نبوة قيافا
فقال لهم واحدٌ منهم، وهو قيافا... أنه خيرٌ لنا أن يموت إنسانٌ
واحدٌ عن الشعب ولا تهلك الأمة كلها!
( يو 11: 49 ، 50)
لقد كان قصد قيافا من هذا الكلام رديئًا، ولكن الكلام نفسه كان صحيحًا، بل كان صحيحًا فوق تفكيره بكثير. والأعداد 50 إلى 52 من يوحنا11 تحتوي على عناصر ثلاثة: ع50 يتحدث عن موت المسيح، ع51 يتحدث عن غرض هذا الموت، ع52 يتحدث عن مجال وبركات هذا الموت.
وإننا لو تجاوزنا عن القصد الشرير الذي قصده ذلك الرجل الفاسد، فما أسمى الحق المتضمن في هذا الإعلان العجيب: أن المسيح مزمع أن يموت عن الأمة! وقبل قيافا بمئات السنين، تنبأ إشعياء بالقول: «وفي جيله (أي جيل المسيا) مَن كان يظن أنه قُطع من أرض الأحياء، أنه ضُرب من أجل ذنب شعبي؟». وأيضًا: «كلنا كغنمٍ ضللنا، مِلنا كل واحدٍ إلى طريقه، والرب وضع عليه إثم جميعنا». بل إن إشعياء لم يسجل فقط هذا الحق، بل سجل أيضًا كيف ستسيء الأمة تفسيرها لِما حدث، وبالتالي تقديرها لمخلِّصها وربها، فيقول: «ونحن حسبناه مُصابًا مضروبًا من الله ومذلولاً. وهو مجروح لأجل معاصينا، مسحوق لأجل آثامنا. تأديب سلامنا عليه، وبحُبُره شُفينا» ( إش 53: 4 - 8). ويُخبرنا كاتب العبرانيين: «من ثمَّ كان ينبغي أن يُشبه إخوته في كل شيء، لكي يكون رحيمًا، ورئيس كهنة أمينًا في ما لله حتى (أي إلى الدرجة التي فيها) يُكفِّر خطايا الشعب» ( عب 2: 17 ). وأما دانيال فقد قال: «يُقطع المسيح وليس له». وأحد المعاني المقترحة لهذه العبارة أن المسيح سيموت، ليس لعيبٍ فيه ولا لذنب عمل!
غني عن البيان أن قيافا لم يكن يدور في ذهنه هذا المعنى الرائع من العمل الفدائي والنيابي العجيب. ولكنه في بُغضة قلبه وشره من نحو مسيح الله، تمم مشيئة الله دون أن يدري. وهو في هذا يذكّرنا بإخوة يوسف الأشرار، الذين أرادوا إبطال مشورة الله من جهة يوسف، فإذا بهم يتممونها رغمًا عنهم. نعم، لقد قصد قيافا للمسيح شرًا، ولكن الله قصد به خيرًا ( تك 50: 20 ).
أما من جهة المسيح فقد قَبِل الموت من يد الله بكامل إرادته، وأما بالنسبة لتصرف الأشرار الظالمين، فقد كان المسيح يُسلِّم لمَن يقضي بعدل ( 1بط 2: 23 )، والويل لمَن يظلم، أيًا كان ( كو 3: 25 )، فكم بالحري عندما يظلم الإنسان قاضيه وديانه!!