منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات
قديم 24 - 08 - 2024, 05:23 PM   رقم المشاركة : ( 171351 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,711

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




يا أم الرحمة أحمينا ساعة التجارب، وأنقذينا من المخاطر.
أسعفينا عند الاحتياج، وأرشدينا بمشورتك الصالحة حال الارتياب.
عزِّينا في الأحزان وافتقدينا في الأمراض.
لا تسمحي بأن يقع في قبضة الشيطان احدٌ منا،
نحن المكرَّسين لعبادتك. بل اجعلينا نأتي كلنا إلى السماء
حيث نشكر نعمكِ ونحبكِ ونحب ابنك يسوع فادينا
ونباركه معك إلى دهر الداهرين.
 
قديم 24 - 08 - 2024, 05:26 PM   رقم المشاركة : ( 171352 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,711

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


صلوات العذراء الزائرة

باسم الآب و الابن و الروح القدس الإله الواحد آمين

صلاة إفتتاحيـة وطلب الروح القدس…………

جميعا: هلمّ أيها الروح القدس , إملأ قلوب مؤمنيك , أشعل فيهم نـار محبتك.

س : ارسل روحك فيخلقوا.

ج : فيلتجدد وجه الارض.

لنصلِّ: اللهم يا من بنور الروح القدس ارشدت قلوب مؤمنيك، إجعلنا بالروح عينه نتلذذ بالخير ونبتهج بتعزيـته دائما. بيسوع المسيح ربنـا. آمين.

س : يا رب افتح شفتيَّ.

ج : ليُخبر فمي بتسبيحتك.

س : اللهم أصغ إلى معونتي.

ج : يا رب أسرع إلى إغاثتي.

س : المجد للآب والابن و الروح القدس

ج: الآن و كل آوان وإلى أبد الأبدين. آمين

الكاهن: أيتهـا القديسة مريم البتول، انـنا نقدم لكِ هذه الصلوات، عن إخوتـنا الأحياء الـمشتركين معي فى هذه الـمسبحة الورديـة، لكيّما يهبهم الرب الإلـه بشفاعتك كل ما يوافق خلاصهم ولمجد اسم الرب يسوع. آمين.
 
قديم 24 - 08 - 2024, 05:42 PM   رقم المشاركة : ( 171353 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,711

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


وصيَّة داود الملك لابنه

كشفت اللحظات الأخيرة من حياة داود عمَّا يحمله في قلبه. فإنَّه كان يهتم أن يتمِّم مشيئة الرب من جهة إقامة سليمان ملكًا، وأيضًا في تحقيق العدالة الإلهيَّة سواء بالنسبة لِمَن أساءوا إلى الناموس أو الذين قدَّموا عمل محبَّة.
من عادة الآباء أن يقدِّموا النصائح الوداعيَّة حينما يشعرون بقرب رحيلهم من العالم، يقدِّمونها مع البركة، خاصة للابن البكر. والسيِّد المسيح نفسه قبيل صلبه قدَّم لنا حديثه الوداعي الرائع، كما قدَّم صلاة وداعيَّة.
جاءت تدابير داود لابنه لتولِّي العرش في (1 أي 28-29)، تتلخَّص في الآتي:
1. عرَّف رجال القصر بابنه كملكٍ خلَفُه على العرش، مختار من قبل الله.
2. أوصاهم بالطاعة للوصايا الإلهيَّة.
3. حثَّ سليمان والشعب على بناء الهيكل مقدِّمًا له نموذجًا للمبنى مع المواد التي جمعها لتحقيق هذا الهدف.


4. حث العظماء على المساهمة في هذا العمل.
5. قدَّم تسبيحًا وشكرًا لله، كما أقام احتفالًا دينيًا.
6. مسحه في حضرة الرب أمام الشعب (1 أي 29: 22) للمرَّة الثانية، كما حدث مع شاول (1 صم 11)، وداود (2 صم 2: 4، 5: 3)، غايتها هو الاطمئنان ألاَّ يحدث تمرُّد على سليمان بعد موته.
تكشف وصيَّته الوداعيَّة عن شوق داود النبي أن يلتزم خلفاؤه أن يخافوا الرب ويكونوا مخلصين للعهد حتى يتحقَّق الوعد الإلهي بأن تستمر عائلة داود الملوكيَّة على العرش. هذا هو الضمان الوحيد لنجاحهم في كل عملٍ تمتدّ إليه أيديهم.

1. وصايا روحيَّة:

1 وَلَمَّا قَرُبَتْ أَيَّامُ وَفَاةِ دَاوُدَ أَوْصَى سُلَيْمَانَ ابْنَهُ قَائِلًا: 2 «أَنَا ذَاهِبٌ فِي طَرِيقِ الأَرْضِ كُلِّهَا، فَتَشَدَّدْ وَكُنْ رَجُلًا. 3 اِحْفَظْ شَعَائِرَ الرَّبِّ إِلهِكَ، إِذْ تَسِيرُ فِي طُرُقِهِ، وَتَحْفَظُ فَرَائِضَهُ، وَصَايَاهُ وَأَحْكَامَهُ وَشَهَادَاتِهِ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى، لِكَيْ تُفْلِحَ فِي كُلِّ مَا تَفْعَلُ وَحَيْثُمَا تَوَجَّهْتَ. 4 لِكَيْ يُقِيمَ الرَّبُّ كَلاَمَهُ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ عَنِّي قَائِلًا: إِذَا حَفِظَ بَنُوكَ طَرِيقَهُمْ وَسَلَكُوا أَمَامِي بِالأَمَانَةِ مِنْ كُلِّ قُلُوبِهِمْ وَكُلِّ أَنْفُسِهِمْ، قَالَ لاَ يُعْدَمُ لَكَ رَجُلٌ عَنْ كُرْسِيِّ إِسْرَائِيلَ.

في وقارٍ شديد وجِديَّة قدَّم داود الملك وهو على فراش الموت وصيَّته لابنه سليمان. وقد جاءت وصيَّة داود الوداعيَّة نموذجًا حيًّا لما يليق بالآباء أن يقدِّموه لأبنائهم:


أ. نظرته نحو الموت كانطلاق للنفس في موكب جماعي وخروجها مع نفوس آبائه إلى مسكنها الأخير:
"ولما قربت أيَّام وفاة داود أوصى سليمان ابنه قائلًا:
أنا ذاهب في طريق الأرض كلها،
فتشدَّد وكن رجلًا" [1-2].
إنه لم يخشَ أن يسمع عن الموت أو يتحدَّث عنه، بل عبَّر عنه بأسلوب رائع. حسبه طريق الأرض كلها. البشريَّة التي خرجت من الأرض تلتزم بالعودة إليها. الموت هو انطلاق من وادي الدموع (مز 23: 4)، كما في موكب يضم الجميع حتى الأنبياء العظماء والمؤمنين الأبرار، والملوك، لكن بروح الرجاء حيث يعبرون إلى ما وراء الزمن.
* الموت بالنسبة للذين يفهمونه خلود، أمَّا بالنسبة للبُلهاء الذين لا يفهمونه فهو موت. يجب علينا ألاَّ نخاف هذا الموت، بل نخاف هلاك النفس الذي هو عدم معرفة الله. هذا هو ما يرعب النفس بحق!
* يستحيل علينا أن نهرب من الموت بأيَّة وسيلة.
إذ يعرف العقلاء هذا بحق يمارسون الفضائل ويفكِّرون في حب الله، ويواجهون الموت بلا تنهُّدات أو خوف أو دموع، مفكِّرين في أن الموت أمرٌ محتم من جهة، ومن جهة أخرى إنَّه يحرِّرنا من الأمراض التي نخضع لها في هذه الحياة.
القديس أنطونيوس الكبير
ب. حثّ الجيل الجديد على العمل بروح القوَّة والالتزام والشعور بالمسئوليَّة:


"تشدَّد وكن رجلًا" [2].
تحمل هذه الوصيَّة الأبويَّة انعكاسًا للوصيَّة الإلهيَّة لكل قائدٍ، بل ولكل مؤمنٍ، إذ يود الله أن يرى في كل أولاده قادة واثقين من الحضرة الإلهيَّة والتمتُّع بالوعود الإلهيَّة وبالقوَّة السماويَّة. فمهما بلغ عمرنا نشعر أنَّنا أطفال، لكن بالرب نصير ناضجين، نحمل روح القوَّة.
"تشدَّدوا وتشجَّعوا، لا تخافوا ولا ترهبوا وجوههم، لأن الرب إلهك سائر معك، لا يهملك ولا يتركك" (تث 31: 6).
"تشدَّد وتشجَّع، لأنَّك أنت تقسم لهذا الشعب الأرض التي حلفت لآبائهم أن أعطيهم" (يش 1: 6).
"إنَّما كن متشدِّدا وتشجَّع جدًا لكي تتحفَّظ للعمل حسب كل الشريعة التي أمرك بها موسى عبدي، لا تمل عنها يمينًا ولا شمالًا لكي تفلح حيثما تذهب" (يش 1: 7).
"أما أمرتك تشدَّد وتشجَّع؟! لا ترهب ولا ترتعب، لأن الرب إلهك معك حيثما تذهب" (يش 1: 9).
"انتظر الرب ليتشدَّد وليتشجَّع قلبك وانتظر الرب" (مز 27: 14).
"لتتشدَّد ولتتشجَّع قلوبكم يا جميع المنتظرين الرب" (مز 31: 24).
سهروا اثبتوا في الإيمان، كونوا رجالًا تقووا" (1 كو 16: 13).
* تحمَّل برجولة النيران التي تُطهِّر شهواتك، وفي شجاعة تلك التي تُطهِّر قلبك. لا تظن أن ما لم تنله بعد لا تحصل عليه. ولا تخور يائسًا مادمت تتأمَّل الكلمات: "انتظر الرب".
القديس أغسطينوس
ج. الالتزام بالإخلاص للعهد الإلهي والطاعة لوصاياه.
"احفظ شعائر الرب إلهك،
إذ تسير في طرقه وتحفظ فرائضه وصاياه وأحكامه وشهاداته كما هو مكتوب في شريعة موسى،
لكي تفلح في كل ما تفعل وحيثما توجَّهت.
لكي يقيم الرب كلامه الذي تكلَّم به عنِّي قائلًا:
إذا حفظ بنوك طريقهم وسلكوا أمامي بالأمانة من كل قلوبهم وكل أنفسهم
قال لا يعدم لك رجل عن كرسي إسرائيل" [3-4].
ما هو السير في طريق الرب إلاَّ التمتُّع بالحضرة الإلهيَّة والاتِّكاء على الذراع الإلهي وحفظ الوصيَّة عِوض السير حسب الفكر البشري والاتِّكاء على القوَّة العسكريَّة والذهب والفضة والمظاهر الخارجيَّة.
إن أراد المؤمن أن يكون ملكًا حقيقيًا، صاحب سلطان على أفكاره ومشاعره وكلماته وتصرُّفاته، قادر أن يطأ كل قوَّات الظلمة يلتزم أن يحفظ فرائض الرب ووصاياه وأحكامه وشهاداته. فإنَّه إذ يحفظها تحفظه هي، وتهبه من سماتها القداسة والحكمة مع القوَّة والفرح.
في تفسيرنا لسفر المزامير سبق أن عرضنا التمييز بين الفرائض والوصايا والأحكام والشهادات.
إذ يقدِّم الله لنا الفرائض المقدَّسة يودّ منَّا أن نسلك بروح التدبير والنظام لنحمل حياته المقدَّسة فينا، فلا يكون للتشويش موضع فينا. وبوصاياه يشتهي أن نحمل روح الطاعة، فنشارك مسيحنا المطيع للآب سماته الفائقة. وبحفظنا لأحكامه نُعلن ثقتنا في أبوَّته الحكيمة الحانية وقبولنا لإرادته الإلهيَّة حتى في لحظات تأديبنا المُرَّة. وبتمسُّكنا بشهاداته نشهد أمام أنفسنا كما أمام اخوتنا يقيننا بالحق الإلهي، وترقُّبنا لما وعدنا به في الحياة العتيدة.
هكذا يدعو داود النبي ابنه سليمان أن يلتزم كملكٍ بالآتي:
إن كان كملكٍ يطلب خضوع الكل للنظام الذي يضعه من أجل سلام البلد، يلتزم هو بالخضوع للتدبير الإلهي فلا يسلك حسب هواه الشخصي. فإن في داخله مملكة الله التي تشغل السماء كلَّها!
يلتزم الملك بالطاعة لله ولوصيَّته، فيطيعه شعبه ويقبل قوانينه.
يقبل أحكام الله العادلة، فيحمل روح العدالة في أحكامه الخاصة بالدولة.
يشهد لله الأمين في مواعيده، فيصير هو نفسه موضع ثقة شعبه.
هكذا يقدِّم لنا داود النبي مفهومًا حيًّا عمليًّا للنجاح، وهو أن ما نمارسه في علاقتنا بالله أبينا يرتدّ علينا حتى في علاقات اخوتنا بنا. وكما قيل: "كما فعلت يُفعل بك؛ عملك يرتدّ على رأسك" (عو 15). إن صرنا موضع سرور الله، ننال نعمة حتى أمام أعدائنا إن وُجدوا.
أما بخصوص الوعد الإلهي لداود أن لا يُعدم له رجل على كرسي إسرائيل، فقد قدَّمه له الرب في (2 صم 7: 11-16)، وثبَّته لابنه سليمان بعد ذلك (1 مل 9: 5). وكان هذا الوعد مشروطًا، وللأسف لم يوفِ أبناء داود بالشروط، فنُزعت المملكة منهم تدريجيًّا خلال السبيّ الآشوري ثم البابلي. أمَّا الوعد الإلهي بمجيء المسيّا من نسله فلم يكن مشروطًا وقد جاء ربنا يسوع المسيح ابن داود. بمجيئه تثبَّت الوعد الأوَّل بمفهوم روحي جديد تحدَّث عنه إرميا النبي (إر 33: 14-18). فقد جاء المسيّا "الرب برِّنا"، ووهبنا ذاته برًّا أمام الآب، وصرنا ملوكًا روحيِّين، نجلس على كرسي بيت إسرائيل، نُحسب أبناء لداود الملك، أو بالأحرى لابن داود ملك الملوك.
لعلَّه يشير هنا إلى الشرائع الخاصة بالملك كما قدَّمها موسى النبي: "لا يكثر له الخيل ولا يرد الشعب إلى مصر لكي يكثر الخيل والرب قال لكم لا تعودوا ترجعون في هذه الطريق أيضًا، ولا يكثر له نساء لئلاَّ يزيغ قلبه، وفضَّة وذهبًا لا يكثر له كثيرًا. وعندما يجلس على كرسي مملكته يكتب لنفسه نسخة من هذه الشريعة في كتاب من عند الكهنة اللآويِّين. فتكون معه ويقرأ فيها كل أيَّام حياته، لكي يتعلَّم أن يتَّقي الرب إلهه ويحفظ جميع كلمات هذه الشريعة وهذه الفرائض ليعمل بها، لئلاَّ يرتفع قلبه على إخوته ولئلاَّ يحيد عن الوصيَّة يمينًا أو شمالًا، لكي يطيل الأيَّام على مملكته هو وبنوه في وسط إسرائيل" (تث 17: 16-20).


