ربنا باعتلك رسالة ليك أنت
الرسالة دى تحطها فى قلبك طول سنة 2025
يالا اختار رسالتك من الهدايا الموجودة وشوف ربنا هايقولك ايه
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
16 - 12 - 2024, 04:43 PM | رقم المشاركة : ( 181181 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
يا صَليبَ الرَّبِّ حَقّاً صِرْتَ فَرْداً في الشَّجَرْ ما نَما غَرْسٌ شَبيهٌ بِكَ زَهْراً أَوْ ثَمَرْ يا مَساميراً وَعوداً حَمَلَتْ حِمْلاً نَضَرْ يا لِسانُ امْدَحْ وَمَجِّدْ شَأْنَ إِكْليلِ الظَّفَرْ وامْتَدِحْ مَجْداً فَريداً لِلصَّليبِ المُنْتَصِرْ واصِفاً فادي البَرايا كَيْفَ بِالمَوْتِ انْتَصَرْ بَعْدَ عَيْشٍ ثُلْثَ قَرْنٍ لِفِدانا بِالجَسَدْ أَسْلَمَ النَّفْسَ اخْتِياراً لِعَذابٍ لا يُحَدْ وَارْتَقى عودَ صَليبٍ حَمَلُ اللهِ الأَبَرْ سُقِيَ المُرَّ وغاصَتْ فيهِ أَشْواكُ الأَلَمْ وَمَساميرٌ حِدادٌ فَجَرى ماءٌ وَدَمْ طَهَّرا الدُّنْيا جَميعاً فَفَدى كُلَّ البَشَرْ دَوْحَةَ المَجْدِ أَليني واخْفِضي هَذي العُيونْ وانْبُذي طَبْعاً غَليظاً واصْقُلي مِنْكِ الغُصونْ مَهِّدي لِلرَّبِّ مَهْداً إِنَّهُ المَلْكَُ الأَغَرْ صِرْتِ أَهْلاً لِتُقِلّي وَحْدَكِ الفادي الذَّبيحْ وَلِغَرْقى الكَوْنِ مَرْفَأْ صاحِبِ الفُلْكِ المَسيحْ مَنْ طَلاهُ بِدِماهُ كَخَروفٍ قَدْ نُحِرْ أَغْرى إِبْليسُ اللَّعينُ بِالشُّجَيْرَةِ الإِنْسانْ وَعَلى عودِ الصَّليبِ أَبْطَلَ الفادي العِصْيانْ وَقَدْ طابَ أَنْ يُداوي بِالذي كانَ الضَّرَرْ عِنْدَ مِلْءِ الوَقْتِ وافى مِنْ ذُرى الآبِ المَجيدْ مُبْدِعُ الأَكْوانِ طُرّاً ذلِكَ البِكْرُ الوَحيدْ لاحَ مِنْ أَحْشا بَتولٍ لابِساً جِسْمَ البَشَرْ سَبِّحوا دَوْماً سَواءً لِاسْمِ ثالوثٍ مَجيدْ والِداً وابناً وَروحاً رَبَّنا المُحْيي الفَريدْ وَلْيُمَجِّدْ كُلُّ خَلْقٍ سِرَّهُ السّابي الفِكَرْ |
||||
16 - 12 - 2024, 05:03 PM | رقم المشاركة : ( 181182 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
ثمار الخيانة الزوجية إن كان الله قد أعلن خيانة إسرائيل للعهد المبرم بينهم وبين الله، فصار زوجة زانية تثمر أولاد زنى، كشف هذا الأصحاح عن ثمار الخيانة الزوجية، فاتحًا الباب للعودة إلى الله من جديد: 1. محاكمة الأم 1 «قُولُوا لإِخْوَتِكُمْ «عَمِّي» وَلأَخَوَاتِكُمْ «رُحَامَةَ». 2 حَاكِمُوا أُمَّكُمْ حَاكِمُوا، لأَنَّهَا لَيْسَتِ امْرَأَتِي وَأَنَا لَسْتُ رَجُلَهَا، لِكَيْ تَعْزِلَ زِنَاهَا عَنْ وَجْهِهَا وَفِسْقَهَا مِنْ بَيْنِ ثَدْيَيْهَا، 3 لِئَلاَّ أُجَرِّدَهَا عُرْيَانَةً وَأَوْقِفَهَا كَيَوْمِ وِلاَدَتِهَا، وَأَجْعَلَهَا كَقَفْرٍ، وَأُصَيِّرَهَا كَأَرْضٍ يَابِسَةٍ، وَأُمِيتَهَا بِالْعَطَشِ. 4 وَلاَ أَرْحَمُ أَوْلاَدَهَا لأَنَّهُمْ أَوْلاَدُ زِنًى. "قولوا لإخوتكم عمي، ولإخوتكم رُحامة، حاكموا أمكم حاكموا، لأنها ليست امرأتي وأنا لست رجلها، لكي تعزل زناها عن وجهها وفسقها من بين ثدييها" [ع1-2]. إذ أعلن الله عن هذه الأمة أنها قد زنت تاركة إلهها الحقيقي لتتحد بقلبها مع البعل لم يستطع أن يدعوها امرأته لأنها خانته وهو طلقها، إنما يدعوها: "أمهم" لكي يثيرها للتوبة والرجوع إليه على المستوى الجماعي كما على المستوى الشخصي لكل عضو فيها. ومع كل ما صنعته من شرور يفتتح الرب حديثه بواسطة النبي كما يختتمه بإعلانه تجديد العهد معهم، معلنًا أنهم شعبه وموضع رحمته. بهذا الروح يقول الرسول بولس: "أيها الإخوة أن مسرة قلبي وطلبتي إلى الله لأجل إسرائيل هي للخلاص" (رو 10: 1). إلى مَن يوجه الحديث: "قولوا لإخوتكم عمي ولأخوتكم رُحامة"؟ أن كانت جومر بنت دبلايم تثمر يزراعيل ولورحامة ولوعمي، لكنه توجد بقية قليلة وسط الشعب مقدسة لله أو على الأقل مشتاقة للحياة المقدسة للرب. هؤلاء يوجه إليهم الله حديثه لكي يفتحوا أبواب الرجاء أمام اخوتهم الساقطين فيعلنوا أن الله يشتاق أن يضمهم ليصيروا شعبه ويرحمهم، لكن ليس بدون تقديس أو جهاد، إذ يقول: "حاكموا". ليحاكموا أمهم التي فقدت انتسابها لله فلم تعد امرأته بسبب زناها وفسقها. إنها محاكمة تتم داخل دائرة النفس بالروح القدس فيدين الإنسان نفسه قبل أن يفتضح في يوم الرب العظيم، ليقل كل واحد لنفسه: "حاكموا أمكم حاكموا"، فنحكم على أنفسنا قبل أن يُحكم علينا. ليتنا لا نصمت على فساد العروس التي للرب، فنرد في أنفسنا ما كتبه القديس باسيليوس الكبير إلى عذراء ساقطة: [إن كان يوحنا انتهر بجسارة حتى الموت عندما رأى عرسًا ما كان ينبغي أن يكون، فكم بالأكثر تكون مشاعره عندما يرى انتهاكًا لعرس خاص بالرب؟! لقد ألقيتي عنكِ نير الوحدة الإلهية. لقد هربتي من الحِجال المقدس الذي للملك الحقيقي. لقد سقطتي في ذلك الهلاك الفاسد الدنس... من لا يحزن على مثل هذه الأمور، قائلًا: "كيف صارت القرية الأمينة زانية" (إش 1: 21)؟!.] أما غاية هذه المحاكمة فهي: "لكي تعزل زناها عن وجهها وفسقها من بين ثدييها" [ع2]. فإذ نحكم على أنفسنا ننزع عن وجهنا عدم الحياء، فنخجل من ضعفنا ونطلب الستر بنعمته، عندئذ نسمع عريسنا السماوي يقول: "قومي ياحبيبتي يا جميلتي وتعالي، يا حمامتي في محاجئ الصخر في ستر المعاقل؛ أريني وجهك، اسمعيني صوتك، لأن صوتك لطيف ووجهك جميل" (نش 2: 13-14). يهبنا قوة قيامته قائلًا: "قومي" فنموت عن كل نجاسة لطَّخت وجهنا وتظهر في عينيه سماته الإلهية، ممجدين بقيامته، متزينين بعمل روحه القدوس. لينزع بروحه القدوس الفسق من بين الثديين، أيّ من داخل القلب، حتى نناجيه، قائلين: "بين ثديي يبيت" (نش 1، 13)، إذ لا يقدر أن يبيت القدوس حيث يستقر الفسق، لأنه أية شركة للنور مع الظلمة وأيّ اتفاق للسيد المسيح مع بليعال؟! ماذا يعني نزع الفسق عن الثديين؟ أن كان للعريس السماوي ثديان هما العهدان القديم والجديد، فإنهما ثديا العروس أيضًا بكونهما كتاب الكنيسة، فيليق بالعروس أن تقدمها خلال حياتها المقدسة في الرب ولا يفسد أحد رسالتهما بحياته الشريرة معثرًا الآخرين عن التمتع بهما كغذاء للنفوس. بهذا المعنى كتب القديس جيروم للراهب باماخيوس يشجعه على دراسة الكتاب المقدس، قائلًا: [أعطه ثدييك ليرضع من حضنك المثقب وليسترح في ميراثه (مز 68: 13).] إن حاكمنا أنفسنا لا يُحكم علينا، أما إذا تهاون مع أنفسنا في أمر الخطية فنسقط تحت هذا الحكم: "لئلا أجردها عريانة وأوقفها كيوم ولادتها وأجعلها كقفر وأصيرها كأرض يابسة وأميتها بالعطش، ولا أرحم أولادها لأنهم أولاد زنى" [ع3-4]. ماذا يعني بقول: "أجردها عريانة وأوقفها كيوم ولادتها" غير أنها إذ تركته بإرادتها لا يلزمها بالارتباط به فتفقده كسر ستر لحياتها الداخلية. ترفضه فتفقده كثوب برّ تكتسي به، وتظهر بطبيعتها الفاسدة كيوم ولادتها الجسدية، ليس لها ما يستر ضعفها. لقد حرمت نفسها بنفسها من السيد المسيح الذي نلبسه كقول الرسول بولس: (غل 3: 27). أما قوله: "اجعلها كقفر وأصيرها يابسة وأميتها بالعطش"، فلأنها ترفض الله لا تتقبل روحه القدوس الذي ينزل على أرضنا القفر كمطر يرويها، ويجعل من بريتها القاحلة فردوسًا مثمرًا، لتقول لعريسها: "ليأتِ حبيبي إلى جنته ويأكل ثمره النفيس" (نش 4: 16). أما قوله: "ولا أرحم أولادها لأنهم أولاد زنى" فيشير إلى الثمر الذي ينبع فينا عن ذواتنا وليس عن اتحادنا مع العريس السماوي؛ هذا الذي قال عنه السيد المسيح أن كل غرس لم يغرسه أبوه السماوي يُقلع (مت 15: 13)، إذ هو غريب عن ملكوت الله ولا يستحق إلاّ الحرق! هذه الأعمال التي ليست من الله هي: "أولاد زنى"، أما الأعمال التي من غرس الله فمرتبطة به لا يمسها الشرير، بل تبقى مرافقة لنا كل أبديتنا كقول الكنيسة: "أكتب طوبى للأموات الذين يموتون في الرب منذ الآن؛ نعم يقول الروح لكي يستريحوا من أتعابهم، وأعمالهم تتبعهم" (رؤ 14: 13). 2. الجري وراء الباطل 5 «لأَنَّ أُمَّهُمْ قَدْ زَنَتِ. الَّتِي حَبِلَتْ بِهِمْ صَنَعَتْ خِزْيًا. لأَنَّهَا قَالَتْ: أَذْهَبُ وَرَاءَ مُحِبِّيَّ الَّذِينَ يُعْطُونَ خُبْزِي وَمَائِي، صُوفِي وَكَتَّانِي، زَيْتِي وَأَشْرِبَتِي. 6 لِذلِكَ هأَنَذَا أُسَيِّجُ طَرِيقَكِ بِالشَّوْكِ، وَأَبْنِي حَائِطَهَا حَتَّى لاَ تَجِدَ مَسَالِكَهَا. 7 فَتَتْبَعُ مُحِبِّيهَا وَلاَ تُدْرِكُهُمْ، وَتُفَتِّشُ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَجِدُهُمْ. فَتَقُولُ: أَذْهَبُ وَأَرْجعُ إِلَى رَجُلِي الأَوَّلِ، لأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَانَ خَيْرٌ لِي مِنَ الآنَ. إذ يطلب الله عروسه مهددًا إياها أن رفضت، بل بالحري محذرًا إياها لئلا تصير عريانة وقفرًا ولا تنعم برحمته، يكشف لها أن ما يحدث لها ليس عن قسوة من جانبه وإنما هو ثمر طبيعي لتركها الحق كسر حياتها وشبعها، وجريها وراء الباطل الذي لا يقدم إلاّ موتًا وحرمانًا. يقول: "لأن أمهم قد زنت، التي حبلت بهم صنعت خزيًا، لأنها قالت: أذهب وراء محبيّ الذين يعطون خبزي ومائي، صوفي وكتاني، زيتي وأشربتي" [ع5]. لقد أوضح أن سر هلاكها هو زناها وارتكابها الخزي، لا بالمعنى الجسدي العام، إنما ارتكابه في القلب داخليًا أولًا حيث تحل احتياجاتها؛ يقدمون لها طعامها (خبزي)، شرابها (مائي)، وكساءها (صوفي وكتاني)، وأدويتها (زيتي)، وبهجتها (أشربتي). هذا هو الزنا الروحي حيث يتكئ الإنسان على آخر غير الله عريس نفسه ليطلب منه احتياجاته ويجد فيه شبعه ولذته. وإذ يعمل الله على ردنا إليه يضيق الخناق حولنا لندرك أن جرينا وراء الآخرين لا يقدم لنا إلاّ سرابًا، إذ يقول: "لذلك هأنذا أسيج طريقك بالشوك وأبني حائطها حتى لا تجد مسالكها، فتتبع محبيها ولا تدركهم، وتفتش عليهم ولا تجدهم" [ع7] أن كانت الخطية تجلب للإنسان "شوكًا وحسكًا" (تك 3: 18)، وكما يقول الحكيم: "شوك وفخ في طريق ملتوي" (أم 22: 5)، فإن الله في محبته يترك هذا الشوك يعترض طريقنا لعلنا ندرك خطأنا ونرجع إليه. فحين يُقال أن الله يكون مع الملتوي ملتويًا (مز 18: 36)، "ويسلك بالخلاف مع من يسلك بالخلاف معه" (لا 26: 23-24)، إنما يفعل ذلك كثمرة طبيعية لشرنا لنجني من الشر ثمره، وفي نفس الوقت كعلامة حب إلهي لأجل تأديبنا حتى نرتد عن طريقنا. فإن لم نبالي يقيم لنا حائط الضيقات والأتعاب ليغلق أمامنا طريقنا الملتوي وندرك أن سعينا فيه باطل. خلال هذا الضيق ندرك بطلان جرينا وراء الآخرين، إذ نقترب من المحبين فلا ندركهم ونفتش عليهم ولا نجدهم. من هم هؤلاء المحبين؟ ربما قصد بهم ملك آشور وفرعون مصر ومن هم على أمثالهما، فالتحالف مع واحد منهم خوفًا من الغير هو تحالف باطل، فهؤلاء يعملون لمصلحتهم الخاصة ويستغلون إسرائيل ويهوذا دون مساعدتهم في وقت الضيق. إنهم مثل "عكاز القصبة المرضوضة" (2 مل 18: 21). ولعله قصد بالمحبين أيضًا البعل والعشتاروت وما رافق العبادة الوثنية من سحر... هذه جميعها التي كرس إسرائيل حياته وطاقاته وكل مشاعره لها مع أنها لا تقدر أن تنقذه أو تخلصه. غاية هذه المتاعب هي عودة العروس إلى تعلقها الحكيم فتترك زناها وترجع إلى رجلها الحقيقي: "فتقول أذهب وأرجع إلى رجلي الأول لأنه حينئذ كان خير لي من الآن" [ع7]، وكأنها بالابن الضال الذي قال: "أقوم وأذهب إلى أبي" (لو 15: 18). 