخذ لوحًا وكتب عليه "اسمه يوحنا"،[لوقا 1\62] تمامًا كما طلب منه الملاك جبرائيل حين ترائى له في الهيكل، وفي حال كما يقول إنجيل لوقا، انفتح لسان زكريا وتكلم مباركًا الله وردد نشيدًا يصفه علماء الكتاب المقدس باسم "نشيد زكريا"، استرجع خلاله زكريا ملخصًا لتاريخ بني إسرائيل مذكرًا بعظمة أعمال الله من إبراهيم و"إلى الأبد".[14] ثم تنبأ لابنه:[لوقا 1\76-78]

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة أنت أيّها الطفل سوف تدعى نبي العليّ، لأنك ستتقدم أمام الرب لتعد طرقه. لتعطي شعبه المعرفة بأن الخلاص هو بمغفرة خطاياهم، بفضل عواطف الرحمة لدى إلهنا، تلك التي تفقدنا بها الفجر الشارق من العلى.
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة وقد تحولت حادثة مولد يوحنا إلى موضع الحديث والنقاش "في جبال اليهودية كلها" كما يذكر في إنجيل لوقا،[لوقا 1\65] وكان الناس يتسائلون حول مستقبل هذا الطفل: "فقد كانت يد الله معه".[لوقا 1\66]
نشاط يوحنا ومواعظه

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
يسوع ويوحنا المعمدان طفلين، بريشة موريلو، القرن السابع عشر.


وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
يوحنا يعظ الجموع، بريشة بوغيلي، القرن السادس عشر.


يقول إنجيل لوقا أن يوحنا بدأ نشاطه العلني في السنة الخامسة عشر من حكم تيبريوس،[لوقا 3\1] ومن الثابت تاريخيًا أن تيبيروس أصبح إمبراطورًا عام 14 هذا يعني أن يوحنا المعمدان قد بدأ نشطاه بين عامي 28 أو 29،[15] ويُسمى في النص الإنجيلي "يوحنا بن زكريا" ويقول أنه انتقل من البرية إلى النواحي المحيطة بنهر الأردن، ويشير دارسو الكتاب المقدس إلى رمزية خاصة في اختيار نهر الأردن، ففي هذا المكان تحديدًا وعلى ما يروي سفر يشوع جدد بنو إسرائيل ميثاقهم مع الله بعد أن تاهوا في الصحراء أربعين عامًا.[16] ومن هناك "أخذ ينادي بمعمودية التوبة لمغرفة الخطايا". ويضيف إنجيل متى تفصيلاً آخر: "كان يوحنا المعمدان يبشر قائلاً: "توبوا فقد اقترب ملكوت السموات"".[متى 3\2] وهو بذلك كما يرد في إنجيل متىومرقسولوقاويوحنا يحقق النبؤة التي وردت عنه في سفر أشعياء:[17]

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة صوت منادٍ في البرية، أعدّوا طريق الرّب واجعلوا سبله مستقيمة. كل وادٍ سيردم وكل جبل وتل سينخفض وتصير الأماكن الملتوية مستقيمة، والأماكن الوعرة طرقًا مستوية، فيبصر كل البشر الخلاص الإلهي
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة وبذلك فحسب علم اللاهوت لم يكن يوحنا بن زكريا ينادي بالتوبة إلى الله والدعوة لغفران الخطايا فقط، بل كان يمهد الطريق ويعده أمام يسوع القادم من بعده. وحسب الرواية الرسمية في الأناجيل، فإن نشاط يوحنا نال صدىً وتجاوبًا في تلك المناطق فتقاطرت إليه الجموع طالبة التوبة حتى "خرج إليه أهل أورشليم ومنطقة اليهودية كلها وجميع القرى المجاورة للأردن".[متى 3\5] ويقول "التفسير التطبيقي للعهد الجديد" أنه بلا شك فقد وفد إليه البعض بدافع الفضول،[18] خصوصًا أن صفات يوحنا كانت غريبة كما تجمع الأناجيل الإزائية على وصفه، يلبس ثوبًا من وبر الجمال ويشدّ وسطه بحزام من جلد ويأكل الجرادوالعسل،[متى 3\4] وهو ما يناسب عمومًا الحياة البرية التي كان يوحنا قد عاشها وإن كنا لا نعرف وافر التفاصيل عنها. أيضًا فإن من العناصر التي ساهمت بجذب الناس نحو يوحنا كما يقول النقاد هو هجمومه العنيف على الملك هيرودوس أنتيباس والقادة الدينيين من فريسيينوصدوقيين، وإظهاره أخطائهم على العلن وحاجتهم للتوبة كعامة الشعب، وذلك كان جسارة كلفته حياته لاحقًا.[18]
كان يوحنا يعظ الجموع ويوبخها حتى أنه وصفها "بأولاد الأفاعي"،[لوقا 3\7] ويخصّ إنجيل متى العبارة السابقة للفريسيينوالصدوقيين منهم فقط، وربما يعود سبب ذلك لكون إنجيل لوقا وجه إلى اليونانيين الذين لا يعرفون تقسيمات المجتمع اليهودي وأحزابه على العكس من إنجيل متى الذي وجه إلى يهود الشتات.[18] وأيًا كان فإن سياق النصّ يظهر أن يوحنا إنما كان يقرع من يكتفي بالمعمودية لغفران الخطايا دون أن يدعمها بالأعمال: "فاثمروا ثمارًا تليق بالتوبة".[لوقا 3\8] أي أنه دعاهم لعدم العماد خوفًا من العقاب بل حبًا بالله.[15] كما يقرع يوحنا أيضًا اليهود منتقدًا عقيدة "شعب الله المختار": "لا تقولوا لنا إبراهيم أبًا، فإني أقول لكم إن الله قادر أن يطلع من هذه الحجارة أولادًا لابراهيم".[لوقا 3\8] ويقول "التفسير التطبيقي للعهد الجديد" أنه لا بدّ أن كثير من اليهود قد صدموا حينما سمعوا يوحنا يقول أن النسب والبنوة لا تنفع، وأن العلاقة مع الله لا تحددها سلاسل الأنساب.[19] ويقدّم قولاً كان له دور بارز في النقاشات اللاهوتية اللاحقة في الحياة المسيحية حول علاقة الإيمان والعمل بالخلاص: "ها إن الفأس أيضًا قد وضعت على أصل الشجر: فكل شجرة لا تثمر ثمرًا جيدًا تقطع وتطرح في النار".[لوقا 3\9] أي أن يوحنا من جديد أعاد الإعلان حول تلازم الأعمال الصالحة مع الإيمان الصادق.[19] وعندما سألته الجموع عن الوصايا التي من الواجب اتباعها نصحهم يوحنا بعدم الطمع وإعالة الفقراء ومشاركة المحتاجين، وكذلك الابتعاد عن الأنانية واللامبالاة.[19] ولم تشمل دعوة يوحنا اليهود فقط بل الجند الرومان أيضًا، فعندما بادروا بسؤاله قال لهم: "لا تظلموا أحدصا، ولا تشتكوا كذبًا على أحد".[لوقا 3\14]
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
يوحنا المعمدان "الصوت الصارخ في البريّة". (لوقا 3 /4.


أما المعمودية التي كان يوحنا يقوم بها فهي رمز للاغتسال من الخطايا وبالتالي شكلت طقسًا عمليًا لرسالته القائمة على التوبة والإصلاح.[19] نشاط يوحنا المعمدان كان قد تم خلال فترة عصيبة من تاريخ بني إسرائيل، إذ لم يرسل نبي لبني إسرائيل منذ أربعة قرون، وتحديدًا منذ عهد النبي ملاخي حسب الديانة اليهودية، وهذا ما خلق حالة من الانتظار لدى بني إسرائيل ليس فقط لنبي بل "للمسيح" الذي وعد به من أيام داود مخلصًا لبني إسائيل ومقيمًا للعدل والسلام على الأرض،[19] ولذلك "كان الجميع يسائلون أنفسهم عن يوحنا: "هل هو المسيح؟".[لوقا 3\15] أما جواب يوحنا فقد كان واضحًا بأنه ليس هو "المسيح"، بل قال إن المسيح حينما يأتي من بعده، لا يستحق يوحنا "أن يحل رباط حذائه"، وقال أيضًا أن المسيح حينما يأت سيعمد بالروح القدس.[لوقا 3\16] ووفق العقائد المسيحية فإن يوحنا إنما كان يشير في حديثه إلى يسوع نفسه، ووفق هذه العقائد أيضًا فإن نبؤة يوحنا المعمدان عن "معمودية الروح القدس" قد تحققت فعلاً حين نزل الروح القدس على التلاميذ الاثني عشر وجموع من المؤمنين معهم، بعد عشرة أيام من ارتفاع يسوع إلى السماء حسبما جاء في سفر أعمال الرسل.[20] وقد كتب العديد من اللاهوتيين وآباء الكنيسة عن سبب استخدام يوحنا للمعمودية، ويمكن جمع أبرز الآراء بأن يوحنا قد استخدم عملاً رمزيًا يستطيع الناس أن يروه ليدركوا ما هو مطلوب منهم أن يفعلوه، فالاغتسال الخارجي إنما هو رمز "لاغتسال داخلي من الخطيئة" وبمعنى آخر فإن يوحنا كان يعمد الناس علامة على أنهم التسموا من الله أن يغفر خطاياهم، وغير أن العماد يظل علامة خارجية أما اللامة الحقيقية فهو بتغيير مواقفهم وارتدادهم عن الخطيئة.[19] إلى جانب كون المعمودية عادة منتشرة في المجتمع اليهودي، وكثيرًا ما كان اليهود يعمدون غير اليهود الراغبين في اعتناق اليهودية، أما الكنيسة الأولى فقد ذهبت بالمعمودية لتفسير جديد وربطتها وبين موت يسوع وقيامته.[21]
إنجيل يوحنا بدوره يستعرض يوحنا المعمدان بأسلوبه اللاهوتي الخاص، ومن المتفق عليه بين علماء الكتاب المقدس أن إنجيل يوحنا ليس "تاريخ حياة" بل مجرد تقديم فكري عن يسوع وذلك يغلب عليه الطابع اللاهوتي والفلسفي الماورائي لأقوال يسوع وتعاليمه بل ومعجزاته أيضًا فيه،[22] في إنجيل يوحنا يسأل الكهنة اليهود يوحنا عن ماهيته ودوره، فينفي أنه المسيح أو أنه إيليا الجديد أو أنه حتى نبي، وعندما سألوه عن لماذا يعمد أشار إلى "الآتي من بعده".[يوحنا 1/13-27] ولعلّ خلاصة نظرة الإنجيل الرابع عن يوحنا المعمدان يمكن تأطيرها بما يلي:[يوحنا 1/6-9]

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة ظهر إنسان أرسله الله اسمه يوحنا، جاء ليشهد للنور من أجل أن يؤمن الجميع بواسطته. لم يكن هو النور بل شاهدًا للنور، فالنور الحق الذي ينير كل إنسان كان آتيًا إلى العالم.
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة شهادته

تزوج الملك هيرودس من هيروديا زوجة أخيه. وكان هيرودس يخاف يوحنا إذ قال له بأنه لا يجوز زواجه بزوجة أخيه فهذا لا يحل له. لذلك، سجن هيرودس يوحنا وكانت هيروديا حاقدة على يوحنا من ذلك وفي عيد ميلاد الملك هيرودس دعا العظماء والقواد لعشاء فاخر ودخلت ابنة هيروديا(سالومي) لترقص فسرّ هيرودس الملك والمتكئين معه وقال الملك لها أطلبي ما تشائين وسوف يتحقق حتى ولو نصف مملكتي وأقسم على هذا أمام الجمع فخرجت الصبية لعند أمها وتشاورت معها وطلبت رأس يوحنا المعمدان على طبق فحزن الملك جداً لأجل القسم. وأرسل الملك سيافاً وأمره أن يأتي برأس يوحنا. وأتي برأسه للصبية، والصبية بدورها أعطته لأمها [1] ودفن الرأس في دمشق.
وبذلك مات بعد ما يقرب السنتين على بداية تعليمه العلني وقبل سنة من موت من بشّر به. وعندما سمع تلاميذه بموته جاؤوا وأخذوا جثته ووضعوها في قبر. إن تاريخ موت يوحنا المعمدان في 29 آب والمعتمد في التقويم الكنسي ليس تاريخاً موثوقاً لأنه ليس مرتكزاً بقوة على مصادر موثوقة. ويقول العهد القديم بأنّ مكان دفنه هو السامرة وتوجد رفاته في كنيسة القديس سلفستر في روما، في حين يوجد رأسه في ضريح بقلب مسجد بني أمية في دمشق.
في كتب الأبوكريفا والتقاليد اللاحقة

لم يتم تداول شخصية يوحنا المعمدان على نطاق واسع في الكتب الأبوكريفية، فعلى سبيل المثال لم يرد اسمه في "الإنجيل العربي" حتى في مقطع عماد يسوع. على أنّ عددًا آخر من هذه الأناجيل قد أضافت بعض التفاصيل اللاحقة لسيرته بعض منها أثبتته كتابات آباء الكنيسة في القرون اللاحقة، فذكر موقع ميلاده على أنه عين كارم إلى الجنوب من القدس حيث بنى الآباء الفرنيسكان ديرًا على اسمه لا يزال حتى اليوم المكان التقليدي لولادته، وقد قال رئيس الدير دانيال من عام 1113 أنّ راهبًا من دير القديس سابا، أخبره بوجود تقليد متناقل بين أهالي عين كارم، حول كون المنطقة هي منطقة ميلاد يوحنا المعمدان، وتعتبر هذه الإشارة الإشارة الوحيدة التي تعود لما قبل الحملات الصليبية حول موقع الميلاد، الذي أعاد إثباته عدد من المؤرخين الجدد كأرنست هونيغمان.
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
تقديم رأس المعمدان لهيروديا، بريشة دي فلادنيس من القرن السادس عشر.


