12 - 08 - 2024, 02:54 PM | رقم المشاركة : ( 170041 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
القديسة كاترينا طروبارية باللحن الخامس لنمدح عروس المسيح الكلية المديح كاترينا الإلهية حافظة سينا، التي هي عوننا وسندنا، لأنها بقوة الروح قد أفحمت نبلاء المنافقين ببهاء، والآن إذ كثللت كشهيدة، فهي تستمد للجميع الرحمة العظمى. طروبارية باللحن الرابع نعحتك يايسوع تصرخ نحوك بصوت عظيم قائلة: يا ختني إني أشتاق إليك وأجاهد طالبة إياك، وأُصلت وأدفن معك بمعموديتك، وأتألم لأجلك حتى أملك معك، وأموت عنك لكي أحيا بك، لكن كذبيحة بلا عيب تقبل التي بشوق قد ذُبحت لك. فبشفاعاتها بما أنك رحيم خلص نفوسا. قنداق باللحن الثاني أيها المحبو الشهداء أقيموا الآن بحال إلهية مصفّاً موقراً، مكرمين كاترينا الكلية الحكمة، لأنها كرزت بالمسيح في الميدان، ووطئت الثعبان، مزدرية معرفة الفصحاء. |
||||
12 - 08 - 2024, 03:23 PM | رقم المشاركة : ( 170042 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
القديس تيموثاوس الثاني بابا الإسكندرية السادس والعشرين |
||||
12 - 08 - 2024, 03:25 PM | رقم المشاركة : ( 170043 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
القديس يواقيم وبشارته بميلاد العذراء |
||||
12 - 08 - 2024, 03:27 PM | رقم المشاركة : ( 170044 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
يسوع يعزى قلوبنا ويشفي آلامنا |
||||
12 - 08 - 2024, 03:30 PM | رقم المشاركة : ( 170045 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
مخافة الله هي بداية الحكمة وكل من يطيع وصاياه فهيم (مز 111: 10) |
||||
12 - 08 - 2024, 03:44 PM | رقم المشاركة : ( 170046 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
أبنى الغالى .. بنتي الغالية ليكن لكم رجاء ثابت في مهما قامت عليكم الضيقات ِأو جرحتم حتى في بيت أحبائكم فأنا قادر أن أنقذكم وأحفظكم وأعزى قلوبكم وأرفع عنكم كل آلامكم |
||||
12 - 08 - 2024, 03:47 PM | رقم المشاركة : ( 170047 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
لنعاهد الرب على ان نكون ابناء صالحين ومحبين وعاملين بالكلمة التي تسلمناها منه ، وان نكرس كل لحظة في حياتنا لحمل بشارته ورأفته ومحبته وفرحه لكل من نلتقي به وان نكون وجهه وواجهته ويده التي تعمل في كرمه حتى يتمجد إسمه القدوس في كل مكان. |
||||
12 - 08 - 2024, 04:31 PM | رقم المشاركة : ( 170048 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
القدوس المعزي بالخلاص القدوس المخلص في القسم الأول أوضح النبي ما وصلت إليه البشرية من فساد بسبب الخطية أو حرمانها من الشركة مع الله القدوس؛ وفي القسم الثاني أعلن عن الحاجة إلى هذه الشركة لنوال النصرة في الداخل كما على الأعداء الروحيين بل وعلى موت نفسه. والآن يعلن ما هو أعظم: تدخل القدوس كمخلص يهب الإنسان شركة الأمجاد السماوية. في هذا القسم نجد الخطوط العريضة التالية: 1. المسيح المخلص الحامل الآلام، أو العبد المتألم الذي يهب العبيد حرية مجد أولاد الله. 2. العصر المسياني كعصر سلام داخلي ومجد خفي ينعم به المؤمنون خلال الشركة مع المخلص. 3. إبراز عطية المسيح العظمى: الروح القدوس، الذي يحوّل برية قلوبنا إلى فردوس، وظلمتنا الداخلية إلى نور الحق. عزوا عزوا شعبي أفتُتِح السفر بالكشف عن مرارة ما وصل إليه شعب الله من فساد، بل ما وصلت إليه البشرية كلها؛ الآن في هذا الأصحاح يرفعنا روح الله القدوس لنكتشف خطة الله الخلاصية وتدبيره نحو شعبه لينعموا بعمله الإلهي وتعزياته الفائقة. غاية هذا الأصحاح وما بعده نزع روح اليأس من المسبيين وبث روح الرجاء فيهم. 1. عزوا عزوا شعبي: 1 عَزُّوا، عَزُّوا شَعْبِي، يَقُولُ إِلهُكُمْ. 2 طَيِّبُوا قَلْبَ أُورُشَلِيمَ وَنَادُوهَا بِأَنَّ جِهَادَهَا قَدْ كَمُلَ، أَنَّ إِثْمَهَا قَدْ عُفِيَ عَنْهُ، أَنَّهَا قَدْ قَبِلَتْ مِنْ يَدِ الرَّبِّ ضِعْفَيْنِ عَنْ كُلِّ خَطَايَاهَا. اعتاد الله أن ينسب الشعب إليه عند رضاه عنه فيدفعوه "شعبي"، أما في حالة عصيانه فتارة ينسبه إلى موسى (خر 32: 7) أو يدعو "الشعب" (خر 32: 9)، وفي أكثر صراحة يقول: "ليس شعبي" (هو 1: 9)، وذلك لكي يثيرهم فيرجعوا إليه ويعود فينسبهم إليه (هو 2: 23). أما هنا إذ يفتح أمامهم بل أمام البشرية المؤمنة باب الخلاص فيدعوهم "شعبي". اعتاد النبي تكرار بعض الكلمات مرتين كما جاء هنا "عزوا عزوا" (إش 51: 9، 17؛ 5: 1)، لأنه يتحدث عن كنيسة العهد الجديد القادمة من فريقين: اليهود والأمم؛ لأنها كنيسة الحب الذي يوحّد ويربط، فإن رقم 2 يُشير إلى الحب. المحبة تجعل الاثنين واحدًا. إنها كنيسة الحب الذي يربط الله بها كعريس بعروسه، والذي يربط الأعضاء القادمين من كل الأمم كجسد واحد للرأس الواحد. خلال هذا الحب يُخاطبها قائلًا: "طيبوا قلب أورشليم" [2]، والترجمة الحرفية "تحدثوا إلى قلب أورشليم"، تعبير تكرر 8 مرات في العهد القديم (تك 34: 3؛ 50: 21؛ قض 19: 3؛ را 2: 13؛ 2 صم 19: 7؛ 2 أي 20: 22؛ هو 2: 14) يوجه إلى محبوب أو محبوبة؛ فالكنيسة هنا عروس المسيح المحبوبة إليه، يحدثها بلغة الحب التي لا يفهمها إلاَّ القلب. اللغة التي تحدث بها في أكثر صراحة وعمق خلال الصليب ليقتني البشرية عروسًا له (رؤ 19: 7؛ 21: 2، 9). إنها دعوة يُقدمها العريس لعروسه المتألمة لكي تتطلع وسط آلامها إلى النهاية المفرحة، فتحمل الألم في رجاء وبسرور كعريسها الذي تألم من أجل السرور الموضوع أمامه (عب 12: 2)، إذ رأى خلاصنا وتمجيدنا في حمله الصليب. وكما يقول الرسول: "كما تكثر آلام المسيح فينا كذلك بالمسيح تكثر تعزيتنا أيضًا" (2 كو 5: 1). ما هو سّر تعزيتنا؟ يقول الله: "أنا أنا هو معزيكم" (إش 51: 14). هذا هو سّر تعزيتنا: الآب يتقدم إلينا ليضمنا إليه كأولاد له، خلال اتحادنا بالمسيح الابن الوحيد الجنس، الذي يُقدم حياته كفارة عن خطايانا كسرّ تعزيتنا: "بالمسيح تكثر تعزيتنا" (2 كو 1: 5). مسيحنا الذي ضمنا إليه بدمه يُقدم لنا روحه القدوس "المعزي" الذي يملأ قلوبنا به مقيمًا ملكوت الفرح في قلوبنا. لهذا يقدم حديثًا موجهًا إلى القلب، قائلًا: "طَيبوا قلب أورشليم ونادوها بأن جهادها قد كمل، أن إثمها قد عُفي عنه، أنها قد قَبلَت من يد الرب ضعفين عن كل خطاياها" [2]. من الجانب الحرفي يتطلع النبي إلى السبي الذي يحل بالشعب لا ككارثة سياسية حدثت مصادفة أو ثمرة ضعف عسكري، وإنما هو سماح إلهي لأجل التأديب. لقد قبلت التأديب ضعفين، ذلك لأنها من جانب ارتكبت خطايا غير لائقة بها، ومن جانب آخر لم تُمارس برّ الله أو تصنع الخير. الوصية الإلهية تُطالبنا بالكف عن الشر وصنع الخير. أما من الجانب النبوي فإنها إذ تتطلع إلى عريسها المصلوب تجده قد دفع الدين عنها في أكمل صورة لا ليعفيها من الدين فحسب وإنما لكي يبررها بدمه ويقدسها فتنعم بشركة أمجاده. وكأنه قد تحققت توسلات البشرية التي عبر عنها داود النبي، قائلًا: "انظر إلى ذلي وتعبي وأغفر جميع خطاياي" (مز 25: 18). الآن يتطلع النبي إلى موكب الشعب الراجع إلى أورشليم كرمز لموكب المفديين بدم رب المجد يسوع، وقد جاء القديس يوحنا المعمدان يُهيئ الطريق لهذا الموكب المسياني السماوي. 2. تهيئة الطريق للرب: 3 صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: «أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ. قَوِّمُوا فِي الْقَفْرِ سَبِيلًا لإِلَهِنَا. 4 كُلُّ وَطَاءٍ يَرْتَفِعُ، وَكُلُّ جَبَل وَأَكَمَةٍ يَنْخَفِضُ، وَيَصِيرُ الْمُعْوَجُّ مُسْتَقِيمًا، وَالْعَرَاقِيبُ سَهْلًا. 5 فَيُعْلَنُ مَجْدُ الرَّبِّ وَيَرَاهُ كُلُّ بَشَرٍ جَمِيعًا، لأَنَّ فَمَ الرَّبِّ تَكَلَّمَ». 6 صَوْتُ قَائِل: «نَادِ». فَقَالَ: «بِمَاذَا أُنَادِي؟» «كُلُّ جَسَدٍ عُشْبٌ، وَكُلُّ جَمَالِهِ كَزَهْرِ الْحَقْلِ. 7 يَبِسَ الْعُشْبُ، ذَبُلَ الزَّهْرُ، لأَنَّ نَفْخَةَ الرَّبِّ هَبَّتْ عَلَيْهِ. حَقًّا الشَّعْبُ عُشْبٌ! 8 يَبِسَ الْعُشْبُ، ذَبُلَ الزَّهْرُ. وَأَمَّا كَلِمَةُ إِلهِنَا فَتَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ». لعل إشعياء النبي قد سمع صوتًا سمائيًا يدعو السمائيين لتهيئة موكب العودة من السبي إلى أورشليم، فقد سبق فرأى حزقيال النبي مجد الرب يفارق المدينة (حز 11: 22- 25)، والآن ها هو يعود الموكب مع عودة المسبيين، وكأنه موكب ملوكي إذ يتقدمه الله نفسه محرر أولاده! أما الموكب الأعظم فهو تهيئة الطريق لدخول المسيا المخلص إلى حياة البشرية، الذي تحقق بواسطة القديس يوحنا المعمدان -ملاك الرب- بالحديث عن التوبة وإعلان الحاجة إلى المخلص (مر 1: 3؛ مت 3: 3؛ لو 3: 4-6؛ يو 1: 22). كان القديس يوحنا هو الصوت الذي يدوي في البرية ليُهيئ الطريق للكلمة الإلهي، معلنًا أن كل نفس متعجرفة ومتعالية تنحدر إلى أسفل [4] وكل قلب معوج يصير مستقيمًا، وكل العقبات تزول لأن مجد الرب يعلن خلال المسيا المخلص، ويراه كل بشر معًا: من اليهود والأمم. لذا يقول النبي: "صوتُ صارخٍ في البرية: أعدُّوا طريق الرب، قوِّموا في القفر سبيلًا لإِلهنا. كل وطاءٍ يرتفع، وكل جبلٍ وأكمةٍ ينخفض، ويصير المعوَجُّ مستقيمًا والعراقيب سهلًا؛ فيُعلن مجد الرب ويراه كلُّ بشرٍ معًا، لأن فم الرب تكلم" [3-5]. دُعي يوحنا "صوتًا" بينما دعي المسيح "الكلمة"، وشتان ما بين الصوت والكلمة، إذ يقول الآباء أن الصوت هو الذي يُسمع بالأذن أما الكلمة فهي التي يدركها العقل، هكذا جاء يوحنا شاهدًا للمسيح الكلمة الإلهي: * ربما يفسر هذا كيف فقد زكريا صوته عند ميلاد "الصوت" الذي يُشير نحو كلمة الله، ولم يُشفَ من هذا إلاَّ بعد ولادة "الصوت" السابق للكلمة. يجب أن يُدرك الصوت بالأذن فيتقبل الذهن الكلمة الذي يُشير نحوه "الصوت". يوحنا يُشير نحو المسيح، لأن الحديث (الكلمة) يُعلن بواسطة الصوت. العلامة أوريجانوس الأب غريغوريوس الكبير القديس كيرلس الكبير * ليتك تسير في الطريق الملوكي، لا تنحرف عنه يمينًا ولا يسارًا، إنما يقودك الروح خلال الباب الضيق، عندئذ تنجح كل أمورك عند استجوابك هناك في المسيح يسوع ربنا. القديس غريغوريوس النزينزي بهذا المعنى يقول القديس أمبروسيوس: [قبل أن يُقيم ابن الله أعضاء الكنيسة بدأ عمله في خادمه يوحنا، لهذا وأخطر القديس لوقا (لو 3: 2) كلمة الله حالًا على يوحنا بن زكريا في البرية... تحقق هذا في البرية الموحشة، لأن بني المستوحشة أكثر من التي لها أولاد (إش 54: 1)، وقد قيل لها: "افرحي أيتها العاقر التي لم تلد" (إش 54: 1)... إذ لم تكن بعد قد زُرعت وسط الشعوب الغريبة... ولم يكن بعد قد جاء ذاك الذي قال: "أما أنا فزيتونة مخصبة في بيت الله" (مز 52: 8)، ولم يكن قد وهب الكرام السماوي للأغصان ثمرًا (يو 15: 1). إذن فقد رّن الصوت لكي تنتج البرية ثمارًا]. * ليُعد طريق الرب في قلبنا، فإن قلب الإنسان عظيم ومتسع، كما لو كان هو العالم. أنظر إلى عظمته لا في كمّ جسدي، بل في قوة الذهن التي تعطيه إمكانية احتضان معرفة عظيمةً جدًا للحق. إذن فليعد طريق الرب في قلبكم خلال حياة لائقة وبأعمال صالحة وكاملة، فيحفظ هذا الطريق حياتكم باستقامة، وتدخل كلمات الرب إليكم بلا عائق. العلامة أوريجانوس عندما قال الإنجيلي "الكلمة صار جسدًا" (يو 1: 14)، لم يقصد أن كلمة الله أخذ جسدًا دون نفس بشرية كما ادعى أبو لليناريوس، الأمر الذي دَعَى البابا أثناسيوس الرسولي أن يكتب ضد صديقه أبو لليناريوس كتابًا يفند فيه آراءه. سمع النبي إشعياء صوتًا سماويًا آخر يؤكد أن كل جسد (إنسان) هو كعشب الأرض (مز 90: 5؛ 103: 15)، "أما كلمة إلهنا فتثبت إلى الأبد" [8]. من يلتصق بتراب الأرض أو بمحبة الزمنيات يصير عشبًا زائلًا، ومن يلتصق بالسيد المسيح "كلمة الله" يقوم معه ليحيا في مجده أبديًا. هذا هو الطريق الذي هيأه الكتاب المقدس لقبول المخلص: التزامنا بالشركة مع ذاك الذي يحولنا من عشب الأرض الزائل إلى الشركة معه والثبوت فيه أبديًا في أمجاده. وكما يقول القديس أغسطينوس: [إن اشتاق إنسان ما إلى الراحة الحقيقية والسعادة الحقة يلزمه أن يرفع رجاءه فوق الأمور المائتة الزائلة ويثبتها في كلمة الرب حتى إذ يلتصق بها تبقى إلى الأبد ويبقى هو معها أبديًا]. يعلق العلامة أوريجانوس على القول بأن "كل جسد عشب" قائلًا: [بأن السيد المسيح أمر الجموع أن تجلس على العشب (مت 14: 21) لكي يشبعهم، بمعنى أنه إذا ما أخضع الإنسان جسده (الجلوس على العشب) ووضع كل الأمور الزمنية تحت قيادة النفس ليكون بكليته سالكًا بالروح القدس عندئذ يتمتع ببركات السيد المسيح وينعم بالشبع الحقيقي. أننا لا نستطيع أن نلتقي بمسيحنا ولا أن نتقبل عطاياه الإلهية خلال التلاميذ أي الكنيسة مادُمنا نعيش حسب الجسد. إذن فلنُخضع الجسد لنفوسنا بالروح القدس ولنتكئ على العشب ليكون الجسد خادمًا مطيعًا يعمل في انسجام مع النفس دون مقاومة لها، عندئذ ننعم بالروحيات. فيما يلي بعض تعليقات الآباء على عبارة "كل جسد عشب وكل جماله كزهر الحقل، يبس العشب ذبل الزهر، لأن نفخة الرب هبت عليه" [6-7]. أنظر فإن ما تلتصق به نفسك إنما تلتصق به أبديًا. إن التصقت بالعشب وبزهر العشب إنما تربط نفسك بالعشب الذي يذبل والزهر الذي يسقط، وسيبيد الله هذه في النهاية. * إذ يعرف الله تكويننا بكونه أبًا، إننا لسنا إلاَّ تراب لا يمكن أن نزدهر إلاَّ إلى حين، لذلك أرسل إلينا كلمته، كلمته هذا يبقى إلى الأبد. جعله أخًا للعشب الذي لا يدوم. لا تعجب فقد صرت شريكًا له في أبديته، فقد شاركك أولًا في العشب. * هكذا فعل موسى برأس العجل [(خر 32: 20) أحرقه بالنار]، فإن رأس العجل يمثل سرًا عظيمًا، بكونه يمثل جسد الأشرار، لأنه يأكل عشبًا ويطلب الزمنيات، فان كل جسد عشب... القديس أغسطينوس القديس يوحنا الذهبي الفم القديس يوحنا الذهبي الفم القديس إيريناؤس 9 عَلَى جَبَل عَال اصْعَدِي، يَا مُبَشِّرَةَ صِهْيَوْنَ. ارْفَعِي صَوْتَكِ بِقُوَّةٍ، يَا مُبَشِّرَةَ أُورُشَلِيمَ. ارْفَعِي لاَ تَخَافِي. قُولِي لِمُدُنِ يَهُوذَا: «هُوَذَا إِلهُكِ. 10 هُوَذَا السَّيِّدُ الرَّبُّ بِقُوَّةٍ يَأْتِي وَذِرَاعُهُ تَحْكُمُ لَهُ. هُوَذَا أُجْرَتُهُ مَعَهُ وَعُمْلَتُهُ قُدَّامَهُ. 11 كَرَاعٍ يَرْعَى قَطِيعَهُ. بِذِرَاعِهِ يَجْمَعُ الْحُمْلاَنَ، وَفِي حِضْنِهِ يَحْمِلُهَا، وَيَقُودُ الْمُرْضِعَاتِ». 12 مَنْ كَالَ بِكَفِّهِ الْمِيَاهَ، وَقَاسَ السَّمَاوَاتِ بِالشِّبْرِ، وَكَالَ بِالْكَيْلِ تُرَابَ الأَرْضِ، وَوَزَنَ الْجِبَالَ بِالْقَبَّانِ، وَالآكَامَ بِالْمِيزَانِ؟ 13 مَنْ قَاسَ رُوحَ الرَّبِّ، وَمَنْ مُشِيرُهُ يُعَلِّمُهُ؟ 14 مَنِ اسْتَشَارَهُ فَأَفْهَمَهُ وَعَلَّمَهُ فِي طَرِيقِ الْحَقِّ، وَعَلَّمَهُ مَعْرِفَةً وَعَرَّفَهُ سَبِيلَ الْفَهْمِ.؟ 15 هُوَذَا الأُمَمُ كَنُقْطَةٍ مِنْ دَلْوٍ، وَكَغُبَارِ الْمِيزَانِ تُحْسَبُ. هُوَذَا الْجَزَائِرُ يَرْفَعُهَا كَدُقَّةٍ! 16 وَلُبْنَانُ لَيْسَ كَافِيًا لِلإِيقَادِ، وَحَيَوَانُهُ لَيْسَ كَافِيًا لِمُحْرَقَةٍ. 17 كُلُّ الأُمَمِ كَلاَ شَيْءٍ قُدَّامَهُ. مِنَ الْعَدَمِ وَالْبَاطِلِ تُحْسَبُ عِنْدَهُ. 18 فَبِمَنْ تُشَبِّهُونَ اللهَ، وَأَيَّ شَبَهٍ تُعَادِلُونَ بِهِ؟ 19 اَلصَّنَمُ يَسْبِكُهُ الصَّانِعُ، وَالصَّائِغُ يُغَشِّيهِ بِذَهَبٍ وَيَصُوغُ سَلاَسِلَ فِضَّةٍ. 20 الْفَقِيرُ عَنِ التَّقْدِمَةِ يَنْتَخِبُ خَشَبًا لاَ يُسَوِّسُ، يَطْلُبُ لَهُ صَانِعًا مَاهِرًا لِيَنْصُبَ صَنَمًا لاَ يَتَزَعْزَعُ! 21 أَلاَ تَعْلَمُونَ؟ أَلاَ تَسْمَعُونَ؟ أَلَمْ تُخْبَرُوا مِنَ الْبَدَاءَةِ؟ أَلَمْ تَفْهَمُوا مِنْ أَسَاسَاتِ الأَرْضِ؟ 22 الْجَالِسُ عَلَى كُرَةِ الأَرْضِ وَسُكَّانُهَا كَالْجُنْدُبِ. الَّذِي يَنْشُرُ السَّمَاوَاتِ كَسَرَادِقَ، وَيَبْسُطُهَا كَخَيْمَةٍ لِلسَّكَنِ. 23 الَّذِي يَجْعَلُ الْعُظَمَاءَ لاَ شَيْئًا، وَيُصَيِّرُ قُضَاةَ الأَرْضِ كَالْبَاطِلِ. 24 لَمْ يُغْرَسُوا بَلْ لَمْ يُزْرَعُوا وَلَمْ يَتَأَصَّلْ فِي الأَرْضِ سَاقُهُمْ. فَنَفَخَ أَيْضًا عَلَيْهِمْ فَجَفُّوا، وَالْعَاصِفُ كَالْعَصْفِ يَحْمِلُهُمْ. 25 «فَبِمَنْ تُشَبِّهُونَنِي فَأُسَاوِيهِ؟» يَقُولُ الْقُدُّوسُ. 26 ارْفَعُوا إِلَى الْعَلاَءِ عُيُونَكُمْ وَانْظُرُوا، مَنْ خَلَقَ هذِهِ؟ مَنِ الَّذِي يُخْرِجُ بِعَدَدٍ جُنْدَهَا، يَدْعُو كُلَّهَا بِأَسْمَاءٍ؟ لِكَثْرَةِ الْقُوَّةِ وَكَوْنِهِ شَدِيدَ الْقُدْرَةِ لاَ يُفْقَدُ أَحَدٌ. الآن بعدما أبرز أن من يرتبط بالزمنيات الفانيات يصير كعشب الأرض الذي يذبل ومن يلتصق بكلمة الله الأبدي يبقى معه أبديًا، يعلن عن معنى الارتباط بكلمة الرب. أ. قبول البشارة الإنجيلية المفرحة: "على جبل عالٍ اصعدي يا مبشرة صهيون، ارفعي صوتك بقوة يا مبشرة أورشليم. ارفعي لا تخافي. قولي لمدن يهوذا: هوذا إلهك. هوذا السيد الرب بقوة يأتي وذراعه تحكم له" [9-10]. من هذه التي ترفع صوتها إلاَّ كنيسة العهد الجديد التي تصعد بالبشرية كما على جبل كلمة الله خلال كرازة التلاميذ والرسل بل وشهادة كل الشعب، تصعد بالنفوس إلى الحياة السماوية أو الحياة الجديدة التي صارت لنا في المسيح يسوع لتلتقي بالله مخلصنا كمصدر فرح وتهليل. تراه قادمًا إليها ليحكم في أعماقها ويقيم ملكوته بذراعه الرفيعة. ب. أدراك حقيقة الله؛ فإننا إذ نرتفع إلى الحياة الجديدة نلتقي مع الرب على مستوى شخصي، فلا نجده قوة خفية مجهولة وإنما كائنًا يتعامل معنا: "يأتي ويحكم ويجازي ويراعي إلخ... وكما يقول القديس غريغوريوس النيسيفي رده على أونوميوس: [هل الله إذن طاقة وليس شخصًا]. يقول القديس يوحنا كاسيان:[إنه يليق بنا عندما نسمع كلمة "ذراعه" أو ما أشبهها لا نفهمها بمعنى جسماني مادي. ج. اكتشاف رعاية الله لنا بكونه الراعي المهتم بقطيعه [11]، وهو فريد في شخصه كما في رعايته: * أنه الخالق القدير في رعايته: "من كال بكفه المياه؟! وقاس السموات بالشبر؟! وكال بالكيل تراب الأرض؟! ووزن الجبال بالقبان والآكام بالميزان؟!" إنه خالق المياه والسموات كما التراب والجبال الصلدة. الذي خلق يقدر أن يُجدد الخليقة. تُشير المياه إلى الشعوب، والسموات إلى النفس، والأرض إلى الجسد، والجبال والتلال إلى قدرات الإنسان ومواهبه، وكأن الله في رعايته قدير، يُجدد الكنيسة ككل بضم الشعوب إليها، كما يُجدد كل نفس مع الجسد بطاقاته وأحاسيسه ومشاعره وإمكانياته. إنه يقيس ويزن كل شيء، إذ هو كلي القدرة. لعله أراد أن يؤكد أن الله يهتم بخليقته الجامدة من مياه وجلد السماء حتى التراب والجبال والتلال، فكيف لا يهتم بنا نحن الذين على صورته ومثاله، وقد خلق العالم كله من أجلنا. * إن كنت تشك في عناية الله سلْ الأرض والسماء والشمس والقمر. سلْ الكائنات غير العاقلة والزروع... سلْ الصخور والجبال والكثبان الرملية والتلال. سلْ الليل والنهار؛ فإن عناية الله أوضح من الشمس وأشعتها، في كل مكان: في البراري والمدن والمسكونة، على الأرض وفي البحار... أينما ذهبت تسمع شهادة ناطقة بهذه العناية الصارخة. القديس يوحنا الذهبي الفم مع كونه الخالق القدير الذي أوجد الطبيعة من أجلنا يرعاها ويهتم بها، هو أيضًا كلي الحكمة يعرف ما هو لخلاصنا وبنياننا، خطته غير خطتنا، وتدابيره تعلو عن تدابيرنا (رو 11: 34). * لم يقل (الرسول بولس- رو 11) إن أحكامه بعيدة عن الفحص فحسب، وإنما بعيدة أيضًا عن الاستقصاء. ليس فقط لا يقدر الإنسان أن يفهمها بل ولا حتى أن يبدأ في استقصائها. يستحيل عليه أن يدرك غايتها أو حتى يكتشف كيف بدأ تخطيطها. * يُريد أن يقول إنه ينبوع كل الخيرات ومصدرها، ليس في حاجة إلى شريك أو مشير. القديس يوحنا الذهبي الفم إنه ضابط الكل... فإن كانت الأمم تُريد أن تحكم العالم وتسوده خلال العنف والقوة فهي ضعيفة للغاية، يراها الله نقطة ماء في دلو وغبار ميزان... أما الله ففي ضعف الصليب وجهالته يحكم ويملك بقوة وسلطان على الأعماق. الأرض بكل شعوبها صغيرة للغاية بالنسبة للمخلص، يحملها كغبار في مقياس صغير، أما سكان الجزائر المفتخرون بسفنهم التجارية والحربية فجميعهم معًا أشبه بدفة يمسكها الرب بيده! * يدرك (الله) في ذاته كل الخليقة العاقلة لكي تبقى كل الأشياء موجودة مضبوطة بقوته التي تضم الكل. القديس غريغوريوس النيسي * بلغ الخروف الحيّ الإلهي إلى الصعيدة، وقام الصالبون كالأحبار يقدمونه ضحية...! * صُلب ربنا وحمل ذنوب المسكونة، وسمر الخطية بالمسامير حتى لا تملك. لما صلبوه صلبها معه على الجلجثة لئلا تقتل أجيالًا أخرى. ماريعقوب السروجي "فبمن تشبهون الله وأي شيء تعادلون به؟!" [18]؛ تكاليف الأوثان باهظة تحتاج إلى ذهب وفضة أو خشب لا يسوس مع تكلفة للصانع الماهر الذي يقوم بعملها [20]، يُقابل ذلك شوق اللصوص لسرقتها، أما مسيحنا فيقدم خلاصًا مجانيًا، يعلن ملكوته في القلب حيث لا يقدر أحد أن يسرقه من أعماقنا. * "الجالس على كرة الأرض" [22]. كان الاعتقاد السائد أن الأرض مسطحة وليست كرة، لكن إشعياء رأى الرب جالسًا على كرة الأرض كملك يجلس على عرشه، يُقيم مملكته في قلوب البشر. * "سكانها كالجندب، الذي ينشر السموات كسرادق ويبسطها كخيمة للسكن" [22]. إنه لا يملك عن احتياج خدمة الأرضيين أو السمائيين، إنما عن حب ورعاية أبوية. فالأرضيون بالنسبة له كالجندب (الجراد)، والسماء أشبه بقطعة قماش أو خيمة. العظماء عنده كلا شيء والقضاة كالباطل ينحلون. الأرض والسماء كلا شيء بالنسبة لقدرته؛ لكنه في حبه يملك ويقود الأرضيين والسمائيين كملك ومخلص.. انشغل المنجمون بحسابات الفلك وأنظمتها أما الله فيعلم كل دقائقها كخالق لها، يدعوها بأسماء [26]، فكيف لا يعرف كل إنسان ويهتم بخلاصه؟! 4. موقف غير المؤمنين: 27 لِمَاذَا تَقُولُ يَا يَعْقُوبُ وَتَتَكَلَّمُ يَا إِسْرَائِيلُ: «قَدِ اخْتَفَتْ طَرِيقِي عَنِ الرَّبِّ وَفَاتَ حَقِّي إِلهِي»؟ 28 أَمَا عَرَفْتَ أَمْ لَمْ تَسْمَعْ؟ إِلهُ الدَّهْرِ الرَّبُّ خَالِقُ أَطْرَافِ الأَرْضِ لاَ يَكِلُّ وَلاَ يَعْيَا. لَيْسَ عَنْ فَهْمِهِ فَحْصٌ. 29 يُعْطِي الْمُعْيِيَ قُدْرَةً، وَلِعَدِيمِ الْقُوَّةِ يُكَثِّرُ شِدَّةً. 