لم يُمنع الملك من أن يركب خيلًا، وإن كان ملك الملوك في تواضعه دخل أورشليم راكبًا على أتان وجحش ابن أتان. لقد مُنع من المبالغة في استخدام الخيول كنوعٍ من المجد الباطل، أو لأنَّه مع كثرة الخيل يعطي أناسًا غير مستحقِّين للكرامة أن يستغلُّوا موقعهم في القصر الملكي. قيل: "قد رأيت عبيدًا على الخيل، ورؤساء ماشين على الأرض كالعبيد" (جا 10: 7).
يرى العلامة أوريجينوسأن الخيل تُشير إلى الشيَّاطين التي سقطت من السماء بسبب كبريائها، هؤلاء الذين تبعوا القائل: "أَصْعَدُ فَوْقَ مُرْتَفَعَاتِ السَّحَابِ. أَصِيرُ مِثْلَ الْعَلِيِّ" (إش 14: 14).
* كُتب في سفر المزامير: "باطل هو الفرس لأجل الخلاص" (مز 33: 17)؛ وجاء في موضع آخر في الكتاب المقدَّس: "الْفَرَسَ وَرَاكِبَهُ طَرَحَهُمَا فِي الْبَحْرِ" (خر 15: 1). كانت الوصيَّة الصادرة لملك إسرائيل ألاَّ يمتطي خيلًا (تث 17: 16)...
أظن أن الخيول هي البشر الخطاة، وراكبيها هم الشيَّاطين التي تمتطي الأشرار... الذي تحوَّل إلى مُضطهد هو فرس، والشيطان هو قائده الذي يرشقنا برمحٍ. الخيل يجري والشيطان يرشق بالرماح. الخيل مسُوق في حالة هياج بمن يثيره ويهيِّجه بجنون بغير إرادته.
القديس جيروم
* يمكننا أن نأخذ الفرس رمزًا لأيَّة ممتلكات في هذا العالم، أو لأي نوع من الكرامة نتَّكل عليها في كبرياء، حاسبين خطأ أنَّكم كلَّما ارتفعتم يزداد أماتكم وعلوكم. ألا تدركون بأي عنفٍ سوف تلقون؟! كلَّما ارتفعتم إلى أعلى يكون سقوطكم بأكثر ثقل... فكيف إذن يتحقَّق الأمان؟ فإنَّه لا يتحقَّق بالقوَّة ولا بالسلطة ولا بالكرامة ولا بالمجد ولا بالفرس.
القديس أغسطينوس
2. وصيَّة خاصة بيوآب:

5 وَأَنْتَ أَيْضًا تَعْلَمُ مَا فَعَلَ بِي يُوآبُ ابْنُ صَرُويَةَ، مَا فَعَلَ لِرَئِيسَيْ جُيُوشِ إِسْرَائِيلَ: ابْنَيْرَ بْنِ نَيْرَ وَعَمَاسَا بْنِ يَثْرٍ، إِذْ قَتَلَهُمَا وَسَفَكَ دَمَ الْحَرْبِ فِي الصُّلْحِ، وَجَعَلَ دَمَ الْحَرْبِ فِي مِنْطَقَتِهِ الَّتِي عَلَى حَقَوَيْهِ وَفِي نَعْلَيْهِ اللَّتَيْنِ بِرِجْلَيْهِ. 6 فَافْعَلْ حَسَبَ حِكْمَتِكَ وَلاَ تَدَعْ شَيْبَتَهُ تَنْحَدِرُ بِسَلاَمٍ إِلَى الْهَاوِيَةِ.

"وأنت أيضًا تعلم ما فعل بي يوآب ابن صرويَّة.
ما فعل لرئيسي جيوش إسرائيل ابنَيَر بن نير وعماسا بن يثر،
إذ قتلهما وسفك دم الحرب في الصلح،
وجعل دم الحرب في منطقته التي على حقويه وفي نعليه اللتين برجليه.
فافعل حسب حكمتك، ولا تدع شيبته تنحدر بسلامإلى الهاوية" [5-6].
السلوك بروح العدالة
استحق يوآب الموت مرَّتين بقتله القائدينالعظيمين إبنيَر (2 صم 3: 27) وعماسا (2 صم 20: 10) حسدًا، بغدرٍ وخداعٍ. هذا الأمر لم يحزن داود فحسب، وإنَّما تشكَّك البعض ظانِّين أن داود هو الذي قتل إبنير (2 صم 3: 28، 37). لقد سفك دمًا في وقت السلم، الأمر الذي ما كان يجب أن يحدث، فإنَّهما لم يكونا عدوِّين له يحاربانه.
بقوله "جعل دم الحرب في منطقته التي على حقويه وفي نعليه اللتين برجليه" يكشف عن روح الغدر والخداع. ففي المعارك يتقابل المحاربون من أجل سلامة دولتهم، فيسيل دم كل قتيلٍ على جسده وثيابه، أمَّا يوآب فقد تظاهر باحتضان أبنير وعماسا، وإذ هما في حضنه قتلهما، فسال الدم على منطقته ونزل إلى نعليه. وكأن هذا الدم البريء قد التصق به.
لقد حسب داود قتل القائدين العظيمين خسارة كبيرة لحقت به هو شخصيًّا، وكأن ما فعله يوآب بهما إنَّما فعله بداود نفسه.

فما يلحق بمحبوبيه كأنَّه يلحق به، وما أصاب شعبه بفقدانه القائدين كإنَّما أصابه هو‍. إنَّه كملك ومسئول عن أمَّة دخلت في عهد مع الله لا يليق به أن يترك جريمتين كهاتين دون معاقبة المجرم. لقد أجّل العقاب إلى الوقت المناسب، بعد الانتهاء من الحروب في أيَّامه لتتحقَّق العدالة في أيَّام ابنه سليمان. معاقبة قائد حرب مثل يوآب تطلَّبت الحكمة واختيار الوقت المناسب، حتى لا يحدث تذمُّر في الجيش الذي كان البعض، دون شك، معجبين بالقائد.
3. وصيَّة تخص بني برزلاي:

7 وَافْعَلْ مَعْرُوفًا لِبَنِي بَرْزِلاَّيِ الْجِلْعَادِيِّ فَيَكُونُوا بَيْنَ الآكِلِينَ عَلَى مَائِدَتِكَ، لأَنَّهُمْ هكَذَا تَقَدَّمُوا إِلَيَّ عِنْدَ هَرَبِي مِنْ وَجْهِ أَبْشَالُومَ أَخِيكَ.

"وافعل معروفًا لبني برزلاي الجلعادي،
فيكونوا بين الآكلين على مائدتك،
لأنَّهم هكذا تقدَّموا إليَّ عند هربي من وجه إبشالوم أخيك" [7].
في (2 صم 17: 27) ذُكر برزلاي الجلعادي وحده، هذا الذي أظهر لطفًا لداود عندما هرب من وجه ابنه إبشالوم وقدَّم له طعامًا. وإذ كان قد بلغ الثمانين من عمره، فبلا شك قام أولاده بمساعدته في تحقيق ذلك. غالبًا ما كان برزلاي قد مات، لذا لم يُشر داود الملك إليه بل إلى أبنائه. بنفس الروح صلى الرسول بولس إلى بيت أُنِيسِيفُورُس: "لِيُعْطِ الرَّبُّ رَحْمَةً لِبَيْتِ أُنِيسِيفُورُسَ، لأَنَّهُ مِرَارًا كَثِيرَةً أَرَاحَنِي وَلَمْ يَخْجَلْ بِسِلْسِلَتِي، بَلْ لَمَّا كَانَ فِي رُومِيَةَ، طَلَبَنِي بِأَوْفَرِ اجْتِهَادٍ فَوَجَدَنِي. لِيُعْطِهِ الرَّبُّ أَنْ يَجِدَ رَحْمَةً مِنَ الرَّبِّ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ. وَكُلُّ مَا كَانَ يَخْدِمُ فِي أَفَسُسَ أَنْتَ تَعْرِفُهُ جَيِّدًا." (2 تي 1: 16-18).
4. وصيَّة تخص شمعي:

8 وَهُوَذَا مَعَكَ شِمْعِي بْنُ جِيرَا الْبَنْيَامِينِيُّ مِنْ بَحُورِيمَ، وَهُوَ لَعَنَنِي لَعْنَةً شَدِيدَةً يَوْمَ انْطَلَقْتُ إِلَى مَحَنَايِمَ، وَقَدْ نَزَلَ لِلِقَائِي إِلَى الأُرْدُنِّ، فَحَلَفْتُ لَهُ بِالرَّبِّ قَائِلًا: إِنِّي لاَ أُمِيتُكَ بِالسَّيْفِ. 9 وَالآنَ فَلاَ تُبَرِّرْهُ لأَنَّكَ أَنْتَ رَجُلٌ حَكِيمٌ، فَاعْلَمْ مَا تَفْعَلُ بِهِ وَأَحْدِرْ شَيْبَتَهُ بِالدَّمِ إِلَى الْهَاوِيَةِ».

"وهوذا معك شمعي بن جيرا البنياميني من بحوريم،
وهو لعنني لعنة شديدة يوم انطلقت إلى محنايم،
وقد نزل للقائي إلى الأردن،
فحلفت له بالرب قائلًا: إنِّي لا أميتك بالسيف.
والآن فلا تبرِّره، لأنَّك أنت رجل حكيم،
فاعلم ما تفعل به، وأحدر شيبته بالدم إلى الهاوية" [8-9].
أظهر شمعي البنياميني نوعًا من الكراهيَّة لداود (2 صم 16: 5-8)، إذ لعنه لعنة مرَّة. وعندما عاد داود إلى أورشليم سقط شمعي عند قدميه ووعده الملك بأنَّه لن يقتله، إذ لم يرد أن يمزج فرح الشعب بعودته إلى عرشه بممارسة أيَّة عقوبة (2 صم 19: 19-24). لقد غفر له فيما يخصُّه شخصيًّا كداود، أمَّا كونه قد أخطأ في حق مسيح الرب والملك ممثِّل الله، فليس من حق داود التهاون في هذا الحق. لقد جاءت وصيَّة داود الملك لابنه: "لا تبرِّره"، بمعنى ألاَّ تعاقبه عن رغبة شخصيَّة في الانتقام لي ولك، وإنَّما تحكم عليه كقاضٍ عادلٍ لا يبرِّر المذنب. لقد أكَّد داود اتِّساع قلبه بالحب لمقاوميه، فلم يمس شمعي بأذى كل أيَّام حياته، وأكَّد أيضًا خطورة التسيُّب في معاقبة المجرمين لذا طلب من ابنه ممارسة الحق الإلهي.
بقوله "لا تبرِّره" يعني لا تحسبه بارًا لأنِّي حلفت له إنِّي لا أقتله بالسيف، بكونك حكيمًا تصرَّف معه لأنَّه يمثِّل خطورة على المملكة، فهو رجل مخادع وليس بريئًا. إنَّه قد يستغل حداثة سنَّك فيخطِّط ضدَّك.


5. ثبوت مُلك سليمان:

10 وَاضْطَجَعَ دَاوُدُ مَعَ آبَائِهِ، وَدُفِنَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ. 11 وَكَانَ الزَّمَانُ الَّذِي مَلَكَ فِيهِ دَاوُدُ عَلَى إِسْرَائِيلَ أَرْبَعِينَ سَنَةً. فِي حَبْرُونَ مَلَكَ سَبْعَ سِنِينٍ، وَفِي أُورُشَلِيمَ مَلَكَ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ سَنَةً. 12 وَجَلَسَ سُلَيْمَانُ عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ أَبِيهِ، وَتَثَبَّتَ مُلْكُهُ جِدًّا.

"واضطجع داود مع آبائه، ودُفن في مدينة داود" [10].
لم يكن يُسمح بإقامة مقابر داخل المدن؛ كانت أورشليم مستثناة من أجل العائلة الملكيَّة. دُفن داود في مدينة داود، أي على جبل صهيون، وكان قبره هناك ولا يزال قائمًا حتى أيَّام السيِّد المسيح (أع 2: 29).
يقول يوسيفوس المؤرِّخ بأن سليمان أودع كنوزًا كثيرة مع جثمان أبيه في القبر، وقد بقيت محفوظة 13 قرنًا حتى فتح رئيس الكهنة هيراقانوس Hyracanus المقبرة وأخرج 3000 وزنة قدَّمها لأنطيخوس لكي يرفع الحصار عن أورشليم. كما يقول إنَّه فيما بعد اعتدى هيرودس الكبير على المقبرة واستولى على كنوزٍ كثيرةٍ.
تحدَّث القديس جيروم عن مقبرة داود بكونها كانت لا تزال قائمة في أيَّامه.
"وكان الزمان الذي ملك فيه داود على إسرائيل أربعين سنة في حبرون،
ملك سبع سنين، وفي أورشليم ملك ثلاثًا وثلاثين سنة".
"وجلس سليمان على كرسي داود أبيه، وتثبَّت ملكه جدًا" [11-12].
كانت حياة داود النبي سلسلة لا تنقطع من الآلام، خاصة أثناء الأربعين عامًا من الحكم، فقد جاهد لتثبيت المملكة، لا لمجد ذاتي، وإنَّما لأجل الله. وقد امتزجت آلامه بروح البهجة والتسبيح غير المنقطع. الآن يتسلَّم ابنه سليمان الحكم، فيجد مملكة مستقرَّة إلى حدٍ كبيرٍ. إنَّها ثمرة تعب والده، فما انتهى إليه والده من جهاد حسن تسلَّمه الابن الصغير ليتحقَّق الاستقرار في فترة وجيزة.
6. أدونيَّا يُحطِّم نفسه:

13 ثُمَّ جَاءَ أَدُونِيَّا ابْنُ حَجِّيثَ إِلَى بَثْشَبَعَ أُمِّ سُلَيْمَانَ. فَقَالَتْ: «أَلِلسَّلاَمِ جِئْتَ؟» فَقَالَ: «لِلسَّلاَمِ». 14 ثُمَّ قَالَ: «لِي مَعَكِ كَلِمَةٌ». فَقَالَتْ: «تَكَلَّمْ». 15 فَقَالَ: «أَنْتِ تَعْلَمِينَ أَنَّ الْمُلْكَ كَانَ لِي، وَقَدْ جَعَلَ جَمِيعُ إِسْرَائِيلَ وُجُوهَهُمْ نَحْوِي لأَمْلِكَ، فَدَارَ الْمُلْكُ وَصَارَ لأَخِي لأَنَّهُ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ صَارَ لَهُ. 16 وَالآنَ أَسْأَلُكِ سُؤَالًا وَاحِدًا فَلاَ تَرُدِّينِي فِيهِ». فَقَالَتْ لَهُ: «تَكَلَّمْ». 17 فَقَالَ: «قُولِي لِسُلَيْمَانَ الْمَلِكِ، لأَنَّهُ لاَ يَرُدُّكِ، أَنْ يُعْطِيَنِي أَبِيشَجَ الشُّونَمِيَّةَ امْرَأَةً». 18 فَقَالَتْ بَثْشَبَعُ: «حَسَنًا. أَنَا أَتَكَلَّمُ عَنْكَ إِلَى الْمَلِكِ». 19 فَدَخَلَتْ بَثْشَبَعُ إِلَى الْمَلِكِ سُلَيْمَانَ لِتُكَلِّمَهُ عَنْ أَدُونِيَّا. فَقَامَ الْمَلِكُ لِلِقَائِهَا وَسَجَدَ لَهَا وَجَلَسَ عَلَى كُرْسِيِّهِ، وَوَضَعَ كُرْسِيًّا لأُمِّ الْمَلِكِ فَجَلَسَتْ عَنْ يَمِينِهِ. 20 وَقَالَتْ: «إِنَّمَا أَسْأَلُكَ سُؤَالًا وَاحِدًا صَغِيرًا. لاَ تَرُدَّنِي». فَقَالَ لَهَا الْمَلِكُ: «اسْأَلِي يَا أُمِّي، لأَنِّي لاَ أَرُدُّكِ». 21 فَقَالَتْ: «لِتُعْطَ أَبِيشَجُ الشُّونَمِيَّةُ لأَدُونِيَّا أَخِيكَ امْرَأَةً». 22 فَأَجَابَ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ وَقَالَ لأُمِّهِ: «وَلِمَاذَا أَنْتِ تَسْأَلِينَ أَبِيشَجَ الشُّونَمِيَّةَ لأَدُونِيَّا؟ فَاسْأَلِي لَهُ الْمُلْكَ لأَنَّهُ أَخِي الأَكْبَرُ مِنِّي! لَهُ وَلأَبِيَاثَارَ الْكَاهِنِ وَلِيُوآبَ ابْنِ صَرُويَةَ». 23 وَحَلَفَ سُلَيْمَانُ الْمَلِكُ بِالرَّبِّ قَائِلًا: «هكَذَا يَفْعَلُ لِيَ اللهُ وَهكَذَا يَزِيدُ، إِنَّهُ قَدْ تَكَلَّمَ أَدُونِيَّا بِهذَا الْكَلاَمِ ضِدَّ نَفْسِهِ. 24 وَالآنَ حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ الَّذِي ثَبَّتَنِي وَأَجْلَسَنِي عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ أَبِي، وَالَّذِي صَنَعَ لِي بَيْتًا كَمَا تَكَلَّمَ، إِنَّهُ الْيَوْمَ يُقْتَلُ أَدُونِيَّا». 25 فَأَرْسَلَ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ بِيَدِ بَنَايَاهُو بْنِ يَهُويَادَاعَ، فَبَطَشَ بِهِ فَمَاتَ.

