منتدى الفرح المسيحى  


merry christmas

ربنا باعتلك رسالة ليك أنت

الرسالة دى تحطها فى قلبك طول سنة 2025

يالا اختار رسالتك من الهدايا الموجودة وشوف ربنا هايقولك ايه


 رسائل الفرح المسيحى اليومية على قناة الواتساب | إضغط هنا 
Love_Letter_Send.gif

العودة  

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 19 - 12 - 2024, 05:02 PM   رقم المشاركة : ( 181481 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,281,003

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




الحياة مليئة بالقرارات التي ليس لها إرشادات أو توجيهات مطلقة ومحددة بالاسم في الكتاب المقدس. كم ساعة في اليوم يجب أن يقضيها أطفالي على الشاشات؟ هل من المقبول لعب بعض ألعاب الفيديو؟ هل يسمح لي بالذهاب في موعد مع زميل في العمل؟ هل من المقبول أن أتغيب عن العمل لأنني سهرت لوقت متأخر من الليلة السابقة؟ لدينا جميعًا مفاهيم عن الحق، ولكن كيف نعرف على وجه اليقين أن هذه الأفكار تأتي من الله؟ هل اسمع الله؟ أم أنني أسمع نفسي فقط؟ والأسوأ من ذلك، هل أسمع إغراءات الشيطان المتنكّر كقيادة الروح القدس؟ أحيانًا يكون التمييز بين أفكارنا وقيادة الله أمرًا صعبًا. وماذا لو كانت دوافعنا تأتي فعلاً من عدو أرواحنا وليس من الله؟ كيف نكون "مُسْتَأْسِرِينَ كُلَّ فِكْرٍ" (كورنثوس الثانية 10: 5) عندما لا نكون متأكدين من أين تأتي الأفكار؟

الأمر الأكثر شيوعًا هو أن الله يتواصل معنا اليوم من خلال الكتاب المقدس، كلمته الموحى بها، المحفوظة على مر القرون من أجلنا . فنتقدس من خلال الكلمة (يوحنا 17:17)، والكلمة هي نور لطريقنا (مزمور 119: 105). يمكن أن يرشدنا الله أيضًا خلال الظروف (كورنثوس الثانية 2: 12)، وتوجيهات الروح القدس (غلاطية 5: 16)، والمرشدين الأتقياء الذين يقدمون المشورة الحكيمة (أمثال 12: 15). إذا أراد الله أن يتحدث إلينا فلا شيء يمكن أن يمنعه.
 
قديم 19 - 12 - 2024, 05:02 PM   رقم المشاركة : ( 181482 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,281,003

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




الصلاة


إذا كنا مرتبكين بشأن ما إذا كنا نسمع الله أم لا، فمن الجيد أن نصلي طالبين الحكمة (يعقوب 1: 5). (من الجيد أن نصلي من أجل الحكمة حتى عندما لا نعتقد أننا مرتبكون!) يجب أن نطلب من الله أن يوضح لنا مشيئته بوضوح. ويجب على من يصلي أن يكون "غَيْرَ مُرْتَابٍ ظ±لْبَتَّةَ، لِأَنَّ ظ±لْمُرْتَابَ يُشْبِهُ مَوْجًا مِنَ ظ±لْبَحْرِ تَخْبِطُهُ ظ±لرِّيحُ وَتَدْفَعُهُ" (يعقوب 1: 6). أما من ليس لديه إيمان "فَلَا يَظُنَّ ذَلِكَ ظ±لْإِنْسَانُ أَنَّهُ يَنَالُ شَيْئًا مِنْ عِنْدِ ظ±لرَّبِّ." (يعقوب 1: 7).

تحدث إلى الله في الصلاة وانتظر بجدية إجابته. ومع ذلك، ضع في اعتبارك أن الله لا يعطينا كل ما نرغب فيه، وأحيانًا تكون إجابته "لا". إنه يعرف ما نحتاج إليه في أي وقت، وسوف يُظهر لنا ما هو الأفضل. إذا قال الله "لا"، فيمكننا أن نشكره على وضوح توجيهه والمضي قدمًا من هناك.

 
قديم 19 - 12 - 2024, 05:04 PM   رقم المشاركة : ( 181483 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,281,003

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




دراسة الكلمة
يُدعى الكتاب المقدس "كلمة الله" لسبب - فهو الطريقة الأساسية التي يتحدث بها الله إلينا. إنه أيضًا الطريقة التي نتعلم بها عن شخصية الله وتعاملاته مع الناس عبر التاريخ. كل الكتاب المقدس "مُوحًى بِهِ مِنَ ظ±للهِ" وهو المرشد للحياة الصالحة (تيموثاوس الثانية 3: 16-17). بينما نتكلم مع الله في الصلاة، يتحدث هو إلينا من خلال كلمته. لذلك، يجب أن نعتبر كلمات الكتاب المقدس التي نقرأها هي كلمات الله ذاته.

يجب أن يتم إحضار أي فكر أو رغبة أو ميل أو دافع قد يكون لدينا أمام كلمة الله للمقارنة والتأييد. ليكن الكتاب المقدس هو الحكم على كل فكرة. "لِأَنَّ كَلِمَةَ ظ±للهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ ظ±لنَّفْسِ وَظ±لرُّوحِ وَظ±لْمَفَاصِلِ وَظ±لْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ ظ±لْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ" (عبرانيين 4: 12). بغض النظر عن مدى شدة الدافع، إذا كان يتعارض مع ما يقوله الكتاب المقدس، فهو ليس من الله ويجب رفضه.
 
قديم 19 - 12 - 2024, 05:06 PM   رقم المشاركة : ( 181484 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,281,003

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




اتباع قيادة الروح القدس
الروح القدس هو الله - كائن إلهي له عقل ومشاعر وإرادة. وهو معنا دائمًا (مزمور 139: 7-8). ويشمل عمله التشفع من أجلنا (رومية 8: 26-27) ومنح المواهب للكنيسة (كورنثوس الأولى 12: 7-11).

يريد الروح القدس أن يملأنا (أفسس 5: 18) وينتج فينا ثمره (غلاطية 5: 22-25). بغض النظر عن القرارات التي نتخذها يومًا بعد يوم، لا يمكننا أن نخطئ عندما نظهر المحبة والفرح والسلام،...الخ. لمجد الله. يجب أن نتعلم كيف "نمتحن الأرواح" عندما تتبادر إلى أذهاننا أفكارًا عشوائية (يوحنا الأولى 4: 1). هل اتباع هذا الميل يؤدي إلى مزيد من التشبه بالمسيح؟ هل الخوض في هذا الفكر ينتج المزيد من ثمر الروح فيّ؟ لن يقودنا الروح القدس إلى إشباع رغبات الجسد الخاطئة (غلاطية 5: 16)؛ سيقودنا دائمًا نحو التقديس (بطرس الأولى 1: 2). الحياة على الأرض معركة روحية. والعدو حريص على تشتيت انتباهنا لإلهاءنا عن مشيئة الله (بطرس الأولى 5: 8). يجب أن نكون يقظين للتأكد من أن ما ننتبه إليه هو أكثر من مجرد شعور ولكنه حقًا من الله نفسه.

 
قديم 19 - 12 - 2024, 05:07 PM   رقم المشاركة : ( 181485 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,281,003

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




أن الله يريد أن يوضح لنا الطريق الصحيح الذي نسلكه.
وهو لا يسعى لإخفاء إرادته عن أولئك الذين يطلبونه.

إليك بعض الأسئلة الجيدة التي يجب طرحها عند فحص ما إذا كنا نسمع الله أم لا: هل الدوافع محيرة أو غامضة؟ الله ليس إله التخبط؛ فهو من يجلب السلام (كورنثوس الأولى 14:33). هل تتعارض الأفكار مع كلمة الله؟ لن يناقض الله نفسه. هل اتباع هذه الأوامر يؤدي إلى الخطية؟ الذين يسلكون بالروح "قَدْ صَلَبُوا ظ±لْجَسَدَ مَعَ ظ±لْأَهْوَاءِ وَظ±لشَّهَوَات" (غلاطية 5: 24-25).

بالإضافة إلى ذلك، من الجيد طلب المشورة من صديق أو فرد من العائلة أو راعي الكنيسة (أمثال 15:22). رعاتنا موجودون لمساعدتنا ورعايتنا: "أَطِيعُوا مُرْشِدِيكُمْ وَظ±خْضَعُوا، لِأَنَّهُمْ يَسْهَرُونَ لِأَجْلِ نُفُوسِكُمْ كَأَنَّهُمْ سَوْفَ يُعْطُونَ حِسَابًا، لِكَيْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ بِفَرَحٍ، لَا آنِّينَ، لِأَنَّ هَذَا غَيْرُ نَافِعٍ لَكُمْ" (عبرانيين 13: 17).

 
قديم 19 - 12 - 2024, 05:08 PM   رقم المشاركة : ( 181486 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,281,003

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




لا يريدنا الله أن نفشل
كلما اصغينا إلى الله، كلما استطعنا تمييز صوته بصورة أفضل
عن الأصوات الأخرى في أذهاننا.
يعطينا يسوع، الراعي الصالح، هذا الوعد بأنه
"يَذْهَبُ أَمَامَهَا، وظ±لْخِرَافُ تَتْبَعُهُ، لِأَنَّهَا تَعْرِفُ صَوْتَهُ." (يوحنا 10: 4).
قد يتكلم آخرون، "وَلَكِنَّ ظ±لْخِرَافَ [لا] تَسْمَعْ لَهُمْ" (الآية 8).
كلما عرفنا الراعي بشكل أفضل، صار القلق بشأن الإصغاء إلى الصوت الخطأ أقل.
 
قديم 19 - 12 - 2024, 05:19 PM   رقم المشاركة : ( 181487 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,281,003

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

Rose رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



تأديبَات الرب لهم



إذ استسلم الشعب للمرض ورفضوا الله كطبيب، اِلتزم بمحاصرتهم بالضيق حتى يشعروا بمرارة حالهم فيطلبونه ليخلصهم.

1. تأديبهم بهجوم الأعداء عليهم:

1 «إِلَى فَمِكَ بِالْبُوقِ! كَالنَّسْرِ عَلَى بَيْتِ الرَّبِّ. لأَنَّهُمْ قَدْ تَجَاوَزُوا عَهْدِي وَتَعَدَّوْا عَلَى شَرِيعَتِي.