30 اَلْغِلْمَانُ يُعْيُونَ وَيَتْعَبُونَ، وَالْفِتْيَانُ يَتَعَثَّرُونَ تَعَثُّرًا. 31 وَأَمَّا مُنْتَظِرُو الرَّبِّ فَيُجَدِّدُونَ قُوَّةً. يَرْفَعُونَ أَجْنِحَةً كَالنُّسُورِ. يَرْكُضُونَ وَلاَ يَتْعَبُونَ. يَمْشُونَ وَلاَ يُعْيُونَ. كثيرًا ما يظن الجاحدون للإيمان أن الله في مجاله بعيد عن دائرة البشر، هو في سمواته بينما يعيش الإنسان في عالمه... هذا هو جوهر الفكر الإلحادي المعاصر، وهو فكر قديم يضرب به العدو الإنسان ليفقده تلاقيه مع خالقه واتحاده معه وعشرته، وكما جاء هنا في هذا السفر: "لماذا تقول يا يعقوب وتتكلم يا إسرائيل: قد اختفت طريقي عن الرب وفات حق إلهي" [27]. هذا هو ما يُردده الإنسان وسط تعبه الروحي... يُحسب نفسه وحيدًا معزولًا حتى عن الله الذي لا يُبالي بطريق الإنسان وحياته. لعل هذا هو ما قاله المسبيون إذ ظنوا أن الله قد نسيهم تمامًا، فقد عبرت الشهور والسنوات وكأنه قد نكث عهده مع آبائهم ولم يعد يفكر فيهم أو يهتم بعودتهم. إنه لا يُبالي بقضيتهم ولا يهتم بطريقهم؛ تركهم في بابل وبقى في سمواته لا يتحرك لنزع عارهم ورفع الذل والعبودية عنهم. يرد النبي على ذلك بالآتي: أ. استمرارية عمل الله: الله في حبه قد يتأنى لكنه مستمر في رعايته للإنسان "لا يكل ولا يعيا" [28]. هو "إله الدهر" السرمدي حبه لا يزول وعهده أبدي لا يتغير. ب. أحكامه لا تُفحص [28]... يُخلص بطريقة غير متوقعة. ج. بسبب خطايانا نضعف في إيماننا، لكنه هو "يعطي المعييّ قدرة ولعديم القوة يكثر شدة" [29]، لذا نحتاج إلى تسليم الأمر بين يديه فيسندنا حتى في إيماننا. د. يهبنا روحه القدوس الذي يُجدد طبيعتنا ويرفعنا بأجنحة الروح كما إلى السماء عينها، نرتفع بلا قلق... "وأما منتظرو الرب فيجددون قوة؛ يرفعون أجنحة كالنسور، يركضون ولا يتعبون، يمشون ولا يعيون" [31]. * بالروح القدس نتحرر من العبودية ونُدعى إلى الحرية! به صرنا أولاد الله بتبنيه إيانا! وفوق هذا كله -إن أمكنني القول- إننا قد تجددنا، خالعين عنا ثقل الخطايا الكريه...! به ننال غفران الخطايا، وبه نتطهر من كل وصمة، وخلال عطيته نتغير من بشر إلى ملائكة، هؤلاء الذين يشتركون معنا في التمتع بنعمته، لكننا لا نصير هكذا في الحال، بل ما هو مدهش، إننا ونحن بعد في طبيعة البشر نظهر سلوكًا في الحياة يليق بالملائكة! هكذا إذن هي قوة الروح... القديس يوحنا الذهبي الفم قدم لنا الأصحاح السابق تصويرًا رائعًا لعمل الله الخلاصي، كعمل رعوي يصدر عن الله الكلي القدرة والكلي العلم والحكمة والكلي الحب... الآن يدعو الله الأرض كلها حتى الجزائر التي كانت في ذلك الوقت تمثل الغرب الأقصى لكي تقف في محاكمة مع الله، خلالها يظهر الحق من الباطل. إنه لا يطلب نزول نار من السماء كما فعل إيليا لإظهار الله والحق والكشف عن بطلان البعل، إنما يسألهم أن يطلبوا من الأوثان أن تخبر عن المستقبل إن كانت تقدر! أما الله فيكشف لإشعياء عن المستقبل، عن مجيء كورش الذي من المشرق لخلاص شعبه، مؤكدًا أنه رب التاريخ وإله كل الأمم يستخدم كل الطاقات حتى الوثنية لتحقيق رعايته لأولاده المقدسين في حقه. هذا الخلاص إنما هو صورة رمزية وتهيئة لخلاص أعظم يحققه المسيا المخلص... الذي هو مركز السفر كله، بل ومركز الكتاب المقدس كله. 1. نصرة من المشرق: 1 «اُنْصُتِي إِلَيَّ أَيَّتُهَا الْجَزَائِرُ وَلْتُجَدِّدِ الْقَبَائِلُ قُوَّةً. لِيَقْتَرِبُوا ثُمَّ يَتَكَلَّمُوا. لِنَتَقَدَّمْ مَعًا إِلَى الْمُحَاكَمَةِ. 2 مَنْ أَنْهَضَ مِنَ الْمَشْرِقِ الَّذِي يُلاَقِيهِ النَّصْرُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ؟ دَفَعَ أَمَامَهُ أُمَمًا وَعَلَى مُلُوكٍ سَلَّطَهُ. جَعَلَهُمْ كَالتُّرَابِ بِسَيْفِهِ، وَكَالْقَشِّ الْمُنْذَرِي بِقَوْسِهِ. 3 طَرَدَهُمْ. مَرَّ سَالِمًا فِي طَرِيق لَمْ يَسْلُكْهُ بِرِجْلَيْهِ. 4 مَنْ فَعَلَ وَصَنَعَ دَاعِيًا الأَجْيَالَ مِنَ الْبَدْءِ؟ أَنَا الرَّبُّ الأَوَّلُ، وَمَعَ الآخِرِينَ أَنَا هُوَ». 5 نَظَرَتِ الْجَزَائِرُ فَخَافَتْ. أَطْرَافُ الأَرْضِ ارْتَعَدَتِ. اقْتَرَبَتْ وَجَاءَتْ. 6 كُلُّ وَاحِدٍ يُسَاعِدُ صَاحِبَهُ وَيَقُولُ لأَخِيهِ: «تَشَدَّدْ». 7 فَشَدَّدَ النَّجَّارُ الصَّائِغَ. الصَّاقِلُ بِالْمِطْرَقَةِ الضَّارِبَ عَلَى السَّنْدَانِ، قَائِلًا عَنِ الإِلْحَامِ: «هُوَ جَيِّدٌ». فَمَكَّنَهُ بِمَسَامِيرَ حَتَّى لاَ يَتَقَلْقَلَ. يقدم إشعياء النبي تصويرًا شاعريًا رائعًا للنصرة التي ينالها إسرائيل خلال كورش الذي يسمح لهم بالعودة من السبي. يؤكد النبي أن ما سيحدث بواسطة كورش ليس من عندياته إنما هو بتدبير إلهي. "أنصتي إليّ أيتها الجزائر، ولتتجدد القبائل قوة، ليتقربوا (ليصمتوا) ثم يتكلموا، لنتقدم معا إلى المحاكمة" [1]. يطلب من الجزائر البعيدة التي تُحيط بها المياه من كل جانب. إشارة إلى إسرائيل المسبي في بابل بعيدًا عن بلده وقد أحاطت به مياه التجارب لتغرقه... يطلب منه أن ينصت أولًا ثم يصمت وعندئذ يتكلم ويحاور الله كما في محاكمة بين نَدَّين أو طرفين. الإنصات والصمت لا يعنيان السلبية، إنما يعنيان رفع القلب إلى الله والتأمل في أعماله العجيبة، منتظرين خلاصه المستمر لشعبه وكنيسته. الصلاة الصامتة تحرك السماء ذاتها، يسمعها الله ويستجيب لها، كما حدث مع موسى الصارخ في قلبه (خر 14: 15) ومع حنة في الهيكل (1 صم 1: 13). * لنأتِ الآن إلى صلاة حنة أم صموئيل الصامتة، كيف كانت موضعٍ سرور أمام الله، فتحت الرحم العاقر، ونزعت عارها، حيث أنجبت نذيرًا وكاهنًا. الأب أفراهات * صلى يونان صلاة بلا صوت (يو 2)؛ صمت الراعي في بطن السمكة، من جوف الخليقة العجماء زحفت صلاته فسمعها الله في الأعالي، إذ كان صمته صراخًا. مارافرام السرياني إن كنت تتكلم بلسانك وقلبك لا يتحرك بالصلاة، فكلامك هو خسارة! سكِّت لسانك ليتكلم قلبك... وسكت قلبك ليتكلم الله! الشيخ الروحاني * إن أردت أن تعرف رجل الله، استدل عليه من دوام سكونه. مار إسحق السرياني * ليتنا أيها الأحباء ننزع عنا ثقل الاهتمام الزمني لنقضي كل أوقاتنا في أفكار الله، بهذا تتنقى نفسنا وتحلق في السمويات نحو الله. فان الكلمات الإلهية تنزع الصدأ عن العقل وتزيل عنه ثقل الزمنيات، وترفعه إلى رؤية اللاهوت... * لنصلِّ بطريقة خفية مع اتضاع القلب دون أيه رغبة في الانتفاخ في كبرياء بخصوص مظاهر الصلاة التي تفقدنا المكافأة. الأب مرتيروس يقول الأب مرتيروس: [لنتمثل بمريم أخت لعازر التي جلست عند قدميّ ربنا تنصت لكلماته (لو 10: 39، يو11: 1)، فبحبها ارتفعت نفسها إلى السماء عند كلماته. لهذا السبب قدم ربنا شهادة حسنة عنها: "مريم اختارت النصيب الصالح الذي لن ينزع عنها" (لو 10: 42). لنتمثل بهذه المرأة الطوباوية في نصيبها الصالح الذي اختارته، فان ربنا إلى الآن قريب منا...]. ماذا رأى إشعياء النبي وماذا سمع خلال الاقتراب بسكون نحو الله؟ "من أنهضَ (البار) مِنَ المشْرِق الذي يُلاقيه النَّصْرُ عندَ رجْلَيْه؟! دَفعَ أمامَهُ أُممًا وعلى مُلوكٍ سَلَّطَهُ، جعلهم كالتُراب بسَيْفه وكالقشِّ المُنْذَري بقَوْسِه" [2]. من الجانب الحرفي يقصد كورش الذي أنهضه الرب من المشرق، واهبًا إياه نصرة عند رجليه، بمعنى أنه يهبه سرعة الحركة؛ أينما حَلَّ بجيشه تحققت له النصرة. هذا ويرى أغلب الدارسين أن كورش محطم بابل عُرف بالعدالة، وإن كان جيشه ورجاله عُرفوا بالعنف والشراسة. صار رمزًا للسيد المسيح في خلاصه لا من سبي بابل أو غيرها وإنما من سبي إبليس والخطية. دُعي في بعض الترجمات كالسبعينية "بارًا"، وقد رأى بعض حاخامات اليهود أن الحديث هنا عن إبراهيم أب الآباء الذي قدم من المشرق ليملك خلال نسله أرض كنعان. أما آباء الكنيسة عبر العصور مثل القديس جيروم والقديس كيرلس ويوسابيوس القيصري وثيؤدورت وبروكوبيوس فيروا أن الحديث هنا خاص بالمسيا. جاءت الكلمة العبرية للنصر هنا "Sedek"، وتعني "البر أو الحكم الإلهي أو النصر إلخ... ". فقد جاء السيد المسيح الذي بلا خطية البار وحده يلتقي بالبر الذي من عندياته ليهبنا إياه. نصرته ليست خلال حروب ومقاومة حسية وإنما تثبيتنا في بره. سيف المسيح وقدسه هما كلمته الإنجيلية التي تحوّل الشر إلى تراب وقش أما النفوس فتتنقَّى من كل شائبة، بهذا ملك على الأمم محطمًا كل شر فيهم. "طردهم مرّ سالمًا في طريق لم يسلكه برجله" [3]، كأن كورش قد جاء مسرعًا جدًا حتى بَدَا كَمَنْ لا يلمس الأرض برجليه. أشار هذا أيضًا إلى سرعة انتشار الكرازة بإنجيل الخلاص، أو عمل المسيح الخلاصي. هذا الخلاص يتحقق خلال الله نفسه الذي هو "الأول" عمل ويبقى عاملًا في حياة شعبه من البداية حتى النهاية [4]. قدم الرب تساؤلًا في محاكمة الشعوب، وإذ لم يجب أحد أجاب هو: "من فعل وصنع داعيًا الأجيال من البدء؟ أنا الرب الأول ومع الآخرين أنا هو" [4]... هو الذي دعا الأجيال منذ البدء للاقتراب إليه والتمتع بخلاصه، ويبقى حتى مع الآخرين (ظهور آلهة وثنية) هو هو لا يتغير في حبه عبر الأجيال. لقد دعا البشرية منذ البداية لتعيش معه لكنها رفضت الخالق وصنعت لنفسها آلهة عاجزة حتى عن حماية نفسها، هي من صنع النجّار والصائغ والصاقل بالمطرقة واللحام... كل يشدد الآخر ليخرج التمثال متقنًا تشدده المسامير "حتى لا يتقلقل" [7]. ليس هناك وجه مقارنة بين أوثان تحتاج إلى من يصنعها ومن يحرسها ومن يُرممها حتى لا تخرب وبين مسيح خالق يتحرك بالحب العملي ليُجدد طبيعتنا المتقلقلة الفاسدة. بكشفه عن بطلان الأوثان يعلن عن ضعف الأمم ليدعوها إلى عظمة المسيح القادرة وحده أن يخلص! 2. عبدي الذي اخترته: 8 «وَأَمَّا أَنْتَ يَا إِسْرَائِيلُ عَبْدِي، يَا يَعْقُوبُ الَّذِي اخْتَرْتُهُ، نَسْلَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِي، 9 الَّذِي أَمْسَكْتُهُ مِنْ أَطْرَافِ الأَرْضِ، وَمِنْ أَقْطَارِهَا دَعَوْتُهُ، وَقُلْتُ لَكَ: أَنْتَ عَبْدِيَ. اخْتَرْتُكَ وَلَمْ أَرْفُضْكَ. 10 لاَ تَخَفْ لأَنِّي مَعَكَ. لاَ تَتَلَفَّتْ لأَنِّي إِلهُكَ. قَدْ أَيَّدْتُكَ وَأَعَنْتُكَ وَعَضَدْتُكَ بِيَمِينِ بِرِّي. 11 إِنَّهُ سَيَخْزَى وَيَخْجَلُ جَمِيعُ الْمُغْتَاظِينَ عَلَيْكَ. يَكُونُ كَلاَ شَيْءٍ مُخَاصِمُوكَ وَيَبِيدُونَ. 12 تُفَتِّشُ عَلَى مُنَازِعِيكَ وَلاَ تَجِدُهُمْ. يَكُونُ مُحَارِبُوكَ كَلاَ شَيْءٍ وَكَالْعَدَمِ. يكشف عن ضعف الأمم واضطرابها، ويعلن عنها إنها تراب وقش [2]، يدعوهما للدخول إلى إسرائيل الجديد للتمتع -خلال عمل المسيح الخلاصي- بالصداقة الإلهية التي اختبرها إبراهيم أب المؤمنين، إذ يقول: "وأما أنت يا إسرائيل عبدي، يا يعقوب الذي اخترته، نسل إبراهيم خليلي (صديقي)" [8]. لقد اختار الله إبراهيم خليلًا له، دعاه من أمة وثنية لا تعرف الله، ليصير بارًا، ينهضه من المشرق ويلاقيه النصر عند رجليه [2]. الله لم يتغير فلا يزال يطلب أن يبرر ويصادق أبناء له، يدعوهم من وسط أناس غير مؤمنين ليقبلوا الإيمان به ويصيروا أحباءه. * إبراهيم الملقب بالخليل، وُجد مؤمنًا، لأنه أطاع كلمات الله. القديس اكليمندس الروماني وكما يقول القديس غريغوريوس النزينزي: [دُعي عبدًا ليخدم الكثيرين بالحق... جاء عبدًا في الجسد وحسب الميلاد لأجل حياتنا كي يحررنا مخلصًا إيانا من عبودية الخطية]. صار كلمة الله المتجسد عبدًا لكي إذ نثبت نحن العبيد فيه نسمع الصوت الإلهي يُنادينا: "يا إسرائيل عبدي": لقد صرتم أنتم الغرباء والبعيدون إسرائيل الجديد، كنيسة مقدسة وشعبًا مبررًا، عبيدًا صالحين متحدين بالابن الوحيد الذي صار عبدًا. "يا يعقوب الذي اخترته"، وكما قال السيد المسيح لتلاميذه: "لستم أنتم اخترتموني بل أنا اخترتكم". "نسل إبراهيم خليلي": صرتم أبناء إبراهيم روحيًا، أبناءه في الإيمان فحسبتم أحباء ليّ كما كان أبوكم خليلًا ليّ. "الذي أمسكته من أطراف الأرض ومن أقطارها دعوته" [9]، جئت بكم من أقاصي المسكونة ودعوتكم من بين الأمم... "لا تخف لأني معك": هذا هو موضوع دعوتي، وسّر اختياري لكم، وغايتي من الخلاص أن أكون معكم... "وقد أيَّدُتَك وأعنتك وعضدتك بيمين بري" [10]، أكون لك عونًا وعضدًا لأني بررتك بدمي، فصرت بارًا بيّ تستحق كل عون وتعضيد ضد مقاوميك الذين يبيدون، وضد منازعيك الذين تبحث عنهم فلا تجدهم، إذ صاروا كلا شيء [11، 2]. في القديم كنت تبحث عن مسامير لكي تمسك صفائح الذهب والفضة في التماثيل الخشبية حتى لا تسقط [7] وكي تكسبها جمالًا خارجيًا وتعطيها قيمة ثمينة، أما الآن فأنا أمسك بيمينك فلا تتزعزع، أسكب مجدي فيك واهبك بري فتتمجد: "لأنيّ أنا الرب إلهك الممسك بيمينك القائل لك: لا تخف أنا أعينك" [3]. كثيرًا ما يكرر في هذا السفر عبارة: "لا تخف"... إذ يعرف الله حقيقة مرض الطبيعة البشرية أو ميكروبها الخطير ألا وهو الخوف المحطم لسلامنا وفرحنا ومجدنا الداخلي. سّر هذا الخوف شعورنا بالعزلة والوحدة، ليس من رفيق ولا من معين ولا من يدرك حقيقة مشاعرنا ولا من يُشاركنا أعماق أحاسيسنا الداخلية. لذا يتقدم المخلص بنفسه ليُرافقنا لا من الخارج بل بسكناه في أعماقنا، فيملأ الفراغ الداخلي، ويكون هو الرفيق والمعين والمشبع لكل احتياجاتنا الداخلية، الذي يُشاركنا مشاعرنا الخفية. في اختصار ماذا يقدم الله مخلصنا؟ يقدم نفسه لنا فيهبنا: المعية معه، العون، القوة، يرفعنا إليه! بمعنى آخر ينزل إلينا لكي نقبله في حياتنا، فيسندنا بنعمته ويكون لنا المعين الخفي، ويحملنا إليه فنشاركه أمجاده الأبدية السماوية. 3. الدودة الضعيفة تصير نورجًا جديدًا: 13 لأَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُكَ الْمُمْسِكُ بِيَمِينِكَ، الْقَائِلُ لَكَ: لاَ تَخَفْ. أَنَا أُعِينُكَ. 14 «لاَ تَخَفْ يَا دُودَةَ يَعْقُوبَ، يَا شِرْذِمَةَ إِسْرَائِيلَ. أَنَا أُعِينُكَ، يَقُولُ الرَّبُّ، وَفَادِيكَ قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ. 15 هأَنَذَا قَدْ جَعَلْتُكَ نَوْرَجًا مُحَدَّدًا جَدِيدًا ذَا أَسْنَانٍ. تَدْرُسُ الْجِبَالَ وَتَسْحَقُهَا، وَتَجْعَلُ الآكَامَ كَالْعُصَافَةِ. 16 تُذَرِّيهَا فَالرِّيحُ تَحْمِلُهَا وَالْعَاصِفُ تُبَدِّدُهَا، وَأَنْتَ تَبْتَهِجُ بِالرَّبِّ. بِقُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ تَفْتَخِرُ. تتكرر الكلمتان "لا تخف" ثلاث مرات في الأعداد [10-14]؛ وكان ذلك ضروريًا لنفوس مسكينة يُحطمها اليأس أثناء السبي والشعور بالمذلة والعبودية. لكن الله يُطمئن بكل وسيلة مؤمنيه المخلصين الذين يقبلون الدخول معه في عهد حتى لا يخافوا ولا يرتعبوا. أما سّر رجائهم وقوتهم فهو تمتعهم به كملك لهم، يقدم ذاته لهم لينعموا به، قائلًا: "لأنيّ أنا الرب إلهك الممسك بيمينك القائل لك: لا تخف أنا أُعينك" [13]. هكذا ينسب الله نفسه إليهم: "أنا الرب إلهك" يلتجئوا إليه لا كغريب عنهم وإنما بكونه "إلههم" الخاص بهم المشتاق أن يضمهم إليه ويحفظهم فيه. يليق بهم ألا يتباطئوا في طلب معونته فإنه ممسك بيمينهم مشتاق إلى خلاصهم أكثر من اشتياقهم هم إلى خلاص أنفسهم، لذا لا يكف عن القول: "لا تخف أنا أُعينك". يلاحظ أن الله يدعو نفسه "أنا الرب إلهك"، فإن كان قد دَعَى نفسه "يهوه" (خر 3: 14؛ 15؛ 6: 2) عندما دعى موسى لخلاص الشعب من عبودية فرعون، فقد أوضح له سرّ اسمه وهو: "أَهْيَهِ الَّذِي أَهْيَهْ" (خر 3: 14) مؤكدًا أنه كائن على الدوام، يحل وسط شعبه دون أن تتغير محبته أو رعايته. هكذا يُقدم الله اسمه بألقاب كثيرة ليطمئن مؤمنيه، من ذلك: "يهوه يرأه" (تك 22: 14)، وتعني "الرب يُرى"، فقد رأى إبراهيم بعيني الإيمان ذبيحة المسيح الفريدة الواهبة قوة القيامة. "يهوه شلوم" (قض 6: 24)، وتعني "الله السلام"، فإن المسيح كلمة الله هو سلامنا (أف 2: 14)، به نتمتع بالمصالحة مع الله كسّر سلامنا الداخلي وسلامنا مع الغير. "الرب شافيك" Jehovah ropheka (خر 15: 26)، يشتاق أن يشفي نفوسنا وأجسادنا كطبيب حقيقي للبشرية. "الرب برنا" Jehovah-Zidkenu (إر 23: 6)؛ في المسيح صرنا أبرارًا (1 كو 1: 30)، إذ نحمل شركة طبيعته ونتمتع ببره فينا. "يهوه نسى" Jehovah- nissi (خر 17: 15) (الرب رايتي)؛ فقد صار الله رايتي يتقدم خطواتي في المعركة الروحية، هو سرّ نصرتي وعلامة غلبتي على عدو الخير. "ياه يهوه" Jehovah-yah (إش 12: 2)، تعني "أهيه الذي أهيه" "أنا كائن الذي هو أنا كائن"، بكونه حاضرًا وسط مؤمنيه لا تتغير محبته نحوهم. "يهوه شمه" Jehovah- Shammah (حز 48: 35)، أي "الرب هناك" تُشير إلى الإعلان عن حضرة الرب في كنيسة العهد الجديد، وسط إسرائيل الجديد، إذ صارت أيقونة السماء التي هي "مسكن الله مع الناس" (رؤ 21: 3). يعلن الله حبه لشعبه الذي دعاه "دودة إسرائيل" ليقيم منها نورجًا محددًا جديدًا قادرًا أن يدرس الجبال ويسحقها ويذريها لتبددها العواصف، إذ يقول: "لا تخف يا دودة يعقوب، يا شرذمة إسرائيل، أنا أعينك يقول الرب وفاديك قدوس إسرائيل. هأنذا قد جعلتك نورجًا محددًا جديدًا ذا أسنان، تدرس الجبال وتسحقها، وتجعل الآكام كالعاصفة، تذريها فالريح تحملها والعاصف تبددها وأنت تبتهج بالرب، بقدوس إسرائيل تفتخر" [14-16]. هذا هو عمل الله المخلص في حياتنا، إذ يحولنا من دودة محتقرة تعيش في طمي هذا العالم نُداس كما بالأقدام ليقيم منا نورجًا ذا أسنان حادة يقدر أن يدرس الجبال ويسحقها أو كمذراة تفصل الحنطة عن التبن... هكذا يُريد الله مصادقة الدودة المحتقرة ليجعلها أداة للتمييز وعزل الحنطة النافعة عن التبن الذي بلا ثمن. دعى الله شعبه "دودة يعقوب"، فإنها تعيش في الطين محتقرة بلا قوة ولا جمال ولا مجد، تطأ عليها الأقدام دون اهتمام أو مبالاة. لقد وطأ فرعون على الشعب كما على دودة، لكن فرعون مات وأما الشعب فتمتع بمواعيد الله وخلاصه. وطأ سنحاريب ونبوخذنصَّر أيضًا على هذه الدودة وانتهت دولة آشور بأكملها وأيضًا انهارت بابل بملوكها الجبابرة وبقيت الدودة حيَّة ومجيدة. وهكذا قام جبابرة عبر الأجيال مثل نيرون ودقلديانوس وأيضًا هراطقة مثل أريوس ونسطور... ومات الكل وبقيت الدودة حيَّة تنمو وتتمجد. أما سّر حياتها فهي أن كلمة الله الذي صار جسدًا هو أيضًا من أجلنا صار دودة كقول المرتل "أما أنا فدودة لا إنسان" (مز 22: 6)، أي يتنازل ليصير إنسانًا محتقرًا حتى حُسب كدودة، فيرفعنا نحن باتضاعه إلى مجده. * "أما أنا فدودة لا إنسان" (مز 22: 6). لكنني أتحدث الآن لا في شخص آدم، وإنما أتحدث بالأصالة عن نفسي -أنا يسوع المسيح- وُلدت بدون زرع بشر حسب الجسد، حتى أصير أنا كإنسان وراء كل بشر، لكيما يتمثل الكبرياء البشري باتضاعي. "عار عند البشر ومحتقر الشعب" (مز 22: 6). بالاتضاع صرت عارًا عند البشر، حتى يُقال بطريقة تهكمية: "أنت تلميذ ذاك" (يو 9: 28)، ويحتقرني الشعب. القديس أغسطينوس إن كان إنساننا القديم قد صار كالجبال بأعماله الشريرة الصلبة وكالآكام ليس من يقدر أن يحركها فإن الله وحده الذي يلمس الجبال فتدخن (مز 104: 32). يجعلنا بالمسيح يسوع ربنا نورجًا جديدًا محددًا، ندرس الجبال ونسحقها ونذري الآكام كالعصافة، دون أن يصيبنا القدم ولا نفقد قوتنا أو تضعف إمكانياتنا مع الزمن. هذا ما يبهج نفوسنا بالرب مجدد حياتنا فنفتخر بقدوس إسرائيل الجديد. 4. البرية تصير بستانًا: 17 «اَلْبَائِسُونَ وَالْمَسَاكِينُ طَالِبُونَ مَاءً وَلاَ يُوجَدُ. لِسَانُهُمْ مِنَ الْعَطَشِ قَدْ يَبِسَ. أَنَا الرَّبُّ أَسْتَجِيبُ لَهُمْ. أَنَا إِلهَ إِسْرَائِيلَ لاَ أَتْرُكُهُمْ. 18 أَفْتَحُ عَلَى الْهِضَابِ أَنْهَارًا، وَفِي وَسَطِ الْبِقَاعِ يَنَابِيعَ. أَجْعَلُ الْقَفْرَ أَجَمَةَ مَاءٍ، وَالأَرْضَ الْيَابِسَةَ مَفَاجِرَ مِيَاهٍ. 19 أَجْعَلُ فِي الْبَرِّيَّةِ الأَرْزَ وَالسَّنْطَ وَالآسَ وَشَجَرَةَ الزَّيْتِ. أَضَعُ فِي الْبَادِيَةِ السَّرْوَ وَالسِّنْدِيَانَ وَالشَّرْبِينَ مَعًا. 20 لِكَيْ يَنْظُرُوا وَيَعْرِفُوا وَيَتَنَبَّهُوا وَيَتَأَمَّلُوا مَعًا أَنَّ يَدَ الرَّبِّ فَعَلَتْ هذَا وَقُدُّوسَ إِسْرَائِيلَ أَبْدَعَهُ. إذ يتطلع إشعياء النبي إلى العصر المسياني كعصر مياه الروح القدس، يرى البرية تتحول إلى واحة تفيض ماءً فتتحول من قفر إلى بستان إلهي مثمر. تكرر هذا التشبيه عدة مرات (إش 35: 1-10؛ 43: 18-21؛ 49: 9-11؛ 48: 21؛ 55: 13). في القديم أخرج الله من الصخرة ماءً لشعبه الظمآن (خر 17: 1-7؛ عد 20: 1-13؛ إش 48: 21). وفي الخروج الثاني يفعل ما هو أعظم، يُفجر أنهارًا على المرتفعات العالية القاحلة وينابيع في الوديان؛ إذ يقدم السيد المسيح ماء جديدًا يغير وجه الأرض، محولًا قفر قلوبنا إلى فردوسه الروحي، وبريتنا الداخلية إلى واحة إلهية فتنمو فينا أشجار روحية تأتي بثمار روحية شهية: "اجعل في البرية الأرز والسنط والآس وشجر الزيت..." [19]. ما أجمل العبارة: "لكي ينظروا ويعرفوا ويتنبهوا ويتأملوا معًا أن يد الرب فعلت هذا وقدوس إسرائيل أبدعه" [20]... ننظر عمل الرب فينا، ونتعرف على أسراره، ونتأمل الأمور الفائقة ونفهم ما لا يدرك لأن هذا كله من يد المخلص القدوس ومن إبداعه. يتحدث القديس يوحنا الذهبي الفم على لسان المخلص قائلًا: [مَنْ يستطيع أن يُعادلني في الجود؟ إني أب وأخ وعريس وبيت وطعام ولباس وأصل كل ما تشتهي، لا أتركك محتاجًا إلى شيء. سأكون أيضًا خادمًا لك، فقد جئت لا لكي أُخدم بل أخدم. أنا أيضًا صديق وعضو ورأس وأخ وأخت وأم؛ أنا كل شيء، فقط كن صديقًا ليّ! من أجلك افتقرت، ومن أجلك كنت أشحذ. من أجلك صليت، ومن أجلك دُفنت. في السماء أسأل عنك الآب. أنت كل شيء بالنسبة ليّ: الأخ والشريك في الميراث والصديق والعضو. ماذا تُريد أكثر من هذا؟ لماذا تنصرف عن من يحبك، وتتعب من أجل العالم؟]. 5. الله رب المستقبل: 21 «قَدِّمُوا دَعْوَاكُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ. أَحْضِرُوا حُجَجَكُمْ، يَقُولُ مَلِكُ يَعْقُوبَ. 22 لِيُقَدِّمُوهَا وَيُخْبِرُونَا بِمَا سَيَعْرِضُ. مَا هِيَ الأَوَّلِيَّاتُ؟ أَخْبِرُوا فَنَجْعَلَ عَلَيْهَا قُلُوبَنَا وَنَعْرِفَ آخِرَتَهَا، أَوْ أَعْلِمُونَا الْمُسْتَقْبِلاَتِ. 23 أَخْبِرُوا بِالآتِيَاتِ فِيمَا بَعْدُ فَنَعْرِفَ أَنَّكُمْ آلِهَةٌ، وَافْعَلُوا خَيْرًا أَوْ شَرًّا فَنَلْتَفِتَ وَنَنْظُرَ مَعًا. 24 هَا أَنْتُمْ مِنْ لاَ شَيْءٍ، وَعَمَلُكُمْ مِنَ الْعَدَمِ. رِجْسٌ هُوَ الَّذِي يَخْتَارُكُمْ. 25 «قَدْ أَنْهَضْتُهُ مِنَ الشَّمَالِ فَأَتَى. مِنْ مَشْرِقِ الشَّمْسِ يَدْعُو بِاسْمِي. يَأْتِي عَلَى الْوُلاَةِ كَمَا عَلَى الْمِلاَطِ، وَكَخَزَّافٍ يَدُوسُ الطِّينَ. 26 مَنْ أَخْبَرَ مِنَ الْبَدْءِ حَتَّى نَعْرِفَ، وَمِنْ قَبْل حَتَّى نَقُولَ: هُوَ صَادِقٌ؟ لاَ مُخْبِرٌ وَلاَ مُسْمِعٌ وَلاَ سَامِعٌ أَقْوَالَكُمْ. 27 أَنَا أَوَّلًا قُلْتُ لِصِهْيَوْنَ: هَا! هَا هُمْ. وَلأُورُشَلِيمَ جَعَلْتُ مُبَشِّرًا. 28 وَنَظَرْتُ فَلَيْسَ إِنْسَانٌ، وَمِنْ هؤُلاَءِ فَلَيْسَ مُشِيرٌ حَتَّى أَسْأَلَهُمْ فَيَرُدُّونَ كَلِمَةً. 29 هَا كُلُّهُمْ بَاطِلٌ، وَأَعْمَالُهُمْ عَدَمٌ، وَمَسْبُوكَاتُهُمْ رِيحٌ وَخَلاَءٌ. لكي يعطي الرب طمأنينة لشعبه ويهبهم ثقة فيه، يؤكد لهم أن المستقبل كله في يديه دون سائر آلهة الأمم، طلب منهم أن يسألوا الأوثان إن كانت تقدر أن تخبر بالأمور المستقبلة، وبقصد التنبؤ بخصوص قيام كورش، إذ كان ذلك غير متوقع. يعلن الله عن نفسه أنه أول من يُبشر شعبه بقيام كورش [27]. كورش -من جهة والده- فهو مادي، ومن جهة أمه فهو فارسي، وقد ضم جيشه رجالًا من مادي جاءوا من الشمال [25]؛ ورجالًا من فارس جاءوا من الشرق [25]. السيد المسيح أيضًا جاء من الناصرة في الشمال وهو شمس البر المشرق من الشرق. لقد عرف كورش الله (عزر 1) واحترم كل الأديان بما فيها عبادة الله الحيّ، لذلك قيل: "مَنْ مشرق الشمس يدعو باسمي" [25]؛ ربما أيضًا دَعَى باسم السيد المسيح بكونه رمزًا له، يُحقق خلاصًا للعالم كله. شُبه كورش بالخراف الذي يدوس الطين، إشارة إلى السيد المسيح كديان تخضع له كل الأمم كالطين بين يدّي الخزَّاف... (كورش أتى على ولاة بابل كما على الملاط) [25]. العبد المختار يحوي هذا الأصحاح إحدى التسابيح الممتعة الخاصة بالسيد المسيح، أو تسابيح عبد يهوه (إش 42: 1-4؛ 49: 1-6؛ 50: 4-9؛ 52: 13؛ 53: 12). حاول البعض تطبيق التسبحة التي بين أيدينا على إسرائيل أو على إشعياء وبالأكثر على كورش، لكن من الواضح أنها تخص السيد المسيح نفسه، كما أكد الإنجيليون ذلك (مت 12: 17-21). 1. عبد الرب المختار: 1 «هُوَذَا عَبْدِي الَّذِي أَعْضُدُهُ، مُخْتَارِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. وَضَعْتُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْرِجُ الْحَقَّ لِلأُمَمِ. 2 لاَ يَصِيحُ وَلاَ يَرْفَعُ وَلاَ يُسْمِعُ فِي الشَّارِعِ صَوْتَهُ. 3 قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ، وَفَتِيلَةً خَامِدَةً لاَ يُطْفِئُ. إِلَى الأَمَانِ يُخْرِجُ الْحَقَّ. 