"ثم جاء أدونيَّا بن حجيث إلى بثْشَبع أم سليمان فقالت:
أللسلام جئت؟ فقال: للسلام" [13].
سؤال بثْشَبع لأدونيَّا إن كان قد جاء للسلام يكشف عن توقُّعها إنَّه جاء إليها بنيَّة شريرة.
"ثم قال: لي معك كلمة.
فقالت: تكلَّم.
فقال: أنت تعلمين أن المُلك كان لي،
وقد جعل جميع إسرائيل وجوههم نحوي لأملك،
فدار المُلك وصار لأخي، لأنَّه من قبل الرب صار له".
في حديث أدونيَّا لبثْشَبع كشف إنَّه من حقِّه أن يستلم المُلك بكونه أكبر أبناء داود الأحياء، وأن كل الشعب كان مترقِّبًا تحقيق ذلك، ورئيس الكهنة أيضًا كان يتَّجه إلى ذلك، لكن بقى الرب وحده الذي من حقِّه أن يُقيم من يشاء فاختار سليمان [15].
ما نطق به مع أم الملك كان بلا شكٍ امتدادًا لما كان يبثُّه في وسط القصر وبين العظماء، مُعلنًا حقُّه في استلام المملكة. ربَّما لم يكن يُشير إليهم بأن الرب اختار أخاه سليمان.
"والآن أسألك سؤالًا واحدًا، فلا تردِّيني فيه.
فقالت له: تكلَّم.
فقال: قولي لسليمان الملك لأنَّه لا يردُّك أن يعطيني أبيشج الشونميَّة امرأة.
فقالت بثْشَبع: حسنًا أنا اتكلَّم عنك إلى الملك.
فدخلت بثْشَبع إلى الملك سليمان لتكلِّمه عن أدونيَّا،
فقام الملك للقائها، وسجد لها، وجلس على كرسيه،
ووضع كرسيًا لأم الملك، فجلست عن يمينه" [16، 19].
اتَّسم سليمان بروح التواضع، فعند دخول والدته قام من على كرسيه وذهب إليها ولم ينتظر حتى تصل إليه، وانحنى أمامها، وسألها أن تجلس عن يمينه، علامة تكريمه لها. الجلوس عن يمين الملك كان علامة التكريم كما جاء في المزمور (مز 110: 1)، وكما كانت العادة لدى ملوك العرب واليونان والرومان.
بعمله هذا تمَّم الوصيَّة الخامسة التي تسلَّمها موسى النبي، والخاصة بإكرام الوالدين. وإذ كان والده قد توفَّى لذا كانت الوالدة تجلس عن يمين ابنها تكريمًا لها كأم له، وكمن تمثِّل الوالدين معًا. مع تكريمه العظيم لها أخذ موقفًا حازمًا من أخيه ومعاونيه الذين كانوا لا يزالون يخطِّطون لاستيلاء أدونيَّا الحكم.
"وقالت إنَّما أسألك سؤالًا واحدًا صغيرًا، لا تردُّني.
فقال لها الملك: اسألي يا أمي لأنِّي لا أردُّك.
فقالت: لتعطِ أبيشج الشونميَّة لأدونيَّا أخيك امرأة".
مع أن أبيشج كانت ممرِّضة لكنَّها في نظر الشعب كانت كإحدى السراري. وكان لدى الإسرائيليِّين كما لدى الفارسيِّين أن من يقتني نساء الملك الميِّت يكون كمن تولَّى عرشه (2 صم 3: 7-8؛ 12: 8).
طلبت بثْشَبع ذلك ليس جهلًا منها أنَّ من يقتني نساء الملك يُحسب مستحقًا لنوال العرش، وإنَّما ربَّما لأن أدونيَّا استطاع بكلماته المعسولة أن يقنعها إنَّه لا يعني هذا، أو ربَّما لأنَّها حسبت أبيشج مجرَّد ممرِّضة وليست واحدة من السراري. كانت شفتا أدونيَّا أنعم من الدُهن، أمَّا قلبه فكان يستعد لحرب داخليَّة مُرَّة. ولعلَّها حسبت أن استجابة هذه الطلبة لأدونيَّا تهدِّئ من نفسه نحو أخيه الأصغر الذي استلم الحكم، فيخضع له. حسبت ذلك ترويضًا له حتى لا يمارس العنف.


"فأجاب الملك سليمان وقال لأمِّه:
ولماذا أنت تسألين أبيشج الشونميَّة لأدونيَّا،
فاسألي له المُلك، لأنَّه أخي الأكبر منِّي،
له ولأبياثار الكاهن وليوآب ابن صرويَّة.
وحلف سليمان الملك بالرب قائلًا:
هكذا يفعل لي الله وهكذا يزيد إنَّه قد تكلَّم أدونيَّا بهذا الكلام ضدّ نفسه.
والآن حيٌّ هو الرب الذي ثبَّتني، وأجلسني على كرسي داود أبي، والذي صنع لي بيتًا كما تكلَّم، إنَّه اليوم يُقتل أدونيَّا.
فأرسل الملك سليمان بيد بناياهو بن يهوياداع فبطش به فمات" [22-25].
أشار سليمان إلى أبياثار الكاهن ويوآب مع أدونيَّا لأنَّهما كانا المحرِّضين له لاستلام العرش لكي يحكما من خلاله.
لست أظن أن سليمان يُحسب كاسرًا للوعد الذي قدَّمه لأمِّه إنَّه يهبها طلبتها. فاهتمام سليمان بسلام المملكة والحفاظ عليها أهم من إيفاء الوعد الخاطئ الذي قدَّمه لأمِّه. يرى البعض لو أن هيرودس لم يقتل القدِّيس يوحنا المعمدان ليقدِّم رأسه لهيروديّا لما حُسب كاسرًا للعهد. فإن التراجع مع الحق أفضل من تحقيق وعد فيه دمار له أو لغيره.
7. استبعاد أبياثار:

26 وَقَالَ الْمَلِكُ لأَبِيَاثَارَ الْكَاهِنِ: «اذْهَبْ إِلَى عَنَاثُوثَ إِلَى حُقُولِكَ، لأَنَّكَ مُسْتَوْجِبُ الْمَوْتِ، وَلَسْتُ أَقْتُلُكَ فِي هذَا الْيَوْمِ، لأَنَّكَ حَمَلْتَ تَابُوتَ سَيِّدِي الرَّبِّ أَمَامَ دَاوُدَ أَبِي، وَلأَنَّكَ تَذَلَّلْتَ بِكُلِّ مَا تَذَلَّلَ بِهِ أَبِي». 27 وَطَرَدَ سُلَيْمَانُ أَبِيَاثَارَ عَنْ أَنْ يَكُونَ كَاهِنًا لِلرَّبِّ، لإِتْمَامِ كَلاَمِ الرَّبِّ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ عَلَى بَيْتِ عَالِي فِي شِيلُوهَ.

يبدو أن سليمان قد عَرف بأن أبياثار الكاهن ويوآب وراء طلب أبيشج زوجة لأدونيَّا، وأنَّهما لا يزالان يخطِّطان لحركة تمرُّد جديدة يقوم بها أدونيَّا [22]. هذا العمل فيه تمرُّد، خاصة وأن الاثنين في مركزين خطيرين ويمثِّلان نموذجين للقادة كما للشعب. إنَّهما يمارسان خيانة خطيرة متخفِّية!
"وقال الملك لأبياثار الكاهن: اذهب إلى عناثوث إلى حقولك،
لأنَّك مستوجب الموت ولست أقتلك في هذا اليوم،
لأنَّك حملت تابوت سيِّدي الرب أمام داود أبي،
ولأنَّك تذلَّلت بكل ما تذلَّل به أبي.
وطرَد سليمان أبياثار عن أن يكون كاهنًا للرب،
لإتمام كلام الرب الذي تكلَّم به على بيت عالي في شيلوه" [26-27].
موقف سليمان الحكيم من أبياثار يكشف عن تحرُّره من كل رغبة للانتقام الشخصي ومن استخدام العنف. اشتراكه في مؤامرة أدونيَّا لاغتصاب العرش يستوجب الموت. لكنَّه اكتفى باستبعاده إلى عناثوث، حيث توجد حقوله. هكذا أعاده في خزي إلى قريته. لم يحكم عليه بالموت من أجل كرامته كرئيس كهنة، ولأنَّه حمل تابوت العهد، واشترك مع والده في آلامه أثناء اضطهاد شاول لداود أبيه (1 صم 22: 20؛ 23: 8)، وثورة إبشالوم (2 صم 15: 24 إلخ.).
ما فعله كان تحقيقًا لقول الرب عن بيت عالي الكاهن (1 صم 2: 30-33). بهذا انتقلت رئاسة الكهنوت من بيت عالي إلى صادوق. كان صادوق من عائلة اليعازار، بهذا التغيير عاد الكهنوت إلى قناته الأولى.
8. قتل يوآب:

28 فَأَتَى الْخَبَرُ إِلَى يُوآبَ، لأَنَّ يُوآبَ مَالَ وَرَاءَ أَدُونِيَّا وَلَمْ يَمِلْ وَرَاءَ أَبْشَالُومَ، فَهَرَبَ يُوآبُ إِلَى خَيْمَةِ الرَّبِّ وَتَمَسَّكَ بِقُرُونِ الْمَذْبَحِ. 29 فَأُخْبِرَ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ بِأَنَّ يُوآبَ قَدْ هَرَبَ إِلَى خَيْمَةِ الرَّبِّ وَهَا هُوَ بِجَانِبِ الْمَذْبَحِ. فَأَرْسَلَ سُلَيْمَانُ بَنَايَاهُوَ بْنَ يَهُويَادَاعَ قَائِلًا: «اذْهَبِ ابْطِشْ بِهِ». 30 فَدَخَلَ بَنَايَاهُو إِلَى خَيْمَةِ الرَّبِّ وَقَالَ لَهُ: «هكَذَا يَقُولُ الْمَلِكُ: اخْرُجْ». فَقَالَ: «كَلاَّ، وَلكِنَّنِي هُنَا أَمُوتُ». فَرَدَّ بَنَايَاهُو الْجَوَابَ عَلَى الْمَلِكِ قَائِلًا: «هكَذَا تَكَلَّمَ يُوآبُ وَهكَذَا جَاوَبَنِي». 31 فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: «افْعَلْ كَمَا تَكَلَّمَ، وَابْطِشْ بِهِ وَادْفِنْهُ، وَأَزِلْ عَنِّي وَعَنْ بَيْتِ أَبِي الدَّمَ الزَّكِيَّ الَّذِي سَفَكَهُ يُوآبُ، 32 فَيَرُدُّ الرَّبُّ دَمَهُ عَلَى رَأْسِهِ، لأَنَّهُ بَطَشَ بِرَجُلَيْنِ بَرِيئَيْنِ وَخَيْرٍ مِنْهُ وَقَتَلَهُمَا بِالسَّيْفِ، وَأَبِي دَاوُدُ لاَ يَعْلَمُ، وَهُمَا أَبْنَيْرُ بْنُ نَيْرٍ رَئِيسُ جَيْشِ إِسْرَائِيلَ، وَعَمَاسَا بْنُ يَثَرٍ رَئِيسُ جَيْشِ يَهُوذَا. 33 فَيَرْتَدُّ دَمُهُمَا عَلَى رَأْسِ يُوآبَ وَرَأْسِ نَسْلِهِ إِلَى الأَبَدِ، وَيَكُونُ لِدَاوُدَ وَنَسْلِهِ وَبَيْتِهِ وَكُرْسِيِّهِ سَلاَمٌ إِلَى الأَبَدِ مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ». 34 فَصَعِدَ بَنَايَاهُو بْنُ يَهُويَادَاعَ وَبَطَشَ بِهِ وَقَتَلَهُ، فَدُفِنَ فِي بَيْتِهِ فِي الْبَرِّيَّةِ. 35 وَجَعَلَ الْمَلِكُ بَنَايَاهُوَ بْنَ يَهُويَادَاعَ مَكَانَهُ عَلَى الْجَيْشِ، وَجَعَلَ الْمَلِكُ صَادُوقَ الْكَاهِنَ مَكَانَ أَبِيَاثَارَ.

"فأتى الخبر إلى يوآب، لأن يوآب مال وراء أدونيَّا ولم يمل وراء إبشالوم،
فهرب يوآب إلى خيمة الرب، وتمسَّك بقرون المذبح.
فأُخبر الملك سليمان بأن يوآب قد هرب إلى خيمة الرب،
وها هو بجانب المذبح.
فأرسل سليمان بناياهو بن يهوياداع قائلًا: اذهب ابطش به.
فدخل بناياهو إلى خيمة الرب، وقال له:
هكذا يقول الملك: اُخرج.
فقال: كلا، ولكنَّني هنا أموت.
فردّ بناياهو الجواب على الملك قائلًا: هكذا تكلَّم يوآب وهكذا جاوبني.
فقال له الملك: افعل كما تكلَّم وابطش به وادفنه،
وأزل عنِّي وعن بيت أبي الدم الزَّكِيَّ الذي سفكه يوآب.
فيردّ الرب دمه على رأسه،
لأنَّه بطش برجلين بريئين وخير منه وقتلهما بالسيف،
وأبي داود لا يعلم.
وهما أبنير بن نير رئيس جيش إسرائيل، وعماسا بن يثر رئيس جيش يهوذا.
فيرتد دمهما على رأس يوآب، ورأس نسله إلى الأبد،
ويكون لداود ونسله وبيته وكرسيه سلام إلى الأبد من عند الرب.
فصعد بناياهو بن يهويادع وبطش به وقتله، فدُفن في بيته في البريَّة.
وجعل الملك بناياهو بن يهوياداع مكانه على الجيش،
وجعل الملك صادوق الكاهن مكان أبياثار" [28-35].
هرب يوآب إلى خيمة الرب لا إلى خيمة الشهادة، إنَّما الخيمة المقدَّسة في صهيُّون لكي يحتمي بالمذبح. لماذا هرب إلى المذبح؟
* ربَّما لأنَّه قد علم بأن سليمان قد عرف إنَّه هو وأبياثار وراء فكرة طلب أبيشج زوجة لأدونيَّا.
* لعلَّه سمع من رجال الدولة المحيطين بالملك بوصيَّة داود الملك لابنه سليمان، فأدرك أن الوقت قد حان لكي يصدر الحكم.
* أدرك خطورة الموقف بعد قتل أدونيَّا وطرد أبياثار الكاهن إلى قريته.
* ربَّما أراد أن يضع سليمان في موقف حرج، فإنَّه إذ يصرّ على قتله يحسبه البعض إنَّه قد دنَّس الهيكل بالدم.
* لعلَّه شعر بالذنب وأدرك أنَّه يستحق القتل، فلجأ إلى المذبح لكي يموت في بيت الرب، كمن يستظل تحت جناحيّ الله لكي يجد رحمة.
لم يذكر الكتاب أن يوآب أشار على أدونيَّا أن يأخذ أبيشج زوجة، لكن سليمان أصدر حكمه من أجل جريمتي الغدر والقتل للقائدين أبنير وعماسا.
ظنَّ يوآب أن جريمتيه قد نُسيتا مع الزمن وأن ثورة سليمان ضدُّه هي من أجل طلب أدونيَّا أبيشج زوجة له، لذلك التجأ إلى المذبح، واثقًا أنَّه يدافع عن نفسه بأنَّه لم يُحرِّض أدونيَّا على ذلك. حسب ما ورد في (خر 21: 13-14) لا يحمي المذبح قاتلًا متعمِّدًا وبغدرٍ.
لقد نزع سليمان عن أبيه وبيته سفك الدم البريء، حتى ينزع عن الأرض الدنس كما قيل: "لا تدنِّسوا الأرض التي أنتم فيها، لأن الدم يُدنِّس الأرض؛ وعن الأرض لا يُكفِّر لأجل الدم الذي سُفك فيها إلاَّ بدم سافكه" (عد 35: 33)، "وإذا بغى إنسان على صاحبه ليقتله بغدرٍ فمن عند مذبحي تأخذه للموت" (خر 21: 14).
لم يرد بناياهو أن يتحمَّل مسئوليَّة قتل إنسان في موضع مقدَّس، فلجأ إلى الملك الذي أشار بتطبيق الشريعة: "لاَ تُشْفِقْ عَيْنُكَ عَلَيْهِ. فَتَنْزِعَ دَمَ الْبَرِيءِ مِنْ إِسْرَائِيلَ، فَيَكُونَ لَكَ خَيْرٌ" (تث 19: 13). ما كان يمكن لبيت داود أن يثبت ما لم يمارس نسله البرّ والعدل كأمر الرب.
لقد أمر سليمان بقتل يوآب ودفنه، فلا يترك جثمانه في عارٍ وخزيٍ، لأنَّه حارب مع والده. دُفن يوآب في بيته شرق بيت لحم في بريَّة اليهوديَّة. كان دفن الإنسان في أرضه أو بيته يحمل نوعًا من التكريم كما حدث مع صموئيل النبي (1 صم 25: 1) وغيره.
هكذا لم ينتقم سليمان لنفسه بل أمر بالقتل طاعة للوصيَّة ولأبيه. وتحقَّق بذلك القول: "أزل الشرِّير من قدام الملك فيثبت كرسيه بالعدل" (أم 25: 5).
9. معاقبة شمعي:

