منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07 - 09 - 2024, 09:25 AM   رقم المشاركة : ( 172491 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,274,770

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

القديس أغسطينوس


[الإنسان الروحاني في الكنيسة هو السماء…
الكنيسة هي السماء… والسماء هي الكنيسة.]
 
قديم 07 - 09 - 2024, 09:25 AM   رقم المشاركة : ( 172492 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,274,770

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


من يغلب يرث كل شيء…



“مَنْ يَغْلِبْ يَرِثْ كُلَّ شَيْءٍ، وَأَكُونُ لَهُ إِلهًا وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ابْنًا.”
(رؤ21: 7)

+++


“وسمعت صوتًا عظيمًا من السماء قائلاً:

هوذا مسكن الله مع الناس، وهو سيسكن معهم،

وهم يكونون له شعبًا، والله نفسه يكون معهم إلهًا لهم” [3].

لم تجد السماء اسمًا لهذه المدينة الجديدة والأرض الجديدة والسماء الجديدة يليق بها سوى أن تدعوها “مسكن الله مع الناس”. لم تقل “مسكن الناس مع الله” بل “مسكن اللّه مع الناس“، لأن اشتياق الناس للسكنى معه لا يقاس ولا يقارن باشتياق الله للسكنى معنا. يا لعظم محبة اللّه الفائقة! كأن الله ينتظر الأبديّة ليستريح بالسكنى معنا، مع أننا نعلم أنه ليس محتاجًا إلى عبوديتنا بل نحن المحتاجون إلى ربوبيته.

لهذا يبدأ بالقول “وهم يكونون له شعبًا“، أي أنهم هم المحتاجون إليه، وهو يسكب حبه عليهم، إذ “الله نفسه يكون معهم إلهًا لهم”. إنه إله كل البشر، وإله المؤمنين. لكن في الأبدية ينعم أبناء الملكوت بمفاهيم أعمق وعذوبة أكثر في ربوبية الله لهم.

وأخيرًا يمكننا من خلال قراءتنا للأصحاحين 21 و22 أن نفهم ماذا تعنيه الكنيسة السماوية الواحدة وهو:

أنها المسكن الأبدي الذي يقول عنه الرب: “أنا أمضي لأعد لكم مكانًا”، وقد قدمه لنا الرسول واصفًا لنا أبعاده ومواد بنائه في أسلوب رمزي بسيط.
إنها الوجود في حضرة العريس السماوي واللقاء الدائم معه، إذ هي “مسكن الله مع الناس” لهذا حدثنا عن شخص العريس وعمله مع شعبه.
إنها جماعة المؤمنين الغالبين “الذين يحسبون سماء”، ليس في الحياة الأبدية فحسب، بل وهم على الأرض. إذ يقول القديس أغسطينوس [الإنسان الروحاني في الكنيسة هو السماء… الكنيسة هي السماء… والسماء هي الكنيسة.]

 
قديم 07 - 09 - 2024, 09:52 AM   رقم المشاركة : ( 172493 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,274,770

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة





حال الكنيسة الواحدة

“وسيمسح الله كل دمعة من عيونهم”: وكما يقول العلامة ترتليان أن الله يمسح كل دمعة سكبتها العيون قبلاً، إذ ما كان لها أن تجف ما لم تمسحها الرأفات الإلهية. طوبى لأصحاب العيون الباكية، لأن الله بنفسه يمسحها ويطيِّبها!
“والموت لا يكون فيما بعد”: وكما يقول النبي “يبلغ الموت إلى الأبد ويمسح السيد الرب الدموع عن كل الوجوه” (إش 25: 8).
“ولا يكون حزن ولا صراخ ولا وجع فيما بعد. لأن الأمور الأولى قد مضت” [4]. لقد مضى العالم القديم بما يحمله معه من سمة للنقصان وقابلية للفناء، وصار كل ما في الأبدية جديدًا مفرحًا ومبهجًا للكل.
“وقال الجالس على العرش ها أنا أصنع كل شيء جديدًا”. في العالم الآخر لا نجد ما تسأمه النفس، ولا ما تملّ منه، إذ ليس فيها شيء يعتق ويشيخ بل لحظة فلحظة – إن صح هذا التعبير – نجد كل شيء جديدًا. إذ نحن ماثلون أمام الله الذي لا تشبع النفس من اشتهائه.

وكما يقول القديس غريغوريوس النيسي:
[أن رؤية الله بالضبط لا تَشبع النفس من اشتهائه.
وهذا يتم إلى الأبد والنفس ذاهبة من بدء إلى بدء ببداءات لا تنتهي.]
كلما تأمل الإنسان الله رآه كأنه لأول مرة يراه جديدًا في نظره، فيزداد شوقًا إلى السجود له والنظر إليه، ويستمر هكذا بلا نهاية.

ولما كان هذا الأمر مجيدًا حتى ليستعصب الكثيرون نواله، أراد الرب أن يبعث فيهم رجاء فقيل للرسول: “وقال لي: اكتب فإن هذه الأقوال صادقة وأمينة، ثم قال لي: قد تم” [5]. إنها أمور حقيقية واقعية قد أتم الله تهيئتها للبشر، ولم يبقَ سوى أن ندخل ونرث. وكأنه يقول لعروسه: “الله بالحق قد أعد بيت الزوجية وبقي أن تأتي صاحبة البيت”.

أما مقدم الدعوة فيقول: “أنا هو الألف والياء. البداية والنهاية”. وقد سبق لنا شرح هذا القول. إنه يقول: إنني لغة السماء أعلمكم التسبحة الجديدة، وأنا رأس الكل أتيت أخيرًا لكي أحتضن الجميع وأجمعهم معي.

إنني لا أبخل على أحد، بل أقدم ذاتي ينبوع ماء حياة مجاني لكل طالب “أنا أعطي العطشان من ينبوع ماء الحياة مجانًا” [6]. يقدم نفسه لكل ظمآن يشعر بالحاجة إليه، القائل مع المرنم: “كما يشتاق الأيل إلى جداول المياه هكذا تشتاق نفسي إليك يا الله. عطشت نفسي إلى الله إلى الإله الحي، متى أجيء وأتراءى قدام الله. صارت لي دموعي خبزًا نهارًا وليلاً، إذ قيل لي كل يوم: أين إلهك؟“ (مز 42: 1-3). لهذا ينادي الرب قائلاً: “إن عطش أحد فليقبل إلىَّ ويشرب“ (يو 7: 37). وحتى لا يسيء أحد إلى فهم مجانية الماء الحي عاد ليؤكد لنا أن الميراث الأبدي لا يناله إلا المجاهدون المثابرون، لهذا يقول: “من يغلب يرث كل شيء وأكون له إلهًا وهو يكون لي ابنا” [7].
 
قديم 07 - 09 - 2024, 09:53 AM   رقم المشاركة : ( 172494 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,274,770

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

القديس غريغوريوس النيسي:

[أن رؤية الله بالضبط لا تَشبع النفس من اشتهائه.
وهذا يتم إلى الأبد والنفس ذاهبة من بدء إلى بدء ببداءات لا تنتهي.]
كلما تأمل الإنسان الله رآه كأنه لأول مرة يراه جديدًا في نظره،
فيزداد شوقًا إلى السجود له والنظر إليه، ويستمر هكذا بلا نهاية.
 
قديم 07 - 09 - 2024, 09:54 AM   رقم المشاركة : ( 172495 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,274,770

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




إنه يعطي للغالبين… فماذا يأخذون؟

“يرث كل شيء!” إنه كأب رأى الأيام التي كان فيها ابنه قاصرًا قد انتهت، وقد صار الآن ناضجًا، فيقدم له كل أمواله وممتلكاته ويسلمه كل شئونه وأسراره، وإن استطاع أن يقدم له كل قلبه. إنه يورّثه كل شيء وهو بعد حي! هذا ما يعنيه بقوله: “يرث كل شيء“. لهذا يكمل قائلاً: “وأكون له إلهًا، وهو يكون لي ابنًا“. حقًا بالمعمودية صرنا أبناء ولكننا ندرك كمال بنوتنا حين نتسلم الميراث الأبدي!

أما غير المجاهدين وغير المؤمنين فليس لهم نصيب معه إذ يقول:

“وأما الخائفون وغير المؤمنين والرجسون والقاتلون والزناة والسحرة وعبدة الأوثان وجميع الكذبة فنصيبهم في البحيرة المتقدة بنار وكبريت الذي هو الموت الثاني” [8].

لقد بدأ هذه القائمة المرة بالخائفين، أي الجبناء الذين ينكرون الإيمان خوفًا على حياتهم الزمنية، وهؤلاء أشر الفئات. ويليهم “غير المؤمنين” لأنه بدون إيمان لا يمكن أرضاؤه. ويليهم صانعو الشر أي “الرجسون والقاتلون…” أي المؤمنون اسمًا لكن أعمالهم لا تتناسب مع الإيمان. وإننا نجده يركز على الكذب فيقول “وجميع الكذبة”، ولعله يقصد بالكذب أولئك الذين يستخدمون الغش والخداع في معاملاتهم وأحاديثهم.
 
قديم 07 - 09 - 2024, 09:55 AM   رقم المشاركة : ( 172496 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,274,770

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




“من يغلب يرث كل شيء و اكون له الها و هو يكون لي ابنا”.

من يغلب = حقا لا يوجد ما يساوى دم المسيح،

ولكن الروح القدس، وميراث السماء لا يعطى
إلا لمن يجاهد ويغلب ولا يتكاسل، وماذا يعطى الغالب؟

يرث كل شىء = يرث الله يرث مع المسيح (رو17:8)

فإكليل البر لا يوضع سوى لمن جاهد الجهاد الحسن وأكمل السعى
(2تى8،7:4).
 
قديم 07 - 09 - 2024, 09:56 AM   رقم المشاركة : ( 172497 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,274,770

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




“من يغلب يرث كل شيء و اكون له الها و هو يكون لي ابنا”.

مَنْ يغلب: هذا التعبير استخدم في (رؤ 2، 3)
مع رسائل أساقفة الكنائس السبع وللتذكير هنا نقول أن هذا التعبير معناه:

أ) امكانية الغلبة التي أعطيت بالخلاص لأولاد الله.

ب) ضرورة الغلبة للميراث والتمتع بالعطايا المجانية (ينبوع ماء الحياة).

يرث كل شيء: ما أعده الله لأبنائه محبى اسمه القدوس والغالبين بصبر إيمانهم وجهادهم.

أكون له : إنتقل السيد المسيح هنا لخصوصية العلاقة بين كل نفس غالبة وبين مسيحها، فبعد أن كان الكلام عن الشعب المسيحي “يكونون له شعبًا” (ع3).. يوجه الكلام هنا لكل نفس غالبة على حدة فيصير كل الميراث (كل السماء) لكل واحد، وكل إنسان يصير ابنًا مُمَيَّزًا كأنه ابن وحيد يستمتع بملء أبوة أبيه … ولنلاحظ أيضًا رقة تعبير المسيح في وصف العلاقة حينما قال “أكون له إلها” فلم يقل يكون لى عبدًا بل قال ابنًا وهو التعبير الأكثر إتفاقًا مع أبوة الله الواهب الميراث ليس للعبيد بل للأبناء.
 
قديم 07 - 09 - 2024, 10:47 AM   رقم المشاركة : ( 172498 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,274,770

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

Rose رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




المدينة المنيرة



بعدما تعرض للعقبات التي تحول عن تمتع الإنسان بالخلاص (إش 57-59) يُقدم لنا في نهاية السفر صورة مبهجة ورائعة عن بناء مدينة الرب الجديدة (60-66).
هنا (إش 60) يُقدم لنا صورة رائعة لكنيسة العهد الجديد كمدينة الرب صهيون المنيرة، أيقونة السماء.


1. مدينة منيرة:

1 «قُومِي اسْتَنِيرِي لأَنَّهُ قَدْ جَاءَ نُورُكِ، وَمَجْدُ الرَّبِّ أَشْرَقَ عَلَيْكِ. 2 لأَنَّهُ هَا هِيَ الظُّلْمَةُ تُغَطِّي الأَرْضَ وَالظَّلاَمُ الدَّامِسُ الأُمَمَ. أَمَّا عَلَيْكِ فَيُشْرِقُ الرَّبُّ، وَمَجْدُهُ عَلَيْكِ يُرَى.

سبق أن أكّد الرب أنه يقوم بنفسه بالخلاص ويفدي صهيون، مقيمًا عهده الجديد معها (إش 59: 15-21). الآن إذ قدم السيد المسيح خلاصه على الصليب، وأعلن الآب قبوله بالقيامة التي هي ليست عطية خارجية عن السيد المسيح إذ هو نفسه القيامة (يو 11: 25)، له سلطان أن يضع نفسه وله سلطان أن يأخذها (يو 10: 18)، يطلب من كنيسة العهد الجديد أن تتمتع بحياة فاديها كحياة مقامة لا موضع للظلام فيها.
"قومي استنيري لأنه قد جاء نورك ومجد الرب أشرق عليكِ، لأنه ها هي الظلمة تغطي الأرض والظلام الدامس الأمم، أما عليكِ فيشرق الرب، ومجده عليكِ يُرى" [2].
عندما عاد اليهود من السبي حسبوا أنفسهم كمن قاموا من الموت، وتمتعوا بنور الحياة والحرية بعد سبعين عامًا من المذلة كما في ظلمة القبر. أما كنيسة العهد الجديد فقد تمتعت بما هو أعظم، اتحادها بالنور الحقيقي كعريس أبدي يُقيم منها عروسًا تحمل نوره وبهاءه ومجده. وكما قال الرب عن نفسه "أنا هو نور العالم" (يو 8: 12)، دَعَى تلاميذه نور العالم (مت 5: 14)، إذ يحملونه فيهم.
ما هو سرّ استنارة الكنيسة؟
قيامة الرب التي قدمت لنا الحياة الجديدة التي لن يغلبها الموت، ولا تقدر الظلمة أن تقتنصها ولا القبر أن يُحطمها. لذلك يقول الرسول: "استيقظ أيها النائم وقم من الأموات
فيضيء لك المسيح" (أف 5: 14).
لما كان العماد هو تمتع بقيامة المسيح فينا لذا دُعي هذا السر "استنارة".
* إذ نعتمد نستنير، وإذ نستنير نُتبنى، وإذ نُتبنى نكمل...
يُدعى هذا الفعل بأسماء كثيرة اعني نعمة واستنارة وكمالًا وحميمًا... فهو استنارة إذ به نرى النور القدوس الخلاصي، أعني أننا به نشخص إلى الله بوضوح.
القديس إكليمنضس الإسكندري
* الاستنارة وهي المعمودية... هي معينة الضعفاء ... مساهمة النور... انتفاض الظلمة.
الاستنارة مركب يسير تجاه الله؛ مسايرة المسيح، أُس الدين، تمام العقل!
الاستنارة مفتاح الملكوت واستعادة الحياة.
القديس غريغوريوس النزينزي
* المعمودية هي ابنة النهار، فتحت أبوابها فهرب الليل الذي دخلت إليه الخليقة كلها!
مار يعقوب السروجي
هكذا إذ نقبل الاتحاد مع ربنا يسوع المسيح المصلوب ندفن معه في المعمودية ونقوم حاملين إمكانية الحياة الجديدة، لنحيا كما يليق كأبناء للنور، وأعضاء جسد المسيح القدوس. لا يليق بنا أن ننزل بعد إلى ظلمة الخطية، ولا أن نعتذر بضعفنا البشري لأننا نحمل فينا نور الرب ويشرق علينا مجده. لا نصير بعد أرضًا مظلمة بل سماء تحتضن مجد الله وبهاءه.
هذه هي سمة الكنيسة كحياة جديدة في المسيح، الساكن فيها، يشرق عليها ببره الإلهي، فيقال عنا: "فليضئ نوركم قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات" (مت 5: 16).
* عندما يمارسون الإلهيات وينطقون بها، ويعيشون الحياة الإلهية، هازمين قساوة القلب ومتمتعين بسلام البر، يلاحقهم مجد عظيم في كنيسة المسيح.
القديس أغسطينوس
إذ جاء السيد المسيح إلى العالم ليقتني البشرية عروسًا له يسكب مجده وبهاءه في داخلها؛ يهبها روحه القدوس لكي يُزينها ويُجمِلّها لتتهيأ بالمجد الداخلي للعرس السماوي الأبدي. فيُقال لها: "اسمعي يا ابنتي وانظري وأميلي أذنك وأنسي شعبك وبيت أبيك، فيشتهي الملك حسنك، لأنه هو سيدك فاسجدي له... كل مجدٌ ابنة الملك في خدرها" (مز 45: 10-13).
2. جذابة للأمم:

3 فَتَسِيرُ الأُمَمُ فِي نُورِكِ، وَالْمُلُوكُ فِي ضِيَاءِ إِشْرَاقِكِ. 4 «اِرْفَعِي عَيْنَيْكِ حَوَالَيْكِ وَانْظُرِي. قَدِ اجْتَمَعُوا كُلُّهُمْ. جَاءُوا إِلَيْكِ. يَأْتِي بَنُوكِ مِنْ بَعِيدٍ وَتُحْمَلُ بَنَاتُكِ عَلَى الأَيْدِي. 5 حِينَئِذٍ تَنْظُرِينَ وَتُنِيرِينَ وَيَخْفُقُ قَلْبُكِ وَيَتَّسِعُ، لأَنَّهُ تَتَحَوَّلُ إِلَيْكِ ثَرْوَةُ الْبَحْرِ، وَيَأْتِي إِلَيْكِ غِنَى الأُمَمِ. 6 تُغَطِّيكِ كَثْرَةُ الْجِمَالِ، بُكْرَانُ مِدْيَانَ وَعِيفَةَ كُلُّهَا تَأْتِي مِنْ شَبَا. تَحْمِلُ ذَهَبًا وَلُبَانًا، وَتُبَشِّرُ بِتَسَابِيحِ الرَّبِّ. 7 كُلُّ غَنَمِ قِيدَارَ تَجْتَمِعُ إِلَيْكِ. كِبَاشُ نَبَايُوتَ تَخْدِمُكِ. تَصْعَدُ مَقْبُولَةً عَلَى مَذْبَحِي، وَأُزَيِّنُ بَيْتَ جَمَالِي. 8 مَنْ هؤُلاَءِ الطَّائِرُونَ كَسَحَابٍ وَكَالْحَمَامِ إِلَى بُيُوتِهَا؟ 9 إِنَّ الْجَزَائِرَ تَنْتَظِرُنِي، وَسُفُنَ تَرْشِيشَ فِي الأَوَّلِ، لِتَأْتِيَ بِبَنِيكِ مِنْ بَعِيدٍ وَفِضَّتُهُمْ وَذَهَبُهُمْ مَعَهُمْ، لاسْمِ الرَّبِّ إِلهِكِ وَقُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّهُ قَدْ مَجَّدَكِ.