3. تدنيس عطايا الله 8 «وَهِيَ لَمْ تَعْرِفْ أَنِّي أَنَا أَعْطَيْتُهَا الْقَمْحَ وَالْمِسْطَارَ وَالزَّيْتَ، وَكَثَّرْتُ لَهَا فِضَّةً وَذَهَبًا جَعَلُوهُ لِبَعْل. 9 لِذلِكَ أَرْجعُ وَآخُذُ قَمْحِي فِي حِينِهِ، وَمِسْطَارِي فِي وَقْتِهِ، وَأَنْزِعُ صُوفِي وَكَتَّانِي اللَّذَيْنِ لِسَتْرِ عَوْرَتِهَا. 10 وَالآنَ أَكْشِفُ عَوْرَتَهَا أَمَامَ عُيُونِ مُحِبِّيهَا وَلاَ يُنْقِذُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي. 11 وَأُبَطِّلُ كُلَّ أَفْرَاحِهَا: أَعْيَادَهَا وَرُؤُوسَ شُهُورِهَا وَسُبُوتَهَا وَجَمِيعَ مَوَاسِمِهَا. 12 وَأُخَرِّبُ كَرْمَهَا وَتِينَهَا اللَّذَيْنِ قَالَتْ: هُمَا أُجْرَتِي الَّتِي أَعْطَانِيهَا مُحِبِّيَّ، وَأَجْعَلُهُمَا وَعْرًا فَيَأْكُلُهُمَا حَيَوَانُ الْبَرِّيَّةِ. 13 وَأُعَاقِبُهَا عَلَى أَيَّامِ بَعْلِيمَ الَّتِي فِيهَا كَانَتْ تُبَخِّرُ لَهُمْ وَتَتَزَيَّنُ بِخَزَائِمِهَا وَحُلِيهَا وَتَذْهَبُ وَرَاءَ مُحِبِّيهَا وَتَنْسَانِي أَنَا، يَقُولُ الرَّبُّ. في دراستنا لسفر حزقيال رأينا الله يعاتب عروسه ليس لأنها خائنة فحسب، وإنما لأنها أخذت غناه ومقدساته لتستخدمها في خيانتها له. هنا يعلق الله أن عروسه تأخذ قمحه ومسطاره وزيته وفضته وذهبه لتقدمه للبعل؛ تستخدم العطايا الإلهية لخدمة الشر! وقد سبق لنا شرح رموز هذه العطايا ومفاهيمها الروحيّة في شيء من التفصيل. أما ثمر هذا التصرف المؤلم فهو: أولًا: يسحب الله عطاياه في الوقت المناسب، إذ يقول: "لذلك أرجع وآخذ قمحي في حينه ومسطاري في وقته، وأنزع صوفي وكتاني اللذين لستر عورتها" [ع9]. والعجيب أن الله يترك عروسه تفعل ما تشاء بعطاياه ومواهبه، بالرغم من إساءة استغلالها لها، لعلها تدرك خطأها وترجع. ولكن هذا الترك إلى حين، ففي الوقت المناسب يسحب ما وهبها فتصبح جائعة وظمآنة وعارية، تنفضح حتى أمام عيون محبيها. إن كان الله يطيل أناته علينا، لكن إن تمادينا في إساءة استخدام عطاياه لنا ينتزع ما وهبنا ويجعلنا مثلًا وهزأة حتى بين الأشرار، الأمر الذي أدركه إرميا النبي حين سُبيت أورشليم إذ قال: "كل مكرميها يحتقرونها لأنهم رأوا عورتها وهي أيضًا تتنهد وترجع إلى الوراء، نجاستها في أذيالها... ليس لها معزٍ" (مرا 1: 8-9). ثانيًا: لا تفقد العطايا والمواهب فحسب وإنما تفقد أيضًا فرحها وسلامها الزمني والأبدي، إذ يقول: "وأبطل كل أفراحها: أعيادها ورؤوس شهورها وسبوتها وجميع مواسمها" [ع11]. إنه يبطل كل أفراحها الزمنية، وتدخل في مرارة دائمة وكآبة وضيق ولا تعرف الفرح بعد ولا العيد. أما المؤمن ففي وسط حمله للصليب يُسحب قلبه لبهجة القيامة وقوتها، ووسط الآلام يتذوق الراحة الداخلية على مستوى سماوي، ووسط الحزن يفرح ولا يقدر أحد أن ينزع فرحه منه. يؤكد القديس يوحنا الذهبي الفمفي أكثر من موضع أن سلام الإنسان وفرحه ينبعان من أعماقه في الداخل خلال الحياة المقدسة في الرب، وأن أذيته لا تنبع عن عوامل خارجية بل عن خطيته، إذ يقول: [لهذا لا أخاف من مؤامرات الأعداء، إنما أخاف أمرًا واحدًا هو الخطية، أريد أن ألقنك درسًا وهو ألا تخف من خداعات ذوي السطوة، لكن خفْ من سطوة الخطية. لا يضرك أحدًا إن لم تضر نفسك بنفسك. إن كنت لا تخطئ فإن عشرات الألوف من السيوف تهددك، لكن الله ينتشلك منها حتى لا تقترب إليك، ولكن إن كنت ترتكب شرًا، فإنك وإن كنت داخل فردوس فستطرد منه.] ثالثًا: يخرب كرمها وتينها [ع12]، وقد سبق فرأينا في مقدمة هذا التفسير الكرمة والتينة كرمزين للكنيسة المتألمة والمتسمة بوحدة الروح. وكأن الإنسان الذي يترك عريس نفسه يفقد سمات الكنيسة وعضويته فيها، بل ويصير وعرًا يأكله حيوان البرية [ع12]، أي فريسة للشيطان ومائدة للخطية. رابعًا: أما نهاية هذا كله فهو نوالها العقاب الإلهي، "وأعاقبها على أيام بعليم التي فيها كانت تُبخر لهم وتتزين بخزائمها وحليها، وتذهب وراء محبيها وتنساني أنا يقول الرب" [ع13]. يحاسبها الله بدقة إذ قدمت البخور لأصنام البعل وتزينت لها بالخزائم والحلي وذهبت وراء محبيها ترتكب معهم الفجور وتركت الله ينبوع القداسة. قدمت البخور علامة الصلاة والالتجاء إلى البعل، وتزينت له علامة الرغبة في إرضائه والاتحاد معه، وجرت وراء المحبين إشارة إلى تعلق القلب. وهكذا قدمت كل إمكانيتها للبعل لا لعريسها الذي نسته تمامًا فاستحقت السقوط تحت العقاب الأبدي. 4. دعوة للرجوع 14 «لكِنْ هأَنَذَا أَتَمَلَّقُهَا وَأَذْهَبُ بِهَا إِلَى الْبَرِّيَّةِ وَأُلاَطِفُهَا، 15 وَأُعْطِيهَا كُرُومَهَا مِنْ هُنَاكَ، وَوَادِي عَخُورَ بَابًا لِلرَّجَاءِ. وَهِيَ تُغَنِّي هُنَاكَ كَأَيَّامِ صِبَاهَا، وَكَيَوْمِ صُعُودِهَا مِنْ أَرْضِ مِصْرَ. 16 وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، يَقُولُ الرَّبُّ، أَنَّكِ تَدْعِينَنِي: رَجُلِي، وَلاَ تَدْعِينَنِي بَعْدُ بَعْلِي. 17 وَأَنْزِعُ أَسْمَاءَ الْبَعْلِيمِ مِنْ فَمِهَا، فَلاَ تُذْكَرُ أَيْضًا بِأَسْمَائِهَا. 18 وَأَقْطَعُ لَهُمْ عَهْدًا فِي ذلِكَ الْيَوْمِ مَعَ حَيَوَانِ الْبَرِّيَّةِ وَطُيُورِ السَّمَاءِ وَدَبَّابَاتِ الأَرْضِ، وَأَكْسِرُ الْقَوْسَ وَالسَّيْفَ وَالْحَرْبَ مِنَ الأَرْضِ، وَأَجْعَلُهُمْ يَضْطَجِعُونَ آمِنِينَ. 19 وَأَخْطُبُكِ لِنَفْسِي إِلَى الأَبَدِ. وَأَخْطُبُكِ لِنَفْسِي بِالْعَدْلِ وَالْحَقِّ وَالإِحْسَانِ وَالْمَرَاحِمِ. 20 أَخْطُبُكِ لِنَفْسِي بِالأَمَانَةِ فَتَعْرِفِينَ الرَّبَّ. 21 وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنِّي أَسْتَجِيبُ، يَقُولُ الرَّبُّ، أَسْتَجِيبُ السَّمَاوَاتِ وَهِيَ تَسْتَجِيبُ الأَرْضَ، 22 وَالأَرْضُ تَسْتَجِيبُ الْقَمْحَ وَالْمِسْطَارَ وَالزَّيْتَ، وَهِيَ تَسْتَجِيبُ يَزْرَعِيلَ. 23 وَأَزْرَعُهَا لِنَفْسِي فِي الأَرْضِ، وَأَرْحَمُ لُورُحَامَةَ، وَأَقُولُ لِلُوعَمِّي: أَنْتَ شَعْبِي، وَهُوَ يَقُولُ: أَنْتَ إِلهِي». بعد إعلانه عن الشر الذي ارتكبه العروس الخائنة وتبديدها مال عريسها لحساب عدوه، كاشفًا عن ثمار هذه التصرفات الباطلة، يعود في حنان ولطف ليعلن رغبته في عودتها إليه، إذ يقول: "لكن هأنذا أتملقها وأذهب بها إلى البرية وأُلاطفها" [ع14]. أيّ عريس يلاطف عروسه بعد خيانتها له وتبديد ممتلكاته لحساب آخر غيره؟! هكذا يشتاق الله إلى الإنسان، يتملقه ويلاطفه لعله يرجع إليه ويقبل الاتحاد معه. وإذ يقدس الله الحرية الإنسانية لا يلزمه بالرجوع لكنه يتملقه كي يجتذبه إليه، لينطلق به إلى البرية حيث لا يجد هناك له معين سوى الله وحده الذي يلاطفه في البرية كما لاطف شعب بني إسرائيل في برية سيناء مقدمًا لهم كل حب ومظهرًا لهم كل حنو ورعاية. والآن بماذا يُلَاطِفها الله لكي ترجع إليه؟ أولًا: "أعطيها كرومها من هناك" [ع15]؛ فإن كان يذهب بها إلى البرية، لكنه يعطيها كرومها هناك في البرية، والكروم تقدم طعامًا (عنبًا) وشرابًا (عصير عنب) وخمرًا مفرحًا. ما هذه الكروم التي يقدمها لها الرب إلاّ نفسه، إذ يقول: "أنا الكرمة الحقيقيّة وأبي الكرام" (يو 15: 1)، كأنه يقدم حياته للشبع والارتواء والفرح، تنعم به بكونه الخبز النازل من السماء (يو 6: 50)، وتشرب منه بكونه الينبوع الحيّ (إر 2: 13) وتسكر بمحبته، قائلة: "حبك أطيب من الخمر" (نش 1: 2). إن كان العالم قد صار كبرية قاحلة لا يقدر أن يقدم لنا شيئًا، لكننا في العالم نجد الكرمة الحقيقيّة النازلة إلينا لنقتنيها، بل لنثبت فيها كأغصان فتأتي بثمر كثير (يو 15: 5)، وهذا هو سر فرحنا وتهليل قلوبنا وسط برية هذا العالم. ثانيًا: "وأعطيها... وادي عخور بابًا للرجاء وهي تغني هناك كأيام صباها وكيوم صعودها من أرض مصر" [ع15]. العجيب أن الله إذ يدخل بها إلى البرية ويقدم لها نفسه "كرومًا"، فإنها تقبل مع الكروم ضيقًا، لأن كلمة "عخور" تعني (إزعاجًا) أو (ضيقًا) وهو واد رُجم فيه عخار (عخان) ابن زارح (يش 7: 26) جنوب أريحا بحوالي عشر أميال. من يقبل السيد المسيح في برية هذا العالم يقبله مشبعًا لنفسه لكن ليس بدون ضيق، وكما يقول القديس يوحنا ذهبي الفم حيث يوجد المسيح يوجد أيضًا ضد المسيح يقاومه. "عخور" هي عطية الله... "أعطيها وادي عخور"، وكما يقول الرسول بولس عن عطية الألم: "قد وهب لكم لأجل المسيح لا أن تؤمنوا به فقط بل أيضًا أن تتألموا لأجله" (في 1: 29) وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [إنه يسمو بنفوسنا، حاسبًا هذه الآلام خاصة به، فأيّ فرح يشملنا أن نكون شركاء المسيح، ومن أجله نتألم؟!]،[كما تألم من الناس نتألم نحن أيضًا معه... لذلك يليق بكم ألاّ تقلقكم هذه الآلام بل بالحري تفرحكم.] والعجيب أن الله يهبنا "عخور بابًا للرجاء"، ففي وسط الألم ينفتح أمامنا باب الرجاء، إذ نتذوق قوة القيامة وبهجتها خلال الصليب مع السيد المسيح فنعود إلى صبانا وشبابنا المتجدد، وينفتح لساننا بالتهليل، وتتحول حياتنا إلى تسبحة فرح داخلية: "وهي تغني هناك كل أيام صباها وكيوم صعودها من أرض مصر" [ع15]. ثالثًا: تتمتع بالاتحاد مع العريس السماوي: "ويكون في ذلك اليوم يقول الرب أنكِ تدعينني رجلي ولا تدعينني بعد بعلي" [ع16]، أيّ تقبل الاتحاد مع الله دون استخدام اللغة الوثنية (بعلي أيّ سيدي أو ربي)؛ يقدسها تمامًا حتى في كلماتها، إذ يقول: "وأنزع أسماء البعليم من فمها فلا تُذكر أيضًا بأسمائها". تدخل معه في عهد زوجي يقدس جسدها وفكرها ويهبها سلامًا فائقًا حتى عند عبورها من هذا العالم. "وأقطع لهم عهدًا في ذلك اليوم مع حيوان البرية وطيور السماء ودبابات الأرض، وأكسر القوس والسيف والحرب من الأرض، واجعلهم يضطجعون آمنين" [ع18]. ما هو "ذلك اليوم" إلاّ يوم مجيء السيد المسيح وارتفاعه على الصليب لخلاصنا، حيث قدّم دمه المبذول عهدًا جديدًا، خلاله يتحقق تقديسنا، فتصير حيوانات البرية التي فينا مستأنسة، وطيور السماء أيّ الفكر مقدسًا، حتى دبابات الأرض أيّ أدنى الطاقات الجسدية مباركة فيه، محطمًا بصليبه قوس الخطية وسيف إبليس ونازعًا الحرب من الجسد (الأرض) إذ يصير مع النفس مقدسين فيه، ويجعل حتى في اضطجاعنا في القبر أمانًا حيث لا يقدر الجحيم أن يغتصبنا ولا الموت أن يفسد سلامنا! سر هذا العمل الإلهي في حياتنا هو قوله مؤكدًا ثلاث مرات "وأخطبك لنفسي" [ع19-20] وهو يؤكد "لنفسي"، إذ يهبنا الله ذاته كما يقول القديس يوحنا ذهبي الفم للكنيسة على لسان السيد المسيح: [إنني أعدك بالملكوت... نعم لقد وهبتك النصيب الأعظم، أعطيتكِ حتى رب الملكوت!]. أما ملامح هذه الخطبة السماوية فهي: ا. "أخطبك لنفسي إلى الأبد"، خطبة أبديّة لا يستطيع الزمن أن يحلها ولا الموت أن يفسدها... أساسها الحب الذي لا تقدر مياه كثيرة أن تطفئه (نش 8: 7)! ب. "أخطبك لنفسي بالعدل والحق والإحسان والمراحم" [ع19]. ما هو العدل والحق والحب إلاّ شخص السيد المسيح الذي نزل إلينا لتنعم البشريّة بالعروس فيه! به تقدم الآب إلينا ليحملنا في أحضانه، وفيه نتقدم نحن لدى الآب كعروس للابن الوحيد لنا حق البنوة له والاتحاد معه. باتحادنا مع العريس السماوي نحمل سماته أيّ العدل والحق والإحسان والمراحِم، فنصير سمائييّن وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [تأمل، ماذا فعل الروح؟ لقد وجد الأرض مملوءة من الشياطين فجعلها سماء.] ج. "وأخطبك بالأمانة فتعرفين الرب" [ع20]. أساس الخطبة هو الإيمان الذي به نتحد مع العريس فينطلق بنا إلى أبيه ونتعرف عليه، لا معرفة الفكر البحت الجاف وإنما معرفة الحياة والاتحاد، الأمر الذي سبق فأعلنه السيد نفسه "لا يعرف الآب إلاّ الابن، ومن أراد الابن أن يعلن له" (مت 11: 27). أن كان الاتحاد مع البعل ثمرته عدم المعرفة بالله، فإن الاتحاد بالابن غايته الدخول إلى حضن الآب والتعرف عليه عن قرب والتصاق! رابعًا: "ويكون في ذلك اليوم إني استجيب يقول الرب، استجيب السموات وهي تستجيب الأرض" [ع21]. ما هي السموات إلاّ النفس التي تحمل السيد المسيح في داخلها عريسًا لها؟! فالآب يستجيب للنفس المتحدة بالعريس السماوي، إذ يشتم فيها رائحة الرضا وتكون موضع سروره. أما الأرض أيّ الجسد فيتقدس أيضًا مع النفس لا يعود يقاوم عمل الله بل يصير آلة برّ تعمل لحسابه، لذا يستجيب الرب لهذه الأرض المقدسة التي يسكنها البرّ. لا تعود الأرض تقاوم السماء، ولا الجسد يصارع مع النفس المقدسة بل يتجاوب معها ويأتي بثمار الروح التي هي من زرع الله نفسه "والأرض تستجيب القمح والمسطار والزيت وهي تستجيب يزرعيل" [ع22]. وأخيرًا يختم الله بركات هذا العصر المسياني الذي فيه يرجع الإنسان إلى عريسه مؤكدًا فضل نعمة الله علينا، بقوله: "وأزرعها لنفسي في الأرض وأرحم لورحامة وأقول للوعمي أنت شعبي وهو يقول أنت إلهي" [ع23]. تمتد يد الله نفسه ليزرعنا فلا نعود بلا رحمة ولا نكون بعد لسنا شعبه بل ننعم برحمته والانتساب إليه ونعتز بألوهيته. لقد صار "يزرعيل" وعدًا بعد أن كان تهديدًا، وصار علامة الله الذي يزرع كنيسته بنفسه بعد أن كان علامة للكرم المغتصب بواسطة إيزابل الشريرة. أما وعده: "أرحم لورحامة وأقول للوعمي أنت شعبي" فقد اقتبسها الرسول بولس في رسالته إلى أهل رومية كنبوة عن دعوة الأمم الذين كانوا غير مرحومين ولا شعب الله، قائلًا: "كما يقول في هوشع سأدعو الذي ليس شعبي شعبي والتي ليست محبوبة محبوبة" (رو 9: 25). حبه العملي لها إذ عرض الوحي الإلهي لثمار الخيانة أو كسر العهد القائم بين الله والإنسان، عاد ليؤكد محبته للإنسان وشوقه للاتحاد معه بعد تقديسه له: 1. الزواج بزانية 1 وَقَالَ الرَّبُّ لِي: «اذْهَبْ أَيْضًا أَحْبِبِ امْرَأَةً حَبِيبَةَ صَاحِبٍ وَزَانِيَةً، كَمَحَبَّةِ الرَّبِّ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ وَهُمْ مُلْتَفِتُونَ إِلَى آلِهَةٍ أُخْرَى وَمُحِبُّونَ لأَقْرَاصِ الزَّبِيبِ». إذ يرفض الدارسون قبول ما ورد هنا على أنه زواج ثانٍ غير الذي ورد في الأصحاح الأول، فلماذا كرر حادثة الزواج بزانية؟ أولًا: يرى بعض الدارسين أن زوجته جومر بنت دبلايم قد هربت من بيت الزوجية وباعت نفسها للفساد فصارت عبدة، لكن النبي عاد فاشتراها لنفسه امرأة [ع2]. ثانيًا: يرى البعض أن ما جاء في هذا الأصحاح هو بعينه ما ورد في الأصحاح الأول لكن الأول جاء الأمر بالزواج أما هنا فيروي ما حدث كواقع عملي، مقدّما لنا الخبرة التي لمسها النبي نفسه. ثالثًا: يرى قلة من الدارسين أن الحديث الأول كان موجهًا إلى مملكة الشمال (إسرائيل)، أما هنا فالحديث موجه إلى مملكة الجنوب (يهوذا) رغم قوله: "بني إسرائيل"، فإن المملكة الأولى قد طُلقت وسُيبت وبقيت الثانية قرنًا من الزمان وأيضًا طُلقت وسُبيت بعد ذلك. رابعًا: يرى البعض أن ما ورد هنا هو مجرد تكرار لما ورد في الأصحاح الأول كتأكيد لمحبة الله لعروسه الساقطة، وإعطائها أكثر من فرصة للتفكير في محبة رجلها الأول لها. في الأصحاح الأول قال الرب لهوشع: "اِذهب خذ لنفسك امرأة زنى"، أما هنا فيقول له "أحببت امرأة صاحب وزانية"، فصدر إليه الأمر لا ليتجوزها فحسب كأمر الله، وإنما يحبها بالرغم من معرفته أنها كانت حبيبة صاحب وأنها زانية. هكذا أراد الله أن يدخل هوشع شركة الحب التي لله نحو شعبه بالرغم مما صنعه هذا الشعب من التفاتهم إلى آلهة أخرى وثنية واشتراكهم في الولائم المفسدة بشوق شديد، إذ يقول له: "كمحبة الرب لبني إسرائيل وهم ملتفتون إلى آلهة أخرى ومحبون لأقراص الزبيب" [ع1]. 2. شراء الزانية "فَاشْتَرَيْتُهَا لِنَفْسِي بِخَمْسَةَ عَشَرَ شَاقِلَ فِضَّةٍ وَبِحُومَرَ وَلَثَكِ شَعِيرٍ" [ع2]. إن كانت هذه الامرأة في شهوات قلبها باعت نفسها لحساب الشر فصارت عبدة ذليلة، إذ صار ثمنها خمسة عشر شاقل فضة، أيّ أقل من ثمن العبدة. جرت وراء محبيها وقدمت حياتها نذرًا لهم فصارت بلا ثمن، إذ فقدت كرامتها ومجدها، فقدت الصورة التي خلقها عليها إلهها الذي في محبته أقامها على صورته ومثاله.على أي الأحوال إذ كان هوشع رمز ليسوع المسيح المخلص، فإن شراءه للمرأة الزانية يشير إلى خلاصه لنا، فقد اشترانا بدمه الثمين من العبودية التي أسرنا أنفسنا بأنفسنا تحت نيرها. يقول هوشع النبي: "اشتريتها لنفسي". اقتناه ربنا يسوع المسيح لنفسه عروسًا تكرس كل طاقاتها لحسابه وليس لحساب العالم أو الشيطان. أما الثمن الذي دفعه هوشع فبخس للغاية: خمسة عشر شاقل فضة، أيّ أقل من ثمن العبد (خر 21: 22)، وحومر ولثك(28) شعير وليس حنطة (مز 81: 16)؛ فقد قيّمها العالم بالشعير أكل الفقراء أو الحيوانات ولا تستحق في عينيه أكثر من هذا، أما ربنا يسوع فاقتنانا لا بذهب أو فضة، ولا بقمح أو شعير، وإنما بدمه الثمين كقول الرسول: "عالمين أنكم افتديتم لا بأشياء تفنى بفضة أو بذهب من سيرتكم الباطلة التي تقلدتموها من الآباء بل بدم كريم، كما من حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح" (1 بط 1: 18-19). 3. تقديس الزانية 3 وَقُلْتُ لَهَا: «تَقْعُدِينَ أَيَّامًا كَثِيرَةً لاَ تَزْنِي وَلاَ تَكُونِي لِرَجُل، وَأَنَا كَذلِكَ لَكِ». 4 لأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَيَقْعُدُونَ أَيَّامًا كَثِيرَةً بِلاَ مَلِكٍ، وَبِلاَ رَئِيسٍ، وَبِلاَ ذَبِيحَةٍ، وَبِلاَ تِمْثَال، وَبِلاَ أَفُودٍ وَتَرَافِيمَ. إن كان الله في حبه يجري وراء البشريّة الزانية مفتديًا إياها بدمه إنما لكي يقدسها، فيهيئها للعرس السماوي. إذ يقول: "وقلت لها: "تقعدين أيامًا لا تزني ولا تكوني لرجل وأنا كذلك لك" [ع4]. ابن الله القدوس كرس عمله لحساب هذا العرس قائلًا: "أنا كذلك لك"، وفي أكثر إيضاح يقول: "لأجلهم أقدس أنا ذاتي ليكونوا هم أيضًا مقدسين في الحق" (يو 17: 19). قدس القدوس حياته أيّ كرسها لخلاصنا، حتى نتقدس به مقدمين حياتنا له خلال التقديس بدمه بواسطة روحه القدوس. . والعجيب أن زواج النفس بالله روحيًا ليس فقط ينزع عنها نجاستها أو زناها الروحي إنما يهبها "بتوليّة". وكما يقول القديس يوحنا ذهبي الفم: [دعيت الكنيسة عذراء، هذه التي كانت قبلًا زانية. هذه هي المعجزة التي صنعها العريس: أخذها زانية، وجعل منها عذراء! يا له من أمر عجيب وجديد! فنحن بالزواج نفقد بتوليتنا، أما الله فبالزواج يعيد للكنيسة عذراويتها... عندما تسمع هذه الأمور لا تفهمها بصورة مادية بل حلّق بفكرك عاليًا. لا تفهمها بصورة جسدية... فإن الكنيسة التي تعيشها روحيّة لا مادية.] يكمل النبي حديثه: "لأن بني إسرائيل سيقعدون أيامًا كثيرة بلا ملك وبلا رئيس وبلا ذبيحة وبلا تمثال (مذبح حسب الترجمة السبعينية) وبلا أفود وترافيم" [ع4]، هذه إشارة إلى فترة السبي التي حُرم فيها الشعب من حرية العبادة لله وكل امتيازاتها ومن كل مظهر لهم كأمة أو كنيسة. ولعل الله قد سمح بها كفترة تهيئة لهم لقبول العبادة الحقة بعد حرمانهم منها بسبب شرهم. الله في محبته يحرم الإنسان حتى من البركات إلى حين لكي نتقبلها بصورة أعظم وأبقى! 4. الرجوع إلى العريس 5 بَعْدَ ذلِكَ يَعُودُ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَيَطْلُبُونَ الرَّبَّ إِلهَهُمْ وَدَاوُدَ مَلِكَهُمْ، وَيَفْزَعُونَ إِلَى الرَّبِّ وَإِلَى جُودِهِ فِي آخِرِ الأَيَّامِ. يختم الحديث عن قبول الزانية بالحب الزوجي بعودة الشعب اليهودي إلى معرفة الله. يرى العلامة أوريجينوس أن فترة الحرمان السابق الحديث عنها لا تشير إلى فترة السبي فحسب، وإنما أيضًا تشير إلى رفض اليهود للمسيَّا، لكنهم في أواخر الأيام يقبلون الإيمان وينضمون كأعضاء في جسد المسيح لينعموا بالخلاص، إذ يقول: "وبعد ذلك يعود بنو إسرائيل ويطلبون الرب إلههم وداود ملكهم ويفزعون إلى الرب، وإلى جوده في أواخر الأيام" [ع5]. إنهم في أواخر الدهور سيفزعون إلى الرب أو يهربون إليه. لماذا يقول "يفزعون إلى الرب"؟ لعلهم إذ يدركون ما فعلته الخطية بداود ملكهم، أيّ السيد المسيح الذي هور "أصل وذرية داود" (رؤ 22: 16) ، ويفزعون إليه ليتمموا خلاصهم بخوف ورعدة (في 2: 12). الرب يحاجج شعبه إعلان المحاكمة إن كان الله قد كشف لإسرائيل عن مركزه لديه كعروس أحبها وقدّم لها كل إمكانيات الحياة معه، لكنها خانته وكسرت العهد. إنه يفتح لها باب الرجاء مرة ومرات خلال التوبة خاصة في العصر المسياني. والآن في محبته لا يصدر لها أوامر بل يدخل معها في حوار ومحاجاة بل ومحاكمة لا يغلب، وإنما لكي يعلن أبوته المحبة ويوضح أنه العريس غير المستبد. ففي هذا الأصحاح يبدأ بإعلان محاكمة إسرائيل خاصة ما كان له من قيادات دينية فاسدة. 1. إعلان المحاكمة 1 اِسْمَعُوا قَوْلَ الرَّبِّ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ: «إِنَّ لِلرَّبِّ مُحَاكَمَةً مَعَ سُكَّانِ الأَرْضِ، لأَنَّهُ لاَ أَمَانَةَ وَلاَ إِحْسَانَ وَلاَ مَعْرِفَةَ اللهِ فِي الأَرْضِ. 2 لَعْنٌ وَكَذِبٌ وَقَتْلٌ وَسِرْقَةٌ وَفِسْقٌ. يَعْتَنِفُونَ، وَدِمَاءٌ تَلْحَقُ دِمَاءً. 3 لِذلِكَ تَنُوحُ الأَرْضُ وَيَذْبُلُ كُلُّ مَنْ يَسْكُنُ فِيهَا مَعَ حَيَوَانِ الْبَرِّيَّةِ وَطُيُورِ السَّمَاءِ، وَأَسْمَاكِ الْبَحْرِ أَيْضًا تَنْتَزِعُ. يوجه الله الاتهام إلى بني إسرائيل ملقبًا إياهم أرضًا أو سكان الأرض، معلنًا مادة الالتهام، قائلًا: "اسمعوا قول الرب يا بني إسرائيل، أن للرب محاكمة مع سكان الأرض، لأنه لا أمانة ولا إحسان ولا معرفة الله في الأرض، لعن وكذب وقتل وسرقة وفسق، يعتنفون ودماء تلحق دماء" [ع2]. إذ ارتبط بنو إسرائيل بحب الأرضيات صاروا أرضًا(30)، أما مادة الاتهام فهي هذه: أولًا: من الجانب السلبي يقول: "لا أمانة (في الترجمة السبعينية "حق"، ولا إحسان ولا معرفة الله في الأرض". لقد دخل إسرائيل تحت المحاكمة بكون أرضًا فقدت اتحادها بالعريس السماوي، لأنها لا تحمل فيها الحق ولا الرحمة ولا المعرفة الله. بغير هذا الثالوث غير المنفصل في حياة الإنسان ينحدر إلى الطبيعة الأرضية الزائلة. يبدأ بالأمانة أو الحق، وكما يقول السيد المسيح في صلاته الوداعية، "قدسهم في حقك، كلامك هو حق" (يو 17: 17). لقد رفضوا كلمة الله فرفضوا الحق، مع أنها ليست ببعيدة عنهم، "الكلمة قريبة منك في فمك وفي قلبك أيّ كلمة الإيمان التي نكرز بها" (رو 10: 8). هذا الحق يلزم أن يكون ملتحمًا بالإحسان أو الرحمة، فلا تكون كلمة الله أو الإيمان بها مجرد كلمات محفوظة أو فكر عقلي بحت، وإنما يجب أن يمس حياتنا. وإذ يتحول الحق فينا إلى عمل تزداد "معرفة الله" فينا فتستنير بصيرتنا بالأكثر. هكذا يتفاعل الحق مع العمل والمعرفة بكونهم يمثلون جوانب متداخلة معًا تخص حياتنا في المسيح يسوع. ثانيُا: إذ فقد إسرائيل هذا الثالوث: بالإيمان والعمل والمعرفة الروحيّة، أثمر فسادًا، "لعن وكذب وقتل