منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 19 - 01 - 2025, 05:33 PM   رقم المشاركة : ( 184301 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,293,539

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


يارب عميق علاقتنا معك.

إنها مثل الشروع في رحلة البحث
عن كنز حيث الخريطة مرسومة بالإيمان
آمين
 
قديم 19 - 01 - 2025, 05:34 PM   رقم المشاركة : ( 184302 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,293,539

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


يارب زدنا من الكنوز

التى هي حِكَم الله الخفية
آمين
 
قديم 19 - 01 - 2025, 05:35 PM   رقم المشاركة : ( 184303 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,293,539

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


يارب نطلب منك أن تنير طريقنا بحكمتك الإلهية

آمين
 
قديم 19 - 01 - 2025, 05:36 PM   رقم المشاركة : ( 184304 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,293,539

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


يارب فك تعقيدات الحياة

وأجعلنا نفهم هدفنا من منظورك
آمين
 
قديم 19 - 01 - 2025, 06:27 PM   رقم المشاركة : ( 184305 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,293,539

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

Rose رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




شهادة المجتمع



إذ أكد الحكيم أن "لكل شيء زمان" [1]، حتى دينونة الصالح والطالح لها زمانها الخاص، فإن وجود الظلم في العالم لهو دليل على بطلان هذه الحياة، وإن كان وجود هذا الظلم لا يعني أن الحياة تسير اعتباطًا بلا ضابط إلهي أو بلا عناية إلهية.
لقد كشف الكاتب عن رقة مشاعره نحو دموع المظلومين، مشتهيًا الموت عن رؤيته للظلم، وفي نفس الوقت حذر من الأنانية كباعث جوهري للظلم، وكشف عن بركات الصداقة الحقة والمشاركة مقابل مخاطر الأنانية.

1. الظلم والتجرد من الإنسانية:

1 ثُمَّ رَجَعْتُ وَرَأَيْتُ كُلَّ الْمَظَالِمِ الَّتِي تُجْرَى تَحْتَ الشَّمْسِ: فَهُوَذَا دُمُوعُ الْمَظْلُومِينَ وَلاَ مُعَزّ لَهُمْ، وَمِنْ يَدِ ظَالِمِيهِمْ قَهْرٌ، أَمَّا هُمْ فَلاَ مُعَزّ لَهُمْ. 2 فَغَبَطْتُ أَنَا الأَمْوَاتَ الَّذِينَ قَدْ مَاتُوا مُنْذُ زَمَانٍ أَكْثَرَ مِنَ الأَحْيَاءِ الَّذِينَ هُمْ عَائِشُونَ بَعْدُ. 3 وَخَيْرٌ مِنْ كِلَيْهِمَا الَّذِي لَمْ يُولَدْ بَعْدُ، الَّذِي لَمْ يَرَ الْعَمَلَ الرَّدِيءَ الَّذِي عُمِلَ تَحْتَ الشَّمْسِ.

يعلن الجامعة أن القهر هو سمة كل أعمال الإنسان [1]؛ ويظهر المقهورون عاجزين عن التصرف، فيمزق صراخهم قلب الجامعة. كان سليمان رقيق المشاعر جدًا فلم يحتمل دموع المظلومين، حاسبًا الأموات أكثر غبطة من الأحياء الذين يرون الظلم سائدًا في العالم، والسقط الذي لا يولد بل يموت كجنين في أحشاء أمه هو أكثر غبطة من الكل، لأنه "لم يَر العمل الرديء الذي عُمل تحت الشمس" [3].
لم يكن الجامعة متشائمًا في اشتهائه الموت، وإنما كان رقيقًا كل الرقة، لا يحتمل معاينة المظلومين، متشبهًا بسيِّده القائل: "حوِّلي عني عيناكِ فإنهما غلبتاني" (نش 6: 5)... وربما خشيَ الجامعة نفسه لئلاَّ يُشارك الكل الظلم ويكون ساقطًا فريسة له.
يعبِّر القديس أمبروسيوسعن مشاعر الجامعة الذي اشتهى الموت عن معاينة الظلم، قائلًا: [يؤكد الجامعة أن المولود ميتًا أفضل من المتقدم في العمر، لأنه لم يَر الشرور التي حلَّت في هذا العالم. إنه لم يأتِ إلى تلك الظلمة، ولم يمشِ في بطلان العالم، لذا فإن من لم يأتِ إلى تلك الحياة هو في أكثر راحة من الذي جاء إليها. حقًا، ما هو خير الإنسان في هذه الحياة؟ إنه يحيا في ظلام ولا يشبع في رغباته، وإذا ما أُتخم بالغنى يفتقد الراحة، إذ يلتزم بحراسة ما اقتناه من ممتلكات بسبب طمعه الشرير. لأنه اقتنى تلك القنية بشراهته وطمعه، فإنه يرى أنها لا تهبه خيرًا. ما أقسى أن يحرس الإنسان مقتنياته ويتعذب ولا يستفيد بوفرتها].
إن كان الجامعة يمتدح من مات في أحشاء أمه حتى لا يُعاين الظلم أو لئلاَّ يُشارك الناس ظلمهم وطمعهم وجشعهم، أليس بالأولى نطوّب من يموت بإرادته الحرة مع مسيحه المصلوب حبًا لله والناس.
وكما يقول العلامة أوريجانوس: [من ذا الذي يُمتدح بأكثر استحقاق من ذلك الذي يموت بكامل حرية إرادته من أجل دينه (إيمانه)؟!].
2. حماقة السعي وراء الراحة:

4 وَرَأَيْتُ كُلَّ التَّعَبِ وَكُلَّ فَلاَحِ عَمَل أَنَّهُ حَسَدُ الإِنْسَانِ مِنْ قَرِيبِهِ. وَهذَا أَيْضًا بَاطِلٌ وَقَبْضُ الرِّيحِ. 5 اَلْكَسْلاَنُ يَأْكُلُ لَحْمَهُ وَهُوَ طَاوٍ يَدَيْهِ. 6 حُفْنَةُ رَاحَةٍ خَيْرٌ مِنْ حُفْنَتَيْ تَعَبٍ وَقَبْضِ الرِّيحِ.

ينتقد الجامعة الذين يركنون إلى التكاسل وطلب الراحة، إما لأنهم يشعرون بالظلم الذي حولهم فيُصابون بحالة من الإحباط، متسائلين: بماذا اِنتفع هؤلاء الذين اِقتنوا غنى وفيرًا؟ أو لأنهم في ممارستهم للظلم يطلبون أن يغتنوا على حساب اخوتهم، فيسعون إلى طلب الراحة في استرخاء ليجنوا ثمر تعب الغير. علىأي الأحوال يطلب الجامعة من المؤمنين حياة الاعتدال دون تطرف نحو التراخي والكسل أو المبالغة في طلب الغنى والاقتناء.
"ورأيت كل التعب وكل فلاح (نجاح) عمل أنه حسد الإنسان من قريبه، وهذا أيضًا باطل وقبض الريح" [4].
ما يظنه الإنسان نجاحًا في عمله حين يجمع ويكنز مقارنًا نفسه بغيره، حاسدًا قريبه الذي يقتني أكثر منه هو باطل وانقباض الريح... إذ يفسد طبيعة الإنسان الداخلية، حيث يدفعها إلى ممارسة الظلم والقهر عوض الحب والرحمة.
يقول القدِّيس غريغوريوس صانع العجايب: [قد أصبح واضحًا ليّ أيضًا كم هو خطير الحسد الذي يُصيب إنسانًا من جهة قريبه كلدغة روح شرير، ورأيت أن من يقع فريسة له، ويمتلئ به صدره، لا يسعه إلاَّ أن يأكل قلبه ويمزقه! ‍وتتهاوى نفسه، ويبلى جسده، إذ لا يجد تعزية في خيرات الآخرين].
يقول القدِّيس باسيليوس الكبير: [ما من شهوة أشد سوءًا وضررًا من الحسد. فهو لا يؤذي القريب بقدر ما يؤذي الإنسان الحاسد نفسه. فالحسد سوسة تنخر في أعماق قلب الإنسان، وتعمل فيه كما يعمل الصدأ بالحديد. هو كآبة نفس وحزن يصيب الإنسان لدى مشاهدة السعادة التي يتمتع بها الغير... وأشدّ ما في الحسد أنه داء يُطوى في الكتمان.ترى الحاسد خافض البصر، كالح الوجه، يشتكي باستمرار من عذاب داخلي مما يذبل وجهه ويضني جسده، فيهزل ويضعف. فهو يستحي أن يقول: "إنيّ حاسد" أشعر بالمرارة والحزن للخير الذي حصل عليه إنسان غيري، وإنيّ أتعذب لسعادة أصدقائي، ولا أطيق نجاح أترابي.إنيّ أرى أن سعادة الآخرين هي سيف يمزق أحشائي ويطعنني في الصميم...
الحاسد، علاوة على ما ذكرنا، يُفقد الإحساس والشعور الصحيح بالقيَم... عنده تصبح الفضيلة رذيلة، والخير شرًا.وهكذا الرجل الشجاع يعتبره الحاسد متهورًا، والعاقل بليدًا، والبار مجرمًا، والحكيم مرائيًا، والكريم مسرفًا ومبذِّرًا، والحريض بخيلًا. إن كل الفضائل تصبح عند الحاسد رذائل].
"الكسلان يأكل لحمه وهو طاوٍ يديه" [5].
الكسلان إما هربًا من ظلم الآخرين أو يقصد الانتفاع بتعب الغير دون مشاركتهم العمل لا ينتفع شيئًا. إنه يطوي يديه عن العمل، فيخسر كل شيء ولا يجد حتى ما يأكله... فيأكل لحمه. وهو تعبير مجازي يعني الموت جوعًا أو يعني أن الكسلان يدخل في حالة فراغ داخلي، عوض التفكير في العمل الإيجابي يرتبك بأفكار كثيرة مُبالغ فيها، تحطم نفسيته وتفقده صحته حتى الجسدية.