36 ثُمَّ أَرْسَلَ الْمَلِكُ وَدَعَا شِمْعِيَ وَقَالَ لَهُ: «اِبْنِ لِنَفْسِكَ بَيْتًا فِي أُورُشَلِيمَ، وَأَقِمْ هُنَاكَ وَلاَ تَخْرُجْ مِنْ هُنَاكَ إِلَى هُنَا أَوْ هُنَالِكَ. 37 فَيَوْمَ تَخْرُجُ وَتَعْبُرُ وَادِيَ قَدْرُونَ، اعْلَمَنَّ بِأَنَّكَ مَوْتًا تَمُوتُ، وَيَكُونُ دَمُكَ عَلَى رَأْسِكَ». 38 فَقَالَ شِمْعِي لِلْمَلِكِ: «حَسَنٌ الأَمْرُ. كَمَا تَكَلَّمَ سَيِّدِي الْمَلِكُ كَذلِكَ يَصْنَعُ عَبْدُكَ». فَأَقَامَ شِمْعِي فِي أُورُشَلِيمَ أَيَّامًا كَثِيرَةً. 39 وَفِي نِهَايَةِ ثَلاَثِ سِنِينَ هَرَبَ عَبْدَانِ لِشِمْعِي إِلَى أَخِيشَ بْنِ مَعْكَةَ مَلِكِ جَتَّ، فَأَخْبَرُوا شِمْعِي قَائِلِينَ: «هُوَذَا عَبْدَاكَ فِي جَتَّ». 40 فَقَامَ شِمْعِي وَشَدَّ عَلَى حِمَارِهِ وَذَهَبَ إِلَى جَتَّ إِلَى أَخِيشَ لِيُفَتِّشَ عَلَى عَبْدَيْهِ، فَانْطَلَقَ شِمْعِي وَأَتَى بِعَبْدَيْهِ مِنْ جَتَّ. 41 فَأُخْبِرَ سُلَيْمَانُ بِأَنَّ شِمْعِي قَدِ انْطَلَقَ مِنْ أُورُشَلِيمَ إِلَى جَتَّ وَرَجَعَ. 42 فَأَرْسَلَ الْمَلِكُ وَدَعَا شِمْعِيَ وَقَالَ لَهُ: «أَمَا اسْتَحْلَفْتُكَ بِالرَّبِّ وَأَشْهَدْتُ عَلَيْكَ قَائِلًا: إِنَّكَ يَوْمَ تَخْرُجُ وَتَذْهَبُ إِلَى هُنَا وَهُنَالِكَ، اعْلَمَنَّ بِأَنَّكَ مَوْتًا تَمُوتُ؟ فَقُلْتَ لِي: حَسَنٌ الأَمْرُ. قَدْ سَمِعْتُ. 43 فَلِمَاذَا لَمْ تَحْفَظْ يَمِينَ الرَّبِّ وَالْوَصِيَّةَ الَّتِي أَوْصَيْتُكَ بِهَا؟». 44 ثُمَّ قَالَ الْمَلِكُ لِشِمْعِي: «أَنْتَ عَرَفْتَ كُلَّ الشَّرِّ الَّذِي عَلِمَهُ قَلْبُكَ الَّذِي فَعَلْتَهُ لِدَاوُدَ أَبِي، فَلْيَرُدَّ الرَّبُّ شَرَّكَ عَلَى رَأْسِكَ. 45 وَالْمَلِكُ سُلَيْمَانُ يُبَارَكُ، وَكُرْسِيُّ دَاوُدَ يَكُونُ ثَابِتًا أَمَامَ الرَّبِّ إِلَى الأَبَدِ». 46 وَأَمَرَ الْمَلِكُ بَنَايَاهُوَ بْنَ يَهُويَادَاعَ، فَخَرَجَ وَبَطَشَ بِهِ فَمَاتَ. وَتَثَبَّتَ الْمُلْكُ بِيَدِ سُلَيْمَانَ.

"ثم أرسل الملك ودعا شمعي،
وقال له: ابنِ لنفسك بيتًا في أورشليم،
وأقم هناك، ولا تخرج من هناك إلى هنا أو هنالك.
فيوم تخرج وتعبر وادي قدرون أعلمن بأنَّك موتًا تموت،
ويكون دمك على رأسك.
فقال شمعي للملك: حسن الأمر كما تكلَّم سيِّدي الملك،
كذلك يصنع عبدك فأقام شمعي في أورشليم أيَّاما كثيرة" [36-38].
استدعى شمعي ربَّما من بحوريمBahurim حيث كان منزله (2 صم 16: 5) وأُمر أن يبني لنفسه بيتًا في أورشليم يسكن فيه، ولا يُفارق المدينة تحت أي ظرف وإلاَّ تعرَّض للموت، وأقسم بالرب أنَّه يطيع. عندما استدعى الملك سليمان شمعي من مدينته وقد عرف ما حلّ بأدونيَّا ويوآب وأبياثار ربَّما ظنَّ أنَّه قد دُعي لكي يُقتل، خاصة إن كان قد سمع ما أوصى به داود ابنه سليمان. لكن سليمان عرف كيف يميِّز بين الجرائم، فما حكم به على يوآب القاتل غير ما حكم به على شمعي.
استدعاه وحكم عليه بتحديد إقامته لا في منزل بل في المدينة كلَّها، ليست أيَّة مدينة، بل أورشليم التي امتازت بجمال موقعها، مصدر فرح العالم كلُّه في ذلك الحين، المدينة الملوكيَّة، المدينة المقدَّسة. كأنَّه قد سمح له بتحديد إقامته في فردوس أرضي! لقد أراد أن يستبعده عن سبطه حتى لا يخطِّط شيئًا ضدّ المَلك. حقًا لقد أعطاه شيئًا من الحريَّة مع وضعه تحت عينيه، إذ يعلم مدى خطورته. لقد كان الحكم عادلًا يحمل اختبارًا لمدى طاعة شمعي له وأمانته في وعوده.
"وفي نهاية ثلاث سنين هرب عبدان لشمعيإلى أخيش بن معكة ملك جتّ،
فأخبروا شمعي قائلين: هوذا عبداك في جتّ.
فقام شمعي وشدّ على حماره، وذهب إلى جتّ إلى أخيش،
ليفتِّش على عبديه،
فانطلق شمعي وأتى بعبديه من جتّ.
فأُخبر سليمان بأن شمعي قد انطلق من أورشليمإلى جتّ ورجع.
فأرسل الملك ودعا شمعي وقال له:
أمَا استحلَفتك بالرب وأشهدْت عليك قائلًا أنَّك يوم تخرج وتذهب إلى هنا وهنالك اِعلمن بأنَّك موتًا تموت؟
فقلت لي حسن الأمر قد سمعت.
فلماذا لم تحفظ يمين الرب والوصيَّة التي أوصيتك بها؟
ثم قال الملك لشمعي: أنت عرفت كل الشرّ الذي عَلِمَهُ قلبك الذي فعلته لداود أبي فليرد الرب شرَّك على رأسك.
والملك سليمان يبارك وكرسي داود يكون ثابتًا أمام الربإلى الأبد.
وأمر الملك بناياهو بن يهوياداع،
فخرج وبطش به، فمات وتثبَّت الملك بيد سليمان" [39-46].
عندما غادر المدينة ليُحضر عبديه الهاربين إلى جتّ حُسب شمعي كاسرًا للقسم بالرب، وأصدر سليمان حكمه بموته.
انتقد بعض الدارسين موقف سليمان، وحسبوه عنيفًا. لكن البعض يرى أن شمعي قد أخطأ، فإنَّه وإن كان من حقُّه أن يستردّ عبديه، إلاَّ أنَّه ما دام أقسم بالرب أن يُطيع كان يجب أن يُبلِّغ الملك بهروب عبديْه ويطلب ردّ العبدين إليه منتظرًا قرار الملك، وليس من حقِّه كسر القسم بالرب مهما تكن الظروف.
تحقَّق استقرار مملكة سليمان بالكامل بعد ثلاث سنوات [39].
بقوله "شدَّ على حماره" [40] يكشف إنَّه خرج ليلًا دون أن يخبر أحدًا حتى من أهل بيته، إذ لم يُعد أحد عبيده الحمار. غالبًا ما خرج ليلًا وسط الظلام حتى لا يكتشف أحد أمره.
فتّش شمعي عن عبديْه وردَّهما إلى بيته، لكنَّه فقد حياته وكل ما يملك، لأنَّه خان العهد. هذا ما يفعله الكثيرون حين يكسرون الوصيَّة الإلهيَّة من أجل خيرات زمنيَّة هي عبيد لخدمتنا، فنفقد حياتنا الأبديَّة وتهلك نفوسنا!
كانت حيثيَّات الحكم الذي نطق به الملك سليمان هي أن شمعي يعرف الشرّ الكامن في قلبه منذ أيَّام والده داود حين سبّ مسيح الرب وقذفه بالحجارة. هو لعن مسيح الرب، فارتدَّت اللعنة عليه، أمَّا داود ونسله فينالون البركة، ويثبت كرسي داود أمام الرب لا الناس.

من وحي 1 ملوك 2

لتثبت مملكتك في أعماقي!


* داود قدَّم وصيَّته الوداعيَّة لابنه سليمان.
وها أنت يا ابن داود تهبني وصيَّتك الوداعيَّة،
لا لتحبس حرِّيتي، بل لتثبت مملكتك في أعماقي،
وتقيم منِّي ملكًا اتَّحد بك يا ملك الملوك!
* إذ كان داود سالكًا في طريق الأرض كلَّها،
سند ابنه قائلًا: تشدَّد وكن رجلًا!
أراك يا ابن داود سالكًا في طريق فريد،
من أجلي تجتاز المعصرة وحدك،
تصرخ: تشدَّد وكن لي ابنًا ورفيقًا!
من يهبني القوَّة والنضوج إلاَّ روحك القدُّوس؟!
هب لي روحك الذي يُقيم من الموت،
يبعث فيَّ روح القوَّة والنصرة والحياة!
* بك أتشدَّد واحفظ وصيَّتك.
بك تتحطَّم كل قوى الشرّ!
ليدوي صوت وصيَّة أبي داود في أذنيّ:
تشدَّد وكن رجلًا.
احفظ شعائر الرب لكي تفلح في كل ما تفعل.
* روحك يقودني في طريق الوصيَّة،
فأحفظ فرائضك لكي أحيا بطقس السماء.
وأنحني أمام أحكامك فأُدرك أسرار خطّتك.
وأفرح بشهاداتك، شاهدًا بعملك الفائق معي.
* ليُقتل يوآب سافك الدماء؛
فلا يحل الدنس بأرض قلبي.
لتَقتل كل عنفٍ قائمٍ في أعماقي.
فلا أحمل سمات إبليس الغادر،
بل سماتك يا أيُّها الحب الحقيقي!
ليقتل كل فكر غدر فيّ، كما قتل سليمان يوآب.
فإنَّه قائد غادر سافك دماء بريئة.
ليته لا يجد الغدر له موضعًا في أعماقي،
ولا يحتل عجلة قيادة إرادتي!
* لأردّ لبني برزلاي معروفهم معي.
فلا أكون مدينًا لأحد بشيء،
إلاَّ بالحب واللطف المستمر!
علّمني ألاَّ استغل محبَّة اخوتي،
ولا أطلب خدماتهم في أنانيَّة.
بل اشتهي العطاء أكثر من الأخذ.
* لتهلك شمعي لاعِن مسيح الرب.
فلا أجري معه وراء العبيد فأفقد عهدي معك.
لا أجري وراء العالم الذي خلقته لخدمتي،
وأخسر نفسي التي خلقتها تُشارك مجدك أبديًّا!
بروحك تحجم طاقات شمعي مثير الفتنة ومهدِّد السلام.
من يقدر أن يحبس طاقات الفساد ويهلكها سواك؟
* ليُطرد أبياثار الكاهن الشكلي في عبادته،
وليَقُم صادوق الكاهن الروحي!
لتَنزع عنِّي كل شكليَّة فأحيا بالروح!
لأطرد كل فكر غريب، حتى إن بدا مقدَّسًا.
لأطرده مع أبياثار الكاهن من أورشليم إلى عناثوت.
فلا يحتل الفكر مكانًا في مذبحك داخلي.
* هوذا أدونيَّا يتحرَّك ليغتصب مملكتي!
يطلب أبيشج زوجة ليسحب منِّي عرشي!
هب لي بروح الحكمة أن احتفظ بالحكمة عروسًا لي!
هب لي بروح الحزم أن أُحطِّم إبليس المخادع!
ليتحطَّم إبليس وليقم عرشك فيَّ!
* هب لي ألاَّ أنخدع بحيل أدونيَّا مغتصب الحكم.
فإن عدوّ الخير ينطق بكلمات معسولة، لكنَّها قاتلة.
هب لي حكمة فلا يسحب العدوّ عرشك من قلبي.
لا يحرمني من مملكتي، ويهلك نفسي!
* بروحك يا رب أتشدَّد ولا أخف.
هو حافظي من أدونيَّا وأبياثار ويوآب وشمعي.
حافظي من الأفكار التي تودّ أن تخدعني بصورتها المعسولة.
لتنزع عنِّي كل خداع ومكرٍ!
أنت محطِّم كل قوى الشرّ.
أنت واهب السلام لمملكتك في داخلي.


حكمة سليمان وغناه




"وعبدك في وسط شعبك الذي اخترته شعب كثير لا يُحصى ولا يُعد من الكثرة.
فأعطِ عبدك قلبًا فهيمًا لأحكم على شعبك،
وأُميِّز بين الخير والشرّ،
لأنَّه من يقدر أن يحكم على شعبك العظيم هذا؟"
(1 ملوك 3: 8-9)

اختيار سليمان للحكمة

حدَّثنا الأصحاح السابق عن استقرار الحكم بين يديّ سليمان. والآن يبدأ تاريخه كملك بزواجه من أميرة مصريَّة، مع تقديم ملاحظة عن حال المملكة في بداية حكمه [1-3]. يلي هذا تقديم ذبائح ممتزجة بالصلاة في جبعون كنوعٍ من تقديس الحكم، وطلب عون الرب وبركته [4]. ظهر الرب له وسأله عمَّا يطلبه [5-8]، فاختار سليمان الحكمة ولم يسأل مجدًا أو غنى [9-10]. أعطاه الله ما سأله وما لم يسأله [11-15]. ولكي يقدِّم دليلًا عمليًا على روح الحكمة أصدر حكمًا عادلًا أمام كل الشعب [16-28].
في جبعون حيث كانت خيمة العهد والمذبح النحاسي في ذلك الحين (1 أي 21: 29)، وهي تبعد حوالي عشرة أميال شمال غرب أورشليم، ومع كون التابوت في أورشليم [15]، اختار سليمان الحكمة لكي يحكم شعب. سُر الله بذلك وكافأه بسخاء.


1. زواجه من أميرة مصريَّة:

1 وَصَاهَرَ سُلَيْمَانُ فِرْعَوْنَ مَلِكَ مِصْرَ، وَأَخَذَ بِنْتَ فِرْعَوْنَ وَأَتَى بِهَا إِلَى مَدِينَةِ دَاوُدَ إِلَى أَنْ أَكْمَلَ بِنَاءَ بَيْتِهِ وَبَيْتِ الرَّبِّ وَسُورِ أُورُشَلِيمَ حَوَالَيْهَا. 2 إِلاَّ أَنَّ الشَّعْبَ كَانُوا يَذْبَحُونَ فِي الْمُرْتَفَعَاتِ، لأَنَّهُ لَمْ يُبْنَ بَيْتٌ لاسْمِ الرَّبِّ إِلَى تِلْكَ الأَيَّامِ. 3 وَأَحَبَّ سُلَيْمَانُ الرَّبَّ سَائِرًا فِي فَرَائِضِ دَاوُدَ أَبِيهِ، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ يَذْبَحُ وَيُوقِدُ فِي الْمُرْتَفَعَاتِ.