وسرقة، يعتنفون (يستخدمون العنف) ودماء تلحق دماء". هذه القائمة من الخطايا تعلن في بدايتها كسرهم للوصايا العشر (وصايا 3، 9، 6، 8، 7)، أي كسر العهد مع الله. أما قوله: "يعتنفون" فيعني استخدام أعمال العنف المضادة لروح الله الوديع. وربما تعني تعديهم حدودهم مع الله بعنف، أو في خطاياهم يتعدون العقل أو الضمير أو الناموس لا عن ضعف أو بغير إرادة، وإنما عن عمد وبعنف. وبقوله: "دماء تلحق دماء" ربما قصد دم زكريا بن يهوياداع الكاهن الذي رُجم في دار بيت الرب كأمر يوآش الملك (2 أي 24: 21) فاختلط دمه البريء بدم الذبائح التي كانوا يقدمونها بروح غير مستقيمة. ثالثًا: يختم اتهامه لبني إسرائيل بقوله: "لذلك تنوح الأرض ويُذبل كل من يسكن فيها مع حيوان البرية وطيور السماء وأسماك البحر أيضًا تنزع" [ع3]. إذ يكسر إسرائيل عهد الله يتحول إلى أرض برية لا تعرف الفرح أو السلام بل النوح والاضطراب. ولا يكون فيها ثمر بل قحط وجفاف، ولا تجد حتى حيوانات البرية أو طيور السماء أو أسماك البحر فيها طعامًا بل يذبل الكل. ثمار كسر العهد هو خراب شامل يمس الأرض كلها بحيواناتها وطيورها وأسماكها. يقول: "تنوح الأرض" فإن كانت الأرض تشير إلى الجسد الذي من أجله يرتكب الإنسان الشر ليمتعه بالملذات، فإن ثمر هذا الشر هو حرمان هذا الجسد من الراحة والفرح، ليبقى نائحًا! هذا هو ثمرة كسر العهد مع الله واهب السلام، أما الاتحاد معه فيعطي للإنسان في كليته سلامًا حقيقيًا. وكما يقول: الأب يوحنا من كرونستادت: [إذ يحل المسيح في القلب بالإيمان، يسكن فيه السلام والفرح. فإنه ليس بدونه سبب يُقال عن الله أنه قدوس ويستريح في قديسيه]. كما يقول: [إنني أرى بعينيّ قلبي كيف أتنسم المسيح في قلبي عقليًا، كيف يدخل إليه فيهبه فجأة سلامًا وفرحًا. لا تتركني أسكن وحدي بدونك يا واهب الحياة، يا نسمتي، يا فرحي! فإنه يصعب عليّ أن أُترك بدونك.] "ويذبل كل من يسكن فيها"، أيّ تذبل طاقات الإنسان وتتبدد مواهبه كالابن الأصغر الذي بدد أمواله في عيش مسرف، فيصير كميت بلا قيمة، أو جسدًا بلا حيوية. أما المؤمن الحقيقي فيسبح بحق، قائلًا: "تعهدت الأرض وجعلتها تفيض، تغنيها جدًا، سواقي الله ملآنة ماءً... تبارك غلتها، تقطر مراعي البرية وتتنطق الآكام بالبهجة، والأودية تتعطف برًا، تهتف وأيضًا تغني" (مز 65: 9، 13). كأنه يقول لله، وإن كنت أنا أرضًا جافة لكنك تتعهدني فتجعلها تفيض خيرًا مقدسًا كل مواهبك لي، تغنيها جدًا، وتملأ حياتي بمياه الروح القدس الذي يضرم كل الطاقات لحساب ملكوتك، وتبارك غلاتي الداخلية التي هي ثمرك فيّ، تجعل حياتي مثمرة ومملوءة فرحًا وبهجة فتنطق بالتسبيح والأغاني الروحيّة. أما قوله: "مع حيوان البرية وطيور السماء وأسماك البحر أيضًا تنزع"، ففيه إشارة إلى فساد حياة الإنسان من كل جانب: الأرض حيث توجد الحيوانات، والجو حيث الطيور والمياه حيث الأسماك، فقد صار الخراب شاملًا حتى لا تقدر حيوانات البرية المعتادة على القفر والصحراء أن تعيش بسبب شدة الجفاف، ولا تجد طيور السماء ما تلتقطه، حتى الأسماك تهرب إلى شواطئ أخرى. هذا ومن جانب آخر لعله أراد أن يكشف في محاكمته عن خطورة الخطية فإنها تفسد الحياة، فيمتد الخراب إلى الخليقة غير العاقلة من حيوانات وطيور وأسماك، كما حدث في بداية الحياة البشريّة إذ لُعنت الأرض بسبب آدم وحواء، وصارت تنبت شوكًا وحسكًا. ومن ناحية أخرى أيضًا لعل حيوانات البرية تشير إلى الحياة الجسدية (الحيوانية)، وطيور السماء إلى الفكر الذي يليق به أن يحلق في السماويات، وأسماك البحر تشير إلى الجانب الإيماني(33)، وكأن الإنسان بتركه عريسه السماوي يحطم حياته من كل جوانبها، الجسد والفكر والروح، فيخسر كل ما لديه. 2. رفض الكهنة للمعرفة 4 «وَلكِنْ لاَ يُحَاكِمْ أَحَدٌ وَلاَ يُعَاتِبْ أَحَدٌ. وَشَعْبُكَ كَمَنْ يُخَاصِمُ كَاهِنًا. 5 فَتَتَعَثَّرُ فِي النَّهَارِ وَيَتَعَثَّرُ أَيْضًا النَّبِيُّ مَعَكَ فِي اللَّيْلِ، وَأَنَا أُخْرِبُ أُمَّكَ. 6 قَدْ هَلَكَ شَعْبِي مِنْ عَدَمِ الْمَعْرِفَةِ. لأَنَّكَ أَنْتَ رَفَضْتَ الْمَعْرِفَةَ أَرْفُضُكَ أَنَا حَتَّى لاَ تَكْهَنَ لِي. وَلأَنَّكَ نَسِيتَ شَرِيعَةَ إِلهِكَ أَنْسَى أَنَا أَيْضًا بَنِيكَ. 7 عَلَى حَسْبَمَا كَثُرُوا، هكَذَا أَخْطَأُوا إِلَيَّ، فَأُبْدِلُ كَرَامَتَهُمْ بِهَوَانٍ. 8 يَأْكُلُونَ خَطِيَّةَ شَعْبِي وَإِلَى إِثْمِهِمْ يَحْمِلُونَ نُفُوسَهُمْ. 9 فَيَكُونُ كَمَا الشَّعْبُ هكَذَا الْكَاهِنُ. وَأُعَاقِبُهُمْ عَلَى طُرُقِهِمْ وَأَرُدُّ أَعْمَالَهُمْ عَلَيْهِمْ. 10 فَيَأْكُلُونَ وَلاَ يَشْبَعُونَ، وَيَزْنُونَ وَلاَ يَكْثُرُونَ، لأَنَّهُمْ قَدْ تَرَكُوا عِبَادَةَ الرَّبِّ. إذ أعلن محاكمته لكل بني إسرائيل مقدّمًا مادة الاتهام، طالب بمحاكمة الكهنة ومعهم الأنبياء الكذبة بكونهم المسئولين أولًا عما بلغ إليه هذا الشعب. يقول: "لا يحاكم ولا يعاتب أحد (غيره) وشعبك كمن يخاصم كاهنًا، فتتعثر في النهار ويتعثر أيضًا النبي معك في الليل وأنا أخرب أمك" [ع5]. ولعله يقصد هنا أن كل إنسان مسئول عن نفسه، ليس لأحد أن يبرر تصرفات الكاهن لمجرد أنه كاهن، فإنه إذ يتعثر في النهار ومعه يتعثر الأنبياء الكذبة ليلًا خلال الأحلام الباطلة، يشترك الكل في خراب السامرة عاصمة إسرائيل أمهم. وكأن الكهنة الأشرار قد اتحدوا مع الأنبياء الكذبة في التعثر نهارًا وليلًا، محطمين الشعب كله. ويرى البعض أن الحديث هنا موجه إلى الشعب حيث يطالب الله أن يصمت الموبخون الصادقون وأن يتنحّوا عن هذا العمل لأنه لا يوجد من يسمع لصوت التوبيخ، فصاروا في قساوة يرفضون كل توجيه حتى أن قدّمه كاهن. إنهم يخاصمون الكاهن الصريح معهم، بل ويضطهدونه كما فعل يوآش ملك يهوذا وشعبه إذ رجموا زكريا بن يهوياداع في دار بيت الرب لأنه نطق بكلمات الرب (2 أي 24: 21). يوجه الله حديثه إلى الكهنة معلنًا أنهم أهلكوا الشعب بسبب عدم المعرفة: "قد هلك شعبي من عدم المعرفة لأنك أنت رفضت المعرفة أرفضك أنا حتى لا تكهن لي" [ع6] وقد سبق لنا في مقدمة السفر توضيح المقصود بمعرفة الله في هذا السفر، ورأينا الربط بين معرفة الله والحياة التقوية المقدسة في الرب. لقد ترك الكهنة حياة الشركة مع الله وانشغلوا بمصالحهم الخاصة ففقدوا المعرفة التقوية، وصاروا كَمَن هم في ظلمة الجهل. إنه لم يقل: "لأنك أنت جاهل" بل "لأنك أنت رفضت المعرفة"؛ كأنه يقول له: إنك بلا عذر فالمعرفة متوفرة لديك والنور قائم، لكنك أنت ترفض المعرفة ولا تقبل النور، وكما قيل: "لم يسروا بمعرفة طرق الله" (أي 21: 14). أما سر رفضهم للمعرفة فهو تركهم لكلمة الله أو الوصية: "ولأنك نسيت شريعة إلهك أنسى أنا بنيك" [ع6]. هكذا يربط معرفة الله بشريعة الله بكون الأخيرة مصدرًا لها. وكما يقول الأب يوحنا من كرونستادت: [الكتاب المقدس هو مركز حكمة الله وكلمته وروحه... ففيه يعلن بنفسه: "الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة" (يو 6: 63)، في الكتاب المقدس نرى الله وجهًا لوجه، ونرى أنفسنا كما نحن عليه، فيعرف الإنسان ذاته خلاله، ويسلك دومًا في حضرة الله.] وإن أخذنا بالمعنى الرمزي، من هو الكاهن الذي يرفض معرفة الله فيهلك كل الشعب وينسى شريعة الله فينسى الله بنيه إلاّ القلب الذي كان يليق به أن يكون مركز ملكوت الله، فإذا به يرتبط بالعالم والأمور الزمنية فيفقد نقاوته ولا يعاين الله، بل يصير كمن هو في عمى روحي بلا معرفة حية، ينسى الوصية أو يتناساها. هذا القلب الرافض للمعرفة خلال النقاوة يُهلك كل الشعب أي الجسد كله بطاقاته وإمكانياته، وإذ ينسى الوصية الإلهية لا تثمر الوصية فيه فتكون كمن نست بنيه. بهذا ندرك ما سبق أن قلناه أن المعرفة لا تُقتنى خلال القراءة وحدها إنما خلال الحياة التقوية التعبدية المقدسة في الرب، خلال الكاهن الداخلي أي القلب النقي الذي يشفع في الجسد كله لدى الله. يكمل الرب عتابه مع الكهنة، قائلًا: "على حسبما كثروا هكذا أخطأوا إليّ فأبدل كرامتهم بهوان، يأكلون خطية شعبي وإلى إثمهم يحملون نفوسهم، فيكون كما الشعب هكذا الكاهن، وأعاقبهم على طرقهم وأرد أعمالهم عليهم، فيأكلون ولا يشبعون ويزنون ولا يكثرون لأنهم قد تركوا عبادة الرب" [ع7-10]. لقد اتكلوا على كثرة عددهم أو كمية العمل لا على نوعيته، لذلك "حسبما كثروا هكذا أخطأوا إليّ"؛ عوض تقديسهم الداخلي وشهادتهم الحقة أمام شعب الله إذا بهم صاروا بالأكثر مخطئين في حق الله. لقد انشغلوا بالولائم الوثنية وسقطوا في الرجاسات، لهذا صاروا مدانين مع الشعب بلا محاباة. "يأكلون خطية شعبي" أي يأكلون ذبائح الخطية التي يقدمها الشعب، فلا يهتمون بتوبة الشعب ورجوعهم عن الشر إنما يبتهجون بتقديم الشعب للذبائح لأجل تمتعهم هم بالذبائح، فكلما أخطأ الشعب زاد نصيبهم بكثرة الذبائح! لقد اهتموا لا بالتوبة بل بملء بطونهم لحمًا على حساب تقديس الشعب. لهذا فهم يأكلون ولا يشبعون، ويرتكبون الزنا باتخاذهم السراري فتُنزع البركة عنهم. إنها صورة بشعة لا تليق بالكاهن لهذا يحذرنا الأب يوحنا من كرونستادتقائلًا: [الكاهن ملاك لا إنسان، يليق به أن يلقي كل أمر عالمي بعيدًا عنه وراءه. يا رب، ليت كهنتك يلتحفون بالبرّ (مز 132: 9). ليذكروا على الدوام عظمة دعوتهم ولا يسقطوا في فخاخ العالم والشيطان بل يخلصوا من هموم العالم وغرور الغنى وشهوات سائر الأشياء التي تدخل قلوبهم (مر 4: 19).] 3. الرجاسات الوثنية 11 «اَلزِّنَى وَالْخَمْرُ وَالسُّلاَفَةُ تَخْلِبُ الْقَلْبَ. 12 شَعْبِي يَسْأَلُ خَشَبَهُ، وَعَصَاهُ تُخْبِرُهُ، لأَنَّ رُوحَ الزِّنَى قَدْ أَضَلَّهُمْ فَزَنَوْا مِنْ تَحْتِ إِلهِهِمْ. 13 يَذْبَحُونَ عَلَى رُؤُوسِ الْجِبَالِ، وَيُبَخِّرُونَ عَلَى التِّلاَلِ تَحْتَ الْبَلُّوطِ وَاللُّبْنَى وَالْبُطْمِ لأَنَّ ظِلَّهَا حَسَنٌ! لِذلِكَ تَزْنِي بَنَاتُكُمْ وَتَفْسِقُ كَنَّاتُكُمْ. 14 لاَ أُعَاقِبُ بَنَاتِكُمْ لأَنَّهُنَّ يَزْنِينَ، وَلاَ كَنَّاتِكُمْ لأَنَّهُنَّ يَفْسِقْنَ. لأَنَّهُمْ يَعْتَزِلُونَ مَعَ الزَّانِيَاتِ وَيَذْبَحُونَ مَعَ النَّاذِرَاتِ الزِّنَى. وَشَعْبٌ لاَ يَعْقِلُ يُصْرَعُ. 15 «إِنْ كُنْتَ أَنْتَ زَانِيًا يَا إِسْرَائِيلُ فَلاَ يَأْثَمُ يَهُوذَا. وَلاَ تَأْتُوا إِلَى الْجِلْجَالِ وَلاَ تَصْعَدُوا إِلَى بَيْتِ آوَنَ وَلاَ تَحْلِفُوا: حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ. 16 إِنَّهُ قَدْ جَمَحَ إِسْرَائِيلُ كَبَقَرَةٍ جَامِحَةٍ. اَلآنَ يَرْعَاهُمُ الرَّبُّ كَخَرُوفٍ فِي مَكَانٍ وَاسِعٍ. 17 أَفْرَايِمُ مُوثَقٌ بِالأَصْنَامِ. اتْرُكُوهُ. 18 مَتَى انْتَهَتْ مُنَادَمَتُهُمْ زَنَوْا زِنًى. أَحَبَّ مَجَانُّهَا، أَحَبُّوا الْهَوَانَ. 