مجد الله الداخلي في النفس جذّاب، يقتنص النفوس لمملكته الروحية. فأنه إذ تصير كنيسة العهد الجديد مدينة منيرة تجتذب الأمم، وكما يقول الرب نفسه: "أنتم نور العالم، لا يمكن أن تُخفى مدينة موضوعة على جبل، ولا يوقدون سراجًا ويضعونه تحت المكيال بل على المنارة فيضئ لجميع الذين في البيت، فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات" (مت 5: 14-16). هذا تحقيق لما جاء في إشعياء النبي: "فتسير الأمم في نورك والملوك في ضياء إشراقك" [3].
تصير الكنيسة كعريسها عمود نور الحق الذي يقود الأمم في طريق الرب ويقيم فيهم ملوكًا روحيين أصحاب سلطان داخلي.
تتطلع الكنيسة حواليها لتنظر من كل جانب عمل الله العجيب، يجتذب من كل الأمم أولادًا وبنات لها، يأتون من بعيد ليصيروا أهل بيت الرب المكرمين، المحمولين على الأيدي [14].
تظهر قوة المسيح القائم من الأموات في حياة كنيسته بتحويل الطاقات (ثروة الأمم) لحساب ملكوته، إذ قيل لعروسه: "حينئذ تنظرين وتنيرين ويخفق قلبكِ ويتسع لأنه تحوَّل إليكِ ثروة البحر ويأتي إليك غنى الأمم" [5]...
ما هي ثروة أو غنى الأمم التي تتقدس لحساب كنيسة المسيح؟
أ. ثروة البحر [5]، أي الأسماك واللؤلؤ. لقد حسب آباء الكنيسة الأولى السيد المسيح هو "السمكة" (أخسوس ἰχθύς)، وأما المؤمنون فهم السمك الذي يعيش مع السيد المسيح وفيه (حز 47: 9).
يقول العلامة ترتليان: [نحن السمك الصغير بحسب سمكتنا يسوع المسيح قد وُلدنا في المياه، ولا نكون في أمان بطريق ما غير بقائنا في المياه على الدوام].
ب. ذهب ولبان تحمله الجمال من مديان وشبا لا للتجارة، لكنه يُقدم هدية لصهيون. . كما قدم المجوس ذهبًا ولبانًا ومرًا للسيد المسيح علامة ملكه وأنه إله يُقدم البخور، ومتألم؛ هكذا يصير أعضاء جسده ملوكًا يقدمون اللبان كبخور طيب للمخلص.
ج. تقديم ذبائح مقبولة لخدمة بيت الرب وزينته [7-8]، هذه الذبائح هي حياتنا وأجسادنا وكل طاقاتنا التي تلتحم بالذبيح الفريد، فتصير محرقات حب مرفوعة خلال الصليب. يقول الرسول: "فاطلب إليكم أيها الأخوة برأفة الله أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله عبادتكم العقلية" (رو 12: 1). تقدماتنا للرب هي "نفوسنا" ذاتها كقول القديس جيروم.
د. لعل أجمل ما نقدمه لصهيون هو تمتعنا بالقدرة على الطيران كسحاب يحملنا روح الرب نحو السمويات فنعيش مع مسيحنا في أمجاده كما في بيتنا الخاص. "من هؤلاء الطائرون كسحاب وكالحمام إلى بيوتها؟!" [8].
سيأتي الرب في اليوم الأخير على سحاب (مت 24: 30)، يأتي محمولًا على قديسيه السحاب الخفيف المنير (إش 19: 1)... كأن تشبيهنا بالسحاب يعني أننا صرنا عرشًا نحمل مسيحنا؛ أما تشبيهنا بالحمام فيعني أننا صرنا روحيين، لأن الروح القدس ظهر أثناء عماد الرب كحمامة. بمعنى آخر أن ارتباطنا بكنيسة الله يصيّرنا عرشًا للرب حاملين ثمار روحه القدوس.
جاء في الترجمة السبعينية: "من هؤلاء الطائرون كسحاب وكالحمام مع صغارهم؟!" يرى القديس غريغوريوس النيصيأن هذه العبارة النبوية تعلن من بعيد عن الكنيسة القادمة بأطفالها المملوءين جمالًا الكثيري العدد.
يقارن القديس غريغوريوس النيصي بين أولاد الكنيسة الحقيقيين الذين في خفة الروح يطيرون كالحمام والسحاب وبين الأشرار الذين بسبب ثقل الخطية يغطسون كما في مياه عميقة. [يسير الواحد خفيفًا بما فيه الكفاية بينما يغطس الآخر في مياه عميقة. لأن الفضيلة خفيفة تطفو، وكل الذين يعيشون في طريقها يطيرون كالسحاب ومثل الحمام مع صغارهم كقول إشعياء؛ وأما الخطية فثقيلة؛ وكما يقول نبي آخر أنها تجلس على وزنة من الرصاص (زك 5: 7)].
ه. الفضة مع الذهب [9]. إن كانت الفضة تُشير إلى كلمة الله (مز 12: 6) فان الذهب يُشير إلى الحياة السماوية النقية؛ وكأن غنى الكنيسة القادمة من الأمم يكمن في تمسكها بكلمة الله وتمتعها بالفكر السماوي.
3. مدينة مجيدة:

10 «وَبَنُو الْغَرِيبِ يَبْنُونَ أَسْوَارَكِ، وَمُلُوكُهُمْ يَخْدِمُونَكِ. لأَنِّي بِغَضَبِي ضَرَبْتُكِ، وَبِرِضْوَانِي رَحِمْتُكِ. 11 وَتَنْفَتِحُ أَبْوَابُكِ دَائِمًا. نَهَارًا وَلَيْلًا لاَ تُغْلَقُ. لِيُؤْتَى إِلَيْكِ بِغِنَى الأُمَمِ، وَتُقَادَ مُلُوكُهُمْ. 12 لأَنَّ الأُمَّةَ وَالْمَمْلَكَةَ الَّتِي لاَ تَخْدِمُكِ تَبِيدُ، وَخَرَابًا تُخْرَبُ الأُمَمُ. 13 مَجْدُ لُبْنَانَ إِلَيْكِ يَأْتِي. السَّرْوُ وَالسِّنْدِيَانُ وَالشَّرْبِينُ مَعًا لِزِينَةِ مَكَانِ مَقْدِسِي، وَأُمَجِّدُ مَوْضِعَ رِجْلَيَّ. 14 «وَبَنُو الَّذِينَ قَهَرُوكِ يَسِيرُونَ إِلَيْكِ خَاضِعِينَ، وَكُلُّ الَّذِينَ أَهَانُوكِ يَسْجُدُونَ لَدَى بَاطِنِ قَدَمَيْكِ، وَيَدْعُونَكِ: مَدِينَةَ الرَّبِّ، «صِهْيَوْنَ قُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ. 15 عِوَضًا عَنْ كَوْنِكِ مَهْجُورَةً وَمُبْغَضَةً بِلاَ عَابِرٍ بِكِ، أَجْعَلُكِ فَخْرًا أَبَدِيًّا فَرَحَ دَوْرٍ فَدَوْرٍ. 16 وَتَرْضَعِينَ لَبَنَ الأُمَمِ، وَتَرْضَعِينَ ثُدِيَّ مُلُوكٍ، وَتَعْرِفِينَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ مُخَلِّصُكِ وَوَلِيُّكِ عَزِيزُ يَعْقُوبَ. 17 عِوَضًا عَنِ النُّحَاسِ آتِي بِالذَّهَبِ، وَعِوَضًا عَنِ الْحَدِيدِ آتِي بِالْفِضَّةِ، وَعِوَضًا عَنِ الْخَشَبِ بِالنُّحَاسِ، وَعِوَضًا عَنِ الْحِجَارَةِ بِالْحَدِيدِ، وَأَجْعَلُ وُكَلاَءَكِ سَلاَمًا وَوُلاَتَكِ بِرًّا. 18 «لاَ يُسْمَعُ بَعْدُ ظُلْمٌ فِي أَرْضِكِ، وَلاَ خَرَابٌ أَوْ سَحْقٌ فِي تُخُومِكِ، بَلْ تُسَمِّينَ أَسْوَارَكِ: خَلاَصًا وَأَبْوَابَكِ: تَسْبِيحًا. 19 لاَ تَكُونُ لَكِ بَعْدُ الشَّمْسُ نُورًا فِي النَّهَارِ، وَلاَ الْقَمَرُ يُنِيرُ لَكِ مُضِيئًا، بَلِ الرَّبُّ يَكُونُ لَكِ نُورًا أَبَدِيًّا وَإِلهُكِ زِينَتَكِ. 20 لاَ تَغِيبُ بَعْدُ شَمْسُكِ، وَقَمَرُكِ لاَ يَنْقُصُ، لأَنَّ الرَّبَّ يَكُونُ لَكِ نُورًا أَبَدِيًّا، وَتُكْمَلُ أَيَّامُ نَوْحِكِ. 21 وَشَعْبُكِ كُلُّهُمْ أَبْرَارٌ. إِلَى الأَبَدِ يَرِثُونَ الأَرْضَ، غُصْنُ غَرْسِي عَمَلُ يَدَيَّ لأَتَمَجَّدَ. 22 اَلصَّغِيرُ يَصِيرُ أَلْفًا وَالْحَقِيرُ أُمَّةً قَوِيَّةً. أَنَا الرَّبُّ فِي وَقْتِهِ أُسْرِعُ بِهِ».

أ. "وبنو الغريب يبنون أسواركِ وملوكهم يخدمونك" [10]. يُشير هنا إلى كورش الغريب الجنس الذي أمر برجوع المسبيين وأعطى نحميا التسهيلات لبناء السور.
الله في محبته يستخدم كل الطاقات الغريبة لحساب بناء ملكوته، مقدمًا كل صلاح من أجل كنيسته؛ وهذا هو مجد الكنيسة الحق: تقديس كل عمل!
ب. جمال الكنيسة ينصب في فتح أبوابها دائمًا، "نهارًا وليلًا لا تغلق" [11]. لا ترد خاطئًا ولا تجرح مشاعره؛ تحمل قلبًا متسعًا بالحب كعريسها نحو الجميع.
إنها كسفينة نوح أبوابها متسعة، قبلت نوح وعائلته والحيوانات والطيور إلخ... من كان بداخلها خلص، أما من رفض فهلك. "لأن الأمة والمملكة التي لا تخدمك تبيد وخرابًا تخرب الأمم" [12]. وكما يقول الشهيد كبريانوس: [إنه لا خلاص خارج الكنيسة].
ج. "مجد لبنان إليكِ يأتي، السرو والسنديان والشربين معًا لزينة مكان مقدسي وأُمجد موضع رجليّ" [13]. لقد عُرفت لبنان بشجرها الممتاز، لذا تحول ثروتها الخشبية لاستخدامها في تزيين هيكل الرب. صورة رائعة لتحويل الطاقات الخاملة أو التي أُسيء استخدامها لحساب هيكل الرب.
د. التمتع بسلطان روحي حيث تخضع قوات الظلمة تحت أقدام المؤمنين. "وبنو الذين قهروكِ يسيرون إليك خاضعين، وكل الذين أهانوكِ يسجدون لدى باطن قدميكِ ويدعونك مدينة الرب صهيون قدوس إسرائيل" [14]. حتى عدو الخير بكل طاقاته يشهد للمؤمنين أنهم مدينة الله المقدسة. لا يستطيع الأشرار إلاَّ أن يشهدوا لأولاد الله عن قدسية حياتهم حتى في لحظات اضطهادهم لهم.
ه. تمتعها بالفرح الدائم الأبدي: "عوضًا عن كونكِ مهجورة ومُبغَضة بلا عابر بك أجعلك فخرًا أبديًا فرح دور فدور" [15]. هذا هو فخرها الأبدي أنها ليست بعد مهجورة ولا تعاني من حالة فراغ أو عزلة أو بغضة الغير لها بل تمتلئ فرحًا فتصير مجيدة إلى الأبد.
و. يهبها الله أكثر مما تطلب وفوق ما تسأل، فإن سألت نحاسًا يهبها ذهبًا، وأن طلبت حديدًا يهبها فضة وعوض الخشب يُقدم لها نحاسًا، وبدل الحجارة حديدًا... هكذا تجد في الله شبعها الداخلي وأيضًا سرّ غناها الروحي وشبع كل احتياجاتها.
ز. يسكن العدل فيها لذلك "لا يُسمع بعد ظلم في أرضك، ولا خراب أو سحق في تخومك بل تُسمين أسوارك خلاصًا وأبوابك تسبيحًا" [18]. كل إنسان يجد فيها خلاصه وسرّ تسبيحه وفرحه، لأن الله العادل فيها يهب عدلًا وبرًا، ولا يسمح بظلم أو خراب أو سحق أن يُمارس في داخلها.
ح. بكونها أيقونة السماء لا تحتاج إلى شمس أو قمر لإضاءتها "بل الرب يكون لكِ نورًا أبديًا وإلهك زينتك" [19].
ط. التمتع بالحياة البارة [21].
ي. التمتع بقوة الله الفائقة "الصغير يصير ألفًا، والحقير أمة قوية" [22]. الإنسان بذاته يُحسب صغيرًا أما كعضو في جسد المسيح فيُحسب ألفًا أي سماويًا، لأن رقم 1000 يُشير إلى السماء. خارج المسيح يحسب حقيرًا يلهو به عدو الخير وتحطمه الخطية، أما في المسيح يسوع فيصير أمة قوية. يصير "أمة" إذ يحمل طاقات مقدسة للروح والجسد تعمل معًا بانسجام وفي وحدة، تحمل قوة روح الرب فيها.
هكذا يُقدم لنا هذا الأصحاح صورة حيَّة عن كنيسة السيد المسيح بكونها المدينة المنيرة الحاملة إشراقات السيد المسيح فيها، تجتذب الأمم والشعوب خلال مجدها الداخلي، وتقدس كل طاقاتها وإمكانياتهم التي أساءوا استخدامها تفتح أبوابها أمام الجميع بالحب، ويفتح الرب أبوابه أمامها ليهبها أكثر مما تطلب وفوق ما تسأل، يهبها بره وعدله وقوته وجماله ونوره فلا يُعوزها شيء!


الحيَاة الجديدة



يقدم لنا السيد المسيح برنامجًا حيًا لعمله الخلاصي فقد جاء من أجل المساكين ومنكسري القلب والمسبيين وكل النائحين ليهب عزاءً ومجدًا خلال التجديد الذي يهبه للمؤمنين به ليقيمهم كهنة وملوكًا له ويختارهم عروسًا روحية مقدسة له.

1. برنامج المسيح الخلاصي:

1 رُوحُ السَّيِّدِ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّ الرَّبَّ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَعْصِبَ مُنْكَسِرِي الْقَلْبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَسْبِيِّينَ بِالْعِتْقِ، وَلِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ. 2 لأُنَادِيَ بِسَنَةٍ مَقْبُولَةٍ لِلرَّبِّ، وَبِيَوْمِ انْتِقَامٍ لإِلَهِنَا. لأُعَزِّيَ كُلَّ النَّائِحِينَ. 3 لأَجْعَلَ لِنَائِحِي صِهْيَوْنَ، لأُعْطِيَهُمْ جَمَالًا عِوَضًا عَنِ الرَّمَادِ، وَدُهْنَ فَرَحٍ عِوَضًا عَنِ النَّوْحِ، وَرِدَاءَ تَسْبِيحٍ عِوَضًا عَنِ الرُّوحِ الْيَائِسَةِ، فَيُدْعَوْنَ أَشْجَارَ الْبِرِّ، غَرْسَ الرَّبِّ لِلتَّمْجِيدِ.