الأناجيل القانونية لا تشير إلى مقتل والد يوحنا النبي زكريا، غير أن الأبوكريفا والتقليد ومنهم إنجيل الطفولة ليعقوب،[23] نقلوا أن هيرودس الملك لما أطلق حملته لقتل أطفال بيت لحم كما هو وارد في إنجيل متى، هربت أليصابات بطفلها إلى الجبال والبراري وقضت هناك ست سنوات، وبعد ذلك توفيت وظل الصبي يوحنا مقيمًا في البرية، إلى حين بدء دعوته النبويّة.[24] وجاء في هذه التقاليد أيضًا أن جند هيرودوس جاؤوا إلى النبي زكريا وسألوه عن مكان الولد، فأجابهم أنه لا يعلم، فما كان منهم إلى أن قتلوه.[24] هناك رواية ثانية في الأبوكريفا لهذه الأحداث تقول أن النبي زكريا حمل الطفل إلى القدس ووضعه على المذبح في هيكل الرّب، فعندما أدركه الجند ليقتلوه صلّى إلى الله لكي ينفذ الطفل، فخطفه ملاك إلى بريّة تدعى "بريّة الزيفانا"، ولأن الجنود لم يجدوا الطفل قتلوا والده زكريا بين الهيكل والمذبح،[24] وفي رواية ثالثة أن أليصابات عندما سمعت أن جند هيرودس يريدون قتل أطفال بيت لحم وما جاورها، هربت نحو براري تلك المنطقة للاختباء، ولكنها لم تجد مكانًا تختبئ فيه، فصلّت إلى الله لتجد مخبئًا فانشقّ جبل قريب، فاختبأت داخله مع طفلها، إلى جانب وجود ملاك أمّن حماية لهم.[24] نالت الرواية الأولى شعبية أكبر في أوساط آباء الكنيسة، وفي تقليد الكنيسة الكاثوليكية وكذلك الأرثوذكسية الشرقيةوالمشرقية فإن زكريا قد قُتل على يد جند الملك هيردوس، في حين صمتت الرواية الرسمية عن طريقة موته وعن وضع يوحنا وأمه خلال هذه الفترة الطويلة، من مولده وحتى بداية نشاطه العلني.
وفقًا لتقليد بيزنطي يعود للقرن الخامس فإنه بعد خمس أشهر من ولادة يوحنا، ظهر ملاك الرب لأليصابات وأخبرها أنها يجب أن تفطم الصبي وتبدأ في تعويده على تناول الجرادوالعسل البري وهو الطعام الذي ذكرته الأناجيل الرسمية على أنه طعام يوحنا المعتاد. وهناك تقليد آخر ينصّ على أن يوحنا بدأ دعوته العلنيّة في سن الثلاثين وهو السن الرمزي لكمال البلوغ، كما أنه السن التقليدي لبداية دعوة يسوع ومن المعروف وجود التزامن في دعوتي يسوع ويوحنا، إلى جانب أن العهد القديم ينصّ أن أبناء اللاويين يجب عليهم بداية خدمتهم الكهنوتية في سن الثلاثين.
حسب رواية إنجيل العبرانيين، فإن يسوع لم يكن يريد أن يذهب للاعتماد على يد يوحنا، وقال لأمه مريم: "لم أرتكب أي خطأ يوجب أن أعتمد على يديه"، وفي رواية أخرى أن يوحنا عندما شهد حلول الروح القدس على يسوع خلال العماد وفق رواية الأناجيل الرسمية، سقط على ركبتيه وقال: "أنا ألتمس إليك، يا رّب، أن تعمدني"، لكن يسوع أجابه: "ما كُتب يجب أن يتم، ويجب الوفاء به".[25] وفي رسالة منسوبة للقديس كليمنت الإسكندري فإن يوحنا المعمدان لم يتزوج البتّة وظلّ عازبًا طوال حياته. وأشارت تقاليد أخرى أن هيروديا لم تشف غليلها بقتل المعمدان، فعمدت إلى غرز إبر في لسانه، ثم قبلت دفنه خارج المدينة. أما في إنجيل نيقوديمس الذي يعود للقرن الخامس،[26] فقد جاء أن يوحنا بعد وفاته ذهب إلى الجحيم وقام هناك بنشر الكرازة في "مثوى الأموات"، فبشّر بأن يسوع سيأت بدوره إلى مثوى الأموات منتصرًا بذلك على الموت، وليدخل الصالحين من الأموات إلى النعيم بعد أن كان مغلقًا منذ سقوط آدمو حتى قيامة يسوع، وكان من أول الداخلين إلى النعيم هو يوحنا نفسه؛ وعمومًا فإن هذه الروايات بمجموعها " تعطي لمحات عن حالة الضمير المسيحي وأساليب التفكير في القرون الأولى من العصر المسيحي".[26]
نظرة المذاهب المسيحية ليوحنا المعمدان

الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية


وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
المغارة التي وجد فيها بقايا عظام يعتقد أنها تخص القديس يوحنا في دير الأنبا مقار في مصر


تعتقد الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية أن يوحنا كان آخر أنبياء العهد القديم، وأنه بمثابة الجسر الذي يربط بين فترة الوحيوالعهد الجديد. كما أنهم يقولون أنه عند وفاته، بشر بأن يسوع المسيح سيلحق به. كما يعتقدون أن يوحنا المعمدان وقت موته ظهر لأولئك الذين لم يسمعوا عن السيد المسيح، وبشرهم به.
يوحنا أيضا هو أحد قديسي الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية وكل يوم ثلاثاء على مدار السنة مكرس لذكراه.
تحتفل به الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية في ست أيام منفصلة:
  • 23 سبتمبر ذكرى الحمل بالقديس يوحنا.[27]
  • 7 يناير يوم القديس يوحنا. (وهو ذكرى نقل بقايا يده اليمنى من أنطاكية إلى القسطنطينية في 956)
  • 24 فبراير العثور للمره الأولى وللمرة الثانية على رأس القديس يوحنا.
  • 25 مايو العثور الثالث على رأس القديس يوحنا.
  • 24 يونيو ذكرى ميلاد القديس يوحنا.
  • 29 أغسطس ذكرى قطع رأس القديس يوحنا.
بالإضافة إلى 5 سبتمبر هو ذكرى الاحتفال بزكريا الكاهنوإليصابات، والدا يوحنا المعمدان. كما تحتفل الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في يوم 12 أكتوبر بنقل اليد اليمنى للقديس يوحنا من مالطا إلى غاتتشينا في عام 1799.
الكنيسة الكاثوليكية الرومانية[عدل]

تحتفل الكنيسة الكاثوليكية الرومانية بيوحنا المعمدان في يومين من العيد :
  • 24 يونيو ميلاد القديس يوحنا المعمدان.
  • 29 أغسطس ذكرى قطع رأس القديس يوحنا المعمدان.
آراء الديانات الأخرى

وجهة النظر الإسلامية


وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
مقام النبي يحيى في المسجد الأموي، دمشق


يعرف يوحنا المعمدان باسم يحيى باللغة العربية وفي القرآن. حيث ورد ذكره في سورة مريم، كابن لزكريا كافل مريم وابن خالة عيسى. يورد القرآن الكريم قصة مماثلة لتلك التي في إنجيل لوقا، بما في ذلك عقم زوجة زكريا، وتبشير الملائكة لزكريا بمولد يحيى.
يحيى من وجهة النظر الإسلامية أوتي الكتاب والحكمة من قبل الله، بينما لا يزال طفلا. قال تعالى (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) [28]. كما وصفه بأنه "نبيا من الصالحين"، قال تعالى: (فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) [29].
الصابئة المندائيون

يقدس المندائيون يوحنا المعمدان ويؤمنون به، ويسمى عندهم يحيى. وهو آخر وأعظم الأنبياء عندهم. يتفق المندائيين على أنه عمد يسوع (عيسى)، إلا أنهم يرفضون الاعتراف بإن يسوع منقذ أو نبي. كما أنهم يرون يحيى هو المسيا الحقيقي.
وفقا لنص من كتابهم الأقدس كنزا ربا، فأن يحيى مات على يد أحد الملائكة، الذي ظهر له على هيئة طفل عمره ثلاث سنوات طفل ليعمده. فطن يحيى أنه ملاك وعلم ما أرسل إليه، وبمجرد أن لمس يده، مات على الفور. بعد ذلك، دفن الملاك يحيى.
كنيسة يسوع المسيح لقديسي الأيام الأخيرة

تقر كنيسة يسوع المسيح لقديسي الأيام الأخيرة، بوجود يوحنا المعمدان. وفقا اعتقادهم، فأن يوحنا تم ترسيمه بواسطة ملاك، عندما كان عمره 8 أيام، للإطاحة بمملكة اليهود وإعداد الناس للرب. كما يدعي أنه قد عمد بعد حين في طفولته.[30]
اتباع كنيسة يسوع المسيح لقديسي الأيام الأخيرة يعتقدون بأن يوحنا المعمدان ظهرت على ضفاف نهر سسكويهانا بولاية بنسلفانيا، لجوزيف سميث وأوليفر كودري في 15 مايو عام 1829، ورسّمهم كهنة.[31][32] وفقا لكتاب مورمون، فإن يوحنا المعمدان هو آخر أنبياء العهد القديم، وأول أنبياء العهد الجديد، وأنه تم إرساله ليرسّم كهنتهم.[33]
نظرة البهائية

ورد ذكر يوحنا المعمدان في العديد من كتابات بهاء الله، مؤسس البهائية، وهو يعتبر عند البهائيين بوصفها نبي.[34] ادعى بهاء الله أن حضرة الباب، وكان تجسيدا لعودة يوحنا المعمدان الروحية. ورغم ذلك، يضع البهائيين حضرة الباب في منزلة أعلى بكثير من يوحنا المعمدان.
نظرة الغنوصيين

يعتقد الغنوصيين، أن يوحنا المعمدان تجسيد للنبي إيليا. في اعتقادهم، لأن إيليا من أنبياء العهد القديم، لذا فإن إيليا لا يعرف الله الحق (الله في العهد الجديد)، وبالتالي كان لا بد من أن تتناسخ روحه طبقا لللاهوت الغنوصي، وذلك طبقا لنبوءة النبي ملاخي، بأنه يجب أن يعود إيليا أولا ليبشر بقدوم يسوع المسيح.
كنيسة الموحدين

يعتقد أتباع كنيسة الموحدين الكورية المنشأ، بأن الله أرسل يوحنا لمساعدة يسوع لينشر رسالته في أرض يهودا. وكان على يوحنا أن يبذل قصارى جهده لإقناع الشعب اليهودي أن يسوع هو المسيا. كان هذه المهمة ضرورية لضمان نجاح يسوع في تبليغ رسالته. إلا أن فشل يوحنا في مهمته كان هو العقبة الرئيسية أمام يسوع لتبليغ رسالته.[35]
 
قديم 07 - 07 - 2017, 03:44 PM   رقم المشاركة : ( 18452 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,630

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

لا تخف انت افضل من العصافير

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
لا تخف انت افضل من العصافير
كتب الراحل مصطفى أمين، مؤسِّس جريدة أخبار اليوم المصرية، في كتابه :
”سنة ثالثة سجن“،
وهو يناجي عصفورًا، ويبُثّ له همومه وآلامه، كان قد وقف على نافذة زنزانته، كتب مترجّيًا يقول:
”لعل العصفور يطل في عينّي ليرى أعماقي، ليرى مسيحًا مصلوبًا بلا خطية، مشنوقًا بلا جريمة، معلَّقًا على مقصلة بغير ذنب“.
العبارة بليغة، ومليئة بالمعاني الجميلة، تبيِّن شعور الكاتب، وهو معتقل ومحبوس، بالظلم الواقع عليه، ويحس في ذاته ببراءته مما نُسِب إليه، كالمسيح البار الذي :
«لَمْ يَفْعَلْ خَطِيَّةً»
(1بطرس2: 22)،
و«لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً»
(2كورنثوس5: 21)،
«وَلَيْسَ فِيهِ خَطِيَّةٌ»
(1يوحنا3: 5).
شعر الكاتب أن وجوده في المعتقل ظلم بيّن، كظلم المسيح وبرائته من اتهامات اليهود له التي قادتهم إلى قتله وصلبه. وإن كان أسلوب مصطفى أمين راقٍ وأنيق، لكن نحن نسأل:
من ذا الذي يستطيع أن يعرف القلوب ويرى ما فيها؟
وهل في استطاعة العصفور الضعيف أو النسر القوي أو كل الطيور مجتمعة أن تنظر داخل قلب الإنسان وترى أعماقه؟!
لذلك يسأل النبي قائلاً:
«اَلْقَلْبُ أَخْدَعُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَهُوَ نَجِيسٌ، مَنْ يَعْرِفُهُ؟»
فتأتي الإجابة:
«أَنَا الرَّبُّ فَاحِصُ الْقَلْبِ مُخْتَبِرُ الْكُلَى لأُعْطِيَ كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ طُرُقِهِ، حَسَبَ ثَمَرِ أَعْمَالِهِ»
(إرميا17: 9-10).
ولم يختَر الصحفي الراحل الغُراب ليرى أعماقه بل العصفور؟
وحسنًا فعل، لأن العصفور رمز للطهارة والنقاء، للشفافية والفداء. فالعصفور رمزٌ للمسيح الطاهر، وكذلك للمسيحي الغريب. ولنا في العصافير دروس غاية في الروعة، وقمة في الجمال.
*
-1-
العصفور الساهد الوحيد
«سَهِدْتُ وَصِرْتُ كَعُصْفُورٍ مُنْفَرِدٍ عَلَى السَّطْحِ»
(مزمور102: 7)
والعصفور المنفرد الوحيد هنا يذكِّرنا بوحدة وحزن المسيح عندما ذهب إلى بستان جثسيماني حيث قال لتلاميذه:
«نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدًّا حَتَّى الْمَوْتِ. اُمْكُثُوا ههُنَا وَاسْهَرُوا مَعِي»
(متى26: 38).
ولأن المسيح هو روح النبوة، فالنبي إشعياء تنبأ عن أحزان المسيح، وذلك قبل الميلاد بـحوالي 700 سنة، فقال عنه:
«رَجُلُ أَوْجَاعٍ وَمُخْتَبِرُ الْحَزَنِ، وَكَمُسَتَّرٍ عَنْهُ وُجُوهُنَا، مُحْتَقَرٌ فَلَمْ نَعْتَدَّ بِهِ»
ثم أكمل:
«لكِنَّ أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا، وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا. وَنَحْنُ حَسِبْنَاهُ مُصَابًا مَضْرُوبًا مِنَ اللهِ وَمَذْلُولاً»
(إشعياء53: 3، 4).
ويكتب إرميا النبي أيضًا عن مشاعر الحزن عند المسيح بقوله بروح النبوة:
«أَمَا إِلَيْكُمْ يَا جَمِيعَ عَابِرِي الطَّرِيقِ؟
تَطَلَّعُوا وَانْظُرُوا إِنْ كَانَ حُزْنٌ مِثْلُ حُزْنِي الَّذِي صُنِعَ بِي، الَّذِي أَذَلَّنِي بِهِ الرَّبُّ يَوْمَ حُمُوِّ غَضَبِهِ؟»