"إلى فمك بالبوق، كالنسر على بيت الرب" [ع1].
إذ فتح الله عن بصيرة النبي أدرك ما سيحل بالشعب من مرارة بسبب رفضه العلاج من يد طبيبه الحقيقي، فأنَّت نفسه فيه ولم يدري ماذا يفعل، لكن الله أمره أن يمسك بالبوق ويضعه في فمه فقد حان وقت الإنذار. طالبه أن يضرب بالبوق ليجتمع الشعب كله ويرى العدو مهاجمًا كنسر سريع ينقضّ على الفريسة ويحلق في الجو.
لئلا يظن الشعب أن الله لن يسمح لهم بالسبي، لأنه شعب مختار من قبل الله، أكدّ الله نفسه "كالنسر على بيت الرب"، وكأنه يقول: إني أعرف أنكم بيت الله (عب 3: 6) لكنني سمحت للعدو أن ينقضّ عليكم كالنسر لأنكم أفسدتم مقدسي ودنستموه. إنني أحب بيتي وأسكن فيه واحفظه بملائكتي، لكنني أرسل عليه العدو كنسر ينقضّ ليخطف ويحلق، إن تجاسرتم عليَّ واِزدريتم بمقادسي.
2. تحطيمهم لأنفسهم

1 «إِلَى فَمِكَ بِالْبُوقِ! كَالنَّسْرِ عَلَى بَيْتِ الرَّبِّ. لأَنَّهُمْ قَدْ تَجَاوَزُوا عَهْدِي وَتَعَدَّوْا عَلَى شَرِيعَتِي. 2 إِلَيَّ يَصْرُخُونَ: يَا إِلهِي، نَعْرِفُكَ نَحْنُ إِسْرَائِيلَ. 3 «قَدْ كَرِهَ إِسْرَائِيلُ الصَّلاَحَ فَيَتْبَعُهُ الْعَدُوُّ. 4 هُمْ أَقَامُوا مُلُوكًا وَلَيْسَ مِنِّي. أَقَامُوا رُؤَسَاءَ وَأَنَا لَمْ أَعْرِفْ. صَنَعُوا لأَنْفُسِهِمْ مِنْ فِضَّتِهِمْ وَذَهَبِهِمْ أَصْنَامًا لِكَيْ يَنْقَرِضُوا. 5 قَدْ زَنِخَ عِجْلُكِ يَا سَامِرَةُ. حَمِيَ غَضَبِي عَلَيْهِمْ. إِلَى مَتَى لاَ يَسْتَطِيعُونَ النَّقَاوَةَ! 6 إِنَّهُ هُوَ أَيْضًا مِنْ إِسْرَائِيلَ. صَنَعَهُ الصَّانِعُ وَلَيْسَ هُوَ إِلهًا. إِنَّ عِجْلَ السَّامِرَةِ يَصِيرُ كِسَرًا.

ما يحل عليهم وإن كان بسماح من الله لكنهم هم الذين يحطمون أنفسهم بأنفسهم، هذا ما يعلنه لهم الرب موضحًا أسباب تأديبهم:
أولًا: يقول: "لأنهم قد تجاوزوا عهدي وتعدوا على شريعتي" [ع1]. كأنه يقول اخترتكم عروسًا لي وأقمت معكم عهد الزوجية، لكنكم خنتم العهد وكسرتموه. واخترتكم كأبناء وقدمتُ لكم شريعتي كوصية أبوية فعصيتم وصيتي واحتقرتم أبوتي.
ثانيًا: في الوقت الذي فيه خانوا العهد وعصوا الوصية غفلوا أنفسهم بمظهر العبادة الخارجي بلا روح، إذ يقول: "إليَّ يصرخون يا إلهي نعرفك نحن إسرائيل" [ع2]. يرفضونه بأعمالهم وقلوبهم ويطلبونه بشفاههم. يعطونه القفا في حياتهم اليومية، لكنهم إذ يجتمعون للعبادة يصرخون إليه قائلين: "يا إلهي نعرفك نحن إسرائيل"، وكأنهم يريدون أن يذكروه بأنهم الشعب المختار الذي لن يسمح له الله بأذية!
ثالثًا: خيانتهم للعهد الزوجي أو عصيانهم للوصية الأبوية لا يتم عن ضعف كأمر عارض، إنما ينبع عن قلب دنس وإرادة شريرة وعن كراهية داخلية للحياة المقدسة، إذ يقول: "قد كره إسرائيل الصلاح فيتبعه العدو" [ع3]. إذ كره إسرائيل الحياة المقدسة لذلك سلم الله بيته - أيّ شعبه - الذي كان يليق به أن يكون مقدسًا للرب لملك آشور الذي سَبَى مملكة الشمال، ولما كره يهوذا الرب سلم الله مملكة يهوذا بما احتوته من مدينة أورشليم وهيكله في يدي نبوخذ نصر. على أيّ الأحوال، إن كان الله قد عرفنا كشعبه الخاص، فإننا إذ نرفض معرفته عمليًا يسلمنا للتأديب، قائلًا لنا: "إياكم فقط عرفتُ من جميع قبائل الأرض، لذلك أعاقبكم على جميع ذنوبكم" (عا 3: 2).
رابعًا: يضيف إلى كراهيتهم للصلاح، الخطأ التالي: "هم أقاموا ملوكًا وليس مني، أقاموا رؤساء وأنا لم أعرف" [ع4]. في دراستنا للأصحاح السابع رأينا الملك يشير إلى الإرادة الإنسانية التي تملك على الإنسان كله وتسيطر عليه، والرؤساء يشيرون إلى طاقات الإنسان ومواهبه خاصة القيادية.
فإقامتهم للملوك من ذواتهم وليس من قبل الله يشير إلى سلوكهم حسب إرادتهم الذاتيّة، وتدبيرهم لأمور حياتهم دون الالتجاء إلى الله أو طلب مشورته؛ أما قوله: "أقاموا رؤساء وأنا لم أعرف" فتعني أن مواهبهم وطاقاتهم تعمل ليس لحساب مملكة الله، فصاروا غرباء عنه لا يعرفون الله ولا يستحقون معرفة الله لهم.
الله في محبته لنا يريدنا أن نرجع إليه في كل شيء، فلا نقيم في داخلنا ملوكًا أو رؤساء بدون مشورته، إنما نفعل كيفتاح الذي "تكلم بجميع كلامه أمام الرب في المصفاة" (قض 11: 11)، فلا يُقال عنا "لا ينظرون إلى قدوس إسرائيل" (إش 31: 1).
وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [إنه مشتاق إلينا جدًا أن نحتمي دائمًا فيه، ومنه نطلب كل شيء، وبدونه لا نفعل شيئًا ولا ننطق بكلمة... فإن هذه هي عادة المحبين إذ يطلبون من محبوبيهم أن يرتبطوا بهم فلا يفعلون شيئًا ولا ينطقون بكلمة بدونهم.]
ما نقوله بخصوص الملوك والرؤساء في داخل النفس أيّ الإرادة الإنسانية والطاقات والمواهب نكرره بخصوص الكنيسة كجماعة المؤمنين، فإنه لا يليق إقامة أسقف أو كاهن دون مشورة الرب.
كتب القديس كبريانوس في إحدى رسائله عن الهراطقة: [يوجد بلا شك أساقفة أُقيموا ليس حسب إرادة الله، بل هم كمن خارج الكنيسة. هؤلاء أُقيموا على خلاف نظام الإنجيل وتقليده، كما قال الرب بالأنبياء: "ويل للبنين المتمردين يقول الرب حتى إنهم يجرون رأيًا وليس مني، ويقيمون عهدًا وليس بروحي ليزيدوا خطية على خطية" (إش 30: 1 الترجمة السبعينية)].
كما كتب في رسالة أخرى: [أحيانًا يُسام أساقفة غير مستحقين، هؤلاء يسامون لا حسب إرادة الله وإنما حسب التدبير البشري، فتتم السيامة بطريقة غير شرعية ولا تقوية، الأمر الذي يحزن الله كما أُعلن في هوشع النبي.]
يكمل الرب عتابه مع شعبه، قائلًا: "صنعوا لأنفسهم من فضتهم وذهبهم أصنامًا لكي ينقرضوا" [ع4]. لقد صنعوا تماثيل للآلهة الوثنية، فخسروا ما يملكونه من فضة وذهب ليقتنوا غضب الله وهلاكهم، وكأنهم يشترون بفضتهم وذهبهم ما يقرضهم ويفنيهم.
إن كانت الفضة تشير إلى كلمة الله المُصفاة سبع مرات، والذهب يشير إلى الحياة الروحيّة، فإنه كثيرًا ما يسيء البعض استخدام كلمة الله والحياة الروحيّة لتكون لهلاكهم عوض بنيانهم الروحي، كأن يقيمون كلمة الوعظ أو يمارسون الحياة النسكية لا بروح الاتضاع أمام الله، وإنما بروح الاعتداد بالذات لحساب كرامتهم الخاصة.
يقول أيضًا: "قد زنخ عجلكِ يا سامرة" [ع5]. إنه يشير إلى بداية الثورة ضد مملكة داود حين انشق يربعام عن المملكة وإذ خشى أن يرجع الشعب بقلبه إلى أورشليم فيقتلوه ويتبعوا رحبعام ملك يهوذا صنع عجلي ذهب (1 مل 12: 28)، أقام واحدًا في بيت إيل والآخر في دان، وقال للشعب: "كثير عليكم أن تصعدوا إلى أورشليم، هوذا آلهتك يا إسرائيل الذين أصعدوك من أرض مصر" (1 مل 12: 28) . ويبدو أن إقامة العجول في البداية لم يكن القصد بها التعبد للأوثان وإنما كانوا يظنون أن يهوه حالّ عليها، لكن تدريجيًا تحولت إلى عبادة وثنية. ويبدو أن العجل الذي في دان قد انتقل إلى السامرة حين صارت عاصمة لمملكة الشمال. على أيّ الأحوال إن كان الله قد سمح ليربعام أن يتمم مشورته ضد رحبعام بن سليمان كتأديب على خطايا سليمان، لكن يربعام يُدان على صنعه هذا، خاصة من أجل إقامته مقدسات خارج أورشليم صارت مراكز خطيرة لنشر العبادة الوثنية ورجاساتها.
لقد زنخ عجل السامرة أو سبح، إذ فقد بهاءه حتى في أعين عابديه، لأنه لم يستطيع أن ينقذ نفسه ولا خلصهم من يد ملك آشور. "إن عجل السامرة يصير كسرًا" [ع6]، أيّ يتحطم كإناء فخاري ترابي إلى كسر لا يمكن معالجتها. لقد أقاموا لأنفسهم إلهًا هو من عمل أيديهم فتحطم وحطمهم معه. إنها صورة مرة لكثيرين يقيمون لأنفسهم من ذهبهم عجلًا في سامرتهم، أيّ يقيمون ذواتهم آلهة في قلوبهم الفاسدة، هذه الذات وقد صارت إلهًا احتلت مركز الله الحيّ في أورشليم الداخلية، لذا تهوى وتتحطم من علو تشامخها.
لقد حمى غضب الله عليهم [ع5]، إذ أخذوا ذهبه الذي وهبهم إياه ليكون ذهبهم، وعوض أن يستخدموه لحساب مجد الله أقاموا به عجلًا في سامرتهم، بلا جمال، يتحطم إلى كسر بلا علاج... إنهم يرفضون الله القدوس ولا يطيقون النقاوة... "إلى متى لا يستطيعون النقاوة؟!" [ع5].
3. فقدانهم الشبع والسرور

7 «إِنَّهُمْ يَزْرَعُونَ الرِّيحَ وَيَحْصُدُونَ الزَّوْبَعَةَ. زَرْعٌ لَيْسَ لَهُ غَلَّةٌ لاَ يَصْنَعُ دَقِيقًا. وَإِنْ صَنَعَ، فَالْغُرَبَاءُ تَبْتَلِعُهُ. 8 قَدِ ابْتُلِعَ إِسْرَائِيلُ. الآنَ صَارُوا بَيْنَ الأُمَمِ كَإِنَاءٍ لاَ مَسَرَّةَ فِيهِ. 9 لأَنَّهُمْ صَعِدُوا إِلَى أَشُّورَ مِثْلَ حِمَارٍ وَحْشِيٍّ مُعْتَزِل بِنَفْسِهِ. اسْتَأْجَرَ أَفْرَايِمُ مُحِبِّينَ. 10 إِنِّي وَإِنْ كَانُوا يَسْتَأْجِرُونَ بَيْنَ الأُمَمِ، الآنَ أَجْمَعُهُمْ فَيَنْفَكُّونَ قَلِيلًا مِنْ ثِقْلِ مَلِكِ الرُّؤَسَاءِ.