يقدم لنا السيد المسيح على لسان إشعياء النبي برنامجًا حيًا عن عمله الخلاصي، يعرضه في إيجاز مع عمق، وهو:
1. تمتع البشرية بالروح القدس الذي يُجدد الطبيعة البشرية ويغنيها، ينزع عنها فسادها ويهبها الحياة الجديدة التي في المسيح يسوع فتنعم بشركة الحياة الإلهية... هذه العطية قُدمت لنا في شخص السيد المسيح القائل: "روح السيد الرب عليّ" [1]. كما سبق فقلنا في تفسير الأصحاح الحادي عشر أن الروح القدس هو روح الابن، ليس غريبًا عن المسيح، لكنه بالتجسد قبل حلوله عليه باسم الكنيسة ولحساب المؤمنون به:
* لقد فارق الروح القدس الإنسان لأنه لم يكن قادرًا على أن يحل في الفساد، ولكن الآن ظهر إنسان جديد بين البشر وهو وحده الذي يجعل عودة الروح ممكنة، لأن هذا الإنسان بدون خطيئة.
* لقد وعد الله أن يعطي الروح مرة ثانية للبشرية... ولم تكن هناك طريقة أخرى يمكن بها إعادة هذه النعمة إلى الإنسانية بدون مفارقة سوى في يسوع المسيح... إنها عودة أبدية سببها حالة الاستقرار والثبات.
* لقد منح المسيح الروح القدس لناسوته، وبذلك جعل الروح يتآلف من جديد مع طبيعتنا.
* إن عودة الروح القدس للإنسان في المسيح، الإله المتجسد، آدم الثاني، عودة أبدية. فالروح القدس حلّ على آدم الثاني لبرِّه. والبرّ في المسيح برّ ثابت، لأن اتحاد اللاهوت بالناسوت في شخص المسيح ثابت... وهذا ضمان ثابت للبشرية واستقرارها في الحياة الجديدة.
القديس كيرلس الكبير


* اسم "المسيح" يحمل ضمنًا ذاك الذي يمسح والممسوح والمسحة ذاتها. الآب هو الذي يمسح، والابن يُمسح، والروح هو المسحة.
القديس إيريناؤس
* أضاء الروح القدس في كمال وجوده عليه، فالشبيه يستقر بالشبيه. أما بالنسبة لكم فبعدما صعدتم من جرن المياه المقدسة وُهبت لكم المسحة التي هي رمز لما مُسح به المسيح؛ هذا هو الروح القدس.
القديس كيرلس الأورشليمي
إذ دُفع إلى السيد المسيح سفر إشعياء قرأ هذا الفصل، "ثم طوى السفر وسلمه إلى الخادم وجلس... فابتدأ يقول لهم: إنه اليوم قد تمّ هذا المكتوب في مسامعكم" (لو 4: 17-21).
2. جاء السيد المسيح ليُفرِّح قلوب المساكين بإنجيل خلاصه، ويعصب منكسري القلوب ويهب حريته للمسبيين... حاسبًا مجيئه سنة يوبيل حقيقية مقبولة لدى الرب وواهبة عزاء للنائحين (إش 61: 2، لا 25: 9، 40).
3. مجيئه "يوم انتقام لإلهنا" [2]، حيث حطّم سلطان قوات الظلمة، إبليس وملائكته وأعماله الشريرة.
4. يُقيم الرب المؤمنين كأشجار برّ أو غروس الرب في الفردوس الإلهي [3]، تحمل جمالًا عوض الرماد، ودهن فرح عوض النوح، ورداء تسبيح عوض الروح اليائسة؛ أي يسكب علينا جماله وفرحه وتسبيحه عوض المذلة والنوح واليأس!


2. الحياة الكنسية الجديدة:

4 وَيَبْنُونَ الْخِرَبَ الْقَدِيمَةَ. يُقِيمُونَ الْمُوحِشَاتِ الأُوَلَ، وَيُجَدِّدُونَ الْمُدُنَ الْخَرِبَةَ، مُوحِشَاتِ دَوْرٍ فَدَوْرٍ. 5 وَيَقِفُ الأَجَانِبُ وَيَرْعَوْنَ غَنَمَكُمْ، وَيَكُونُ بَنُو الْغَرِيبِ حَرَّاثِيكُمْ وَكَرَّامِيكُمْ. 6 أَمَّا أَنْتُمْ فَتُدْعَوْنَ كَهَنَةَ الرَّبِّ، تُسَمَّوْنَ خُدَّامَ إِلهِنَا. تَأْكُلُونَ ثَرْوَةَ الأُمَمِ، وَعَلَى مَجْدِهِمْ تَتَأَمَّرُونَ.

رسالة السيد المسيح الذي مسحه الآب ليبشر للمساكين هي "تجديد المدن الخربة" التي صارت موحشة عبر الأجيال. لقد صارت الطبيعة البشرية في كل الأجيال أشبه بالمدن الخربة تحتاج إلى هدم وإعادة بناء. هذا هو عمل الله الخالق الذي يُقيم ملكوته فينا، فيحوّلنا بروحه القدوس من مسكن للخطية والشر إلى مقدس للرب. أما الأجانب الذين يرعون غنمنا، وبنو الغريب الذين يقومون بحراسة أرضنا والعمل ككرامين في حديقتنا، فهم طاقات النفس الداخلية ودوافعها التي صارت كمن هي أجنبية وغريبة عن الرب وملكوته. إنها تخضع من جديد فلا تصير عثرة في طريق خلاصنا بل على العكس معينًا للنفس تسندها في جهادها. وذلك كما فعل الشعب العبراني قديمًا حين حملوا الذهب والفضة والثياب الفاخرة من المصريين واستخدموها في إقامة خيمة الاجتماع بدلًا من استخدامها في عبادة الأوثان في مصر.
يقول: "تُدعَون كهنة للرب" [6]، ذلك لأننا إذ نحمل الطبيعة الجديدة خلال المعمودية نصير روحيًا كهنة، نرفع أيدينا للصلاة ونقدم أجسادنا ذبيحة حب مقبولة لدى الآب. هذا الكهنوت يدعوه القديس إيرونيموس"الكهنوت الشعبي Laic Priesthood".
3. الحياة الكنسية المجيدة:

7 عِوَضًا عَنْ خِزْيِكُمْ ضِعْفَانِ، وَعِوَضًا عَنِ الْخَجَلِ يَبْتَهِجُونَ بِنَصِيبِهِمْ. لِذلِكَ يَرِثُونَ فِي أَرْضِهِمْ ضِعْفَيْنِ. بَهْجَةٌ أَبَدِيَّةٌ تَكُونُ لَهُمْ. 8 «لأَنِّي أَنَا الرَّبُّ مُحِبُّ الْعَدْلِ، مُبْغِضُ الْمُخْتَلِسِ بِالظُّلْمِ. وَأَجْعَلُ أُجْرَتَهُمْ أَمِينَةً، وَأَقْطَعُ لَهُمْ عَهْدًا أَبَدِيًّا. 9 وَيُعْرَفُ بَيْنَ الأُمَمِ نَسْلُهُمْ، وَذُرِّيَّتُهُمْ فِي وَسَطِ الشُّعُوبِ. كُلُّ الَّذِينَ يَرَوْنَهُمْ يَعْرِفُونَهُمْ أَنَّهُمْ نَسْلٌ بَارَكَهُ الرَّبُّ».

يهب الله كنيسته فيضًا من المجد الداخلي والتعزيات السماوية والفرح الدائم.
أ. مكافأة مضاعفة عوض المتاعب القديمة: "عوضًا عن خزيكم ضعفان، وعوضًا عن الخجل يبتهجون بنصيبهم، لذلك يرثون في أرضهم ضعفين" [7].
ما هي المكافأة المضاعفة التي نتمتع بها عوضًا عن خزينا؟ التمتع بغفران خطايانا، ونوال برّ المسيح؛ بمعنى آخر نزع خزي الخطية والتمتع بمجد المسيح فينا؛ العفو عنا كعبيد عصاة وقبولنا كأبناء لله في المسيح يسوع الابن الوحيد الجنس.
لم يقف عمل المسيح الكفاري عند إيفاء الدين الذي أثقل كاهلنا، وإنما قدم لنا بره لنشاركه مجده؛ يقول الرسول: "لأنكم قد مُتُّم وحياتكم مستترة مع المسيح في الله، متى أظهر المسيح حياتنا فحينئذ تظهرون أنتم أيضًا معه في المجد" (كو 3: 3-4).


لعله أيضًا يقصد بالميراث المضاعف القيامتين: القيامة الأولى التي ننالها هنا في حياتنا الزمنية إذ ننعم بالحياة المقامة، والقيامة الثانية حين يأتي رب المجد على السحاب لنقوم معه ونوجد معه في المجد.
وكما يقول القديس أغسطينوس: [نحن الذين متنا موتًا مزدوجًا (موت النفس والجسد)، نقوم قيامة مزدوجة. حتى الآن نحن قمنا قيامة واحدة، وهي القيامة من الخطية، لأننا دُفنا معه في المعمودية، وقمنا معه خلال المعمودية بالقيامة. هذه القيامة هي الخلاص من خطايانا؛ وأما القيامة الأخرى فهي قيامة الجسد. هو أعطانا القيامة العظمى، وها نحن ننتظر الأقل! القيامة الأولى أعظم من الثانية، إذ خلاصنا من خطايانا أعظم من قيامة الجسد].
إن كانت سمة مملكة إبليس الأنانية التي تجلب الكراهية فأن خزينا الذي سقطنا فيه هو اتسامنا بالأنانية القاتلة، عوض هذا الخزي صار لنا الميراث المضاعف أي الحب من جانبيه المتكاملين، حب الله وحب القريب.
وكأن عمل المسيح فينا أن يُحطم الأنا ليهبنا حبًا فائقًا لله ولخليقته.
ب. "بهجة أبدية تكون لهم" [7]؛ ما دامت الحياة الكنسية هنا هي عربون الحياة السماوية، تتسم بالمجد المضاعف عوض الخزي، وبالحب عوض الأنانية... فإنها تحمل بهذا طبيعة الفرح والبهجة! سرّ فرحنا أننا نحمل مسيحنا فينا، ليُقيم ملكوته السماوي المفرح في أعماقنا.
ج. "وأقطع لهم عهدًا أبديًا" [8]... كثيرًا ما يكرر سفر إشعياء الحديث عن هذا العهد بين الله وكنيسته المعلن في جسد المسيح المصلوب كسرّ مصالحة أبدية.
د. بركة في ثمارهم الروحية كما نسلهم: "ويُعرف بين الأمم نسلهم، وذريتهم وسط الشعوب، كل الذين يرونهم أنهم نسل باركه الرب" [9]...
ما هو هذا النسل المبارك الذي يعرفه الأمم؟
لا يقصد أولادنا حسب الجسد، وإنما بالأكثر الذين يتتلمذون للرب خلالنا، والذين يتعرفون على الخلاص وينالون الميلاد الجديد خلال شهادتنا الحية لإنجيل خلاصنا.
وربما عَنَى بالنسل والذرية الأعمال المقدسة التي هي ثمار روح الله القدوس فينا، وعطية نعمته المجانية في حياتنا.
4. حياة زوجية مفرحة:

10 فَرَحًا أَفْرَحُ بِالرَّبِّ. تَبْتَهِجُ نَفْسِي بِإِلهِي، لأَنَّهُ قَدْ أَلْبَسَنِي ثِيَابَ الْخَلاَصِ. كَسَانِي رِدَاءَ الْبِرِّ، مِثْلَ عَرِيسٍ يَتَزَيَّنُ بِعِمَامَةٍ، وَمِثْلَ عَرُوسٍ تَتَزَيَّنُ بِحُلِيِّهَا. 11 لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الأَرْضَ تُخْرِجُ نَبَاتَهَا، وَكَمَا أَنَّ الْجَنَّةَ تُنْبِتُ مَزْرُوعَاتِهَا، هكَذَا السَّيِّدُ الرَّبُّ يُنْبِتُ بِرًّا وَتَسْبِيحًا أَمَامَ كُلِّ الأُمَمِ.

الحياة الكنسية الحقة هي حياة عرس دائم مملوء فرحًا وبهجة بلا انقطاع، خلاله نرتدي ثوب الخلاص كثوب العرس الأبدي، أو كثوب كهنوتي عام...
"فرحًا أفرح بالرب، تبتهج نفسي بإلهي لأنه قد ألبسني ثياب الخلاص، كساني رداء البرّ مثل عريس يتزين بعمامة (تاج) ومثل عروس تتزين بحُليها" [10].
في بعض الكنائس التقليدية يردد الكاهن العبارة السابقة عند ارتدائه الثياب الكهنوتية للاشتراك في قداس الأفخارستيا، حاسبًا أنه يتقدم لسرّ الأفخارستيا كما إلى عرس مفرح، يحتاج إلى ارتداء ثياب الخلاص الخفية ورداء البر وزينة الروح... ما هو هذا الثوب إلاَّ السيد المسيح نفسه؟! يلبسه المؤمنون عند تمتعهم بمياه المعمودية (غل 3: 27).
* حقًا المسيح هو زينة العروس، هذا الذي هو الكائن والذي كان والذي يأتي، المبارك الآن وإلى الأبد، أمين.
القديس غريغوريوس النيسي
*الآن (بعد العماد) إذ خلعتم ثيابكم القديمة ولبستم الثياب البيضاء روحيًا، يليق بكم أن تستمروا في ارتداء ما هو أبيض. بالطبع لا نقصد بهذا أن تلبسوا ثوبًا أبيض على الدوام، إنما أن تلتحفوا بثياب بيضاء بالحق، مضيئة روحيًا، فتقولون مع الطوباوي إشعياء: "تبتهج نفسي بإلهي لأنه قد ألبسني ثياب الخلاص...".
* احفظوا اليوم المقدس، مرتدين ثوب الخلاص، يسوع المسيح.
القديس كيرلس الأورشليمي


لقد أوضح النبي ماذا يعني بثياب الخلاص، قائلًا: "لأنه كما أن الأرض تخرج نباتها، وكما أن الجنة تنبت مزروعاتها هكذا السيد الرب ينبت برًّا وتسبيحًا أمام كل الأمم" [11]، وكأن ثياب الخلاص هو برّ المسيح وتسبيحه الذي يهبه لنا عطية مجانية من عندياته.


الكنيسة عروس المسيح



يعلن الله عن غيرته على صهيون الجديدة، كنيسة العهد الجديد، بقبولها عروسًا مقدسة تحمل اسمًا جديدًا، وتتمتع بمجد عريسها السماوي، يحرسها بجنوده السماويين ويجعل من حياتها سرّ فرح وتهليل للبشرية...

1. اسم جديد وحياة مجيدة:

1 مِنْ أَجْلِ صِهْيَوْنَ لاَ أَسْكُتُ، وَمِنْ أَجْلِ أُورُشَلِيمَ لاَ أَهْدَأُ، حَتَّى يَخْرُجَ بِرُّهَا كَضِيَاءٍ وَخَلاَصُهَا كَمِصْبَاحٍ يَتَّقِدُ. 2 فَتَرَى الأُمَمُ بِرَّكِ، وَكُلُّ الْمُلُوكِ مَجْدَكِ، وَتُسَمَّيْنَ بِاسْمٍ جَدِيدٍ يُعَيِّنُهُ فَمُ الرَّبِّ. 3 وَتَكُونِينَ إِكْلِيلَ جَمَال بِيَدِ الرَّبِّ، وَتَاجًا مَلِكِيًّا بِكَفِّ إِلهِكِ.

"من أجل صهيون لا أسكت ومن أجل أورشليم لا أهدأ حتى يخرج برّها كضياء، وخلاصها كمصباح يتقد، فترى الأمم برّك، وكل الأمم مجدك، وتسمين باسم جديد يُعيّنه فم الرب" [1-2].
المتحدث هنا هو كلمة الله الذي تحتل الكنيسة مركز قلبه، فقد جاء إلى العالم ليخطبها لنفسه عروسًا أبدية. إن كان بوعز لم يهدأ حتى يتمم أمر زواجه براعوث الأممية (را 3: 18)، فإن السيد المسيح لا يتوقف عن العمل الدائم حتى يضم إلى نفسه الكنيسة التي اقتناها بدمه الثمين عروسًا له. إنه شمس البر الذي يشرق عليها فتحمل بره برًا لها. وتتمتع بالبهاء وتصير مصباحًا روحيًا لا تقدر كل رياح العالم أن تطفئه. يُناجيها قائلًا: "وجملتِ جدًا جدًا فصلحتِ لمملكة، وخرج لكِ اسم في الأمم لجمالك لأنه كان كاملًا ببهائي الذي جعلته عليكِ يقول السيد المسيح" (حز 16: 13-14).
يهبها السيد المسيح بهاءه داخلها ومجده مجدًا لها فتتمتع بالتجديد الذي يشمل حتى الاسم علامة التجديد الكامل: "وتسمين باسم جديد يعينه فم الرب". فإنه إذ جاء السيد المسيح وقدم لنا بروحه القدوس تجديدًا حملنا اسمه كاسم جديد وصرنا "مسيحيين".
لهذاكان المدافعون الأولون مثل الفيلسوف أثيناغوراس يقول: [إن الاتهام الحقيقي الذي كان موجهًا ضد المسيحيين هو اتهام "الاسم". فكان الاضطهاد عنيفًا ضدهم ليس لأجل جريمة ارتكبوها،
وإنما لأجل الاسم الذي حملوه.


تمتعت كنيسة العهد الجديد بالانتساب إلى اسم المخلص كمصدر حيّ للتمتع ببره الفائق كسرّ جمال لها: "وتكونين إكليل جمال بيد الرب، وتاجًا ملكيًا بكف إلهكِ" [3]. يدعوها الرب "إكليل جمال" و"تاجًا ملوكيًا" لا لتوضع على رأس الرب لأنه لا يحتاج إلى كرامة إضافية، إنما هي في يده؛ هي عمل يديه، مجدها من صنعه هو. يعتز بها ويبقى هو الرأس وهي جسده المجيد.
2. عروس سماوية:

4 لاَ يُقَالُ بَعْدُ لَكِ: «مَهْجُورَةٌ»، وَلاَ يُقَالُ بَعْدُ لأَرْضِكِ: «مُوحَشَةٌ»، بَلْ تُدْعَيْنَ: «حَفْصِيبَةَ»، وَأَرْضُكِ تُدْعَى: «بَعُولَةَ». لأَنَّ الرَّبَّ يُسَرُّ بِكِ، وَأَرْضُكِ تَصِيرُ ذَاتِ بَعْلٍ. 5 لأَنَّهُ كَمَا يَتَزَوَّجُ الشَّابُّ عَذْرَاءَ، يَتَزَوَّجُكِ بَنُوكِ. وَكَفَرَحِ الْعَرِيسِ بِالْعَرُوسِ يَفْرَحُ بِكِ إِلهُكِ.