(مراثي1: 12).
صديقي وصديقتي:
إن كنت تشعر بترك الجميع لك، وأنك وحيد بلا سنيد، فتذكَّر أن المسيح يشعر بك، ويقدِّر ما تمُرّ به، ومهما كانت أحزانك وأوجاعك، فالمسيح رفعها وحملها كلها. فقط ثق فيه، وآمن به.
*
-2-
العصفور المذبوح
«يُذْبَحَ الْعُصْفُورُ الْوَاحِدُ فِي إِنَاءِ خَزَفٍ عَلَى مَاءٍ حَيٍّ. أَمَّا الْعُصْفُورُ الْحَيُّ فَيَأْخُذُهُ مَعَ خَشَبِ الأَرْزِ وَالْقِرْمِزِ وَالزُّوفَا وَيَغْمِسُهَا مَعَ الْعُصْفُورِ الْحَيِّ فِي دَمِ الْعُصْفُورِ الْمَذْبُوحِ عَلَى الْمَاءِ الْحَيِّ»
(لاويين14: 5–6).
هذه هي شريعة الأبرص يوم طُهره، فكان يذبح عصفور، ويطلق الآخر بعد غمسه في دم العصفور المذبوح. وهذان العصفوران يتحدثان بلغة بليغة عن موت المسيح وقيامته :
«الَّذِي أُسْلِمَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا وَأُقِيمَ لأَجْلِ تَبْرِيرِنَا»
(رومية4: 25).
فالمسيح لم يحزن فقط، لكنه مات أيضًا؛ وذلك هو أساس أفراحنا وأعيادنا، :
« لأَنَّ فِصْحَنَا أَيْضًا الْمَسِيحَ قَدْ ذُبحَ لأَجْلِنَا. إِذًا لِنُعَيِّدْ»
(1كورنثوس5: 7-8).
وموت المسيح هو موضوع النبوات فمثلاً يتنبأ النبي إشعياء قائلاً:
«كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ، وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ»
(إشعياء53: 7).
وأيضًا يتطلع يوحنا الحبيب نحو المستقبل بعين النبوة، فيكتب ما رأى فيقول:
«ورَأَيْتُ فَإِذَا فِي وَسَطِ الْعَرْشِ وَالْحَيَوَانَاتِ الأَرْبَعَةِ وَفِي وَسَطِ الشُّيُوخِ خَرُوفٌ قَائِمٌ كَأَنَّهُ مَذْبُوحٌ»
(الرؤيا5: 6).
إن موت المسيح وعمله الكفاري هو أساس الغفران :
و«بِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لاَ تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ»
(عبرانيين9: 22).
*
-3-
العصفور الساكن الآمن
« الْعُصْفُورُ أَيْضًا وَجَدَ بَيْتًا، وَالسُّنُونَةُ عُشًّا لِنَفْسِهَا حَيْثُ تَضَعُ أَفْرَاخَهَا، مَذَابِحَكَ يَا رَبَّ الْجُنُودِ، مَلِكِي وَإِلهِي. طُوبَى لِلسَّاكِنِينَ فِي بَيْتِكَ، أَبَدًا يُسَبِّحُونَكَ»
(مزمور84: 3-4).
وهذا صورة للمؤمن الذي وجد سكنه وراحته في المسيح. لقد تطلَّع بنو قورح، فرأوا العصفور وقد وجد بيتًا بالقرب من بيت الرب، وكأنهم يقولون إن عُشًا بالقرب من بيت الرب خير من قصر بعيدًا عنه. والسنونة أيضًا، ذلك الطائر الضعيف، لكنها هناك أيضًا تضع أفراخها، وهل هناك أمن وآمان لنا ولأولادنا بعيدًا عن الرب وعن بيته؟
سُئِل أحدهم :
أين تسكن؟
وأين تبيت؟
فقال في مزمور91 وبالرجوع لهذا الشاهد نجد أحلى سكن بل وأجمل مبيت:
«اَلسَّاكِنُ فِي سِتْرِ الْعَلِيِّ، فِي ظِلِّ الْقَدِيرِ يَبِيتُ».
(المزامير 91: 1)
«وَلِبَنْيَامِينَ قَالَ:
حَبِيبُ الرَّبِّ يَسْكُنُ لَدَيْهِ آمِنًا. يَسْتُرُهُ طُولَ النَّهَارِ، وَبَيْنَ مَنْكِبَيْهِ يَسْكُنُ»
(تثنية33: 12).
و«إِنَّمَا خَيْرٌ وَرَحْمَةٌ يَتْبَعَانِنِي كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِي، وَأَسْكُنُ فِي بَيْتِ الرَّبِّ إِلَى مَدَى الأَيَّامِ»
(مزمور23: 6).
إن كل من يؤمن إيمانًا حقيقيًا بالمسيح يقينًا له مكان معه، فحتى اللص التائب وجد سكن مريح مع المسيح عندما قال له:
«..الْيَوْمَ تَكُونُ مَعِي فِي الْفِرْدَوْسِ».
(لوقا 23: 43)
والرب يقول اليوم أيضًا لكل مضطرب، لم يطمئن قلبه على السكن الأبدي بعد:
« لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ. أَنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ (الإيمان اليهودي) فَآمِنُوا بِي (الإيمان المسيحي). فِي بَيْتِ أَبِي مَنَازِلُ كَثِيرَةٌ، وَإِلاَّ فَإِنِّي كُنْتُ قَدْ قُلْتُ لَكُمْ. أَنَا أَمْضِي لأُعِدَّ لَكُمْ مَكَانًا، وَإِنْ مَضَيْتُ وَأَعْدَدْتُ لَكُمْ مَكَانًا آتِي أَيْضًا وَآخُذُكُمْ إِلَيَّ، حَتَّى حَيْثُ أَكُونُ أَنَا تَكُونُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا»
(يوحنا14: 1-3).
وحتى نلتقي لنستكمل دروس نتعلمها من عصافير الكتاب، النعمة معك.
* * *
أشكرك أحبك كثيراً...
الرب يسوع يحبك ...
بركة الرب لكل قارئ .. آمين .
وكل يوم وأنت في ملء بركة إنجيل المسيح... آمين

يسوع يحبك ...
 
قديم 08 - 07 - 2017, 04:01 PM   رقم المشاركة : ( 18453 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,630

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

لنحذر وننتبه ونطلب روح تمييز وإفراز من الله
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
فليس كل من يتنبأ بار هوَّ، وليس كل من يصنع معجزات صار قديساً، لأن بلعام الذي تنبأ حسب قصد الله أضل الشعب، وكثيرين من الذين صنعوا معجزات رفضهم شخص ربنا يسوع المسيح:
+ قد تركوا الطريق المستقيم فضلوا تابعين طريق بلعام بن بصور الذي أحب أُجرة الإثم؛ عندي عليك قليل أن عندك هناك قوماً متمسكين بتعليم بلعام الذي كان يُعلِّم بالاق أن يُلقي معثرة أمام بني إسرائيل أن يأكلوا ما ذبح للأوثان ويزنوا (2بطرس 2: 15؛ رؤيا 2: 14)
+ ليس كل من يقول لي يا رب يا رب يدخل ملكوت السماوات، بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السماوات. كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم يا رب يا رب أليس باسمك تنبأنا، وباسمك أخرجنا شياطين، وباسمك صنعنا قوات كثيرة. فحينئذ أُصرح لهم إني لم أعرفكم قط، اذهبوا عني يا فاعلي الإثم. (متى 7: 21 - 23)
 
قديم 08 - 07 - 2017, 04:15 PM   رقم المشاركة : ( 18454 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,630

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

ما لن تجده في مناهج التاريخ المصرية: ثورة المسيحيين عام 831م

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

يرى العديد من المفكرين أن الرواية العربية الرسمية للفتوحات الإسلامية قد تجاهلت حقائق تاريخية كثيرة؛ كي ترسم صورة مثالية للتاريخ، وكأنَّه لم يشهد سوى التسامح، والمحبة، والعدل بين المسلمين وغيرهم من أتباع الديانات الأخرى السابقة على الإسلام، في البلدان التي أخضعها المسلمون لسيادتهم، وكأنَّ أبناء تلك الشعوب قد استقبلوا الفاتحين وسياساتهم الجديدة بالورود ورأوا فيها العدل المحض دائمًا.



لن يدعي هذا التقرير بالطبع أنه سيعرض نقاط الخلل والصواب في تلك الأيديولوجيا الرسمية العربية، لكنه سيلقي الضوء على حادثة في التاريخ المصري تغيب تمامًا عن الذكر في الرواية الرسمية التي يجري ترويجها عبر وسائل الإعلام والمناهج الدراسية، عن تاريخ العلاقات الإسلامية – المسيحية منذ الفتح.


إنها حكاية ثورة مسلحة لمجموعة كبيرة من مسيحيي مصر في القرن التاسع الميلادي، ضد ما رأوا أنه جور السلطات الإسلامية ضدهم آنذاك.


اذهب معي إلى قلب الحدث المجهول



هناك في شمال الدلتا، بين فرعي دمياط ورشيد، في منطقة تحيط بها الأحراش والمستنقعات، بحيث يصعب على من لم يخبر طبيعة المنطقة جيدًا، ولم يعرف خباياها وأسرار دروبها أن يغزوها، عاش مجموعة من أقباط مصر عُرفوا باسم البشموريين، يعملون في إنتاج ورق البردي وصيد الأسماك، والأهم من ذلك في الزراعة.




وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



يصف المؤرخون العرب البشموريين بأنهم «أكثر توحشًا وتعنتًا من سائر سكان مصر، وقد أقلقوا السلطات؛ فهم من ناصبوا العرب العداء سبع سنوات بعد سقوط الإسكندرية في أيدي عمرو بن العاص، وأول من قاموا بإعلان الثورة ضد جباة الضرائب».



كان هؤلاء البشموريون قد ساعدوا العباسيين في ثورتهم على الأمويين عام 750م، حين قادهم مينا بن بكيرة لإعلان الثورة على مروان بن محمد، واستطاعوا أن يهزموا جيش الأمويين الذي حاصرهم، وخرجوا على الأمويين بالليل، فقتلوهم وأخذوا أموالهم وخيولهم.


جاء العباسيون إلى السلطة، ووعدوا الأقباط، والبشموريين خاصة، بأنهم مقدمون على سنوات من العدل الخالص، ولن يشعروا بالاضطهاد مرة أخرى من الآن فصاعدًا، لكن مرت السنوات، ولم يشعر البشموريون سوى بمزيد من الاضطهاد.


في عام 831م، نشبت ثورة المسيحيين الكبرى، وربما كانت تلك هي آخر هباتهم العنيفة على الإطلاق. كان العديد من الولايات العباسية في حالة ثورة آنذاك تحت تأثيرات أموية، ولم يبخل الأقباط بالمشاركة في تلك الحالة الثورية، لكن بأسباب مختلفة عن أسباب المتمردين الآخرين في بقية الأرجاء الإسلامية، كما سنرى بعد قليل.

أعلن البشموريون التمرد، وطرد عمال الدولة، ورفض دفع الجزية للدولة الإسلامية، وقاموا بتصنيع أسلحتهم بأنفسهم، وكانت الثورة خيارًا نهائيًا بالنسبة لهم، حيث جزاء من يُصدر نبرة هادئة أو يحذر من العواقب كان القتل.


أمام تلك الثورة العارمة، ولمعرفة الخليفة الفيلسوف «المأمون» بقوة بأس البشموريين، الذي أظهروه أمام الأمويين ولصالح العباسيين سابقًا، أرسل المأمون جيشًا كبيرًا من أربعة آلاف جندي، بقيادة أخيه «المعتصم»، إلى ما عُرف فيما بعد بمحافظة الدقهلية، من أجل إخماد الثورة، لكن انتصر الثوار، فأرسل المأمون جيشًا آخر بقيادة أعجمية لـ«أفشين التركي» في التاسع من محرم من نفس العام، لكن العجيب أن تلك المحاولة فشلت أيضًا، وهُزم جيش المسلمين.



إزاء الانتصارات المتتالية للثوار، لم يكن هناك مفر بالنسبة لهم من أن يكملوا ثورتهم ومقاومتهم حتى الرمق الأخير، مهما كانت التكاليف، وبالنسبة للمأمون أيضًا كان القرار قد حُسم، فقد جهز قوة عسكرية كبيرة وزحف من بغداد بنفسه ليخمد الثورة التي لا تنطفئ، وفي هذه المرة وظف المأمون بذكائه عنصرًا جديدًا ليقلب المعادلة.



موقف الكنيسة من الثورة (الخروج على الحاكم)



وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



اتخذت الكنيسة موقفًا مؤيدًا للحاكم العربي ضد ثورة الأقباط، وكانت تعرف أن مثل تلك الثورات لن تأتي في نهايتها سوى بالمزيد من البطش والتعسف تجاه الأقباط، ولعل الكنيسة في موقفها هذا كانت تمتثل لحكمة القديس بولس في الإصحاح 13، والتي تقول:» السلاطين الكائنة هي مُرتبة من الله، حتى أن من يقاوم السلطان يقاوم ترتيب الله، والمقاومون سينالون الدينونة«.



كان المأمون بفطنته يعرف سهولة استخدام الكنيسة ضد الثورة، فاصطحب معه في رحلته الأنبا ديونسيوس البطريرك الأنطاكي، وفور وصوله إلى مصر، استدعى الأنبا يوساب الأول بطريرك الأقباط؛ كي يشجبوا الثورة في مرسوم، فيضعف تأييد الشعب القبطي لها، ومن ثم يرسل الآباء المذكورون، رسائل إلى الثوار تطلب منهم التوقف فورًا عن قتال الدولة.



لكن إزاء خطابات البطريرك يوساب، التي حاول أن يقنعهم فيها بضعفهم أمام قوات الخليفة، وضرورة أن يعلنوا استسلامهم، ازداد البشموريون عنادًا وثقًة في أن ثورتهم لا بد ألا تنتهي، سوى بنهاية آخر فرد منهم، حتى بعد أن تخلت عنهم المؤسسة الدينية الرسمية التي ترعاهم روحيًا، وكان المأمون إزاء ذلك يملك الحل العسكري الأخير للقضاء على آخر ثورة للأقباط في مصر.



موت الثورة



شن المأمون حربًا ضارية ضد البشموريين، ورغم كل ما قيل عن شجاعتهم وتضحياتهم في تلك المعركة، لكن الأكيد أنهم هُزموا في النهاية أمام جيش الخلافة، وحُرقت مساكنهم وكنائسهم، وقتل أغلبهم، حتى كادوا أن يبادوا.


لكن يبدو أن المأمون قد قدر في الرجال شجاعتهم، فحين تيقن من النصر ومن أن أيَّة أعمال عسكرية أخرى ستكون بغرض الإبادة، وليس تعزيز الانتصار، أمر جنوده بالتوقف عن القتال، ونفى الذين تبقوا من البشموريين (3000 فرد)، ومات الكثر منهم في طرق السفر، أما الثوار الذين أسروا، وكان عددهم 500 فرد،



فقد تم استرقاقهم وبيعهم كعبيد، ويصف لنا المقريزي النهاية فيقول: «انتفض القبط فحكم فيهم المأمون بقتل الرجال، وبيع النساء، فبيعوا، وسبي أكثرهم، حينئذ ذلت القبط في جميع أرض مصر».


ويرجح المؤرخون أن بقايا الثوار المهزومين قد توطنوا في جنوب العراق بالمستنقعات، وعرفوا فيما بعد باسم «البشروديين»، وعملوا في مهنة إصلاح الأراضي للعباسيين، بل يرجح بعض المؤرخين أنهم قد شاركوا فيما بعد في ثورات الزنج على الخلافة العباسية، وأبلوا بلاًء حسنًا في القتال هناك؛ نظرًا لتمرسهم على القتال في المستنقعات منذ ثورتهم الفاشلة الأولى.


ويرى عماد جاد، الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، وعضو مجلس النواب المصري، أن نتائج ثورة البشموريين قد أثرت على الواقع الديمغرافي لمصر حتى الآن؛ حيث كانت نتيجتها إنهاء الوجود المسيحي في الدلتا تقريبًا، ووفقًا لـ«جاد» فإن نسبة المسيحيين في أيَّة محافظة بالدلتا الآن، ونتيجة لهزيمة الثورة البشمورية، لا تزيد عن 3% بأيَّة حال.



عودة إلى الخلف، هل كانت أسباب تلك الثورة دينية بالأساس؟




حين صدر القرار بنفي البشموريين من مصر، أرسلوا إلى المأمون رسالة أخبروه فيها بأن الوالي كان يرغمهم على دفع جزية لا يستطيعون تحملها، وكان يسجنهم ويربطهم إلى الطواحين ويضربهم ضربًا مبرحًا ويضطرهم إلى طحن الحبوب كالدواب تمامًا، وعندما كانت تأتي نساؤهم إليهم بالطعام، كان خدمه يأخذونهن، ويهتكون عرضهن. وكان رد المأمون على تلك الرسالة أنه غير مسئول عن سياسة ولاته؛ لأنه لم يمل عليهم هذا الموقف الذي اتبعوه، وأنه لم يفكر قط في إرهاق الناس، وقال: «إذا كنت قد أشفقت على الروم وهم أعدائي، فكيف لا أشفق على رعيتي؟»


منذ دخول المسلمين مصر، فرضوا الجزية على غير المسلمين، وتراوحت فترات الاضطهاد والتسامح في هذا الأمر بحسب تطور الظروف التاريخية، وتقلب الأمزجة الشخصية للولاة، كما فرضوا أيضًا الخراج على أراضيهم، في حين كان المفترض أن تعامل أراضي المسلمين بنظام الزكاة «تحصيل العشر»، لكن تحول المصريين إلى الديانة الإسلامية كان سيؤثر بالسلب في تلك الحالة على خزينة الدولة الخراجية، التي تستفيد كثيرًا من ضريبة الخراج؛ لذلك قرَّرت الدولة ألا تعفي أرض المتحولين إلى الديانة الإسلامية من ضريبة الخراج، فالأرض كافرة وإن أسلم صاحبها، وذلك ما يفسر اشتراك المسلمين من أصحاب الأراضي الخراجية في الثورة البشمورية.


وتقول الروائية سلوى بكر، صاحبة رواية «البشموري»، في تقرير لصحيفة «البديل» المصرية في هذا الصدد: «ثورة البشموريين لم تكن ثورة دينية كما يراها البعض، بل هي ثورة اجتماعية كان سببها تزايد ضريبة الأرض الزراعية؛ لأن العرب عندما فتحوا مصر، لم يكن لهم دراية بالنظم الزراعية المعمول بها في مصر».