إذ استقرَّ الحكم في يديه لم يضيِّع سليمان وقته في إقامة تحالف مع مصر، أخطر قوَّة عسكريَّة في ذلك الحين، لكنَّه استطاع أن يحقِّق ذلك بزواجه بابنة فرعون التي يبدو أنَّها قبلت عبادة الله الحيّ. وقد رحَّبت مصر بذلك، حيث شعرت بتزايد قوى إسرائيل، فكان من الجانب السياسي هذا الزواج يعطي استقرارًا للمملكتين.
يرى البعض أن سليمان قد أخطأ، وأنَّه لم يسمع للوصايا التالية: "اِحْتَرِزْ مِنْ أَنْ... تَأْخُذُ مِنْ بَنَاتِهِمْ لِبَنِيكَ، فَتَزْنِي بَنَاتُهُمْ وَرَاءَ آلِهَتِهِنَّ، وَيَجْعَلْنَ بَنِيكَ يَزْنُونَ وَرَاءَ آلِهَتِهِنَّ" (خر 34: 16). "ولا تصاهرهم. بنْتك لا تُعطِ لابنه، وبنته لا تأخذ لابنك، لأنَّه يرد ابنك من ورائي، فيعبد آلهة أخرى، فيحمى غضب الرب عليكم ويهلككم سريعًا" (تث 7: 3-4). وعندما قام نحميا بإصلاح الشعب خاصم المتزوِّجين بالأشدوديَّات والعمونيَّات والموآبيَّات (نح 13: 23): هؤلاء الذين بسببهن فقدوا قدرتهم حتى على التكلُّم باللغة اليهوديَّة كما يجب. وقال لهم: "أليس من أجل هؤلاء أخطأ سليمان ملك إسرائيل، ولم يكن في الأمم الكثيرة ملك مثله؟ وكان محبوبًا إلى إلهه، فجعله الله ملكًا على كل إسرائيل؟ هو أيضًا جعَلته النساء الأجنبيَّات يخطئ، فهل نسكت لكم أن تعملوا كل هذا الشرّ العظيم بالخيانة ضدّ إلهنا بمساكنة نساء أجنبيَّات؟" (نح 13: 26-27).
غير أنَّه لم يكن الزواج بمصريَّة أمرًا يُخالف الشريعة التي تمنع الزواج من الكنعانيَّات (خر 34: 16؛ تث 7: 3)، بينما يسمح بزواج الأسيرة في الحرب (تث 21: 10-14). لكن لكي يتحقَّق الزواج بروح الشريعة تلتزم العروس بجحد الأوثان والدخول في الإيمان بيهوه. واضح أن ابنة فرعون فعلت هكذا، إذ نجد سليمان في السنوات الأولى من حكمه يجحد الأوثان، كما لم نسمع عن دخول أيَّة عبادة مصريَّة وثنيَّة في أيَّام سليمان. وقد مُيّزت هذه الزوجة عن بقيَّة الزوجات الأجنبيَّات اللواتي جذبن سليمان إلى آلهتهن (1 مل 11: 1).
لقد تمَّم زواجه السياسي ليتفرَّغ لبناء هيكل الرب وقصره وأسوار أورشليم وكل منشآته.


"وصاهر سليمان فرعون ملك مصر،
وأخذ بنت فرعون،
وأتى بها إلى مدينة داود إلى أن أكمل بناء بيته وبيت الرب وسور أورشليم حواليها" [1].
أخطأ المؤرِّخ يوسيفوس اليهودي حيث كتب بأن ملك مصر هذا هو آخر ملك حمل لقب "فرعون".
جاءت ابنة فرعون إلى مدينة داود، أورشليم، قبل الانتهاء من بناء الهيكل الذي كان في السنة الحادية عشرة من مُلكه (1 مل 6: 1، 37-38). مدينة داود قائمة على الجبل الشرقي أو صهيُّون الحقيقيَّة حيث أُقيم الهيكل عليه فيما بعد. وقد أقام لها بيتًا، إذ قيل: "وأمَّا بنت فرعون فأصعدها سليمان من مدينة داود إلى البيت الذي بناه لها، لأنَّه قال لا تسكن امرأة لي في بيت داود ملك إسرائيل، لأن الأماكن التي دخل إليها تابوت الرب إنَّما هي مقدَّسة" (2 أي 8: 11).
"إلاَّ أن الشعب كانوا يذبحون في المرتفعات،
لأنَّه لم يُبنً بيت لاسم الرب إلى تلك الأيَّام" [2].
المرتفعات: كانت الوصيَّة الإلهيَّة التي قدَّمها الرب بواسطة موسى النبي قبل دخولهم أرض الموعد هي: "تُخرِّبون جميع الأماكن حيث عبدت الأمم التي ترثونها آلهتها على الجبال الشامخة وعلى التلال وتحت كل شجرة خضراء... لا تفعلوا هكذا للرب إلهكم. بل المكان الذي يختاره الرب إلهكم من جميع أسباطكم ليضع اسمه فيه سكناه تطلبون، وإلى هناك تأتون، وتقدِّمون إلى هناك محرقاتكم وذبائحكم وعشوركم ورفائع أيديكم ونذوركم ونوافلكم وأبكار بقركم وغنمكم" (تث 12: 2-7). جاءت الوصيَّة تؤكِّد ألاَّ يقدِّموا ذبائح إلاَّ عند باب الخيمة (لا 17: 3-5). فهل كان ذلك خطيَّة على الشعب أنَّه ذبح في المرتفعات؟
يرى البعض أن هذه الوصايا كانت إعدادًا لهم لكي يمارسوا العبادة المركَّزة في مكان معيَّن (هيكل سليمان) بعد بنائه، وأنَّه لا تحسب خطيَّة ممارسة العبادة الجماعيَّة وتقديم الذبائح في أي موضع قبل بناء الهيكل. الدليل على هذا عبادة يهوه في المرتفعات بعد أيَّام القضاة (قض 6: 25، 26؛ 13: 16؛ 1 صم 7: 10؛ 13: 9؛ 14: 35؛ 16: 5؛ 1 أي 21: 26) دون الشعور بأيَّة خطأ من جانب من قدَّم الذبائح.


* لقد قدَّم الآباء البطاركة والأنبياء والقضاة والملوك ذبائح على المرتفعات إلى أيَّام سليمان إذ لم يكن بعد قد بُنيَ الهيكل.
* يرى البعض أن تعبير "المرتفعات" لا يعني جبلًا أو تلاًّ عاليًا، وإنَّما يُلقَّب به كل موضع تُقدَّم فيه الذبائح سواء كان جبلًا أو سهلًا.
* ذبح سليمان ألف محرقة على المذبح في المرتفعة العظمى [4]، وقد ظهر له الرب يسأله أن يطلب شيئًا دون أن يُعلن غضبه على هذا التصرُّف.
* أنشأ إبراهيم أب الآباء مذابح على الجبال (تك 12: 8؛ 22: 2).
* ما كان يشغل ذهن داود الملك هو ممارسة العبادة أمام تابوت العهد الذي لم يكن بعد قد استقرَّ في موضع معيَّن، دون الارتباط بجبل أو مكان مرتفع.
"وأحبَّ سليمان الرب سائرًا في فرائض داود أبيه،
إلاَّ أنَّه كان يذبح ويوقد في المرتفعات" [3].
دُعي سليمان "يديديا" (2صم 12: 25)، أي محبوب الرب، الآن نراه يرد الحب بالحب. كما أنَّه محبوب الرب فالرب محبوب جدًا لديه. وقد ترجم هذا الحب بسيْره في فرائض الرب كما سلك أبوه فيها وأوصاه بحفظها (1 مل 2: 2-3؛ 1 أي 28: 9-10).
مع محبَّة سليمان الملك لله لكنَّه أخطأ بتقديمه ذبائح وإيقاد بخور في المرتفعات. لقد ارتبطت العبادة الوثنيَّة بالمرتفعات لذلك مَنعت الشريعة ذلك (لا 17: 3-4؛ تث 12: 13-14؛ إر 7: 31؛ حز 6: 3-4؛ هو 10: 8).
طلب سليمان من الرب أن يهبه قلبًا مطيعًا وحكمة ليقود شعب الله، معترفًا بأنَّه شاب قليل الخبرة بينما كانت مسئوليَّات الحكم عظيمة وخطيرة، لكي يقدر أن يُميِّز بين ما هو صالح وما هو شرِّير.
* إن كان داود صديق الله، وسليمان الذي أحب الله [3] قد غُلبوا كسائر البشر، فإن سقوطهم يعني تحذيرنا، وتوبتهم تقودنا إلى الخلاص، فمن في هذه الحياة المخادعة يقدر أن يؤكِّد عدم سقوطه؟!
القديس جيروم


2. ظهور الرب لسليمان:

4 وَذَهَبَ الْمَلِكُ إِلَى جِبْعُونَ لِيَذْبَحَ هُنَاكَ، لأَنَّهَا هِيَ الْمُرْتَفَعَةُ الْعُظْمَى، وَأَصْعَدَ سُلَيْمَانُ أَلْفَ مُحْرَقَةٍ عَلَى ذلِكَ الْمَذْبَحِ. 5 فِي جِبْعُونَ تَرَاءَى الرَّبُّ لِسُلَيْمَانَ فِي حُلْمٍ لَيْلًا، وَقَالَ اللهُ: «اسْأَلْ مَاذَا أُعْطِيكَ». 6 فَقَالَ سُلَيْمَانُ: «إِنَّكَ قَدْ فَعَلْتَ مَعَ عَبْدِكَ دَاوُدَ أَبِي رَحْمَةً عَظِيمَةً حَسْبَمَا سَارَ أَمَامَكَ بِأَمَانَةٍ وَبِرّ وَاسْتِقَامَةِ قَلْبٍ مَعَكَ، فَحَفِظْتَ لَهُ هذِهِ الرَّحْمَةَ الْعَظِيمَةَ وَأَعْطَيْتَهُ ابْنًا يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّهِ كَهذَا الْيَوْمِ. 7 وَالآنَ أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهِي، أَنْتَ مَلَّكْتَ عَبْدَكَ مَكَانَ دَاوُدَ أَبِي، وَأَنَا فَتىً صَغِيرٌ لاَ أَعْلَمُ الْخُرُوجَ وَالدُّخُولَ.

"وذهب الملك إلى جبعون ليذبح هناك،
لأنَّها هي المرتفعة العظمى،
وأصعد سليمان ألف محرقة على ذلك المذبح" [4].
إذ قدَّم الله الكثير لسليمان ردَّ له من الكثير القليل، وهو ألف محرقة.
ربَّما يتساءل: أليس في هذا تبديد للموارد الحيوانيَّة؟
أمَا كان يمكن تقديم هذه الذبائح للفقراء؟
هذا هو المنطق البشري المادي، الذي يرى في الصلاة ضياعًا للوقت، وفي العبادة تبديدًا للموارد. إنَّهم لا يدركون قيمة الحب المشترك المتبادل بين الله والإنسان. هذا الحب لا يمكن تقديره بثمنٍ ما!
تقديم ألف محرقة على مذبح واحدٍ في يومٍ واحدٍ يحمل معانٍ كثيرة:
* رقم 1000 يُشير إلى الروحيَّات والسماويَّات، فالألف محرقة تُشير إلى تقديم ذبيحة القلب الروحاني السالك في السماويَّات.
* حرق كل هذا العدد في يومٍ واحدٍ يُشير إلى عمل الله النار الآكلة. إنَّه يحل علينا كمذبحٍ خاصٍ به ليلتهم بناره تقدمات الحب المرضيَّة والمقبولة لديه.
* إن كانت ذبيحة المحرقة تُشير إلى اِلتهاب القلب كلُّه بنار المحبَّة، فإن كثرة هذه الذبائح يُشير إلى عطش الله إلى محبَّتنا المستمرَّة.
قدَّم سليمان الحيوانات، وقام الكهنة بذبحها وتقديمها على المذبح (1 مل 8: 5).
يرى البعض أن تقديم ألف محرقة على مذبحٍ واحدٍ وهو مذبح موسى النبي، وكان لا بُد من ترك الذبيحة تُحرق بالكامل، هذا يتطلَّب عدَّة أيَّام. قدَّم الملك الحيوانات واستمرَّ الذبح أكثر من يوم والنار حسب الشريعة لا تنطفئ قط، بل تبقى مستمرَّة نهارًا وليلًا.

جبعون:

مدينة قائمة على تل، نالت شهرتها من إقامة خيمة الاجتماع القديمة ووضع المذبح النحاسي الذي صنعه موسى النبي في البريَّة فيها (1 أي 16: 39؛ 21: 29؛ 2 أي 1: 3-6)، حيث نُقل من نوب ووضع في المرتفعات، هناك دعيت "نوب"، وأُقيم على المرتفعات المدعوَّة مصفاة النبي صموئيل. يبلغ ارتفاع هذا التل حوالي 500 إلى 600 قدمًا، وهو أعلى نقطة في المنطقة المحيطة به، يبعد حوالي ميل واحد من جبعون.
"في جبعون تراءى الرب لسليمان في حلم ليلًا.
وقال الله: اسأل ماذا أعطيك" [5].
كنا نتوقَّع من استلام شاب صغير كسليمان للمملكة أن يجمع بعض رجال الدولة المحيطين به ويبدأ بالعمل التنظيمي لتدبير كل الأمور. لكن سليمان جعل الله أولًا قبل أن يفكِّر في شئون دولته ويمد يده للعمل. انطلق إلى حيث مذبح الرب ليقضي نهاره وليله هناك، يتعبَّد لله ويقدِّم ذبائح ويسأله بكل غيرة وحماس الحكمة الإلهيَّة، لهذا تأهَّل سليمان لرؤية الرب في حلمٍ.


في جبعون حيث المرتفع العالي، وحيث توجد خيمة الاجتماع والمذبح النحاسي (2 أي 1: 3). هناك حيث قدَّم سليمان محرقات كثيرة، ظهر له الرب. يشتاق الله أن يتراءى لكل شخصٍ، فمن جانبه هو مستعد لإعلان حضرته لمؤمنيه. بقى علينا من جانبنا أن نُعطي لله الأولويَّة في حياتنا، فلا نرتبك بشؤوننا اليوميَّة، إنَّما نصعد أولًا كما إلى جبعون لنقضي نهارنا وليلنا معه! نجده نازلًا إلينا ليتجلَّى في قلوبنا، ويتحدَّث معنا، معلنًا سخاءه العجيب وشوقه أن يهبنا ذاته.
لنصعد بروح الله القدُّوس إلى جبعون الروحيَّة، فترتفع قلوبنا إلى السماء، ولا يستطيع وحل هذا العالم أن يطمس عيوننا فلا تعاين ذاك الذي يتنازل ليتجلَّى أمامها.
في جبعون حيث المرتفعات العالية نقدِّم محرقات ثمينة في عينيّ الله.