4 لاَ يَكِلُّ وَلاَ يَنْكَسِرُ حَتَّى يَضَعَ الْحَقَّ فِي الأَرْضِ، وَتَنْتَظِرُ الْجَزَائِرُ شَرِيعَتَهُ». تُقدم لنا التسبحة هنا شخص العبد المختار الذي هو السيد المسيح بعينه، إذ جاء فيها: أولًا: "هوذا عبدي الذي أعضده، مختاري سرت به نفسي" [1]. ليس عجيبًا أن يُدعى المسيا "عبد يهوه" أو "عبد الرب" مع أنه كلمته المولود أزليًا وواحد معه في ذات الجوهر الإلهي، إنما بحبه الإلهي اشتاق أن ينزل إلى عبوديتنا ليحملنا إلى أمجاده، وكنائب عنا أطاع الآب حتى الموت موت الصليب، حتى يُحقق خلاصنا ويُثبتنا فيه فنُحسب مطيعين ونصير موضع سرور الآب (أف 1: 3-5). إن كان الآب قد اختار ابنه الوحيد ليتمم الخلاص، معلنًا كمال الحب الإلهي، فإننا إذ ندخل فيه وننعم بالعضوية في جسده نصير نحن أيضًا مختارين من الابن موضع حبه وسروره! كلمة "مختاري" لا تعني اختيار واحد من بين كثيرين إنما تُشير إلى عظمة الآب نحو المسيا. وكما يقول السيد المسيح نفسه: "كما أحبني الآب أحببتكم أنا، اثبتوا في محبتي" (يو 15: 9)؛ "ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به وأكون أنا فيهم" (يو 17: 26). هذا الحب تصوره الكلمات: "الذي سرت به نفسي" [1]. فإن كل سرور الآب فيه أزليًا، أُعلن عند عماد السيد وتجليه وخلال مراحل أعماله الخلاصية. اقتبس الإنجيلي متى ما ورد هنا في [1-3] كنبوة صريحة عن السيد المسيح (مت 12: 17-21)، مؤكدًا النقاط التالية: أ. المختار لتتميم الخلاص. ب. فيه سرّ الآب بنا. ج. مشتهى الأمم ورجاؤهم. د. بالوداعة يهب النصرة. ه. يترفق بكل ضعيف. يعلق القديس أغسطينوسعلى هذا النص بالقول: [تعبير "عبدي" يُشير إلى هيئة العبد حيث أخلى العلي نفسه... أُعطى له الروح القدس وقد أُعلن ذلك في شكل حمامة كما شهد الإنجيلي (يو 1: 32). اخرج الحكم (الحق) للأمم، إذ أعلن لهم ما كان مخفيًا عنهم. في اتضاعه لا يصيح دون أن يتوقف عن إعلان الحق. صوته لم يُسمع، لا يسمعه الذين هم في الخارج، إذ لم يطعه الخارجون عن جسده. لم يقصف اليهود أنفسهم الذين اضطهدوه مع كونهم قصبة مرضوضة فقدت توازنها، ولا أطفأهم مع كونهم فتيلة مدخنة، إذ سامحهم. لقد جاء ليُحكم عليه لا ليُدين]. جاء مسيحنا الذي قيل عنه: "مختاري الذي سرت به نفسي" لندرك إننا فيه مختارون من الآب موضع سروره وحبه، وكما يقول الرسول بولس: "مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح الذي باركنا بكل بركة روحية في السمويات في المسيح، كما اختارنا فيه قبل تأسيس العالم لنكون قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة، إذ سبق فعيننا للتبني بيسوع المسيح لنفسه حسب مسرة مشيئة" (أف 1: 3-5). ثانيًا: "وضعت روحي عليه" [1]. المسّيا كلمة الآب، الواحد معه والمساوي له في ذات الجوهر، لذا فالروح القدس الذي هو روح الآب هو روح الابن أيضًا. الروح القدس ليس غريبًا عن الابن، يتمتع به بغير مكيال وبغير انفصال. الروح القدس هو الذي قدّس أحشاء البتول مريم ليُحقق التجسد الإلهي، لم يفارق الابن قط؛ أصعد السيد المسيح إلى الجبل ليدخل في المعركة الحاسمة مع إبليس على جبل التجربة... إنه الروح الذي وهبه لتلاميذه لممارسة العمل الرعوي في المسيح يسوع، وهو الروح الذي وهبه للكنيسة كلها في يوم العنصرة كي يسندها في الشهادة له والعبادة والحياة اليومية. بهذا حقق ما وعد به في أحاديثه الوداعية (يو 14: 16-18، 26؛ 15: 26؛ 16: 7، 8، 13، 14). وكما يقول القديس أكليمندس الإسكندري: [المربي يخلق الإنسان من تراب، ويجدده بالماء وينميه بالروح]. يُحدثنا القديس باسيليوسعن عمل الروح القدس فينا، قائلًا: [بالروح القدس استعدنا سكنانا في الفردوس، صعودنا إلى ملكوت السموات، عودتنا إلى النبوة الإلهية، دالتنا لتسمية الله "أبانا"، اشتراكنا في نعمة المسيح، تسميتنا أبناء النور، حقنا في المجد الأبدي، وبكلمة واحدة حصولنا على ملء البركة في هذا الدهر وفي الدهر الآتي]. ثالثًا: "فيخرج الحق للأمم" [1]. إن كان الرب قد أدّب الأمم لكنه جاء إليهم بكونه "الحق" كي يقبلوه في حياتهم سّر خلاص أبدي، إذ يقول: "أنا هو الطريق والحق والحياة، ليس أحد يأتي إلى الآب إلاَّ بي" (يو 14: 6). * يسكن المسيح في الإنسان الداخلي كما يقول الرسول (أف 3: 16-17)، فإنه إليه ينسب رؤية الحق، حيث قال: "أنا هو الحق" (يو 14: 6). * هو نفسه الحياة، وهو نفسه الحق. ليأتِ ويُخلصنا... ليعزل الحنطة عن الزوان! الشيخ الروحاني جاء إلينا كلمة الله ليُعلمنا حياة العمل الحق النابع عن الحب مع سكون النفس وهدوئها فيه عوض الانشغال بالكلمات الكثيرة البّراقة والمظاهر الخارجية المخادعة. علمنا الكلمة الإلهي كيف نتكلم بالحب والحياة العملية فيتجلى هو فينا! * إن كنت صامتًا يكون لك سلام أينما عشت. الأب بيامون القديس أرسانيوس جاء مسيحنا إلى النفوس المحطمة لكي يبعث فيها الرجاء، لا يجرح مشاعر الخطاة ولا يداهنهم. ينطق بالحق مع الحب حتى يضمد كل جرح ملتهب، ويسند كل نفس متعبة. * تحنن يسوع علينا حتى لا يخيفنا منه بل يدعونا إليه؛ جاء في وداعة وفي اتضاع... وبهذا قال: "تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم" (مت 11: 28). بهذا أنعشنا الرب ولم يغلق علينا أو يطردنا... * يجب أن نعرف أن الله إله رحمة، يميل إلى العفو لا إلى القسوة، لذلك قيل: "أُريد رحمة لا ذبيحة" (هو 6: 6)... * عندما ترفض قبول التوبة، إنما بذلك تقول: "لن يدخل في فندقنا جريح، ولا يُشفي أحد في كنيستنا. إننا لا نهتم بالمرضى، فنحن كلنا أصحاء، ولسنا في حاجة إلى طبيب، لأنه هو نفسه قال: "لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى". * لترسل يا رب إلى شوارع المدينة، ولتجمع الصالح والطالح، ولتُدخل إلى كنيستك الضعفاء والعمي والعرج (لو 14: 21). مرّ يا رب أن يمتلئ بيتك، محضرًا إياهم (الخطاة) إلى وليمتك، لأنك أنت تخلق من يتبعك عندما تدعوه... * ليته لا يخف أحد من الهلاك، مهما كانت حالته، ومهما كان سقوطه، فسيمر على السامري الصالح الذي للإنجيل، ونجده نازلًا من أورشليم إلى أريحا... هذا السامري الصالح هو رمز السيد المسيح حارس الأرواح، لن يتركك إنما يتحنن عليك ويشفيك. السامري (= حارس) الصالح لم يترك من كان ملقى بين حيّ وميت، لأنه رأى فيه نسمات حياة، فترجى شفاءه. القديس كبريانوس أتسم مسيحنا بالحب العملي والوداعة، في محبته يفتح أبواب الرجاء أمام الخطاة مهما بلغت شرورهم. على خلاف الإنسان الذي يقسو على أخيه ويحسب نفسه أبر منه، ويغلق الباب أمام كثيرين. هذا الحب الإلهي الوديع يرافقه عمل إلهي بلا توقف حتى الموت موت الصليب، وفي هذا لم ينكسر بل تمجد بالقيامة، وأعلن الحق بتحقيق الخلاص. يُحاول بعض الدارسين أن يفسروا كلمة "الجزائر" هنا بأنها أوروبا أو الولايات المتحدة الأمريكية أو أستراليا. 2. دعوة عبد الرب: 5 هكَذَا يَقُولُ اللهُ الرَّبُّ، خَالِقُ السَّمَاوَاتِ وَنَاشِرُهَا، بَاسِطُ الأَرْضِ وَنَتَائِجِهَا، مُعْطِي الشَّعْبِ عَلَيْهَا نَسَمَةً، وَالسَّاكِنِينَ فِيهَا رُوحًا: 6 «أَنَا الرَّبَّ قَدْ دَعَوْتُكَ بِالْبِرِّ، فَأُمْسِكُ بِيَدِكَ وَأَحْفَظُكَ وَأَجْعَلُكَ عَهْدًا لِلشَّعْبِ وَنُورًا لِلأُمَمِ، 7 لِتَفْتَحَ عُيُونَ الْعُمْيِ، لِتُخْرِجَ مِنَ الْحَبْسِ الْمَأْسُورِينَ، مِنْ بَيْتِ السِّجْنِ الْجَالِسِينَ فِي الظُّلْمَةِ. 8 «أَنَا الرَّبُّ هذَا اسْمِي، وَمَجْدِي لاَ أُعْطِيهِ لآخَرَ، وَلاَ تَسْبِيحِي لِلْمَنْحُوتَاتِ. 9 هُوَذَا الأَوَّلِيَّاتُ قَدْ أَتَتْ، وَالْحَدِيثَاتُ أَنَا مُخْبِرٌ بِهَا. قَبْلَ أَنْ تَنْبُتَ أُعْلِمُكُمْ بِهَا». الله في حبه خلق السموات والأرض من أجل الإنسان [5]، وها هو يدعو الابن الذي صار إنسانًا ليقيمه عهدًا للشعب ونورًا للأمم [6]، يفتح البصيرة الداخلية لمعاينة ملكوت الله، ويحرر المأسورين في سجن الظلمة الأبدي ليعيشوا في حرية مجد أولاد الله [7]. ماذا تعني دعوة عبد الرب "عهدًا"؟ بكونه ابن الله الذي صار ابنا للإنسان أمكنه مصالحة الآب مع البشرية في جسم بشريته، فيه رأى الآب البشرية قد تقدست وتأهلت للنبوة له فأعلن أبوته الأبدية نحوها في ابنه وحيد الجنس، وفيه رأت البشرية حب الآب الذي بذل ابنه الوحيد من أجل خلاصها لتجد لها نصيبًا في الحضن الأبوي. هذا هو العهد الذي أقيم في المسيح يسوع، والذي ختمه بدمه الثمين على خشبة الصليب. لهذا دُعي "ملاك العهد" (ملا 3: 1). حاول تريفو اليهودي أن يفسر ما ورد هنا عن العهد ونور الأمم أنهما يخصا الشريعة الموسوية وقد ردّ عليه الشهيد يوستين قائلًا: [بأنه لو كانت الشريعة قادرة أن تهب استنارة للأمم وللذين يستلمونها فما الحاجة للحديث عن عهد جديد؟ لكن حيث سبق أن أعلن الله مقدمًا أنه يُقدم عهدًا جديدًا وشريعة أبدية ووصية أبدية فلا يُفهم هذا عن الشريعة القديمة بل عن المسيح والذين يؤمنون به أي عنا نحن الذين كنا من الأمم وتمتعنا بالاستنارة. يقول الرب: "فِي وَقْتِ الْقُبُولِ اسْتَجَبْتُكَ، وَفِي يَوْمِ الْخَلاَصِ أَعَنْتُكَ. فَأَحْفَظُكَ وَأَجْعَلُكَ عَهْدًا لِلشَّعْبِ، لإِقَامَةِ الأَرْضِ، لِتَمْلِيكِ أَمْلاَكِ الْبَرَارِيِّ" (إش 49: 8). ما هو ميراث (تمليك) المسيح؟ أليسوا الأمم؟ ما هو عهد الله إلاَّ السيد المسيح؟ كما جاء في موضع آخر" أنت ابني وأنا اليوم ولدتك، اسألني فأعطيك الأمم ميراثًا لك وسلطانك (ممتلكاتك) إلى أقصى الأرض" (مز 2: 7). مرة أخرى يعلق الشهيد يوستينعلى القول الإلهي: "أنا الرب هذا اسمي ومجدي لا أعطيه لآخر ولا تسبيحي للمنحوتات" [8] هكذا [إنني أقول (لليهود): ألا تدركوا يا أصدقائي أن الله يُعطي الذي أقامه نورًا للأمم مجدًا ولا يعطيه لآخر]. فما يناله الابن المخلص من أمجاد إنما يناله الثالوث القدوس بكونهم الله الواحد في الجوهر واللاهوت. "وأجعلك عهدًا للشعب" [6]. سبق أن درسنا دور "العهد" في القبائل البدائية وفي العهد القديم وأخيرًا في العهد الجديد حيث قدم السيد المسيح دمه السري في الكأس عهدًا جديدًا لكي يتناوله مؤمنوه. هذا الدم وهو ذبيحة المسيح القادرة على إقامة ميثاق بين الآب والإنسان، لتهبنا قرابة روحية سماوية فنُحسب بالحق أبناء ثابتين في الابن الوحيد الجنس؛ خلالها نتمتع بالوليمة السماوية الواهبة الحياة. يقول الأب ثيؤدورت: [في تناولنا لعناصر العريس وشربنا دمه ندخل معه في اتحاد زوجي]. "وأجعلك... نورًا للأمم" [6]؛ فالمسيح هو النور الإلهي الذي يفتح بصيرتنا الداخلية لنُعاين النور. لهذا يقول المرتل: "بنورك يا رب نعاين النور"، ويقول الإنجيلي: "النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان آت في العالم" (يو 1: 9). * "أرسل نورك وحقك، هما يهديانني ويأتيان بيّ إلى جبل قدسك وإلى مساكنك" (مز 43: 3). "النور" و"الحق" هما بالحقيقة اسمان يعبران عن واحد (الله). لأنه ما هو النور الإلهي إلاَّ الحق الإلهي؟ والحق الإلهي إلاَّ النور الإلهي؟ وأقنوم المسيح هو كلاهما. "أنا هو نور العالم، من يتبعني فلا يمشي في الظلمة" (يو 8: 12)؛ "أنا هو الطريق والحق والحياة" (يو 14: 6). هو بنفسه النور، وهو أيضًا الحق. فليأتِ إذن ويُخلصنا.... * إلهي... أنت نوري؛ افتح عن عيني فتُعاينا بهاءك الإلهي، لأستطيع أن أسير في طريقي بغير تعثر في فخاخ العدو. حقًا، كيف يمكنني أن أتجنب فخاخه ما لم أرها؟! وكيف أقدر أن أراها إن لم استنر بنورك...؟! أنت هو النور لأولاد النور! نهارك لا يعرف الغروب! نهارك يضيء لأولادك حتى لا يتعثروا! أما الذين هم خارج عنك فإنهم يسلكون في الظلام ويعيشون فيه!.. القديس أغسطينوس الشيخ الروحاني 10 غَنُّوا لِلرَّبِّ أُغْنِيَةً جَدِيدَةً، تَسْبِيحَهُ مِنْ أَقْصَى الأَرْضِ. أَيُّهَا الْمُنْحَدِرُونَ فِي الْبَحْرِ وَمِلْؤُهُ وَالْجَزَائِرُ وَسُكَّانُهَا، 11 لِتَرْفَعِ الْبَرِّيَّةُ وَمُدُنُهَا صَوْتَهَا، الدِّيَارُ الَّتِي سَكَنَهَا قِيدَارُ. لِتَتَرَنَّمْ سُكَّانُ سَالِعَ. مِنْ رُؤُوسِ الْجِبَالِ لِيَهْتِفُوا. 12 لِيُعْطُوا الرَّبَّ مَجْدًا وَيُخْبِرُوا بِتَسْبِيحِهِ فِي الْجَزَائِرِ. 