19 قَدْ صَرَّتْهَا الرِّيحُ فِي أَجْنِحَتِهَا، وَخَجِلُوا مِنْ ذَبَائِحِهِمْ. بعد إعلانه محاكمة كل بني إسرائيل، خاصة القيادات الدينية، يكشف عن الرجاسات التي سقط الكل فيها: أولًا: "الزنا والخمر والسلافة تخلب القلب" [ع11]. انحرافهم عن عبادة الله إلى عبادة البعل علته الملذات الجسدية، وكما يقول القديس أغسطينوس أن وراء كل إلحاد شهوة. فشهوات الجسد إن تُركت بلا ضابط تفسد القلب، وتقتل فيه كل حنين نحو الله كعريس للنفس، فيلجأ الإنسان إلى الهروب من الله حاسبًا إياه كاتمًا لأنفاسه ومحطمًا لشخصيته. ثانيًا: إذ يترك الإنسان نفسه للتمتع بالملذات الجسدية بغير ضابط ينحدر إلى تصرفات غير لائقة ولا مقبولة مثل أعمال السحر التي ارتبطت في ذلك الحين بعبادة البعل. يقول الله: "شعبي يسأل خشبة (ربما تمثال البعل الخشبي) وعصاة تخبره". عوض الالتجاء إلى الرب إلههم يسألونه المشورة صاروا يلجأون إلى تمثال البعل وأعمال السحر لتحدد لهم الطريق وتكشف لهم المستقبل. إن كل من يترك كلمة الله ويلجأ إلى العالم والبشريّة يكون كمن يستشير الخشبة ويسأل العصا. ثالثًا: اندفاعهم في العبادة الوثنية؛ يقدمون الذبائح على رؤوس الجبال والبخور على التلال، وتحت أشجار البلوط واللبني والبطم لأن ظلها حسن [ع13]. لقد ضم إسرائيل جبالًا كان يجب أن تكون مقدسة (إر 31: 23) يهرب إليها الراغبون في الخلاص (تك 19: 17)، عليها يأتي العريس السماوي طافِرًا (نش 2: 8)، وعليها تقام مدينة أورشليم (مت 5: 14) فلا يمكن أن تختفي، وإليها يصعد السيد المسيح (يو 6: 3)، فتقطر عصيرًا روحيًا لا ينقطع (يؤ 3: 18). هذه الجبال الجبارة تحولت لحساب إبليس، فأُقيم عليها المذابح الدنسة. وكما ضم إسرائيل جبالًا جبارة تحولت لحساب البعل، هكذا ضم أيضًا نفوسًا أصغر هي تلال كان يليق أن يأتي عليها السيد المسيح طافرًا (نش 2: 8)، هذه أيضًا فسدت فحملت رائحة بخور دنس. ما أقوله عن الجبال والتلال أكرره عن أشجار الْبَلُّوطِ وَاللُّبْنَى وَالْبُطْمِ، هذه التي عوض أن تمجد الله صارت مراكز لحساب مملكة الظلمة. على أيّ الأحوال اختار اليهود الأماكن العالية كقمم الجبال ورؤوس التلال لا ليرتفعوا بفكرهم خلالها عن الأرضيات وإنما ليظنوا أنهم قد اقتربوا إلى السماء، فإذا بهم ينحطون إلى الهاوية. واختاروا الأشجار الكثيفة ظنًا منهم أنها تساعدهم على التأملات الروحيّة، عوض الالتجاء إلى ظل الصليب والراحة في الجنب المطعون. أخيرًا يقدم لنا صورة بشعة عن انتشار الزنا في حياتهم، معطيًا لنا ملامح لحياتهم الدنسة هي: ا. كان يرتكب هذه الخطية البنات غير المتزوجات والكِنَّات (زوجات الأبناء) المتزوجات. وكأن الخطية قد صارت عامة اتسم بها جنس النساء، فلا تخجل الفتاة غير المتزوجة من ارتكابه، ولا تستحي الكِنة المتزوجة منه. ب. كأن الله قد يئس منهن، فقد ارتكبن الخطية لا عن ضعف، ولا خلال جهادهن إنما كن يصنعن الشر بصورة مستمرة بغير حياء وبإرادتهن، لذا يرفض الله تأديبهن، وهذه هي أمر عقوبة يسقط تحتها الإنسان، أن يُحرم من أبوة الله خلال امتناع الله عن تأديبه، إذ يقول: "لا أعاقب بناتكم لأنهن يزنين ولا كناتكم لأنهن يفسقن" [ع14] وكما يقول الأب ثيؤدور: [إنه يشبه الطبيب الحاذق الذي استخدم كل وسائل العلاج ولم يعد هناك دواء يمكن استخدامه. لقد غُلب الله من ظلمهم وأُجبر على الكف عن تأديباته الرقيقة، فاضحًا إياهم، قائلًا: "وأحلّ غضبي بك فتنصرف غيرتي عنكِ وأسكن ولا أغضب بعد" (حز 16: 42).] ويقول القديس جيروم: [سعيد هو الإنسان الذي يُؤدَّب في هذه الحياة لأن الله لا يؤدِّب على أمر واحد مرتين (نا 1: 9 الترجمة السبعينية). يا لعظم سخط الرب عندما لا يغضب علينا هنا، فإنه بهذا يحفظنا كثور للذبح. في الحقيقة يقول لأورشليم أن خطاياها كثيرة وشرورها عظيمة لذا تنصرف غيرته عنها ولا يغضب بعد عليها (حز 16: 42). وبتعبير آخر يقول: "عندما كنتِ مجرد زانية أحببتكِ وكنتُ أغير عليكِ، لكن إذ صار لكِ محبون كثيرون اِزدريت بكِ فلا أغير ولا أغضب بعد. بنفس المعنى إذ يحب الرجل امرأته يغير عليها لكنه متى أبغضها لا يقول مع الله "اَفتقد بعصا معصيتهم" (مز 89: 34)، إنما يقول: "لا أعاقب بناتكم أنهن يزنين" (ع14)] ج. أن ما تفعله البنات والنساء هو ثمر طبيعي لبشاعة ما يفعله الرجال، قائلًا: "لأنهم يعتزلون مع الزانيات ويذبحون مع الناذرات الزنى، وشعب لا يعقل يصرع" [ع14]. فإن كان الرجال والشبان يذهبون إلى مذابح البعل المنتشرة في كل البلاد ويعتزلون مع الزانيات مقدّمين ذبائح شر مع الكاهنات الناذرات حياتهن للفساد لحساب البعل، فيسلك هؤلاء الرجال بغير تعقل ويُصرعون أمام الدنس أو يسقطون تحت الخطية، لذلك أسلم الله نساءهم وبناتهم لهذه الشهوات، إذ يقول: "لذلك تزني بناتكم وتفسق كناتكم" [ع13]. هكذا يؤدب الله الزناة بمرارة ليدركوا بشاعة تصرفاتهم، كما سبق فعاقب داود بتدنيس سراريه (2 صم 2: 11). د. يصفهم في ارتكابهم لهذا الشر بالبقرة الجامحة [ع16] التي لا تقبل النير، وحينما يوضع عليها تنشمص لتقاوم وترجع إلى الخلف عوض أن تسير به إلى الأمام لتحقق غاية صاحبها. هكذا رفض هذا الشعب نير وصية الله، وأراد الركوض بجنون حسب هواهم الشخصي لا حسب إرادة الله، وصاروا يرجعون إلى الوراء عوض التقدم إلى الأمام. لقد انطلقوا إلى الأماكن التي انتشر فيها الزنا والعبادات الوثنية كالجلجال وبيت آون (بيت الباطل)، فصاروا كالخروف الذي يرعى في مكان واسع ليُعد للذبح: "يسمنون ويرفسون" (تث 32: 15). ه. يقول: "إفرايم موثق بالأصنام، اُتركوه" [ع17]، وفي الترجمة السبعينية: "إفرايم مرتبط (أو شريك) بالأصنام، يضع لنفسه معاثر في طريقه". لقد ربط نفسه بنفسه بالأصنام، فصار شريكًا لها، يحمل سماتها فيه. إذ هي حجرية صار قلبه حجريًا، وإذ هي زائلة وباطلة، قدّم نفسه للهلاك والبطلان. ارتبط إفرايم بالأصنام فصار كمن هو موثق بها ومستعبد لها لا يقدر أن يسمع نصيحة صالحة ولا أن يتحرر منها، هذه طبيعة الخطية وكما يقول القديس أنبا أنطونيوس الكبير: [عندما تجهل النفس الخطية، تكون الخطية محبوبة لها، بل وتستعبد النفس التي تحبها وتأسرها(38).] و. أخيرًا يتساءل: ماذا انتهت منادمتهم؟! أو ماذا تكون نهاية هذا الشراب المر؟ "أحب مجانها أحبوا الهوان، قد صرتها الريح في أجنحتها وخجلوا من ذبائحها" [ع18-19]. لقد أحبوا الهوان أيّ الربح القبيح والفساد، ونالوا عارًا. وأخيرًا يحملهم الريح العاصف إلى السبي، كما على أجنحة الشر ليدخل بهم إلى مذلة العبودية، وعندئذ يخجلون من ذبائحهم الوثنية التي لم تستطيع أن تخلصهم. إن كان هذا الشعب قد عاش زمانًا بروح الأمم يعبدون الأصنام، فإنهم ينالون شهوة قلبهم إذ يُحملون مسبيين إلى حيث العبادة الوثنية والحرمان من أورشليم وهيكل الرب فيذوقوا مرارة ثمر عملهم! انضمام يهوذا إلى إسرائيل في المحاكمة إن كان إسرائيل قد فسد بكهنته رافضي المعرفة الإلهية، فإن يهوذا بالرغم من كل ما لديه من امتيازات إذ هو السبط الملوكي القائم في أورشليم والمتعبد في الهيكل لكنه انحرف أيضًا كإسرائيل فدخل الله معه في خصومة أيضًا يحاججه ويعاتبه ويكشف له جراحاته مؤدبًا إياه. 1. الله يؤدب بغير محاباة 1 «اِسْمَعُوا هذَا أَيُّهَا الْكَهَنَةُ! وَانْصِتُوا يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ! وَأَصْغُوا يَا بَيْتَ الْمَلِكِ! لأَنَّ عَلَيْكُمُ الْقَضَاءَ، إِذْ صِرْتُمْ فَخًّا فِي مِصْفَاةَ، وَشَبَكَةً مَبْسُوطَةً عَلَى تَابُورَ. 2 وَقَدْ تَوَغَّلُوا فِي ذَبَائِحِ الزَّيَغَانِ، فَأَنَا تَأْدِيبٌ لِجَمِيعِهِمْ. 3 أَنَا أَعْرِفُ أَفْرَايِمَ. وَإِسْرَائِيلُ لَيْسَ مَخْفِيًّا عَنِّي. إِنَّكَ الآنَ زَنَيْتَ يَا أَفْرَايِمُ. قَدْ تَنَجَّسَ إِسْرَائِيلُ. 4 أَفْعَالُهُمْ لاَ تَدَعُهُمْ يَرْجِعُونَ إِلَى إِلهِهِمْ، لأَنَّ رُوحَ الزِّنَى فِي بَاطِنِهِمْ، وَهُمْ لاَ يَعْرِفُونَ الرَّبَّ. 5 وَقَدْ أُذِلَّتْ عَظَمَةُ إِسْرَائِيلَ فِي وَجْهِهِ، فَيَتَعَثَّرُ إِسْرَائِيلُ وَأَفْرَايِمُ فِي إِثْمِهِمَا، وَيَتَعَثَّرُ يَهُوذَا أَيْضًا مَعَهُمَا. يؤكد الله عدم محاباته لفئة على حساب أخرى أو لإنسان على حساب آخر، إنما إذ أخطأ الجميع يؤدب الكل، قائلًا: "فأنا تأديب لجميعهم" [ع2]. إنه يؤدب إسرائيل لأنه ابتدأ بالشر وأقام لنفسه هيكلًا غير هيكل الرب الذي في أورشليم وانحرف إلى الوثنية، وفي نفس الوقت يؤدب أيضًا يهوذا بالرغم مما حمله من امتيازات إذ عاصمته أورشليم، وفي داخلها هيكل الرب، وهو سبط ملوكي لكنه إذ أخطأ ولو متأخرًا يعاقب: "فيتعثر إسرائيل وإفرايم في إثمهما، ويتعثر يهوذا أيضًا معهما" [ع5]. إن كان في الأصحاح السابق قد أُعلنت محاكمة على وجه الخصوص مع الكهنة، إذ هلك شعب الله بسبب عدم المعرفة الأمر الذي هو من صميم مسئولية الكهنة، لكن هذا لا يعفي الشعب، إذ يقول: "اسمعوا هذا أيها الكهنة وانصتوا يا بيت إسرائيل" [ع1]، ويضم معهم أصحاب الكرامات "واصغوا يا بيت الملك لأن عليكم القضاء" [ع1]. إنه يدين الجميع، لأنه فاحص الكل وليس شيء مخفيًا عنه: "أنا أعرف إفرايم وإسرائيل ليس مخفيًا عني" [ع3]، وقد ذكر إفرايم أولًا إما بمعنى مملكة إسرائيل أو لأن إفرايم كان رئيس العصاة وبسببه تدنست بقية الأسباط العشرة، لذلك ذكره أولًا إذ هو مستحق للتأديب أكثر من غيره. ماذا يعرف الله عنهم؟ أولًا:"إذ صرتم فخًا في مصفاة وشبكة مبسوطة على تابور" [ع1]، لعله هنا يوجه الحديث إلى القيادات التي كان يجب أن تسند الضعفاء كي لا يسقطوا فإذا بها تصير فخاخًا وشباكًا ينصبها العدو لاِقتناص كل نفس لحساب الشر. عوض أن يرشدوا للتوبة يغرونهم للسقوط ويجتذبونهم بكل حيلة للعبادة الوثنية. يظن البعض أنه كان من عادتهم إقامة جواسيس في الطرق، سيما على جبليّ: "مصفاة وتابور" في أيام الأعياد لكي يراقبوا الذاهبين إلى أورشليم فيخبروا عنه لمحاكمته. لم يعرف هل المصفاة هنا يقصد تلك التي في جلعاد (قض 11: 21)، ويقال أنها موضع الرجمة التي أقامها يعقوب وقوم لابان شهادة على العهد الذي أقيم بينهم (تك 31: 49)، وهناك اجتمع بنو إسرائيل لمحارب العمونيين (قض 10: 17)، واِلتقى يفتاح بابنته (قض 11: 34)، وربما كان موضعها تل رميت، أو أنها مصفاة التي في بنيامين حيث تم فيها انتخاب شاول ملكًا (1صم 10: 17، 21)، وحصّنها آسا (1 مل 15: 22) وهناك قتل جدليا (2 مل 25: 23، 25) ويقال أنها قرية صموئيل النبي. على أيّ الأحوال كانت المصفاة وجبل تابور في ذلك الحين مركزين هامين للعبادة الوثنية، فصارا رمزين للخراب الذي حلّ بسبب العبادة الوثنية. ثانيًا: إصرارهم على ارتكاب الخطية بلا توبة، لأنها تنبع عن أعماقهم، وبسبب عدم معرفتهم للرب. "أفعالهم لا تدعهم يرجعون إلى إلههم، لأن روح الزنى في باطنهم (في وسطهم) وهم لا يعرفون الرب" [ع4]. إنهم معاندون، مصرون على الارتداد عن الله في جهل. ثالثًا:تشامخهم أو كبرياء قلبهم يجعلهم يحتقرون كلمات الرب على لسان الأنبياء، إذ يقول: "وقد أذلت عظمة إسرائيل في وجهه" [ع5]. "حقًا إن قبل الكسر كبرياء وقبل السقوط تشامخ الروح؛ تواضع الروح مع الودعاء خير من قسم الغنيمة مع الكبرياء" (أم 16: 18-19)، وقد أعلن الرب كراهيته لكبرياء الإنسان "قد أقسم السيد الرب بنفسه يقول الرب إله الجنود: إني أكره عظمة يعقوب وأبغض قصوره فأُسلم المدينة وملأها" (عا 6: 8)، كما يقول: "هكذا أفسد كبرياء يهوذا، وكبرياء أورشليم العظيمة، هذا الشعب الذي يأبى أن يسمع كلامي، الذي يسلك في عناد قلبه" (إر 13: 9-10). 2. تنحى الله عنهم 6 يَذْهَبُونَ بِغَنَمِهِمْ وَبَقَرِهِمْ لِيَطْلُبُوا الرَّبَّ وَلاَ يَجِدُونَهُ. قَدْ تَنَحَّى عَنْهُمْ. 