* ليس من حاجة أن أصف لكم جسامة شرّ البطالة، في حين أن الرسول أوصى صراحة "إن كان أحد لا يُريد أن يشتغل فلا يأكل أيضًا" (2 تس 3: 10). فكما أن القوت اليومي ضروري لكل إنسان كذلك الكدّ بحسب طاقته ضروري له. لم يكتب سليمان عبثًا في مديح المرأة النشيطة: "لا تأكل خبز الكسل" (أم 31: 27)، كما قال الرسول أيضًا عن نفسه: "ولا أكلنا خبزًا مجانًا من أحد بل كنا نشتغل بتعب وكدٍّ ليلًا ونهارًا" (2 تس 3: 8)، مع أنه كان له السلطان ككارز بالإنجيل أن يعيش من الإنجيل (1 كو 9: 14)، بل أن الرب (في حديثه) قد جمع بين الكسل والشر، إذ قال: "أيها العبد الشرير والكسلان" (مت 25: 26). على أن سليمان الحكيم لم يثنِ فقط على العامل كما ذكرنا (أم 31: 27) بل وبّخ الكسلان إذ شبهه بأدنى الحيوانات (الحشرات) قائلًا: "اذهب إلى النملة أيها الكسلان" (أم 6: 6). لذا يجب علينا أن نخشى من أن نوبَّخ نحن كذلك في يوم الدينونة، لأن الذي أعطانا القدرة على العمل يطلب منا أعمالًا تناسب قدرتنا هذه، فإنه قال: "من يُودعونه كثيرًا يطالبونه بالأكثر" (لو 12: 48).
وبما أن البعض يستنكف من العمل بحجة الصلوات والتسبيح بالمزامير، فعلى مثل هؤلاء أن يعلموا أن لكل شيء وقتًا خاصًا به كما قال الجامعة: "لكل أمر أوان" (جا 3: 1).
القدِّيس باسيليوس الكبير
"حفنة راحة خير من حفنتيّ تعب وقبض الريح" [6].
خير للإنسان أن يعمل لينعم بحفنة مع راحة قلبه وسلام نفسه عن أن يُغامر بعنف في حسد وغيره بقصد الاكتناز ووفرة الغنى، فينال بالفعل ضِعفين من الإنتاج لكن مع قلق واضطراب، فأنه إنما في الواقع يجتني القلق الذي يُحطمه، أي يجتني قبض الريح. يقول القدِّيس بولس كلمته الأخيرة في هذا: "قد تعلمت أن أكون مكتفيًا بما أنا فيه... قد تدربت أن أشبع وإن أجوع وإن اَستفضل وإن أنقص؛أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني" (في4: 11-13).
في مناظرات القديس يوحنا كاسيان يرى الأب إبراهيم أن كلمات سليمان الحكيم هنا تفسر أفضلية العمل الهادئ في البرية، مع شيء من الراحة الداخلية والأمان عن الاهتمام بخدمة الآخرين مع الانهماك معهم في أمورهم المادية، إذ يقول: [من الأفضل لنا أن نُثابر على الدوام في هدفنا مقتنين ربحًا معتدلًا في البرية حيث لا يوجد فيها اهتمامات عالمية وارتباطات تُشتت الفكر ولا كبرياء ولا مجد باطل وتكون الاهتمامات بالضروريات اليومية أقل... هذا خير من أن نطلب ربحًا عظيمًا خلال التحدث مع الآخرين حديثًا قيِّما للغاية، لكننا ننهمك في مطالب الحياة العلمانية المملوءة بالارتباطات اليومية. لأن سليمان يقول: "حفنة راحة خير من حفنتي تعب وقبض الريح" في هذه الحبائل يسقط الضعفاء... إذ بينما هم غير مبالين بخلاصهم، وفيما هم محتاجون إلى تعليم الآخرين وإرشاداتهم، ينخدعون بحيل الشيطان تحت ستار تتويب الآخرين وإرشادهم].
3. بين الأنانية والصداقة:

7 ثُمَّ عُدْتُ وَرَأَيْتُ بَاطِلًا تَحْتَ الشَّمْسِ: 8 يُوجَدُ وَاحِدٌ وَلاَ ثَانِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لَهُ ابْنٌ وَلاَ أَخٌ، وَلاَ نِهَايَةَ لِكُلِّ تَعَبِهِ، وَلاَ تَشْبَعُ عَيْنُهُ مِنَ الْغِنَى. فَلِمَنْ أَتْعَبُ أَنَا وَأُحَرِّمُ نَفْسِي الْخَيْرَ؟ هذَا أَيْضًا بَاطِلٌ وَأَمْرٌ رَدِيءٌ هُوَ. 9 اِثْنَانِ خَيْرٌ مِنْ وَاحِدٍ، لأَنَّ لَهُمَا أُجْرَةً لِتَعَبِهِمَا صَالِحَةً. 10 لأَنَّهُ إِنْ وَقَعَ أَحَدُهُمَا يُقِيمُهُ رَفِيقُهُ. وَوَيْلٌ لِمَنْ هُوَ وَحْدَهُ إِنْ وَقَعَ، إِذْ لَيْسَ ثَانٍ لِيُقِيمَهُ. 11 أَيْضًا إِنِ اضْطَجَعَ اثْنَانِ يَكُونُ لَهُمَا دِفْءٌ، أَمَّا الْوَحْدُ فَكَيْفَ يَدْفَأُ؟ 12 وَإِنْ غَلَبَ أَحَدٌ عَلَى الْوَاحِدِ يَقِفُ مُقَابَلَهُ الاثْنَانِ، وَالْخَيْطُ الْمَثْلُوثُ لاَ يَنْقَطِعُ سَرِيعًا.

يكشف الجامعة عن حماقة الظالمين من جوانب كثيرة، فالظالم في حبه للاقتناء والاكتناز يحسد قريبه على ما لديه، فيفقد سلامه الداخلي... يبقى في حالة جوع دائم مهما نال من غنى [4].وقد يدفعه الظلم إلى الرخاوة والكسل ليجتني ثمار قريبه ظلمًا، وبينما هو في تراخٍ وكسل إذا به يأكل لحم نفسه، فلا ينعم براحة صادقة [5]. وقد يسلك في تطرف آخر وهو العمل بغير حدود ليقتني أضعافًا مضاعفة، فإذا به يجني تعبًا وقبض الريح [6]. أخيرًا قد تدفعه أنانيته إلى حالة بؤس شديد حين ينفضّ عن صحبة الآخرين، مضحيًا بكل صداقة وحب للمشاركة من أجل اكتناز الثروة، عبّر عنها الجامعة قائلًا:
"ثم عُدت ورأيت باطلًا تحت الشمس،
يوجد واحد ولا ثاني له، وليس له ابن ولا أخ ولا نهاية لكل تعبه، ولا تشبع عينه من الغنى" [7-8].
يعطي مثلًا: إنسان منعزل في أنانية حتى عن إخوته وعن أبنائه، وكأنه بلا اخوة وبلا أبناء. إنه يجمع الكثير لكنه يحرم نفسه كما يحرم أقرب من له من الالتقاء في دائرة الحب، ولا يدري ما هي نهاية ما يجمعه!
كم شعرت بمرارة وأنا في الولايات المتحدة إذ عرفت أن إنسانًا وابنه التجأ إلى المحاكم، كل يدَّعي ملكيته لمشروع اشتركا فيه وجلب عائدًا وفيرًا... محبة المال تحطم حتى الأبوة والبنوة! هل يمكن للمال أن يشبع قلب إنسان يعزل نفسه عن الجميع حتى عن ابنه؟!
* من يُترك وحيدًا في عزلة قاسية، بلا أخ ولا ابن، لكنه يمتلك قنية واسعة الثراء يعيش في نهم جشع، ويرفض أن يبذل نفسه في أي عمل صالح!
أخطر نكبات الإنسان الذي يملك ثروة باطلة (في طمع) هو افتقاده إلى صديق يعينه، ويُدخل السرور إلى قلبه. أما الذين يعيشون معًا فإنهم يضاعفون ما يقع في أيديهم من ثروة طيبة، وتقلل عشرتهم من ضغط عواصف الأحداث البغيضة. فإنهم في النهار يتميزون بثقتهم القوية في بعضهم البعض، وفي الليل يتَّسمون بالبشاشة والصبر. أما من يسلك حياة العزلة فيمتلئ فزعًا...
القدِّيس غريغوريوس صانع العجائب
إن كان الظلم يدفع الإنسان إلى العزلة فلا يطيق الشركة الحقَّة لسبب أو آخر، لهذا يحثنا الجامعة على ممارسة حياة الشركة والعمل الجماعة team work والصداقة العملية الفعّالة، فيقول:
"اثنان خير من واحد، لأن لهما أجرة لتعبهما صالحة.
لأنه إن وقع أحدهما يقيمه رفيقه.
وويل لمن هو وحده إن وقع إذ ليس ثانٍ ليقيمه" [9-10].
اعتمادًا على هذه العبارات كان القدِّيس باخوميوس يُحتم ألاَّ يسكن راهب بمفرده في قلاية.
الصداقة العاملة لها فاعليتها، لازمة في الحياة الإيمانية، وكما يقول المثل اليهودي في التلمود: "إما الصحبة أو الموت".
* أتوق دائمًا إلى إقامة علاقات حميمة مع الصالحين، وكثيرًا ما أندفع إلى حبهم. فنحن نقرأ: "اثنان خير من واحد... إن وقع أحدهما يقيمه رفيقه" [9].
القديس جيروم
* محب القدِّيسين هو رفيق الملائكة.
* ليكن حديثك مع محبي الله لتأخذ نفسك شبه طهارتهم.
القديس يوحنا سابا
يروي لنا تاريخ الكنيسة عن أمثلة رائعة من الصداقات وما قدمته من بركات روحية في حياة القدِّيسين.
نذكر على سبيل المثال الصداقة التي قامت بين القدِّيس باسيليوس الكبير والقدِّيس غريغوريوس النزنيزي، يقول الأخير: [إنيّ أتنشَّقك أكثر مما أتنشَّق الهواء، وأنا سواء كنت حاضرًا أم غائبًا، لا أعيش إلاَّ الوقت الذي أنت فيه معي]. كما يقول: [لما حصل التعارف بيننا واتضحت رغبتنا المشتركة في درس الفلسفة الحقيقية، أصبح كل واحدٍ منا للآخر كل شيء. كان لنا سقف بيت واحد وطاولة واحدة ندرس عليها، وعواطف مشتركة. إن أعيننا كانت تحلق نحو هدف واحد، وعاطفتنا لم تكن إلاَّ لتزيد وتترسخ يومًا بعد يوم. إن الشهوات الجسدية تزول ولكن المحبة التي تمتُّ إلى الله بصلةٍ هي ثابتة لأن موضعها ثابت، وبقدر ما تتضح جمالاتها وتُكشف بقدر ما تربط من جمعتهم برباط المحبة نفسها].
ويقدم لنا القدِّيس باسيليوس خبرته في هذه الصداقة، قائلًا:
[إن الإنسان في العيشة الاجتماعية لا يتمتع بموهبته الخصوصية فقط، بل يضاعفها بإشراك الآخرين فيها ويجتني ثمرًا من مواهبهم كما يجتني من موهبته].
[ولكن الإنسان الذي يخفي في ذاته ما منحه الله من النعم والمواهب ولا يشرك سواه في فوائدها يُدان كمن دفن وزنته].
يرى بعض الآباء في قول الجامعة: "اثنان خير من واحد" تأكيد لضرورة وجود أب روحي يسند المؤمن لئلا ينحرف حسب هواه الذاتي.
* كثيرون يبغون البتولية وهم لا يزالوا صغارًا وقليلي الفهم، هؤلاء يلزمهم أن ينشغلوا قبل كل شيء بالبحث عن مرشد مناسب ومعلم لهذا الطريق، لئلا في جهلهم الراهن ينحرفون عن الطريق الصحيح فيسقطون في طريق أخرى وعْرة المسالك من عندياتهم. "اثنان خير من واحد"، هكذا يقول الحكيم، فإنه من السهل أن يُهزم واحد على يديْ الخصم الذي ينصب فخاخه في الطريق المؤدي إلى الله؛ وحقًا "ويل لمن هو وحده إن وقع إذ ليس ثانٍ ليقيمه".
القديس غريغوريوس أسقف نيصص
من جانب آخر يليق بكل إنسان منا أن يهتم بأن يقيم أخاه بروح الوداعة والحب كقول الجامعة: "إن وقع أحدهما يقيمه رفيقه" [9].
* بممارستك عمل الجامعة ضع أمام عينيك أن توجّه حياتك حسنًا، وإن تصلي من أجل الحمقى لينالوا فهمًا، ويعرفوا أن يتوقفوا عن الأعمال الشريرة.
القدِّيس غريغوريوس صانع العجائب
يقدم لنا الجامعة أمثلة لتأكيد أهمية الصداقة والمشاركة الروحية للبنيان:
المثل الأول: "إن اضطجع اثنان يكون لهما دفء؛ أما الواحد فكيف يدفأ؟!"
يقصد بالمضطجعين معًا ليدفئا المسافرين في مناطق صحراوية قارصة البرد ليلًا وليس لهما أغطية كافية، وربما يقصد الحياة الزوجية الصالحة التي تهب دفئًا أُسريًا وشبعًا داخل النفس في الرب.
المثل الثاني: "وإن غلب أحد على الواحد يقف مقابله الاثنان، والخيط المثلوث لا ينقطع سريعًا" [12].بمعنى إن كانت الصداقة والمشاركة مع آخر تُعطي الإنسان قوة، إن هاجمه واحد يقف الاثنان ضده، فماذا إن كانت الصحبة بين ثلاثة، فالخيوط المجدولة من ثلاثة يحتمل أكثر من المجدول من اثنين.
ما هو هذا الخيط المثلوث إلاَّ وحدة الجماعة الكنسية حيث يحل السيِّد المسيح في وسطهم كوعده: "إن اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي أكون في وسطهم؟!"
ويرى القديس جيرومأنه يمثل الارتباط بين الإيمان والرجاء والمحبة، قائلًا: [كلمات الرسول عن الإيمان والرجاء والمحبة تشبه الخيط المثلوث الذي لا يسهل قطعه. نحن نؤمن ونترجَّى، وخلال إيماننا ورجائنا نرتبط ببعضنا بعضًا برباط الحب(120)].
4. حماقة السعي وراء المجد الباطل:

13 وَلَدٌ فَقِيرٌ وَحَكِيمٌ خَيْرٌ مِنْ مَلِكٍ شَيْخٍ جَاهِل، الَّذِي لاَ يَعْرِفُ أَنْ يُحَذَّرَ بَعْدُ. 14 لأَنَّهُ مِنَ السِّجْنِ خَرَجَ إِلَى الْمُلْكِ، وَالْمَوْلُودُ مَلِكًا قَدْ يَفْتَقِرُ. 15 رَأَيْتُ كُلَّ الأَحْيَاءِ السَّائِرِينَ تَحْتَ الشَّمْسِ مَعَ الْوَلَدِ الثَّانِي الَّذِي يَقُومُ عِوَضًا عَنْهُ. 16 لاَ نِهَايَةَ لِكُلِّ الشَّعْبِ، لِكُلِّ الَّذِينَ كَانَ أَمَامَهُمْ. أَيْضًا الْمُتَأَخِّرُونَ لاَ يَفْرَحُونَ بِهِ. فَهذَا أَيْضًا بَاطِلٌ وَقَبْضُ الرِّيحِ.

إذ قدم الجامعة شهادة الجامعة عن بطلان العالم حيث يسود الظلم البشرية ويحتل موضع العدل، وبسببه في حماقة يسعى البعض إلى الراحة على حساب الآخرين، وقد التهبت قلوبهم حسدًا وغيرة، كما تقوقع البعض حول الأنا في أنانية عوض العمل المشترك team work بروح المشاركة والحب، فإن كثيرين أيضًا يفسدون تعبهم بالبحث عن المجد الباطل والكرامة الزمنية مهما يكن الثمن، غير أن هذه الكرامة تعتمد على تقلبات الناس ومن ثم تكون بلا أمان... قد يخرج سجينًا إلى العرش وينحدر ملكًا إلى السجن.
عظمة الإنسان الحقيقية ليست في كثرة الأيام ولا في مركزه أو إمكانياته، وإنما في الحكمة الساكنة فيه: "ولدٌ فقير وحكيم خير من ملك شيخ جاهل، الذي لا يعرف أن يُحذَّر بعد" [13]... إنه ملك كثير الأيام وله كل الإمكانيات لكن بافتقاره إلى الحكمة يفتقر إلى حياة الحذر.
يؤكد عدم دوام الحال، فقد يخرج إنسان من السجن إلى العرش -مثل يوسف- وقد يُطرد الملك من عرشه [14]. يقتني الأول حب البشر بينما يبُغض الثاني. ربما قصد بالخارج من السجن نفسه، فقد وُلد من أحشاء أمه عريانًا كمن في سجن ليجد نفسه يحتل العرش بغير جهاد أو مهارة أو إمكانيات خاصة به أو أي امتياز شخصي خاص به.
يُشير الخارج من السجن إلى المُلك إلى رجال العهد الجديد الذي يتحررون من سجن حرفية الناموس، والملك المخلوع هم اليهود الذين بين أيديهم الشريعة والنبوات والمواعيد الإلهية لكنهم جحدوا الإيمان بالمخلص.بالحرفية فقد قادة اليهود المُلك، وبالإيمان صار المؤمنون ملوكًا وكهنة (رؤ 1: 6) في حياة المعمودية.
إذ يفقد القائد اليهودي الحرفي في العبادة مُلكه الروحي يتركه الشعب الملتفّ حوله ليتمتع بعمل الإيمان بالمسيح واهب المُلك، وأيضًا لا يفرح به المؤمنون الحقيقيون [16].
يرى العلامة أوريجانوس أن الخارج من السجن إلى المُلك هو الشهيد الذي ينطلق إلى ملك الملوك لينعم بعرش دائم لا يُنزع منه، إذ يقول: ["من السجن خرج إلى المُلك". هكذا اقتنعت أن أموت من أجل الحق، محتقرًا في الحال ما يُدعى موتًا. احضروا الوحوش الضارية، احضروا الصلبان، قدموا النيران، تعالوا بالمُعَذِّيين. إنني أعرف أنني إذ أموت أخرج من جسدي وأستريح مع المسيح].
هكذا إذ استخدم الجامعة شهادة المجتمع في العالم وما يحمله من ظلم بسبب أنانية بعض الأغنياء وأصحاب السلطة يدعو الكل إلى روح الحب والمشاركة بعيدًا عن طلب المجد الباطل.