بعد أن أعلن عن تأديبهم بعدوّ يهاجم أرضهم ويسلبهم كل شيء، كاشفًا لهم أسباب التأديب ختم حديثه بإعلان أن الشر لا يشبع الإنسان ولا يهبه سرورًا، إذ يقول: "إنهم يزرعون الريح ويحصدون الزوبعة" [ع7]. لقد تكبدوا المشقات في تهيئة كل شيء للزراعة، وإذا بهم يزرعون ريحًا، وإذ أرادوا الحصد جمعوا قلاقل وهموم وكآبة (زوبعة). حقًا "إنهم يتعبون بطلًا" (أِش 65: 23)، "يتعبون للريح" (جا 5: 16)، "وللباطل يعيون" (حب 2: 13). وكما يقول الرسول أن الذين يزرعون للجسد يحصدون فسادًا (غل 6: 8).
"زرع ليس له غلة لا يصنع دقيقًا" (ع 7)... بذلوا كل الجهد في البذر والزرع لكنهم لم يجنوا غلة تقدم دقيقًا للأكل. زرعهم كالسنابل التي رآها فرعون في الحلم هزيلة للغاية، لفحتها الريح الشرقية.
"وإن صنع فالغرباء تبتلعه" [ع7]، حتى أن قدمت غلة، فلا يستطيعون استخدامها، إذ يسلبهم الغرباء كل حصادهم. لقد سلموا أنفسهم للآلهة الغريبة، هذه التي لا تعطي بل تبتلع، ولا تبارك بل تدنس.
ليتهم فقدوا تعبهم في الزرع والحصاد فحسب، حتى ما استطاعوا أن يجنوه ابتلعه الغرباء، وإنما خسروا أيضًا كرامتهم، فصاروا محتقرين ومرذولين من نفس الأمم الذين امتثلوا بهم وعبدوا آلهتهم وسلكوا بروحهم الشرير. "الآن صاروا بين الأمم كإناء لا مسرة فيه، لأنهم صعدوا مثل حمار وحشي معتزل بنفسه" [ع8-9] إذ هم يجارون الأمم في شرهم إذا بالأمم يزدرون بهم، وفيما هم يلتجئون إلى آشور إذا به يتطلع إليهم كحمار وحشي معتزل بنفسه. صاروا كحمار وحشي فقدوا لطفهم ومحبتهم ورقتهم باِعتزالهم إلههم واهب الحياة المقدسة الفاضلة. حملوا روح الانعزالية عوض روح الحب الذي يملح الأرض حتى لا تفسد، فسدوا فصاروا لا يصلحون إلاَّ لأن يُداسوا من الناس (مت 5: 13).
الخطية تنزع عن النفس بهاءها الروحي حتى في أعين الأشرار، وتخلق فيه روح العزلة الداخلية والأنانية عوض الحب الحقيقي الباذل.
"استأجر إفرايم محبين" [ع9]، أيّ قدّم إفرايم الكثير للأمم ليكسب صداقتهم، لكن شره أفقده مهابته وجماله الروحي حتى في أعين هؤلاء المأجورين. لهذا ففي الوقت المناسب لم يسندوا إفرايم أو إسرائيل بل ابتلعوه [ع8]، وصارت الحاجة لا إلى مجاملات بشريّة بل يد الله القوية القادرة وحدها أن تخلصهم من العبودية القاسية: "الآن اجمعهم فينفكون قليلًا من ثقل ملك الرؤساء" [ع10].
4. دعوتهم للعبودية الأولى

11 «لأَنَّ أَفْرَايِمَ كَثَّرَ مَذَابحَ لِلْخَطِيَّةِ، صَارَتْ لَهُ الْمَذَابحُ لِلْخَطِيَّةِ. 12 أَكْتُبُ لَهُ كَثْرَةَ شَرَائِعِي، فَهِيَ تُحْسَبُ أَجْنَبِيَّةً. 13 أَمَّا ذَبَائِحُ تَقْدِمَاتِي فَيَذْبَحُونَ لَحْمًا وَيَأْكُلُونَ. الرَّبُّ لاَ يَرْتَضِيهَا. الآنَ يَذْكُرُ إِثْمَهُمْ وَيُعَاقِبُ خَطِيَّتَهُمْ. إِنَّهُمْ إِلَى مِصْرَ يَرْجِعُونَ. 14 وَقَدْ نَسِيَ إِسْرَائِيلُ صَانِعَهُ وَبَنَى قُصُورًا، وَكَثَّرَ يَهُوذَا مُدُنًا حَصِينَةً. لكِنِّي أُرْسِلُ عَلَى مُدُنِهِ نَارًا فَتَأْكُلُ قُصُورَهُ».

إذ أرادوا مراضاة الأمم وكسب صداقتهم وودهم صنعوا لأنفسهم مذابح وثنية يمارسون فيها الرجاسات جنبًا إلى جنب مع عبادتهم لله، لذلك رفض الله عبادتهم وتقدماتهم وحسب ذبائحهم لحمًا وأكلًا... "أما ذبائح تقدماتي فيذبحون لحمًا ويأكلون، الرب لا يرتضيها" [ع13]. هم تركوا الله مخلصهم واتكأوا على الأمم، لهذا يتركهم الله فيرتدون إلى عبوديتهم الأولى التي سبق فخلصهم منها... "وقد نسى إسرائيل صانعه وبنى قصورًا وأكثر يهوذا مدنًا حصينة، لكني أرسل على مدنه نارًا فتأكل قصوره" [ع14].


الفرح الباطل

ظن إسرائيل أنه يفرح كبقية الأمم عندما ينطلق من عبادة الله الحيّ إلى عبادات الوثنية، وكأنه بالابن المسرف الذي طلب نصيبه من أبيه لينطلق مع أصدقائه، يقضي أيامه في اللهو والمسرات، لكن هذا الفرح الباطل يصحبه مرارة داخلية وغمّ مع كآبة النفس، وذلك للأسباب الآتية:

1. تحول عبادتهم إلى خبز حزن

1 لاَ تَفْرَحْ يَا إِسْرَائِيلُ طَرَبًا كَالشُّعُوبِ، لأَنَّكَ قَدْ زَنَيْتَ عَنْ إِلهِكَ. أَحْبَبْتَ الأُجْرَةَ عَلَى جَمِيعِ بَيَادِرِ الْحِنْطَةِ. 2 لاَ يُطْعِمُهُمُ الْبَيْدَرُ وَالْمِعْصَرَةُ، وَيَكْذِبُ عَلَيْهِمِ الْمِسْطَارُ. 3 لاَ يَسْكُنُونَ فِي أَرْضِ الرَّبِّ، بَلْ يَرْجِعُ أَفْرَايِمُ إِلَى مِصْرَ، وَيَأْكُلُونَ النَّجِسَ فِي أَشُّورَ. 4 لاَ يَسْكُبُونَ لِلرَّبِّ خَمْرًا وَلاَ تَسُرُّهُ ذَبَائِحُهُمْ. إِنَّهَا لَهُمْ كَخُبْزِ الْحُزْنِ. كُلُّ مَنْ أَكَلَهُ يَتَنَجَّسُ. إِنَّ خُبْزَهُمْ لِنَفْسِهِمْ. لاَ يَدْخُلُ بَيْتَ الرَّبِّ. 5 مَاذَا تَصْنَعُونَ فِي يَوْمِ الْمَوْسِمِ، وَفِي يَوْمِ عِيدِ الرَّبِّ؟ 6 إِنَّهُمْ قَدْ ذَهَبُوا مِنَ الْخَرَابِ. تَجْمَعُهُمْ مِصْرُ. تَدْفِنُهُمْ مُوفُ. يَرِثُ الْقَرِيصُ نَفَائِسَ فِضَّتِهِمْ. يَكُونُ الْعَوْسَجُ فِي مَنَازِلِهِمْ.

"لا تفرح يا إسرائيل طربًا كالشعوب، لأنك قد زنيت عن إلهك، أحببت الأجرة على جميع بيادر الحنطة. لا يطعمهم البيدر والمعصرة ويكذب عليهم المسطار" [ع1-2].
ظن إسرائيل أن الشعوب المحيطة بعبادتها الوثنية التي اتسمت بالولائم الكثيرة والرجاسات واللهو أكثر منه حظًا وطربًا، لذا اشتاق أن يتمثل بهذه الشعوب ويسلك على منوالها. لكن حتى أن فرحت الشعوب وامتلأت طربًا وسط الرجاسات... وهذا أمر مظهري يرافقه غم داخلي وكآبة، فإن إسرائيل في اِمتثاله بهذه الشعوب يُحسب زانيًا عن إلهه، فيسقط تحت التأديب المر. لقد اختاره الله شعبًا له يلتزم بشريعته المقدسة، فإن انحرف قام بدور زانية تستحق الرجم. هكذا إلى هذا اليوم متى سقط مؤمن في خطية حلّ به التأديب بطريقة أسرع وأقسى مما يحل بالأشرار، لأنه مختار من الله، وابن له يلتزم تأديبه، يقول المرتل: "لا تُغر من الأشرار ولا تحسد عمال الإثم... تلذذ بالرب فيعطيك سؤل قلبك" (مز 37: 1، 4).


يظن الإنسان أن السير وراء الشهوات يشبعه، قائلًا: "أذهب وراء محبيّ الذين يعطون خبزي ومائي، صوفي وكتاني، زيتي وأشربتي" (هو 2: 5). هذه هي الأجرة التي يشتهي الإنسان نوالها من الآلهة الأخرى أفضل من بركة الرب المعلنة في "جميع بيادر الحنطة". يطلب الأجرة الزمنية الزائلة لا بركة الرب الدائمة في مخازن القمح المشبعة لنفسه، فإذا به يخسر هذه وتلك، إذ لا يطعمه البيدر والمعصرة، ويكذب عليه المسطار الذي ظن فيه فرحه وبهجته.
من الجانب التاريخي تحقق ذلك في حياة هذا الشعب الذي كان يجري نحو رجاسات الأمم المحيطة به فإذا به يسقط تحت سبي آشور فيُحرم من حريته وممتلكاته وخيرات أرضه، كما يُحرم من عبادة الله الحيّ؛ فقد اللذات الأرضية والبركات الروحيّة.
حرمانهم من الفرح هو ثمر طبيعي لزناهم عن إلههم، فلا يقبل الله عبادتهم ولا سكيب خمرهم (علامة الفرح) ولا يُسر بذبائحهم، فتصير تقدماتهم مرفوضة ونجسة لأنها تصدر عن زناه روحيًا، وتتحول هذه التقدمات إلى "خبز حزن" يرجع إليهم ليأكلوه في مرارة عوض أن يتقبله رائحة رضا.
لا تقف العقوبة عند حرمانهم من الفرح ومن الشبع، وإنما تصل إلى الطرد النهائي من أرض الرب التي سبق فوهبهم إياها كأرض موعد تفيض لبنًا وعسلًا، قائلًا: "لا يسكنون في أرض الرب" إذ يُحملون إلى السبي، وهناك يحرمون من كل شيء: "لا يسكبون للرب خمرًا، ولا تسره ذبائحهم، إنما لهم خبز الحزن كل من أكله يتنجس، أن خبزهم لأنفسهم، لا يدخل بيت الرب" [ع4]. ففي أرض السبي يعيشون كما في أرض نجسة، ليس لهم شيء طاهر يمكن أن يقدموه للرب القدوس! لقد كانوا قبلًا في أرض الرب المقدسة، وإذ انسحبت قلوبهم إلى خارج بيت الرب ودخلوا بالرجاسات إلى المقادس، طُردوا من المقادس وحرموا من ممارسة عبادة نقية مقبولة لدى الرب.
أقول إنها صورة مرة للنفس غير الأمينة التي يدخل بها الرب لا إلى أرض الموعد، بل يقيم ملكوته فيها ويهبها دمه المقدس علامة خلاصها، ويمنحها روحه ساكنًا فيها، لكنها في عدم أمانة تكسر العهد الجديد وترتبط بالرجاسات مستهينة بعطايا الله الفائقة، وكما يقول الرسول بولس: "من خالف ناموس موسى على شاهدين أو ثلاثة شهود يموت بدون رأفة، فكم عقابًا أشر تظنون أنه يُحسب مستحقًا من داس ابن الله، وحسب دم العهد الذي قُدس به دنسًا، وازدرى بروح النعمة" (عب 10: 28-29)... مثل هذا يفقده عطايا الله له، وتصير بركات العهد الجديد سر دينونة وشهادة ضده. مثل هذه النفس إن قدمت عبادة - أيا كانت - لا يتقبلها الله ما دامت مصرة على خيانتها للعهد ونجاسة قلبها، فيردها إليها كخبز حزن لها.
لذلك يقول القديس يوحنا ذهبي الفم: [لا يليق تقديم ذبيحة من شيء دنس، إذ هي تُحسب بكورًا عن الأعمال الأخرى. ليتنا نقدّم أيدينا وأقدامنا وفمنا وكل أعضائنا (طاهرة) كبكورة الله، فتُحسب موضع سرور الله .]
يتحدث القديس كبريانوس عن الذبائح المرفوضة من الله والمرتدة إلى مقدّميها خبز حزن لهم، إنها تعاليم الهراطقة وعبادتهم ومعموديتهم
قائلًا: [هنا يعلمنا بوضوح عن الذين ارتبطوا بالخطية مطلقًا متدنسين بذبيحة كاهن دنس شرير
كما يقول: [هنا يعلمنا عن الذين يتحدون بقادة مدانين إذ هم يتدنسون معهم بجرائمهم.]
إذن قدّم الكهنة في إسرائيل ذبائح لله وقد ارتبط قلبهم بالبعل، فرد لهم ذبائحهم خبز حزن لهم، وطردهم من بيت الرب بالكلية بسبيهم إلى آشور. ولئلا يقول السامعون أن ما يقوله النبي مجرد تهديد نظري لا يتحقق عمليًا، يكمل حديثه: "ماذا تصنعو في يوم الموسم وفي يوم عيد الرب؟ إنهم قد ذهبوا من الخراب، تجمعهم مصر، تدفنهم موف، يرث القريص نفائس فضتهم، يكون العوسج في منازلهم" [ع5-6].