7 قَدْ غَدَرُوا بِالرَّبِّ. لأَنَّهُمْ وَلَدُوا أَوْلاَدًا أَجْنَبِيِّينَ، اَلآنَ يَأْكُلُهُمْ شَهْرٌ مَعَ أَنْصِبَتِهِمْ. في كبرياء قلوبهم وجهلهم ظنوا أنهم قادرون على استرضاء الله بالتقدمات المادية والذبائح دون تغيير قلوبهم لهذا يقول: "يذهبون بغنمهم وبقرهم ليطلبوا الرب ولا يجدونه، قد تنحى عنهم" [ع6]. سر تخَلِّيه عنهم أنهم يتقدمون إليه لكن ليس بقلبهم لذا لا يجدونه، إذ هو لا يُوجد إلاّ بالقلب ولا يُرى إلاّ به: "طوبى للأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله" (مت 5: 8). إن كان قد تنحى عنهم فلأنهم غدروا به، كسروا العهد المقام بينه وبينهم، وعوض اتحادهم به لينجبوا ثمر الروح الذي يبهج قلب الله، اتحدوا بالشر وأنجبوا أولادًا أجنبيين، أيّ ثمارًا غريبة عن الله... "لقد غدروا بالرب لأنهم ولدوا أولادًا أجنبيين" [ع7]. يختم قوله هكذا: "الآن يأكلهم شهر مع أنصبتهم" [ع7]. ربما قصد أنهم في العيد الشهري (الهلال) عوض أن يفرحوا ويبتهجوا بالرب فيشبعون من الثمر الروحي كما يفرح الرب بهم، إذا بهم يمارسون طقس العيد لكنهم فيه يفقدون كل شيء حتى ممتلكاتهم (أنصبتهم)؛ وربما قصد بأنصبتهم التي يخسرونها الموائد الدنسة التي يقيمونها احتفالًا بالبعل، فقد صارت نصيبهم عوض أن يكون الله نفسه وملكوته هو نصيبهم، هذا النصيب الذي اختاروه يفقدونه لأنه زائل. 3. إعلان حالة تأديب عامة 8 «اِضْرِبُوا بِالْبُوقِ فِي جِبْعَةَ، بِالْقَرْنِ فِي الرَّامَةِ. اصْرُخُوا فِي بَيْتِ آوَنَ. وَرَاءَكَ يَا بَنْيَامِينُ. 9 يَصِيرُ أَفْرَايِمُ خَرَابًا فِي يَوْمِ التَّأْدِيبِ. فِي أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ أَعْلَمْتُ الْيَقِينَ. 10 صَارَتْ رُؤَسَاءُ يَهُوذَا كَنَاقِلِي التُّخُومِ. فَأَسْكُبُ عَلَيْهِمْ سَخَطِي كَالْمَاءِ. 11 أَفْرَايِمُ مَظْلُومٌ مَسْحُوقُ الْقَضَاءِ، لأَنَّهُ ارْتَضَى أَنْ يَمْضِيَ وَرَاءَ الْوَصِيَّةِ. 12 فَأَنَا لأَفْرَايِمَ كَالْعُثِّ، وَلِبَيْتِ يَهُوذَا كَالسُّوسِ. يطالب الله بضرب الأبواق في كل من مملكتيّ إسرائيل ويهوذا، هذه التي تستخدم في الحروب؛ وكأن الله أراد أن يعلن لهم عما تفعله الخطية بهم، إذ تُظهر إله مُحِب البشر كعدو لهم يحاربهم. على أيّ الأحوال طالب بضرب الأبواق في جبعة بالقرن في الرامة، كما طالبهم أن يصرخوا في بيت آون. "جبعة" تعني (تل)، والقرن يشير إلى القوة، أما الرامة فتعني (مرتفع)، وكأن الله يطالب بضرب الأبواق على التل في مكان مرتفع جدًا حيث يظنون أنهم أقوياء ليدركوا أنهم في حالة حرب... لقد قبلوا العبادة الوثنية فدخلوا مع الله في عداوة، وها هو يسمح لهم بالتأديب خلال غارات الأعداء عابدي البعل، يهاجمونهم ويسلبونهم كل شيء يأسرونهم. لقد أحبوا البعل وولائمه وملذاته، فليقبلوا العبودية لأصحاب البعل وعابدي الغرباء! يُقال أن جبعة قريبة جدًا من الرامة، الأولى في تخوم مملكة يهوذا، والثانية في إسرائيل، كأن الخراب يحل بالمملكتين لأنهما قد فسدتا. أما "بيت آون" أو (بيت الباطل)... فلا حاجة لضرب البوق فيها لأنها انحدرت تمامًا وسقطت بلا رجاء، لا يُسمع فيها سوى صرخات الهزيمة حيث استولى العدو عليها. يُكمل حديثه: "وراءك يا بنيامين" [ع8]، وفي بعض الترجمات "ارتعب يا بنيامين"، فلأن العدو قد استولى على جبل أفرايم واقترب جدًا من حدود بنيامين، فلا حاجة لضرب البوق في بنيامين إنما يكفي التطلع إلى الوراء لترتعب النفوس، ولتتب راجعة إلى الرب حتى لا يحل بهم ما حل بإفرايم. يُكمل حديثه: "في أسباط إسرائيل أعلمت اليقين، صارت رؤساء يهوذا كناقلي التخوم فأسكب عليهم سخطي كالماء" [ع9-10]. لقد أعلن الله في مملكة إسرائيل اليقين، أيّ التأديب المؤكد الذي لا بُد أن يحل بهم، وليس كما ظنوا مجرد تهديدات بلا عمل. أما رؤساء يهوذا فيُكسب الله عليهم ومملكة البعل. لقد فقدوا روح التمييز "الذي يميز بين المصريين (رمزيًا)، فإنه ليس شيء يحزن قلب الله مثل أن يفقد القادة الروحيون روح التمييز، الروح الذي يليق بكل مؤمن أن يحمله في داخله. ولعل نقل التخم يعني أيضًا الاغتصاب أو الطمع، لذا جاءت الوصية: "لا تنقل تخم صاحبك الذي نصبه الأولون في نصيبك الذي تناله في الأرض التي يعطيك الرب إلهك لكي تمتلكها" (تث 19: 14)، فلا يتعدى سبط حدود أرضه بل يلتزم بالحدود التي وهبه الله إياها. "إفرايم مظلوم (تحت ضغط) مسحوق القضاء لأنه ارتضى أن يمضي وراء الوصية، فأنا لإفرايم كالعث ولبيت يهوذا كالسوس" [ع11-12]. سقط إفرايم تحت الضغط حتى انسحق تمامًا فلم تعد فيه نسمة حياة، فقد أيضًا قوته وامتيازاته وحقوقه لأنه قبل أن يمضي وراء وصية يربعام، ومن بعده الملوك الذين ألزموا رعيتهم على عبادة البعل الباطلة. لذا جاءت كلمة: "الوصية" في الترجمة السبعينية "الباطل"، أيّ ارتضى إفرايم أن يمضي وراء الباطل عوض وصية الله التي هي الحق. هذا السلوك يفقدهم التمتع ببركات الله في حياتهم، بل يصير الله بالنسبة لهم كالعث الذي يفسد الثوب فينفضِح عريهم وخزيهم، ويكون الله ليهوذا أيضًا كالسوس الذي يحطم الخشب أو عوارض البيت فينهار البيت ويبقى يهوذا بلا مأوى. 4. عدم رجوعهم إلى لله: 13 «وَرَأَى أَفْرَايِمُ مَرَضَهُ وَيَهُوذَا جُرْحَهُ، فَمَضَى أَفْرَايِمُ إِلَى أَشُّورَ، وَأَرْسَلَ إِلَى مَلِكٍ عَدُوٍّ. وَلكِنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَشْفِيَكُمْ وَلاَ أَنْ يُزِيلَ مِنْكُمُ الْجُرْحَ. 14 لأَنِّي لأَفْرَايِمَ كَالأَسَدِ، وَلِبَيْتِ يَهُوذَا كَشِبْلِ الأَسَدِ. فَإِنِّي أَنَا أَفْتَرِسُ وَأَمْضِي وَآخُذُ وَلاَ مُنْقِذٌ. 15 أَذْهَبُ وَأَرْجعُ إِلَى مَكَانِي حَتَّى يُجَازَوْا وَيَطْلُبُوا وَجْهِي. فِي ضِيقِهِمْ يُبَكِّرُونَ إِلَيَّ». كشفت هذه التأديبات العامة عن مرض إسرائيل وجراحات يهوذا، وكان يليق بهما أن يعوا إلى الله بالتوبة، لكن إسرائيل التجأ إلى آشور ليسنده [ع13]، فإذا بآشور ورجاله "معزون متعبون" (أي 16: 2)، وأطباء بطالون (أي 13: 4)، وعوض مساندتهم ضايقوهم (2 أي 28: 16، 18). وإذ لو ينتفع إسرائيل من التأديب دخل تحت تأديب أقسى وأمرّ، فلا نرى الله بالنسبة له كالعث أو السوس وإنما كالأسد وشبل الأسد. وفي هذا كله يترجى الله عودته: "فإني أنا افترس وأمضي وآخذ ولا منقذ، أذهب وأرجع إلى مكاني حتى يجاوزوا ويطلبوا وجهي، في ضيقهم يبكرون إليّ" [ع14-15]. ماذا يعني بقوله: "ارجع إلى مكاني"؟ ربما أراد أن يوضح أنه في لحظات التأديب أو معاقبة الأشرار يكون كمن "يخرج من مكانه" (إش 26: 21)، إذ يظهر كمن هو قاسي، أما رجوعه إلى مكانه فيعني شوقه نحو إعلان محبته لهم وترافقه بهم. أخيرًا فإن الضيق يجعل النفس تبكر إلى الله، لهذا ينصحنا الرسول: "أعلى أحد بينكم مشقات؟! فليصل" (يع 5: 13). وكما يقول الأب يوحنا من كرونستادت: [غالبًا ما نقترب إلى الله في وقت الضيق حيث لا يقدر أحد أن يخلصنا منه سوى الله، فنرجع إليه بكل قلوبنا... بينما في أوقات اليسر والفيض نترك الله، خاصة عندما يتعطش الإنسان إلى الغنى والمجد والتمايز على غيره، فإذ ينال هذه الأمور يفقد إيمانه من قلبه وينسى الله ديّانه الذي يجازيه، ينسى خلود نفسه والتزامه بحب الله من كل قلبه وحب قريبه كنفسه .] حديث عن الخلاص إن كان الله في محبته قام بتأديب الكل، ومع هذا لم يرجع إسرائيل ولا يهوذا إلى الله بل اتكأوا على ملوك العالم، فإن الله سمح بالضربات الحازمة يهب الشفاء خلال عمله الخلاصي في المسيح يسوع واهب القيامة. 1. قيامتنا معه 1 هَلُمَّ نَرْجعُ إِلَى الرَّبِّ لأَنَّهُ هُوَ افْتَرَسَ فَيَشْفِينَا، ضَرَبَ فَيَجْبِرُنَا. 2 يُحْيِينَا بَعْدَ يَوْمَيْنِ. فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يُقِيمُنَا فَنَحْيَا أَمَامَهُ. 3 لِنَعْرِفْ فَلْنَتَتَبَّعْ لِنَعْرِفَ الرَّبَّ. خُرُوجُهُ يَقِينٌ كَالْفَجْرِ. يَأْتِي إِلَيْنَا كَالْمَطَرِ. كَمَطَرٍ مُتَأَخِّرٍ يَسْقِي الأَرْضَ. إذ يُضيق الله الخناق على أولاده الساقطين يبكرون إليه (هو 5: 15)، قائلين: "هلم نرجع إلى الرب لأنه هو افترس فيشفينا، ضرب فيجبرنا" [ع1]. إن كان كأسد يفترس إنما ليشفينا، إن كان يضرب إنما لكي يجبر كسرنا. وكما كتب القديس يوحنا الذهبي الفمإلى أرملة شابة جُرحت بموت رجلها بيد الله الذي سمح لها بهذه التجربة، قائلًا: [الآن أقدّم لكِ هذه الرسالة لتكون الشهادة الأولى والعظمى عن عناية الله بكِ حتى لا يبتلعك الحزن، ولا تهدمك أفكارك الطبيعية، عندما تعمل هذه المضايقات فجأة على غمكِ ... فقد قيل "هو افترس فيشفينا" [ع2]، "سيضربنا ويعصب جراحتنا ويشفينا"... الآن قد أخذ الله زوجكِ لنفسه فإنه يحتل مكانه بالنسبة لكِ!]. إن كانت يده في حزم تمسك بالمشرط لتجرح إنما في الحقيقة تكشف أعماقنا التي تحمل رائحة الموت والفساد، وتبقى يده ممتدة لكي تضمد الجراحات وتهبنا القيامة من الموت الذي نحن فيه، لهذا يقول: "يحيينا بعد يومين، في اليوم الثالث يقيمنا فنحيا معه" [ع2]. لقد سبق فقال: "يبكرون إليّ" (هو 5: 15)، وكأنهم يقفون باكرًا أمام السيد المسيح القائم من الأموات ليجدوا في قيامته لهم من بين الأموات. حقًا إنه يليق بنا أن ندخل معه إلى قبره المقدس، ونُدفن معه "يومين" لكي يقيمنا في اليوم الثالث فنحيا أمامه حاملين سماته فينا. لا نعود نخاف القبر مادمنا أعضاء جسد السيد المسيح الذي لن يصيبه فساد ولا يقدر الموت أن يمسك به. هكذا رأى النبي قبل مجيء السيد المسيح بأكثر من 700 عام في قيامة السيد من الأموات سر القوة الروحيّة... "نقوم معه"، "نحيا معه"، "نعرف الرب" [ع1-2]. بقيامته ننعم بالحياة الجيدة التي صارت لنا فيه، أيّ الحياة السماوية العلوية وبهذا نتعرف على الرب. وكأننا ننعم بما ناله تلميذًا عمواس، هذان اللذان رافقهما السيد المسيح القائم من الأموات، وإذ كان يحدثهما اِلتهب قلبهما فيهما بمحبته وانفتحت بصيرتهما الداخلية وعرفاه، قائلين لبعضهما البعض: "ألم يكن قلبنا ملتهبًا فينا إذ كان يكلمنا في الطريق ويوضح لنا الكتب"؟! (لو 24: 32). لقد قدّم لنا هوشع بروح النبوة وقت قيامته ألا وهو فجر اليوم الثالث، إذ يقول: "في اليوم الثالث يقيمنا... خروجه يقين في الفجر" [ع3]. وقد اعتادت الكنيسة منذ العصر الرسولي أن تذكر قيامته على الدوام خاصة في صلاة باكر، في الفجر وقت قيامته، وكما يقول القديس كبريانوس: [يلزمنا أن نصلي أيضًا باكرًا فنحتفل بها بقيامة الرب] قام الرب في فجر اليوم الثالث، لكي يقيمنا في الفجر حياتنا الروحيّة؛ إذ نطلبه فينا يعلن قوة قيامته في حياتنا على الدوام. ولعل قوله: "خروجه يقين كالفجر" يعني تأكيد خروجه ويقينيته مبددًا الظلمة. وقد جاءت الترجمة السبعينية: "نجده مستعدًا كالصباح"، وكما يقول القديس أغسطينوس أن الله دائمًا حاضر وإن كنا لا ندركه، "كان في العالم وكون العالم به ولم يعرفه العالم" (يو 1: 10)، عندما نرجع إليه يرجع إلينا (زك 1: 3). وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [يشير النبي إلى استعداد جوده المستمر... فإننا إذ نقترب إليه نجده منتظر تحركنا.] بعد أن أعلن عن قيامة السيد في فجر اليوم الثالث كسر خلاصنا، يقدم لنا عمل الروح القدس الذي وُهب لنا متأخرًا "في ملء الزمان" بعد صعود السيد المسيح، إذ يقول: "يأتي إلينا كالمطر، كمطر متأخر يسقي الأرض". يأتي إلينا روحه القدوس الذي يحل علينا كالمطر ليحولنا من الجفاف إلى جنة مبهجة، تحمل ثمر الروح الذي يُفرح قلب الآب، فتسمع النفس مناجاة عريسها لها: "أختي العروس جنة مغلقة" (نش 4: 12). ويرى القديس هيبوليتس الروماني في هذا المطر إشارة إلى السيد المسيح نفسه، إذ يتحدث في مقال عن الثيؤفانيا المقدسة (الغطاس) عن كرامة المياه التي دخل إليها السيد المسيح وتغطى بها: [بالنسبة للماء يوجد ما هو أعظم من الكل ألا وهو حقيقة أن المسيح خالق الكل قد نزل كالمطر (هو 6: 3)، وعرف كالينبوع (يو 4: 14)، وانصب كنهر (يو 7: 38)، اعتمد في الأردن (مت 3: 13)... يا للعجب كيف يغطس في قليل من المياه ذاك الذي هو النهر غير المحدود (مز 46: 4) الذي يُفرح مدينة الله؟! الينبوع غير المنتاه، الحامل حياة لكل البشريّة، والذي بلا نهاية تغطيه مياه فقيرة ومؤقتة! الحاضر في كل موضع، وليس بغائب في موضع ما، الذي لا تدركه الملائكة ولا يمكن للبشر التطلع إليه، يأتي إلى المعمودية حسب مسرته الصالحة.] 