التطبيق العملي

حياتنا في عالم متغير

قدَّم سليمان الحكيم براهين واقعية عن بطلان العالم وملذاته مع تأكيد صلاحه كخليقة الله الموهوبة لنا من قِبلْ حبه:
1. الطبيعة نفسها تشهد ببطلانه [1]،
2. خبرات سليمان الشخصية تؤكد ذلك [2]،
3. أيضًا العالم يؤكد خضوعه للزمن المتغير [3]،
4. المجتمع بما يحتويه من مظالم ينطق بذات الحقيقة [4].
والآن، ما هو دورنا العملي في حياة متغيرة وزائلة هكذا؟
1. لنسلك بروح الحب والاستماع للخالق في عبادتنا وفي سلوكنا [5].
2. لنستخدم عطايا الله كما يليق دون إفسادها [6].
3. لنتطلع إلى ما وراء الموت ونتهيأ للأبدية [7].
4. لنسلك في حياتنا بحكمة وبهدف واضح [8-9].
5. في سلوكنا نحذر خاصة من الصغائر [10].
6. لنجاهد بحب مبكرين [11-12].
الحب في العبادة والسلوك

ما دام العالم متغيّر يليق بنا ألا نرتبط به قلبيًّا لئلا ننحدر معه، إنما نستخدمه بفرح. ليكن ارتباطنا بخالقه "الحب الحقيقي" فنحمل سمة الحب كأيقونة حيَّة للخالق، ونترجم هذا الحب عمليًّا في عبادتنا كما في سلوكنا مع الغير، وفي نظرتنا للخيرات الزمنية كعطايا إلهية.
بالحب نتعبد لله لا في شكليات حرفية قاتلة وإنما بروح الطاعة الصادقة القلبية، فإن الاستماع أفضل من ذبيحة الجهال.به تتحول صلواتنا إلى لهيب نار متقد لا إلى كثرة كلمات جافة، وبه نعرف كيف ننذر حياتنا كلها كذبيحة تسبيح ونوفي نذرنا بالرب نفسه... هكذا تنشلنا العبادة الروحية من الانشغال بالعالم الباطل... أما إذا صارت العبادة باطلة فكم يكون العالم الباطل؟!
بالحب نعرف كيف نسلك بالرحمة لا الظلم، وبحب العطاء لا بالطمع والجشع.
وبالحب نفرح بخيرات الله وعطاياه ونشكره حتى على بركة الطعام والشراب والعمل!
1. عبادة قلبية صادقة:

1 اِحْفَظْ قَدَمَكَ حِينَ تَذْهَبُ إِلَى بَيْتِ اللهِ، فَالاسْتِمَاعُ أَقْرَبُ مِنْ تَقْدِيمِ ذَبِيحَةِ الْجُهَّالِ، لأَنَّهُمْ لاَ يُبَالُونَ بِفَعْلِ الشَّرِّ. 2 لاَ تَسْتَعْجِلْ فَمَكَ وَلاَ يُسْرِعْ قَلْبُكَ إِلَى نُطْقِ كَلاَمٍ قُدَّامَ اللهِ، لأَنَّ اللهَ فِي السَّمَاوَاتِ وَأَنْتَ عَلَى الأَرْضِ، فَلِذلِكَ لِتَكُنْ كَلِمَاتُكَ قَلِيلَةً. 3 لأَنَّ الْحُلْمَ يَأْتِي مِنْ كَثْرَةِ الشُّغْلِ، وَقَوْلَ الْجَهْلِ مِنْ كَثْرَةِ الْكَلاَمِ. 4 إِذَا نَذَرْتَ نَذْرًا للهِ فَلاَ تَتَأَخَّرْ عَنِ الْوَفَاءِ بِهِ، لأَنَّهُ لاَ يُسَرُّ بِالْجُهَّالِ. فَأَوْفِ بِمَا نَذَرْتَهُ. 5 أَنْ لاَ تَنْذُرُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَنْذُرَ وَلاَ تَفِيَ. 6 لاَ تَدَعْ فَمَكَ يَجْعَلُ جَسَدَكَ يُخْطِئُ، وَلاَ تَقُلْ قُدَّامَ الْمَلاَكِ: «إِنَّهُ سَهْوٌ». لِمَاذَا يَغْضَبُ اللهُ عَلَى قَوْلِكَ، وَيُفْسِدُ عَمَلَ يَدَيْكَ؟ 7 لأَنَّ ذلِكَ مِنْ كَثْرَةِ الأَحْلاَمِ وَالأَبَاطِيلِ وَكَثْرَةِ الْكَلاَمِ. وَلكِنِ اخْشَ اللهَ.