وتضيف في التقرير: «منذ عهد الفراعنة كانت غلة الأرض توزع علي أربعة أنصبة: ربع للفرعون، وربع للمعبد، وربع للفلاح، وربع لإعادة الإنفاق على العمل الزراعي، وعندما جاء العرب لم يطبقوا هذا النظام وكانوا يطالبون بزيادة غلة الأرض وزيادة الضريبة الزراعية، ومن هنا أصبح هناك إجحاف بالفلاح الفقير، ولذلك فقد انضم إلى ثورة الأقباط هذه، الفلاحون العرب المسلمون الذين استقروا في مصر، وخصوصًا أولئك الذين ينتمون إلى القبائل اليمنية والقيسية التي كانت تعمل في الزراعة في شمال الجزيرة العربية، ورفضت أن تواصل الفتوحات الإسلامية، فجاءوا واستقروا في مصر واشتركوا مع البشموريين في الثورة».


في الواقع كان الخليفة المأمون يعرف جيدًا، أن الوالي بمصر قد ضاعف الخراج، وضاعف الجزية، وعامل الأقباط بعنف، وقد حمله المسئولية كاملةً عما حدث، لكنه كان يعلم أيضًا أن هؤلاء الثوار لا بد أن يُسحقوا؛ ففي ذلك الوقت كان بقايا الأمويين، في العالم الإسلامي، يستعدون للثورة على الحكم العباسي، وقاموا بتحريض المصريين على الثورة في خطابات من زعمائهم، وكان المأمون يعرف تمامًا ما فعله البشموريون حين تحالفوا مع الهبة العباسية ضد الأمويين، لذلك كان يدرك خطورتهم، ورأى أنه لا خيار أمامه سوى سحقهم، في ظل معركته للحفاظ على حكمه من أي محاولة أموية للانقلاب.


وأنهى المأمون بذلك قصة ثورة الأقباط، واحتمالية عودتها مرة أخرى، واختفت تلك الثورة الأخيرة بعد ذلك من التاريخ الرسمي لمصر، الذي كرسته الدولة القومية الحديثة، وحذفت منه ما لا يروق لها منه؛ لتصنع روايتها الرسمية عن تاريخ هذا القطر، وما تخلله من علاقات بين أبنائه ودولته.
 
قديم 08 - 07 - 2017, 05:04 PM   رقم المشاركة : ( 18455 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,630

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

المسيحية بحسب المسيح

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
المسيحية الحقيقية ليست كما يدّعي البعض بأنها حياة سهلة ومليئة بالورود وبأنها رحلة لا تخلو من المشاكل والظروف الصعبة، فالذي يفتح أذنيه جيدا لما قاله المسيح سيعرف أن المسيحية هي
حياة ممتعة وعميقة وشيقة ولكنها ليست سهلة، فالتنوع الرائع الذي يسودها يجعلها مميزة بين الجميع.
فأحيانا تجد نفسك تبكي من اضطهاد أحد الأشخاص لك فتشعر بالإحباط والهزيمة والضعف، ولكن الله في تلك اللحظات يعطيك حبا مدهشا لا مثيل له لهذا الإنسان الذي اضطهدك بسبب الإيمان فتجد نفسك تحبه وتريد له الأفضل. "طوبى لكم اذا عيروكم وقالوا عليكم كلّ كلمة شريرة من أجلي كاذبين. افرحوا وتهللوا لأن أجركم عظيم في السموات. فإنهم هكذا طردوا الأنبياء الذين قبلكم" متى 5: 11 و12
وفي أوقات الضيق والشدّة حيث الأبواب كلها مقفلة وعند الهزيع الرابع، تجد الله يتدّخل بطريقة غريبة يهدم فيها كل السدود العالية ويخرق المستحيل ليعطيك أملا جديدا، فهو الحاضر دائما في كل زوايا حياتك ليحتضنك تحت ظل جناحيه. "بخوافيه يظللك وتحت أجنحته تحتمي. ترس ومجن حقه" مزمور 91: 4
وفي زمن الحزن والفشل والتقهقر، وحينما تظن أنك لن تستطيع أن تقف من جديد، وسط هذا الكم من الضغط النفسي تشعر بتدخل يد الله القديرة تنتشلك من أعماق الركام والدمار فيلمع في قلبك نفحة نجاح نابعة من لدن أبي الأنوار. "لأن الله لم يعطنا روح الفشل بل روح القوّة والمحبة والنصح" 2تيموثاوس 1: 7
وفي أيام القحط المادي حيث لا يوجد حمل في الكروم والحقول لا تصنع طعاما ولا بقر في المذاود يفتح الله أبواب بركاته من السماء لكي يسدّ العوز. "أيضا كنت فتى وقد شخت ولم أر صديقاً تخلّي عنه ولا ذرّية له تلتمس خبزا" مزمور 37: 25
وأيضا المسيح وضّح مفهوم المسيحية بأنها دعوة لترك كل شيء ولحمل الصليب. "من أحب أبا وأما أكثر مني فلا يستحقني. ومن أحب إبنا أو إبنة أكثر مني فلا يستحقني. ومن لا يأخذ صليبه ويتبعني فلا يستحقني. من وجد حياته يضيعها. ومن أضاع حياته من أجلي يجدها" متى 10: 37
هذه هي المسيحية بحسب المسيح فيها دموع وألم وحزن وأيضا فيها فرح وقوة وإنتصار، والذي يميّز المسيحية عن الجميع أن رئيسها هو المسيح الذي مات من أجلنا وقام من أجل تبريرنا فهل تحب أن تكون مسيحيا!
 
قديم 10 - 07 - 2017, 05:16 PM   رقم المشاركة : ( 18456 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,630

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

المسيحى بين التمرد والخضوع (3)

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

المسيحى بين التمرد والخضوع (3)
أن تقول “لا” في مكانها الصحيح، ليس تمرُّدًا بل خضوعًا للقوانين الإلهية!!
لكن المشكلة التي نعيشها، هي أننا نتمرد حينمًا ينبغي أن نخضع، ونخضع وقتما ينبغى أن نرفض!! وإلى مزيد من الإيضاح.
*
أولاً:
الخضوع ليس معناه أن أوافق من حولي على كل شيء!!
يشعر البعض بالحرج والأستحياء أن يقولوا “لا” في بعض المواقف التي لا تمجِّد الله، ظنًا منهم أن رفضهم قد يُعثر الآخرين، أو خوفًا من إتهام الآخرين لهم بالتزمت، فيضطروا صاغرين للخضوع لأفكارهم ومجاراتهم فيما يفعلوه!
لكن كلمة الله، تعتبر هذا النوع من الخضوع هو اشتراك صارخ في أعمال الظلمة :
«وَلاَ تَشْتَرِكُوا فِي أَعْمَالِ الظُّلْمَةِ غَيْرِ الْمُثْمِرَةِ بَلْ بِالْحَرِيِّ وَبِّخُوهَا»
(أفسس5: 11).
والرب يسوع المسيح نفسه تصرف مرة بطريقة قد نندهش منها!!
فحياته الكاملة أروع مثال للخضوع، فنقرأ عن خضوعه لوالديه وهو صبي في الهيكل :
«نَزَلَ مَعَهُمَا وَجَاءَ إِلَى النَّاصِرَةِ وَكَانَ خَاضِعًا لَهُمَا»
(لوقا2: 51)،
بل وعند الصليب، وفي أحلك اللحظات، التفت إلى أمه مظهرًا تقديره واحترامه لها مستودعًا إياها ليوحنا الحبيب. لكن ما يبدو غريبًا أنه لم يخضع لطلب أمه في عرس قانا الجليل ليعمل معجزة الخمر!

والسبب أن تعليماته في الخدمة كان يتلقاها من الله الآب فقط
(يوحنا6: 38).
فالخضوع لا يعني أبدًا موافقه الناس - أيًّا كانوا - على كل شيء أو في أي شيء!!
*
ثانيًا:
متى يكون التمرد فضيلة وليس خطية؟!
ما أقصده من كلمة “تمرد”، ليس التصرفات الثورية والصراخ والتكسير والتحطيم، بل الرفض المسيحي المقدس وبإصرار لكل ما يكون فيه شيء مما يأتي
:
-1-

إذا كان يحرض على عبادة غير الله أو إنكار تجسده في المسيح:
فيوما ما قرر الإمبراطور الديكتاتور نبوخذنصر أن يكون السجود لتمثاله الذهب، ومن لا يسجد سيلقى في أتون النار المُحمّى سبعة أضعاف!
فلم يخضع الفتية الثلاثة قائلين :
«لاَ يَلْزَمُنَا أَنْ نُجِيبَكَ عَنْ هذَا الأَمْرِ. هُوَذَا يُوجَدُ إِلهُنَا الَّذِي نَعْبُدُهُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنَجِّيَنَا...»
(دانيآل3: 16).
والرسول يوحنا، الوديع الهادئ، يشجِّع أولاده على الوقوف بشده ضد أولئك المنكرون للاهوت المسيح قائلاً :
«دَخَلَ إِلَى الْعَالَمِ مُضِلُّونَ كَثِيرُونَ، لاَ يَعْتَرِفُونَ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ آتِيًا فِي الْجَسَدِ»
ثم يضيف قائلاً :
«إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَأْتِيكُمْ، وَلاَ يَجِيءُ بِهذَا التَّعْلِيمِ، فَلاَ تَقْبَلُوهُ فِي الْبَيْتِ، وَلاَ تَقُولُوا لَهُ سَلاَمٌ»
(2يوحنا1: 7، 10).
وهذا ما قام به أثناسيوس ضد بدعة آريوس، الراهب الذي نادى بأن المسيح مخلوق من غير جوهر الله!
فوقف أمامه أثناسيوس بشدة مُفحِمًا إياه في مجمع نيقية سنة 325.
-2-
إذا كان ضد المبادئ الأخلاقية والقيم الإلهية:
فالخضوع للتصرفات اللاأخلاقية وعدم الاعتراض عليها في المحيطين بنا لَهو شر عظيم!
وهذا الاعتراض وعدم الخضوع كان واضحًا جلًيا في كل من:
يوسف الشاب الناجح أمام غواية امرأة شريرة أرادت أن يخضع لها ويزني معها، وبالتأكيد هددته بطريقة أو بأخرى، لأنها سيدة البيت وزوجة رئيس الشرطه!!
لكن يوسف الشاب تشددت حياته بالرب، وارتوى بالشركة مع الرب إلهه، فاستطاع أن يعلن تمرده على الشر قائلاً :
«كَيْفَ أَصْنَعُ هذَا الشَّرَّ الْعَظِيمَ وَأُخْطِئُ إِلَى اللهِ؟»
(تكوين39: 9).
دانيآل الذي تحدّى النظام الملكي الفاسد، والذي أمر شباب القصر بشرب الخمر والتغذي بلحوم ذُبحت للأوثان
«أطايب الملك وخمر مشروبه».
رفض الخضوع لنظام يبيح المُتع للجميع”!!
وجعل في قلبه أن لا يتنجس
«وأعطى الله دانيال نعمة ورحمة».
-3-
إذا كان ضد المبادئ الكتابية:
قال الرسول بولس :
«اَلَّذِينَ لَمْ نُذْعِنْ لَهُمْ بِالْخُضُوعِ وَلاَ سَاعَةً، لِيَبْقَى عِنْدَكُمْ حَقُّ الإِنْجِيلِ»
(غلاطية2: 5)،
وكان يقصد الذين دخلوا خلسة لجماعة الرب في غلاطية وأرادوا فرض تعاليم ناموسية خاطئة بخصوص الخلاص والتبرير، فكان بولس لهم بالمرصاد وهدفه ليظل حق الإنجيل واضحًا أمام الكثيرين.
-4-
إذا كان ضد إتمام مسيرة خدمة الرب:
قال الأعداء لنحميا وهو واقف على الأسوار يبني ويرمم:
انزل لنجتمع ونحكي معًا!!
وكان هدفهم تعطيل عمل الرب بل وقتله!!
لكنه لم يخضع لمشورتهم وأجابهم :
«إِنِّي أَنَا عَامِلٌ عَمَلاً عَظِيمًا فَلاَ أَقْدِرُ أَنْ أَنْزِلَ. لِمَاذَا يَبْطُلُ الْعَمَلُ بَيْنَمَا أَتْرُكُهُ وَأَنْزِلُ إِلَيْكُمَا؟»
(نحميا6: 3).
*
ثالثًا:
كيفية التعبير عن هذا التمرد والرفض بطريقة مسيحية
-1-
ليكن لنا فكر المسيح حتى يمكننا أن نميِّز الأمور المتخالفة، أي متى نخضع ومتى لا نخضع :
«وَأَمَّا أَنْتُمْ فَالْمَسْحَةُ الَّتِي أَخَذْتُمُوهَا مِنْهُ ثَابِتَةٌ فِيكُمْ، وَلاَ حَاجَةَ بِكُمْ إِلَى أَنْ يُعَلِّمَكُمْ أَحَدٌ، بَلْ كَمَا تُعَلِّمُكُمْ هذِهِ الْمَسْحَةُ عَيْنُهَا عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَهِيَ حَقٌّ وَلَيْسَتْ كَذِبًا. كَمَا عَلَّمَتْكُمْ تَثْبُتُونَ فِيهِ»
(1يوحنا2: 27).
-2-

عبر عن رفضك بكل شجاعة دون ميوعة:
أقصد ليكن لنا الشجاعة الأدبية الروحية، وهذا ما فعله الرسول بولس مع بطرس والآخرين فيقول :
«وَلكِنْ لَمَّا أَتَى بُطْرُسُ إِلَى أَنْطَاكِيَةَ قَاوَمْتُهُ مُواجَهَةً، لأَنَّهُ كَانَ مَلُومًا»
(غلاطية2: 11).
-3-

أظهر وقوفك إلى جانب المسيح وكلمته، وليس دفاعًا عن أرائك الذاتية الشخصية أو العقائدية :
«يَنْبَغِي أَنَّ ذلِكَ يَزِيدُ وَأَنِّي أَنَا أَنْقُصُ»
(يوحنا3: 30).
-4-

أنتقِ الألفاظ والعبارات:
ولن نجد غير ربنا يسوع المسيح لنتعلم منه الذوق الراقي في ألفاظه حتى وهو يعترض، فقال لبيلاطس :
« لَمْ يَكُنْ لَكَ عَلَيَّ سُلْطَانٌ الْبَتَّةَ، لَوْ لَمْ تَكُنْ قَدْ أُعْطِيتَ مِنْ فَوْقُ»
(يوحنا19: 11)،
أو عندما قال لتلاميذه :
«اِصْعَدُوا أَنْتُمْ إِلَى هذَا الْعِيدِ. أَنَا لَسْتُ أَصْعَدُ بَعْدُ إِلَى هذَا الْعِيدِ، لأَنَّ وَقْتِي لَمْ يُكْمَلْ بَعْدُ»
(يوحنا7: 8).
أحبائي..
ما أحوجنا إلى قوة إلهية بالروح القدس ومعونة سماوية، لنتعلم الخضوع للرب ولتكن طلبتي وطلبتك :
«عَلِّمْنِي أَنْ أَعْمَلَ رِضَاكَ، لأَنَّكَ أَنْتَ إِلهِي. رُوحُكَ الصَّالِحُ يَهْدِينِي فِي أَرْضٍ مُسْتَوِيَةٍ»
(مزمور143: 10).
بل ونحتاج أيضًا إلى شجاعة أدبية روحية مقدسة حتى نتعلم أن نرفض ونقول “لا” لكل ما لا يمجد إلهنا.

* * *
أشكرك أحبك كثيراً...
الرب يسوع يحبك ...
بركة الرب لكل قارئ .. آمين .
وكل يوم وأنت في ملء بركة إنجيل المسيح... آمين

يسوع يحبك ...
 