أحد الأسماء الجديدة التي تمتعت بها الكنيسة هي "عروس المسيح". "لا يُقال بعد لكِ مهجورة، ولا يُقال بعد لأرضك موحشة، بل تدعين حفصيبة وأرضك تُدعى بعولة، لأن الرب يُسر بك وأرضك تصير ذات بعل؛ لأنه كما يتزوج الشاب عذراء يتزوجك بنوك، وكفرح العريس بالعروس يفرح بك إلهك" [4-5].
خارج المسيح المخلص كانت تدعى "مهجورة" و"موحشة"، كأرض قفر بلا حياة ولا ثمر وكفتاة هجرها الكل فصارت نفسًا خربة يُحطمها الشعور بالعزلة والترك. الآن بالمسيح صارت عروسًا أبدية سماوية لذا حملت لقبين مكرمين عوض الاسمين القديمين: "حفصيبة" وتعني "مسرتي بها" و"بعولة" أي "ذات البعل" أو "متزوجة"؛ صارت موضع سرور الله تعيش في حضن عريسها السماوي.
يحب بنوها أرضها ويعملون بسرور وبهجة كأنهم متزوجون الكنيسة، يعملون لحسابها لا كعبيد ولا كأجراء ينتظرون المكافأة وإنما كبعل يُسر بعروسه يطلب راحتها وترفها... هذه هي سمة أولاد الله الذين بفرح يكرسون قلوبهم وأفكارهم وطاقاتهم للعمل في كنيسة المسيح.
يلاحظ أن هذه العروس فريدة وعجيبة من جهة الآتي:
أ. أنها عذراء وأم لها بنين في نفس الوقت، الأمر الذي لن يتحقق في حياة أية فتاة، لكنه تحقق في القديسة العذراء مريم والدة الإله. فقد ولدت يسوع رب المجد وبقيت دائمة البتولية، لأن ابنها واهب البتولية، فصارت العضو الأمثل في الكنيسة.
كنيستنا عذراء عفيفة (2 كو 11: 2)، وهي أم المؤمنين في نفس الوقت.
نحن أيضًا إذ نتقبل العضوية الكنسية تصير نفوسنا في الداخل بتولًا عفيفة، وبالحب تحمل نوعًا من الأمومة نحو البشر.
* يلزم أن تكون بتوليتكم روحية...
حقًا لا يقدر كثيرون أن يكونوا بتوليين حسب الجسد، لكن يلتزم كل مؤمن أن يكون بتولًا حسب الروح.
إذن تيقظي يا نفسي، واحرصي على بتوليتك.
* أم السيد المسيح عذراء، وعروسه "الكنيسة" عذراء أيضًا.
القديس أمبروسيوس
* النعمة جعلت العذراء أمًا ولم تحل بتوليتها.
الأب ثيؤدسيوس أسقف أنقرة
ب. بقوله: "كما يتزوج الشاب عذراء يتزوجك بنوك" [5]، يكشف عن وحدة الكنيسة فقد حسب كل أولادها أشبه بشاب واحد، لأن الجميع يعيشون بهدف واحد وغاية واحدة هي الاتحاد مع الآب في ابنه يسوع المسيح بالروح القدس. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). ومن ناحية أخرى يوضح أنه لا يعني الزواج بالمفهوم الجسداني، لأنه لا يليق بالأولاد أن يتزوجوا أمهم، إنما يعني تعلق أبناء الله بعروسه الكنيسة واتحادهم بها. أخيرًا تشبيه أبناء الكنيسة بالشاب يعني اتسامهم بالشبوبية الدائمة، حيث لا تلحق بهم شيخوخة ولا يصيبهم ضعف.
ج. بقوله: "وكفرح العريس بالعروس يفرح بك إلهك" [5]، يكشف عن اتسام الكنيسة بالفرح الدائم، وعن بقائها في حالة عرس دائم فيه يشتاق الطرفان كل نحو الآخر. بمعنى آخر لا يَقْدَم العُرس ولا يخضع للزمن، إنما يبقى عرسًا دائمًا أبديًا.
والعجيب أنه في طقس الكنيسة القبطية توجّه الأنظار أثناء قداس الزواج نحو الكنيسة كعروس المسيح، وأيضًا نحو القديسة مريم كمثال حيّ للتمتع بعرس داخلي مع السيد المسيح. ففي نهاية خدمة هذا القداس يتغنى الشمامسة بهذا النشيد:
"السلام للعروس المضيئة،
أم الذي يضيء،
السلام للتي قبلت إليها الكلمة الكائن في أحشائها،
السلام للتي هي أكرم من الشاروبيم،
السلام للتي ولدت لنا مخلص أنفسنا...".
3. حراسة مع التهليل:

6 عَلَى أَسْوَارِكِ يَا أُورُشَلِيمُ أَقَمْتُ حُرَّاسًا لاَ يَسْكُتُونَ كُلَّ النَّهَارِ وَكُلَّ اللَّيْلِ عَلَى الدَّوَامِ. يَا ذَاكِرِي الرَّبِّ لاَ تَسْكُتُوا، 7 وَلاَ تَدَعُوهُ يَسْكُتُ، حَتَّى يُثَبِّتَ وَيَجْعَلَ أُورُشَلِيمَ تَسْبِيحَةً فِي الأَرْضِ. 8 حَلَفَ الرَّبُّ بِيَمِينِهِ وَبِذِرَاعِ عِزَّتِهِ قَائِلًا: «إِنِّي لاَ أَدْفَعُ بَعْدُ قَمْحَكِ مَأْكَلًا لأَعْدَائِكِ، وَلاَ يَشْرَبُ بَنُو الْغُرَبَاءِ خَمْرَكِ الَّتِي تَعِبْتِ فِيهَا. 9 بَلْ يَأْكُلُهُ الَّذِينَ جَنَوْهُ وَيُسَبِّحُونَ الرَّبَّ، وَيَشْرَبُهُ جَامِعُوهُ فِي دِيَارِ قُدْسِي».

عانى اليهود من السبي فحسبوا أنفسهم كزوجة هجرها رجلها أو أرض صارت قفرًا وها هو الرب يردهم ليصيروا أبناء عاملين في أرضهم (بلدهم). لكن ربما خشي البعض من التعرض للسبي مرة أخرى، لهذا يؤكد الرب حراسته لشعبه الراجع إليه.
إن كان عدو الخير قد أسرنا في أرضه، وحرمنا من أرض الموعد، ومن التمتع بالمقدسات السماوية، الآن بالصليب صرنا عروسًا للرب، ورجعنا كما إلى الفردوس كبيت خاص بنا أو كمدينة مقدسة نسكن فيها مع إلهنا الذي يُقيم حراسة مشددة يَقِظة عند أسوارنا تُراقب العدو ليل نهار بلا توقف [6].
من هم هؤلاء الحراس الذين يقيمهم الرب على كنيسته إلاَّ خدامه الأمناء اليقظين، خاصة بروح الصلاة الدائمة مع العمل الرعوي المملوء حبًا. هذا ما نلمسه في خدمة الرسول بولس القائل: "لذلك اسهروا متذكرين إني ثلاث سنين ليلًا ونهارًا لم أفتر عن أن أنذر بدموع كل واحد" (أع 20: 31). وأيضًا في خدمة صموئيل النبي القائل: "وأما أنا فحاشا لي أن أخطئ إلى الرب فأكف عن الصلاة من أجلكم بل أعلمكم الطريق الصالح المستقيم" (1 صم 12: 23). هكذا تلتحم الصلاة الدائمة مع الحب والتعليم المستمر بكونها جميعًا عمل حراسة لمدينة الرب.
في حياة الإنسان المسيحي الحق صاحب المعرفة الروحية العملية -الغنوسي- يلزم إقامة حراسة مستمرة داخلية،
عبرّ عنها القديس اكليمندس الإسكندري بقوله: [يليق بالغنوسي أن يتأمل في الله قدر المستطاع].
ما أروع العبارة: "يا ذاكري الرب لا تسكتوا، ولا تدعوه يسكت" [6-7]. هكذا يدعونا الرب أن نذكره على الدوام ولا نسكت فيستجيب هو أيضًا ولا يسكت؛ نذكره فيذكرنا، فإنه مشتاق أن يُدخلنا معه في معاملات قوية ومستمرة، طالبًا أن يُثبتا كأورشليمه المجيدة، ويجعل منا "تسبيحة في الأرض" [7]. كل من يتطلع إلينا أو يتلامس معنا يتمتع بأيقونة السماء، الفرح الداخلي الحق.
يهبنا الله أن نتمتع بثمر روحه القدوس من قمح وخمر ولا يغتصبه العدو منا. ما هو القمح إلاَّ التمتع بالشركة مع المسيح السنبلة الفريدة؟! وما هو الخمر إلاَّ عطية الروح القدس واهب الفرح؟! كأن سهرنا في الرب يحفظ شركتنا مع الله في المسيح يسوع قمحنا السماوي
بواسطة روحه القدوس الخمر الفريد.
4. تهيئة الطريق لها:

10 اُعْبُرُوا، اعْبُرُوا بِالأَبْوَابِ، هَيِّئُوا طَرِيقَ الشَّعْبِ. أَعِدُّوا، أَعِدُّوا السَّبِيلَ، نَقُّوهُ مِنَ الْحِجَارَةِ، ارْفَعُوا الرَّايَةَ لِلشَّعْبِ. 11 هُوَذَا الرَّبُّ قَدْ أَخْبَرَ إِلَى أَقْصَى الأَرْضِ، قُولُوا لابْنَةِ صِهْيَوْنَ: «هُوَذَا مُخَلِّصُكِ آتٍ. هَا أُجْرَتُهُ مَعَهُ وَجِزَاؤُهُ أَمَامَهُ». 12 وَيُسَمُّونَهُمْ: «شَعْبًا مُقَدَّسًا»، «مَفْدِيِّي الرَّبِّ». وَأَنْتِ تُسَمَّيْنَ: «الْمَطْلُوبَةَ»، «الْمَدِينَةَ غَيْرَ الْمَهْجُورَةِ».

تهيئة الطريق للرب في حياتنا هو تهيئة لطريقنا نحن في سمواته. هو يعبر إلى أبواب قلوبنا ليحملنا إلى أبوابه الدهرية. أقام صليبه راية حب لنا لكي نجتاز بها المعركة الروحية وننال المكافأة السماوية. لذا قيل: "أعبروا أعبروا بالأبواب، هيئوا طريق الشعب، اعدوا اعدوا السبيل، نقوه من الحجارة، ارفعوا الراية للشعب. هوذا الرب قد أخبر إلى أقصى الأرض؛ قولوا لابنة صهيون: هوذا مخلصك آت ها أجرته معه وجزاؤه أمامه" [10-11].
لقد جاء القديس يوحنا المعمدان يُهيئ الطريق للرب (مت 3: 3)، أما الذي يعمل حقيقة والذي يُكافئ فهو مخلص الكنيسة.




المسيح دائس المعصَرة

ظهرت الكنيسة في الأصحاح السابق كعروس تتمتع بانتسابها لله مخلصها وعريسها، الآن يقدم لنا صورة للعريس الذي يبذل حياته من أجل عروسه.


1. المسيح المصلوب:

1 مَنْ ذَا الآتِي مِنْ أَدُومَ، بِثِيَابٍ حُمْرٍ مِنْ بُصْرَةَ؟ هذَا الْبَهِيُّ بِمَلاَبِسِهِ، الْمُتَعَظِّمُ بِكَثْرَةِ قُوَّتِهِ. «أَنَا الْمُتَكَلِّمُ بِالْبِرِّ، الْعَظِيمُ لِلْخَلاَصِ». 2 مَا بَالُ لِبَاسِكَ مُحَمَّرٌ، وَثِيَابُكَ كَدَائِسِ الْمِعْصَرَةِ؟ 3 «قَدْ دُسْتُ الْمِعْصَرَةَ وَحْدِي، وَمِنَ الشُّعُوبِ لَمْ يَكُنْ مَعِي أَحَدٌ. فَدُسْتُهُمْ بِغَضَبِي، وَوَطِئْتُهُمْ بِغَيْظِي. فَرُشَّ عَصِيرُهُمْ عَلَى ثِيَابِي، فَلَطَخْتُ كُلَّ مَلاَبِسِي. 4 لأَنَّ يَوْمَ النَّقْمَةِ فِي قَلْبِي، وَسَنَةَ مَفْدِيِّيَّ قَدْ أَتَتْ. 5 فَنَظَرْتُ وَلَمْ يَكُنْ مُعِينٌ، وَتَحَيَّرْتُ إِذْ لَمْ يَكُنْ عَاضِدٌ، فَخَلَّصَتْ لِي ذِرَاعِي، وَغَيْظِي عَضَدَنِي. 6 فَدُسْتُ شُعُوبًا بِغَضَبِي وَأَسْكَرْتُهُمْ بِغَيْظِي، وَأَجْرَيْتُ عَلَى الأَرْضِ عَصِيرَهُمْ».

في يوم خراب أورشليم على يديْ بابل وقف بنو آدوم شامتين بل وقاموا بدور إيجابي ضد أورشليم بإلقاء القبض على الهاربين لتسليمهم أسرى، ودخولهم بغنائمهم للرعي في أورشليم إلخ... لهذا يصرخ المرتل قائلًا: "أذكر يا رب لبني آدوم يوم أورشليم القائلين: هُدّوا هُدّوا حتى إلى أساسها" (مز 137: 7)؛ كما يقول عوبديا النبي: "من أجل ظُلمك لأخيك يعقوب يغشاك الخزي وتنقرض إلى الأبد، يوم وقفت مقابله، يوم سَبَتِ الأعاجم قدرته ودخلت الغرباء أبوابه وألقوا قرعة على أورشليم كنت أنت أيضًا كواحد منهم" (عو 10: 11).
يشير آدوم (تعني ترابًا ومحبًا لسفك الدماء) إلى عدو الخير إبليس لهذا يظهر المخلص كقادم من آدوم بثياب حمر في جلاله وعظمته؛ غلب العدو وداسه كما في معصرة ليهب شعبه نصرة وخلاصًا.
"من ذا الآتي من آدوم بثياب حمر من بصرة؟! هذا البهي بملابسه، المتعظم بكثرة قوته؟! أنا المتكلم بالبر العظيم للخلاص" [1].
تطلع النبي إلى المخلص وقد ارتفع على الصليب محطمًا آدوم الحقيقي وواهبًا نصرة وبهاء لمؤمنيه، فصار يسأله:
من أنت؟
من أين أنت قادم؟
ما هو حالك؟
ما هو عملك؟ وما هو هدفك؟
فمن جهة شخصه يقول: "أنا المتكلم بالبر العظيم الخلاص" [1]. كثيرون يتكلمون بالبر ويجيدون الحديث عنه، حتى بعض القادة الدينيين في ذلك الحين كانوا قادرين على التعليم بخصوص البر. أما المخلص -ربنا يسوع- فهو الوحيد القادر أن يتحدث بالبر "العظيم الخلاص"، أي البر العملي الذي يهب خلاصًا من الأعداء وتمتعًا بالأبدية. هو وحده البار الذي لم يعرف خطية (2 كو 5: 21)، حمل خطايانا في جسده ليكفر عنها بدمه المبذول، مقدمًا لنا بره برًا لنا. إنه فريد في بره، فمن جانب: هو وحده الذي بلا عيب مطلقًا، ومن الجانب الآخر قادر أن يبرر الآخرين. أنه البار الذي يُسر الآب به، يحملنا فيه لنحسب نحن أيضًا موضع سروره.
يتكلم السيد المسيح عن برّ لا بفمه فقط وإنما بكل كيانه وحياته التي بذلها بإرادته المقدسة خلال حبه الإلهي لأجل تبريرنا، ليُصلح من حال طبيعتنا الفاسدة ويهبها شركة الطبيعة الإلهية (2 بط 1: 4).
من جهة الموقع رآه قادمًا من "آدوم" التي تعني "ترابًا" أو "دمًا". وكأن الرب جاء إلى حيث سقطنا، إلى آدوم، حيث عدنا إلى ترابنا لكي يحول ترابنا إلى سماء. لقد قيل لنا "لأنك تراب وإلى تراب تعود" (تك 3: 19)، الآن إذ نزل مخلصنا السماوي إلى أرضنا لنتحد معه نسمع الصوت الإلهي: "لأنك سماء وإلى سماء تعود". هذا هو برّ المسيح الذي يرفعنا كما من المزبلة ليُقيمنا في سمواته.
من جانب آخر فإننا إذ صرنا "أدوم" (= دم) محبين للقتال أو مبغضين للغير، فإن مسيحنا جاء إلى أرض المعركة ليغتصبنا من عدو الخير المحب لسفك الدماء لكي يتسع قلبنا بالحب والبذل!