إن كان العالم خارج الله باطلًا وقبض الريح فبالأولى العبادة الشكلية خارج دائرة الروح تكون باطلة وقبض الريح.هذا يبدأ الجامعة تطبيق نظرتنا الصادقة للحياة على العبادة سواء الجماعية أو الخاصة.
أ. دعوة للدخول إلى بيت الله:
"احفظ قدمك حين تذهب إلى بيت الله،
فالاستماع أقرب من تقديم ذبيحة الجهال،
لأنهم لا يبالون بفعل الشر" [1].
خلق الله العالم صالحًا لتكون الأرض كلها أشبه ببيت الله فيه يلتقي كل بشر مع محبوبه الخالق القدُّوس بروح الحب والتسبيح والفرح.لكن إذ دخلت الخطية إلى العالم صار العالم باطلًا، وأنبتت الأرض شوكًا وحسكًا، وشعر الإنسان بجفاف نحو خالقه الصالح. لكن الله في حبه للإنسان سمح له بإقامة بيت له بكونه أيقونة السماء الخالدة، يلجأ إليه المؤمنون وهم بعد في هذا العالم، فيحمل روح الله قلوبهم وأفكارهم وإرادتهم ومشاعرهم وأحاسيسهم إلى ما فوق العالم المنظور وإلى ما فوق الزمن... لهذا لا نعجب إن بدأ الجامعة نصائحه للإنسان بعد تأكيده بطلان العالم بالذهاب إلى بيت الله، بمعنى آخر يقول الجامعة: أهرب من العالم الزائل إلى خالقه الأبدي بالدخول إلى بيته المقدس واللقاء معه خلال دائرة الحب والطاعة.
لقد عرف المرتل كيف يلجأ إلى مقادس الله في وقت الضيق ليختبر مراحم الله وغنى نعمته:
"إنما خير ورحمة يتبعاني كل أيام حياتي وأسكن في بيت الرب إلى مدى الأيام" (مز 23: 6).
"وإن يحاربني جيش فلن يخاف قلبي، وإن قام عليَّ قتال ففي هذا أنا اَطمئن؛ واحدة سألت من الرب وإيَّاها اَلتمس: أن أسكن في بيت الرب كل أيام حياتي، لكي أنظر نعيم الرب وأتفرس في هيكله المقدس" (مز27: 3-4).
"لأنك كنت ملجأ ليّ... لأسكنّ في مسكنك إلى الدهور، اَحتمي بستر جناحيك" (مز 61: 3- 4).
"كنت مصابًا اليوم كله... حتى دخلتُ مقادس الله" (مز 73: 14، 17).
هكذا إذا ما شعر المرتل بالمتاعب الخارجية أو الداخلية يجد له ملجأ في بيت الرب، حيث يلتقي بالله نفسه مخلصه. يرفعه إلى نعمه، ويهبه خبرة جمال الحياة السماوية فلا يعود ينشغل بما حمله إليه الزمن من مضايقات.في بيت الرب يجد الله الملك جالسًا على العرش فلا يخاف إن حاربه جيش أو قام عليه قتال!
غير أن دخول بيت الرب والسكنى فيه يتطلب نقاوة القلب وقداسته، فيسكن المؤمن مع الله القدُّوس في مقدسه وتكون له شركة معه... لهذا يقول: "أحفظ قدمك" [1].
ب. ماذا يعني حفظ القدم عند الذهاب إلى بيت الرب إلاَّ ما يقوله الحكيم: "الذي ينتبه إلى خطواته" (أم 14: 15)، وأيضًا: "مهِّد سبيل رجلك فتثبت كل طرقك، لا تمل يمنه ولا يسْرة، باعد رجلك عن الشر" (أم 4: 26). كأنه يقول: أنك تسلك الطريق الملوكي، لتدخل إلى عرش ملك الملوك، أحذر لئلاّ تنحرف بضربة يمينية، أي بالبر الذاتي، أو بضربة شماليةأي بالسقوط في الشر. لتدخل بقلبك إلى بيت الرب قبل جسدك... لا تسرع بخطوات قدميك الجسديتين إنما ادخل بأعماقك مقودًا بروح الله القدُّوس.
يرى البعض في هذه الوصية: "احفظ قدمك" إشارة إلى أمر الله لموسى النبي ويشوع بين نون أن يخلعا حذاءهما من رجليهما (خر 3: 5؛ يش 5: 15)،
وكما يقول العلامة أوريجانوس إنها دعوة لخلع الحذاء المصنوع من جلد الحيوانات الميتة. نخلع عنا ما يمس الحياة الميتة، أو أعمال الإنسان العتيق لنحيا بروح الله في جدة الحياة. أيضًا تُصنع من جلد الطبول التي تعطي صوتًا عاليًا بلا عمل، وكأن خلع الجلد دعوة إلى رفض المجد الباطل وحب الظهور...
لندخل بيت الرب بقلوبنا بعد خلع حذائها منها، لكي ننعم بأعمال الإنسان الجديد، فلا نسلك في الحياة الشريرة ولا نطلب برًا ذاتيًا، إنما نسمع لصوت الله ونطيعه بإرادة مقدسة خالصة، فإن الاستماع لله أفضل من ذبائح الجهال!
ج. الاستماع أفضل من ذبيحة الجهال: احفظ قلبك أو إنسانك الداخلي بالطاعة، بكونه العين التي تعاين الله بالإيمان، والقدم التي بها تسير نحوه وتنعم بسكناك معه وهو معك.
إن كانت الحياة متغيرة وزائلة وتحتاج إلى تحفظ وحذر حتى لا تسقط في فخاخ الارتباك بها والإغراء باكتناز خيراتها الزمنية، فبالأولى إذ تتجه بقلبك نحو بيت الله تتعرف على الطريق الملوكي، طريق طاعة المسيح، فإنالسلوك به وفيه هو أعظم من تقديم عطايا مادية لبيت الرب. اقبل السيد المسيح نفسه طريقًا ملوكيًا، فتحمل بره وطاعته، مقدمًا قلبك ذبيحة حب عملي... فإن الله يطلب قلبك لا مالك‍‍! وإذ تعطيه قلبك المبذول بالحب العملي باتحادك مع المسيح المطيع (عب 5: 5) تقدم كل حياتك بكبائرها وصغائرها.
يُطالبنا بالاستماع، فبيت الله هو بيت الكلمة الإلهي، نستمع إليه لنحفظه فينا بروحه القدُّوس. أول كلمة في الوصايا العشرة هي "اسمع"... إذ يُريدنا الله أن ندخل بيته لننصت وتُحفظ بالقلب والسلوك العملي، لأن الاستماع إنما يعني الطاعة العملية.
الله كما نتعرف عليه في الكتاب المقدس وخبرة الكنيسة عبر العصور "سامع الصلوات"، يميل بأذنه إلينا نحن أطفاله ليسمع همسات شفاهنا وتنهدات قلوبنا الخفية، ونحن في حبنا له نقابل استماعه إلينا باستماعنا إليه... نشاركه سمة "الاستماع".بحبه ينزل إلينا ليسمعنا، وبحبه أيضًا يهبنا روح الطاعة فنسمع نحن له!
كأن الاستماع (الطاعة) ليس نوعًا من الإذلال كما يظن البعض في كبرياء قلوبهم، إنما هي سمة المؤمن الحقيقي في شركته مع الله السامع لأصواتنا... نسمع له في وصيته كما في بيته، في صلواتنا الخفية وفي معاملاتنا مع قريبنا... نحمل سمة الاستماع كطبيعة مقدسة في الرب ترافقنا في مخدعنا وفي كنيستنا وفي بيوتنا وفي عملنا حتى في الطريق أيضًا، نشتاق أن نسمع لكل أحد ونطيعه لكن في الرب!
أخيرًا فإنه بالاستماع يدعونا إلى الحكمة السماوية وسلوك في برّ الله؛ ترتبط الحكمة بالبر كما يرتبط الجهل بالشر، إذ يقول: "ذبيحة الجهال الذين لا يبالون بفعل الشر". فالجاهل ليس فقط يخطئ وإنما وهو يخطئ لا يبالي، أما الحكيم فإن أخطأ لا يطيق تصرفاته الخاطئة، بل يشتكي نفسه لله بالتوبة، مطالبًا إيَّاه أن يهبه سمة "الاستماع" أو "الطاعة" عمليًا.
يرفض الله ذبيحة الجهال لأنهم وهم يمارسون شكليات العبادة يرفضون الاستماع الداخلي لوصايا الله، فيملك الشر على قلبهم وفكرهم ولا يبالون به.
* الذي يسمع ويطيع يحل عليه السلام المقدس.
القديس يوحنا سابا
نستطيع أن نلمس كيف خشي آباؤنا من السقوط تحت حرفية الشكليات مما قاله القديس يوحنا سابا: [يا رجل الله، حتى متى السواد فقط (الزيّ الرهباني) يعزي نفسك. كن كُلَّك لهيبًا، واحرق الذين حولك لترى جمال المخفي داخلك].
ويقول القديس مار أفرام السرياني: [إن زيّ الديانة الحسنة موضوع عليّ، وليس فيّ قوتها]. [أقف في الكنيسة في المقدمة، وأنا لست أهلًا أن أكون أخيرًا فيها]. [اعتزلت العالم، وأنا غائص فيه لعنقي بقلبي وفكري].
د. عدم الإكثار في الكلمات باطلًا أثناء الصلاة: "لتكن كلماتك قليلة" [2]، فالله يطلب العمل والإخلاص لا كثرة الكلام باطلًا" (مت 6: 7). "لأن الحُلم يأتي من كثرة الشغل، وقول الجهل من كثرة الكلام" [3].
لتكن صلواتنا هادئة، ننطق بها بغير تسرع، ننطق بها بلساننا كما بحياتنا العملية، فيصرخ كياننا كله بلغة الحب العملي التي ينصت إليها الله وتفرح لها السماء كلها. ربما لهذا السبب يقول: "لا تستعجل فمك ولا يسرع قلبك إلى نطق كلام قدام الله؛ الله في السموات وأنت على الأرض" [2].كأنه يقول: دع حياتك التي تتسم بالسماوية أن تنطق وتصلي، فترتفع كلمات الصلاة معها إلى العرش الإلهي.
وربما أراد الجامعة من المتعبد أن يتسرع في الكلمات لينهي صلاته إنما بين الحين والآخر يرفع فكره وقلبه ومشاعره نحو الله، يعبّر بالتأمل الداخلي عن عمق التصاقه به، كما يترك بهذا، المجال لنعمة الله تعمل فيه أثناء الصلاة... يتكلم بالروح ويستمع لصوت الرب ويرى بالروح. تتحول الصلاة إلى ديالوج حب متبادل يشترك فيه الإنسان لا بلسانه وحده بل وبكل كيانه الداخلي.
يقول: "لأن الله في السموات وأنت على الأرض"... انتظر في صلواتك أن يعلن لك السماوي عن سمواته، ويعلمك لغة السماء، ويهبك شركة التسبيح مع السمائيين.
* أصغ إلى مشورة الجامعة: لا تلفظ كلمة أمام الله؛ إذ يقول إن الله في السماء وأنت على الأرض [2]. أعتقد أنه يُظهر بتلك المسافة التي تفصل بين السماء والأرض بالرغم من حميمية اتصالهما المتبادل، طبيعة الله التي تفوق دائرة فكر الإنسان بلا قياس. كما تبعد النجوم عن متناول الأصابع، هكذا وبقدر متعاظم أكثر بكثير تسمو تلك الطبيعة التي فوق كل أفكار البشر على أفكارنا الأرضية.
القديس غريغوريوس أسقف نيصص
* سكِّت لسانك ليتكلم قلبك، سكِّت قلبك ليتكلم فيك الروح.
القديس يوحنا سابا
يدعونا الجامعة ألا نكثر الكلام في الصلاة، ربما لكي لا ننطق بكلمات غير مفهومة، كقول الرسول بولس: "أصلي بالروح وأصلي بالذهن أيضًا، أرتل بالروح وأرتل بالذهن أيضًا" (1 كو 14: 15).حينما نصلي أو نسبح الله يلزمنا أن ننطق بروية وخشوع، مدركين أننا نتحدث مع السماوي...
لا يهاجم الجامعة الصلوات الطويلة ما دامت تُقدم بفهم وحكمة وتقوى، فقد كان السيِّد المسيح يقضي أحيانًا الليل كله في الصلاة (لو 6: 12)، ويسألنا الرسول أن نصلي بلا انقطاع (1 تس 5: 17)، وإن نصلي في كل حين (كو 1: 3). وقيل عن القدِّيس أرسانيوس أنه كان يُستغرق في الصلاة من غروب الشمس حتى شروقها، يقضي الليل كله في عذوبة الحديث مع الله.
* صلِّ ولا تملّ، صلّ باستمرار صلاة إيمان ورجاء ومحبة...
ولكن لا تكن صلاتك في كثرة الكلام.إن ربنا هو أول من اِختصر الخطب الطويلة كيلا تظهر في صلاتك الطويلة إلى الله بمظهر من راح يلقّنه درسًا.
حاجتك في الصلاة إلى تقوى لا إلى ثرثرة.
إذا صليت فلا تكن ثرثارًا كالوثنيين الذين يظنون أنهم بكثرة كلامهم يُستجاب لهم (مت 6: 7)، فلا تكن مثلهم لأن أباك عالم بما تحتاج إليه من قبل أن تسأله...
لن تنقطع عن الصلاة إذا طلبت باستمرار حياة السعادة...
يُقال إن في مصر إخوة يرفعون باستمرار ابتهالات قصيرة تتلى بسرعة، حفاظًا على انتباه (تركيز الذهن) ضروري لكل من يصلي.
القديس أغسطينوس
يقتبس الجامعة مثلًا يؤكد أهمية العمل عن كثرة الكلام: "فإن الحُلم من كثرة الشغل، وقول الجهل من كثرة الكلام" [3]. فالعمل المتواصل الجاد يُولِّد أحلامًا سعيدة، أو يحقق أحلام الإنسان ورغباته، أما لغو الكلام الكثير فيحوّل حياة الإنسان إلى الجهالة، كلماته هي "قول الجهل". كثرة الشغل تجعل الإنسان حكيمًا وواقعيًا حتى في أحلامه، وكثرة الكلام تكشف عن فراغ وجهالة‍!
ه. الجدِّية والإخلاص في النذور:
"إذا نذرت نذرًا لله فلا تتأخر عن الوفاء به،
لأنه لا يُسر بالجهال...
أن لا تنذر خيرٌ من أن تنذر ولا تفي.
لا تدع فمك يجعل جسدك يخطئ" [4-6].
في دراستنا لسفريّ العدد (أصحاح 30) واللاويين (أصحاح 27) تحدثنا عن النذور في الشريعة الموسوية. النذر هو وعد بتكريس شيء ما لله، يلتزم المرء بالوفاء به؛ وهو يشير إلى شوق داخلي ورغبة أكيدة لا لتكريس أشياء بل تكريس القلب نفسه لله، لمجد اسمه وانتشار ملكوته. يليق بالمؤمن أن يلتزم بما نطق به ولا ينقض كلامه (لا 30: 2؛ قض 11: 35)، كما لا يليق عدم تأجيله إلى الغد.
يدعو الجامعة الذين لا يوفون النذور أو يؤجلون الإيفاء "الجهال"، لأنهم ينطقون بجهالة في غير ترٍِ، ويُحسب هذا نوعًا من الاستخفاف بالله.وكان الأفضل ألا ينذروا من أن ينذروا ولا يفوا، حتى لا يُحسبوا ناكثين للوعد.
إنهم ينطقون بفمهم فيخطئ جسدهم. هنا الجسد يعني الإنسان بكليته، فقد نذر حنانيا وسفيرة أن يقدما كل ثمن حقلهما... لكنهما اختلسا من الثمن، وحُسبا كاذبين على الروح القدس (أع 5: 1-11).وتسرع يفتاح في نذره للرب بأن يقدم من يخرج من أبواب بيته للقائه محرقة... فقدم ابنته الوحيدة العذراء محرقة (قض 11: 30، 34). ووعد هيرودس بعجلة أن يعطي هيروديا طلبتها ولو إلى نصف المملكة فقطع رأس القدِّيس يوحنا المعمدان‍‍!
لا نتسرع في وعودنا ونذورنا مع الله والناس‍!
يرى الأب إسحقفي مناظراته مع القديس يوحنا كاسيان أن النذر هو "الصلاة" قائلًا هكذا: [إذا صليت صلاة للرب لا تؤجل الوفاء بها. ونحن نصلي حينما ننبذ هذا العالم، ونعد بأننا نموت عن كل الأفعال العالمية وعن حياة هذا العالم، ونخدم الرب بكل مقاصد القلب].
صلواتنا هي نذور أو تعهدات... فيها نعلن جحدنا لملذات العالم وقبول ملكوت الله فينا، فيها نرفض أبوة إبليس المهلكة ونقبل أبوة الله لنا... لنحقق هذا لا بالكلمات فقط وإنما في حياتنا العملية بروح الله القدُّوس العامل فينا، فنقول بقوة مع الرسول: "لسنا من ليلٍ ولا ظلمة" (1تس 5: 5).
في دراستنا لسفر المزامير لاحظنا المرتل يعلن إيفاءه النذور، وذلك بالتسبيح لله، فإنه ليس من نذر يُفرح قلب الله مثل تسبيحنا له وشكرنا إيَّاه وسط ضيقاتنا ومتاعبنا! بهذا النذر نعلن أن إلهنا السماوي وحده قادر أن يدخل بنا إلى الحياة الملائكية المفرحة ويعبر بنا فوق هموم العالم ومشاغله!
يكمل الجامعة حديثه عن الالتزام بإيفاء النذر قائلًا:
"لا تقل قدام الملاك إنه سهو" [6].
يقصد بالملاك هنا الكاهن (رؤ 2: 1)، فإنه لا يليق بالمؤمن أن يتصنع الأعذار أمام وكلاء الله، مدعيًا أن ما نطق به لا يقصده، أو لم يكن يعرف حقيقة قدراته أو إمكانياته. فإن الله يغضب على المتسرعين في كلماتهم ونذورهم [6].
يقدم الكاتب علّة هذا الداء وعلاجه، قائلًا:
"لأن ذلك من كثرة الأحلام والأباطيل وكثرة الكلام،
ولكن اِخْشَ الله" [7].
يقول القدِّيس غريغوريوس صانع العجائب: [كما أن حشد الأحلام أمر باطل، أيضًا كثرة الكلام. أما مخافة الله فهي خلاص الإنسان وإن كان يصعب اقتنائها].
ثلاثة أمور تفسد تعهدات فمنا مع الله: كثرة الأحلام، أي الانشغال بالأوهام دون السلوك الواقعي العملي؛ والأباطيل أي الانشغال بأمور الحياة الباطلة، وكثرة الكلام. بمعنى آخر لكي تكون تعهداتنا مقدسة وواقعية يلزمنا أن نهرب من الأفكار (الأحلام) الباطلة، ومن الأعمال الباطلة، ومن الكلمات الباطلة وذلك بأن نضع مخافة الله نصب أعيننا عندما نفكر أو نعمل أو نتكلم. لنخف الله فيملك على أفكارنا وسلوكنا وكلماتنا... ونكون بكليتنا شهود حق لعمله فينا‍‍!
2. سلوك محبة خالصة:

8 إِنْ رَأَيْتَ ظُلْمَ الْفَقِيرِ وَنَزْعَ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ فِي الْبِلاَدِ، فَلاَ تَرْتَعْ مِنَ الأَمْرِ، لأَنَّ فَوْقَ الْعَالِي عَالِيًا يُلاَحِظُ، وَالأَعْلَى فَوْقَهُمَا. 9 وَمَنْفَعَةُ الأَرْضِ لِلْكُلِّ. الْمَلِكُ مَخْدُومٌ مِنَ الْحَقْلِ. 10 مَنْ يُحِبُّ الْفِضَّةَ لاَ يَشْبَعُ مِنَ الْفِضَّةِ، وَمَنْ يُحِبُّ الثَّرْوَةَ لاَ يَشْبَعُ مِنْ دَخْل. هذَا أَيْضًا بَاطِلٌ. 11 إِذَا كَثُرَتِ الْخَيْرَاتُ كَثُرَ الَّذِينَ يَأْكُلُونَهَا، وَأَيُّ مَنْفَعَةٍ لِصَاحِبِهَا إِلاَّ رُؤْيَتَهَا بِعَيْنَيْهِ؟ 12 نَوْمُ الْمُشْتَغِلِ حُلْوٌ، إِنْ أَكَلَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، وَوَفْرُ الْغَنِيِّ لاَ يُرِيحُهُ حَتَّى يَنَامَ. 13 يُوجَدُ شَرٌّ خَبِيثٌ رَأَيْتُهُ تَحْتَ الشَّمْسِ: ثَرْوَةٌ مَصُونَةٌ لِصَاحِبِهَا لِضَرَرِهِ. 14 فَهَلَكَتْ تِلْكَ الثَّرْوَةُ بِأَمْرٍ سَيِّئٍ، ثُمَّ وَلَدَ ابْنًا وَمَا بِيَدِهِ شَيْءٌ. 15 كَمَا خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ عُرْيَانًا يَرْجعُ ذَاهِبًا كَمَا جَاءَ، وَلاَ يَأْخُذُ شَيْئًا مِنْ تَعَبِهِ فَيَذْهَبُ بِهِ فِي يَدِهِ. 16 وَهذَا أَيْضًا مَصِيبَةٌ رَدِيئَةٌ، فِي كُلِّ شَيْءٍ كَمَا جَاءَ هكَذَا يَذْهَبُ، فَأَيَّةُ مَنْفَعَةٍ لَهُ، لِلَّذِي تَعِبَ لِلرِّيحِ؟ 17 أَيْضًا يَأْكُلُ كُلَّ أَيَّامِهِ فِي الظَّلاَمِ، وَيَغْتَمُّ كَثِيرًا مَعَ حُزْنٍ وَغَيْظٍ.

طالبنا بالعبادة الروحية الحقة في مواجهة بطلان العالم، محذرًا إيَّانا من الشكليات الحرفية الجافة، مقدمًا لنا مخافة الله علاجًا لضعفنا في العبادة. الآن يربط العبادة الروحية بالسلوك العملي المملوء محبة خالصة، مقدمًا لنا أيضًا مخافة الله سندًا لنا كي لا نخشى الظالمين، إذ يقول:

أ. إن رأيت ظلم الفقير ونزع الحق والعدل فلا ترتع من الأمر،
لأن فوق العالي عاليًا يُلاحظ والأعلى فوقهما" [8].
ليتنا لا نرتع من الأمر إذ نرى الظلم قد ساد على الأرض، فإنه يوجد في مقابل ذلك منظر معزي في السماء. الله الذي هو أعلى من كل عرش، وفوق كل سلطان يحقق حتمًا عنايته بالمظلومين وعدله في الوقت المناسب. إن كان الظالمون متعالين فمجد الله فوق السموات (مز 113).
لعل الجامعة قد خشي لئلا يرتع المؤمن من منظر الظلم الذي يسود الأرض فيخضع هو أيضًا للباطل، ويسلك بروح الظلم والقهر، بحجة أن العالم كله يسلك هكذا. بالحري يلزمه أن يلجأ إلى العالي أي إلى القضاء أو الحكام، فإن لم يجد من ينصف الفقير والمظلوم على الأرض يتدخل السماوي نفسه الأعلى من الكل.

ب. إن كان الفقير قد صار كالأرض لا نحتقره، فإنه يحتاج الكل إليه، حتى الملك يحتاج إلى خدمة الحقل وثماره: "منفعة الأرض للكلِ؛ الملك مخدوم من الحقل" [9]. كل الخليقة الحيَّة تحتاج إلى الأرض... منها تأكل البهائم، ومنها يأكل الملك... فلماذا نحتقرها؟!
لنعطِ حبًا لإخوتنا الفقراء ولا نحتقرهم، حتى إن صاروا في نظر الكثيرين أرضًا يطئون عليها بأقدامهم، فبحبنا لهم وخدمتنا لهم نُخدم نحن ويرتفع قلبنا إلى السماء عينها!
ج. لنحب الإخوة الفقراء والمظلومين حتى وإن صاروا أرضًا، لأنهم يخدموننا في يوم الرب العظيم حيث نسمع: "الحق أقول لكم بما أنكم فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر فبيّ فعلت" (مت 25: 40). نقدم لهم فضتنا ومقتنياتنا أو بالأحرى حبنا، فننتفع أبديًا، أما إن اكتنزنا ممتلكاتنا فلا تشبع نفوسنا [10]، ولا ننتفع بها [11]، لا تهبنا راحة [12]، بل قد تضرنا [‍‌13]... وهي زائلة... فإنها تتركنا [14] أو نحن نتركها بغير إرادتنا [15-16].
أولًا: حب الفضة غير مشبع:

"من يحب الفضة لا يشبع من الفضة،
ومن يحب الثروة لا يشبع من دخل" [10].
من يلتصق بالرب خلال التقوى ينتفع كثيرًا: "إن التقوى مع القناعة تجارة عظيمة" (1 تي 6: 6)، وكما يقول الرسول: "في كل شيء وفي جميع الأشياء قد تدربت أن أشبع..." (في 4: 18).أما من يلتصق بمحبة الغنى والثروات فيُوسع نفسه كالهاوية (حب 2: 5)، لا يستطيع العالم كله أن يشبعها.إنها كالعلوقة -وهي دودة تكثر في المستنقعات وتتعلق بالحيوانات، تشرب من المستنقعات وتمتص دماء الحيوانات ملتصقة بها جدًا- تقول "هات هات" (أم 30: 15).
* الذي يحب الِغنى يحلم بالذهب عند النوم، والذي يحب التجرد يُسرع (الذهب) إليه...
* أبناء الملكوت يدوسون الذهب مثل التراب، وأنت الآن افرح ولا تحمله...
* يا رب من يقتنيك خبز اليوم لا يحتاج لأنه غنى أكثر من أغنياء العالم جميعه.
القديس يعقوب السروجي
ثانيًا: لا منفعة لوفرة الغنى:

"إذا كثرت الخيرات كثر الذين يأكلونها،
وأي منفعة لصاحبها إلا رؤيتها بعينيه؟! [11].
إذ يزداد الإنسان غنى تزداد مسئولياته، فماذا ينتفع إن بقى قلبه شرهًا إلى محبة المال بينما العاملون معه يأكلون ببهجة وسرور؟! بمعنى آخر بينما يحترق قلب الغني بشهوة الغنى وبروح الطمع إذا بالذين يعيشون من خيراته أكثر منه سعادة... قد يربحون نفوسهم وينعمون بالغنى الأبدي أما هو فيخسر نفسه؟! لنعطهم حبنا فننتفع نحن أيضًا، وتصير محبتنا لهم هي غنانا الأبدي.
* كن بلا جشع ولا تكن بلا رحمة. إن كنتَ سيِّدَ الذهب، لا خادمًا له، تستعمله استعمالًا حسنًا... الجشع يجعلك عبدًا، والمحبة تصيِّرك حرًا.
القديس أغسطينوس
ثالثًا: حب الغنى يفقدنا الراحة:

إذ قارن بين الغني الذي لا يشبع قلبه بوفرة خيراته والعاملين عنده، وجد أن العاملين يأكلون من الخيرات بأجرتهم بينما قد يحرم الغني نفسه من الخيرات بسبب بخله وحبه للاقتناء، أو قد ينعم العاملون بالتمتع بالأكل أو الطعام السماوي خلال حياتهم التقوية بينما يُحرم الغني البخيل من المائدة السماوية... قد يقول قائل: لكن العاملين يشقون ويتعبون أما الغني ففي راحة يجني ثمر تعبهم. يعلق الجامعة على ذلك بالقول وإن كان العاملون الفقراء يتعبون جسديًا لكنهم ينعمون بلذة عند نومهم بغض النظر عن نوع الطعام الذي يأكلونه أو كميته، أما الغني الجشع فلا يستريح قلبه بالليل... يطير النوم من عينيه مفكرًا كيف يضاعف ثروته... لذلك قيل بحق: "لكنه يعطي حبيبه نومًا" (مز 127: 2).
"نوم المشتغل حلو إن أكل قليلًا أو كثيرًا،
ووفر الغني لا يريحه حتى ينام" [12].
يكسب العامل رزقه بالتعب لكنه ينام نومًا عميقًا وبلذة، أما الانشغال بمضاعفة الثروات فتُسبب الهموم والقلق...
* الفقير حتى إن كان عبدًا وعاجزًا عن أن يملأ بطنه تمامًا، إلا أنه على الأقل يستمتع بانتعاشة النوم، لكن شهوة الغني يُصاحبها دائمًا الأرق والليالي العديمة النوم وتوتر الفكر. أيشيء أكثر سخفًا من ذلك...؟!
القدِّيس غريغوريوس صانع العجائب
* يرى الجامعة إن الثروات تسبب لمقتنيها المتاعب، لأن فقدانها يُسبب له قلقًا وتوترًا شديدًا.إنها بحق في حكم المفقودة، لأنها تتُرك هنا، ولا فائدة منها للميت.
القديس أمبروسيوس
إن كان التعب الجسماني بسبب ضروريات الجسد يعطي لذة للجسم عند الليل، فكم بالأحرى ينعم المجاهد روحيًا باللذة الحقيقية عندما يتعب من أجل خلاص نفسه؟! إنه بحق ينام نوم الموت في عذوبة وحلاوة، لأنه يستريح من تعبه وأعماله تتبعه (رؤ 14: 13).
* كما أن حزم الفرح تتبع الذين يزرعون بالدموع، هكذا يتبع الفرح الذين عانوا صعوباتلأجل الله. الخبز المُقتنى بعرق كثير يبدو حلوًا للزراع، وحلوة هي أعمال البر للقلب الذي نال معرفة المسيح.
مار إسحق السرياني
إذ يُحذرنا خلال السفر كله من الاكتناز أو الجشع، فإنه يود أن يؤكد أنه لا يليق أيضًا أن نعيش في تراخٍ وخمول، إنما أن نعمل ونجاهد في حياتنا اليومية كما في عبادتنا فإن "نوم المشتغل حلو" [12].
رابعًا: حب الغنى أو الاكتناز مضر:

"يوجد شر خبيث رأيته تحت الشمس.
ثروة مصونة لصاحبها لضرره" [13].
الشر الذي رآه الحكيم تحت الشمس هو أن يتفرغ إنسان غني ليصون ثروته، فإذا بها تضره، وكما يقول في موضع آخر: "هكذا طُرق كل مولع بكسب؛ يأخذ نفس مقتنيه" (أم 1: 19). لا تكمن المشكلة في الغنى وإنما في الولع بالكسب، فقد وُجد أغنياء كثيرون اقتنوا نفوسهم بعدم ارتباكهم بالثروة.
* إبراهيم كان غنيًا وهو أول الجالسين في المتكأ بالملكوت.
* ولا أيضًا يوسف مال لمَّا وجد الغنى، ولم يعطله الغنى عن حب الله...
كان سهلًا على يوسف أن يسير في الطريق المرتفعة الكاملة حين كان غنيًا.
* الغنى خلقة حسنة، يُدنسها الجاهل.
* عسير على الغني أن يدخل الحياة من أجل غناه لأنه يحبه ولا يهتم بالملكوت.
القديس يعقوب السروجي
خامسًا: الغنى زائل يتركنا أو نحن نتركه:

بذات الجهد الذي يبذله الغني ليزداد غنى يتعرض لفقدان كل ما يملكه خلال مشروع خاسر... كم من أغنياء فقدوا كل ما يملكونه في لحظات عندما تصاب الأسواق المالية بكساد مفاجئ عالمي؟! وكم تحطمت شركات عالمية وأفلست لأن شركة ما قد أشهرت إفلاسها؟!
مهما عظم اهتمام الغني بثروته، فجأة يجدها كالطائر قد فلتت من بين يديه، وكما يقول الحكيم: "لا تتعب لكي تصير غنيًا؛كف عن فطنتك. هل تطير عينيك نحوه وليس هو؟! لأنه إنما يصنع لنفسه أجنحة، كالنسر يطير نحو السماء" (أم 23: 4-5).
قد يبذل الغني كل جهده ليترك لابنه ميراثًا ضخمًا فإذا به يترك له ثروة مثقلة بالديون:
"فهلكت تلك الثروة بأمر سِيئ ثم ولد ابنًا وما بيده شيء" [14].
إن لم يفقد ثروته بل يترك ميراثًا عظيمًا لابنه، فإنه هو نفسه سيتركها: "كما خرج من بطن أمه عريانًا يرجع ذاهبًا كما جاء، ولا يأخذ شيئًا من تعبه، فيذهب به في يده" [15].
* من هذا العالم الذي أحببتَهُ لن تحمل معك شيئًا، سوى الرذيلة، التي أحببتها.
القديس أغسطينوس
أخيرًا يقدم سليمان الحكيم صورة مُرّة لبعض الأغنياء الجشعين المحبين للمال، فإنهم وهم يملكون الكثير يأكلون كل أيام حياتهم في الظلام بغية توفير استهلاك الوقود! "أيضًا يأكل كل أيامه في الظلام ويغتم كثيرًا مع حزن وغيظ" [17].
3. فرح وشكر بعطايا الله:

18 هُوَذَا الَّذِي رَأَيْتُهُ أَنَا خَيْرًا، الَّذِي هُوَ حَسَنٌ: أَنْ يَأْكُلَ الإِنْسَانُ وَيَشْرَبَ وَيَرَى خَيْرًا مِنْ كُلِّ تَعَبِهِ الَّذِي يَتْعَبُ فِيهِ تَحْتَ الشَّمْسِ مُدَّةَ أَيَّامِ حَيَاتِهِ الَّتِي أَعْطَاهُ اللهُ إِيَّاهَا، لأَنَّهُ نَصِيبُهُ. 19 أَيْضًا كُلُّ إِنْسَانٍ أَعْطَاهُ اللهُ غِنًى وَمَالًا وَسَلَّطَهُ عَلَيْهِ حَتَّى يَأْكُلَ مِنْهُ، وَيَأْخُذَ نَصِيبَهُ، وَيَفْرَحَ بِتَعَبِهِ، فَهذَا هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ. 20 لأَنَّهُ لاَ يَذْكُرُ أَيَّامَ حَيَاتِهِ كَثِيرًا، لأَنَّ اللهَ مُلْهِيهِ بِفَرَحِ قَلْبِهِ.

إن كان المُحِب للغِنَى والاكتناز يعيش كما في الظلمة، يخشى لئلا يستهلك كثيرًا من الوقود... يعيش في حزن وغيظ، إذ لا يشعر بعناية الله به واهتمامه به، مهما نال فهو متذمر، فإن المؤمن الحقيقي على العكس يمارس حياته اليومية، مستخدمًا كل ما بين يديه بفرح، شاكرًا الله على عطاياه.
لقد قدم الكاتب ذات النصيحة في نهاية الأصحاح الثاني بعدما أكّد بخبرته الشخصية أن الملذات الحسِّية تعجز عن أن تشبع قلبه (جا 2: 24-26).
تتلخص نصيحته في الآتي:
أ. أن يأكل الإنسان ويشرب ويمارس عمله كعطايا إلهية [18].
ب. أن يحسب الغنى والمال أيضًا هبات إلهية [19].
ج. أن يمارس حياته اليومية بفرح في الرب [19]، فإن "الله ملهيه بفرح قلبه" [20]، أو كما يترجمها البعض: "لأن الله يعطيه سؤل قلبه فرحًا".
* إنها عطية الله أن يجني الإنسان ثمار تعبه بالفرح... مثل هذا الإنسان لا يُعاني من الانزعاج، ولا يُستعبد كل حياته للأفكار الشريرة، بل يقيس حياته بأعمال الخير، إذ أن قلبه صالح في كل شيء، يتهلل فرحًا بعطية الله.
القدِّيس غريغوريوس صانع العجائب
"لأن الله ملهيه بفرح قلبه" [20]، بمعنى أن الله يتطلع إلى الإنسان المؤمن كطفله المحبوب لديه الذي يلهيه بالحكمة السماوية وعربون المجد الأبدي والتعرف على بعض الأسرار كمن يودُّ أن يفرح قلبه. يقول الإنجيلي: "تهلل يسوع بالروح وقال: أحمدك أيها الآب رب السماء والأرض لأنك أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء وأعلنتها للأطفال" (لو 10: 21). هذه هي هبة الله لنا نحن أطفاله التي يُحرم منها حكماء هذا الدهر. هذه الهبة تفرح قلبنا أكثر من كل غنى العالم وثرواته!