يقولون أننا في كل موسم وفي أعياد الرب نجتمع في بيت الرب فرحين متهللين بالمزامير والتسابيح، فكيف يقول النبي أن ذبائحنا ترتد إلينا كخبز حزن؟ إننا نقضي أيامنا في طرب وفرح وليس في حزن ومرارة. يجيب النبي أنه يرى الخراب قادم سريعًا من آشور، فيلجأون إلى فرعون مصر، ويهربون إلى الأرض التي سبق فأطلقهم الرب منها ليموتوا هناك في منفيس عاصمتها (موف)، فيخسرون وعود الله لهم التي هي كلمته (الفضة)، عوضها يرثون القريص (الصدأ)، وتخرب بيوتهم في أرض الموعد، وتتحول إلى برية تنبت عوسجًا وحسكًا.
إن كان الله قدّم لنا وعود فضة لا تصدأ، وأقام لنا بيوتًا روحيّة نقطن فيها فرحين مطمئنين، لكن انحرف القلب عنه يحولنا من الفضة إلى الصدأ ومن البيوت إلى البرية بعوسجها وحسكها! وهكذا يفقد الإنسان سلام الله الداخلي وبهجة قلبه وفرحه، بل ويفقد حياته ليدفن كغريب في موف، وتتحول حياته إلى صدأ وبيته الداخلي إلى برية!
من الجانب الرمزي يمكننا القول بأن الفضة تشير إلى النفس والمنزل يشير إلى الجسد حيث تسكنه النفس في الداخل، وكأنه إذ يجري الإنسان وراء الفرح الزمني والطرب كالشعوب الوثنية بملاهي العالم ومحبة الترف يخسر نفسه الفضية فتصدأ، ويفقد قدسية جسده فيصير تحت اللعنة من جديد ينبت شوكًا وحسكًا.
2. حلول وقت العقاب

7 جَاءَتْ أَيَّامُ الْعِقَابِ. جَاءَتْ أَيَّامُ الْجَزَاءِ. سَيَعْرِفُ إِسْرَائِيلُ. اَلنَّبِيُّ أَحْمَقُ. إِنْسَانُ الرُّوحِ مَجْنُونٌ مِنْ كَثْرَةِ إِثْمِكَ وَكَثْرَةِ الْحِقْدِ. 8 أَفْرَايِمُ مُنْتَظَرٌ عِنْدَ إِلهِي. اَلنَّبِيُّ فَخُّ صَيَّادٍ عَلَى جَمِيعِ طُرُقِهِ. حِقْدٌ فِي بَيْتِ إِلهِهِ. 9 قَدْ تَوَغَّلُوا، فَسَدُوا كَأَيَّامِ جِبْعَةَ. سَيَذْكُرُ إِثْمَهُمْ. سَيُعَاقِبُ خَطَايَاهُمْ.

توهم إسرائيل أنه يعيش في ملذات الأمم وشهواته بفرح وطرب ولم يدركوا أنه قد حل وقت العقاب: "جاءت أيام العقاب، جاءت أيام الجزاء (المكافأة)" [ع7]. لقد حل الوقت الذي فيه يُجازي إسرائيل على شره ويكافأ الأنبياء على شهادتهم الحق واحتمالهم التعييرات والآلام منهم، "سيعرف إسرائيل: النبي أحمق، إنسان الروح مجنون من كثرة إثمك وكثرة الحقد" [ع7].
ليعرف إسرائيل أن من ظنوه أحمق هو حامل روح الحكمة، ومن حسبوه مجنونًا هو رجل الروح، وأن كثرة إثمه وكثرة حقده أفسدت بصيرته عن معرفة النبي رجل الروح. ومن الجانب الآخر فإن إسرائيل سيكتشف أن النبي الكاذب الذي يجاملهم بالكلمات اللينة، قائلًا: "سلام سلام ولا سلام" (إر 6: 14)، هو الذي بالحق أحمق، ومن كان يدعي أنه إنسان الروح هو بالحق مجنون، إذ ترك إسرائيل في إثمه مطيبًا خاطره على حساب الحق. هكذا ينكشف النبي الحقيقي الذي قد يجرح بكلمات الحق لأجل البنيان من النبي المخادع الذي هو "فخ صياد على جميع طرقه" [ع8]. يصطاد النفوس بالكلمات المعسولة، مملوء حقدًا ضد بيت إلهه [ع8].
لقد حلّ وقت الجزاء ليكتشفوا أنهم "قد توغلوا، فسدوا كأيام جبعة" [ع9]، إذ بات رجل لاوي متغربًا في جبعة التي بنيامين (قض 19: 14) فاِرتكب رجال المدينة الشر مع سريته الليل كله إلى الصباح وأطلقوها عند طلوع الفجر، حيث جاءت عند عتبة البيت وأسلمت روحها، فأمسك الرجل بها وقطَّعها إلى اثنتي عشرة قطعة وأرسلها إلى جميع تخزم إسرائيل لينظروا الرذالة والقباحة التي كانت في ذلك الموضع (قض 20: 6). إن كان حادث جبعة فضح الشر، هكذا يأتي وقت الجزاء ليفضح خفايا الشعب!
3. عدم إثمارهم

10 «وَجَدْتُ إِسْرَائِيلَ كَعِنَبٍ فِي الْبَرِّيَّةِ. رَأَيْتُ آبَاءَكُمْ كَبَاكُورَةٍ عَلَى تِينَةٍ فِي أَوَّلِهَا. أَمَّا هُمْ فَجَاءُوا إِلَى بَعْلِ فَغُورَ، وَنَذَرُوا أَنْفُسَهُمْ لِلْخِزْيِ، وَصَارُوا رِجْسًا كَمَا أَحَبُّوا. 11 أَفْرَايِمُ تَطِيرُ كَرَامَتُهُمْ كَطَائِرٍ مِنَ الْوِلاَدَةِ وَمِنَ الْبَطْنِ وَمِنَ الْحَبَلِ. 12 وَإِنْ رَبَّوْا أَوْلاَدَهُمْ أُثْكِلُهُمْ إِيَّاهُمْ حَتَّى لاَ يَكُونَ إِنْسَانٌ. وَيْلٌ لَهُمْ أَيْضًا مَتَى انْصَرَفْتُ عَنْهُمْ! 13 أَفْرَايِمُ كَمَا أَرَى كَصُورٍ مَغْرُوسٍ فِي مَرْعًى، وَلكِنَّ أَفْرَايِمَ سَيُخْرِجُ بَنِيهِ إِلَى الْقَاتِلِ». 14 أَعْطِهِمْ يَا رَبُّ. مَاذَا تُعْطِي؟ أَعْطِهِمْ رَحِمًا مُسْقِطًا وَثَدْيَيْنِ يَبِسَيْنِ.

فقد إسرائيل الفرح الروحي الداخلي أولًا بسبب بحثهم عن طرب الشعوب ولهو الأمم مرتكبين الزنا عن إلههم فتحولت عبادتهم إلى خبز محزن [ع1، 6]، وثانيًا لأن وقت الجزاء قد حلّ ليكتشفوا خطأ معاييرهم فمن كانوا يظنونه مجنونًا وأحمق إذا به النبي الحق، ومن كانوا يحسبونه نبيًا يطيب خاطرهم إذا به المجنون الأحمق [ع7، 9]، وأما السبب الثالث لفقدانهم الفرح فهو تغير طبيعة إسرائيل، فعوض كونه عنبًا في البرية وباكورة تين سلّم نفسه للخزي، وصار في طبيعته رجسًا بهواه، إذ يقول: "وجدت إسرائيل كعنب في البرية، رأيت آباءكم كباكورة على تينة في أولها، أما هم فجاءوا إلى بعل فغور ونذروا أنفسهم للخزي وصاروا رجسًا كما أحبوا" [ع10]. وقد سبق لنا التعليق على هذه العبارة في مقدمة السفر.


عوض أن يكون إسرائيل عنبًا شهيًا في عينيّ الله وسط برية قاحلة وتينًا بكرًا، صار بهواه نذرًا ومأكلًا لبعل فغور التي تعني "بعل الفجور" أو "سيد الفجور". لقد سلم نفسه بهواه للشيطان سيد الفجور فتحول من حالة الإثمار المبهجة لله وله إلى حالة العقم. تحولت طبيعته من طبيعة مفرحة إلى طبيعة مملوءة كآبة ومرارة نفس.
ارتباطهم ببعل فغور حطم طبيعتهم ونزع عنهم أيضًا كرامتهم ودخل بهم إلى العار والخزي فلا تكون فيهم حالة ولادة، إذ لا تحبل نساؤهم، بل يكن عقيمات، وإن حبلن وولدن فالله نفسه يثكلهن، حاكمًا على أولادهن بالموت، إذ يقول: "إفرايم تطير كرامتهم كطائر من الولادة ومن البطن ومن الحبل؛ وإن ربوا أولادهم أتكلهم إباهم حتى لا يكون إنسان" [ع11-12]. لقد صار إفرايم -في شرّه- كالطائر الذي يطير على الدوام، ليس له عش يستقر فيه ليضع فيه بيضًا ويكون له صغار! إنها صورة مؤلمة للإنسان الذي تسحبه الخطية من عشه الحقيقي الذي هو "مذبح رب الجنود" ليهيم في الجو بلا مستقر، فيقضي أيام غربته بلا راحة ولا طمأنينة، ولا يكون له صغار، أي ثمر روحي يخلد اسمه في الأبديّة. هذا العقم هو ثمر طبيعي للهروب من العش الإلهي، والانصراف عن الله واهب الثمر... فإنهم إذ ينصرفون عنه ينصرف هو عنهم ويسقطون تحت الويل الأبدي: "ويل لهم أيضًا متى انصرفت عنهم" [ع12].
سقط إسرائيل في حالة العقم خلال عبادته للبعل والعشتاروت، إذ اعتقد فيهما إنهما إلهيّ الإثمار والخصوبة، لذلك يقول النبي: "أعطيهم يا رب، ماذا تعطي؟ أعطهم رحمًا مسقطًا وثديين يبسين" [ع14].
4. طردهم من أمام الرب

15 «كُلُّ شَرِّهِمْ فِي الْجِلْجَالِ. إِنِّي هُنَاكَ أَبْغَضْتُهُمْ. مِنْ أَجْلِ سُوءِ أَفْعَالِهِمْ أَطْرُدُهُمْ مِنْ بَيْتِي. لاَ أَعُودُ أُحِبُّهُمْ. جَمِيعُ رُؤَسَائِهِمْ مُتَمَرِّدُونَ. 16 أَفْرَايِمُ مَضْرُوبٌ. أَصْلُهُمْ قَدْ جَفَّ. لاَ يَصْنَعُونَ ثَمَرًا. وَإِنْ وَلَدُوا أُمِيتُ مُشْتَهَيَاتِ بُطُونِهِمْ». 17 يَرْفُضُهُمْ إِلهِي لأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا لَهُ، فَيَكُونُونَ تَائِهِينَ بَيْنَ الأُمَمِ.