من جهة عمله يقول: "قد دستُ المعصرة وحدي ومن الشعوب لم يكن معي أحد" [3]. دخل المعركة -معركة الصليب- وحده، وكما قال لتلاميذه: "وتتركونني وحدي وأنا لست وحدي لأن الآب معي" (يو 16: 32).
لباسه محمر وثيابه كدائس المعصرة [2]، إذ ألبسوه ثوبًا قرمزيًا (مز 15: 17) ليسخروا به. كما تُشير إلى أن جسده كله قد أفاض دمًا من الجراحات الواهبة الشفاء (إش 53: 5). هذا البذل هو سرّ جمال فائق يدركه من اختبر الصليب كقوة الله للخلاص، لهذا قيل "البهي بملابسه" [1].
* صنع تدبيرًا رائعًا للجسد المتألم، فقد تزين بالآلام وتمجد باللاهوت، فإنه ليس أكثر من ذلك عذوبة وجمالًا.
القديس غريغوريوس النزينزي
ما فعله إنما بوحي حبه العظيم وغيرته نحو عروسه إذ أراد أن يُحررها من العدو إبليس ويهبها التمتع بسنة اليوبيل الدائمة أو التحرر غير المنقطع [4].
2. تسبحة عن إحسانات الرب:

7 إِحْسَانَاتِ الرَّبِّ أَذْكُرُ، تَسَابِيحَ الرَّبِّ، حَسَبَ كُلِّ مَا كَافَأَنَا بِهِ الرَّبُّ، وَالْخَيْرَ الْعَظِيمَ لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ الَّذِي كَافَأَهُمْ بِهِ حَسَبَ مَرَاحِمِهِ، وَحَسَبَ كَثْرَةِ إِحْسَانَاتِهِ. 8 وَقَدْ قَالَ حَقًّا: «إِنَّهُمْ شَعْبِي، بَنُونَ لاَ يَخُونُونَ». فَصَارَ لَهُمْ مُخَلِّصًا. 9 فِي كُلِّ ضِيقِهِمْ تَضَايَقَ، وَمَلاَكُ حَضْرَتِهِ خَلَّصَهُمْ. بِمَحَبَّتِهِ وَرَأْفَتِهِ هُوَ فَكَّهُمْ وَرَفَعَهُمْ وَحَمَلَهُمْ كُلَّ الأَيَّامِ الْقَدِيمَةِ.

لم يجد النبي ما يمكن للكنيسة العروس المفدية بالدم أن تقدمه مقابل إحسانات الله الدائمة والتي تجلت في أعمق صورها على الصليب سوى التسبيح له.
لم يقدم الله إحساناته من أجل مقابل ما، إنما من أجل مراحمه وكثرة إحساناته، متطلعًا إلينا إننا شعبه وبنوه؛ يُشاركنا ضيقنا وآلامنا. "في كل ضيقهم تضايق وملاك حضرته (المخلص) خلصهم" [9]. إنه حب عجيب!
3. تذكير الله لأعماله القديمة:

10 وَلكِنَّهُمْ تَمَرَّدُوا وَأَحْزَنُوا رُوحَ قُدْسِهِ، فَتَحَوَّلَ لَهُمْ عَدُوًّا، وَهُوَ حَارَبَهُمْ. 11 ثُمَّ ذَكَرَ الأَيَّامَ الْقَدِيمَةَ، مُوسَى وَشَعْبَهُ: «أَيْنَ الَّذِي أَصْعَدَهُمْ مِنَ الْبَحْرِ مَعَ رَاعِي غَنَمِهِ؟ أَيْنَ الَّذِي جَعَلَ فِي وَسَطِهِمْ رُوحَ قُدْسِهِ، 12 الَّذِي سَيَّرَ لِيَمِينِ مُوسَى ذِرَاعَ مَجْدِهِ، الَّذِي شَقَّ الْمِيَاهَ قُدَّامَهُمْ لِيَصْنَعَ لِنَفْسِهِ اسْمًا أَبَدِيًّا، 13 الَّذِي سَيَّرَهُمْ فِي اللُّجَجِ، كَفَرَسٍ فِي الْبَرِّيَّةِ فَلَمْ يَعْثُرُوا؟ 14 كَبَهَائِمَ تَنْزِلُ إِلَى وَطَاءٍ، رُوحُ الرَّبِّ أَرَاحَهُمْ». هكَذَا قُدْتَ شَعْبَكَ لِتَصْنَعَ لِنَفْسِكَ اسْمَ مَجْدٍ.

إن كان الإنسان في غباوته يأخذ موقفًا مضادًا من خالقه وفاديه، فإن الله في محبته يذكر أعماله القديمة معهم كيف راعاهم خلال موسى، وكيف حل في وسطهم بروحه القدوس. شق أمامهم المياه ليتمجد اسمه فيهم... لا يزال الله هو هو في حب يود أن يقود شعبه بنفسه!
حقًا إنه يؤدبهم على موقفهم العدائي لكنه يبقى منتظرًا عودتهم، هذا ما عناه بقوله: "ولكنهم تمردوا وأحزنوا روح قدسه فتحول لهم عدوًا وهو حاربهم، ثم ذكر الأيام القديمة إلخ..." [10-11].
* إن كنا نصلي ونردد المزامير قدامه في كبرياء بطريقة نقدية، في زهو، إن كنا نتمم الخدمة بتشتيت فكر ليس فقط لا يصغي إلينا بل ويسلمنا للشرير... يرتد ليصير خصمًا يُحاربنا؛ بمعنى آخر يسحبنا من حضرته ويسلمنا للشيطان لتأديبنا حتى نتوقف عن التجديف (1 تي 1: 20).
الأب مارتيروسالسرياني
4. صلاة وتوبة:

15 تَطَلَّعْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَانْظُرْ مِنْ مَسْكَنِ قُدْسِكَ وَمَجْدِكَ: أَيْنَ غَيْرَتُكَ وَجَبَرُوتُكَ؟ زَفِيرُ أَحْشَائِكَ وَمَرَاحِمُكَ نَحْوِي امْتَنَعَتْ. 16 فَإِنَّكَ أَنْتَ أَبُونَا وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْنَا إِبْرَاهِيمُ، وَإِنْ لَمْ يَدْرِنَا إِسْرَائِيلُ. أَنْتَ يَا رَبُّ أَبُونَا، وَلِيُّنَا مُنْذُ الأَبَدِ اسْمُكَ. 17 لِمَاذَا أَضْلَلْتَنَا يَا رَبُّ عَنْ طُرُقِكَ، قَسَّيْتَ قُلُوبَنَا عَنْ مَخَافَتِكَ؟ ارْجعْ مِنْ أَجْلِ عَبِيدِكَ، أَسْبَاطِ مِيرَاثِكَ. 18 إِلَى قَلِيل امْتَلَكَ شَعْبُ قُدْسِكَ. مُضَايِقُونَا دَاسُوا مَقْدِسَكَ. 19 قَدْ كُنَّا مُنْذُ زَمَانٍ كَالَّذِينَ لَمْ تَحْكُمْ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يُدْعَ عَلَيْهِمْ بِاسْمِكَ.

حين نسقط في الشر ونقف كمعادين لله، يبقى الله منتظرًا توبتنا. فلا نبرر أخطاءنا إنما نستدر حبه وغيرته نحونا بكونه أبانا الذي يعرفنا أكثر من إبراهيم أب المؤمنين وإسرائيل نفسه [16].
"تطلع من السموات وانظر من مسكن قدسك ومجدك" [15]. هكذا يشعر الخاطئ كأنه قد دنّس الأرض بخطيته ورجاسته، وكأن الله قد فارق الأرض ليبقى في السماء حيث مقدسه ومجده، لهذا يستدر مراحم الله، طالبًا منه أن يتطلع من سمواته الطاهرة نحو النفس الساقطة والمشتاقة إلى الرجوع إليه والتمتع بحضرته.
ربما جاء هذا الشعور كوليد لما حل بهيكل الرب من خراب، فقد رأى حزقيال النبي مجد الرب يُفارق الهيكل والمدينة "أورشليم" بل والأرض كلها، إذ يقول: "وخرج مجد الرب من على عتبة البيت ووقف على الكروبيم، فرفعت الكروبيم أجنحتها وصعدت عن الأرض قدَّام عيني" (حز 10: 18-19).
"أين غيرتك...؟ ومراحمك نحوي قد امتنعت" [15]. تقوم التوبة على أساس اكتشاف غيرة الرب نحو أولاده وحبه الفائق العميق "زفير أحشائك" ومراحمه نحو الإنسان مهما كانت ضعفاته. كما تقوم على إدراكه بنوته له (تث 32: 6؛ إش 63: 16).
"لماذا أضللتنا يا رب عن طرقك؟! قسَّيتَ قلوبنا عن مخافتك؟! ارجع من أجل عبيدك أسباط ميراثك" [17]. واضح هنا أن التائب لا يعني إلقاء اللوم على الله، إنما بعدما اكتشف أبوة الله في الحال يُعاتبه، بأنه كان ينتظر أن نعمته تسنده. حقًا لقد أخطأ وتمادَى في الخطأ فأسلمه الله لذهنه المرفوض، وتركه لقساوة قلبه (رو 1: 28)، الآن يطلب نعمته حتى لا يضل عن طريق الرب ولا يبقى في قساوة القلب. هذا ما عناه المرتل بقوله: "بكل قلبي طلبتك، لا تضلني عن وصاياك" (مز 119: 10).
حين يدخل الإنسان تحت التأديب يشعر بالمرارة لذلك يقف معاتبًا الله بكل وسيلة، تارة يسأله ألا يسمح بعد أن يتركه في فساد ذهنه وقساوة قلبه، وأخرى يسترحمه من أجل قديسيه المباركين الذين يطلبون عن البشرية [17]، وأخيرًا يسأله أن يسرع بالنجدة إذ طالت مدة التأديب. هذا ما عبّر عنه النبي بالقول: "إلى قليل امتلك شعب قدسك، مضايقونا داسوا مقدسك، قد كنا منذ زمان كالذين لم تحكم عليهم ولم يُدع عليهم باسمك" [18-19]. لقد حسبوا المدة التي امتلك فيها الشعب الهيكل "قدس الرب" قليلة مع أنها تبلغ حوالي 400 عام من بناء الهيكل حتى السبي، أما مدة السبي (70 سنة) فحسبوها طويلة للغاية بسبب مرارتها، إذ يقولون "كنا منذ زمان...". صاروا تحت السبي مثلهم كسائر الأمم كأن الله ليس حاكما عليهم ينقذهم من هذا المُرّ، وكأن اسمه لم يدع عليهم...
إذ ذاقوا مرارة السبي اشتاقوا أن يملك الرب عليهم ويدعو اسمه عليهم حتى يخلصهم.


تضرع من أجل مجيء المسيّا



يحاول بعض الدارسين أن يفسروا حديث إشعياء النبي هنا -كما في كثير من الأصحاحات- على أنه يخص مجيء السيد المسيح الثاني ليملك ألف سنة قبل حدوث الضيقة العظيمة. لكن من الواضح أن النبي يتحدث هنا عن مجيء المسيح للخلاص الذي تحقق على الصليب، ولا يزال يتحقق عمليًا في قلب كل مؤمن جائع إلى الرب.

1. نزول المسيا من السماء:

1 لَيْتَكَ تَشُقُّ السَّمَاوَاتِ وَتَنْزِلُ! مِنْ حَضْرَتِكَ تَتَزَلْزَلُ الْجِبَالُ. 2 كَمَا تُشْعِلُ النَّارُ الْهَشِيمَ، وَتَجْعَلُ النَّارُ الْمِيَاهَ تَغْلِي، لِتُعَرِّفَ أَعْدَاءَكَ اسْمَكَ، لِتَرْتَعِدَ الأُمَمُ مِنْ حَضْرَتِكَ. 3 حِينَ صَنَعْتَ مَخَاوِفَ لَمْ نَنْتَظِرْهَا، نَزَلْتَ، تَزَلْزَلَتِ الْجِبَالُ مِنْ حَضْرَتِكَ.

"ليتك تشق السموات وتنزل، من حضرتك تتزلزل الجبال؛ كما تشعل النار الهشيم وتجعل النار المياه تغلي لتعرَّف أعداءك اسمك، لترتعد الأمم من حضرتك" [1-2].
يرى بعض المفسرين أن الحديث هنا خاص بالسيد المسيح عندما ينزل من السماء علانية ليُقيم مملكته على الأرض ألف عام، يملك ويهزم مقاوميه وأعداءه وكل الأمم إلخ... على خلاف مجيئه الأول الذي كان مخفيًا في أحشاء البتول، لا يصيح ولا يسمع أحد صوته إلخ...
لست أريد الحديث هنا عن الملك الألفي إذ تعرضت له في تفسير الأصحاح 19 من سفر الرؤيا، إنما ما أود تأكيده أن نصوص إشعياء النبي لا تُفهم بطريقة حرفية، لأن مسيحنا ملك روحي، رفض أن يملك ماديًا، حاسبًا تجسده الإلهي نزولًا كما من السماء ليلتقي بنا؛ كنا كالجبال في قسوة حياتنا فتزلزلت أعماقنا، أشعل ما في داخلنا من هشيم الشر، وجعل المياه الباردة فينا تغلي بالحب، واهبًا إيانا نصرة على أعداء اسمه، لا خلال حروب منظورة وإنما خلال الإيمان العامل بالمحبة.
من أجل الخلاص من السبي أو الضيقات يكفي أن يطلب الإنسان من الله أن يتطلع من السموات وينظر من مسكن قدسه ومجده (إش 63: 15)، وإن كان الله مالئ السموات والأرض بلاهوته... أما من أجل خلاصنا من خطايانا وعودتنا إلى الأحضان الأبوية فالأمر
يحتاج إلى شق السموات ونزول كلمة الله إلى أرضنا [1]. وكما قال السيد المسيح عن نفسه.
* "لأني قد نزلت من السماء ليس لأعمل مشيئتي بل مشيئة الذي أرسلني... أن كل من يرى الابن ويؤمن به تكون له حياة أبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير" (يو 6: 38: 40). نزل من السماء ليحقق الطاعة عوض آدم الساقط في العصيان، مقدمًا مشيئة الآب التي هي واحدة مع مشيئته. أما مشيئة الآب فهي تحقيق الخلاص والقيامة برؤية الابن إيمانيًا والثبوت فيه.
* "ليس أحد صعد إلى السماء إلاَّ الذي نزل من السماء، ابن الإنسان الذي هو في السماء" (يو 3: 13).
وقال عنه القديس يوحنا المعمدان: "الذي يأتي من السماء هو فوق الجميع" (يو 3: 31).
يسبح القديس مار أفرام السريانيكلمة الله الذي شقّ السموات ونزل قائلًا:
[مبارك هذا الذي بتجسده اشترى لطبيعتنا البشرية حياة!
مبارك هذا الذي ختم نفوسنا وزينها وخطبها لنفسه عروسًا!
مبارك هذا الذي جعل جسدنا خيمة لطبيعته غير المنظورة...!
المجد لذاك الذي نظر إلينا كيف إننا قبلنا أن نشابه الوحوش في هياجنا وجشعنا، فنزل إلينا وصار واحدًا منا حتى نصير نحن سمائيين...!].
تطلع داود النبي إلى التجسد الإلهي فقال: "طأطأ السموات ونزل" (مز 18: 9).
يرى البعض أن بقوله "ليتك تشق السموات وتنزل، من حضرتك تتزلزل الجبال" [1] يعني أن الشعب وسط ضيقته شعر كأن الله قد حجب وجهه عنهم بالسحاب: "الرب سكن في الضباب" (2 أي 6: 1)؛ "السحاب ستر له فلا يُرى" (أي 22: 14). وكأنهم يصرخون أن كانت خطايانا قد حجبتك وراء السحاب، وحجبت عنا إدراك أسرار مقاصدك؛ فإنه ليس من يقدر أن يُصلح الأمر سواك. نحن لا نقدر أن نصعد إليك، أما أنت فتشق الحجاب وتنزل إلينا. لا يكفي أن تنظر إلينا من سمواتك، نحن في حاجة إلى حلولك وسطنا.
"تتزلزل الجبال" [1]، إن كانت الجبال الصلدة قد ارتجفت في سيناء حين التقى الله بموسى (خر 19: 17-18)، وانشقت الجبال وانكسرت الصخور أمام الرب لما كلم ايليا (1 مل 19: 11)، فمن يقدر أن يقف أمامه؟! الله وحده القادر أن يحل كل مشاكلنا، فيزلزل إنساننا القديم ويُحطم جبروت شرّنا ليُقيم مملكته في داخلنا. إن كان إبليس وكل جنوده وملائكته بأعمالهم الشريرة وخداعاتهم كالجبال، فإن الرب يُزلزل مملكتهم بالصليب، وإن كانوا كالهشيم (أشبه بالقش الهش الجاف الذي لا يصلح إلاَّ وقيدًا) فان الله يُهلكهم بالنار.
إننا في حاجة إلى نزول الرب إلينا لأن أعداءنا الذين كالجبال هم أعداء اسمه، يقاوموننا لينتزعونا عن ملكوته أو ينتزعوا اسمه وملكوته من داخلنا.
مقاومة الأعداء -إبليس وجنوده- مهما بلغ عنفها تصير كهشيم يحرقه الله بالنار لا ليُبدد المقاومة فحسب وإنما ليحولها للخير، إذ يستخدم هذه النيران في تسخين مياه قلبنا الباردة فتغلي حبًا وغيرة مقدسة [2].
يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [حتى إبليس يمكن أن يكون سبب نفع لن إن فهمناه... هذا واضح في حالة أيوب. ويمكن أن نتعلم هذا أيضًا من بولس، إذ يكتب بخصوص الزاني قائلًا: "أن يُسلم هذا للشيطان لهلاك الجسد لكي يخلص الروح" (1 كو 5: 5). انظروا حتى الشيطان قد صار سبب خلاص، لا بطبيعته، ولكن بمهارة الرسول كالطبيب الذي بحية ليستخرج منها دواء].
2. بركات انتظار المسيا:

4 وَمُنْذُ الأَزَلِ لَمْ يَسْمَعُوا وَلَمْ يَصْغَوْا. لَمْ تَرَ عَيْنٌ إِلهًا غَيْرَكَ يَصْنَعُ لِمَنْ يَنْتَظِرُهُ. 5 تُلاَقِي الْفَرِحَ الصَّانِعَ الْبِرَّ. الَّذِينَ يَذْكُرُونَكَ فِي طُرُقِكَ. هَا أَنْتَ سَخِطْتَ إِذْ أَخْطَأْنَا. هِيَ إِلَى الأَبَدِ فَنَخْلُصُ.