فكما قدَّم مسيحنا ذبيحة حب من أجلنا ليصالحنا مع أبيه السماوي، ننعم بكرامة تقديم حياتنا ذبيحة عقليَّة مرضيَّة أمامه (رو 12: 1). نشتهي أن يلتهب كياننا كلُّه بالنار الإلهيَّة كما على مذبح سماوي، فنصير محرقة حب مفرحة للسماويِّين!
إذ ننشغل طول النهار بحب الله الفائق، أينما وجدنا، حيث يكون قلبنا مرتفعًا في جبعون يتراءى الله لنا ليلًا. في وسط هدوء الليل وسكونه يتطلَّع الله إلى القلب المؤمن ويقدِّسه ببرِّه الإلهي. فيقول المؤمن مع داود النبي: "عيناك تنظران المستقيمات. جرَّبت قلبي، تعهَّدته ليلًا، محَّصْتني. لا تجد فيَّ ذمومًا. لا يتعدَّى فمي" (مز 17: 2-3).
في هدوء الليل تصمت حواس الإنسان وتهدأ ليتراءى الله للعقل ويتحدَّث معه.
يقدِّم لنا مار اسحق خبرته الحيَّة فيقول: [سكِّت لسانك فيتكلَّم قلبك، وسكِّت قلبك فيتكلَّم الله].
ظهر الرب لسليمان في حلم... وكما يقول القديس غريغوريوس أسقف نيصصعن أنواع الأحلام المختلفة: [إن أعضاءنا والمخ أشبه بآلة موسيقيَّة وتَرِيَّة. أثناء ساعات النهار يلعب العقل على هذه الأوتار فتقدِّم لنا سيمفونيَّة متناسقة رائعة. وإذ ننام لا تعود هذه الآلة قادرة على إصدار صوتٍ ما، اللهم إلاَّ إذا عادت ذكريات اليوم وقدَّمت ذاتها للعقل ونحن نيام، فتخرج حلمًا. وذلك كما تصدر الأوتار أصواتًا هادئة بعد أن تتوقَّف يد الموسيقار عن لمس الأوتار مباشرة].
"قال الله: اسأل ماذا أُعطيك" [5]. إن كان سليمان قد انشغل طوال يومه بالصلاة مع تقديم الذبائح، وكان يطلب من الله الحكمة، فلماذا يسأله الله: "اسأل، ماذا أُعطيك؟" كان سليمان طوال يومه يقدِّم أوانيه الفارغة لكي يملأها الله من زيت السماء، وها هو يسأله قبل العطاء مباشرة ليؤكِّد له حريَّة إرادته، ينعم بما يطلبه قلبه، وليس قهرًا من قِبل الرب. لهذا يقول السيِّد المسيح: "إلى الآن لم تطلبوا شيئًا باسمي، اطلبوا تأخذوا، ليكون فرحكم كاملًا" (يو 16: 24). ويقول يوحنا الرسول: "وَهذِهِ هِيَ الثِّقَةُ الَّتِي لَنَا عِنْدَهُ: أَنَّهُ إِنْ طَلَبْنَا شَيْئًا حَسَبَ مَشِيئَتِهِ يَسْمَعُ لَنَا" (1 يو 5: 14).
ليس من موضوع يشغل ذهن أولاد الله الذين التهبت قلوبهم بالحب الإلهي مثل التمتُّع برؤية الله. فقد بدأ موسى في العهد القديم خدمته برؤية الله خلال العلِّيقة الملتهبة نارًا، كما كان يرى الله عمليًا خلال معاملاته معه كل يوم في حياته الشخصيَّة وفي خدمته وسط الشعب. تمتَّع بالمجد الإلهي الذي أشرق على وجهه فصار مضيئًا ولم يحتمل الشعب أن ينظر إليه، فطلب منه أن يضع برقعًا على وجهه حين يتحدَّث معهم، وينزعه حين يدخل الخيمة ويلتقي مع الله. تمتَّع موسى باللقاء مع الله على جبل سيناء، ومع هذا كانت طلبته الأخيرة: [أرني وجهك]. هذه الطلبة التي تحقَّقت له بصورة رائعة بعد حوالي ألفين عامًا حين ظهر إيليا مع موسى ليُعاينا السيِّد المسيح المتجلِّي على جبل تابور ويتحدَّثان معه.
تمتَّع أيضًا سليمان الحكيم برؤية الله مرَّتين: بعد تجليسه ملكًا وعند تدشين الهيكل.
هكذا لن يتوقَّف عطش المؤمن الحقيقي عن رؤية الله بكل وسيلة ليتمتَّع باللقاء مع محبوبه السماوي وجهًا لوجه. هذه الرؤية وهذا اللقاء لن يحدث في الحياة العتيدة فحسب، بل هي امتداد لحياة مُعاشة يختبرها المؤمن كل يوم.
يميِّز القدِّيس إيريناؤس بين ثلاثة أنواع من الرؤى، وإن كانت كل منها مشتملة في الأخريَّتين.
1. الرؤية النبويَّة خلال الروح القدس. كالرؤية التي تقبَّلها موسى النبي على الصخرة إشارة إلى رؤيته خلال التجسُّد (صخرة مجيئه البشري). وهي رؤيا رمزيَّة، لا يرى وجه الله الحقيقي بل يظهر لهم بطريقة سرائريَّة حيث يبدأ الإنسان يرى الله. لقد طلب موسى النبي رؤية أوضح، تحقَّقت له حين ظهر مع إيليا على جبل تابور. التي تحقَّق كمال الرؤية التي على جبل سيناء على جبل تابور.


2. رؤية التبنِّي خلال الابن المتجسِّد.
3. رؤية الآب في ملكوت السموات، في الحياة الأخرى، أو الرؤية الإسخاتولوجيَّة.
"فقال سليمان: أنك قد فعلت مع عبدك داود أبي رحمة عظيمة،
حسبما سار أمامك بأمانة وبرّ واستقامة قلب معك،
فحفظت له هذه الرحمة العظيمة،
وأعطيته ابنًا يجلس على كرسيه كهذا اليوم" [6].
إذ طلب منه الرب أن يسأل فيعطيه بدأ بتقديم الشكر لله على عطاياه لأبيه، حاسبًا ما قدَّمه الله لسليمان إنَّما هو عطيَّة إلهيَّة مقدَّمة لداود أبيه صاحب القلب المستقيم. لقد ورث سليمان عن أبيه الفم المبارك لله على عطاياه. فنسمع داود النبي يقول: "مُبَارَكٌ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ الَّذِي أَعْطَانِيَ الْيَوْمَ مَنْ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّي وَعَيْنَايَ تُبْصِرَانِ" (1 مل 1: 48). صارت تجري في عروقه مباركة الرب على عطاياه. فيباركه ليس فقط في ساعات النهار، وإنَّما ينبض قلبه بالبركة وهو في أحلامه ليلًا. يقول مع أبيه داود: "أبارك الرب الذي نصحني، وأيضًا بالليل تنذرني كليتاي" (مز 16: 7).
في وقارٍ شديدٍ تحدَّث سليمان مع الله عن أبيه، ساترًا على أخطائه مثل سيِّده، قائلًا: "سار أمامك بأمانةٍ وبرٍ واستقامة قلبٍ معك". وتحدَّث بقلب يفيض شكرًا وحمدًا لله الذي أظهر رحمته العظيمة مع عبده داود. هكذا يليق بنا أن نشكره ونسبِّحه من أجل معاملاته مع آبائنا وأمَّهاتنا وكل الأجيال السابقة.
"والآن أيُّها الرب الهي، أنت ملكت عبدك مكان داود أبي،
وأنا فتى صغير لا أعلم الخروج والدخول" [7].


بعد أن بارك الله على عطاياه لأبيه بأن أقام ابنه ملكًا في تواضعٍ شديدٍ أعلن أنَّه كطفلٍ صغيرٍ لا يقدر أن يخرج أو يدخل دون معونة. إنَّه كمن يتدرَّب على المشي يحتاج إلى يدٍ تمسك بيده وتقوده. حسب نفسه طفلًا بلا فهمٍ ولا خبرةٍ هذا الذي دعاه والده حكيمًا (1مل 2: 9).
3. اختيار سليمان للحكمة:

8 وَعَبْدُكَ فِي وَسَطِ شَعْبِكَ الَّذِي اخْتَرْتَهُ، شَعْبٌ كَثِيرٌ لاَ يُحْصَى وَلاَ يُعَدُّ مِنَ الْكَثْرَةِ. 9 فَأَعْطِ عَبْدَكَ قَلْبًا فَهِيمًا لأَحْكُمَ عَلَى شَعْبِكَ وَأُمَيِّزَ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، لأَنَّهُ مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى شَعْبِكَ الْعَظِيمِ هذَا؟» 10 فَحَسُنَ الْكَلاَمُ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ، لأَنَّ سُلَيْمَانَ سَأَلَ هذَا الأَمْرَ. 11 فَقَالَ لَهُ اللهُ: «مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ قَدْ سَأَلْتَ هذَا الأَمْرَ، وَلَمْ تَسْأَلْ لِنَفْسِكَ أَيَّامًا كَثِيرَةً وَلاَ سَأَلْتَ لِنَفْسِكَ غِنًى، وَلاَ سَأَلْتَ أَنْفُسَ أَعْدَائِكَ، بَلْ سَأَلْتَ لِنَفْسِكَ تَمْيِيزًا لِتَفْهَمَ الْحُكْمَ، 12 هُوَذَا قَدْ فَعَلْتُ حَسَبَ كَلاَمِكَ. هُوَذَا أَعْطَيْتُكَ قَلْبًا حَكِيمًا وَمُمَيِّزًا حَتَّى إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِثْلُكَ قَبْلَكَ وَلاَ يَقُومُ بَعْدَكَ نَظِيرُكَ. 13 وَقَدْ أَعْطَيْتُكَ أَيْضًا مَا لَمْ تَسْأَلْهُ، غِنًى وَكَرَامَةً حَتَّى إِنَّهُ لاَ يَكُونُ رَجُلٌ مِثْلَكَ فِي الْمُلُوكِ كُلَّ أَيَّامِكَ. 14 فَإِنْ سَلَكْتَ فِي طَرِيقِي وَحَفِظْتَ فَرَائِضِي وَوَصَايَايَ، كَمَا سَلَكَ دَاوُدُ أَبُوكَ، فَإِنِّي أُطِيلُ أَيَّامَكَ». 15 فَاسْتَيْقَظَ سُلَيْمَانُ وَإِذَا هُوَ حُلْمٌ. وَجَاءَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَوَقَفَ أَمَامَ تَابُوتِ عَهْدِ الرَّبِّ وَأَصْعَدَ مُحْرَقَاتٍ وَقَرَّبَ ذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ، وَعَمِلَ وَلِيمَةً لِكُلِّ عَبِيدِهِ.

"وعبدك في وسط شعبك الذي اخترته،
شعب كثير لا يُحصى ولا يَّعد من الكثرة.
فأعطِ عبدك قلبًا فهيمًا لأحكم على شعبك،
وأُميِّز بين الخير والشرّ،
لأنَّه من يقدر أن يحكم على شعبك العظيم هذا؟" [8-9].
لم يقل سليمان "شعبي" بل "شعبك"، فهو ليس بالملك الحقيقي، وإنَّما ممثِّل له. إنَّه سفير لملك الملوك يعمل وسط شعب الله، لا شعبه هو. إن كان هذا الشعب قد اختاره الرب، والملك اختاره الرب، إذن فالعامل هو الرب نفسه المهتم بشعبه كما بعبده الذي أقامه لخدمتهم. إنَّه عبد الرب المحتاج إلى فهم وحكمة لخدمة شعب سيِّده. لقد أدرك أن "الرَّبَّ يُعْطِي حِكْمَةً. مِنْ فَمِهِ الْمَعْرِفَةُ وَالْفَهْمُ" (أم 2: 6). وكما يقول الرسول: "إن كان أحدكم تُعوزه حكمة فليطلب من الله الذي يُعطي الجميع بسخاء ولا يُعيّر فسيُعطى له" (يع 1: 5).
الله هو ينبوع كل حكمة ومعرفة وفهم. والحكماء والفهماء الحقيقيُّون هم قنوات يفيض خلالها الله بالحكمة على كثيرين كما
يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [الحكمة الإلهيَّة هي مجن لأُناس الله الذين يسلكون باستقامة، أو معِين لهم لنوال النصرة. فإنَّنا إذ نتمسَّك بالحكمة ونحفظها، تتمسَّك هي بنا وتحفظنا].
ويقول القدِّيس إكليمنضس السكندري: [بالنسبة للذين يتبرَّرون بالفلسفة، تقودهم المعرفة إلى التقوى كمُعين لهم].
لم يطلب الحكمة بوجه عام لكي يفتخر بها أو يفوق الآخرين، وإنَّما لخدمة شعب سيِّده بروح التقوى، ويقضي بينهم بروح العدالة. كان الملك في القديم قاضيًا للشعب، خاصة في الأمور الكبيرة.
* الإيمان الحقيقي والتعليم الصادق يُعلنان أن كلًا من النعمتين هي من الله. يقول الكتاب المقدَّس: [من وجهه المعرفة والفهم]، وفي سفر آخر يقول: "المحبَّة هي من الله" (1 يو 4: 7).
* "الرب يُعطي حكمة، من فمه المعرفة والفهم" (أم 2: 6). منه ينالون الرغبة ذاتها نحو المعرفة، إذا ما تَلَاحَمَت (تزوَّجت) بالتقوى.
القديس أغسطينوس


"فحسُن الكلام في عينيّ الرب،
لأن سليمان سأل هذا الأمر" [10].
جاءت طلبة سليمان من الله في حلم، كشفت عمَّا في أعماق قلبه من روح الشكر لله، والوقار لوالده، والتواضع، وشهوة خدمة شعب الله بأمانة وحكمة. لهذا سُرّ الله به، وبما يحمله من إرادة مقدَّسة. وجد الله مسرَّته في قلب سليمان وفكره وإرادته. سُرّ بتقدماته الصادرة عن نقاوة قلبه، وصلواته نهارًا، وطلباته ليلًا حتى في أحلامه.
نال سليمان عطيَّة القلب الحكيم، وتجلَّت حكمته في الآتي:
* سأل الله ليعطيه فهم قلب يحكم به الشعب (1 مل 3: 9).
* حمل بصيرة داخليَّة بروح التمييز (1 مل 3: 16-28).
* فاق غيره من الحكماء (1 مل 4: 29-31).
* نطق بأمثال وحِكم، وضع 3000 مثلًا (1 مل 4: 32)، و1005 نشيدًا (1 مل 4: 32) من بينها المزموران (مز 72؛ 127). جاء إليه البعض من أنحاء العالم ليسمعوا حكمته، من بينهم ملكة سبأ (1 مل 10: 1-9). كثير من الأمثال القديمة في إسرائيل وإثيوبيا والعربيَّة يرجع أصلها إلى سليمان الحكيم.
* بحكمة وقف أمام الهيكل (1 مل 5-6).
* بحكمة قدَّم صلاة التدشين (1 مل 8: 22-53).


* وضع بإعلان الروح القدس أسفار الأمثال والجامعة ونشيد الأناشيد.
* أوضّح أنَّه صاحب معرفة في أمور علميَّة كثيرة، مثل علم النباتات والحيوان والأسماك (1 مل 4: 33؛ أم 30: 24-31؛ جا 2: 4-6).
* في القضاء حكم في قضيَّة السيِّدتين اللتين ادعتا أنَّهما والدتان لطفلٍ ما (1 مل 3: 16-28).
لكن ما أفسد حكمته هو:
1. الحياة المدلَّلة المبالغ فيها (1 مل 4: 22-28؛ 10: 21).
2. تزوُّجه الوثنيَّات (1 مل 11: 1-2؛ نح 13: 23-26).
3. حساسيَّته المُبْالَغ فيها (1 مل 11: 3).
4. انحرافه إلى الوثنيَّة (1 مل 11: 4-10).
5. كان يصنع ما يحسن في عينه (1 مل 11: 33).
6. ظلمه للشعب (1 مل 12: 4).
"فقال له الله:
من أجل أنَّك قد سألت هذا الأمر ولم تسأل لنفسك أيَّاما كثيرة،
ولا سألت لنفسك غِنى،
ولا سألت أنفس أعدائك،


بل سألت لنفسك تمييزًا لتفهم الحكم.
هوذا قد فعلت حسب كلامك،
هوذا أعطيتك قلبًا حكيمًا ومميِّزًا حتى أنَّه لم يكن مثلك قبلك،
ولا يقوم بعدك نظيرك [11-12].
سأل سليمان لنفسه الحكمة أو التمييز ليفهم الحكم، أي طلب الحكمة العمليَّة التي خلالها يمارس الحياة اللآئقة بالمؤمن. وهبه الله الحكمة العقليَّة والعمليَّة، حتى لم يكن من هو مثل سليمان، ولا من يأتي بعده مثله، حتى يأتي من هو أعظم من سليمان (مت 12: 42؛ لو 11: 31).
* الآن إذ كان الابن الحكيم لأب حكيم، لهذا أضيف اسم داود الذي ولد منه سليمان وهو طفل تعلَّم في الكتب المقدَّسة، ونال سلطانه لا بالقرعة ولا بالقوَّة بل بحكم الروح وقانون الله.
لمعرفة حكمة وأدب (أم 1: 2) من يعرف حكمة الله يتقبَّل منه أيضًا الأدب. ويتعلَّم بها أسرار الكلمة. ومن يعرفون الحكمة السماويَّة الحقَّة بسهولة يفهمون كلمات هذه الأسرار.
لذلك يقول: [لإدراك صعوبة الكلمات] (أم 1: 2). فإن الأمور التي ينطق بها بلغة غريبة بالروح القدس تصير مدركة للذين لهم قلوب مستقيمة بالرب.
القديس هيبوليتس
"وقد أعطيتك أيضًا ما لم تسأله غِنى وكرامة،
حتى أنَّه لا يكون رجل مثلك في الملوك كل أيَّامك" [13].
إذ نطلب ملكوت الله وبرّه يُزاد عليها كل البركات الزمنيَّة من أمور ماديَّة وكرامة حقيقيَّة (مت 6: 33). إذ نطلب من الله نعمته الفائقة يهبنا مع النعمة السماويَّة احتياجاتنا الزمنيَّة. فإنَّنا إذ ننعم بالنعمة الإلهيَّة تصير كل الخيرات الأرضيَّة لخيرنا، أمَّا بدون النعمة فإن هذه الخيرات تستعبد نفوسنا.
"فإن سلكت في طريقي وحفظت فرائضي ووصاياي كما سلك داود أبوك،
فإنِّي أطيل أيَّامك" [14].
وعده الله بإطالة أيَّامه بشرط السلوك في طريقه وحفظ فرائضه ووصاياه كما فعل أبوه داود. لم يحقِّق سليمان الشرط، فمات قرابة التسعة وخمسين عامًا أو بالأكثر في الستين من عمره.