أخيرًا إذ كان إسرائيل يجري وراء البعل والعشتاروت ليهباه خصوبة وأثمارًا صار له الرحم المسقط والثديان اليابسين... أما ما هو أمَرّ فإن الله يطرده من أمام وجهه ويحرمه من بيته المقدس. "من أجل سوء أفعالهم أطردهم من بيتي، لا أعود أحبهم" [ع16]، فلا يمكن أن يحمل ثمرًا بعد، وإن حمل ثمرًا يقتله الرب منذ نشأته في الرحم، أيّ وهو جنين بعد. لقد اِزدروا بالله ولم يسمعوا له، لذا يستخف بهم ويتركهم تائهين بين الأمم بلا كرامة [ع17]. هذه هي صورة نفس كل مؤمن ينسى شريعة إلهه ويطلب لهو العالم ومباهجه، فيفقد كل شيء ويصير كتائه في العالم بلا هدف.


الكرمَة الذابلة

كثيرًا ما يُشَبِّه الله شعبه بالكرمة (إش5، مت 21: 33) طالبًا منها عنبًا لحساب ملكوته، هو ثمر تعبه وسهره عليها، ولكنها قد تمتعت بعطايا كثيرة وإمكانيات إلهية جبارة لم تثمر لصاحب الكرم، إنما قدمت ثمرها لحساب عدوه إبليس، لذا يحكم عليها بالجفاف والعقم حتى تدرك ضعفها وفساد طبيعتها فتطلب منه تغييرًا جذريًا في كيانها.
1. انحراف الكرمة

1 إِسْرَائِيلُ جَفْنَةٌ مُمْتَدَّةٌ. يُخْرِجُ ثَمَرًا لِنَفْسِهِ. عَلَى حَسَبِ كَثْرَةِ ثَمَرِهِ قَدْ كَثَّرَ الْمَذَابحَ. عَلَى حَسَبِ جُودَةِ أَرْضِهِ أَجَادَ الأَنْصَابَ. 2 قَدْ قَسَمُوا قُلُوبَهُمْ. اَلآنَ يُعَاقَبُونَ. هُوَ يُحَطِّمُ مَذَابِحَهُمْ، يُخْرِبُ أَنْصَابَهُمْ. 3 إِنَّهُمُ الآنَ يَقُولُونَ: «لاَ مَلِكَ لَنَا لأَنَّنَا لاَ نَخَافُ الرَّبَّ، فَالْمَلِكُ مَاذَا يَصْنَعُ بِنَا؟». 4 يَتَكَلَّمُونَ كَلاَمًا بِأَقْسَامٍ بَاطِلَةٍ. يَقْطَعُونَ عَهْدًا فَيَنْبُتُ الْقَضَاءُ عَلَيْهِمْ كَالْعَلْقَمِ فِي أَتْلاَمِ الْحَقْلِ. 5 عَلَى عُجُولِ بَيْتِ آوَنَ يَخَافُ سُكَّانُ السَّامِرَةِ. إِنَّ شَعْبَهُ يَنُوحُ عَلَيْهِ، وَكَهَنَتَهُ عَلَيْهِ يَرْتَعِدُونَ عَلَى مَجْدِهِ، لأَنَّهُ انْتَفَى عَنْهُ. 6 وَهُوَ أَيْضًا يُجْلَبُ إِلَى أَشُّورَ هَدِيَّةً لِمَلِكٍ عَدُوٍّ. يَأْخُذُ أَفْرَايِمُ خِزْيًا، وَيَخْجَلُ إِسْرَائِيلُ عَلَى رَأْيِهِ. 7 اَلسَّامِرَةُ مَلِكُهَا يَبِيدُ كَغُثَاءٍ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ، 8 وَتُخْرَبُ شَوَامِخُ آوَنَ، خَطِيَّةُ إِسْرَائِيلَ. يَطْلُعُ الشَّوْكُ وَالْحَسَكُ عَلَى مَذَابِحِهِمْ، وَيَقُولُونَ لِلْجِبَالِ: غَطِّينَا، وَلِلتِّلاَلِ: اسْقُطِي عَلَيْنَا.

استخدام الله تشبيهات كثيرة ليكشف بها مدى فساد الشعب حين ينحرف عن الله، أو عن مدى فساد النفس البشريّة بارتدادها عن مخلصها، فشبَّه شعبه بامرأة حبيبة صاحب، وزانية (هو 3: 1)، بقرة جامحة (هو 4: 16)، خروف يرعى في مكان واسع للذبح (هو 4: 16)، ناقلي التخوم (هو 5: 10)، تنور مُحمى من الخباز (هو 7: 4)، خبز مَلَّة لم يقلب (هو 7: 8)، حمامة رعناء بلا قلب (هو 7: 11)، حمار وحشي معتزل بنفسه (هو 8: 9)، طائر من الولادة ومن البطن ومن الحبل (هو 9: 11)، صور مغروس في مرعى (هو 9: 13)، راعي الريح وتابع الريح الشرقية (هو 12: 1)... وهنا يشبه بالكرمة التي قدّم لها كل إمكانيات الإثمار بفيض فأثمرت لا لحسابه بل لحساب الخطية والرجاسات. يقول: "إسرائيل جفنة (كرمة) ممتدة، يخرج ثمرًا لنفسه" [ع1]. إنها كرمة ممتدة، وكما جاء في الترجمة السبعينية "كرمة بفروع صالحة ثمرها وفير". إنها بلا عذر فقد خلقها بطبيعة صالحة وأعطاها قوة النمو، فصار لها فروع كثيرة تحمل ثمارها، لكنها أخرجت الثمار لنفسها، أيّ لفكرها الذاتي وليس في خضوع للكرام الحقيقي.
يا للعجب بقدر ما يهبنا الله إمكانيات وطاقات نستخدمها لا لمجد اسمه، وإنما بفكرنا الذاتي لحساب شهوات جسدنا الشريرة، وكما يقول: "على حسب كثرة ثمره قد كثر المذابح على حسب جودة أرضه أجاد الأنصاب (التماثيل)" [ع1]. هكذا يرد الإنسان سخاء الله وحنوه بالجحود.
"قد قسّوا قلوبهم" [ع2] فانحراف البعض إلى إله، والآخرين إلى إله آخر، وهكذا تمزقت قلوبهم؛ أو لعل قلوبهم قد انقسمت بين محبة الشهوات المرتبطة بعبادة البعل وبين الرغبة في إراحة ضمائرهم بممارسة العبادة لله الحيّ بطريقة شكلية بلا روح، فصاروا يعرِّجون بين الفريقين. لم يعد قلبهم مستقيمًا، لذلك يصرخون إلى الله ولكن ليس بكل قلبهم، فلا يجدونه... إذ لا يقدر القلب المنقسم أن يلتقي مع القدوس أو يتعرف عليه.
انقسامات القلب الداخلي تفقده مخافة الرب، الأمر الذي له نتائجه في حياة الجماعة وكل عضو فيها. من جهة الجماعة يفقدون مخافة الرب وبالتالي يفقدون خضوعهم حتى للسلطان الزمني، فلا يكون لهم قائد قادرًا على تدبير أمورهم، إذ يقول: "إنهم الآن يقولون لا ملك لنا لأننا لا نخاف الرب، فالملك ماذا يصنع بنا؟!" [ع3]. أما بالنسبة للعضو فإنه إذ يفقد مخافة الرب خلال انقسامات قلبه يفقد إرادته الحقة المقدسة في الرب التي يُرمز لها بالملك، فيسلك الإنسان كمن هو بلا إرادة ، ليعيش في مذلة لكل شهوة وخضوع للعادات الشريرة، غير قادر أن يعطي قرارًا روحيًا في الرب لينعتق من استعباد إبليس له... إنه يسلك كمن بلا ملك. على العكس المؤمن النقي القلب، الذي بلا انقسام، يحمل سلطانًا كملك روحي يقول لهذا الفكر أن يدخل فيدخل، ولذاك أن يخرج فيخرج؛ يسيطر بالرب على أفكاره ونظاراته وأحاسيسه وعواطفه بقوة.
إذ يفقد الإنسان سلطانه الروحي وطبيعته الملوكية (السماوية) يتحول من رجل الله العامل إلى إنسان صاحب كلام... "يتكلمون كلامًا بأقسام باطلة، يقطعون عهدًا، فينبت القضاء كالعلقم في أتلام الحقل" [ع4]. يتجولون إلى أصحاب كلام بلا عمل، وإذ يشعرون بضعفهم يؤكدون كلماتهم بأقسام باطلة لا يفون بها، ويقطعون عهودًا يكسرونها، فيصير القضاء كحقل مفلح محروث ينبت علقمًا مرًا. هكذا إذ يجتمعون في مراكز العدالة (القضاء) ليقسم الكل بالكذب ويتعهدون ولا يفون تتحول مواضع الأمان إلى مرارة النفس.
هكذا الكرمة الممتدة التي وهبها الله إمكانيات كثيرة للإثمار، إذا تقوقعت حول ذاتها لتثمر لحساب "الأنا" ولحساب البعل، رافضة أن تقدم ثمرًا للكرام الحقيقي، فقدت مخافة الرب ودخلت إلى انقسام في القلب انتهى بحرمانها من الملك أيّ الإرادة المقدسة، وانتزع كل سلطان منها. لم يقف الأمر عند هذا الحد، وإنما تتحول حياتها إلى نحيب وإلى رعدة إذ تفقد مجدها الداخلي، وترى آلهتها التي اختارتها لنفسها تنهار أمام عينيها. يقول النبي: "على عجول بيت آون (الباطل) يخاف سكان السامرة ، إن شعبه ينوح عليه، وكهنته يرتعدون على مجده لأنه انتفى عنه" [ع5]. ماذا يعني بهذه العبارة؟ يتطلع سكان العاصمة أيّ السامرة إلى عجول بيت آون، أو بيت الباطل، ليروه قد فقد مجده، إذ سقط الشعب تحت الضيق ولم تقدر العجول أن تخلصه، فيخاف شعب السامرة أن يحل بها ما حل ببيت آون ويرتعب الكهنة لأنهم يفقدون كرامتهم ويخسرون التقدمات.
إذ فقد شعب السامرة رجاءهم في البعل، عوض أن يرجعوا إلى الله بالتوبة معلنين خطاياهم، يتقدمون إلى ملك آشور بهدايا ليسترضوا وجهه وهم في خزي وعار... "هو أيضًا يجلب إلى آشور هدية لملك عدو" [ع6].
ما هي نهاية هذه الكرمة المنحرفة؟ "يأخذ إفرايم خزيًا، ويخجل إسرائيل على رأيه. السامرة ملكها يبيد كغثاء على وجه الماء، وتخرب شوامخ آون خطية إسرائيل. يطلع الشوك والحسك على مذابحهم ويقولون للجبال غطينا وللتلال أسقطي علينا" [ع6-8].
في اختصار نقول أن نهايتها تنحصر في الآتي:
ا. "يأخذ إفرايم خزيًا"... السبط الذي كان يتزعم حركة نشر العبادة الوثنية يصير في خزي وعار أمام بقية الأسباط، إذ تظهر الآلهة ضعيفة أمام العدو.
ب. "يخجل إسرائيل على رأيه" إذ اقترح إسرائيل استرضاء ملك آشور بالهدايا، يخجل إذ يرى آشور يذله ويستخف به.
ج. "السامرة ملكها يبيد كغثاء على وجه الماء" ملوك السامرة الذين انشقوا على بيت داود في قوة وجبروت، صاروا كفقاقيع على الماء، ينتهي ملكهم بالسبي تحت سلطان آشور. هذه هي نهاية كل انقسام أو انشقاق، فهما نال الإنسان في البداية من كرمات لكن حياته تنتهي كفقاقيع على وجه الماء.
د. "تخرب شوامخ آون خطية إسرائيلما كان في أعينهم أماكن مرتفعة لا يقدر أحد أن يقترب إليها يحل بها الخراب، وينهار مجد عجول بيت آون الذهبية، وعوض الولائم التي كانت تقام هناك يحل الخراب.
ه. يسقط الإنسان تحت اللعنة إذ "يطلع الشوك والحسك على مذابحهم"؛ أما في يوم الرب العظيم فيقولون "للجبال غطينا وللتلال أسقطي علينا" إذ "مخيف هو الوقوع في يديّ الله الحيّ" (عب 10: 36)، وكما جاء في سفر الرؤيا: "وهم يقولون للجبال والصخور اسقطي علينا واِخفينا عن وجه الجالس على العرش وعن غضب الخروف، لأنه قد جاء يوم غضبه العظيم ومن يستطيع الوقوف؟!" (رؤ 6: 16-17).
2. فسادها الداخلي