كما عاش الأنبياء مترقبين مجيء المسيا للخلاص، نحن نبقى دومًا ننتظره ليملك لا على الأرض إنما في قلوبنا على حياتنا الداخلية كي يحملنا إلى شركة مجده؛ نرى ما أعده الله لنا، نمتلئ فرحًا ببره العامل فينا.يقول النبي: "منذ الأزل لم يسمعوا ولم يصغوا. لم تَر عينٌ إلهًا غيرك يصنع لمن ينتظره الفرِحَ الصانع البرّ..." [4-5].
إن كانت أعمال الله منذ القدم عجيبة لكنه لم يُسمع قط ولم يُر مثلما صنع الرب مع البشرية خلال أعماله الخلاصية، فقد خرج كما من السماء ليلاقي الخطاة بالفرح صانعًا البر في حياتهم، واهبًا إياهم أمجادًا داخلية كعربون للمجد الأبدي.
يعلق القديس هيبوليتس على هذه العبارة النبوية قائلًا على لسان السيد المسيح: [ادخلوا إلى الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم. تمتعوا إلى الأبد بما يوهب لكم بواسطة أبي الذي في السموات والروح القدس المحيي. أي فم يقدر أن يخبر عن هذه البركات التي لم ترها عين ولم تسمع بها أذن ولم تخطر على قلب إنسان، الأمور التي أعدها الله لمحبيه (إش 64: 4؛ 1 كو 2: 9)؟ لقد سمعتم عن الفرح غير المنقطع! لقد سمعتهم عن الملكوت غير المتغير! لقد تعلمتم الآن عن وليمة البركات التي بلا نهاية!].
3. اعتراف بالخطايا:

6 وَقَدْ صِرْنَا كُلُّنَا كَنَجِسٍ، وَكَثَوْبِ عِدَّةٍ كُلُّ أَعْمَالِ بِرِّنَا، وَقَدْ ذَبُلْنَا كَوَرَقَةٍ، وَآثَامُنَا كَرِيحٍ تَحْمِلُنَا. 7 وَلَيْسَ مَنْ يَدْعُو بِاسْمِكَ أَوْ يَنْتَبِهُ لِيَتَمَسَّكَ بِكَ، لأَنَّكَ حَجَبْتَ وَجْهَكَ عَنَّا، وَأَذَبْتَنَا بِسَبَبِ آثَامِنَا. 8 وَالآنَ يَا رَبُّ أَنْتَ أَبُونَا. نَحْنُ الطِّينُ وَأَنْتَ جَابِلُنَا، وَكُلُّنَا عَمَلُ يَدَيْكَ. 9 لاَ تَسْخَطْ كُلَّ السَّخْطِ يَا رَبُّ، وَلاَ تَذْكُرِ الإِثْمَ إِلَى الأَبَدِ. هَا انْظُرْ. شَعْبُكَ كُلُّنَا. 10 مُدُنُ قُدْسِكَ صَارَتْ بَرِّيَّةً. صِهْيَوْنُ صَارَتْ بَرِّيَّةً، وَأُورُشَلِيمُ مُوحَشَةً. 11 بَيْتُ قُدْسِنَا وَجَمَالِنَا حَيْثُ سَبَّحَكَ آبَاؤُنَا، قَدْ صَارَ حَرِيقَ نَارٍ، وَكُلُّ مُشْتَهَيَاتِنَا صَارَتْ خَرَابًا. 12 أَلأَجْلِ هذِهِ تَتَجَلَّدُ يَا رَبُّ؟ أَتَسْكُتُ وَتُذِلُّنَا كُلَّ الذِّلِّ؟

تبقى نفوسنا دائمًا متهللة من أجل أعمال الله الخلاصية الفائقة، منتظرين دائمًا التلاقي المستمر معه لينزع عار خطايانا ويعلن مجد بره فينا. أما طريق هذا اللقاء فهو:
أ. الاعتراف بالخطايا: "ها أنت سخطت إذ أخطأنا" [5].
يقول القديس كبريانوس: [حسنة هي التوبة! فإن لم يكن لها موضع في قلبك فستخسر نعمة الغسل التي نلتها في المعمودية منذ أمد بعيد، فإنه من الأفضل أن يكون لنا ثوب نصلحه عن ألا يكون لنا ثوب نرتديه، ولكن إذ أُعد لنا الثوب مرة فيجب أن يتجدد...].
ويقول القديس يوحنا الدرجي: [التوبة تُجدد المعمودية، ابرام عقد مع الله على حياة ثانية].
ويقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [هل أخطأت؟ قل لله: "أني أخطأت" أي تعب في هذا...؟].
ب. إدراكنا عجز البر الذاتي عن خلاصنا: "وقد صرنا كلنا كنجس وكثوب عِدة كل أعمال برنا وقد ذبلنا كورقة وآثامنا كريح تحملنا" [6].
وكما يقول الأب مرتيروس السرياني Martyrius: Sahdona of Halmon: [كل كياننا الداخلي مُبتلع عند رؤيتنا له (دا 10: 8)، بسبب مهابته تصمت أفواهنا. عندما ننال قليلًا من القوة للتحدث معه تلومنا ضمائرنا، وإذ نرى أننا قد أخطأنا وأثمنا في حضرته (مز 106: 6). إن تصورنا أننا صرنا في موضع الأبرار فكل برنا كخرقة الطامث (خر 36: 17)، فله تُنسب الغلبة أما لنا فخزي الوجوه والعار (باروخ 1: 15)].

يوضح لنا الأب ثيوناس كيف تتحول أعمالنا الصالحة إلى رداءة إن أتكلنا على برنا الذاتي، فأن برنا يُحسب كخرقة الطامث إن قوبل بالبر الإلهي.
ج. إدراك أبوة الله الحانية والغافرة للخطايا: "والآن يا رب أنت أبونا؛ نحن الطين وأنت جابلنا وكلنا عمل يديك. لا تسخط كل السخط..." [8-9].
يقدم الله نفسه لنا أبًا وعريسًا وصديقًا وراعيًا باذلًا... لكي يجتذب كل نفس بالتوبة إليه. وتحمل كنيسته ذات السمة لكي تحتضن الكل بالحب لينعموا بخلاص الله العجيب.
ففي رسالة إلى راهب ساقط يقول القديس باسيليوس الكبير:
[إنني أحزن عليك، لأنه أي كاهن لا ينتحب عندما يسمع هذا...؟!
أي خادم للمذبح لا يقرع صدره؟!
أي "علماني" لا ينكسر خاطره؟!
أي ناسك لا يحزن...؟!
إنك حطمت الجميع دفعة واحدة، دفعة واحدة استهنت بالكل...
تذكر الراعي الصالح الذي يتبعك ويناجيك...
أرجوك ألا تتردد في أن تأتي إليّ بسبب أي اعتبار أرضي، فإني أنتحب إذ أجد ميّتي، أُلازمه وأبكيه من أجل "خراب بنت شعبي" (إش 22: 4).
هوذا الكل مستعد للترحيب بك! الكل يُساهمون معك في جهادك فلا تتراجع...
إنه وقت للخلاص، إنه زمن للإصلاح!
كن منبسط الأسارير ولا تيأس، فإنها ليست (الكنيسة) شريعة لتُدين الخاطئ بلا رحمة، بل (لها) شريعة رحمة تنزع العقوبة وتنتظر الإصلاح.
هوذا الأبواب لم تُغلق بعد، العريس يسمع...
أشفق على نفسك وعلينا نحن جميعًا في ربنا يسوع المسيح].
د. تُذكرنا أننا شعبه المنتسب إليه [9].
ه. اعترافنا بما حل بنا من خراب، فقد صرنا برية قاحلة، واشتعلت النيران في داخلنا، وتشوهت كل المقادس الداخلية.


السموات الجديدة والأرض الجديدة



يطالبنا الله أن نحمل شوقًا نحو نزوله إلينا وحلوله في داخلنا، معترفين بأعماله الخلاصية الفائقة في حياتنا مع اعترافنا بآثامنا وعجز كل برّ ذاتي فينا، الآن يعلن دعوته للأمم بغير محاباة ليتمتع الكل بالحياة الجديدة فيه، والتي يُحرم منها الجاحدون أيا كان جنسهم.


1. دعوة الأمم:

1 «أَصْغَيْتُ إِلَى الَّذِينَ لَمْ يَسْأَلُوا. وُجِدْتُ مِنَ الَّذِينَ لَمْ يَطْلُبُونِي. قُلْتُ: هأَنَذَا، هأَنَذَا. لأُمَّةٍ لَمْ تُسَمَّ بِاسْمِي.

"أصغيت إلى الذين لم يسألوا، وُجدت من الذين لم يطلبوني، قلت هأنذا لأمة لم تُسم باسمي" [1]. واضح هنا أن الحديث خاص بقبول الأمم التي لم تعرف الله ولا طلبته قبلًا ولا حملت اسمه، لكنها آمنت بالمخلص فتمتعت بما حرم شعب الله نفسه بنفسه منه.
تحدث القديس بولس عن دعوة الأمم ورفض الجاحدين من اليهود في رسالته إلى أهل رومية (رو 9: 11)، مستشهدًا بالعبارة النبوية الواردة هنا (رو 10: 20-21). فقد أصغى الله إلى الأمم التي لم تسأله، ووجده هؤلاء الذين لم يطلبوه، لأننا ونحن أعداء صالحنا مع الآب. أحب البشرية كلها قبلما تحبه، واختارنا قبلما نعرفه أو نطلبه. لقد أمال قلوبنا إليه إذ بادرنا بالحب قبلما يُدعى اسمه علينا.

يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [هل سمع إسرائيل ولم يفهم؟ إن كانت الأمم الوثنية قد سمعت وأدركت الإيمان فكم بالحري كان يليق باليهود الذين أعطاهم الله منذ القدم كل العلامات التي تستهدف إزالة الغشاوة عن عيونهم].
* من هم الذين لم يبحثوا عنه؟ من هم الذين لم يسألوا عنه؟ بالتأكيد ليس اليهود بل الذين هم من الأمم التي لم تعرفه، هؤلاء وصفهم موسى بالكلمات: "ليسوا شعبًا"، "أمة غبية"؛ وعلى ذات الأساس يُشير إليهم هنا من جهة جهلهم الزائد.
إنه عار عظيم للغاية أن الذين لم يطلبوه وجدوه، والذين بحثوا عنه فقدوه (بعدم إيمانهم).
القديس يوحنا الذهبي الفم
* من هو هذا الذي أُعلن عنه (ووجدته الأمم) إلاَّ كلمة الآب، عندما أرسله الآب، وفيه للناس القوة الصادرة عنه؟!
القديس هيبوليتس
2. جحود شعبه:

2 بَسَطْتُ يَدَيَّ طُولَ النَّهَارِ إِلَى شَعْبٍ مُتَمَرِّدٍ سَائِرٍ فِي طَرِيق غَيْرِ صَالِحٍ وَرَاءَ أَفْكَارِهِ. 3 شَعْبٍ يُغِيظُنِي بِوَجْهِي. دَائِمًا يَذْبَحُ فِي الْجَنَّاتِ، وَيُبَخِّرُ عَلَى الآجُرِّ. 4 يَجْلِسُ فِي الْقُبُورِ، وَيَبِيتُ فِي الْمَدَافِنِ. يَأْكُلُ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ، وَفِي آنِيَتِهِ مَرَقُ لُحُومٍ نَجِسَةٍ. 5 يَقُولُ: قِفْ عِنْدَكَ. لاَ تَدْنُ مِنِّي لأَنِّي أَقْدَسُ مِنْكَ. هؤُلاَءِ دُخَانٌ فِي أَنْفِي، نَارٌ مُتَّقِدَةٌ كُلَّ النَّهَارِ. 6 هَا قَدْ كُتِبَ أَمَامِي. لاَ أَسْكُتُ بَلْ أُجَازِي. أُجَازِي فِي حِضْنِهِمْ، 7 آثَامَكُمْ وَآثَامَ آبَائِكُمْ مَعًا قَالَ الرَّبُّ، الَّذِينَ بَخَّرُوا عَلَى الْجِبَالِ، وَعَيَّرُونِي عَلَى الآكَامِ، فَأَكِيلُ عَمَلَهُمُ الأَوَّلَ فِي حِضْنِهِمْ».

"بسطت يدي طول النهار إلى شعب متمرد سائر في طريق غير صالح وراء أفكاره" لقد بسط الرب يديه على الصليب بالحب ليحتضن الكل ويهبهم حياة الغلبة كما بسط موسى النبي يديه أثناء المعركة ضد عماليق كرمز لعمل المسيح الخلاصي.
بسط الرب يديه من جانبه منتظرًا أن نستجيب لهذا العمل بطلبه كل يوم كما يقول القديس بفنوتيوس .
أما سرّ رفض الله شعبه فهو:
أ. تمردهم [2]، طالبين السير حسب أهوائهم الذاتية لا حسب فكر الله.
ب. كسرهم للشريعة، وانحرافهم نحو العبادات الوثنية [3-4].
ج. اتكالهم على البرّ الذاتي [5].
يرى القديس أغسطينوس أن جحد الإيمان بالرب هو موت، فقد شاهدوا معجزات المخلص بأعينهم ولم يحيوا خلالها بل بقوا كما في حالة موت.
3. اهتمامه بالبقية:

8 هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: «كَمَا أَنَّ السُّلاَفَ يُوجَدُ فِي الْعُنْقُودِ، فَيَقُولُ قَائِلٌ: لاَ تُهْلِكْهُ لأَنَّ فِيهِ بَرَكَةً. هكَذَا أَعْمَلُ لأَجْلِ عَبِيدِي حَتَّى لاَ أُهْلِكَ الْكُلَّ. 9 بَلْ أُخْرِجُ مِنْ يَعْقُوبَ نَسْلًا وَمِنْ يَهُوذَا وَارِثًا لِجِبَالِي، فَيَرِثُهَا مُخْتَارِيَّ، وَتَسْكُنُ عَبِيدِي هُنَاكَ. 10 فَيَكُونُ شَارُونُ مَرْعَى غَنَمٍ، وَوَادِي عَخُورَ مَرْبِضَ بَقَرٍ، لِشَعْبِي الَّذِينَ طَلَبُونِي.

إن كان الشعب ككل قد أخذ موقف الجحود لكن هناك بقية مقدسة للرب مثل التلاميذ والرسل والمريمات وزكا العشار ولاوي إلخ... هذه القلة المقدسة لا تهلك بل تكون بركة. "هكذا قال الرب: كما إن السُلاف يوجد في العنقود فيقول قائل لا تهلكه لأن فيه بركة، هكذا أعمل لأجل عبيدي حتى لا أهلك الكل" [8].
بين المقاومين وُجد مختارون للرب، عبيد له، يطلبونه [10].
4. مقارنة بين المؤمنين والجاحدين:

11 «أَمَّا أَنْتُمُ الَّذِينَ تَرَكُوا الرَّبَّ وَنَسُوا جَبَلَ قُدْسِي، وَرَتَّبُوا لِلسَّعْدِ الأَكْبَرِ مَائِدَةً، وَمَلأُوا لِلسَّعْدِ الأَصْغَرِ خَمْرًا مَمْزُوجَةً، 12 فَإِنِّي أُعَيِّنُكُمْ لِلسَّيْفِ، وَتَجْثُونَ كُلُّكُمْ لِلذَّبْحِ، لأَنِّي دَعَوْتُ فَلَمْ تُجِيبُوا، تَكَلَّمْتُ فَلَمْ تَسْمَعُوا، بَلْ عَمِلْتُمُ الشَّرَّ فِي عَيْنَيَّ، وَاخْتَرْتُمْ مَا لَمْ أُسَرَّ بِهِ. 13 لِذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هُوَذَا عَبِيدِي يَأْكُلُونَ وَأَنْتُمْ تَجُوعُونَ. هُوَذَا عَبِيدِي يَشْرَبُونَ وَأَنْتُمْ تَعْطَشُونَ. هُوَذَا عَبِيدِي يَفْرَحُونَ وَأَنْتُمْ تَخْزَوْنَ. 14 هُوَذَا عَبِيدِي يَتَرَنَّمُونَ مِنْ طِيبَةِ الْقَلْبِ وَأَنْتُمْ تَصْرُخُونَ مِنْ كآبَةِ الْقَلْبِ، وَمِنِ انْكِسَارِ الرُّوحِ تُوَلْوِلُونَ. 15 وَتُخْلِفُونَ اسْمَكُمْ لَعْنَةً لِمُخْتَارِيَّ، فَيُمِيتُكَ السَّيِّدُ الرَّبُّ وَيُسَمِّي عَبِيدَهُ اسْمًا آخَرَ. 16 فَالَّذِي يَتَبَرَّكُ فِي الأَرْضِ يَتَبَرَّكُ بِإِلهِ الْحَقِّ، وَالَّذِي يَحْلِفُ فِي الأَرْضِ يَحْلِفُ بِإِلهِ الْحَقِّ، لأَنَّ الضِّيقَاتِ الأُولَى قَدْ نُسِيَتْ، وَلأَنَّهَا اسْتَتَرَتْ عَنْ عَيْنَيَّ.