* إذ طلب سليمان ما يجب طلبه أنظر كيف نال بسرعة. أمران يجب أن يكونا في من يصلِّي: أن يطلب بغيرة، ويسأل ما يجب طلبه.
القديس يوحنا الذهبي الفم
"فاستيقظ سليمان
وإذا هو حلم.
وجاء إلى أورشليم،
ووقف أمام تابوت عهد الرب، وأصعد محرقات وقرَّب ذبائح سلامة،
وعمل وليمة لكل عبيده" [15].
إذ أتم سليمان الخدمة الروحيَّة في جبعون حيث توجد خيمة الاجتماع انطلق إلى المركز الثاني للعبادة، أورشليم، حيث تابوت العهد في جبل صهيُّون (2 صم 6: 13). لقد أقام وليمة عظيمة مع تقديم ذبائح سلامة. مع المحرقات التي قدِّمت في جبعون قدِّمت الذبائح لتستهلك كلُّها بالنار علامة تكريس القلب كلُّه لله. وفي ذبائح السلامة يُعطي نصيب من اللحم للآويِّين والغرباء والأيتام والأرامل (تث 14: 29). علامة الارتباط بالحياة الكنسيَّة العمليَّة والعطاء والاهتمام بالمحتاجين.
استيقظ سليمان وقد رأى حلمًا من قِبل الله، تمتَّع بإعلانٍ إلهي من قِبل الله، أو بظهور إلهي في حلمٍ. قام سليمان من نومه متهلِّلًا بالروح فقد رأى الرب، وتلامس مع محبَّته وحنانه. اشتهى سليمان أن يتمتَّع كل الشعب بهذا الفرح الداخلي، فأقام لهم وليمة روحيَّة عظيمة. القائد الحيّ هو الذي يتمتَّع بالفرح بالرب ويبث روح الفرح في إخوته.
بدأ سليمان يمارس القضاء بالقلب الحكيم الذي وهبه الله، فنال مخافة لدى الشعب، هي انعكاس للمجد الذي وعده الله به.
4. حكمة سليمان:



16 حِينَئِذٍ أَتَتِ امْرَأَتَانِ زَانِيَتَانِ إِلَى الْمَلِكِ وَوَقَفَتَا بَيْنَ يَدَيْهِ. 17 فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ الْوَاحِدَةُ: «اسْتَمِعْ يَا سَيِّدِي. إِنِّي أَنَا وَهذِهِ الْمَرْأَةُ سَاكِنَتَانِ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ وَلَدْتُ مَعَهَا فِي الْبَيْتِ. 18 وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ بَعْدَ وِلاَدَتِي وَلَدَتْ هذِهِ الْمَرْأَةُ أَيْضًا، وَكُنَّا مَعًا، وَلَمْ يَكُنْ مَعَنَا غَرِيبٌ فِي الْبَيْتِ غَيْرَنَا نَحْنُ كِلْتَيْنَا فِي الْبَيْتِ. 19 فَمَاتَ ابْنُ هذِهِ فِي اللَّيْلِ، لأَنَّهَا اضْطَجَعَتْ عَلَيْهِ. 20 فَقَامَتْ فِي وَسَطِ اللَّيْلِ وَأَخَذَتِ ابْنِي مِنْ جَانِبِي وَأَمَتُكَ نَائِمَةٌ، وَأَضْجَعَتْهُ فِي حِضْنِهَا، وَأَضْجَعَتِ ابْنَهَا الْمَيْتَ فِي حِضْنِي. 21 فَلَمَّا قُمْتُ صَبَاحًا لأُرَضِّعَ ابْنِي، إِذَا هُوَ مَيْتٌ. وَلَمَّا تَأَمَّلْتُ فِيهِ فِي الصَّبَاحِ، إِذَا هُوَ لَيْسَ ابْنِيَ الَّذِي وَلَدْتُهُ». 22 وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ الأُخْرَى تَقُولُ: «كَلاَّ، بَلِ ابْنِيَ الْحَيُّ وَابْنُكِ الْمَيْتُ». وَهذِهِ تَقُولُ: «لاَ، بَلِ ابْنُكِ الْمَيْتُ وَابْنِيَ الْحَيُّ». وَتَكَلَّمَتَا أَمَامَ الْمَلِكِ. 23 فَقَالَ الْمَلِكُ: «هذِهِ تَقُولُ: هذَا ابْنِيَ الْحَيُّ وَابْنُكِ الْمَيْتُ، وَتِلْكَ تَقُولُ: لاَ، بَلِ ابْنُكِ الْمَيْتُ وَابْنِيَ الْحَيُّ». 24 فَقَالَ الْمَلِكُ: «اِيتُونِي بِسَيْفٍ». فَأَتَوْا بِسَيْفٍ بَيْنَ يَدَيِ الْمَلِكِ. 25 فَقَالَ الْمَلِكُ: «اشْطُرُوا الْوَلَدَ الْحَيَّ اثْنَيْنِ، وَأَعْطُوا نِصْفًا لِلْوَاحِدَةِ وَنِصْفًا لِلأُخْرَى». 26 فَتَكَلَّمَتِ الْمَرْأَةُ الَّتِي ابْنُهَا الْحَيُّ لِلْمَلِكِ، لأَنَّ أَحْشَاءَهَا اضْطَرَمَتْ عَلَى ابْنِهَا، وَقَالَتِ: «اسْتَمِعْ يَا سَيِّدِي. أَعْطُوهَا الْوَلَدَ الْحَيَّ وَلاَ تُمِيتُوهُ». وَأَمَّا تِلْكَ فَقَالَتْ: «لاَ يَكُونُ لِي وَلاَ لَكِ. اُشْطُرُوهُ». 27 فَأَجَابَ الْمَلِكُ وَقَالَ: «أَعْطُوهَا الْوَلَدَ الْحَيَّ وَلاَ تُمِيتُوهُ فَإِنَّهَا أُمُّهُ». 28 وَلَمَّا سَمِعَ جَمِيعُ إِسْرَائِيلَ بِالْحُكْمِ الَّذِي حَكَمَ بِهِ الْمَلِكُ خَافُوا الْمَلِكَ، لأَنَّهُمْ رَأَوْا حِكْمَةَ اللهِ فِيهِ لإِجْرَاءِ الْحُكْمِ.

"حينئذ أتت امرأتان زانيتان إلى الملك ووقفتا بين يديه.
فقالت المرأة الواحدة:
استمع يا سيِّدي، إنِّي أنا وهذه المرأة ساكنتان في بيتٍ واحدٍ،
وقد ولدتُ معها في البيت.
وفي اليوم الثالث بعد ولادتي ولدت هذه المرأة أيضًا،
وكنَّا معًا ولم يكن معنا غريب في البيت غيرنا نحن كلتينا في البيت" [16-18].
بناء على طلب روفينوس الكاهن الروماني (بخلاف روفينوس أسقف Aquileia وروفينوس السرياني) بعث القديس جيروم إليه رسالة يشرح في شيء من الإطالة هذه القصَّة بمفهومها الرمزي بكونها أشبه بِمَثَل يميِّز بين المجمع اليهودي والكنيسة.
"فمات ابن هذه في الليل لأنَّها اضطجعت عليه.
فقامت في وسط الليل، وأخذت ابني من جانبي وأمتك نائمة،
وأضجعته في حضنها وأضجعت ابنها الميِّت في حضني.
فلما قمت صباحًا لأرضع ابني إذا هو ميِّت،
ولمَّا تأمَّلتُ فيه في الصباح إذا هو ليس ابني الذي ولدته.


وكانت المرأة الأخرى تقول: كلاَّ بل ابني الحيّ وابنك الميِّت.
وهذه تقول: لا بل ابنك الميِّت وابني الحيّ،
وتكلَّمتا أمام الملك.
فقال الملك" هذه تقول هذا ابني الحيّ وابنك الميِّت،
وتلك تقول لا بل ابنك الميِّت وابني الحيّ" [19-23].
كانت كل الأنظار تتطلَّع إلى سليمان لترى كيف يحكم، ربَّما توقَّعوا إنَّه يُلقي قرعة ليعرف من هي الأم الحقيقيَّة.
"فقال الملك: اِيتُونِي بِسَيْفٍ،
فأتوا بسيف بين يديّ الملك" [24].
يرى القديس أمبروسيوس أن سليمان الحقيقي هو السيِّد المسيح الذي بسيف كلمته يقسم، يعزل الشرّ عن الخير. يرى أنَّه من حق السيِّد المسيح وحده، يشوع الحقيقي، أن يقسِّم أرض الموعد على الأسباط، وأنَّه وحده، سليمان الحقيقي، أن يفصل الكلمة بسيف الروح ويقسمها، فيقول: [كان حق التقسيم خاص بالرب وحده، ويُعبِّر عن هذا بعبارات الكلمة، أي بالسيف الروحي الذي لسليمان الحقيقي].
"فقال الملك: اشطروا الولد الحيّ اثنين،
وأعطوا نصفًا للواحدة ونصفًا للأخرى.
فتكلَّمت المرأة التي ابنها الحيّ إلى الملك،


لأن أحشاءها اضطرمت على ابنها،
وقالت: استمع يا سيِّدي أعطوها الولد الحيّ ولا تميتوه.
وأمَّا تلك فقالت: لا يكون لي ولا لكِ، اشطروه".
"فأجاب الملك وقال: أعطوها الولد الحيّ ولا تميتوه فإنَّها أمُّه" [25-27].
حينما أمر الملك بشطر الطفل غالبًا ما اضطرب كثيرون في داخلهم وحسبوا قراره غريبًا وغير حكيم، يحمل وحشيَّة، إذ يُقتل طفل لا ذنب له. وربَّما تساءلوا في أعماقهم: هل هذه هي حكمة الملك الجديد المختار من الله؟ هل هذا ما تسلَّمه من الله عندما ظهر له في حلم؟ لقد جاء في الشريعة: "إذا نطح ثور إنسان ثور صاحبه فمات يبيعان الثور الحيّ ويقتسمان ثمنه، والميِّت أيضًا يقتسمانه" (خر 21: 35). إن كان هذا بالنسبة للثور النطّاح، فكيف يأمر الملك ببتر الطفل الحيّ فيموت ولا تناله هذه ولا تلك؟ لكنَّه إذ أصدر الحكم بعد أن أعلن عن الأم الحقيقيَّة أدرك الكل حكمته، وأن "قلوب الملوك لا تُفحص" (أم 25: 3).
لقد التهب قلب الأم الحقيقيَّة على ابنها وطلبت تسليم ابنها للسيِّدة الأخرى المقاومة لها ولا تراه مقتولًا، كأنَّها تقول له: "أود أن أراه ابنها عن أن لا أراه. وكأنَّه كان لديها رجاء أن تتمتَّع به. وكما قيل: "يوجد رجاء لآخرتك يقول الرب، فيرجع الأبناء إلى تخمهم" (إر 31: 17).
يرى القديس أمبروسيوسأن سليمان الحقيقي اختار الكنيسة التي حمل لها حبًا حقيقيًا بروح التمييز. وأن هذه السيِّدة التي لها الابن هي القدِّيسة مريم التي اجتاز في نفسها سيف الله.
"ولما سمع جميع إسرائيل بالحكم الذي حكم به الملك خافوا الملك،
لأنَّهم رأوا حكمة الله فيه لإجراء الحكم" [28].
ينقل لنا الأب قيصريوس أسقف آرل تفسيرًا آبائيًا لقصَّة سليمان الحكيم والزانيتين، قائلًا:
[الآن إن أردتم أن تنصتوا باختياركم فإنِّي أود أن أشير إلى آذان محبَّتكم ما أوضحه الآباء القدِّيسون في هذا الشأن.
المرأة التي صرخت بأن يبقى الطفل حيَّا تمثِّل الكنيسة الكاثوليكيَّة (الجامعة)، والمرأة الأخرى القاسيَّة الشرِّيرة التي صرخت إنَّه يجب أن يقَّسم الطفل تُشير إلى البدعة الأريوسيَّة.


الكنيسة الكاثوليكيَّة تشبه أُمًّا تقيَّة للغاية تصرخ أمام كل الهراطقة:
لا تجعلوا المسيح أقل من الآب، لا تقسموا وحدته، لا تقسموا الله الواحد إلى درجات مختلفة وأشكال متفاوتة...
احتفظوا به معكم بالكامل.
إن أردتم سلامًا، فلا تقسموا وحدته.
إن كان لكم الكل يبقى كل شيء لكم.
عظيمة هي كليَّة قدرته، إذ الجميع يملكونه بالكامل، وكل واحدٍ يملكه.
على أي الأحوال فإن الهرطقة الشرِّيرة القاسيَّة تصرخ: "لا، اشطروه" [26] ماذا يعني هذا: "اشطروه"، إلاَّ أن الابن غير مساوٍ للآب؟ إن نزع أحد مساواة الابن ينكر أن الآب صالح وكلِّي القدرة.
إن كان الله الآب قادر أن يلد الابن مثله ولم يرد فهو ليس بصالحٍ، وإن أراد ولم يستطع فهو غير قدير. تأكَّدوا يا اخوة أنَّه ليس أحد من الأريوسيِّين يقدر أن يجيب على هذه العبارة، لكن عندما يحصرون بالمنطق الحقيقي يلجأون كحيَّة مراوغة إلى نوع من التساؤلات البارعة والملتويَّة.
[لتخجلي في عار أيَّتها البدعة الأريوسيَّة العنيفة والشرِّيرة...
إنَّكم أشرار لأنَّكم لستم أمًا.
إنَّكم تشطرون المولود وتجمعون ما لم تجلبوه.


صار قلبكم قاسيًا...].
من وحي 1 ملوك 3

هبني ذاتك يا حكمة الله!


* في جبعون ذبح لك سليمان ألف محرقة.
هب لي أن أقدِّم لك كل حياتي محرقة حب لا تنقطع.
لتظهر لي كما ترأيت لسليمان.
في اتِّضاع شعر أنَّه فتى صغير،
محتاج إلى حكمتك السماويَّة ليدبِّر أمور شعبك.
ماذا اطلب منك إلاَّ أن أقتنيك يا حكمة الله؟
* بك اعرف كيف أحكم على الشعب في قلبي.
بك أعرف كيف أخدم كل إنسان.
بك أميِّز بين الخير والشرّ.
ليس لي بعد أن أطلب شيئًا سواك؟
أنت هو الحكمة الإلهي، بك أحيا وأتقدَّم في كل شيء.
* بحكمتك عرف سليمان كيف يقدِّم الرضيع لأمه.
ميَّز بين الأم الحقيقيَّة والمخادعة.
هب لي روح التمييز فأعرف الكنيسة الأم الصادقة.
أميِّز من لها روح الحق ممَّا لها روح الخداع!



 
قديم 24 - 08 - 2024, 05:43 PM   رقم المشاركة : ( 171354 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,711

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




وصيَّة داود الملك لابنه

كشفت اللحظات الأخيرة من حياة داود عمَّا يحمله في قلبه. فإنَّه كان يهتم أن يتمِّم مشيئة الرب من جهة إقامة سليمان ملكًا، وأيضًا في تحقيق العدالة الإلهيَّة سواء بالنسبة لِمَن أساءوا إلى الناموس أو الذين قدَّموا عمل محبَّة.
من عادة الآباء أن يقدِّموا النصائح الوداعيَّة حينما يشعرون بقرب رحيلهم من العالم، يقدِّمونها مع البركة، خاصة للابن البكر. والسيِّد المسيح نفسه قبيل صلبه قدَّم لنا حديثه الوداعي الرائع، كما قدَّم صلاة وداعيَّة.
جاءت تدابير داود لابنه لتولِّي العرش في (1 أي 28-29)، تتلخَّص في الآتي:
1. عرَّف رجال القصر بابنه كملكٍ خلَفُه على العرش، مختار من قبل الله.
2. أوصاهم بالطاعة للوصايا الإلهيَّة.
3. حثَّ سليمان والشعب على بناء الهيكل مقدِّمًا له نموذجًا للمبنى مع المواد التي جمعها لتحقيق هذا الهدف.


4. حث العظماء على المساهمة في هذا العمل.
5. قدَّم تسبيحًا وشكرًا لله، كما أقام احتفالًا دينيًا.
6. مسحه في حضرة الرب أمام الشعب (1 أي 29: 22) للمرَّة الثانية، كما حدث مع شاول (1 صم 11)، وداود (2 صم 2: 4، 5: 3)، غايتها هو الاطمئنان ألاَّ يحدث تمرُّد على سليمان بعد موته.
تكشف وصيَّته الوداعيَّة عن شوق داود النبي أن يلتزم خلفاؤه أن يخافوا الرب ويكونوا مخلصين للعهد حتى يتحقَّق الوعد الإلهي بأن تستمر عائلة داود الملوكيَّة على العرش. هذا هو الضمان الوحيد لنجاحهم في كل عملٍ تمتدّ إليه أيديهم.
 