9 «مِنْ أَيَّامِ جِبْعَةَ أَخْطَأْتَ يَا إِسْرَائِيلُ. هُنَاكَ وَقَفُوا. لَمْ تُدْرِكْهُمْ فِي جِبْعَةَ الْحَرْبُ عَلَى بَنِي الإِثْمِ. 10 حِينَمَا أُرِيدُ أُؤَدِّبُهُمْ، وَيَجْتَمِعُ عَلَيْهِمْ شُعُوبٌ فِي ارْتِبَاطِهِمْ بِإِثْمَيْهِمْ. 11 وَأَفْرَايِمُ عِجْلَةٌ مُتَمَرِّنَةٌ تُحِبُّ الدِّرَاسَ، وَلكِنِّي أَجْتَازُ عَلَى عُنُقِهَا الْحَسَنِ. أُرْكِبُ عَلَى أَفْرَايِمَ. يَفْلَحُ يَهُوذَا. يُمَهِّدُ يَعْقُوبُ.

يؤكد لنا الله أن فسادها لم يقف عند المظهر الخارجي، إنما يمس حياتها الداخلية، لذا فالعلاج أيضًا يجب أن يدخل إلى عمق طبيعتها.
يقول: "من أيام جبعة أخطأت يا إسرائيل" [ع9]. إنها فترة طويلة تبلغ أكثر من ستة قرون كانت الحرب فيها قائمة بين الأسباط وبعضها البعض ، أيّ أن الخطر لم يكن من عدو خارجي وإنما من فساد داخلي، وقد رأينا رجال جبعة التي لبنيامين قد صنعوا الشر مع ابنة إسرائيل (قض 19-20). لهذا فإن كان الله يؤدبهم بضيقة من الخارج فلا يليق بهم أن يركزوا أنظارهم على الضيقة، بل على الفساد الداخلي حتى يتقدسوا بالرب فيخلصهم من الضيق. "حينما أريد أؤدبهم ويجتمع عليه شعوب في ارتباطهم بإثميهم" [ع10].
أخيرًا يوضح كيف استكان إسرائيل للمذلة الداخلية، وأحنى عنقه لنير الخطية، فصار كالعجلة المتمرنة التي تحب الدارس، فهي تحمل النير لتأكل مما تدرسه [ع11].
3. الحاجة إلى زرع جديد

12 «اِزْرَعُوا لأَنْفُسِكُمْ بِالْبِرِّ. احْصُدُوا بِحَسَبِ الصَّلاَحِ. احْرُثُوا لأَنْفُسِكُمْ حَرْثًا، فَإِنَّهُ وَقْتٌ لِطَلَبِ الرَّبِّ حَتَّى يَأْتِيَ وَيُعَلِّمَكُمُ الْبِرَّ. 13 قَدْ حَرَثْتُمُ النِّفَاقَ، حَصَدْتُمُ الإِثْمَ، أَكَلْتُمْ ثَمَرَ الْكَذِبِ. لأَنَّكَ وَثَقْتَ بِطَرِيقِكَ، بِكَثْرَةِ أَبْطَالِكَ. 14 يَقُومُ ضَجِيجٌ فِي شُعُوبِكَ، وَتُخْرَبُ جَمِيعُ حُصُونِكَ كَإِخْرَابِ شَلْمَانَ بَيْتَ أَرَبْئِيلَ فِي يَوْمِ الْحَرْبِ. اَلأُمُّ مَعَ الأَوْلاَدِ حُطِّمَتْ. 15 هكَذَا تَصْنَعُ بِكُمْ بَيْتُ إِيلَ مِنْ أَجْلِ رَدَاءَةِ شَرِّكُمْ. فِي الصُّبْحِ يَهْلِكُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ هَلاَكًا.

إن كانت الكرمة قد صارت عقيمة بسبب فسادها الداخلي فالحاجة ملحة إلى زرع جديد يغرسه الرب نفسه واهبًا إيانا ثمر المعرفة والبرّ، إذ يقول: "ازرعوا لأنفسكم بالبرّ، اُحصدوا بحسب الصلاح، احرثوا لأنفسكم حرثًا، فإنه وقت لطلب الرب حتى يأتي ويعلمكم البرّ" [ع12]. وجاءت الترجمة السبعينية في أكثر وضوح: "ازرعوا لأنفسكم بالبرّ، اُحصدوا ثمر الحياة، استنيروا بنور المعرفة، اطلبوا الرب حتى يأتيكم بثمر البرّ". فإن كان السيد المسيح هو "برّنا"، فقد صار الوقت مناسبًا للزرع الجديد، حيث يسكن السيد المسيح فينا، كأنه يُغرس في داخلنا ليجدد طبيعتنا، فنحمل ثمرة الحياة، ويفتح عيوننا بروحه القدوس فتستنير بصيرتنا. وهكذا يؤكد "اطلبوا الرب حتى يأتيكم بثمر البرّ"، فإن ما نناله من برّ ليس من عندياتنا إنما هو عمل الرب فينا.
لكن الله لا يعمل في الكسالى والمتراخين، لذا يقول: "ازرعوا... احصدوا... استنيروا... اطلبوا"، مؤكدًا دورنا الإيجابي لننال عمل الله فينا.
ويعلق الأب نسطور على العبارة "استنيروا بنور المعرفة" قائلًا: [يلزمكم المثابرة بجهاد في القراءة، الأمر الذي أراكم تفعلونه، مع السعي بكل اشتياق لنوال المعرفة العملية الاختبارية أولًا، أيّ المعرفة السلوكية لأنه بدونها لا يمكن اقتناء النقاوة النظرية التي نتكلم عنها]
لنطلب الرب نفسه الذي يأتي إلينا بثمر برّه، ولا نتكل على ذواتنا أو إمكانياتنا البشريّة، حتى لا نسمع كلمات التوبيخ: "قد حرثتم النفاق، حصدتم الإثم، أكلتم ثمر الكذب، لأنك وثقت بطريقك بكثرة أبطالك" [ع13]. فمن يتكل على طريقه الذاتي أو يعتمد على كثرة أبطاله إنما يحرث النفاق ويحصد الإثم ويأكل الكذب. لقد اتكل إسرائيل على مشورته الذاتيّة دون الرجوع إلى الله فسبب للشعب ضجيجًا واضطرابًا، وفقد حصونه وسقط نساؤه وأطفاله تحت قسوة شلمناصر ملك آشور. "يقوم ضجيج في شعوبك (فقدان السلام)، وتخرب جميع حصونك (فقدان الأمان) كإخراب شلمان (شلمناصر) بيت أربيئل في يوم الحرب، الأم مع الأولاد حُطمت" [ع14]. هكذا كل إنسان يتكل على ذاته تتحول حياته إلى ضجيج، ويفقد حصونه الروحيّة ويصير نهبًا لإبليس الذي يأسره كما أسر شلمناصر الكثيرين.
يختم حديثه مهددًا: "هكذا تصنع بكم بيت إيل من أجل رداءة شركم، في الصبح يهلك ملك إسرائيل هلاكًا" [ع15]. كأنه يقول أن ما يحل بكم ليس من صنع ملك آشور، إنما هو من صنع بيت إيل التي صارت فخًا لكم تصطادكم للرجاسات الوثنية. لا تتكلوا على ملك إسرائيل فإنه يهلك في الصباح، أيّ ينهزم في بداية المعركة، يسقط ولا يقوم!


الله ملجأ لنا



الباب الثالث: التأديب مع إشراقة الخلاص

الأصحاح الحادي عشر: الله ملجأ لنا

إن كان إسرائيل قد افقدته العبادة الوثنية كل حكمة سماوية فصار كحمامة رعناء (هو 7: 11)، تارة يلجأ إلى فرعون مصر ليحميه من ملك آشور، وأخرى يلجأ إلى ملك آشور يسنده ضد فرعون مصر، فإن الله وحده هو ملجأه الحقيقي، الذي تبناه واهتم به وهو بعد في البطن، ويسنده حتى يدخل به إلى كمال الحرية الحقيقيّة. إن كان فرعون مصر أو ملك آشور يبسط يديه إنما لينصب الفخاخ ويقتنص، أما الرب فهو وحده سند النفس ومعينها الحقيقي.


1. رعاية الله لغلامه

1 «لَمَّا كَانَ إِسْرَائِيلُ غُلاَمًا أَحْبَبْتُهُ، وَمِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْنِي. 2 كُلَّ مَا دَعَوْهُمْ ذَهَبُوا مِنْ أَمَامِهِمْ يَذْبَحُونَ لِلْبَعْلِيمِ، وَيُبَخِّرُونَ لِلتَّمَاثِيلِ الْمَنْحُوتَةِ. 3 وَأَنَا دَرَّجْتُ أَفْرَايِمَ مُمْسِكًا إِيَّاهُمْ بِأَذْرُعِهِمْ، فَلَمْ يَعْرِفُوا أَنِّي شَفَيْتُهُمْ. 4 كُنْتُ أَجْذِبُهُمْ بِحِبَالِ الْبَشَرِ، بِرُبُطِ الْمَحَبَّةِ، وَكُنْتُ لَهُمْ كَمَنْ يَرْفَعُ النِّيرَ عَنْ أَعْنَاقِهِمْ، وَمَدَدْتُ إِلَيْهِ مُطْعِمًا إِيَّاهُ.