قديم 10 - 07 - 2017, 05:20 PM   رقم المشاركة : ( 18457 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,630

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

المسيح يشبع خمسة آلاف

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"وَبَعْدَ سَاعَاتٍ كَثِيرَةٍ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ تَلَامِيذُهُ قَائِلِينَ: "الْمَوْضِعُ خَلَاءٌ وَالْوَقْتُ مَضَى. اِصْرِفْهُمْ لِكَيْ يَمْضُوا إِلَى الضِّيَاعِ وَالْقُرَى حَوَالَيْنَا وَيَبْتَاعُوا لَهُمْ خُبْزاً، لِأَنْ لَيْسَ عِنْدَهُمْ مَا يَأْكُلُونَ". فَأَجَابَ: "أَعْطُوهُمْ أَنْتُمْ لِيَأْكُلُوا". فَقَالُوا لَهُ: "أَنَمْضِي وَنَبْتَاعُ خُبْزاً بِمِئَتَيْ دِينَارٍ وَنُعْطِيهُمْ لِيَأْكُلُوا؟" فَقَالَ لَهُمْ: "كَمْ رَغِيفاً عِنْدَكُمْ؟ اذْهَبُوا وَانْظُرُوا". وَلَمَّا عَلِمُوا قَالُوا: "خَمْسَةٌ وَسَمَكَتَانِ". فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوا الْجَمِيعَ يَتَّكِئُونَ رِفَاقاً رِفَاقاً عَلَى الْعُشْبِ الْأَخْضَرِ. فَاتَّكَأُوا صُفُوفاً صُفُوفاً: مِئَةً مِئَةً وَخَمْسِينَ خَمْسِينَ. فَأَخَذَ الْأَرْغِفَةَ الْخَمْسَةَ وَالسَّمَكَتَيْنِ، وَرَفَعَ نَظَرَهُ نَحْوَ السَّمَاءِ، وَبَارَكَ ثُمَّ كَسَّرَ الْأَرْغِفَةَ، وَأَعْطَى تَلَامِيذَهُ لِيُقَدِّمُوا إِلَيْهِمْ، وَقَسَّمَ السَّمَكَتَيْنِ لِلْجَمِيعِ، فَأَكَلَ الْجَمِيعُ وَشَبِعُوا، ثُمَّ رَفَعُوا مِنَ الْكِسَرِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ قُفَّةً مَمْلُوَّةً، وَمِنَ السَّمَكِ. وَكَانَ الَّذِينَ أَكَلُوا مِنَ الْأَرْغِفَةِ نَحْوَ خَمْسَةِ آلَافِ رَجُلٍ" (مرقس 6:35-44).
جاء المساء ومعه مسؤولية جديدة جعلت التلاميذ يتأففون في حيرتهم ويتشاورون على انفراد، إلى أن قرَّ رأيهم أخيراً أن يعرضوا على المسيح ما رأوه واجباً. لم يتعلّموا بعد أن يصبروا إلى أن يأخذوا التعلميات من سيدهم. وغفلوا عن أنه لا يحتاج إلى من يعلّمه أو يذكّره بما يجب أن يفعله. فهل اعتبروا أنفسهم أكثر شفقة منه، أو أدرى منه بما يقتضيه صالح هذا الجمهور وراحة المسيح وراحتهم؟
تقدم التلاميذ الاثنا عشر إلى المسيح وقالوا له: "الموضع خلاء والوقت مضى. اصرف الجموع لكي يمضوا إلى الضياع والقرى حوالينا فيبيتوا ويبتاعوا لهم طعاماً، لأننا ههنا في موضع خلاء. وليس عندهم ما يأكلون". يظهر أنهم خافوا أن يطالبهم الجمهور بحقوق الضيافة، وحسبوا أن هؤلاء الرجال والنساء والأطفال مع مرضاهم يتضّررون إذا دخل الليل عليهم في هذا الخلاء.
وهنا وجّه المسيح لفيلبس جوابه على هذا الكلام، وكان في صيغة سؤال عن مكان يوجد فيه طعام، كأنه يكلّف فيلبس بتدبير ما يلزم لهؤلاء الضيوف. سأله المسيح: "من أين نبتاع خبزاً ليأكل هؤلاء؟" لا ليستفهم، بل ليمتحن ويعلّم، لأنه كان يعلم جيداً ما سيفعل، لكنه أراد أن ينبّه تلاميذه إلى عجزهم وضعف إيمانهم. لأن درس التواضع درس أوّلي يجب أن يتعلموه.
كان فيلبس متنبّهاً إلى صعوبة الأمر من وجوه عديدة، فعمل حساباً بأن الخبز وحده يكلّف أكثر من مئتي دينار. فأين الدنانير؟ هل هي عند المسيح الذي ليس له أين يسند رأسه؟ وفضلاً عن ذلك: لو وجدوا الدنانير، فأين الوقت للذهاب إلى قرى عديدة لجَمع كمية كهذه، ولو من الخبز وحده والإتيان به، والشمس أوشكت أن تغرب؟ وفوق هذا كله: أين وسائل النقل لإحضار طعام يكفي الألوف؟ ويُلاحظ أيضاً أن حصة يسيرة من الخبز الحاف لا تقوم بضيافة يليق أن يقدمها شخص كالمسيح لضيوفه. بناء على هذا كله أجاب فيلبس المسيح: "لا يكفيهم خبز بمئتي دينار ليأخذ كل واحد منهم شيئاً يسيراً". وظن أن جوابه يقنع المسيح فيتبع نصيحة الرسل ويصرف الجمع. فكم كان عجبه لما أجابه المسيح "لا حاجة لهم أن يمضوا. أعطوهم أنتم ليأكلوا".
قال المسيح: "اعطوهم أنتم ليأكلوا" وهو يعلم أن ليس لديهم طعام، ليعلّمهم أن الذين يقصدون إفادة الآخرين يحتاجون إليه، إذ ليس لديهم ما يطعمون به نفوساً جائعة. وفي الوقت ذاته يشير إلى أن الله يختار الوسائط البشرية ليُجري مقاصده في العالم، لأنه لا يوزّع خيراته الروحية والزمنية رأساً، أو بواسطة الملائكة إلا نادراً - وذلك عندما لا توجد وسائط بشرية. وهذا القانون هو لخير الذين يقدمون والذين يأخذون معاً، إذ تنشأ بذلك رُبط المحبة بين المحسِن والمحسَن إليه، ويتنشط الذي يوزّع في ممارسة إنكار الذات وخدمة الآخرين.
لكن التلاميذ اعترضوا على أمر المسيح قائلين: "أنمضي ونبتاع خبزاً بمئتي دينار ونعطيهم ليأكلوا؟" فسأل: "كم رغيفاً عندكم؟ اذهبوا وانظروا". نبّههم بهذا الكلام إلى أن العمل الإلهي لا يُغني عن العمل البشري المستطاع، ولم يُرد أن يوجِد خبزاً من لا شيء، طالما يوجد شيء. فاستخدم أولاً الموجود بين أيديهم ليعلّمهم أن لا يطلبوا من الناس - حتى ولا من الله - عملاً يستطيعونه بالوسائط الطبيعية، لأن هذه دبرها لهم الله-فلا حق لهم في غيرها، إلا بعد الفراغ من استعمالها. اعتماد الإنسان على غيره في ما يستطيعه يُحسب دناءة، وانتظارُه أن الله يعمل ما يطلب منه هو يُعَدّ كسلاً وتواكلاً. فمتى عجز العمل الإنساني أو انتهى، يحقُّ طلب العمل الإلهي.
وكان أندراوس تلميذ المسيح الأول قد لاحظ غلاماً بين الجمهور (ربما كان يبيع طعاماً) معه خمسة أرغفة شعير وسمكتان. فأخبر المسيح عنه مع التحفُّظ قائلاً: "لكن ما هذا لمثل هؤلاء؟". ولم يقل المسيح بعد أن سمع بوجود هذا القليل: "اتركوه لأنه لا يستحق الذِّكر". ولا قال: "قدموها للجمع". بل قال: "إيتوني بها إلى هنا" ليعلمهم أنه هو مصدر الخير والبركة - هو الملك وصاحب الحق. وكل ما عندنا هو له، يتصرف فيه كما يشاء دون مُعارض.
ولما كان الترتيب من أبواب الرقي في الدين والدنيا، فلا نعجب من اهتمام المسيح به، فأمر أن يجعلوا الناس يتكئون فرقاً خمسين خمسين على العشب الأخضر. فلو توزَّع الطعام على هذه الألوف دون ترتيب، لداس بعضهم بعضاً، وتغلَّب القوي على الضعيف. وأخذ البعض كثيراً والبعض لم يأخذوا شيئاً. لكن بواسطة الترتيب يتمّ التوزيع بسرعة ولياقة وإنصاف، ويرى كل مفكرٍ في أمور الطبيعة، اهتمام الخالق بأمر الترتيب. استلم المسيح الأرغفة الخمسة والسمكتين، ثم رفع نظره نحو السماء وشكر. فعلَّم تلاميذه أن كل خير - حتى الطعام الذي نشتريه - هو عطية إلهية، وأننا يجب دائماً أن نقدم الشكر للمعطي الجواد عندما نتناول الطعام - ولا يجب أن نشكر في وقت الطعام فقط، بل نشكر عندما ننال أي نوع من الخيرات. لأن "كُلَّ عَطِيَّةٍ صَالِحَةٍ وَكُلَّ مَوْهِبَةٍ تَامَّةٍ هِيَ مِنْ فَوْقُ، نَازِلَةٌ مِنْ عِنْدِ أَبِي الْأَنْوَارِ" (يعقوب 1:17).
وبعد أن شكر المسيح بارك وكسر الأرغفة والسمكتين، ثم ناول الكسر التي باركها للرسل ليقدموها للمصطفّين فرقاً على البساط الأخضر. وفي هذا العمل علّمهم أن يطعموا غيرهم أولاً، ثم يأكلوا هم بعدهم، كما يجدر بالمؤمنين الأفاضل.
في أثناء التوزيع على هذا العدد الغفير حدثت معجزة الإكثار. قيل إنه "قسم السمكتين على الجميع بقدر ما شاءوا فأكلوا وشبعوا جميعاً". وليس ذلك فقط بل أن القطع التي لم تؤكل كانت أضعاف الموجود أصلاً.
بهذه المعجزة المؤثرة الغنية بالفوائد، علّم المسيح أتباعه أنه مستعد أن يأخذ خدمتهم الدينية الضعيفة، وكلامهم البسيط، ويضع فيها قوة وتأثيراً ليزيد فعلهما أضعاف فعلهما الطبيعي، لأنه يأخذ ما يقدَّم له ويزيده، ثم يعيده لمقدَّمه زائداً. فالنفوس والأجساد مع قواها ومواهبها ومعارفها ثم العائلة، ثم المقتنيات والأوقات والمساعي والأشغال كافة، إذا تكرَّست للمسيح، يقبلها ويباركها ويجعلها تزيد نمواً وفائدة. فأعظم تشجيع لفاعل الخير المتواضع، يأتيه من يقينه بأن الذي أشبع الألوف بالزاد القليل مستعدٌ أن يرافق خدمته الحقيرة ببركته الفياضة، فتفعل كثيراً.
بقي أن نتعلم درساً من اهتمام المسيح بالفضلات والكسر، لأنه يخشى أن يستخف تلاميذه بالكسر الفاضلة بعد المعجزة التي جرت أمام عيونهم. وأن يقولوا: هل يحتمل أن الذي أوجد من هذا القليل ما يكفي هذا العدد الكبير، يفكّر في فضلات الكسر الساقطة على العشب؟ نعم يسأل، لأن قانوناً من قوانين عنايته هو "لكي لا يضيع شيء".
لا تحقّرنّ صغير أمرٍ إنما تلك الصغار إلى الكبار دليل
بعد أن أطعم المسيح الجموع هتفوا له، وأرادوا أن يملّكوه عليهم - وكان ردُّ فعله الأول هو أنه فصل تلاميذه عن الجمهور المتحمّس لهذا العمل، وألزمهم أن يدخلوا السفينة، ويسبقوه إلى العبر، حتى يكون قد صرف الجموع. لم يسهُلْ عليهم ترك سيدهم أثناء نجاحه الباهر، وانتشار صيته، خصوصاً بعد أن ظهر لهم أن باب العظمة العالمية، والثروة الزمنية، قد فُتح أمامهم. وإن كان المسيح قد صرفهم بشيء من العنف، لأنهم رفضوا فكره، نراه يُتبع العنف باللطف، لأن البشير يذكر صريحاً أنه ودّعهم. ومع أنه سيفترق عنهم ساعات قليلة فإنه يودّعهم وداعاً حبياً يحقق لهم به عواطفه الحارة نحوهم.
وكان رد فعل المسيح الثاني أنه صرف الجمهور.
وكانت خطوته الثالثة انصرافه هو، وصعوده منفرداً إلى الجبل ليصلي. يذكّرنا فعل إبليس في أفكار الجمهور في هذا الوقت بالتجربة الثالثة العظيمة التي قدمها إبليس للمسيح في البرية قبل هذا بسنتين، لما وعده بكل ممالك العالم ومجدها. فإعادة هذه التجربة في ظروفه الحالية تستدعي صلاة خصوصية للآب لتلافي الأخطار الجديدة، ولذلك انصرف إلى الجبل منفرداً. ولما رأى الناس أن المسيح لم يسافر مع تلاميذه في السفينة راجعاً إلى وطنه في العبر، توقعوا رؤيته في ذلك المكان في الغد، فلم ينصرفوا إلى أماكنهم البعيدة.
وأما هو فمضى إلى الجبل وحده ليصلي، وما أكثر المرات التي كان فيها يختلي للصلاة. وفي المرة التي اختلى منفرداً ليصلي - بعد أن أطعم الخمسة الآلاف، كانت هناك أسباب دفعته لذلك - منها قَتْل يوحنا المعمدان، وظنُّ الجمهور أن مملكة المسيح من هذا العالم، فهي مملكة سياسية، وانقياد التلاميذ إلى هذا الضلال، وعلمه بأن أكثر الذين تظاهروا أنهم معه، سيتخلُّون عنه....
 