 
قديم 19 - 01 - 2025, 06:32 PM   رقم المشاركة : ( 184306 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,293,539

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




الظلم والتجرد من الإنسانية:

1 ثُمَّ رَجَعْتُ وَرَأَيْتُ كُلَّ الْمَظَالِمِ الَّتِي تُجْرَى تَحْتَ الشَّمْسِ: فَهُوَذَا دُمُوعُ الْمَظْلُومِينَ وَلاَ مُعَزّ لَهُمْ، وَمِنْ يَدِ ظَالِمِيهِمْ قَهْرٌ، أَمَّا هُمْ فَلاَ مُعَزّ لَهُمْ. 2 فَغَبَطْتُ أَنَا الأَمْوَاتَ الَّذِينَ قَدْ مَاتُوا مُنْذُ زَمَانٍ أَكْثَرَ مِنَ الأَحْيَاءِ الَّذِينَ هُمْ عَائِشُونَ بَعْدُ. 3 وَخَيْرٌ مِنْ كِلَيْهِمَا الَّذِي لَمْ يُولَدْ بَعْدُ، الَّذِي لَمْ يَرَ الْعَمَلَ الرَّدِيءَ الَّذِي عُمِلَ تَحْتَ الشَّمْسِ.

يعلن الجامعة أن القهر هو سمة كل أعمال الإنسان [1]؛ ويظهر المقهورون عاجزين عن التصرف، فيمزق صراخهم قلب الجامعة. كان سليمان رقيق المشاعر جدًا فلم يحتمل دموع المظلومين، حاسبًا الأموات أكثر غبطة من الأحياء الذين يرون الظلم سائدًا في العالم، والسقط الذي لا يولد بل يموت كجنين في أحشاء أمه هو أكثر غبطة من الكل، لأنه "لم يَر العمل الرديء الذي عُمل تحت الشمس" [3].
لم يكن الجامعة متشائمًا في اشتهائه الموت، وإنما كان رقيقًا كل الرقة، لا يحتمل معاينة المظلومين، متشبهًا بسيِّده القائل: "حوِّلي عني عيناكِ فإنهما غلبتاني" (نش 6: 5)... وربما خشيَ الجامعة نفسه لئلاَّ يُشارك الكل الظلم ويكون ساقطًا فريسة له.
يعبِّر القديس أمبروسيوسعن مشاعر الجامعة الذي اشتهى الموت عن معاينة الظلم، قائلًا: [يؤكد الجامعة أن المولود ميتًا أفضل من المتقدم في العمر، لأنه لم يَر الشرور التي حلَّت في هذا العالم. إنه لم يأتِ إلى تلك الظلمة، ولم يمشِ في بطلان العالم، لذا فإن من لم يأتِ إلى تلك الحياة هو في أكثر راحة من الذي جاء إليها. حقًا، ما هو خير الإنسان في هذه الحياة؟ إنه يحيا في ظلام ولا يشبع في رغباته، وإذا ما أُتخم بالغنى يفتقد الراحة، إذ يلتزم بحراسة ما اقتناه من ممتلكات بسبب طمعه الشرير. لأنه اقتنى تلك القنية بشراهته وطمعه، فإنه يرى أنها لا تهبه خيرًا. ما أقسى أن يحرس الإنسان مقتنياته ويتعذب ولا يستفيد بوفرتها].
إن كان الجامعة يمتدح من مات في أحشاء أمه حتى لا يُعاين الظلم أو لئلاَّ يُشارك الناس ظلمهم وطمعهم وجشعهم، أليس بالأولى نطوّب من يموت بإرادته الحرة مع مسيحه المصلوب حبًا لله والناس.
وكما يقول العلامة أوريجانوس: [من ذا الذي يُمتدح بأكثر استحقاق من ذلك الذي يموت بكامل حرية إرادته من أجل دينه (إيمانه)؟!].
 
قديم 19 - 01 - 2025, 06:33 PM   رقم المشاركة : ( 184307 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,293,539

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

يعبِّر القديس أمبروسيوس


عن مشاعر الجامعة الذي اشتهى الموت عن معاينة الظلم، قائلًا: [يؤكد الجامعة أن المولود ميتًا أفضل من المتقدم في العمر، لأنه لم يَر الشرور التي حلَّت في هذا العالم. إنه لم يأتِ إلى تلك الظلمة، ولم يمشِ في بطلان العالم، لذا فإن من لم يأتِ إلى تلك الحياة هو في أكثر راحة من الذي جاء إليها. حقًا، ما هو خير الإنسان في هذه الحياة؟ إنه يحيا في ظلام ولا يشبع في رغباته، وإذا ما أُتخم بالغنى يفتقد الراحة، إذ يلتزم بحراسة ما اقتناه من ممتلكات بسبب طمعه الشرير. لأنه اقتنى تلك القنية بشراهته وطمعه، فإنه يرى أنها لا تهبه خيرًا. ما أقسى أن يحرس الإنسان مقتنياته ويتعذب ولا يستفيد بوفرتها].
 
قديم 19 - 01 - 2025, 06:34 PM   رقم المشاركة : ( 184308 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,293,539

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

إن كان الجامعة يمتدح من مات في أحشاء أمه حتى لا يُعاين الظلم
أو لئلاَّ يُشارك الناس ظلمهم وطمعهم وجشعهم، أليس بالأولى نطوّب
من يموت بإرادته الحرة مع مسيحه المصلوب حبًا لله والناس.
وكما يقول[من ذا الذي يُمتدح بأكثر استحقاق
من ذلك الذي يموت بكامل حرية إرادته من أجل دينه (إيمانه)؟!].


العلامة أوريجانوس:
 
قديم 19 - 01 - 2025, 06:35 PM   رقم المشاركة : ( 184309 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,293,539

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




حماقة السعي وراء الراحة:

4 وَرَأَيْتُ كُلَّ التَّعَبِ وَكُلَّ فَلاَحِ عَمَل أَنَّهُ حَسَدُ الإِنْسَانِ مِنْ قَرِيبِهِ. وَهذَا أَيْضًا بَاطِلٌ وَقَبْضُ الرِّيحِ. 5 اَلْكَسْلاَنُ يَأْكُلُ لَحْمَهُ وَهُوَ طَاوٍ يَدَيْهِ. 6 حُفْنَةُ رَاحَةٍ خَيْرٌ مِنْ حُفْنَتَيْ تَعَبٍ وَقَبْضِ الرِّيحِ.

ينتقد الجامعة الذين يركنون إلى التكاسل وطلب الراحة، إما لأنهم يشعرون بالظلم الذي حولهم فيُصابون بحالة من الإحباط، متسائلين: بماذا اِنتفع هؤلاء الذين اِقتنوا غنى وفيرًا؟ أو لأنهم في ممارستهم للظلم يطلبون أن يغتنوا على حساب اخوتهم، فيسعون إلى طلب الراحة في استرخاء ليجنوا ثمر تعب الغير. علىأي الأحوال يطلب الجامعة من المؤمنين حياة الاعتدال دون تطرف نحو التراخي والكسل أو المبالغة في طلب الغنى والاقتناء.
"ورأيت كل التعب وكل فلاح (نجاح) عمل أنه حسد الإنسان من قريبه، وهذا أيضًا باطل وقبض الريح" [4].
ما يظنه الإنسان نجاحًا في عمله حين يجمع ويكنز مقارنًا نفسه بغيره، حاسدًا قريبه الذي يقتني أكثر منه هو باطل وانقباض الريح... إذ يفسد طبيعة الإنسان الداخلية، حيث يدفعها إلى ممارسة الظلم والقهر عوض الحب والرحمة.
يقول القدِّيس غريغوريوس صانع العجايب: [قد أصبح واضحًا ليّ أيضًا كم هو خطير الحسد الذي يُصيب إنسانًا من جهة قريبه كلدغة روح شرير، ورأيت أن من يقع فريسة له، ويمتلئ به صدره، لا يسعه إلاَّ أن يأكل قلبه ويمزقه! ‍وتتهاوى نفسه، ويبلى جسده، إذ لا يجد تعزية في خيرات الآخرين].
يقول القدِّيس باسيليوس الكبير: [ما من شهوة أشد سوءًا وضررًا من الحسد. فهو لا يؤذي القريب بقدر ما يؤذي الإنسان الحاسد نفسه. فالحسد سوسة تنخر في أعماق قلب الإنسان، وتعمل فيه كما يعمل الصدأ بالحديد. هو كآبة نفس وحزن يصيب الإنسان لدى مشاهدة السعادة التي يتمتع بها الغير... وأشدّ ما في الحسد أنه داء يُطوى في الكتمان.ترى الحاسد خافض البصر، كالح الوجه، يشتكي باستمرار من عذاب داخلي مما يذبل وجهه ويضني جسده، فيهزل ويضعف. فهو يستحي أن يقول: "إنيّ حاسد" أشعر بالمرارة والحزن للخير الذي حصل عليه إنسان غيري، وإنيّ أتعذب لسعادة أصدقائي، ولا أطيق نجاح أترابي.إنيّ أرى أن سعادة الآخرين هي سيف يمزق أحشائي ويطعنني في الصميم...
الحاسد، علاوة على ما ذكرنا، يُفقد الإحساس والشعور الصحيح بالقيَم... عنده تصبح الفضيلة رذيلة، والخير شرًا.وهكذا الرجل الشجاع يعتبره الحاسد متهورًا، والعاقل بليدًا، والبار مجرمًا، والحكيم مرائيًا، والكريم مسرفًا ومبذِّرًا، والحريض بخيلًا. إن كل الفضائل تصبح عند الحاسد رذائل].
 
قديم 19 - 01 - 2025, 06:37 PM   رقم المشاركة : ( 184310 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,293,539

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

القدِّيس غريغوريوس صانع العجايب



[قد أصبح واضحًا ليّ أيضًا كم هو خطير الحسد الذي يُصيب إنسانًا
من جهة قريبه كلدغة روح شرير، ورأيت أن من يقع فريسة له،
ويمتلئ به صدره، لا يسعه إلاَّ أن يأكل قلبه ويمزقه!
وتتهاوى نفسه ويبلى جسده إذ لا يجد تعزية في خيرات الآخرين].
 
موضوع مغلق

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:47 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025