2. اصلاح إلهي داخلي 4 «مَاذَا أَصْنَعُ بِكَ يَا أَفْرَايِمُ؟ مَاذَا أَصْنَعُ بِكَ يَا يَهُوذَا؟ فَإِنَّ إِحْسَانَكُمْ كَسَحَابِ الصُّبْحِ، وَكَالنَّدَى الْمَاضِي بَاكِرًا. 5 لِذلِكَ أَقْرِضُهُمْ بِالأَنْبِيَاءِ. أَقْتُلُهُمْ بِأَقْوَالِ فَمِي. وَالْقَضَاءُ عَلَيْكَ كَنُورٍ قَدْ خَرَجَ. 6 «إِنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لاَ ذَبِيحَةً، وَمَعْرِفَةَ اللهِ أَكْثَرَ مِنْ مُحْرَقَاتٍ. 7 وَلكِنَّهُمْ كَآدَمَ تَعَدَّوْا الْعَهْدَ. هُنَاكَ غَدَرُوا بِي. 8 جَلْعَادُ قَرْيَةُ فَاعِلِي الإِثْمِ مَدُوسَةٌ بِالدَّمِ. 9 وَكَمَا يَكْمُنُ لُصُوصٌ لإِنْسَانٍ، كَذلِكَ زُمْرَةُ الْكَهَنَةِ فِي الطَّرِيقِ يَقْتُلُونَ نَحْوَ شَكِيمَ. إِنَّهُمْ قَدْ صَنَعُوا فَاحِشَةً. 10 في بَيْتِ إِسْرَائِيلَ رَأَيْتُ أَمْرًا فَظِيعًا. هُنَاكَ زَنَى أَفْرَايِمُ. تَنَجَّسَ إِسْرَائِيلُ. 11 وَأَنْتَ أَيْضًا يَا يَهُوذَا قَدْ أُعِدَّ لَكَ حَصَادٌ، عِنْدَمَا أَرُدُّ سَبْيَ شَعْبِي. الله نفسه هو المخلص، يقوم من الأموات ليقيمنا معه، ويهبنا روحه القدوس كمطر متأخر ينزع جفافنا، واهبًا ثماره فينا، وليس من عندياتنا. لهذا يقول: "ماذا أصنع بك يا إفرايم؟! فماذا أصنع بك يا يهوذا؟! فإن إحسانكم (صلاحكم) كسحابة الصبح وكالندى الماضي باكرًا" [ع4]. لقد نسى إفرايم ويهوذا إلههما وظنا أنهما قادران على الصلاح أو الإحسان بعملهما الذاتي، فإذا بهذا الصلاح يكون كسحابة الصبح أو الندى، لا يقدر أن يقف أمام شمس التجارب. كأن الله يقول لهما: ماذا أصنع بكما، فمن جانبي قدمت لكما قيامتي كسر لقيامتكم ووهبتكم روحي القدوس يروي قلوبكم، فلماذا تحرمون أنفسكم من عطاياي هذه متكلين على بركم الذاتي الذي كسحابة الصبح وكالندى الذي ينتهي سريعًا؟! وكما يعلن القديس يوحنا الذهبي الفمعلى لسان الرب: [إنه يعني هكذا: من جانبي قدمت كل شيء حقًا، لكن تأتي الشمس الحارة عليكم فتبدد السحاب والندى وتجعلها كلا شيء، لذا فإن شركم هو الذي يحرمكم من جودي الذي لا ينطق به.] يكمل الرب حديثه معهم: "لذلك أقرضهم بالأنبياء، أقتلهم بأقوال فمي، والقضاة عليك كنور قد خرج" [ع5]. وفي الترجمة السبعينية: "لذلك أحصد (أحش) أنبياءكم، أقتلهم بأقوال فمي..." فقد اتكأوا على الأنبياء الكذبة الذين سّكنوا ضمائرهم بكلمات معسولة كاذبة، لذا فإن الله يؤدب هؤلاء الأشرار فيكون حكمه كقاتل لهم وكنور يفضح ظلامهم. وكما قيل: "يضرب الأرض بقضيب فمه. ويميت المنافق بنفخة شفتيه" (إش 11: 4). إن كانت أقوال الله واهبه حياة، لكنها أيضًا قاتلة للشر والموت، فالرب بكلماته ينزع الغش الذي في القلب ويقتله، محطمًا كل ظلمة في داخلنا ليظهر قضاؤه نورًا فينا. هو الذي يحطم الشر ليبني الفضيلة، يبدد الظلمة ليشرق بنوره فينا. لا يستطيع الإنسان أن يقدم الإصلاح القلبي الداخلي... حقًا يمكنه أن يقدم ذبائح ومحرقات وتقدمات ومظاهر تعبدية، لكن من الذي يهب الرحمة والحب ومعرفة الله والأمانة في العهد؟! لذا يقول: "إني أريد رحمة (حبًا ثابتًا) لا ذبيحة، ومعرفة الله أكثر من محرقات، ولكنهم كآدم تعدوا العهد هناك غدروا بي" [ع6-7]. إنه يريد الأعمال الداخلية والتغيير القلبي، الأمر الذي لا يقدرون عليه من ذواتهم بل هو عمل الله نفسه. الله هو العامل فينا ليهبنا "الرحمة" أو "الحب الثابت" فينا، الذي يُفرح قلبه. وقد جاءت رسالة السيد المسيح تركز على تقديم تغيير طبيعتنا القاسية إلى شبه طبيعته المملوءة حنوًا وحبًا، فنحمل سماته فينا. يحدثنا القديس يوحنا الذهبي الفم عن هذه الرحمة التي يطلبها الله فينا، قائلًا: [الآن ليس وقت للدينونة بل للرحمة؛ ليس لنا أن نطلب الحساب بل نُظهر الحب، ليس لنا أن نرفع الدعاوي بل نتنازل عنها، إنه ليس وقت للحكم والانتقام بل نظهر الرحمة وعمل الصلاح.] هذه الرحمة هي طبيعة الله نفسه كما يكتب القديس أمبروسيوس في مقاله "عن التوبة" ضد أتباع نوفاتيوس الذين يغلقون أبواب مراحم الله أمام مرتكبي بعض الخطايا، إذ يقول: [يجب أن نعرف أن الله إله رحمة، يميل إلى العفو لا القسوة. لذلك قيل: "أريد رحمة لا ذبيحة"، فكيف يقبل الله تقداتكم يا من تنكرون الرحمة، وقد قيل عن الله أنه لا يشاء موت الخاطئ مثل أن يرجع (حز 18: 32) ؟.] خلال هذه الرحمة الإلهية التي نحملها فينا نتعرف على الله، معرفة مشاركتنا سماته، الأمر الذي يريده الرب فينا... "أريد ... معرفة الله أكثر من محرقات". بهذا نحمل في داخلنا أمانة نحو العهد المقام بين الله وبيننا، ولا نُحسب متعدين له وغادرين به. ليكن إصلاحنا إلهيًا في الداخل حتى لا يُقال عنا: "ولكنهم كآدم تعدّوا العهد، هناك غدروا بي، جلعاد قرية فاعلي الإثم مدوسة بالدم" [ع8]. ليتنا لا نكون كآدم الذي تعدى العهد الإلهي وهو في الفردوس الذي أقامه الله له فحُسب كغادر بخالقه، ننعم بعطاياه ولا نجحد شخصه. ليتنا لا نكون كجلعاد قرية فاعلي الإثم المدوسة بالدم، التي هي في الغالب مدينة راموت جلعاد أحد مدن الملجأ الثلاثة في عبر الأردن، مدينة اللاويين، تضم رجالًا من السبط المقدس لكنهم صانعو شر ينجسون أنفسهم بالدم خلال الظلم والفساد. لهم مظهر التقوى والعبادة كلاويين وفي أعماقهم أشرار، ليتنا أيضًا لا نكون كزمرة الكهنة الذين يرتدون ثياب الكهنوت البهية، ويمارسون العبادة في شكلياتها الخارجية دون حياة في الداخل، بل في داخلهم لصوصية، إذ يقول: "وكما يكون لصوص الإنسان كذلك زمرة الكهنة في الطريق يقتلون نحو شكيم. إنهم قد صنعوا فاحشة" [ع9]. لا نكن مثلهم إذ صاروا لصوص نفوس، يحملون روح القتل والهلاك متسترين بثياب الكهنوت، يحملون الدمار في ميناء السلام حيث يطمئن الناس إليهم. |
||||
16 - 12 - 2024, 05:05 PM | رقم المشاركة : ( 181183 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
محاكمة الأم 1 «قُولُوا لإِخْوَتِكُمْ «عَمِّي» وَلأَخَوَاتِكُمْ «رُحَامَةَ». 2 حَاكِمُوا أُمَّكُمْ حَاكِمُوا، لأَنَّهَا لَيْسَتِ امْرَأَتِي وَأَنَا لَسْتُ رَجُلَهَا، لِكَيْ تَعْزِلَ زِنَاهَا عَنْ وَجْهِهَا وَفِسْقَهَا مِنْ بَيْنِ ثَدْيَيْهَا، 3 لِئَلاَّ أُجَرِّدَهَا عُرْيَانَةً وَأَوْقِفَهَا كَيَوْمِ وِلاَدَتِهَا، وَأَجْعَلَهَا كَقَفْرٍ، وَأُصَيِّرَهَا كَأَرْضٍ يَابِسَةٍ، وَأُمِيتَهَا بِالْعَطَشِ. 4 وَلاَ أَرْحَمُ أَوْلاَدَهَا لأَنَّهُمْ أَوْلاَدُ زِنًى. "قولوا لإخوتكم عمي، ولإخوتكم رُحامة، حاكموا أمكم حاكموا، لأنها ليست امرأتي وأنا لست رجلها، لكي تعزل زناها عن وجهها وفسقها من بين ثدييها" [ع1-2]. إذ أعلن الله عن هذه الأمة أنها قد زنت تاركة إلهها الحقيقي لتتحد بقلبها مع البعل لم يستطع أن يدعوها امرأته لأنها خانته وهو طلقها، إنما يدعوها: "أمهم" لكي يثيرها للتوبة والرجوع إليه على المستوى الجماعي كما على المستوى الشخصي لكل عضو فيها. ومع كل ما صنعته من شرور يفتتح الرب حديثه بواسطة النبي كما يختتمه بإعلانه تجديد العهد معهم، معلنًا أنهم شعبه وموضع رحمته. بهذا الروح يقول الرسول بولس: "أيها الإخوة أن مسرة قلبي وطلبتي إلى الله لأجل إسرائيل هي للخلاص" (رو 10: 1). إلى مَن يوجه الحديث: "قولوا لإخوتكم عمي ولأخوتكم رُحامة"؟ أن كانت جومر بنت دبلايم تثمر يزراعيل ولورحامة ولوعمي، لكنه توجد بقية قليلة وسط الشعب مقدسة لله أو على الأقل مشتاقة للحياة المقدسة للرب. هؤلاء يوجه إليهم الله حديثه لكي يفتحوا أبواب الرجاء أمام اخوتهم الساقطين فيعلنوا أن الله يشتاق أن يضمهم ليصيروا شعبه ويرحمهم، لكن ليس بدون تقديس أو جهاد، إذ يقول: "حاكموا". ليحاكموا أمهم التي فقدت انتسابها لله فلم تعد امرأته بسبب زناها وفسقها. إنها محاكمة تتم داخل دائرة النفس بالروح القدس فيدين الإنسان نفسه قبل أن يفتضح في يوم الرب العظيم، ليقل كل واحد لنفسه: "حاكموا أمكم حاكموا"، فنحكم على أنفسنا قبل أن يُحكم علينا. ليتنا لا نصمت على فساد العروس التي للرب، فنرد في أنفسنا ما كتبه القديس باسيليوس الكبير إلى عذراء ساقطة: [إن كان يوحنا انتهر بجسارة حتى الموت عندما رأى عرسًا ما كان ينبغي أن يكون، فكم بالأكثر تكون مشاعره عندما يرى انتهاكًا لعرس خاص بالرب؟! لقد ألقيتي عنكِ نير الوحدة الإلهية. لقد هربتي من الحِجال المقدس الذي للملك الحقيقي. لقد سقطتي في ذلك الهلاك الفاسد الدنس... من لا يحزن على مثل هذه الأمور، قائلًا: "كيف صارت القرية الأمينة زانية" (إش 1: 21)؟!.] |
||||
16 - 12 - 2024, 05:06 PM | رقم المشاركة : ( 181184 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
ما كتبه القديس باسيليوس الكبير إلى عذراء ساقطة: [إن كان يوحنا انتهر بجسارة حتى الموت عندما رأى عرسًا ما كان ينبغي أن يكون، فكم بالأكثر تكون مشاعره عندما يرى انتهاكًا لعرس خاص بالرب؟! لقد ألقيتي عنكِ نير الوحدة الإلهية. لقد هربتي من الحِجال المقدس الذي للملك الحقيقي. لقد سقطتي في ذلك الهلاك الفاسد الدنس... من لا يحزن على مثل هذه الأمور، قائلًا: "كيف صارت القرية الأمينة زانية" (إش 1: 21)؟!.] |
||||
16 - 12 - 2024, 05:07 PM | رقم المشاركة : ( 181185 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
أما غاية هذه المحاكمة فهي: "لكي تعزل زناها عن وجهها وفسقها من بين ثدييها" [ع2]. فإذ نحكم على أنفسنا ننزع عن وجهنا عدم الحياء، فنخجل من ضعفنا ونطلب الستر بنعمته، عندئذ نسمع عريسنا السماوي يقول: "قومي ياحبيبتي يا جميلتي وتعالي، يا حمامتي في محاجئ الصخر في ستر المعاقل؛ أريني وجهك، اسمعيني صوتك، لأن صوتك لطيف ووجهك جميل" (نش 2: 13-14). يهبنا قوة قيامته قائلًا: "قومي" فنموت عن كل نجاسة لطَّخت وجهنا وتظهر في عينيه سماته الإلهية، ممجدين بقيامته، متزينين بعمل روحه القدوس. لينزع بروحه القدوس الفسق من بين الثديين، أيّ من داخل القلب، حتى نناجيه، قائلين: "بين ثديي يبيت" (نش 1، 13)، إذ لا يقدر أن يبيت القدوس حيث يستقر الفسق، لأنه أية شركة للنور مع الظلمة وأيّ اتفاق للسيد المسيح مع بليعال؟! ماذا يعني نزع الفسق عن الثديين؟ أن كان للعريس السماوي ثديان هما العهدان القديم والجديد، فإنهما ثديا العروس أيضًا بكونهما كتاب الكنيسة، فيليق بالعروس أن تقدمها خلال حياتها المقدسة في الرب ولا يفسد أحد رسالتهما بحياته الشريرة معثرًا الآخرين عن التمتع بهما كغذاء للنفوس. بهذا المعنى كتب القديس جيروم للراهب باماخيوس يشجعه على دراسة الكتاب المقدس، قائلًا: [أعطه ثدييك ليرضع من حضنك المثقب وليسترح في ميراثه (مز 68: 13).] |