قديم 10 - 07 - 2017, 05:21 PM   رقم المشاركة : ( 18458 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,630

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

المسيح يمشي على الماء

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"وَبَعْدَمَا صَرَفَ الْجُمُوعَ صَعِدَ إِلَى الْجَبَلِ مُنْفَرِداً لِيُصَلِّيَ. وَلَمَّا صَارَ الْمَسَاءُ كَانَ هُنَاكَ وَحْدَهُ. وَأَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ قَدْ صَارَتْ فِي وَسَطِ الْبَحْرِ مُعَذَّبَةً مِنَ الْأَمْوَاجِ. لِأَنَّ الرِّيحَ كَانَتْ مُضَادَّةً. وَفِي الْهَزِيعِ الرَّابِعِ مِنَ اللَّيْلِ مَضَى إِلَيْهِمْ يَسُوعُ مَاشِياً عَلَى الْبَحْرِ. فَلَمَّا أَبْصَرَهُ التَّلَامِيذُ مَاشِياً عَلَى الْبَحْرِ اضْطَرَبُوا قَائِلِينَ: "إِنَّهُ خَيَالٌ". وَمِنَ الْخَوْفِ صَرَخُوا! فَلِلْوَقْتِ قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: "تَشَجَّعُوا! أَنَا هُوَ. لَا تَخَافُوا". فَأَجَابَهُ بُطْرُسُ: "يَا سَيِّدُ، إِنْ كُنْتَ أَنْتَ هُوَ، فَمُرْنِي أَنْ آتِيَ إِلَيْكَ عَلَى الْمَاءِ". فَقَالَ: "تَعَالَ". فَنَزَلَ بُطْرُسُ مِنَ السَّفِينَةِ وَمَشَى عَلَى الْمَاءِ لِيَأْتِيَ إِلَى يَسُوعَ. وَلكِنْ لَمَّا رَأَى الرِّيحَ شَدِيدَةً خَافَ. وَإِذِ ابْتَدَأَ يَغْرَقُ صَرَخَ: "يَا رَبُّ نَجِّنِي". فَفِي الْحَالِ مَدَّ يَسُوعُ يَدَهُ وَأَمْسَكَ بِهِ وَقَالَ لَهُ: "يَا قَلِيلَ الْإِيمَانِ، لِمَاذَا شَكَكْتَ؟" وَلَمَّا دَخَلَا السَّفِينَةَ سَكَنَتِ الرِّيحُ. وَالَّذِينَ فِي السَّفِينَةِ جَاءُوا وَسَجَدُوا لَهُ قَائِلِينَ: "بِالْحَقِيقَةِ أَنْتَ ابْنُ اللّهِ" (متى 14:22-33).
كان المسيح يصلي على الجبل وحده في الليل، بينما كان تلاميذه في السفينة، عندما وقع اضطراب في البحيرة، إذ هاج البحر من ريح عظيمة. وكانت السفينة معذبة من الأمواج لأن الريح كانت مضادة، لم يكن التلاميذ قد نسوا ما علمه المسيح في النوء قبل هذا الوقت بنحو نصف سنة، ولكنه كان وقتها معهم في السفينة. أما الآن فيخيفهم غيابه - فهل ظنوا يا ترى أن الذي يشفي العليل بكلمة، وعن بُعْد، يستطيع أن يحفظ ويعطي السلامة عن بُعْد أيضاً؟
ظلوا يصارعون الأمواج إلى قرب الصباح، دون أن يتمكنوا من عبور البحيرة. وعرف المسيح بعذابهم وهو في مخدع الصلاة الهادئ على الجبل. وهو المحب الذي لا يريد عذابهم إلا بمقدار ما يؤول لخيرهم. فلما رأى اضطرابهم والخطر عليهم، نزل من الجبل ومشى على البحر الهائج معتلياً أمواجه في هبوطها وارتفاعها، كأنها اليابسة، وهو مسرع للإفراج منهم.
هذا هو الكلمة "الذي كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ" (يوحنا 1:3) وقد وصفه بقوله: "الْبَاسِطُ السَّمَاوَاتِ وَحْدَهُ وَالْمَاشِي عَلَى أَعَالِي الْبَحْرِ" (أيوب 9:8). رفقاً بهم لم يتجه فوراً إلى السفينة لئلا يخيفهم، بل مرّ بقربهم كأنه يتجاوزهم. لا شك أنهم اعتادوا القصص الخرافية الدارجة في كل عصر، عن ظهور أشباح روحية مزعجة. والآن يشاهدون لأول مرة في حياتهم روحاً أو خيالاً، فصرخوا مرتعدين - لعلهم أرادوا أن يخيفوا هذا الخيال ليبتعد عنهم. ولكن أتى صدى صراخهم خلافاً لما انتظروا، لأن هذا الخيال أجابهم بصوت لا يُشتبه به، وبكلام مطمئن حبي قال: تشجعوا، أنا هو، لا تخافوا". ولا زال هذا الصوت الحنون المشجع يُسمع حينما يوجد مؤمن مضطرب من جراء هموم ومخاوف الحياة. ولا سيما متى كان انزعاجه نتيجة لثقل خطاياه ومخاوف الابتعاد الأبدي عن الله.
فلما اقترب المتكلم وعرفوه، تمنى بطرس الجسور أن يتشبّه بسيده في المشي على الماء، فصرخ: "يا سيد إن كنت أنت هو، فمُرْني أن آتي إليك على الماء". فهل يسمح له بما طلب، رغم قوله: "إن كنت أنت هو" خصوصاً بعد أن قال سيده: "أنا هو"؟ نعم، إذا كان بذلك يقدر أن يُري تلاميذه أن كل شيء مستطاع عند الله. فمتى شاء يمكّن الإنسان من فعل المستحيلات.
نجح بطرس في أول الأمر لأنه نزل من السفينة ومشى على الماء ليأتي إلى المسيح. لما كان فكره ونظره متجهيْن إلى المسيح لم يكن خائفاً، واستطاع أن يفعل المستحيل. لكن نجاحه أدّى إلى فشله، لأنه ابتدأ يفتكر بذاته ويفتخر بعمل لم يسبقه إليه أحد، فحوَّل فكره ونظره من المسيح إلى نفسه، فابتدأت الأمواج الهائجة ترعبه، وحالاً أخذ يغرق، ولم تفِدْه معرفته بالسباحة. وصار يحسد رفقاءه في السفينة، بعد أن كانوا هم يحسدونه لما مشى على الماء. صرخ: "يا رب نجني". ففي الحال مدّ المسيح يده وأمسك به ونشله. ثم وبخه بقوله: "يا قليل الإيمان، لماذا شككت؟". فصحَّ فيه كلام داود النبي: "نَشَلَنِي مِنْ مِيَاهٍ كَثِيرَة" (مزمور 18:16).
نجا بطرس من الغرق لأن المسيح أمسك به، لا هو بالمسيح. وهكذا نجاة الخاطئ عندما تكلُّ يداه وتغمض عيناه ويرتخي تمسكه بالمخلّص، فلا يرى أمامه إلا الهلاك. ولكن متى أدرك أن المخلص المقتدر الذي لا ينام يمسك به يحلُّ الرجاء عنده مكان اليأس.
لما ظن التلاميذ في السفينة أنهم رأوا خيالاً، صرخوا ليبعدُوه عنهم. أما الآن فقبلوا أن يدخل السفينة، فصعد إليهم وبمجرد دخوله إليها سكنت الريح وللوقت صارت السفينة إلى أرض جنيسارت، التي كانوا ذاهبين إليها. ويقول الإنجيل إن التلاميذ "لم يفهموا بالأرغفة، إذ كانت قلوبهم غليظة" فلما رأوا هذه المعجزة الثانية في اليوم الواحد بُهتوا وتعجبوا جداً - مع أن المسيح أسكت هذا البحر من أجلهم منذ بضعة أشهر. وحالما وصلوا إلى الشاطئ تقدموا وسجدوا له سجودهم الأول كجماعة قائلين: "بالحقيقة أنت ابن الله".
تعليم عن خبز الحياة

"وَفِي الْغَدِ لَمَّا رَأَى الْجَمْعُ الَّذِينَ كَانُوا وَاقِفِينَ فِي عَبْرِ الْبَحْرِ أَنَّهُ لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ سَفِينَةٌ أُخْرَى سِوَى وَاحِدَةٍ، وَهِيَ تِلْكَ الَّتِي دَخَلَهَا تَلَامِيذُهُ، وَأَنَّ يَسُوعَ لَمْ يَدْخُلِ السَّفِينَةَ مَعَ تَلَامِيذِهِ بَلْ مَضَى تَلَامِيذُهُ وَحْدَهُمْ - غَيْرَ أَنَّهُ جَاءَتْ سُفُنٌ مِنْ طَبَرِيَّةَ إِلَى قُرْبِ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَكَلُوا فِيهِ الْخُبْزَ، إِذْ شَكَرَ الرَّبُّ - فَلَمَّا رَأَى الْجَمْعُ أَنَّ يَسُوعَ لَيْسَ هُوَ هُنَاكَ وَلَا تَلَامِيذُهُ، دَخَلُوا هُمْ أَيْضاً السُّفُنَ وَجَاءُوا إِلَى كَفْرِنَاحُومَ يَطْلُبُونَ يَسُوعَ. وَلَمَّا وَجَدُوهُ فِي عَبْرِ الْبَحْرِ، قَالُوا لَهُ: "يَا مُعَلِّمُ، مَتَى صِرْتَ هُنَا؟" أَجَابَهُمْ يَسُوعُ وَقَالَ: "الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: أَنْتُمْ تَطْلُبُونَنِي لَيْسَ لِأَنَّكُمْ رَأَيْتُمْ آيَاتٍ، بَلْ لِأَنَّكُمْ أَكَلْتُمْ مِنَ الْخُبْزِ فَشَبِعْتُمْ. اِعْمَلُوا لَا لِلطَّعَامِ الْبَائِدِ، بَلْ لِلطَّعَامِ الْبَاقِي لِلْحَيَاةِ الْأَبَدِيَّةِ الَّذِي يُعْطِيكُمُ ابْنُ الْإِنْسَانِ، لِأَنَّ هذَا اللّهُ الْآبُ قَدْ خَتَمَهُ". فَقَالُوا لَهُ: "مَاذَا نَفْعَلُ حَتَّى نَعْمَلَ أَعْمَالَ اللّهِ؟" أَجَابَ يَسُوعُ: "هذَا هُوَ عَمَلُ اللّهِ: أَنْ تُؤْمِنُوا بِالَّذِي هُوَ أَرْسَلَهُ". فَقَالُوا لَهُ: "فَأَيَّةَ آيَةٍ تَصْنَعُ لِنَرَى وَنُؤْمِنَ بِكَ؟ مَاذَا تَعْمَلُ؟ آبَاؤُنَا أَكَلُوا الْمَنَّ فِي الْبَرِّيَّةِ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: أَنَّهُ أَعْطَاهُمْ خُبْزاً مِنَ السَّمَاءِ لِيَأْكُلُوا" (يوحنا 6:22-31).
عند شقّ فجر اليوم التالي، ابتدأ الجمهور الذي كان ينتظر المسيح في عبر البحر يفتش عنه. كانوا يعرفون أنه لم يدخل السفينة مع تلاميذه، بل صعد إلى الجبل وحده - وأنه لم تكن سفينة أخرى هناك تقلُّه إلى الشاطئ الجليلي. فقضى هذا الجمهور ليلة في البرية عازماً على العودة إلى الأوطان بموكب يقوده هذا النبي المقتدر بعد أن يرجع صباحاً من الجبل.
ولما وجدوه قد سبقهم تعجبوا من كيفية وصوله قبلهم. أما المسيح المترفّع عن الغايات الذاتية، فلم يكترث باحتفائهم به، ولم يذكر لهم معجزة مشيه على الماء تفسيراً لحيرتهم. ولما سألوه: "يا معلم، متى صرت هنا؟" أجابهم: "الحق الحق أقول لكم، أنتم تطلبونني ليس لأنكم رأيتم الآيات، بل لأنكم أكلتم من الخبز فشبعتم". كأنه يقول: "أنتم تطلبونني، ليس لأجل التعليم الروحي، قوت النفس الباقي، بل لأجل طعام الجسد البائد، مع أني قادر ومستعد أن أعطيكم الطعام الباقي للحياة الأبدية، لأني كابن الإنسان مختومٌ من الله الآب لهذا العمل". لقد فتحوا له الباب ليقدم لهم خطاباً عن خبز الحياة، هو من أعظم أحاديثه.
الذي يهُّمنا بالدرجة الأولى ما يكشفه لنا هذا الخطاب عن حقيقة شخصية المسيح، فقد أشار فيه ست مرات إلى ضرورة أكل جسده وشرب دمه، وكرر ثلاث عشرة مرة أنه نزل من السماء، وصرّح اثنتي عشرة مرة أنه هو الذي يهب الحياة للمؤمنين به، لأن الله أرسله مخلِّصاً. ويقول أربع مرات إنه يقيم المؤمنين به من الموت في اليوم الأخير. ثم ينفرد عن البشر في تسميته الله "أبي". وقال إنه قد رأى الآب وإنه هو الوحيد الذي رآه. فكيف يقدر مجرد بشر أن ينطق بأقوال كهذه؟ بل ما كان أكذبها لو لفظها رجلٌ ليس إلا كأحد الأنبياء. فالأمر واضحٌ إذاً أن المسيح قصد أن يفهم سامعوه أنه ليس مجرد بشر. ولأنه فهيم ومستقيم، لا بد من تصديقه.
كان من أصعب الأمور على سامعي المسيح من اليهود أن يقبلوا كلامه عن أكل جسده وشرب دمه، فخاصم بعضهم بعضاً بسبب هذا الكلام. فقد كان محرماً عندهم أكل اللحم بدمه، فلا بد أنهم اشمأزوا من ذكر شُرب دمه أضعاف اشمئزازهم من ذكر أكل جسده، فحقَّ للذين لم يعترفوا بأصله السماوي أن يتذمروا من كلامه هذا إذ يحسبون أنهم يعرفون جيداً أصله وأهله، فأيُّ حقٍ له بهذه الأقوال؟
يصحُّ تشبيه المسيح بالخبز من وجوه شتى. لأن لا حياة إلا به. ولا حياة به إلا بعد سحقه، ولا حياة بعد سحقه إلا بتخصيصه للنفس بفعل الإيمان الذي يشبّهه هو بالأكل. لكن السامعين أخذوا كلام المسيح هذا بالمعنى الحرفي فعثروا بسببه. وامتدَّت هذه العثرة إلى كثيرين من تلاميذه أيضاً. ولا يزال إلى الآن جمهور غفير نظيرهم يتقيّدون بالمعنى الحرفي.
وقد أيَّد صدق مثاله بإشارته إلى حادث قادم عجيب جداً. إذ تنبأ لهم لأول مرة عن صعوده إلى السماء، الذي سوف يشاهده كثيرون من تلاميذه المؤمنين. فيكون لهم حينئذ أفضل برهان على أنه نزل من السماء، فلا يمكن أن يتكلم إلا بالصدق. ثم حذرهم من التفسير الحرفي بقوله: "الروح هو الذي يحيي. أما الجسد فلا يفيد شيئاً. الكلام الذي أكلّمكم به هو روح وحياة".
قال المسيح لتلاميذه إنه يعرف ما في قلوبهم، فيقدر أن يميّز المؤمنين الحقيقيين من غيرهم. ويعرف أن إيمان بعض تلاميذه سطحي، وأن واحداً منهم سيسلّمه، وأنه مطَّلع على ذلك من البدء. وأشار إلى الكفارة التي أتى ليقدّمها عن الخاطئ بقوله إنه يبذل جسده من أجل حياة العالم. فجاء هذا الخطاب كحدٍّ فاصل بين احتفاء جماهير الجليل به، والرفض والعدوان الذي ما زال يعلو ويتفاقم، إلى أن طما فوق رأسه، وأغرقه بتعليقه على الصليب.
من هذا الوقت رجع كثيرون من تلاميذه إلى الوراء، ولم يعودوا يمشون معه. ولا يُستبعَد أن إيمان الاثني عشر تزعزع ولو قليلاً بسبب ارتداد هؤلاء، فاستحسن المسيح أن يفتح لهم باب الارتداد لكي يختاروا إمَّا أن يتركوه أو أن يجدّدوا التصاقهم به. لكن الاثني عشر أجابوه بفم بطرس سريعاً وصريحاً: "يا رب، إلى من نذهب؟ كلام الحياة الأبدية عندك. ونحن قد آمنّا وعرفنا أنك أنت المسيح ابن الله الحي". فمع فرحه بجواب بطرس حزن الرسول الخائن يهوذا الإسخريوطي، فقال مشيراً إليه: "أليس أني اخترتكم وواحد منكم شيطان؟".
 