13 الرَّبُّ كَالْجَبَّارِ يَخْرُجُ. كَرَجُلِ حُرُوبٍ يُنْهِضُ غَيْرَتَهُ. يَهْتِفُ وَيَصْرُخُ وَيَقْوَى عَلَى أَعْدَائِهِ. "غنوا للرب أغنية جديدة، تسبحة من أقصى الأرض" [10]. ما هي هذه التسبحة التي تتسم بالجدة والتي ينطق بها البشر من أقصى الأرض إلاَّ تسبحة المفديين القادمين من كل الأمم والقبائل والشعوب والألسنة، الواقفين أمام العرش وأمام الحمل... "وهم يصرخون بصوت عظيم قائلين: الخلاص لإلهنا الجالس على العرش وللخروف" (رؤ 7: 10). ترنيمة جديدة لأنها تَهِبْ تجديدًا لا ينقطع خلال "الحياة الجديدة التي في المسيح". يلاحظ في هذه التسبحة الآتي: أ. تسبحة جديدة لا تشيخ ولا تقدم قط، لأنها تعبّر عن تمتع بحياة الفرح السماوي الذي لا يقدم. هكذا تتحول تنهدات الخليقة إلى شركة في تسبيح السمائيين. ب. تسبحة جامعة تضم أعضاء من أقصى الأرض، تكشف عن فرح ساكني الأرض، والبحار، وسكان الجزائر [10]. تنبع عن أعماق القلب الداخلي لا عن الظروف الخارجية، لذا يمارسها المؤمن أينما وُجد، في البر أو البحر، في البرية أو في مدينة أو في قرية أو في كهف على رأس جبل [10-11]. ج. سرّ البهجة تقدم المسيح الرب الصفوف كقائد المعركة الروحية، "يهتف ويصرخ ويقوى على أعدائه" [13]. هي تسبحة الغلبة والنصرة في المسيح الهاتف بالغلبة على إبليس وكل قواته الشريرة. 4. تفريغ للقديم: 14 «قَدْ صَمَتُّ مُنْذُ الدَّهْرِ. سَكَتُّ. تَجَلَّدْتُ. كَالْوَالِدَةِ أَصِيحُ. أَنْفُخُ وَأَنَخُرُ مَعًا. 15 أَخْرِبُ الْجِبَالَ وَالآكَامَ وَأُجَفِّفُ كُلَّ عُشْبِهَا، وَأَجْعَلُ الأَنْهَارَ يَبَسًا وَأُنَشِّفُ الآجَامَ، 16 وَأُسَيِّرُ الْعُمْيَ فِي طَرِيق لَمْ يَعْرِفُوهَا. فِي مَسَالِكَ لَمْ يَدْرُوهَا أُمَشِّيهِمْ. أَجْعَلُ الظُّلْمَةَ أَمَامَهُمْ نُورًا، وَالْمُعْوَجَّاتِ مُسْتَقِيمَةً. هذِهِ الأُمُورُ أَفْعَلُهَا وَلاَ أَتْرُكُهُمْ. 17 قَدِ ارْتَدُّوا إِلَى الْوَرَاءِ. يَخْزَى خِزْيًا الْمُتَّكِلُونَ عَلَى الْمَنْحُوتَاتِ، الْقَائِلُونَ لِلْمَسْبُوكَاتِ: أَنْتُنَّ آلِهَتُنَا! سرّ تسبيحنا هو تفريغ أعمال الإنسان العتيق من أعماقنا خلال تقبلنا لأعمال الإنسان الجديد في المسيح يسوع... الأمر المذهل للغاية حتى قيل "قد صمتُّ منذ الدهر، سكتُّ، تجلَّدتُ" [14]. يشبّه ترك الإنسان القديم والتمتع بالإِنسان الجديد بالمرأة التي تلد، فإنها تصيح من الألم لكنها تنجب إنسانًا جديدًا، هكذا نحن نتمتع خلال السيد المسيح كما بإنجاب عالم جديد في داخلنا: "كالوالدة أصيحُ، أنفُخُ، وأنْخرُ معًا" [14]. كما يشبّه الأمم العظيمة والصغيرة بالجبال والتلال التي يجفف كل عشبها [15]، يجفف محبتها للأرضيات التي هي أشبه بالعشب الفاني. كما يُشبهها بالأنهار التي يجعلها تيبس [15]... هكذا ينتزع مياهها القديمة ليهبها الماء الحيّ. مرة أخرى يشبهها بالعمى السالكين في الظلمة يحتاجون إلى إزالة العمى والظلام ليتمتعوا بالنور ويسيروا في الطريق الروحي الجديد الحق عوض سلوكهم في المعوجات، إذ يقول: "وأسير العُمى في طريق لم يعرفونها، في مسالك لم يدروها أمشيهم، أجعل الظلمة أمامهم نورًا والمعوجّات مستقيمة" [16]. 5. دعوة للشعب الأصم الأعمى: 18 «أَيُّهَا الصُّمُّ اسْمَعُوا. أَيُّهَا الْعُمْيُ انْظُرُوا لِتُبْصِرُوا. 19 مَنْ هُوَ أَعْمَى إِلاَّ عَبْدِي، وَأَصَمُّ كَرَسُولِي الَّذِي أُرْسِلُهُ؟ مَنْ هُوَ أَعْمَى كَالْكَامِلِ، وَأَعْمَى كَعَبْدِ الرَّبِّ؟ 20 نَاظِرٌ كَثِيرًا وَلاَ تُلاَحِظُ. مَفْتُوحُ الأُذُنَيْنِ وَلاَ يَسْمَعُ». 21 الرَّبُّ قَدْ سُرَّ مِنْ أَجْلِ بِرِّهِ. يُعَظِّمُ الشَّرِيعَةَ وَيُكْرِمُهَا. 22 وَلكِنَّهُ شَعْبٌ مَنْهُوبٌ وَمَسْلُوبٌ. قَدِ اصْطِيدَ فِي الْحُفَرِ كُلُّهُ، وَفِي بُيُوتِ الْحُبُوسِ اخْتَبَأُوا. صَارُوا نَهْبًا وَلاَ مُنْقِذَ، وَسَلَبًا وَلَيْسَ مَنْ يَقُولُ: «رُدَّ!». 23 مَنْ مِنْكُمْ يَسْمَعُ هذَا؟ يَصْغَى وَيَسْمَعُ لِمَا بَعْدُ؟ 24 مَنْ دَفَعَ يَعْقُوبَ إِلَى السَّلَبِ وَإِسْرَائِيلَ إِلَى النَّاهِبِينَ؟ أَلَيْسَ الرَّبُّ الَّذِي أَخْطَأْنَا إِلَيْهِ وَلَمْ يَشَاءُوا أَنْ يَسْلُكُوا فِي طُرُقِهِ وَلَمْ يَسْمَعُوا لِشَرِيعَتِهِ. 25 فَسَكَبَ عَلَيْهِ حُمُوَّ غَضَبِهِ وَشِدَّةَ الْحَرْبِ، فَأَوْقَدَتْهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ وَلَمْ يَعْرِفْ، وَأَحْرَقَتْهُ وَلَمْ يَضَعْ فِي قَلْبِهِ.يرى كثير من الآباء أن الشعب الأصم الأعمى هم اليهود الذين لم يصغوا لصوت الأنبياء بخصوص السيد المسيح، وقد انطمست عيونهم عن إدراكه فمجدوه... لقد اختارهم الرب كعبد له لكن قلة قليلة قبلت الإيمان بالمخلص بينما جحده الآخرون لهذا يُعاتبهم قائلًا: "أيها الصم اسمعوا؛ أيها العمي انظروا لتبصروا. من هو أعمى إلاَّ عبدي وأصم كرسولي الذي أرسله؟! من هو أعمى كالكامل وأعمى كعبد الرب؟!" [18-19]. يدعوهم عبده لأنه اختارهم شعبه المتعبد له؛ وأيضًا رسوله لأنه اختارهم ليقبلوا الإيمان ويكرزوا به كرسل يُعلنون الخلاص ويشهدون للحياة الإنجيلية، دعاهم "الكامل" لأنه كان ينتظر فيهم التقديس إذ قدم لهم كل إمكانية للحياة الكاملة وبل وللكرازة بالسيد المسيح واهب الكمال. يوبخهم قائلًا: "ناظر كثيرًا ولا تلاحظ" [20]، فقد جاء السيد المسيح في وسطهم وصنع عجائب ورأوا ما لم تره شعوب أخرى، ومع هذا لم يلاحظوا أنه مخلص العالم بل صلبوه عن حسد! رأوه في الجسد ولم يدركوا حقيقته. "مفتوح الأذنين ولا يسمع" [20]، سمعوا النبوات كما سمعوا صوت السيد المسيح، ومع هذا لم يستجيبوا لا لصوت الأنبياء المشير نحو المسيح ولا لصوت الرب نفسه عند مجيئه. العيب فيهم لا في الشريعة الموسوية فإن الله يعظم الشريعة ويكّرّمها [21]، لكن الشعب نهب منه عدو الخير أعماق الشريعة وسلبه المفهوم النبوي الروحي فسقط في حفرة الجحود وانحبس في إنكار الإيمان، نهبهم عدو الخير من التمتع بمن أشارت إليه الشريعة وسلبهم ما وهبت كتب العهد القديم، وليس من يرد لهم ما فقدوه [21-22]، لأنهم سقطوا تحت الغضب الإلهي. يرى اليهود أن ما ورد في هذا الجزء [18-25] لا ينطبق عليهم وإنما على الوثنيين أو على بعض الأفراد. قدم الأصحاح السابق صورة قاتمة لما بلغ إليه الشعب في فترة السبي البابلي فصاروا كعمي وصمّ، لهم أعين وآذان لكنهم لم يلاحظوا عمل الله ولم يسمعوا صوته. هذه صورة خفيفة لعمل الخطية في حياة البشرية لذا صارت الحاجة إلى تدخل إلهي؛ هو وحده يقدر أن يفدي ويخلص، يُحطم كل عقبة تقف في حياة أولاده دون انتظار لمكافأة أو لمقابل من جانبهم. 1. لا تخف فإني معك: 1 وَالآنَ هكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ، خَالِقُكَ يَا يَعْقُوبُ وَجَابِلُكَ يَا إِسْرَائِيلُ: «لاَ تَخَفْ لأَنِّي فَدَيْتُكَ. دَعَوْتُكَ بِاسْمِكَ. أَنْتَ لِي. 2 إِذَا اجْتَزْتَ فِي الْمِيَاهِ فَأَنَا مَعَكَ، وَفِي الأَنْهَارِ فَلاَ تَغْمُرُكَ. إِذَا مَشَيْتَ فِي النَّارِ فَلاَ تُلْذَعُ، وَاللَّهِيبُ لاَ يُحْرِقُكَ. 3 لأَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُكَ قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ، مُخَلِّصُكَ. جَعَلْتُ مِصْرَ فِدْيَتَكَ، كُوشَ وَسَبَا عِوَضَكَ. 4 إِذْ صِرْتَ عَزِيزًا فِي عَيْنَيَّ مُكَرَّمًا، وَأَنَا قَدْ أَحْبَبْتُكَ. أُعْطِي أُنَاسًا عِوَضَكَ وَشُعُوبًا عِوَضَ نَفْسِكَ. 5 لاَ تَخَفْ فَإِنِّي مَعَكَ. مِنَ الْمَشْرِقِ آتِي بِنَسْلِكَ، وَمِنَ الْمَغْرِبِ أَجْمَعُكَ. 6 أَقُولُ لِلشَّمَالِ: أَعْطِ، وَلِلْجَنُوبِ: لاَ تَمْنَعْ. اِيتِ بِبَنِيَّ مِنْ بَعِيدٍ، وَبِبَنَاتِي مِنْ أَقْصَى الأَرْضِ. 7 بِكُلِّ مَنْ دُعِيَ بِاسْمِي وَلِمَجْدِي خَلَقْتُهُ وَجَبَلْتُهُ وَصَنَعْتُهُ. يبدأ حديثه هكذا: "والآن هكذا" [1]؛ كأن الله يريد أن يغير الصورة السابقة، صورة سبي الخطية المرّ، الذي أفقدنا البصيرة الداخلية وآذان النفس، وذلك بتقديمه غنى مواعيده الخلاصية وفيض نعمته الفائقة. الله يُريدنا أن نحوّل أنظارنا عن حالنا البائس أو عن التفكير فيما فعلته فينا الخطية متطلعين إلى الفادي والمخلص، حتى لا يُحطمنا اليأس بل نمتلئ رجاء. الآن ما هو دور الفادي المحرر من سبي الخطية؟ أ. الله الخالق وحده يقدر أن يُجدد الخليقة: "والآن هكذا يقول الرب خالقك يا يعقوب وجابلك يا إسرائيل، لا تخف لأني فديتك" [1]. حين أنكر آريوس لاهوت السيد المسيح ركز القديس أثناسيوس الرسولي في رده عليه بأن لاهوت السيد ليس عقيدة نظرية فلسفية إنما أمر يمس خلاصنا ذاته. لقد فسدت طبيعتنا البشرية تمامًا واحتاجت إلى الخالق ليخلص طبيعتنا الساقطة ويردها إلى أصلها، واهبًا إياها صورته، ومصلحًا إياها من الفساد إلى عدم الفساد؛ فيه تغلب البشرية الموت وتُعاد خلقتها. كانت الحاجة ماسة إلى ابن الله الواحد مع الآب والمساوي له في الجوهر أن يُقدم نفسه ذبيحة قادرة على الإيفاء بدين خطايانا وتحقيق العدالة والرحمة الإلهية في ذات الوقت. أنه الله الغالب للشيطان لا لأجل نفسه وإنما باسم البشرية ولحسابها. أخيرًا بكونه الله الحق أعاد لنا كرامتنا، واهبًا إيانا النبوة للآب فيه بالروح القدس. يقول البابا أثناسيوس: [صار إنسانًا لنصير نحن آلهة]، [وإن كان يوجد ابن واحد بالطبيعة، ابن حقيقي وحيد الجنس، صرنا نحن أبناء ليس بالطبيعة والحق بل بنعمته التي تدعونا، وأن كنا بشرًا على الأرض لكننا دُعينا آلهة]. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [بسبب الحب أخذ جسدنا وتراءف علينا، ليس هناك سبب آخر لتجسده]، الله لم يُجازنا عن تعدياتنا الكثيرة التي اقترفناها ضده رغم إحساناته علينا، بل أعطانا ابنه. جعله من أجلنا خطية... تركه يُدان ويموت كملعون. الذي لم يعرف خطية جعله كخاطئ وخطية... إنه يشبه ملكًا يرى لصًا على وشك الإعدام، فيرسل ابنه الحبيب الوحيد، ينقل عليه الموت ذاته بل وخطا المجرم! هذا كله من أجل خلاص المذنب، ليرفعه إلى كرامة عظيمة]، [دفع السيد المسيح أكثر مما نستحق بمقدار ما يتعدى المحيط قطرة ماء]. بهذا نفهم الكلمات النبوية: "هكذا يقول الرب خالقك... لا تخف لأني فديتك" [1]. ب. اهتمام شخصي من جانب المخلص نحو الإنسان؛ الله لم يخلق الإنسان ككائن وسط بلايين الكائنات التي أوجدها، إنما أعطاه اهتمامًا خاصًا كخليقة محبوبة لديه، يعرف الإنسان باسمه فيدعوه ويفديه ليكون له، أي لينعم الإنسان بالاتحاد معه. ما أجمل صوت الفادي حين يُناجي كل إنسان، قائلًا: "لا تخف لأني فديتك. دعوتك باسمك أنت ليّ" [1]. سّر الفداء يكمن في حب الله الفائق، يُريدني له، وهو ليّ... يعرفني باسمي ويدعوني للدخول معه في علاقة حب فريدة. لا يطلب مني شيئًا بل يطلب كياني وقلبي وحبي، وأنا لا أطلب عطاياه بل شخصه وروحه القدوس وحبه! كأن الله هنا يتقدم كخالق ومخلص وعريس شخصي ليّ. * إلهي... إنني إذ أتأمل في ضميري، أراك ناظرًا نحوي دائمًا، ومتنبها إليّ نهارًا وليلًا بجهد عظيم، حتى كأنه لا يوجد في السماء ولا على الأرض خليقة سواي. * عيناك منجذبتان نحو خطوات البشر... إذ أنت مهتم بكل خليقتك، لا تحرم أحدًا من جبلة يديك عن فيض حبك! أنت بنفسك تهتم بخطواتي وطرقي ليلًا ونهارًا، تسهر على رعايتي، تلاحظ كل سبلي، لا تكف عن الاهتمام بيّ، حتى ليمكنني أن أقول: أنك تنسى السماء والأرض وما فيهما، مركزًا اهتمامك بيّ، فتبدو كمن لا يهتم بخليقة سواي! * تسهر عليّ، وكأنك قد نسيت الخليقة كلها! تهبني عطاياك، وكأني وحدي موضوع حبك! * أنه لا يوجد قط شيء لا تعرفه... أفكاري ومقاصدي وأفراحي وأعمالي... ليس شيء من هذا غير مطروح أمام اهتمامك الأبدي! القديس أغسطينوس صورة رائعة لعمل المخلص، يهبنا ذاته فلا يقدر الموت بكل وسائله وطرقه أن يبتلعنا... نحمل مسيحنا "القيامة" (يو 11: 25) فينا فنمارس الحياة المقامة الغالبة للموت. إن كنا نواجه مياه محبة العالم التي تغرق النفس وتقتلها، ولهيب نار الشهوة الذي يُحطمها فقد وهبنا المخلص روحه القدوس خلال مياه المعمودية حيث فيها نجحد الشيطان وكل جنوده وكل أعماله ونخدش رأسه تحت أقدامنا، وهبنا روحه القدوس الناري كما في يوم العنصرة الذي يحرق الخطية ويبدد لهيبها القاتل. لعل إشعياء النبي يُذكّر شعبه هنا بعمل الله مع آبائهم عند خروجهم من مصر. لقد وهبهم بالصليب الغلبة على مياه بحر سوف (بواسطة العصا)، وأيضًا الغلبة على الحيّات المحرقة (بالحية النحاسية). الله الذي عمل قديمًا يعمل في الخروج الثاني من السبي البابلي، وهذان الخروجان هما رمز للخروج الأعظم الذي يحققه المخلص بصليبه في حياة مؤمنيه. * هل تقدرون أن تُقاوموا الشيطان يا أيها غير الأمناء ما لم يكن لكم درع الإيمان؟ إذ به تستطيعون أن تطفئوا سهامه...! ألعلك تبرر ذاتك إذ تملكت الخطية على جسدك؟ ومن أين لك أن تمجد والله بجسدك وهو الذي فداك بدمه الزكي؟! القديسأنبا شنودة رئيس المتوحدين مصر بفرعونها التي كانت تمثل إحدى القوتين العظيمتين في ذلك الحين (مصر وأشور؛ ثم مصر وبابل...) لا تسند شعب الله ولا تحميه إنما تحتل مركز الضعف... أما كوش وسبا فعرفتا بغناهما. كأن الله هو الذي يفدي ويخلص بكونه القدوس، وليس فرعون بسطوته ولا كوش وسبا بإمكانياتهما ومواردهما الغنية. لقد اشترانا الرب لا بذهب أو فضة إنما بدمه الثمين ليقيمنا ملوكًا وكهنة: "لأنك ذبحت واشتريتنا لله بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وأمه، وجعلتنا لإلهنا ملوكًا وكهنة" (رؤ 5: 9-10). "لأنكم قد اشتريتم بثمن، فمجدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التي هي لله" (1 كو 6: 20). "لقد اشتريتم بثمن فلا تصيروا عبيدًا للناس" (1 كو 7: 23). "عالمين أنكم افتديتم لا بأشياء تفنى بفضة أو ذهب من سيرتكم الباطلة التي تقلدتموها من الآباء، بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح" (1 بط 1: 18-19). * لقد اشتريتم بثمن، أي بالدم. قد نُزعتم عن إمبراطورية الجسد لتمجدوا الرب في أجسادكم. العلامة ترتليان القديس أمبروسيوس يُلاحظ في هذا الأصحاح أن الله يتحدث عن نفسه "أنا" لا يقل عن 36 مرة حتى دعي أصحاح "الذات الإلهية" أو "الأنا الإلهية" وقد تكرر نفس الأمر في الأصحاح الخامس والأربعين 31 مرة... ماذا يعني هذا؟ إن كان عمل الخطية هي تحوصل الإنسان في "الأنا"، فيجد في نفسه مركزًا للعالم وللآخرين، يود أن يتمتع بالملذات الجسدية أو الكرامة لحسابه الخاص في كبرياء وأنانية، فإن مسيحنا على العكس يُقدم ذاته التي هي "الحب" لكي نقتنيه. عندما يُنادينا ألا نخف، وعندما يدعونا بالاسم، ويؤكد رعايته لنا أينما وجدنا ومهما حلت بنا من تجارب وعندما يقدم لنا مواعيده بأن يجمعنا من أقاصي المسكونة لكي يضّمنا إليه... إنما في هذا كله لا يطلب ما لنفسه بل ما هو لنا. يهبنا معيته لكي نقتنيه. لهذا بين الحين والآخر يقول "إني معك"، وأنه لنا، نصيبنا الأبدي. مجد اسم الله وكرامته يُعلنان في حبه العملي الباذل، في عطاء نفسه لخليقته. 2. أنتم شهودي: 8 أَخْرِجِ الشَّعْبَ الأَعْمَى وَلَهُ عُيُونٌ، وَالأَصَمَّ وَلَهُ آذَانٌ. 9 «اِجْتَمِعُوا يَا كُلَّ الأُمَمِ مَعًا وَلْتَلْتَئِمِ الْقَبَائِلُ. مَنْ مِنْهُمْ يُخْبِرُ بِهذَا وَيُعْلِمُنَا بِالأَوَّلِيَّاتِ؟ لِيُقَدِّمُوا شُهُودَهُمْ وَيَتَبَرَّرُوا. أَوْ لِيَسْمَعُوا فَيَقُولُوا: صِدْقٌ. 10 أَنْتُمْ شُهُودِي، يَقُولُ الرَّبُّ، وَعَبْدِي الَّذِي اخْتَرْتُهُ، لِكَيْ تَعْرِفُوا وَتُؤْمِنُوا بِي وَتَفْهَمُوا أَنِّي أَنَا هُوَ. قَبْلِي لَمْ يُصَوَّرْ إِلهٌ وَبَعْدِي لاَ يَكُونُ. 11 أَنَا أَنَا الرَّبُّ، وَلَيْسَ غَيْرِي مُخَلِّصٌ. 12 أَنَا أَخْبَرْتُ وَخَلَّصْتُ وَأَعْلَمْتُ وَلَيْسَ بَيْنَكُمْ غَرِيبٌ. وَأَنْتُمْ شُهُودِي، يَقُولُ الرَّبُّ، وَأَنَا اللهُ. 13 أَيْضًا مِنَ الْيَوْمِ أَنَا هُوَ، وَلاَ مُنْقِذَ مِنْ يَدِي. أَفْعَلُ، وَمَنْ يَرُدُّ؟». ماذا يقدم الله لنا؟ يقدم ذاته نورًا لنا فيفتح حواسنا لنبصر أمجاده فينا وملكوته السماوي معلنًا داخلنا، ويفتح آذاننا لنسمع صوته الإلهي وندرك غاية وصيته، فتصير لنا آذان الأبناء الذين يعرفون صوت أبيهم بل حتى حركة رجليه... هذا ما عناه بقوله: "اخرج الشعب الأعمى وله عيون والأصم وله آذان" [8]. هذا هو دور الله مخلصنا في حياتنا الداخلية حيث يُجدد طبيعتنا في مياه المعمودية بروحه القدوس ليهبنا الإنسان الجديد القادر على التمتع بالشركة الإلهية. خلال هذه الخبرة نشهد للغير، فتدعو الكنيسة لاجتماع عام للأمم [9-13] للتعرف على المخلص وتأكيد تحقيق ما سبق فوعد به خلال أنبيائه عبر الأجيال قبل مجيئه. "اجتمعوا يا كل الأمم ولتلتئم القبائل. من منهم يخبر بهذا ويعلمنا بالأوليات، ليقدموا شهودهم ويتبرروا، أو ليسمعوا فيقولوا صدق. أنتم شهودي يقول الرب وعبدي الذي اخترته لكي تعرفوا وتؤمنوا بيّ وتفهموا إنيّ أنا هو. قبلي لم يصور إله وبعدي لا يكون. أنا أنا الرب وليس غير مخلص..." [9-11]. يطالب الله من تمتع بالبصيرة الجديدة والآذان الروحية الجديدة أن يدعو الأمم والقبائل للدخول معهم في حوار عملي خلال ما يعيشونه. في هذا الحوار يعلنون الآتي: أ. ليسألوا الأمم إن كانت عندهم نبوّات سابقة واضحة وأكيدة فيما يخص المستقبل (إش 41: 22)؛ أما نحن فقد تقبلنا نبوات لا عن انتصار كوش على بابل لإنقاذ شعب الله القديم، وإنما عن المسيا، العبد المختار. تسلمنا نبوات عن شخصه وأعماله ورسالته؛ عرفناه أنه يولد من عذراء، كما عرفنا موعد ميلاده ومكانه، وعن أعماله مع شعبه وعن تقديم ذاته ذبيحة حب فريدة إلخ... فما نطق به الأنبياء إنما هو بالرب الفريد السرمدي الذي لم يصور قبله إله وبعده لا يكون... وكما يقول: "أنا هو الأول والآخر" (إش 44: 6). يرى القديس يوحنا الذهبي الفمأن الشيطان يستطيع أن يُقلد المعجزات [أما النبوة فهي من عمل الله الخاص التي لا تستطيع الشياطين أن تُقلدها وإن كانت تُصارع بقوة من أجلها]. الله في محبته للبشرية وهب الأنبياء هذه النبوات، وتكلم على لسان رجاله القديسين وأوحى بالكلمة الإلهية، ولا يزال يعمل فينا إذ يهبنا معرفة هذه الأسرار الإلهية. وكما يقول إيريناؤس: [يستحيل علينا أن نأتي -بدون الله- إلى معرفة الله الذي يعلم البشر خلال كلمته]. ب. بجانب النبوة التي تركزت في مجيء المخلص... يؤكد الكتاب المقدس أن الله وحده هو المخلص: "أنا أنا الرب وليس غيري مخلص" [11]. الله الخالق في غيرته على محبوبه الإنسان، لا يأتمن خلاصه على أحد بل يرعى شعبه بنفسه ويبذل حياته عنه "الراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف" (يو 10: 11). هو خلق وهو الذي يُجدد الخلقة ويخلصها! في تكراره "أنا أنا الرب" تأكيد أن الذي يُقدم الخلاص هو الرب نفسه، الأول والآخر، يعلن عن حبه الإلهي خلال علمه الخلاصي! * بكونه "الحياة" مات لكي يحينا؛ بكونه "كلمة" صار جسدًا لكي يعلم الجسد في الكلمة. * إنه كلمة الله وقوته وحكمته كما يشهد سليمان بخصوص الحكمة أنها "الواحد، تقدر أن تصنع كل الأشياء وتبقى في ذاتها، تجدد كل الأشياء، وتعبر على النفوس القديسة، وتكوّن أصدقاء الله والأنبياء" (حك 7: 27). القديس أثناسيوس الرسولي 3. سقوط بابل: 14 هكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ فَادِيكُمْ قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ: «لأَجْلِكُمْ أَرْسَلْتُ إِلَى بَابِلَ وَأَلْقَيْتُ الْمَغَالِيقَ كُلَّهَا وَالْكَلْدَانِيِّينَ فِي سُفُنِ تَرَنُّمِهِمْ. 15 أَنَا الرَّبُّ قُدُّوسُكُمْ، خَالِقُ إِسْرَائِيلَ، مَلِكُكُمْ. الله الذي سمح بتأديب شعبه بالسبي البابلي الآن من أجل محبته لشعبه يسمح بسقوط بابل. يتحدث بصيغة الماضي ليؤكد لسامعيه أن ما سيحدث هو حقيقة واقعة لا بُد أن تتم. جاء النص مختلفًا من ترجمة إلى أخرى مع بقاء المعنى ثابتًا: "هكذا يقول الرب فاديكم قدوس إسرائيل: لأجلكم أرسلت إلى بابل وألقيت المغاليق عليها (أحدرت نبلاءها) والكلدانيون في سفن ترنمهم (صراخهم في سفنهم)" [14]. هنا يظهر الله كقائد للجيوش المعادية يُرسل مادي وفارس إلى بابل، وهناك يلقي بالرعب في قلوب سكانها فيهربون سريعًا. تُرجمت الكلمة العبريةbarichim "نبلاء nobles"، وفي العربية "مغاليق"، وقد استخدمت الإنجليزية "نبلاء nobles" لأنهم يحمون المدينة كمغاليق لها. هرب كثير من الأغنياء إلى سفنهم التي كانت راسية في الفرات والتيجر. لم يكن لبابل سفن بحرية إنما خرج الأغنياء إلى سفنهم التي للنزهة، لذلك قيل "سفن ترنمهم" لأنهم اعتادوا أن يستخدموها أثناء رحلاتهم المملوءة طربًا. وإذ لم يجدوا فيها إمكانية للخلاص تحولت أغانيهم إلى صراخ ومرارة. في [15] دُعِي الله بثلاث ألقاب: يهوه، مخلصكم، قدوس إسرائيل، خلالها يكشف عن دور الله كقائد لشعبه أو لكنيسته فهو الله غير المتغير في حبه وقدرته يقدر أن يهب الغلبة على عدو الخير، وهو المخلص الذي بحبه يُقدم ذبيحة الخلاص الفريدة، وهو القدوس الذي يُجدد خلقة مؤمنيه ويقدسهم ليملكوا معه أبديًا. لعله قصد بهذه الألقاب الثلاثة أن الخلاص والتقديس من صميم عمل الله كمحب لخليقته الضعيفة والمشتاق إلى تجديدها فيه. 4. خروج جديد: 16 هكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ الْجَاعِلُ فِي الْبَحْرِ طَرِيقًا وَفِي الْمِيَاهِ الْقَوِيَّةِ مَسْلَكًا. 17 الْمُخْرِجُ الْمَرْكَبَةَ وَالْفَرَسَ، الْجَيْشَ وَالْعِزَّ. يَضْطَجِعُونَ مَعًا لاَ يَقُومُونَ. قَدْ خَمِدُوا. كَفَتِيلَةٍ انْطَفَأُوا. 18 «لاَ تَذْكُرُوا الأَوَّلِيَّاتِ، وَالْقَدِيمَاتُ لاَ تَتَأَمَّلُوا بِهَا. 19 هأَنَذَا صَانِعٌ أَمْرًا جَدِيدًا. الآنَ يَنْبُتُ. أَلاَ تَعْرِفُونَهُ؟ أَجْعَلُ فِي الْبَرِّيَّةِ طَرِيقًا، فِي الْقَفْرِ أَنْهَارًا. 20 يُمَجِّدُنِي حَيَوَانُ الصَّحْرَاءِ، الذِّئَابُ وَبَنَاتُ النَّعَامِ، لأَنِّي جَعَلْتُ فِي الْبَرِّيَّةِ مَاءً، أَنْهَارًا فِي الْقَفْرِ، لأَسْقِيَ شَعْبِي مُخْتَارِي. 21 هذَا الشَّعْبُ جَبَلْتُهُ لِنَفْسِي. يُحَدِّثُ بِتَسْبِيحِي. الله الذي يخلص شعبه سبق أن وهبهم خلاصًا على يديْ موسى ليحررهم من عبودية فرعون؛ وها هو يخرجهم من السبي البابلي كما في خروج جديد، ويبقى على الدوام يخرج بهم من أسر الخطية إلى حرية مجد أولاد الله، ينطلق بهم كما من أعمال الإنسان العتيق إلى التمتع المستمر بأعمال الإنسان الداخلي الجديد. "هكذا يقول الرب الجاعل في البحر طريقًا وفي المياه القوية مسلكًا، المخرج المركبة والفرس الجيش والعز. يضطجعون معًا لا يقومون. قد خمدوا كفتيلة انطفأوا" [16-17]. لقد خلصهم من سلطان فرعون بعبورهم بحر سوف، قاطعًا كل إمكانية لقيام فرعون ضدهم من جديد. فقد شبه هلاك فرعون المفاجئ والسريع بفتيلة انطفأت لا تعود تلتهب من جديد؛ بذات القوة يخلصهم الله من يد بابل أيضًا. هذا الخلاص الذي تحقق ضد فرعون وأيضًا ضد بابل يجب أن يتم ضد أعمال الإنسان العتيق (كو 3: 9)، لذا يكمل النبي حديثه، قائلًا: "لا تذكروا الأوليات، والقديمات لا تتأملوا فيها؛ هأنذا صانع أمرًا جديدًا، الآن ينبت، ألا تعرفونه؟! اجعل في البرية طريقًا، في القفر أنهارًا" [18-19]. يريدنا ليس فقط أن نخلع الإنسان القديم بأعماله وإنما أن ننساه تمامًا ولا نعود نذكره أو نتأمل فيه حتى لا نيأس ونتحطم، إنما بالحري ننشغل بالحياة الجديدة التي تنبت فينا. إنه يجعل في البرية طريقًا وفي القفر أنهارًا. ما هذا الطريق إلاَّ السيد المسيح نفسه القائل: "أنا هو الطريق" (يو 14: 6)، قام في وسطنا نحن البرية الجدباء، يحلّ في قلوبنا لكي يدخل بنا إلى ملكوته؟! وما هذه الأنهار إلاَّ ينابيع الروح القدس المتفجرة داخلنا نحن القفر الذي بلا ساكن، فيتحول قلبنا الخرب إلى مسكن الله القدوس؟! وكأن سر تجديدنا هو سُكنى السيد المسيح فينا وحلول روحه القدوس في أعماقنا الداخلية. يؤكد الله انفتاح باب الإيمان أمام الأمم لاقتناء شعب جديد، يعرف الفرح الداخلي والتسبيح، قائلًا: "يُمجدني حيوان الصحراء الذئاب وبنات النعام لأنيّ جعلت في البرية ماءً أنهارًا في القفر لأسقي شعبي مختاريَّ، هذا الشعب جبلته لنفسي، يحدث بتسبيحي" [20-21]. يُشّبِه الأمم بالحيوانات المفترسة التي تعيش في البرية، ذلك بسبب ما اتسموا به من عنف شديد، ولأنهم عاشوا كما في البرية ليس بينهم مواعيد ولا عهود ولا شريعة إلهية إلخ... في حالة قفر شديد. شُبهوا أيضًا ببنات النعام رمز الغباوة وعدم الفهم بسبب عبادتهم للأصنام وممارستهم الرجاسات كعمل ديني تقوي. هؤلاء الذين عُرفوا بالقسوة والغباوة، الذين عاشوا في برية قاحلة، صاروا يتمتعون بماء أنهار الروح القدس ليشربوا ويرتووا، ويقبلوا العضوية في شعب الله المختار. بهذا تتغير طبيعتهم خلال عمل الثالوث القدوس فيهم وينفتح قلبهم للفرح ولسانهم للتسبيح. ما أجمل العبارة الإلهية: "هذا الشعب جَبَلْته لنفس!" [21] صرنا له، نصيب الرب، كما هو لنا نصيبنا! 