||||
16 - 12 - 2024, 05:08 PM | رقم المشاركة : ( 181186 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
ماذا يعني نزع الفسق عن الثديين؟
أن كان للعريس السماوي ثديان هما العهدان القديم والجديد، فإنهما ثديا العروس أيضًا بكونهما كتاب الكنيسة، فيليق بالعروس أن تقدمها خلال حياتها المقدسة في الرب ولا يفسد أحد رسالتهما بحياته الشريرة معثرًا الآخرين عن التمتع بهما كغذاء للنفوس. بهذا المعنى كتب القديس جيروم للراهب باماخيوس يشجعه على دراسة الكتاب المقدس، قائلًا: [أعطه ثدييك ليرضع من حضنك المثقب وليسترح في ميراثه (مز 68: 13).] |
||||
16 - 12 - 2024, 05:10 PM | رقم المشاركة : ( 181187 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
إن حاكمنا أنفسنا لا يُحكم علينا، أما إذا تهاون مع أنفسنا في أمر الخطية فنسقط تحت هذا الحكم: "لئلا أجردها عريانة وأوقفها كيوم ولادتها وأجعلها كقفر وأصيرها كأرض يابسة وأميتها بالعطش، ولا أرحم أولادها لأنهم أولاد زنى" [ع3-4]. ماذا يعني بقول: "أجردها عريانة وأوقفها كيوم ولادتها" غير أنها إذ تركته بإرادتها لا يلزمها بالارتباط به فتفقده كسر ستر لحياتها الداخلية. ترفضه فتفقده كثوب برّ تكتسي به، وتظهر بطبيعتها الفاسدة كيوم ولادتها الجسدية، ليس لها ما يستر ضعفها. لقد حرمت نفسها بنفسها من السيد المسيح الذي نلبسه كقول الرسول بولس: (غل 3: 27). أما قوله: "اجعلها كقفر وأصيرها يابسة وأميتها بالعطش"، فلأنها ترفض الله لا تتقبل روحه القدوس الذي ينزل على أرضنا القفر كمطر يرويها، ويجعل من بريتها القاحلة فردوسًا مثمرًا، لتقول لعريسها: "ليأتِ حبيبي إلى جنته ويأكل ثمره النفيس" (نش 4: 16). أما قوله: "ولا أرحم أولادها لأنهم أولاد زنى" فيشير إلى الثمر الذي ينبع فينا عن ذواتنا وليس عن اتحادنا مع العريس السماوي؛ هذا الذي قال عنه السيد المسيح أن كل غرس لم يغرسه أبوه السماوي يُقلع (مت 15: 13)، إذ هو غريب عن ملكوت الله ولا يستحق إلاّ الحرق! هذه الأعمال التي ليست من الله هي: "أولاد زنى"، أما الأعمال التي من غرس الله فمرتبطة به لا يمسها الشرير، بل تبقى مرافقة لنا كل أبديتنا كقول الكنيسة: "أكتب طوبى للأموات الذين يموتون في الرب منذ الآن؛ نعم يقول الروح لكي يستريحوا من أتعابهم، وأعمالهم تتبعهم" (رؤ 14: 13). |
||||
16 - 12 - 2024, 05:11 PM | رقم المشاركة : ( 181188 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الجري وراء الباطل 5 «لأَنَّ أُمَّهُمْ قَدْ زَنَتِ. الَّتِي حَبِلَتْ بِهِمْ صَنَعَتْ خِزْيًا. لأَنَّهَا قَالَتْ: أَذْهَبُ وَرَاءَ مُحِبِّيَّ الَّذِينَ يُعْطُونَ خُبْزِي وَمَائِي، صُوفِي وَكَتَّانِي، زَيْتِي وَأَشْرِبَتِي. 6 لِذلِكَ هأَنَذَا أُسَيِّجُ طَرِيقَكِ بِالشَّوْكِ، وَأَبْنِي حَائِطَهَا حَتَّى لاَ تَجِدَ مَسَالِكَهَا. 7 فَتَتْبَعُ مُحِبِّيهَا وَلاَ تُدْرِكُهُمْ، وَتُفَتِّشُ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَجِدُهُمْ. فَتَقُولُ: أَذْهَبُ وَأَرْجعُ إِلَى رَجُلِي الأَوَّلِ، لأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَانَ خَيْرٌ لِي مِنَ الآنَ. إذ يطلب الله عروسه مهددًا إياها أن رفضت، بل بالحري محذرًا إياها لئلا تصير عريانة وقفرًا ولا تنعم برحمته، يكشف لها أن ما يحدث لها ليس عن قسوة من جانبه وإنما هو ثمر طبيعي لتركها الحق كسر حياتها وشبعها، وجريها وراء الباطل الذي لا يقدم إلاّ موتًا وحرمانًا. يقول: "لأن أمهم قد زنت، التي حبلت بهم صنعت خزيًا، لأنها قالت: أذهب وراء محبيّ الذين يعطون خبزي ومائي، صوفي وكتاني، زيتي وأشربتي" [ع5]. لقد أوضح أن سر هلاكها هو زناها وارتكابها الخزي، لا بالمعنى الجسدي العام، إنما ارتكابه في القلب داخليًا أولًا حيث تحل احتياجاتها؛ يقدمون لها طعامها (خبزي)، شرابها (مائي)، وكساءها (صوفي وكتاني)، وأدويتها (زيتي)، وبهجتها (أشربتي). هذا هو الزنا الروحي حيث يتكئ الإنسان على آخر غير الله عريس نفسه ليطلب منه احتياجاته ويجد فيه شبعه ولذته. وإذ يعمل الله على ردنا إليه يضيق الخناق حولنا لندرك أن جرينا وراء الآخرين لا يقدم لنا إلاّ سرابًا، إذ يقول: "لذلك هأنذا أسيج طريقك بالشوك وأبني حائطها حتى لا تجد مسالكها، فتتبع محبيها ولا تدركهم، وتفتش عليهم ولا تجدهم" [ع7] أن كانت الخطية تجلب للإنسان "شوكًا وحسكًا" (تك 3: 18)، وكما يقول الحكيم: "شوك وفخ في طريق ملتوي" (أم 22: 5)، فإن الله في محبته يترك هذا الشوك يعترض طريقنا لعلنا ندرك خطأنا ونرجع إليه. فحين يُقال أن الله يكون مع الملتوي ملتويًا (مز 18: 36)، "ويسلك بالخلاف مع من يسلك بالخلاف معه" (لا 26: 23-24)، إنما يفعل ذلك كثمرة طبيعية لشرنا لنجني من الشر ثمره، وفي نفس الوقت كعلامة حب إلهي لأجل تأديبنا حتى نرتد عن طريقنا. فإن لم نبالي يقيم لنا حائط الضيقات والأتعاب ليغلق أمامنا طريقنا الملتوي وندرك أن سعينا فيه باطل. خلال هذا الضيق ندرك بطلان جرينا وراء الآخرين، إذ نقترب من المحبين فلا ندركهم ونفتش عليهم ولا نجدهم. من هم هؤلاء المحبين؟ ربما قصد بهم ملك آشور وفرعون مصر ومن هم على أمثالهما، فالتحالف مع واحد منهم خوفًا من الغير هو تحالف باطل، فهؤلاء يعملون لمصلحتهم الخاصة ويستغلون إسرائيل ويهوذا دون مساعدتهم في وقت الضيق. إنهم مثل "عكاز القصبة المرضوضة" (2 مل 18: 21). ولعله قصد بالمحبين أيضًا البعل والعشتاروت وما رافق العبادة الوثنية من سحر... هذه جميعها التي كرس إسرائيل حياته وطاقاته وكل مشاعره لها مع أنها لا تقدر أن تنقذه أو تخلصه. غاية هذه المتاعب هي عودة العروس إلى تعلقها الحكيم فتترك زناها وترجع إلى رجلها الحقيقي: "فتقول أذهب وأرجع إلى رجلي الأول لأنه حينئذ كان خير لي من الآن" [ع7]، وكأنها بالابن الضال الذي قال: "أقوم وأذهب إلى أبي" (لو 15: 18). |
||||
16 - 12 - 2024, 05:12 PM | رقم المشاركة : ( 181189 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
تدنيس عطايا الله 8 «وَهِيَ لَمْ تَعْرِفْ أَنِّي أَنَا أَعْطَيْتُهَا الْقَمْحَ وَالْمِسْطَارَ وَالزَّيْتَ، وَكَثَّرْتُ لَهَا فِضَّةً وَذَهَبًا جَعَلُوهُ لِبَعْل. 9 لِذلِكَ أَرْجعُ وَآخُذُ قَمْحِي فِي حِينِهِ، وَمِسْطَارِي فِي وَقْتِهِ، وَأَنْزِعُ صُوفِي وَكَتَّانِي اللَّذَيْنِ لِسَتْرِ عَوْرَتِهَا. 10 وَالآنَ أَكْشِفُ عَوْرَتَهَا أَمَامَ عُيُونِ مُحِبِّيهَا وَلاَ يُنْقِذُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي. 11 وَأُبَطِّلُ كُلَّ أَفْرَاحِهَا: أَعْيَادَهَا وَرُؤُوسَ شُهُورِهَا وَسُبُوتَهَا وَجَمِيعَ مَوَاسِمِهَا. 12 وَأُخَرِّبُ كَرْمَهَا وَتِينَهَا اللَّذَيْنِ قَالَتْ: هُمَا أُجْرَتِي الَّتِي أَعْطَانِيهَا مُحِبِّيَّ، وَأَجْعَلُهُمَا وَعْرًا فَيَأْكُلُهُمَا حَيَوَانُ الْبَرِّيَّةِ. 13 وَأُعَاقِبُهَا عَلَى أَيَّامِ بَعْلِيمَ الَّتِي فِيهَا كَانَتْ تُبَخِّرُ لَهُمْ وَتَتَزَيَّنُ بِخَزَائِمِهَا وَحُلِيهَا وَتَذْهَبُ وَرَاءَ مُحِبِّيهَا وَتَنْسَانِي أَنَا، يَقُولُ الرَّبُّ. في دراستنا لسفر حزقيال رأينا الله يعاتب عروسه ليس لأنها خائنة فحسب، وإنما لأنها أخذت غناه ومقدساته لتستخدمها في خيانتها له. هنا يعلق الله أن عروسه تأخذ قمحه ومسطاره وزيته وفضته وذهبه لتقدمه للبعل؛ تستخدم العطايا الإلهية لخدمة الشر! وقد سبق لنا شرح رموز هذه العطايا ومفاهيمها الروحيّة في شيء من التفصيل. أما ثمر هذا التصرف المؤلم فهو: أولًا: يسحب الله عطاياه في الوقت المناسب، إذ يقول: "لذلك أرجع وآخذ قمحي في حينه ومسطاري في وقته، وأنزع صوفي وكتاني اللذين لستر عورتها" [ع9]. والعجيب أن الله يترك عروسه تفعل ما تشاء بعطاياه ومواهبه، بالرغم من إساءة استغلالها لها، لعلها تدرك خطأها وترجع. ولكن هذا الترك إلى حين، ففي الوقت المناسب يسحب ما وهبها فتصبح جائعة وظمآنة وعارية، تنفضح حتى أمام عيون محبيها. إن كان الله يطيل أناته علينا، لكن إن تمادينا في إساءة استخدام عطاياه لنا ينتزع ما وهبنا ويجعلنا مثلًا وهزأة حتى بين الأشرار، الأمر الذي أدركه إرميا النبي حين سُبيت أورشليم إذ قال: "كل مكرميها يحتقرونها لأنهم رأوا عورتها وهي أيضًا تتنهد وترجع إلى الوراء، نجاستها في أذيالها... ليس لها معزٍ" (مرا 1: 8-9). ثانيًا: لا تفقد العطايا والمواهب فحسب وإنما تفقد أيضًا فرحها وسلامها الزمني والأبدي، إذ يقول: "وأبطل كل أفراحها: أعيادها ورؤوس شهورها وسبوتها وجميع مواسمها" [ع11]. إنه يبطل كل أفراحها الزمنية، وتدخل في مرارة دائمة وكآبة وضيق ولا تعرف الفرح بعد ولا العيد. أما المؤمن ففي وسط حمله للصليب يُسحب قلبه لبهجة القيامة وقوتها، ووسط الآلام يتذوق الراحة الداخلية على مستوى سماوي، ووسط الحزن يفرح ولا يقدر أحد أن ينزع فرحه منه. يؤكد القديس يوحنا الذهبي الفمفي أكثر من موضع أن سلام الإنسان وفرحه ينبعان من أعماقه في الداخل خلال الحياة المقدسة في الرب، وأن أذيته لا تنبع عن عوامل خارجية بل عن خطيته، إذ يقول: [لهذا لا أخاف من مؤامرات الأعداء، إنما أخاف أمرًا واحدًا هو الخطية، أريد أن ألقنك درسًا وهو ألا تخف من خداعات ذوي السطوة، لكن خفْ من سطوة الخطية. لا يضرك أحدًا إن لم تضر نفسك بنفسك. إن كنت لا تخطئ فإن عشرات الألوف من السيوف تهددك، لكن الله ينتشلك منها حتى لا تقترب إليك، ولكن إن كنت ترتكب شرًا، فإنك وإن كنت داخل فردوس فستطرد منه.] ثالثًا: يخرب كرمها وتينها [ع12]، وقد سبق فرأينا في مقدمة هذا التفسير الكرمة والتينة كرمزين للكنيسة المتألمة والمتسمة بوحدة الروح. وكأن الإنسان الذي يترك عريس نفسه يفقد سمات الكنيسة وعضويته فيها، بل ويصير وعرًا يأكله حيوان البرية [ع12]، أي فريسة للشيطان ومائدة للخطية. رابعًا: أما نهاية هذا كله فهو نوالها العقاب الإلهي، "وأعاقبها على أيام بعليم التي فيها كانت تُبخر لهم وتتزين بخزائمها وحليها، وتذهب وراء محبيها وتنساني أنا يقول الرب" [ع13]. يحاسبها الله بدقة إذ قدمت البخور لأصنام البعل وتزينت لها بالخزائم والحلي وذهبت وراء محبيها ترتكب معهم الفجور وتركت الله ينبوع القداسة. قدمت البخور علامة الصلاة والالتجاء إلى البعل، وتزينت له علامة الرغبة في إرضائه والاتحاد معه، وجرت وراء المحبين إشارة إلى تعلق القلب. وهكذا قدمت كل إمكانيتها للبعل لا لعريسها الذي نسته تمامًا فاستحقت السقوط تحت العقاب الأبدي. |
||||
16 - 12 - 2024, 05:12 PM | رقم المشاركة : ( 181190 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
القديس يوحنا الذهبي الفم في أكثر من موضع أن سلام الإنسان وفرحه ينبعان من أعماقه في الداخل خلال الحياة المقدسة في الرب، وأن أذيته لا تنبع عن عوامل خارجية بل عن خطيته، إذ يقول: [لهذا لا أخاف من مؤامرات الأعداء، إنما أخاف أمرًا واحدًا هو الخطية، أريد أن ألقنك درسًا وهو ألا تخف من خداعات ذوي السطوة، لكن خفْ من سطوة الخطية. لا يضرك أحدًا إن لم تضر نفسك بنفسك. إن كنت لا تخطئ فإن عشرات الألوف من السيوف تهددك، لكن الله ينتشلك منها حتى لا تقترب إليك، ولكن إن كنت ترتكب شرًا، فإنك وإن كنت داخل فردوس فستطرد منه.] |
||||