قديم 10 - 07 - 2017, 05:23 PM   رقم المشاركة : ( 18459 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,630

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

طهارة القلب وطهارة الطقس

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"حِينَئِذٍ جَاءَ إِلَى يَسُوعَ كَتَبَةٌ وَفَرِّيسِيُّونَ الَّذِينَ مِنْ أُورُشَلِيمَ قَائِلِينَ: "لِمَاذَا يَتَعَدَّى تَلَامِيذُكَ تَقْلِيدَ الشُّيُوخِ، فَإِنَّهُمْ لَا يَغْسِلُونَ أَيْدِيَهُمْ حِينَمَا يَأْكُلُونَ خُبْزاً؟" فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: "وَأَنْتُمْ أَيْضاً، لِمَاذَا تَتَعَدَّوْنَ وَصِيَّةَ اللّهِ بِسَبَبِ تَقْلِيدِكُمْ؟ فَإِنَّ اللّهَ أَوْصَى قَائِلاً: أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ، وَمَنْ يَشْتِمْ أَباً أَوْ أُمّاً فَلْيَمُتْ مَوْتاً. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَقُولُونَ: مَنْ قَالَ لِأَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ: قُرْبَانٌ هُوَ الَّذِي تَنْتَفِعُ بِهِ مِنِّي. فَلَا يُكْرِمُ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ. فَقَدْ أَبْطَلْتُمْ وَصِيَّةَ اللّهِ بِسَبَبِ تَقْلِيدِكُمْ! يَا مُرَاؤُونَ! حَسَناً تَنَبَّأَ عَنْكُمْ إِشَعْيَاءُ قَائِلاً: يَقْتَرِبُ إِلَيَّ هذَا الشَّعْبُ بِفَمِهِ، وَيُكْرِمُنِي بِشَفَتَيْهِ، وَأَمَّا قَلْبُهُ فَمُبْتَعِدٌ عَنِّي بَعِيداً. وَبَاطِلاً يَعْبُدُونَنِي وَهُمْ يُعَلِّمُونَ تَعَالِيمَ هِيَ وَصَايَا النَّاسِ". ثُمَّ دَعَا الْجَمْعَ وَقَالَ لَهُمُ: "اسْمَعُوا وَافْهَمُوا. لَيْسَ مَا يَدْخُلُ الْفَمَ يُنَجِّسُ الْإِنْسَانَ، بَلْ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْفَمِ هذَا يُنَجِّسُ الْإِنْسَانَ". حِينَئِذٍ تَقَدَّمَ تَلَامِيذُهُ وَقَالُوا لَهُ: "أَتَعْلَمُ أَنَّ الْفَرِّيسِيِّينَ لَمَّا سَمِعُوا الْقَوْلَ نَفَرُوا؟" فَأَجَابَ: "كُلُّ غَرْسٍ لَمْ يَغْرِسْهُ أَبِي السَّمَاوِيُّ يُقْلَعُ. اُتْرُكُوهُمْ. هُمْ عُمْيَانٌ قَادَةُ عُمْيَانٍ. وَإِنْ كَانَ أَعْمَى يَقُودُ أَعْمَى يَسْقُطَانِ كِلَاهُمَا فِي حُفْرَةٍ". فَقَالَ بُطْرُسُ لَهُ: "فَسِّرْ لَنَا هذَا الْمَثَلَ". فَقَالَ يَسُوعُ: "هَلْ أَنْتُمْ أَيْضاً حَتَّى الْآنَ غَيْرُ فَاهِمِينَ؟ أَلَا تَفْهَمُونَ بَعْدُ أَنَّ كُلَّ مَا يَدْخُلُ الْفَمَ يَمْضِي إِلَى الْجَوْفِ وَيَنْدَفِعُ إِلَى الْمَخْرَجِ، وَأَمَّا مَا يَخْرُجُ مِنَ الْفَمِ فَمِنَ الْقَلْبِ يَصْدُرُ، وَذَاكَ يُنَجِّسُ الْإِنْسَانَ، لِأَنْ مِنَ الْقَلْبِ تَخْرُجُ أَفْكَارٌ شِرِّيرَةٌ: قَتْلٌ، زِنىً، فِسْقٌ، سِرْقَةٌ، شَهَادَةُ زُورٍ، تَجْدِيفٌ. هذِهِ هِيَ الَّتِي تُنَجِّسُ الْإِنْسَانَ. وَأَمَّا الْأَكْلُ بِأَيْدٍ غَيْرِ مَغْسُولَةٍ فَلَا يُنَجِّسُ الْإِنْسَانَ" (متى 15:1-20).
يتبادر إلى الذهن أن الحوادث الأخيرة شوّقت الرؤساء في أورشليم إلى رؤية المسيح، في هذا الفصح، لكي يجدوا عليه علّة لمحاكمته وإعدامه، لكن المسيح لم يصعد إلى هذا العيد. فلما خابت آمالهم أرسلوا بعض رجالهم ليراقبوه، حاسبين أنهم يتمكنون على الأقل من تحريك النفور في قلوب الشعب وكلامه وأفعاله.
لكن هذا الأمر لا يتم باتّهامه بأقل مخالفة للشريعة الإلهية، فلا سبيل لهم للوصول إلى غايتهم إلا فيما يختص بشرائعهم الإضافية، التي وضعها علماؤهم وتُسمى "تقليد الشيوخ".
اعتنى النظام الموسوي كثيراً بأمر النظافة لدواع صحية وأدبية وروحية، ليوجّه النظر إلى أهمية نظافة القلب الداخلية، بواسطة ما فيه من أوامر عن النظافة الجسدية. فلكي يعلّمهم عن تنجُّس النفس بالخطيئة، وضع الله نظاماً لليهود، من ضمنه أن التنجُّس الديني ينتج عن إهمال النظافة الخارجية. ونتج عن ذلك إفراز شعب الله الخاص عن الأمم من حولهم، لصيانتهم من اقتباس عادات الأمم السيئة، وعبادتهم الباطلة.
أما التقليديون فحوّلوا هذا النظام إلى نيرٍ ثقيل، إذ بنوا عليه اختراعاتهم السخيفة العديدة. فقد أفتى ربيُّهم الشهير "يوسي" أن خطيئة الأكل بأيدٍ غير مغسولة تعادل خطيئة الزنا. وقالوا إن من يهمل هذا الواجب يتسلط عليه شيطان يسمى "شيتا" ليلاً على فراشه. وقيل إن حاخامهم الشهير أكيبا سُجن مرة وكان يُعطي في سجنه مقداراً قانونياً من الماء يكفي بالكاد غسلاته وشربه. فلما أتاه السجان يوماً بما لا يكفي الاحتياجين ارتبك كثيراً. وأخيراً قرر أن يترك الشرب ليُتِمُّ الاغتسال قائلاً: "أفضِّل الموت على مخالفة سُنَّة أجدادي". وكان عليهم أن يجلبوا الماء اللازم للغسلات في أوانها، ولو عن بُعد ساعة ونصف.
ولا يمكن أن المسيح كمصلح ومعلم يجاري الرؤساء في هذه الأباطيل، كما أن شعوره الرقيق لا يسمح له أن يؤيد الحرم الكبير الذي كانوا يوقّعونه على من يهمل الغسلات المفروضة. فلما رفض الرضوخ لهذه الفرائض البشرية، عمل تلاميذه (أو بعضهم) مثله. ولاحظ المراقبون الذين حضروا من أورشليم هذه المخالفة فانتهزوا الفرصة لتعنيفه. فلما وجهوا سؤالهم إليه انتقاداً على تلاميذه - وهو يعلم نواياهم الخبيثة - أجابهم حالاً: "يا مراؤون".
لم يضرب المسيح على نوع من الشر بمقدار ما ضرب على شر الرياء. وقد وجّه إلى المرائين توبيخاته. والعالم اليوم في حاجة إلى مصلحين ينهجون سبيل المسيح في محاربة هذه الآفة المهلكة، وإلى مجتهدين في طرد هذا الشيطان الخبيث من الدوائر الدينية، لكي تتفق ظواهر أهل الدين تماماً مع بواطنهم. عندها يلبس الدين هيبة جديدة، ويتمجد الإله الذي من أسمى أسمائه "الحق".
نكاد لا نجد في كلام المسيح ما يجوز تسميته تهكُّماً، لأنه لم يستعمل المزح مطلقاً، لكنه في هذا الوقت قال للرؤساء تهكّماً: "حسناً رفضتم وصية الله لتحفظوا تقليدكم!" ونبههم على تشبُّثهم بالأمور الطفيفة، وتساهلهم بالأمور العظيمة، كالغسلات التي يفتكرون بها الآن. هي كالقذى في أعين تلاميذه أو كالبعوضة، لأنها فرائض بشرية ثانوية. وبينما يتشبّثون بها يجهلون الشرائع الإلهية الجوهرية، كالرحمة والحق التي شبّهها المسيح بالخشبة الكبيرة أو بالجمل. لذلك هم كمن يبلع الجمل ويصفّي عن البعوضة، أو الذي يطلب إخراج القذى من عين أخيه والخشبة في عينه.
ومع أن التلاميذ تشبّهوا بالمسيح في إهمال الغسلات المفروضة، لكنهم لم يفهموا المبدأ المُتَّبع في ذلك، فقالوا له: "أتعلم أن الفريسيين لما سمعوا القول نفروا؟". ولما تركوا الجمع ودخلوا البيت سألوه تفسير ما قاله، فوبخهم بقوله: "هل أنتم أيضاً حتى الآن غير فاهمين؟". لكنه أوضح لهم الأمر باختصار إذ قال: "كل ما يدخل فم الإنسان من خارج، لا يقدر أن ينجسه، وأما ما يخرج من الفم فمن القلب يصدر، وذلك ينجس الإنسان. لأنه من داخل، من قلوب الناس، تخرج الأفكار الشريرة: قتل زنى فسق سرقة خبث مكر عهارة عين شريرة شهادة زور تجديف كبرياء جهل. جميع هذه الشرور تخرج من الداخل. هذه هي التي تنجس الإنسان. وأما الأكل بأيدٍ غير مغسولة فلا تنجس الإنسان".
 
قديم 10 - 07 - 2017, 05:32 PM   رقم المشاركة : ( 18460 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,630

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

المسيح يبشر الوثنيين

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
جاء المسيح مخلصاً للعالم كله، وكما قدَّم خدمته لبني إسرائيل قدم خدمته للوثنيين من الأمم، فاتجه إلى البلاد الفينيقية - وفي هذا جملة فوائد: فبانتقاله إلى بلاد أممية يحصل هو وتلاميذه على بعض الراحة الجسدية والعقلية، لأن الازدحام عليه يخفُّ بين أناس يجهله أكثرهم. وينال أيضاً غايته إذ يتفرغ لتعليم تلاميذه استعداداً لتركهم، فبرؤيتهم بلاداً جديدة تتّسع مداركهم، ويبتدئ فيهم الاستعداد لوصيته الوداعية أن "يتلمذوا جميع الأمم ويكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها" (متى 28:18). وسيرون في هذه السياحة شاهداً جديداً على صدق نبوّته لما قال في مسامعهم: "يَأْتُونَ مِنَ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ وَيَتَّكِئُونَ مَعَ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ" (متى 8:11). فيعلمهم بالمشاهدة أن الدين ليس بالإرث بل بالإيمان. لذلك انصرف معهم إلى نواحي صور وصيدا، أفضل وأشهر البلاد الفينيقية.
وهناك دخل المسيح بيتاً وهو لا يريد أن يعلم أحد، فلم يقدر أن يختفي. إذ كيف يمكن أن تختفي الرائحة الذكية التي كانت تفوح من شخصه الكريم؟ كان قد وصل إلى هذه الأصقاع شيء من أخبار محبته وقدرته، لأن بعض أهلها كانوا قد ذهبوا إليه سابقاً إلى كفر ناحوم. ويستحيل أن مسافراً مهوباً مثل المسيح يدخل قرية يرافقه تلاميذه إلا ويسأل الناس عن أمره. فسمعت به امرأة واقعة في مصيبة عظيمة، إذ كانت ابنتها مجنونة جداً، لأن بها روحاً نجساً.
إيمان المرأة الفينيقية

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"ثُمَّ قَامَ مِنْ هُنَاكَ وَمَضَى إِلَى تُخُومِ صُورَ وَصَيْدَاءَ، وَدَخَلَ بَيْتاً وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ لَا يَعْلَمَ أَحَدٌ، فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَخْتَفِيَ، لِأَنَّ امْرَأَةً كَانَ بِابْنَتِهَا رُوحٌ نَجِسٌ سَمِعَتْ بِهِ، فَأَتَتْ وَخَرَّتْ عِنْدَ قَدَمَيْهِ. وَكَانَتْ الْمَرْأَةُ أُمَمِيَّةً، وَفِي جِنْسِهَا فِينِيقِيَّةً سُورِيَّةً - فَسَأَلَتْهُ أَنْ يُخْرِجَ الشَّيْطَانَ مِنِ ابْنَتِهَا. وَأَمَّا يَسُوعُ فَقَالَ لَهَا: "دَعِي الْبَنِينَ أَوَّلاً يَشْبَعُونَ، لِأَنَّهُ لَيْسَ حَسَناً أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلَابِ". فَأَجَابَتْ وَقَالَتْ لَهُ: "نَعَمْ يَا سَيِّدُ! وَالْكِلَابُ أَيْضاً تَحْتَ الْمَائِدَةِ تَأْكُلُ مِنْ فُتَاتِ الْبَنِينَ". فَقَالَ لَهَا: "لِأَجْلِ هذِهِ الْكَلِمَةِ اذْهَبِي. قَدْ خَرَجَ الشَّيْطَانُ مِنِ ابْنَتِكِ". فَذَهَبَتْ إِلَى بَيْتِهَا وَوَجَدَتِ الشَّيْطَانَ قَدْ خَرَجَ، وَالِابْنَةَ مَطْرُوحَةً عَلَى الْفِرَاشِ" (مرقس 7:24-30).
كانت المرأة الفينيقية وشعبها يحتقرون اليهود، ولكنها سجدت عند قدمي المسيح، وصرخت باحترام قائلة: "يا سيد". ربما فهمت أنه أشرف عائلة عند اليهود، أو علمت أن مسيح اليهود يكون ابن داود، فظنت أنها تعظّمه وتسرُّه بمناداتها إياه: "يا سيد، يا ابن داود". لكن لو صَدَقَ ظنُّ اليهود عنه أنه ابن داود فقط، والمسيح الذي تصوروه، فلن ينفعها بشيء، لأنه يكون مخلصاً سياسياً عالمياً لا يبالي إلا باليهود، ويرفض جميع الأمم، عبدَة الأصنام نظيرها، لأنه يعتبرهم كالكلاب المكروهة المطرودة، فطلبت منه الرحمة. لكنها لم تقل: ارحم ابنتي بل "ارحمني". لأن ابنتها المجنونة لا تشعر ولا تهتم لمصيبتها. لكن الأمومة جعلت مصيبة الأم جسيمة جداً.
أكرمت المرأة الفيقيقية المسيح وسجدت له، واستنجدت به بحرارة، لكنه لم يجبها بكلمة. وظهر أنه خرج من البيت متوجّهاً إلى مكان آخر، فتبعته مكررة صراخها وهو لا ينتبه إليها، لكنها لم تيأس. لعلها رأت فيه ما حقَّق لها على رغم سكوته أن صيته في الحنوّ ليس كاذباً، وأنها تحصل بواسطة اللجاجة على بركة منه. ولعل سكوته ناتج من اشتغال أفكاره في أمور أخرى أهم من أمرها. يكفي أنه لم يضجَرْ من صراخها ولم ينتهره. وتضايق التلاميذ من إلحاحها، فطلبوا من المسيح أن يعطيها طلبها، لكنه قال لهم: "لم أُرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة".
لكن كيف يخصص مخلص العالم ذاته لخراف بيت إسرائيل فقط؟ الجواب: أن المسيح قرر أن يبدأ خدمته بتبشير اليهود، لأن عندهم مواعيد الله. ولو خرج المسيح للكرازة بين الأمم، لرفض اليهود الإصغاء إليه. ولم يشأ أن يخدم اليهود والأمم معاً، لأن الفرصة ضيقة لا تكفي لتبشير اليهود والأمم أيضاً. كما أنه كان يدرب تلاميذه ليحملوا بشارته للجميع من يهود وأمم.
قيل حقاً إن الريح التي تطفئ الفتيلة، تزيد الحريق الكبير اضطراماً، فالصدمة التي تطفئ الإيمان الضعيف تزيد الإيمان القوي قوة. فنرى هذه المرأة تتقدم وتجدد استنجادها، كأن الرفض يزيد قوة إيمانها، فسجدت ثانية وصرخت: "أعنّي". كان مفعول هذه الكلمة الواحدة البسيطة الصادرة من قلب ملتهب، أعظم من كل الصلوات الفصيحة التي تقدمت في الهيكل العظيم في ذلك اليوم. أفلا يترأف الآن هذا السيد الصارم؟ ألا يكفي هذا القدر من احتراق قلبها؟ لأن هذا الرؤوف يريد أن يعطيها مجداً أعظم، بعد تزكية إيمانها بامتحان جديد أمرّ من الأول، إذ قال لها: "دعي البنين أولاً يشبعون. ليس حسناً أن يؤخذ خبز البنين ويُطرح للكلاب؟ ألا يشك من يقرأ هذا الجواب أنه من اختلاق وتزوير أحد مبغضي المسيح؟ أيحتمل أن يخرج كلامٌ كهذا من فم ذلك الذي أحب العالم بأسره كبيره مع صغيره، وأميره مع فقيره، صالحه مع شريره حتى بذل نفسه عنهم جميعاً؟
الإجابة: كلا! فقد أراد المسيح بهذه الكلمات أن يفتح عيني هذه السيدة إلى حقيقة روحية خفيت عنها. نظرت هذه المرأة إليه كابن داود. ومسيح اليهود وحدهم، وإذ ذاك لا نصيب لها مطلقاً في عطاياه وبركاته. ولا يقدر أن يجعل لها هذا النصيب إلا بعد أن تعرفه وتعترف به مسيحاً للأمم أيضاً. ففتح لها بجوابه القاسي باباً تصل منه إلى هذه المعرفة وهذا الاعتراف.
ففي تواضعها العظيم مع احتياجها الكبير، عادت تطالبه بإلحاح. ألم يقل لها: "دعي البنين أولاً يشبعون؟" إذاً الكلاب تأخذ دورها بعد البنين! فجعلت المسيح بوضعه إياها بين الكلاب، يعترف أن لها حقوقاً، لأن أب البنين حول المائدة، هو أيضاً رب الكلاب تحت المائدة. فإنْ كانت هي من الكلاب، فللكلاب أرباب، وهو إذاً ربها. ولها الفتات الفاضلة عن البنين.
في إيمانها هذا أعطت مثالاً يوضح شيئاً عن الإيمان. لو كان إيمانها الإيمان العقلي فقط - نظير إيمان كثيرين، لأقنعتها معاملة المسيح أن تتركه وأن لا نصيب لها عنده. لكن لأن إيمانها قلبي، نظر إلى وراء الظواهر، وتأكد أن المسيح لا يردّ طلب مستغيث ولو أجَّل الإغاثة، فإذا به يلبّي طلبها اللجوج بقوله: "يا امرأة، عظيم إيمانك. ليكن لك كما تريدين. ولأجل هذه الكلمة اذهبي. قد خرج الشيطان من ابنتك". هذا المسيح العظيم الذي لم يرضخ البتة في كل مناقشاته مع فلاسفة اليهود بل كان يلجمهم بأجوبته السديدة، ويريهم بُعدهم عن ملكوت الله، يتنازل الآن ويرضخ بحِلْم عجيب لهذه المسكينة في احتياجها إليه، ويبيّن قُربها لهذا الملكوت.
فائدة للتلاميذ
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