أ. ظن بعض تاركي الرب أنهم ينجون بإقامة ولائم وثنية تتسم بالترف والسكر، ولم يدركوا أنهم صاروا كغنم للذبح [11-12].
ب. غالبًا ما يظن الجاحدون أنهم يعيشون في ترف بلا حرمان، لكن سرعان ما يشبع المؤمنون ويجوع الجاحدون، يفرح الأولون ويحزن الآخرون. يتمتع المؤمنون بحياة التسبيح والتهليل الداخلي بينما ينكسر قلب الجاحدين [13-15].
ج. يتعرض المؤمنون للضيقات لكنهم ينالون بركة الله الحق حتى وهم على الأرض فينسون متاعبهم وسط تعزيات الله وبركته [16].
5. السموات الجديدة والأرض الجديدة:

17 «لأَنِّي هأَنَذَا خَالِقٌ سَمَاوَاتٍ جَدِيدَةً وَأَرْضًا جَدِيدَةً، فَلاَ تُذْكَرُ الأُولَى وَلاَ تَخْطُرُ عَلَى بَال. 18 بَلِ افْرَحُوا وَابْتَهِجُوا إِلَى الأَبَدِ فِي مَا أَنَا خَالِقٌ، لأَنِّي هأَنَذَا خَالِقٌ أُورُشَلِيمَ بَهْجَةً وَشَعْبَهَا فَرَحًا. 19 فَأَبْتَهِجُ بِأُورُشَلِيمَ وَأَفْرَحُ بِشَعْبِي، وَلاَ يُسْمَعُ بَعْدُ فِيهَا صَوْتُ بُكَاءٍ وَلاَ صَوْتُ صُرَاخٍ. 20 لاَ يَكُونُ بَعْدُ هُنَاكَ طِفْلُ أَيَّامٍ، وَلاَ شَيْخٌ لَمْ يُكْمِلْ أَيَّامَهُ. لأَنَّ الصَّبِيَّ يَمُوتُ ابْنَ مِئَةِ سَنَةٍ، وَالْخَاطِئُ يُلْعَنُ ابْنَ مِئَةِ سَنَةٍ. 21 وَيَبْنُونَ بُيُوتًا وَيَسْكُنُونَ فِيهَا، وَيَغْرِسُونَ كُرُومًا وَيَأْكُلُونَ أَثْمَارَهَا. 22 لاَ يَبْنُونَ وَآخَرُ يَسْكُنُ، وَلاَ يَغْرِسُونَ وَآخَرُ يَأْكُلُ. لأَنَّهُ كَأَيَّامِ شَجَرَةٍ أَيَّامُ شَعْبِي، وَيَسْتَعْمِلُ مُخْتَارِيَّ عَمَلَ أَيْدِيهِمْ. 23 لاَ يَتْعَبُونَ بَاطِلًا وَلاَ يَلِدُونَ لِلرُّعْبِ، لأَنَّهُمْ نَسْلُ مُبَارَكِي الرَّبِّ، وَذُرِّيَّتُهُمْ مَعَهُمْ. 24 وَيَكُونُ أَنِّي قَبْلَمَا يَدْعُونَ أَنَا أُجِيبُ، وَفِيمَا هُمْ يَتَكَلَّمُونَ بَعْدُ أَنَا أَسْمَعُ. 25 الذِّئْبُ وَالْحَمَلُ يَرْعَيَانِ مَعًا، وَالأَسَدُ يَأْكُلُ التِّبْنَ كَالْبَقَرِ. أَمَّا الْحَيَّةُ فَالتُّرَابُ طَعَامُهَا. لاَ يُؤْذُونَ وَلاَ يُهْلِكُونَ فِي كُلِّ جَبَلِ قُدْسِي، قَالَ الرَّبُّ».

يقدم لنا إشعياء النبي صورة رائعة عن عمل السيد المسيح الخالق لإقامة كنيسة العهد الجديد. لقد أقام سموات جديدة وأرضًا جديدة [17]؛ أقام تجديدًا حقيقيًا للنفس (السموات) وللجسد (الأرض)، فصارت النفس والجسد معًا في انسجام، إذ خضع كلاهما لروحه القدوس. انتهى الصراع القديم بين شهوات النفس وشهوات الجسد، ودخلنا بالروح القدس إلى حياة الفرح الروحي والبهجة السماوية، إذ امتلأت حياتنا بثمر الروح القدس من محبة وفرح وسلام (غلا 5: 22). نفرح نحن كعروس مقدسة متجددة بعريسها، ويفرح هو بنا، إذ يقول: "فأبتهج بأورشليم وأفرح بشعبي" [19]. إنها فرحة الحب المشترك!
في هذه الحياة الجديدة التي صارت لنا في المعمودية تتحول الذئاب إلى حملان فيرعى الذئب مع الحمل، وتتحطم طبيعة الافتراس والشراسة فيأكل الأسد مع البقر. أما الحيات فلا تؤذي ولا تُهلك من عرف بنوته لله وعاش بإمكانيات الحياة التي صارت له].
أما سمات هذه الحياة الجديدة فهي:
أ. لا نعود نذكر الحياة الأولى ولا تخطر على بالنا، لأن فيض بركة الرب تمتص كل طاقاتنا [17].
ب. حياة فرح وابتهاج دائم أبدي [18-19]، لا يسمع فيها صوت بكاء أو صراخ.
ج. ليس فيها إنسان يحمل عجز الطفولة أو الشيخوخة، بل يتمتع الكل بالنضوج الروحي [20].
د. مملوءة بركات: يبنون بيوتًا روحيًا يسكنون فيها مع الله ويغرسون كرومًا ليشبعوا من ثمار الروح [21].
ه. لا يغتصب العدو (إبليس) موضعًا فيهم [23].
و. مملوئين سلامًا، لا يحل بهم الرعب [13].
ز. يستجيب الرب صلواتهم قبلما ينطقون بها: "ويكون أنيّ قبلما يدعون أنا أُجيب وفيما هم يتكلمون بعد أنا أسمع" [24].
ح. تغيير الطبيعة بانتزاع روح العداوة والتمتع بروح الحب والوحدة حتى بين الذئب والحمل، الأسد والبقر، الحية والإنسان! يأتي البشر من أمم متباينة اتسمت بعضها بالشراسة، وصار الكل شعبًا واحدًا تحت قيادة روح الله القدوس.


أورشليم الجديدة



اختتم هذا السفر الإنجيلي بالكشف عن أورشليم الجديدة التي أقيمت بالسيد المسيح بعدما هدم الحرف القاتل الذي ارتبط بالشكليات المفسدة لحياتنا الداخلية وعلاقتنا مع الله.


1. فساد العبادة الشكلية:

1 هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: «السَّمَاوَاتُ كُرْسِيِّي، وَالأَرْضُ مَوْطِئُ قَدَمَيَّ. أَيْنَ الْبَيْتُ الَّذِي تَبْنُونَ لِي؟ وَأَيْنَ مَكَانُ رَاحَتِي؟ 2 وَكُلُّ هذِهِ صَنَعَتْهَا يَدِي، فَكَانَتْ كُلُّ هذِهِ، يَقُولُ الرَّبُّ. وَإِلَى هذَا أَنْظُرُ: إِلَى الْمِسْكِينِ وَالْمُنْسَحِقِ الرُّوحِ وَالْمُرْتَعِدِ مِنْ كَلاَمِي. 3 مَنْ يَذْبَحُ ثَوْرًا فَهُوَ قَاتِلُ إِنْسَانٍ. مَنْ يَذْبَحُ شَاةً فَهُوَ نَاحِرُ كَلْبٍ. مَنْ يُصْعِدُ تَقْدِمَةً يُصْعِدُ دَمَ خِنْزِيرٍ. مَنْ أَحْرَقَ لُبَانًا فَهُوَ مُبَارِكٌ وَثَنًا. بَلْ هُمُ اخْتَارُوا طُرُقَهُمْ، وَبِمَكْرَهَاتِهِمْ سُرَّتْ أَنْفُسُهُمْ. 4 فَأَنَا أَيْضًا أَخْتَارُ مَصَائِبَهُمْ، وَمَخَاوِفَهُمْ أَجْلِبُهَا عَلَيْهِمْ. مِنْ أَجْلِ أَنِّي دَعَوْتُ فَلَمْ يَكُنْ مُجِيبٌ. تَكَلَّمْتُ فَلَمْ يَسْمَعُوا. بَلْ عَمِلُوا الْقَبِيحَ فِي عَيْنَيَّ، وَاخْتَارُوا مَا لَمْ أُسَرَّ بِهِ».

كثيرًا ما اتكل اليهود على وجود الهيكل في أورشليم كمصدر أمان لهم، مهما كانت حياتهم أو علاقتهم بالرب. لهذا يوبخهم الرب قائلا: "السموات كرسيّ والأرض موطئ قدمي، أين البيت الذي تبنون ليّ؟ وأين مكان راحتي؟" [1].
إن كان الله في محبته للإنسان سمح أن يُبنَى له بيتًا، إنما من قبيل تنازل الله ليعلن حلوله في وسطنا. الله لا تهمه الحجارة والمباني الضخمة إنما يسكن في "المسكين والمنسحق الروح والمرتعد من كلامه" [راجع 2]. لقد أدرك سليمان الحكيم هذه الحقيقة لهذا صلى في يوم تدشين الهيكل، قائلًا: "لأنه هل يسكن الله حقًا على الأرض؟! هوذا السموات وسماء السموات لا تسعك فكم بالأقل هذا البيت الذي بنيت" (1 مل 8: 27).
* لقد قبل بالحقيقة الهيكل الذي دُعي "هيكل أورشليم" بيتًا له أو محلته، ليس عن احتياج إليه وإنما لكي إذ تنظرون إليه تقدمون نفوسكم له.
القديس يوستين
* تُرى ما هو هذا المسكن الذي يتذكره داود فيسكب نفسه عليه (مز 42: 2)، مشتهيًا هذا البيت في حب قوي حتى الموت؟ هل هو المسكن المصنوع من جلد وبوص وإسمانجوني وأرجوان؟! لا شك أن نظرة داود مختلفة عن ذلك تمامًا...
أنزع عنك كل فكر أرضي، وتعال سرْ، في الطريق الذي يفتحه لك الأنبياء والرسل وفوق الكل سِر في كلمة الله من كل قلبك وبكل فهمك، لتصعد إلى السماء وتتأمل روعة المسكن الأبدي الذي أوضح لك موسى مجرد ظله.
العلامة أوريجانوس
* كنيسة الله هي السماء!
* "نفس البار كرسي الحكمة"... الأبرار هم الكراسي .
* لقد صرت سماءً، فهل تخاف الأرض...؟
لذلك متى صار لك كمال المعرفة، وصار لك الحب، تصبح عرش الله وسماءً. فإن السماء التي نتطلع إليها بأعيننا هذه ليست بثمينة جدًا أمام الله. نفوسنا المقدسة هي سماء الله؛ أذهان الملائكة وكل الخدام هي سماء الله.
القديس أغسطينوس
الكنيسة هي الدخول في الصخرة كما فعل موسى النبي لكي يرى مجد الله، هذه الصخرة هي المسيح. نثبت فيه بروح الاتضاع مع الانسحاق فننعم بالسكنى الإلهية، لهذا قيل: "وإلى هذا أنظر إلى المسكين والمنسحق الروح والمرتعد من كلامي" [2].
* أتريد أن تكون موضعًا للرب؟ كن مسكينا بالروح ومنسحقًا ومرتعدًا عند كلمة الله، فيتحقق لك ما تطلبه.
* لترتعب قلوبنا عندما يتطلع الله إلينا فيستقر فيها.
القديس أغسطينوس
* لنرتعب من كلماته لكي يبنينا على الدوام.
القديس يوحنا الذهبي الفم
* يليق بنا أن نحرص بأن نكون في الطريق الضيق المستقيم، طريق التسبيح والمجد، حيث يليق بكل المسيحيين أن يمارسوا السلام والاتضاع وهدوء الحياة الصالحة حسب كلمة الرب الذي لا ينظر إلاَّ إلى المسكين والمنسحق الروح والمرتعد من كلامه [2].
القديس كبريانوس
هكذا بالاتضاع وانسحاق القلب وخشية كلماته يتطلع إلينا الرب، ويسكن فينا، ويحولنا إلى سمواته المقدسة. أما من ينشغل بالشكليات في العبادة بروح الرياء والكبرياء، فإن الله لا يجد فيه راحة وتصير عبادته مكرهة أمامه. يَشتم الله الذبائح رائحة قتل ونجاسة وعبادة أوثان، إذ يقول: "من يذبح ثورًا فهو قاتل إنسان. من يذبح شاة فهو ناحر كلب، من يُصعِد تقدمة يصعد دم خنزير. من أحرق لبانًا فهو مُباركٌ وثنًا" [3]. وكما يقول الحكيم: "ذبيحة الأشرار مكرهة الرب وصلاة المستقيمين مرضاته" (أم 15: 8).
* الذبائح (الحيوانية) لا تقدس الإنسان، لأن الله لا يحتاج إلى ذبيحة، إنما ضمير مقدمها هو الذي يُقدس الذبيحة متى كان طاهرًا، وبهذا يحرك الله ليقبل التقدمة.
القديس إيريناؤس
أما ثمرة الانشغال في الشكليات بلا روح فهو الدخول في متاعب بلا تعزية، وعوض أن يُطمئنهم الرب قائلًا لكل واحد منهم: "لا تخف لأني معك؛ دعوتك باسمك أنت ليّ" (إش 43: 1)، يقول لهم: "هم اختاروا طرقهم وبمكرهاتهم سُرت أنفسهم، فأنا أيضًا أختار مصائبهم، ومخاوفهم أجلبها عليهم، من أجل أني دعوتُ فلم يكن مجيب، تكلمتُ فلم يسمعوا بل عملوا القبيح في عينيَّ واختاروا ما لم أُسرَّ به" [3-4].
هم يختارون الطريق الشرير ويسرون بالرجاسات المكروهة من الرب، لذلك يتركهم الله لاختيارهم فيسقطون تحت مصائب يجلبها عليهم... هي ثمرة طبيعية لتصرفاتهم. يرفضون دعوته ولا يسمعون لصوته لذلك لا يسمع إلى صلواتهم ولا يستجيب إلى طلباتهم. يشربون من ذات الكأس التي ملأوها.
2. التمييز بين الشكليين والجادين في العبادة:

5 اِسْمَعُوا كَلاَمَ الرَّبِّ أَيُّهَا الْمُرْتَعِدُونَ مِنْ كَلاَمِهِ: «قَالَ إِخْوَتُكُمُ الَّذِينَ أَبْغَضُوكُمْ وَطَرَدُوكُمْ مِنْ أَجْلِ اسْمِي: لِيَتَمَجَّدِ الرَّبُّ. فَيَظْهَرُ لِفَرَحِكُمْ، وَأَمَّا هُمْ فَيَخْزَوْنَ. 6 صَوْتُ ضَجِيجٍ مِنَ الْمَدِينَةِ، صَوْتٌ مِنَ الْهَيْكَلِ، صَوْتُ الرَّبِّ مُجَازِيًا أَعْدَاءَهُ. 7 قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهَا الطَّلْقُ وَلَدَتْ. قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ عَلَيْهَا الْمَخَاضُ وَلَدَتْ ذَكَرًا. 8 مَنْ سَمِعَ مِثْلَ هذَا؟ مَنْ رَأَى مِثْلَ هذِهِ؟ هَلْ تَمْخَضُ بِلاَدٌ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، أَوْ تُولَدُ أُمَّةٌ دَفْعَةً وَاحِدَةً؟ فَقَدْ مَخَضَتْ صِهْيَوْنُ، بَلْ وَلَدَتْ بَنِيهَا! 9 هَلْ أَنَا أُمْخِضُ وَلاَ أُوَلِّدُ، يَقُولُ الرَّبُّ، أَوْ أَنَا الْمُوَلِّدُ هَلْ أُغْلِقُ الرَّحِمَ، قَالَ إِلهُكِ؟