في المقدمة هذا الأصحاح يتحدث الله عن إسرائيل، أيّ عن شعبه، أو عن النفس البشريّة، بكونه يمثل غلامًا محبوبًا لدى الله. يشتاق أن يطلقه من عبودية فرعون مصر ويحرره كابن له. يدعوه إليه لكي يتقبله أبًا له، ويمسك بيديه كمربية مملوءة حنانًا ليعلمه المشي في طريق الحق، يضمد كل جرح في أعماقه أصابه أثناء عبوديته، يجتذبه بحبال العطف ويربطه برباط الحب، ويرفعه كطفل ليلاطفه بخديه اللطيفين، يمد له يده ليطعمه بنفسه... يا له من حنو فائق، فإنه كمن يقوم بدور مربية مملوءة حنوًا نحو النفس البشريّة، لا يتركها في عوز إلى شيء حتى يتدرج بها من الطفولة الضعيفة إلى النضوج.
في أكثر تفصيل نتابع كلمات الرب نفسه القائل:
"لما كان إسرائيل غلامًا أحببته، ومن مصر دعوت ابني" [ع1]. بينما كان إسرائيل غلامًا أو صبيًا لا يدرك الأمور، يعجز عن تقديم شيء من جانبه، أحبه الله ودعاه من أرض العبودية مقدّمًا له البنوة. هكذا أيضًا أحب الله يعقوب وهو بعد في البطن لم يفعل خيرًا ولا شرًا (رو 9: 11). وكما يقول الرب لإرميا النبي: "قبلما صورتك في البطن عرفتك، وقبلما خرجت من الرحم قدستك" (إر 1: 5)، ويؤكد الرسول بولس أن الله "أحبنا أولًا".
لقد بادر الله فأحب غلامه إسرائيل وأطلقه من عبودية فرعون، لكن إسرائيل بقى بقلبه مرتبطًا بالعبودية، كالمريض الذي يحب المرض، أو السجين الذي لا يفارق بقلبه ظلمة السجن. هكذا أطلقنا ربنا يسوع المسيح من عبودية إبليس -فرعون الحقيقي- واهبًا إيانا بالمعمودية البنوة للآب فيه، لكن كثيرًا ما يرجع قلبنا إلى أرض العبودية فنشتهي كُرات مصر وبَصَلها كما سبق فصنع بنو إسرائيل، إذ بكوا قائلين: "قد تذكرنا السمك الذي كنا نأكله في مصر مجانًا والقثاء والبطيخ والكُرات والبصل والثوم، والآن قد يبست أنفسنا. ليس شيء غير أن أعيننا إلى هذا المن" (عد 11: 5-6). لقد يبست أنفسهم من المن النازل من فوق واشتهوا السمك الصغير المجاني والقثاء والبطيخ والكُرات والبصل والثوم! لا عجب فإن الإنسان إذ يرتبط بالأرض يصير أرضًا، فتمل نفسه من الأمور السماوية لتشتهي الأرضيات؛ ترى في السمويات يبوسة وفي الأرضيات لذة وبهجة للقلب.
وقد رأى الإنجيلي متى في القول الإلهي: "من مصر دعوت ابني" نبوة واضحة وصريحة عن هروب السيد المسيح ابن الله الحيّ إلى مصرنا التي كانت في ذلك الزمن من أعظم مراكز الأمم، ليعلن قبوله لكل الشعوب الأممية، مقدسًا أرضنا، فما كان قبلًا مركزًا للوثنية صار موضع راحة لمخلص العالم. ولا يزال الرب يدخل مصرنا الداخلية ليحولها من وثنيَّتها إلى مَقدس له فيها يقيم مذبحه الإلهي (إش 19: 19)، فتتعرف عليه وتقدم له ذبيحة وتقدمة حب (إش 19: 21) لتسمع صوته الإلهي: "مبارك شعبي مصر" (إش 19: 25).


نعود مرة أخرى إلى رعاية الله لغلامه إسرائيل الذي دعاه من أرض العبودية كابن له لنتعرف على موقف الابن من هذه الرعاية. "كل ما دعوهم ذهبوا من أمامهم يذبحون للبعليم ويبخرون للتماثيل المنحوتة" [ع2]، جاءت الترجمة السبعينية في أكثر وضوح تعلن أن كلما دعاهم يذهبون من أمامه، وكأنهم بالابن العنيد الذي يدعوه أبوه مقدّمًا له كل حماية فيرفض ويهرب من وجه أبيه إلى عدوه "البعليم والتماثيل المنحوتة".
منذ طفولته كان إسرائيل معاندًا لله، يقابل الحب بالجفاء، والرعاية بالعناد. ومع هذا لم يتوقف الله عن محبته إذ يقول: "وأنا درجت (علمته المشي) إفرايم ممسكًا إياهم بأذرعهم فلم يعرفوا إني شفيتهم" [ع3]. إنه يعلهم كمربية تمسك أيدي الطفل المقاوم لتعلمه كيف يمشي ليصير ناضجًا. إنه محب لهم "كنت أجذبهم بحبال البشر بربط المحبة، وكنت كمن يرفع النير عن أعناقهم وممد إليه مطعمًا إياه" [ع4]. وجاءت الترجمة السبعينية توضح أنه كان يرفعهم كطفل إلى خديه وينحني ليقدم لهم الطعام في أفواههم؛ أيّ حب أعظم من هذا؟! إنه قدّم كل رعاية كأب لكي نلجأ إليه ويدخل هو فينا، ونصير معه واحدًا.
وكما يقول القديس جيروم: [المسيح واقف كل يوم على باب قلبنا، يشتاق أن يدخل. لنفتح له قلبنا على مصراعيه، فيدخل ويكون ضيفنا، يسكن فينا ويتعشى معنا.]
2. موقف إسرائيل منه

5 «لاَ يَرْجعُ إِلَى أَرْضِ مِصْرَ، بَلْ أَشُّورُ هُوَ مَلِكُهُ، لأَنَّهُمْ أَبَوْا أَنْ يَرْجِعُوا. 6 يَثُورُ السَّيْفُ فِي مُدُنِهِمْ وَيُتْلِفُ عِصِيَّهَا، وَيَأْكُلُهُمْ مِنْ أَجْلِ آرَائِهِمْ. 7 وَشَعْبِي جَانِحُونَ إِلَى الارْتِدَادِ عَنِّي، فَيَدْعُونَهُمْ إِلَى الْعَلِيِّ وَلاَ أَحَدٌ يَرْفَعُهُ. 8 كَيْفَ أَجْعَلُكَ يَا أَفْرَايِمُ، أُصَيِّرُكَ يَا إِسْرَائِيلُ؟! كَيْفَ أَجْعَلُكَ كَأَدَمَةَ، أَصْنَعُكَ كَصَبُويِيمَ؟! قَدِ انْقَلَبَ عَلَيَّ قَلْبِي. اضْطَرَمَتْ مَرَاحِمِي جَمِيعًا.

"لا يرجع إلى مصر بل آشور هو ملكه" [ع5] إذ قابل إسرائيل رعاية الله له الذي أخرجه من أرض العبودية بالجفاف اشتاق إلى العودة إلى أرض العبودية من جديد ليحتمي تحت ظل فرعون من ملك آشور، لكنه حتى أن هرب فسيُسبى تحت حكم آشور ويملك عليه. هذه صورة لموقف البشريّة نحو الله الذي يدعوهم في محبته فيعصونه لقد ذهبوا من أمامه [ع2]، أعطوه القفا لا الوجه. عوض تقديم ذبائح حب له صاروا "يذبحون للبعليم"، أيّ يذبحونه لبعل ليعودوا فيذبحوا لبعل آخر وثالث وهكذا ولا يفكرون في العودة إلى الله. لهذا يعاتبهم في مرارة قائلًا: "شعبي جانحون (متشبث) إلى الارتداد عني"، في داخلهم ميل شديد وانجذاب نحو الارتداد. أرسلت إليهم من يدعوهم إليّ لكنهم أبوا أن يرجعوا [ع5]. أمام هذه المقاومة من جانب إسرائيل يضطر الله إلى التأديب، قائلًا: "كيف أجعلك يا إفرايم؟ أصيرك يا إسرائيل؟ كيف أجعلك كأدمة؟ أصنعك كصوبيم؟" [ع8]. إنه يجعل إفرايم وإسرائيل كأدمة وصوبيم وهما مدينتان في منطقة سدوم وعمورة اِحترقتا بالنار بسبب شرهما.
3. الله الملجأ الوحيد

9 «لاَ أُجْرِي حُمُوَّ غَضَبِي. لاَ أَعُودُ أَخْرِبُ أَفْرَايِمَ، لأَنِّي اللهُ لاَ إِنْسَانٌ، الْقُدُّوسُ فِي وَسَطِكَ فَلاَ آتِي بِسَخَطٍ. 10 «وَرَاءَ الرَّبِّ يَمْشُونَ. كَأَسَدٍ يُزَمْجِرُ. فَإِنَّهُ يُزَمْجِرُ فَيُسْرِعُ الْبَنُونَ مِنَ الْبَحْرِ. 11 يُسْرِعُونَ كَعُصْفُورٍ مِنْ مِصْرَ، وَكَحَمَامَةٍ مِنْ أَرْضِ أَشُّورَ، فَأُسْكِنُهُمْ فِي بُيُوتِهِمْ، يَقُولُ الرَّبُّ. 12 قَدْ أَحَاطَ بِي أَفْرَايِمُ بِالْكَذِبِ، وَبَيْتُ إِسْرَائِيلَ بِالْمَكْرِ، وَلَمْ يَزَلْ يَهُوذَا شَارِدًا عَنِ اللهِ وَعَنِ الْقُدُّوسِ الأَمِينِ.

حتى في لحظات التأديب لا يحتمل الله أن يرى شعبه متألمًا، إذ ينقلب قلبه الحنون في داخله وتضطرم نار مراحمه فيه ويلتزم برفع حمو غضبه عنهم، قائلًا: "قد انقلب عليَّ قلبي، اضطرمت مراحمي جميعًا، لا أجري حمو غضبي لا أعود أخرب إفرايم لأني الله لا إنسان، القدوس في وسطك فلا آتي بسخط" [ع8-9].
إن كان كأسد يزمجر ليؤدب بحزم [ع10]، فيسرع بنوه إلى الهرب كما إلى فرعون مصر أو ملك آشور، لكنه في مراحمه يردهم لا بقوتهم ولا بسيفهم، وإنما يردهم في ضعفهم وعجزهم إذ "يسرعون كعصفور من مصر وكحمامة من أرض آشور فأسكنهم في بيوتهم يقول الرب" [ع11]. بحبه يردهم إلى بيوتهم فيعودوا كعصفور لا حول له ولا قوة له أو كحمامة بسيطة يسرع بها من أرض الأعداء إلى بيتها. أنه ملجأ الضعفاء... يحمي العصفور ويسند الحمامة!




 
قديم 19 - 12 - 2024, 05:20 PM   رقم المشاركة : ( 181488 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,281,003

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




تأديبهم بهجوم الأعداء عليهم:

1 «إِلَى فَمِكَ بِالْبُوقِ! كَالنَّسْرِ عَلَى بَيْتِ الرَّبِّ. لأَنَّهُمْ قَدْ تَجَاوَزُوا عَهْدِي وَتَعَدَّوْا عَلَى شَرِيعَتِي.