قديم 24 - 08 - 2024, 05:44 PM   رقم المشاركة : ( 171355 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,711

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




وصايا روحيَّة:

1 وَلَمَّا قَرُبَتْ أَيَّامُ وَفَاةِ دَاوُدَ أَوْصَى سُلَيْمَانَ ابْنَهُ قَائِلًا: 2 «أَنَا ذَاهِبٌ فِي طَرِيقِ الأَرْضِ كُلِّهَا، فَتَشَدَّدْ وَكُنْ رَجُلًا. 3 اِحْفَظْ شَعَائِرَ الرَّبِّ إِلهِكَ، إِذْ تَسِيرُ فِي طُرُقِهِ، وَتَحْفَظُ فَرَائِضَهُ، وَصَايَاهُ وَأَحْكَامَهُ وَشَهَادَاتِهِ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى، لِكَيْ تُفْلِحَ فِي كُلِّ مَا تَفْعَلُ وَحَيْثُمَا تَوَجَّهْتَ. 4 لِكَيْ يُقِيمَ الرَّبُّ كَلاَمَهُ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ عَنِّي قَائِلًا: إِذَا حَفِظَ بَنُوكَ طَرِيقَهُمْ وَسَلَكُوا أَمَامِي بِالأَمَانَةِ مِنْ كُلِّ قُلُوبِهِمْ وَكُلِّ أَنْفُسِهِمْ، قَالَ لاَ يُعْدَمُ لَكَ رَجُلٌ عَنْ كُرْسِيِّ إِسْرَائِيلَ.

في وقارٍ شديد وجِديَّة قدَّم داود الملك وهو على فراش الموت وصيَّته لابنه سليمان. وقد جاءت وصيَّة داود الوداعيَّة نموذجًا حيًّا لما يليق بالآباء أن يقدِّموه لأبنائهم:


أ. نظرته نحو الموت كانطلاق للنفس في موكب جماعي وخروجها مع نفوس آبائه إلى مسكنها الأخير:
"ولما قربت أيَّام وفاة داود أوصى سليمان ابنه قائلًا:
أنا ذاهب في طريق الأرض كلها،
فتشدَّد وكن رجلًا" [1-2].
إنه لم يخشَ أن يسمع عن الموت أو يتحدَّث عنه، بل عبَّر عنه بأسلوب رائع. حسبه طريق الأرض كلها. البشريَّة التي خرجت من الأرض تلتزم بالعودة إليها. الموت هو انطلاق من وادي الدموع (مز 23: 4)، كما في موكب يضم الجميع حتى الأنبياء العظماء والمؤمنين الأبرار، والملوك، لكن بروح الرجاء حيث يعبرون إلى ما وراء الزمن.
* الموت بالنسبة للذين يفهمونه خلود، أمَّا بالنسبة للبُلهاء الذين لا يفهمونه فهو موت. يجب علينا ألاَّ نخاف هذا الموت، بل نخاف هلاك النفس الذي هو عدم معرفة الله. هذا هو ما يرعب النفس بحق!
* يستحيل علينا أن نهرب من الموت بأيَّة وسيلة.
إذ يعرف العقلاء هذا بحق يمارسون الفضائل ويفكِّرون في حب الله، ويواجهون الموت بلا تنهُّدات أو خوف أو دموع، مفكِّرين في أن الموت أمرٌ محتم من جهة، ومن جهة أخرى إنَّه يحرِّرنا من الأمراض التي نخضع لها في هذه الحياة.
القديس أنطونيوس الكبير
ب. حثّ الجيل الجديد على العمل بروح القوَّة والالتزام والشعور بالمسئوليَّة:


"تشدَّد وكن رجلًا" [2].
تحمل هذه الوصيَّة الأبويَّة انعكاسًا للوصيَّة الإلهيَّة لكل قائدٍ، بل ولكل مؤمنٍ، إذ يود الله أن يرى في كل أولاده قادة واثقين من الحضرة الإلهيَّة والتمتُّع بالوعود الإلهيَّة وبالقوَّة السماويَّة. فمهما بلغ عمرنا نشعر أنَّنا أطفال، لكن بالرب نصير ناضجين، نحمل روح القوَّة.
"تشدَّدوا وتشجَّعوا، لا تخافوا ولا ترهبوا وجوههم، لأن الرب إلهك سائر معك، لا يهملك ولا يتركك" (تث 31: 6).
"تشدَّد وتشجَّع، لأنَّك أنت تقسم لهذا الشعب الأرض التي حلفت لآبائهم أن أعطيهم" (يش 1: 6).
"إنَّما كن متشدِّدا وتشجَّع جدًا لكي تتحفَّظ للعمل حسب كل الشريعة التي أمرك بها موسى عبدي، لا تمل عنها يمينًا ولا شمالًا لكي تفلح حيثما تذهب" (يش 1: 7).
"أما أمرتك تشدَّد وتشجَّع؟! لا ترهب ولا ترتعب، لأن الرب إلهك معك حيثما تذهب" (يش 1: 9).
"انتظر الرب ليتشدَّد وليتشجَّع قلبك وانتظر الرب" (مز 27: 14).
"لتتشدَّد ولتتشجَّع قلوبكم يا جميع المنتظرين الرب" (مز 31: 24).
سهروا اثبتوا في الإيمان، كونوا رجالًا تقووا" (1 كو 16: 13).
* تحمَّل برجولة النيران التي تُطهِّر شهواتك، وفي شجاعة تلك التي تُطهِّر قلبك. لا تظن أن ما لم تنله بعد لا تحصل عليه. ولا تخور يائسًا مادمت تتأمَّل الكلمات: "انتظر الرب".
القديس أغسطينوس
ج. الالتزام بالإخلاص للعهد الإلهي والطاعة لوصاياه.
"احفظ شعائر الرب إلهك،
إذ تسير في طرقه وتحفظ فرائضه وصاياه وأحكامه وشهاداته كما هو مكتوب في شريعة موسى،
لكي تفلح في كل ما تفعل وحيثما توجَّهت.
لكي يقيم الرب كلامه الذي تكلَّم به عنِّي قائلًا:
إذا حفظ بنوك طريقهم وسلكوا أمامي بالأمانة من كل قلوبهم وكل أنفسهم
قال لا يعدم لك رجل عن كرسي إسرائيل" [3-4].
ما هو السير في طريق الرب إلاَّ التمتُّع بالحضرة الإلهيَّة والاتِّكاء على الذراع الإلهي وحفظ الوصيَّة عِوض السير حسب الفكر البشري والاتِّكاء على القوَّة العسكريَّة والذهب والفضة والمظاهر الخارجيَّة.
إن أراد المؤمن أن يكون ملكًا حقيقيًا، صاحب سلطان على أفكاره ومشاعره وكلماته وتصرُّفاته، قادر أن يطأ كل قوَّات الظلمة يلتزم أن يحفظ فرائض الرب ووصاياه وأحكامه وشهاداته. فإنَّه إذ يحفظها تحفظه هي، وتهبه من سماتها القداسة والحكمة مع القوَّة والفرح.
في تفسيرنا لسفر المزامير سبق أن عرضنا التمييز بين الفرائض والوصايا والأحكام والشهادات.
إذ يقدِّم الله لنا الفرائض المقدَّسة يودّ منَّا أن نسلك بروح التدبير والنظام لنحمل حياته المقدَّسة فينا، فلا يكون للتشويش موضع فينا. وبوصاياه يشتهي أن نحمل روح الطاعة، فنشارك مسيحنا المطيع للآب سماته الفائقة. وبحفظنا لأحكامه نُعلن ثقتنا في أبوَّته الحكيمة الحانية وقبولنا لإرادته الإلهيَّة حتى في لحظات تأديبنا المُرَّة. وبتمسُّكنا بشهاداته نشهد أمام أنفسنا كما أمام اخوتنا يقيننا بالحق الإلهي، وترقُّبنا لما وعدنا به في الحياة العتيدة.
هكذا يدعو داود النبي ابنه سليمان أن يلتزم كملكٍ بالآتي:
إن كان كملكٍ يطلب خضوع الكل للنظام الذي يضعه من أجل سلام البلد، يلتزم هو بالخضوع للتدبير الإلهي فلا يسلك حسب هواه الشخصي. فإن في داخله مملكة الله التي تشغل السماء كلَّها!
يلتزم الملك بالطاعة لله ولوصيَّته، فيطيعه شعبه ويقبل قوانينه.
يقبل أحكام الله العادلة، فيحمل روح العدالة في أحكامه الخاصة بالدولة.
يشهد لله الأمين في مواعيده، فيصير هو نفسه موضع ثقة شعبه.
هكذا يقدِّم لنا داود النبي مفهومًا حيًّا عمليًّا للنجاح، وهو أن ما نمارسه في علاقتنا بالله أبينا يرتدّ علينا حتى في علاقات اخوتنا بنا. وكما قيل: "كما فعلت يُفعل بك؛ عملك يرتدّ على رأسك" (عو 15). إن صرنا موضع سرور الله، ننال نعمة حتى أمام أعدائنا إن وُجدوا.
أما بخصوص الوعد الإلهي لداود أن لا يُعدم له رجل على كرسي إسرائيل، فقد قدَّمه له الرب في (2 صم 7: 11-16)، وثبَّته لابنه سليمان بعد ذلك (1 مل 9: 5). وكان هذا الوعد مشروطًا، وللأسف لم يوفِ أبناء داود بالشروط، فنُزعت المملكة منهم تدريجيًّا خلال السبيّ الآشوري ثم البابلي. أمَّا الوعد الإلهي بمجيء المسيّا من نسله فلم يكن مشروطًا وقد جاء ربنا يسوع المسيح ابن داود. بمجيئه تثبَّت الوعد الأوَّل بمفهوم روحي جديد تحدَّث عنه إرميا النبي (إر 33: 14-18). فقد جاء المسيّا "الرب برِّنا"، ووهبنا ذاته برًّا أمام الآب، وصرنا ملوكًا روحيِّين، نجلس على كرسي بيت إسرائيل، نُحسب أبناء لداود الملك، أو بالأحرى لابن داود ملك الملوك.
لعلَّه يشير هنا إلى الشرائع الخاصة بالملك كما قدَّمها موسى النبي: "لا يكثر له الخيل ولا يرد الشعب إلى مصر لكي يكثر الخيل والرب قال لكم لا تعودوا ترجعون في هذه الطريق أيضًا، ولا يكثر له نساء لئلاَّ يزيغ قلبه، وفضَّة وذهبًا لا يكثر له كثيرًا. وعندما يجلس على كرسي مملكته يكتب لنفسه نسخة من هذه الشريعة في كتاب من عند الكهنة اللآويِّين. فتكون معه ويقرأ فيها كل أيَّام حياته، لكي يتعلَّم أن يتَّقي الرب إلهه ويحفظ جميع كلمات هذه الشريعة وهذه الفرائض ليعمل بها، لئلاَّ يرتفع قلبه على إخوته ولئلاَّ يحيد عن الوصيَّة يمينًا أو شمالًا، لكي يطيل الأيَّام على مملكته هو وبنوه في وسط إسرائيل" (تث 17: 16-20).


لم يُمنع الملك من أن يركب خيلًا، وإن كان ملك الملوك في تواضعه دخل أورشليم راكبًا على أتان وجحش ابن أتان. لقد مُنع من المبالغة في استخدام الخيول كنوعٍ من المجد الباطل، أو لأنَّه مع كثرة الخيل يعطي أناسًا غير مستحقِّين للكرامة أن يستغلُّوا موقعهم في القصر الملكي. قيل: "قد رأيت عبيدًا على الخيل، ورؤساء ماشين على الأرض كالعبيد" (جا 10: 7).
يرى العلامة أوريجينوسأن الخيل تُشير إلى الشيَّاطين التي سقطت من السماء بسبب كبريائها، هؤلاء الذين تبعوا القائل: "أَصْعَدُ فَوْقَ مُرْتَفَعَاتِ السَّحَابِ. أَصِيرُ مِثْلَ الْعَلِيِّ" (إش 14: 14).
* كُتب في سفر المزامير: "باطل هو الفرس لأجل الخلاص" (مز 33: 17)؛ وجاء في موضع آخر في الكتاب المقدَّس: "الْفَرَسَ وَرَاكِبَهُ طَرَحَهُمَا فِي الْبَحْرِ" (خر 15: 1). كانت الوصيَّة الصادرة لملك إسرائيل ألاَّ يمتطي خيلًا (تث 17: 16)...
أظن أن الخيول هي البشر الخطاة، وراكبيها هم الشيَّاطين التي تمتطي الأشرار... الذي تحوَّل إلى مُضطهد هو فرس، والشيطان هو قائده الذي يرشقنا برمحٍ. الخيل يجري والشيطان يرشق بالرماح. الخيل مسُوق في حالة هياج بمن يثيره ويهيِّجه بجنون بغير إرادته.
القديس جيروم
* يمكننا أن نأخذ الفرس رمزًا لأيَّة ممتلكات في هذا العالم، أو لأي نوع من الكرامة نتَّكل عليها في كبرياء، حاسبين خطأ أنَّكم كلَّما ارتفعتم يزداد أماتكم وعلوكم. ألا تدركون بأي عنفٍ سوف تلقون؟! كلَّما ارتفعتم إلى أعلى يكون سقوطكم بأكثر ثقل... فكيف إذن يتحقَّق الأمان؟ فإنَّه لا يتحقَّق بالقوَّة ولا بالسلطة ولا بالكرامة ولا بالمجد ولا بالفرس.
القديس أغسطينوس
 
قديم 24 - 08 - 2024, 05:45 PM   رقم المشاركة : ( 171356 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,711

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

* يستحيل علينا أن نهرب من الموت بأيَّة وسيلة.
إذ يعرف العقلاء هذا بحق يمارسون الفضائل ويفكِّرون في حب الله
ويواجهون الموت بلا تنهُّدات أو خوف أو دموع، مفكِّرين
في أن الموت أمرٌ محتم من جهة، ومن جهة أخرى إنَّه يحرِّرنا
من الأمراض التي نخضع لها في هذه الحياة.

القديس أنطونيوس الكبير
 
قديم 24 - 08 - 2024, 05:48 PM   رقم المشاركة : ( 171357 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,711

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

* تحمَّل برجولة النيران التي تُطهِّر شهواتك،
وفي شجاعة تلك التي تُطهِّر قلبك.
لا تظن أن ما لم تنله بعد لا تحصل عليه.
ولا تخور يائسًا مادمت تتأمَّل الكلمات: "انتظر الرب".



القديس أغسطينوس
 
قديم 24 - 08 - 2024, 05:49 PM   رقم المشاركة : ( 171358 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,711

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

العلامة أوريجينوس


"قد رأيت عبيدًا على الخيل، ورؤساء ماشين على الأرض كالعبيد"
(جا 10: 7).
أن الخيل تُشير إلى الشيَّاطين التي سقطت من السماء بسبب كبريائها،
هؤلاء الذين تبعوا القائل: "أَصْعَدُ فَوْقَ مُرْتَفَعَاتِ السَّحَابِ.
أَصِيرُ مِثْلَ الْعَلِيِّ" (إش 14: 14).
 
قديم 24 - 08 - 2024, 05:51 PM   رقم المشاركة : ( 171359 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,711

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

* كُتب في سفر المزامير: "باطل هو الفرس لأجل الخلاص" (مز 33: 17)؛
وجاء في موضع آخر في الكتاب المقدَّس:
"الْفَرَسَ وَرَاكِبَهُ طَرَحَهُمَا فِي الْبَحْرِ" (خر 15: 1).
كانت الوصيَّة الصادرة لملك إسرائيل ألاَّ يمتطي خيلًا (تث 17: 16)...
أظن أن الخيول هي البشر الخطاة وراكبيها هم الشيَّاطين التي تمتطي الأشرار...
الذي تحوَّل إلى مُضطهد هو فرس، والشيطان هو قائده
الذي يرشقنا برمحٍ. الخيل يجري والشيطان يرشق بالرماح.
الخيل مسُوق في حالة هياج بمن يثيره ويهيِّجه بجنون بغير إرادته.

القديس جيروم
 
قديم 24 - 08 - 2024, 05:52 PM   رقم المشاركة : ( 171360 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,711

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

* يمكننا أن نأخذ الفرس رمزًا لأيَّة ممتلكات في هذا العالم،
أو لأي نوع من الكرامة نتَّكل عليها في كبرياء، حاسبين خطأ أنَّكم
كلَّما ارتفعتم يزداد أماتكم وعلوكم. ألا تدركون بأي عنفٍ سوف تلقون؟!
كلَّما ارتفعتم إلى أعلى يكون سقوطكم بأكثر ثقل...
فكيف إذن يتحقَّق الأمان؟ فإنَّه لا يتحقَّق بالقوَّة ولا بالسلطة
ولا بالكرامة ولا بالمجد ولا بالفرس.

القديس أغسطينوس
 
موضوع مغلق

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:17 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024