نلاحظ أيضاً أن التلاميذ حصلوا على نتيجة في هذا الإمتحان، لأنهم رأوا أمامهم مثالاً لخراف هذا الراعي العظيم، التي ليست من الحظيرة اليهودية (يوحنا 10:16) بعضها يفوق الخراف اليهودية في المواهب الروحية. قد تعوّدوا أن يسمعوا من المسيح تأنيباً بقوله لهم مراراً: "يا قليلي الإيمان". ولما كاد بطرس يغرق وبّخه قائلاً: "يا قليل الإيمان، لماذا شككت؟". فأيُّ خجل يغمرهم جميعاً إذ سمعوا سيدهم يقول مبتهجاً لهذه الوثنية المعدومة الوسائط الدينية: "عظيم إيمانك. ليكن لك كما تريدين!"
استجابة الصلاة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
ويرينا هذا الحادث أن استجابة الصلاة لا تتوقف على مقام الطالب كما يتوهم كثيرون، بل على روحه في الطلب. ظهر هذا لما أتي للمسيح يوماً تلميذاه الممتازان يعقوب ويوحنا الحبيب مع والدتهما، التي كانت ترافقهم وتخدمهم من مالها، وطلبوا منه شيئاً، فلم يسمع لهما، أما الآن فاستجاب لهذه الفينيقية الغريبة العديمة المقام. قد رأينا فيما سبق تلاميذ كثيرين في وطن المسيح يرتدُّون عنه. لكن تلك الخسارة - وإن كان ظاهرها عظيماً - لا توازي ربحه هذه النفس النادرة المثال، التي انضمَّت إليه في القرية الوثنية، في نواحي صور وصيداء.
كرازة في المدن العشر

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"ثُمَّ خَرَجَ أَيْضاً مِنْ تُخُومِ صُورَ وَصَيْدَاءَ، وَجَاءَ إِلَى بَحْرِ الْجَلِيلِ فِي وَسْطِ حُدُودِ الْمُدُنِ الْعَشْرِ" (مرقس 7:31).
ثم سافر المسيح من جهات صور وصيداء شرقاً إلى مقاطعة ديكابوليس (أي العشر المدن)، في الجولان. وكانت هذه البلاد عظيمة بالتمدُّن اليوناني، وتجارتها الواسعة. ولم تكن تابعة لحكم هيرودس أنتيباس وسلطته الجائرة، كما كانت بعيدة عن سلطة رؤساء اليهود التي هي أشدُّ خطراً على المسيح. وكان قد قضى قبلاً في هذه المقاطعة ساعات قليلة عندما أخرج الشيطان من "لجئون". وعلى ما نرى أن عمل هذا الرجل أثّر في تلك المقاطعة، حتى لما جاء المسيح وصعد إلى جبل وجلس، جاء إليه جموع كثيرة مع عُرج وعُمي ومشلولين وخُرس وآخرون كثيرون وطرحوهم عند قدمي المسيح فشفاهم.
شفاء الأصم الأعقد
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


"وَجَاءُوا إِلَيْهِ بِأَصَمَّ أَعْقَدَ، وَطَلَبُوا إِلَيْهِ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ. فَأَخَذَهُ مِنْ بَيْنِ الْجَمْعِ عَلَى نَاحِيَةٍ، وَوَضَعَ أَصَابِعَهُ فِي أُذُنَيْهِ وَتَفَلَ وَلَمَسَ لِسَانَهُ، وَرَفَعَ نَظَرَهُ نَحْوَ السَّمَاءِ وَأَنَّ وَقَالَ لَهُ: "إِفَّثَا". أَيِ انْفَتِحْ. وَلِلْوَقْتِ انْفَتَحَتْ أُذْنَاهُ، وَانْحَلَّ رِبَاطُ لِسَانِهِ، وَتَكَلَّمَ مُسْتَقِيماً. فَأَوْصَاهُمْ أَنْ لَا يَقُولُوا لِأَحَدٍ. وَلكِنْ عَلَى قَدْرِ مَا أَوْصَاهُمْ كَانُوا يُنَادُونَ أَكْثَرَ كَثِيراً. وَبُهِتُوا إِلَى الْغَايَةِ قَائِلِينَ: "إِنَّهُ عَمِلَ كُلَّ شَيْءٍ حَسَناً! جَعَلَ الصُّمَّ يَسْمَعُونَ وَالْخُرْسَ يَتَكَلَّمُونَ" (مرقس 7:32-37).
ورد بتفصيل من بين حوادث الشفاء في صور وصيدا حادث شفاء أصم أعقد جاءوا به محمولاً، إمَّا لعجزهم عن إفهامه ما يقصدونه له، أو لكونه مختل العقل أو معتل الجسم. فهذا الأصم الأعقد لم يسمع كغيره من المسيح ولا عنه، فقصد المسيح أن يحرك فيه عاطفة الإيمان الضرورية في كل عليل يشفيه. ولكي يكلمه كلاماً روحياً انفرد به عن الجمع، ثم وضع أصابعه في أذنيه كأنه يفتح فيهما باباً للسمع. وتفل ولمس لسانه. بهذه الحركات البسيطة أحيا فيه إيماناً جديداً، وأيّد مبدأ استعمال كل ما يمكن من الوسائط الملائمة.
بقي عليه تحويل أفكار هذا المسكين إلى الإله مصدر كل الخيرات، ليعلم مِنْ حيث يأتي عونه. فرفع يسوع نظره نحو السماء (مظهراً بذلك تعلُّقه الكامل بالآب) و"أنَّ" - لعله جمع في أنّته أنين الخلق أجمع، ورفع شاكياً مصائبهم التي لا تُحصى إلى الآب السماوي، طالباً منه الرحمة لجميع المصابين بالعلل الجسدية، لأنه هو الذي قيل عنه "فِي كُلِّ ضِيقِهِمْ تَضَايَقَ" (إشعياء 63:9). ثم أمر العليل بلغته الأرامية قائلاً: "إفّثا" أي "انفتح" فانحلَّ رباط لسانه وتكلم مستقيماً. فتمَّ قول النبي "آذَانُ الصُّمِّ تَتَفَتَّحُ" (إشعياء 35:5).
كانت مناظر الشفاء جديدة عند أكثر هذا الجمهور، وعرفوا أن المسيح من بني إسرائيل وليس وثنياً نظيرهم. وأن آلهتهم التي كانوا يفتخرون بها ويتكلون عليها لا تستطيع شيئاً من هذا الذي كان المسيح يصنعه. فلذلك عندما "تعجبوا وبُهتوا للغاية" صاروا يمجدون المسيح قائلين: "إنه عمل كل شيء حسناً". وهذه الشهادة إنه يعمل كل شيء حسناً يقدمها الملايين من الناس الذين على توالي الأجيال والقرون، يأتون إليه ويتخذونه لأنفسهم المخلص والمدبّر في حياتهم اليومية.
إطعام أربعة آلاف وثني

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ إِذْ كَانَ الْجَمْعُ كَثِيراً جِدّاً، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَا يَأْكُلُونَ، دَعَا يَسُوعُ تَلَامِيذَهُ وَقَالَ لَهُمْ: "إِنِّي أُشْفِقُ عَلَى الْجَمْعِ، لِأَنَّ الْآنَ لَهُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يَمْكُثُونَ مَعِي وَلَيْسَ لَهُمْ مَا يَأْكُلُونَ. وَإِنْ صَرَفْتُهُمْ إِلَى بُيُوتِهِمْ صَائِمِينَ يُخَوِّرُونَ فِي الطَّرِيقِ، لِأَنَّ قَوْماً مِنْهُمْ جَاءُوا مِنْ بَعِيدٍ". فَأَجَابَهُ تَلَامِيذُهُ: "مِنْ أَيْنَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُشْبِعَ هؤُلَاءِ خُبْزاً هُنَا فِي الْبَرِّيَّةِ؟" فَسَأَلَهُمْ: "كَمْ عِنْدَكُمْ مِنَ الْخُبْزِ؟" فَقَالُوا: "سَبْعَةٌ". فَأَمَرَ الْجَمْعَ أَنْ يَتَّكِئُوا عَلَى الْأَرْضِ، وَأَخَذَ السَّبْعَ خُبْزَاتٍ وَشَكَرَ وَكَسَرَ وَأَعْطَى تَلَامِيذَهُ لِيُقَدِّمُوا، فَقَدَّمُوا إِلَى الْجَمْعِ. وَكَانَ مَعَهُمْ قَلِيلٌ مِنْ صِغَارِ السَّمَكِ، فَبَارَكَ وَقَالَ أَنْ يُقَدِّمُوا هذِهِ أَيْضاً. فَأَكَلُوا وَشَبِعُوا، ثُمَّ رَفَعُوا فَضَلَاتِ الْكِسَرِ: سَبْعَةَ سِلَالٍ. وَكَانَ الْآكِلُونَ نَحْوَ أَرْبَعَةِ آلَافٍ. ثُمَّ صَرَفَهُمْ" (مرقس 8:1-9).
أجرى المسيح معجزة إشباع خمسة آلاف نفس في الجليل - وأجرى معجزة أخرى لإشباع أربعة آلاف نفس في دائرة ديكابوليس أي (المدن العشر) وهي من البلاد الوثنية.
اجتمع الناس هناك من حول المسيح في البرية، وطال اجتماعهم به ثلاثة أيام حتى نفد الزاد، لأن قوماً جاءوا من بعيد. فحمله إشفاقه على تكرار إشباع الجمهور بمعجزة. وإشفاق المسيح هذا يرافق كل فرد من البشر من مهده إلى لحده. كان كلامه الحنون: "لست أريد أن أصرفهم إلى بيوتهم صائمين لئلا يخوروا في الطريق". لا يسعنا إلا أن نستغرب تكرار التلاميذ اعتذارهم بالعجز في صيف ذات السنة التي في ربيعها أشبع المسيح جَمْعاً أكثر بشيء زهيد من الطعام. غير أن المسيح بكّتهم بعد قليل على نسيان المعجزتين معاً وعدم استفادتهم منهما. فالشكوك الحاضرة تولّد نسيان المراحم الماضية.
شفاء أعمى وثني

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"وَجَاءَ إِلَى بَيْتِ صَيْدَا، فَقَدَّمُوا إِلَيْهِ أَعْمَى وَطَلَبُوا إِلَيْهِ أَنْ يَلْمِسَهُ، فَأَخَذَ بِيَدِ الْأَعْمَى وَأَخْرَجَهُ إِلَى خَارِجِ الْقَرْيَةِ، وَتَفَلَ فِي عَيْنَيْهِ، وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِ وَسَأَلَهُ هَلْ أَبْصَرَ شَيْئاً؟ فَتَطَلَّعَ وَقَالَ: "أُبْصِرُ النَّاسَ كَأَشْجَارٍ يَمْشُونَ". ثُمَّ وَضَعَ يَدَيْهِ أَيْضاً عَلَى عَيْنَيْهِ، وَجَعَلَهُ يَتَطَلَّعُ. فَعَادَ صَحِيحاً وَأَبْصَرَ كُلَّ إِنْسَانٍ جَلِيّاً. فَأَرْسَلَهُ إِلَى بَيْتِهِ قَائِلاً: "لَا تَدْخُلِ الْقَرْيَةَ، وَلَا تَقُلْ لِأَحَدٍ فِي الْقَرْيَةِ" (مرقس 8:22-26).
زادت هذه المعجزة في انتشار شهرة المسيح في هذه البلاد الجديدة، فاضطر أن يغادرها تخلّصاً من الازدحام، فدخل السفينة مع تلاميذه وجاء إلى تخوم مجدل ودلمانوثة المجاورة لها. ولما وصل إلى بيت صيدا يولياس، على جانب البحيرة الشرقي، حيث أشبع الخمسة الآلاف، أتوه بأعمى ليشفيه باللمس، فلم يقبل أن يعيّنوا له أسلوب الشفاء. لكنه استجاب طلبهم وشفاه على الأسلوب الذي استحسنه هو. أخرجه إلى خارج القرية، وبينما كان الأعمى ينتظر متحيّراً ماذا يفعل المسيح أو ماذا يطلب منه، تفل المسيح في عينيه ووضع على كل عين يداً، فأبصر الناس كأشجار يمشون - أي أتاه البصر على قدر إيمانه - ولما زاد إيمانه بعد البصر القليل كرر المسيح وضع يديه على عينيه، فأتاه البصر الكامل. وبذلك مثَّل الذين يستنيرون تدريجياً في الأمور الروحية. فإن استعملوا النور القليل الذي لهم، تكون النتيجة ازدياد النور "فَإِنَّ مَنْ لَهُ سَيُعْطَى وَيُزَادُ" (متى 13:12).
 
موضوع مغلق

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:23 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024