"إلى فمك بالبوق، كالنسر على بيت الرب" [ع1].
إذ فتح الله عن بصيرة النبي أدرك ما سيحل بالشعب من مرارة بسبب رفضه العلاج من يد طبيبه الحقيقي، فأنَّت نفسه فيه ولم يدري ماذا يفعل، لكن الله أمره أن يمسك بالبوق ويضعه في فمه فقد حان وقت الإنذار. طالبه أن يضرب بالبوق ليجتمع الشعب كله ويرى العدو مهاجمًا كنسر سريع ينقضّ على الفريسة ويحلق في الجو.
لئلا يظن الشعب أن الله لن يسمح لهم بالسبي، لأنه شعب مختار من قبل الله، أكدّ الله نفسه "كالنسر على بيت الرب"، وكأنه يقول: إني أعرف أنكم بيت الله (عب 3: 6) لكنني سمحت للعدو أن ينقضّ عليكم كالنسر لأنكم أفسدتم مقدسي ودنستموه. إنني أحب بيتي وأسكن فيه واحفظه بملائكتي، لكنني أرسل عليه العدو كنسر ينقضّ ليخطف ويحلق، إن تجاسرتم عليَّ واِزدريتم بمقادسي.
 
قديم 19 - 12 - 2024, 05:22 PM   رقم المشاركة : ( 181489 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,281,003

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




تحطيمهم لأنفسهم

1 «إِلَى فَمِكَ بِالْبُوقِ! كَالنَّسْرِ عَلَى بَيْتِ الرَّبِّ. لأَنَّهُمْ قَدْ تَجَاوَزُوا عَهْدِي وَتَعَدَّوْا عَلَى شَرِيعَتِي. 2 إِلَيَّ يَصْرُخُونَ: يَا إِلهِي، نَعْرِفُكَ نَحْنُ إِسْرَائِيلَ. 3 «قَدْ كَرِهَ إِسْرَائِيلُ الصَّلاَحَ فَيَتْبَعُهُ الْعَدُوُّ. 4 هُمْ أَقَامُوا مُلُوكًا وَلَيْسَ مِنِّي. أَقَامُوا رُؤَسَاءَ وَأَنَا لَمْ أَعْرِفْ. صَنَعُوا لأَنْفُسِهِمْ مِنْ فِضَّتِهِمْ وَذَهَبِهِمْ أَصْنَامًا لِكَيْ يَنْقَرِضُوا. 5 قَدْ زَنِخَ عِجْلُكِ يَا سَامِرَةُ. حَمِيَ غَضَبِي عَلَيْهِمْ. إِلَى مَتَى لاَ يَسْتَطِيعُونَ النَّقَاوَةَ! 6 إِنَّهُ هُوَ أَيْضًا مِنْ إِسْرَائِيلَ. صَنَعَهُ الصَّانِعُ وَلَيْسَ هُوَ إِلهًا. إِنَّ عِجْلَ السَّامِرَةِ يَصِيرُ كِسَرًا.

ما يحل عليهم وإن كان بسماح من الله لكنهم هم الذين يحطمون أنفسهم بأنفسهم، هذا ما يعلنه لهم الرب موضحًا أسباب تأديبهم:
أولًا: يقول: "لأنهم قد تجاوزوا عهدي وتعدوا على شريعتي" [ع1]. كأنه يقول اخترتكم عروسًا لي وأقمت معكم عهد الزوجية، لكنكم خنتم العهد وكسرتموه. واخترتكم كأبناء وقدمتُ لكم شريعتي كوصية أبوية فعصيتم وصيتي واحتقرتم أبوتي.
ثانيًا: في الوقت الذي فيه خانوا العهد وعصوا الوصية غفلوا أنفسهم بمظهر العبادة الخارجي بلا روح، إذ يقول: "إليَّ يصرخون يا إلهي نعرفك نحن إسرائيل" [ع2]. يرفضونه بأعمالهم وقلوبهم ويطلبونه بشفاههم. يعطونه القفا في حياتهم اليومية، لكنهم إذ يجتمعون للعبادة يصرخون إليه قائلين: "يا إلهي نعرفك نحن إسرائيل"، وكأنهم يريدون أن يذكروه بأنهم الشعب المختار الذي لن يسمح له الله بأذية!
ثالثًا: خيانتهم للعهد الزوجي أو عصيانهم للوصية الأبوية لا يتم عن ضعف كأمر عارض، إنما ينبع عن قلب دنس وإرادة شريرة وعن كراهية داخلية للحياة المقدسة، إذ يقول: "قد كره إسرائيل الصلاح فيتبعه العدو" [ع3]. إذ كره إسرائيل الحياة المقدسة لذلك سلم الله بيته - أيّ شعبه - الذي كان يليق به أن يكون مقدسًا للرب لملك آشور الذي سَبَى مملكة الشمال، ولما كره يهوذا الرب سلم الله مملكة يهوذا بما احتوته من مدينة أورشليم وهيكله في يدي نبوخذ نصر. على أيّ الأحوال، إن كان الله قد عرفنا كشعبه الخاص، فإننا إذ نرفض معرفته عمليًا يسلمنا للتأديب، قائلًا لنا: "إياكم فقط عرفتُ من جميع قبائل الأرض، لذلك أعاقبكم على جميع ذنوبكم" (عا 3: 2).
رابعًا: يضيف إلى كراهيتهم للصلاح، الخطأ التالي: "هم أقاموا ملوكًا وليس مني، أقاموا رؤساء وأنا لم أعرف" [ع4]. في دراستنا للأصحاح السابع رأينا الملك يشير إلى الإرادة الإنسانية التي تملك على الإنسان كله وتسيطر عليه، والرؤساء يشيرون إلى طاقات الإنسان ومواهبه خاصة القيادية.
فإقامتهم للملوك من ذواتهم وليس من قبل الله يشير إلى سلوكهم حسب إرادتهم الذاتيّة، وتدبيرهم لأمور حياتهم دون الالتجاء إلى الله أو طلب مشورته؛ أما قوله: "أقاموا رؤساء وأنا لم أعرف" فتعني أن مواهبهم وطاقاتهم تعمل ليس لحساب مملكة الله، فصاروا غرباء عنه لا يعرفون الله ولا يستحقون معرفة الله لهم.
الله في محبته لنا يريدنا أن نرجع إليه في كل شيء، فلا نقيم في داخلنا ملوكًا أو رؤساء بدون مشورته، إنما نفعل كيفتاح الذي "تكلم بجميع كلامه أمام الرب في المصفاة" (قض 11: 11)، فلا يُقال عنا "لا ينظرون إلى قدوس إسرائيل" (إش 31: 1).
وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [إنه مشتاق إلينا جدًا أن نحتمي دائمًا فيه، ومنه نطلب كل شيء، وبدونه لا نفعل شيئًا ولا ننطق بكلمة... فإن هذه هي عادة المحبين إذ يطلبون من محبوبيهم أن يرتبطوا بهم فلا يفعلون شيئًا ولا ينطقون بكلمة بدونهم.]
ما نقوله بخصوص الملوك والرؤساء في داخل النفس أيّ الإرادة الإنسانية والطاقات والمواهب نكرره بخصوص الكنيسة كجماعة المؤمنين، فإنه لا يليق إقامة أسقف أو كاهن دون مشورة الرب.
كتب القديس كبريانوس في إحدى رسائله عن الهراطقة: [يوجد بلا شك أساقفة أُقيموا ليس حسب إرادة الله، بل هم كمن خارج الكنيسة. هؤلاء أُقيموا على خلاف نظام الإنجيل وتقليده، كما قال الرب بالأنبياء: "ويل للبنين المتمردين يقول الرب حتى إنهم يجرون رأيًا وليس مني، ويقيمون عهدًا وليس بروحي ليزيدوا خطية على خطية" (إش 30: 1 الترجمة السبعينية)].
كما كتب في رسالة أخرى: [أحيانًا يُسام أساقفة غير مستحقين، هؤلاء يسامون لا حسب إرادة الله وإنما حسب التدبير البشري، فتتم السيامة بطريقة غير شرعية ولا تقوية، الأمر الذي يحزن الله كما أُعلن في هوشع النبي.]
يكمل الرب عتابه مع شعبه، قائلًا: "صنعوا لأنفسهم من فضتهم وذهبهم أصنامًا لكي ينقرضوا" [ع4]. لقد صنعوا تماثيل للآلهة الوثنية، فخسروا ما يملكونه من فضة وذهب ليقتنوا غضب الله وهلاكهم، وكأنهم يشترون بفضتهم وذهبهم ما يقرضهم ويفنيهم.
إن كانت الفضة تشير إلى كلمة الله المُصفاة سبع مرات، والذهب يشير إلى الحياة الروحيّة، فإنه كثيرًا ما يسيء البعض استخدام كلمة الله والحياة الروحيّة لتكون لهلاكهم عوض بنيانهم الروحي، كأن يقيمون كلمة الوعظ أو يمارسون الحياة النسكية لا بروح الاتضاع أمام الله، وإنما بروح الاعتداد بالذات لحساب كرامتهم الخاصة.
يقول أيضًا: "قد زنخ عجلكِ يا سامرة" [ع5]. إنه يشير إلى بداية الثورة ضد مملكة داود حين انشق يربعام عن المملكة وإذ خشى أن يرجع الشعب بقلبه إلى أورشليم فيقتلوه ويتبعوا رحبعام ملك يهوذا صنع عجلي ذهب (1 مل 12: 28)، أقام واحدًا في بيت إيل والآخر في دان، وقال للشعب: "كثير عليكم أن تصعدوا إلى أورشليم، هوذا آلهتك يا إسرائيل الذين أصعدوك من أرض مصر" (1 مل 12: 28) . ويبدو أن إقامة العجول في البداية لم يكن القصد بها التعبد للأوثان وإنما كانوا يظنون أن يهوه حالّ عليها، لكن تدريجيًا تحولت إلى عبادة وثنية. ويبدو أن العجل الذي في دان قد انتقل إلى السامرة حين صارت عاصمة لمملكة الشمال. على أيّ الأحوال إن كان الله قد سمح ليربعام أن يتمم مشورته ضد رحبعام بن سليمان كتأديب على خطايا سليمان، لكن يربعام يُدان على صنعه هذا، خاصة من أجل إقامته مقدسات خارج أورشليم صارت مراكز خطيرة لنشر العبادة الوثنية ورجاساتها.
لقد زنخ عجل السامرة أو سبح، إذ فقد بهاءه حتى في أعين عابديه، لأنه لم يستطيع أن ينقذ نفسه ولا خلصهم من يد ملك آشور. "إن عجل السامرة يصير كسرًا" [ع6]، أيّ يتحطم كإناء فخاري ترابي إلى كسر لا يمكن معالجتها. لقد أقاموا لأنفسهم إلهًا هو من عمل أيديهم فتحطم وحطمهم معه. إنها صورة مرة لكثيرين يقيمون لأنفسهم من ذهبهم عجلًا في سامرتهم، أيّ يقيمون ذواتهم آلهة في قلوبهم الفاسدة، هذه الذات وقد صارت إلهًا احتلت مركز الله الحيّ في أورشليم الداخلية، لذا تهوى وتتحطم من علو تشامخها.
لقد حمى غضب الله عليهم [ع5]، إذ أخذوا ذهبه الذي وهبهم إياه ليكون ذهبهم، وعوض أن يستخدموه لحساب مجد الله أقاموا به عجلًا في سامرتهم، بلا جمال، يتحطم إلى كسر بلا علاج... إنهم يرفضون الله القدوس ولا يطيقون النقاوة... "إلى متى لا يستطيعون النقاوة؟!" [ع5].
 
قديم 19 - 12 - 2024, 05:23 PM   رقم المشاركة : ( 181490 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,281,003

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

القديس يوحنا الذهبي الفم


[إنه مشتاق إلينا جدًا أن نحتمي دائمًا فيه، ومنه نطلب كل شيء،
وبدونه لا نفعل شيئًا ولا ننطق بكلمة... فإن هذه هي عادة المحبين
إذ يطلبون من محبوبيهم أن يرتبطوا بهم فلا يفعلون شيئًا
ولا ينطقون بكلمة بدونهم.]
 
موضوع مغلق

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:55 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024