إن كان الشكليون في العبادة يعانون من المتاعب بلا تعزية، فأنه على العكس الجادون في حياتهم، المرتعدون من كلمة الرب يتعرضون للاضطهاد حتى الطرد لكنهم
يتمتعون بفرح حقيقي.
"اسمعوا كلام الرب أيها المرتعدون من كلامه. قال إخوتكم الذين أبغضوكم وطردوكم من أجل اسمي: ليتمجد الرب، فيظهر لفرحكم، وأما هم فيَخْزَوْنَ" [5]. هذا ما حدث عندما أبغض اليهود تلاميذ الرب ورسله وطردوهم تحت ستار الغيرة على مجد الله والناموس الموسوي، لكن فرح التلاميذ وخزي المضطهدون. أشار السيد المسيح إلى ذلك بقوله: "سيخرجونكم من المجامع بل تأتي ساعة فيها يظن كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة لله" (يو 16: 2).
أما ثمر الضيق الذي حل على رجال كنيسة العهد الجديد من إخوتهم فهو خراب الهيكل على يدي تيطس، إذ قيل هنا: "صوت ضجيج من المدينة، صوت من الهيكل، صوت الرب مجازيًا أعداءه" [6].
انتهت المقاومة بخراب الهيكل، أما هيكل كنيسة العهد الجديد فأُقيم في كل قلب يحمل ثمرًا هو تجلي رب المجد يسوع في الحياة الداخلية لكل مؤمن. يحدثنا النبي هنا عن نشأة هذه الكنيسة بطريقة فائقة، قائلًا: "قبل أن يأخذها الطلق ولدت، قبل أن يأتي عليها المخاض ولدت ذكرًا. من سمع مثل هذا؟ من رأى مثل هذا؟" [7-8]. ما هذه الولادة إلاَّ تجلي السيد المسيح في حياة المؤمنين.
يتطلع آباء الكنيسة إلى حياة المسيحي الروحية بعد عماده كحالة نمو للمسيح نفسه في داخل قلوبهم التي تتسم بالأمومة له.
* كما يتشكل الطفل في الرحم، هكذا يبدو ليّ أن كلمة الله يتشكل في قلب النفس التي تقبلت نعمة المعمودية لتدرك في داخلها كلمة الإيمان الأكثر مجدًا وأكثر وضوحًا.
* يبدو أنه من الخطأ أن نتحدث عن تجسد ابن الله من القديسة العذراء ولا نُشير إلى تجسده أيضًا في الكنيسة... إذ يليق بكل واحد منا أن يعرف مجيء ابن الله في الجسد بواسطة العذراء الطاهرة، وفي نفس الوقت أن يدرك مجيئه بالروح في كل واحد منا.
العلامة أوريجانوس
* ما حدث لمريم التي بلا عيب حين أشرق فيها كمال اللاهوت الذي في المسيح يتحقق في كل نفس تمارس البتولية كمنهج لها. حقًا لا يعود يأتي السيد ليحل حلولًا جسديًا "فإننا لسنا نعرفه بعد حسب الجسد" (2 كو 5: 6)، إنما يسكن فينا روحيًا، ويحضر معه أباه كما أخبرنا في الإنجيل...
* بهذا يستطيع كل مسيحي أن يصير أمًا لذاك الذي هو جوهريًا كل شيء، إذ يقول ربنا نفسه: "من يصنع مشيئة أبي الذي في السموات فهذا هو أمي" (مر 3: 25، مت 12: 5).
القديس غيرغوريوس أسقف نيصص
* (كل مسيحي) يحبل بالله في قلبه.
القديس أغسطينوس
* يُنادي النفس التي تبدأ في الاتجاه نحو السيد المسيح هكذا: "يا مريم"، أي تتقبل اسم المرأة التي حملت به في أحشائها، إذ تلده النفس بمفهوم روحي.
* احرص أن تُتمم مشيئة الآب لكي تكون أمًا للمسيح (مر 3: 25).
القديس أمبروسيوس
لقد وُلدت الكنيسة الجامعة بقوة كما في يوم واحد، إذ قيل: "هل تمخَضُ بلادٌ في يومٍ واحدٍ؟ أو تولد أمةٌ دفعةً واحدةٌ؟" [8]، إذ وُلدت في يوم العنصرة ونمت بسرعة عجيبة.
3. أورشليم الجديدة:

10 افْرَحُوا مَعَ أُورُشَلِيمَ وَابْتَهِجُوا مَعَهَا، يَا جَمِيعَ مُحِبِّيهَا. اِفْرَحُوا مَعَهَا فَرَحًا، يَا جَمِيعَ النَّائِحِينَ عَلَيْهَا، 11 لِكَيْ تَرْضَعُوا وَتَشْبَعُوا مِنْ ثَدْيِ تَعْزِيَاتِهَا، لِكَيْ تَعْصِرُوا وَتَتَلَذَّذُوا مِنْ دِرَّةِ مَجْدِهَا». 12 لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: «هأَنَذَا أُدِيرُ عَلَيْهَا سَلاَمًا كَنَهْرٍ، وَمَجْدَ الأُمَمِ كَسَيْل جَارِفٍ، فَتَرْضَعُونَ، وَعَلَى الأَيْدِي تُحْمَلُونَ وَعَلَى الرُّكْبَتَيْنِ تُدَلَّلُونَ. 13 كَإِنْسَانٍ تُعَزِّيهِ أُمُّهُ هكَذَا أُعَزِّيكُمْ أَنَا، وَفِي أُورُشَلِيمَ تُعَزَّوْنَ. 14 فَتَرَوْنَ وَتَفْرَحُ قُلُوبُكُمْ، وَتَزْهُو عِظَامُكُمْ كَالْعُشْبِ، وَتُعْرَفُ يَدُ الرَّبِّ عِنْدَ عَبِيدِهِ، وَيَحْنَقُ عَلَى أَعْدَائِهِ. 15 لأَنَّهُ هُوَذَا الرَّبُّ بِالنَّارِ يَأْتِي، وَمَرْكَبَاتُهُ كَزَوْبَعَةٍ لِيَرُدَّ بِحُمُوٍّ غَضَبَهُ، وَزَجْرَهُ بِلَهِيبِ نَارٍ. 16 لأَنَّ الرَّبَّ بِالنَّارِ يُعَاقِبُ وَبِسَيْفِهِ عَلَى كُلِّ بَشَرٍ، وَيَكْثُرُ قَتْلَى الرَّبِّ. 17 الَّذِينَ يُقَدِّسُونَ وَيُطَهِّرُونَ أَنْفُسَهُمْ فِي الْجَنَّاتِ وَرَاءَ وَاحِدٍ فِي الْوَسَطِ، آكِلِينَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَالرِّجْسَ وَالْجُرَذَ، يَفْنَوْنَ مَعًا، يَقُولُ الرَّبُّ. 18 وَأَنَا أُجَازِي أَعْمَالَهُمْ وَأَفْكَارَهُمْ. حَدَثَ لِجَمْعِ كُلِّ الأُمَمِ وَالأَلْسِنَةِ، فَيَأْتُونَ وَيَرَوْنَ مَجْدِي. 19 وَأَجْعَلُ فِيهِمْ آيَةً، وَأُرْسِلُ مِنْهُمْ نَاجِينَ إِلَى الأُمَمِ، إِلَى تَرْشِيشَ وَفُولَ وَلُودَ النَّازِعِينَ فِي الْقَوْسِ، إِلَى تُوبَالَ وَيَاوَانَ، إِلَى الْجَزَائِرِ الْبَعِيدَةِ الَّتِي لَمْ تَسْمَعْ خَبَرِي وَلاَ رَأَتْ مَجْدِي، فَيُخْبِرُونَ بِمَجْدِي بَيْنَ الأُمَمِ. 20 وَيُحْضِرُونَ كُلَّ إِخْوَتِكُمْ مِنْ كُلِّ الأُمَمِ، تَقْدِمَةً لِلرَّبِّ، عَلَى خَيْل وَبِمَرْكَبَاتٍ وَبِهَوَادِجَ وَبِغَال وَهُجُنٍ إِلَى جَبَلِ قُدْسِي أُورُشَلِيمَ، قَالَ الرَّبُّ، كَمَا يُحْضِرُ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَقْدِمَةً فِي إِنَاءٍ طَاهِرٍ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ. 21 وَأَتَّخِذُ أَيْضًا مِنْهُمْ كَهَنَةً وَلاَوِيِّينَ، قَالَ الرَّبُّ. 22 لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ السَّمَاوَاتِ الْجَدِيدَةَ وَالأَرْضَ الْجَدِيدَةَ الَّتِي أَنَا صَانِعٌ تَثْبُتُ أَمَامِي، يَقُولُ الرَّبُّ، هكَذَا يَثْبُتُ نَسْلُكُمْ وَاسْمُكُمْ. 23 وَيَكُونُ مِنْ هِلاَل إِلَى هِلاَل وَمِنْ سَبْتٍ إِلَى سَبْتٍ، أَنَّ كُلَّ ذِي جَسَدٍ يَأْتِي لِيَسْجُدَ أَمَامِي، قَالَ الرَّبُّ. 24 وَيَخْرُجُونَ وَيَرَوْنَ جُثَثَ النَّاسِ الَّذِينَ عَصَوْا عَلَيَّ، لأَنَّ دُودَهُمْ لاَ يَمُوتُ وَنَارَهُمْ لاَ تُطْفَأُ، وَيَكُونُونَ رَذَالَةً لِكُلِّ ذِي جَسَدٍ».

يختتم النبي حديثه بالكشف عن أورشليم الجديدة:
أ. تفيض فرحًا وبهجة على محبيها النائحين عليها بسبب ما تُعانيه من ضيقات [10]. من الخارج آلام ومتاعب، ومن الداخل فيض فرح حتى على الغير.
ب. تفيض شبعًا للجميع، تهب الأطفال تعزيات كما من لبن ثدييها، بينما تهب الكبار من عصير ولذة دُرّة مجدها.
ج. فيض سلام كنهر، ومجد عظيم كسيل جارف. "لأنه هكذا قال الرب: هأنذا أدير عليها سلامًا كنهر ومجد الأمم كسيل جارف فترضَعُون، وعلى الأيدي تُحملون، وعلى الركبتين تُدللون" [12].
الله نفسه يدير السلام على كنيسته كما يسقي الفلاح حقله، يرويه من ينابيع سلامه كما من نهر لا ينضب، ويفيض عليها المجد.
* في وعده للصالحين يقول أنه سيفيض عليهم نهر سلام، بمعنى يفيض عليهم بأعظم إمكانية. بهذا السلام ننتعش... ويشبع الكل منه، لأنه سيفيض حتى على الأجساد الأرضية بسلام عدم الفساد والخلود... كأن الله يسكب (نفسه) من الأمور العلوية إلى الدنيا، ويجعل البشر مساوين للملائكة.
القديس أغسطينوس
د. مصدر تعزية إلهية: "كإنسان تعزيه أمه هكذا أعزيكم أنا وفي أورشليم تعزون" [13]. الله أب يهب الكنيسة أمومة ليس فقط نحو المؤمنين أبنائها وإنما نحو كل بشر، تحمل قلبًا متسعًا كعريسها لتفيض حبًا على الجميع.
بكونها أمًا تقدم تعزية لأبنائها خاصة المتألمين وحاملي الصليب، هذه التعزية ليست من عندياتها، إنما هي عطية الروح القدس الساكن فيها... لذا يقول الرب "هكذا أعزيكم أنا" [3].
بالنسبة لرجال العهد القديم وجدوا تعزيتهم في أورشليم من جانبين: أنهم رجعوا عن السبي، وأن الله يسكن في وسطهم. أما في العهد الجديد فيهبنا الروح القدس تعزياته بالغلبة على العدو محطم حريتنا وقبولنا مسكنًا للثالوث القدوس.
"فتَروْنَ وتفرح قلوبكم وتزهو عظامكم كالعشب وتُعرف يد الرب عند عبيده ويحنَق على أعدائه" [14]. نرى الصليب، إذ فيه ظهرت الحياة، وتُعرف يد الرب أي يُكشف عن شخص السيد المسيح بكونه يد الآب... إذ به تحقق حب الله الآب عمليًا خلال ذبيحة الصليب. في الكنيسة ننعم بهذا فتتهلل قلوبنا فرحًا، وتزهو عظام إيماننا. هذه هي تعزيتنا في الرب خلال كنيسته: يهبنا فرح القلب السماوي واتساعه بالحب وينمي إيماننا (العظام بكونها مركز الجسم).


ه. مصدر للطهارة: "الذين يقدسون ويطهرون أنفسهم في الجنات وراء واحدٍ في الوسط آكلين لحم الخنزير والرجس والجُرَذ يفنون معًا يقول الرب" [17]؛ "كما يُحضِرُ بنو إسرائيل تقدمة في إناء طاهر إلى بيت الرب" [20].
و. تعلن مجد الله وسط الأمم [18-20].
ز. مدينة كهنوتية: "وأتخذ أيضًا منهم كهنة ولاويين قال الرب" [21].
ح. مدينة أبدية: "هكذا يَثبُتُ نسلكم واسمكم" [22].
ط. شعب دائم التعبد: "ويكون من هلال إلى هلال ومن سبت إلى سبت أن كل ذي جسد يأتي ليسجد أمامي قال الرب" [23].
ى. ليس بينهم هالك... إنما يتحقق الهلاك خارج أورشليم الحقيقية. "ويخرجون ويَروْنَ جثث الناس الذين عصوا عليّ لأن دودهم لا يموت ونارهم لا تُطفأ، ويكونون رَذالةٌ لكل ذي جسد" [24].






 
قديم 07 - 09 - 2024, 10:48 AM   رقم المشاركة : ( 172499 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,274,770

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



بعدما تعرض للعقبات التي تحول عن تمتع الإنسان بالخلاص (إش 57-59) يُقدم لنا في نهاية السفر صورة مبهجة ورائعة عن بناء مدينة الرب الجديدة (60-66).
هنا (إش 60) يُقدم لنا صورة رائعة لكنيسة العهد الجديد كمدينة الرب صهيون المنيرة، أيقونة السماء.


مدينة منيرة:

1 «قُومِي اسْتَنِيرِي لأَنَّهُ قَدْ جَاءَ نُورُكِ، وَمَجْدُ الرَّبِّ أَشْرَقَ عَلَيْكِ. 2 لأَنَّهُ هَا هِيَ الظُّلْمَةُ تُغَطِّي الأَرْضَ وَالظَّلاَمُ الدَّامِسُ الأُمَمَ. أَمَّا عَلَيْكِ فَيُشْرِقُ الرَّبُّ، وَمَجْدُهُ عَلَيْكِ يُرَى.

سبق أن أكّد الرب أنه يقوم بنفسه بالخلاص ويفدي صهيون، مقيمًا عهده الجديد معها (إش 59: 15-21). الآن إذ قدم السيد المسيح خلاصه على الصليب، وأعلن الآب قبوله بالقيامة التي هي ليست عطية خارجية عن السيد المسيح إذ هو نفسه القيامة (يو 11: 25)، له سلطان أن يضع نفسه وله سلطان أن يأخذها (يو 10: 18)، يطلب من كنيسة العهد الجديد أن تتمتع بحياة فاديها كحياة مقامة لا موضع للظلام فيها.
"قومي استنيري لأنه قد جاء نورك ومجد الرب أشرق عليكِ، لأنه ها هي الظلمة تغطي الأرض والظلام الدامس الأمم، أما عليكِ فيشرق الرب، ومجده عليكِ يُرى" [2].
عندما عاد اليهود من السبي حسبوا أنفسهم كمن قاموا من الموت، وتمتعوا بنور الحياة والحرية بعد سبعين عامًا من المذلة كما في ظلمة القبر. أما كنيسة العهد الجديد فقد تمتعت بما هو أعظم، اتحادها بالنور الحقيقي كعريس أبدي يُقيم منها عروسًا تحمل نوره وبهاءه ومجده. وكما قال الرب عن نفسه "أنا هو نور العالم" (يو 8: 12)، دَعَى تلاميذه نور العالم (مت 5: 14)، إذ يحملونه فيهم.
 
قديم 07 - 09 - 2024, 10:51 AM   رقم المشاركة : ( 172500 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,274,770

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




ما هو سرّ استنارة الكنيسة؟
قيامة الرب التي قدمت لنا الحياة الجديدة التي لن يغلبها الموت، ولا تقدر الظلمة أن تقتنصها ولا القبر أن يُحطمها. لذلك يقول الرسول: "استيقظ أيها النائم وقم من الأموات
فيضيء لك المسيح" (أف 5: 14).
لما كان العماد هو تمتع بقيامة المسيح فينا لذا دُعي هذا السر "استنارة".
* إذ نعتمد نستنير، وإذ نستنير نُتبنى، وإذ نُتبنى نكمل...
يُدعى هذا الفعل بأسماء كثيرة اعني نعمة واستنارة وكمالًا وحميمًا... فهو استنارة إذ به نرى النور القدوس الخلاصي، أعني أننا به نشخص إلى الله بوضوح.
القديس إكليمنضس الإسكندري
* الاستنارة وهي المعمودية... هي معينة الضعفاء ... مساهمة النور... انتفاض الظلمة.
الاستنارة مركب يسير تجاه الله؛ مسايرة المسيح، أُس الدين، تمام العقل!
الاستنارة مفتاح الملكوت واستعادة الحياة.
القديس غريغوريوس النزينزي
* المعمودية هي ابنة النهار، فتحت أبوابها فهرب الليل الذي دخلت إليه الخليقة كلها!
مار يعقوب السروجي
هكذا إذ نقبل الاتحاد مع ربنا يسوع المسيح المصلوب ندفن معه في المعمودية ونقوم حاملين إمكانية الحياة الجديدة، لنحيا كما يليق كأبناء للنور، وأعضاء جسد المسيح القدوس. لا يليق بنا أن ننزل بعد إلى ظلمة الخطية، ولا أن نعتذر بضعفنا البشري لأننا نحمل فينا نور الرب ويشرق علينا مجده. لا نصير بعد أرضًا مظلمة بل سماء تحتضن مجد الله وبهاءه.
هذه هي سمة الكنيسة كحياة جديدة في المسيح، الساكن فيها، يشرق عليها ببره الإلهي، فيقال عنا: "فليضئ نوركم قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات" (مت 5: 16).
* عندما يمارسون الإلهيات وينطقون بها، ويعيشون الحياة الإلهية، هازمين قساوة القلب ومتمتعين بسلام البر، يلاحقهم مجد عظيم في كنيسة المسيح.
القديس أغسطينوس
إذ جاء السيد المسيح إلى العالم ليقتني البشرية عروسًا له يسكب مجده وبهاءه في داخلها؛ يهبها روحه القدوس لكي يُزينها ويُجمِلّها لتتهيأ بالمجد الداخلي للعرس السماوي الأبدي. فيُقال لها: "اسمعي يا ابنتي وانظري وأميلي أذنك وأنسي شعبك وبيت أبيك، فيشتهي الملك حسنك، لأنه هو سيدك فاسجدي له... كل مجدٌ ابنة الملك في خدرها" (مز 45: 10-13).
 
موضوع مغلق

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:29 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024