5. الخلاص عطية مجانية: 22 «وَأَنْتَ لَمْ تَدْعُنِي يَا يَعْقُوبُ، حَتَّى تَتْعَبَ مِنْ أَجْلِي يَا إِسْرَائِيلُ. 23 لَمْ تُحْضِرْ لِي شَاةَ مُحْرَقَتِكَ، وَبِذَبَائِحِكَ لَمْ تُكْرِمْنِي. لَمْ أَسْتَخْدِمْكَ بِتَقْدِمَةٍ وَلاَ أَتْعَبْتُكَ بِلُبَانٍ. 24 لَمْ تَشْتَرِ لِي بِفِضَّةٍ قَصَبًا، وَبِشَحْمِ ذَبَائِحِكَ لَمْ تُرْوِنِي. لكِنِ اسْتَخْدَمْتَنِي بِخَطَايَاكَ وَأَتْعَبْتَنِي بِآثَامِكَ. 25 أَنَا أَنَا هُوَ الْمَاحِي ذُنُوبَكَ لأَجْلِ نَفْسِي، وَخَطَايَاكَ لاَ أَذْكُرُهَا». 26 «ذَكِّرْنِي فَنَتَحَاكَمَ مَعًا. حَدِّثْ لِكَيْ تَتَبَرَّرَ. 27 أَبُوكَ الأَوَّلُ أَخْطَأَ، وَوُسَطَاؤُكَ عَصَوْا عَلَيَّ. 28 فَدَنَّسْتُ رُؤَسَاءَ الْقُدْسِ، وَدَفَعْتُ يَعْقُوبَ إِلَى اللَّعْنِ، وَإِسْرَائِيلَ إِلَى الشَّتَائِمِ.الله يقدم أعماله الخلاصية مجانًا للبشرية، لكن هناك بعض العوائق التي عطلت مقاصد الله مع الشعب القديم الذي رفض الإيمان بالمخلص، هذه العوائق هي: أ. عدم الصلاة: "وأنت لم تدعُني يا يعقوب حتى تتعب من أجلي يا إسرائيل" [22]. فإن الصلاة هي سر تمتعنا بعمل الله وكما يقول الأب مرتيروس: [تفعل الصلاة ما تحب كما يستطيع الله! إنها تُصدر الأوامر على الأرض ليكن لها فاعليتها في السماء]. ب. تجاهل الله حتى في الأمور الصغيرة: "لم تحضر ليّ شاة محرقتك وبذبائحك لم تكرمني. لم استخدمك بتقدمة ولا أتعبتك بلُبان. لم تشترِ لي بفضة قصبًا وبشحم ذبائحك لم تروني" [23-24]. حينما أخرج الله شعبه من مصر لم يكن في عوز إلى تقدماتهم وذبائحهم الحيوانية، إنما كان يطلب قلوبهم، يشتاق أن يقربهم إليه بكونهم شعبه الخاص، أما الذبائح فكانت رموزًا لذبيحة المسيح، وعلامة حب له... كان ينتظر أن يُقدموا قلوبهم مع محرقاتهم وذبائحهم وبخورهم إلخ... * عندما يُشير إلى أنه لم يقدهم من مصر لكي يُقدموا له ذبيحة إنما لكي ينسوا عبادة الأوثان التي للمصريين حتى يسمعوا صوت الرب الذي كان بالنسبة لهم خلاصًا ومجدًا (إر 7: 21). القديس إيريناؤس كثيرًا ما نُسيء استخدام عطايا الله مثل العواطف والدوافع والمواهب، نستخدمها لا لحساب ملكوت الله وبنيان الجماعة وإنما لممارسة الشر. مع ما بلغناه من الشر يبقى الله منتظرًا توبتنا واعترافنا بخطايانا لكي يغفرها لنا من أجل اسمه القدوس ومحبته الفائقة، مؤكدًا لنا: "أنا هو الماحي ذنوبك لأجل نفسي وخطاياك لا أذكرها؛ ذكّرِني فنتحاكم معًا، حّدِث لكي تتبرر" [25-26]. * أول طريق التوبة هو إدانتنا الخطايا. * يطلب منا هذا (الاعتراف بخطايانا) لكي نُكّثِف حبنا نحوه. * من يمارس التوبة بعدما يخطئ يستحق لا الحزن عليه بل تهنئته إذ يَعْبر إلى خورس الأبرار. * لا تترك شيئًا يربكك بل ارتفع إلى أعلى السموات عينها. تنهد بمرارة وقدم ذبيحة اعتراف، فقد قيل "أعلن أولًا معاصيك فتتبرر" [26] (الترجمة السبعينية)، قدم ذبيحة القلب المنسحق. فإن هذه الذبائح لا تتحول إلى رماد ولا تصير دخانًا ولا تتبدد في الهواء. إنها لا تحتاج إلى خشب ونار وإنما إلى قلب نادم من الداخل. هذا هو الخشب والنار التي تحرق دون أن تهلك، فإن من يُصلي بحرارة يحترق ولا يُستهلك، إنما يصير كالذهب الممتحن بالنار ليزداد بهاءًا. القديس يوحنا الذهبي الفم * كيف ننسى الشر القادم علينا؟ بتذكار الصالحات، وبتذكر الله. فإننا إن كنا نذكر الله على الدوام لا نقدر أن نذكر هذه الأمور أيضًا. القديس يوحنا الذهبي الفم أما ثمرة الخطايا والعصيان فهي "اللعنة" وفقدان الكرامة، إذ قيل: "دفعتُ يعقوب إلى اللعن وإسرائيل إلى الشتائم" [28]. |
||||
12 - 08 - 2024, 05:00 PM | رقم المشاركة : ( 170049 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
القدوس المعزي بالخلاص القدوس المخلص في القسم الأول أوضح النبي ما وصلت إليه البشرية من فساد بسبب الخطية أو حرمانها من الشركة مع الله القدوس؛ وفي القسم الثاني أعلن عن الحاجة إلى هذه الشركة لنوال النصرة في الداخل كما على الأعداء الروحيين بل وعلى موت نفسه. والآن يعلن ما هو أعظم: تدخل القدوس كمخلص يهب الإنسان شركة الأمجاد السماوية. في هذا القسم نجد الخطوط العريضة التالية: 1. المسيح المخلص الحامل الآلام، أو العبد المتألم الذي يهب العبيد حرية مجد أولاد الله. 2. العصر المسياني كعصر سلام داخلي ومجد خفي ينعم به المؤمنون خلال الشركة مع المخلص. 3. إبراز عطية المسيح العظمى: الروح القدوس، الذي يحوّل برية قلوبنا إلى فردوس، وظلمتنا الداخلية إلى نور الحق. عزوا عزوا شعبي أفتُتِح السفر بالكشف عن مرارة ما وصل إليه شعب الله من فساد، بل ما وصلت إليه البشرية كلها؛ الآن في هذا الأصحاح يرفعنا روح الله القدوس لنكتشف خطة الله الخلاصية وتدبيره نحو شعبه لينعموا بعمله الإلهي وتعزياته الفائقة. غاية هذا الأصحاح وما بعده نزع روح اليأس من المسبيين وبث روح الرجاء فيهم. عزوا عزوا شعبي: 1 عَزُّوا، عَزُّوا شَعْبِي، يَقُولُ إِلهُكُمْ. 2 طَيِّبُوا قَلْبَ أُورُشَلِيمَ وَنَادُوهَا بِأَنَّ جِهَادَهَا قَدْ كَمُلَ، أَنَّ إِثْمَهَا قَدْ عُفِيَ عَنْهُ، أَنَّهَا قَدْ قَبِلَتْ مِنْ يَدِ الرَّبِّ ضِعْفَيْنِ عَنْ كُلِّ خَطَايَاهَا. اعتاد الله أن ينسب الشعب إليه عند رضاه عنه فيدفعوه "شعبي"، أما في حالة عصيانه فتارة ينسبه إلى موسى (خر 32: 7) أو يدعو "الشعب" (خر 32: 9)، وفي أكثر صراحة يقول: "ليس شعبي" (هو 1: 9)، وذلك لكي يثيرهم فيرجعوا إليه ويعود فينسبهم إليه (هو 2: 23). أما هنا إذ يفتح أمامهم بل أمام البشرية المؤمنة باب الخلاص فيدعوهم "شعبي". اعتاد النبي تكرار بعض الكلمات مرتين كما جاء هنا "عزوا عزوا" (إش 51: 9، 17؛ 5: 1)، لأنه يتحدث عن كنيسة العهد الجديد القادمة من فريقين: اليهود والأمم؛ لأنها كنيسة الحب الذي يوحّد ويربط، فإن رقم 2 يُشير إلى الحب. المحبة تجعل الاثنين واحدًا. إنها كنيسة الحب الذي يربط الله بها كعريس بعروسه، والذي يربط الأعضاء القادمين من كل الأمم كجسد واحد للرأس الواحد. خلال هذا الحب يُخاطبها قائلًا: "طيبوا قلب أورشليم" [2]، والترجمة الحرفية "تحدثوا إلى قلب أورشليم"، تعبير تكرر 8 مرات في العهد القديم (تك 34: 3؛ 50: 21؛ قض 19: 3؛ را 2: 13؛ 2 صم 19: 7؛ 2 أي 20: 22؛ هو 2: 14) يوجه إلى محبوب أو محبوبة؛ فالكنيسة هنا عروس المسيح المحبوبة إليه، يحدثها بلغة الحب التي لا يفهمها إلاَّ القلب. اللغة التي تحدث بها في أكثر صراحة وعمق خلال الصليب ليقتني البشرية عروسًا له (رؤ 19: 7؛ 21: 2، 9). إنها دعوة يُقدمها العريس لعروسه المتألمة لكي تتطلع وسط آلامها إلى النهاية المفرحة، فتحمل الألم في رجاء وبسرور كعريسها الذي تألم من أجل السرور الموضوع أمامه (عب 12: 2)، إذ رأى خلاصنا وتمجيدنا في حمله الصليب. وكما يقول الرسول: "كما تكثر آلام المسيح فينا كذلك بالمسيح تكثر تعزيتنا أيضًا" (2 كو 5: 1). ما هو سّر تعزيتنا؟ يقول الله: "أنا أنا هو معزيكم" (إش 51: 14). هذا هو سّر تعزيتنا: الآب يتقدم إلينا ليضمنا إليه كأولاد له، خلال اتحادنا بالمسيح الابن الوحيد الجنس، الذي يُقدم حياته كفارة عن خطايانا كسرّ تعزيتنا: "بالمسيح تكثر تعزيتنا" (2 كو 1: 5). مسيحنا الذي ضمنا إليه بدمه يُقدم لنا روحه القدوس "المعزي" الذي يملأ قلوبنا به مقيمًا ملكوت الفرح في قلوبنا. لهذا يقدم حديثًا موجهًا إلى القلب، قائلًا: "طَيبوا قلب أورشليم ونادوها بأن جهادها قد كمل، أن إثمها قد عُفي عنه، أنها قد قَبلَت من يد الرب ضعفين عن كل خطاياها" [2]. من الجانب الحرفي يتطلع النبي إلى السبي الذي يحل بالشعب لا ككارثة سياسية حدثت مصادفة أو ثمرة ضعف عسكري، وإنما هو سماح إلهي لأجل التأديب. لقد قبلت التأديب ضعفين، ذلك لأنها من جانب ارتكبت خطايا غير لائقة بها، ومن جانب آخر لم تُمارس برّ الله أو تصنع الخير. الوصية الإلهية تُطالبنا بالكف عن الشر وصنع الخير. أما من الجانب النبوي فإنها إذ تتطلع إلى عريسها المصلوب تجده قد دفع الدين عنها في أكمل صورة لا ليعفيها من الدين فحسب وإنما لكي يبررها بدمه ويقدسها فتنعم بشركة أمجاده. وكأنه قد تحققت توسلات البشرية التي عبر عنها داود النبي، قائلًا: "انظر إلى ذلي وتعبي وأغفر جميع خطاياي" (مز 25: 18). الآن يتطلع النبي إلى موكب الشعب الراجع إلى أورشليم كرمز لموكب المفديين بدم رب المجد يسوع، وقد جاء القديس يوحنا المعمدان يُهيئ الطريق لهذا الموكب المسياني السماوي. |
||||
12 - 08 - 2024, 05:02 PM | رقم المشاركة : ( 170050 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
تهيئة الطريق للرب: 3 صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: «أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ. قَوِّمُوا فِي الْقَفْرِ سَبِيلًا لإِلَهِنَا. 4 كُلُّ وَطَاءٍ يَرْتَفِعُ، وَكُلُّ جَبَل وَأَكَمَةٍ يَنْخَفِضُ، وَيَصِيرُ الْمُعْوَجُّ مُسْتَقِيمًا، وَالْعَرَاقِيبُ سَهْلًا. 5 فَيُعْلَنُ مَجْدُ الرَّبِّ وَيَرَاهُ كُلُّ بَشَرٍ جَمِيعًا، لأَنَّ فَمَ الرَّبِّ تَكَلَّمَ». 6 صَوْتُ قَائِل: «نَادِ». فَقَالَ: «بِمَاذَا أُنَادِي؟» «كُلُّ جَسَدٍ عُشْبٌ، وَكُلُّ جَمَالِهِ كَزَهْرِ الْحَقْلِ. 7 يَبِسَ الْعُشْبُ، ذَبُلَ الزَّهْرُ، لأَنَّ نَفْخَةَ الرَّبِّ هَبَّتْ عَلَيْهِ. حَقًّا الشَّعْبُ عُشْبٌ! 8 يَبِسَ الْعُشْبُ، ذَبُلَ الزَّهْرُ. وَأَمَّا كَلِمَةُ إِلهِنَا فَتَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ». لعل إشعياء النبي قد سمع صوتًا سمائيًا يدعو السمائيين لتهيئة موكب العودة من السبي إلى أورشليم، فقد سبق فرأى حزقيال النبي مجد الرب يفارق المدينة (حز 11: 22- 25)، والآن ها هو يعود الموكب مع عودة المسبيين، وكأنه موكب ملوكي إذ يتقدمه الله نفسه محرر أولاده! أما الموكب الأعظم فهو تهيئة الطريق لدخول المسيا المخلص إلى حياة البشرية، الذي تحقق بواسطة القديس يوحنا المعمدان -ملاك الرب- بالحديث عن التوبة وإعلان الحاجة إلى المخلص (مر 1: 3؛ مت 3: 3؛ لو 3: 4-6؛ يو 1: 22). كان القديس يوحنا هو الصوت الذي يدوي في البرية ليُهيئ الطريق للكلمة الإلهي، معلنًا أن كل نفس متعجرفة ومتعالية تنحدر إلى أسفل [4] وكل قلب معوج يصير مستقيمًا، وكل العقبات تزول لأن مجد الرب يعلن خلال المسيا المخلص، ويراه كل بشر معًا: من اليهود والأمم. لذا يقول النبي: "صوتُ صارخٍ في البرية: أعدُّوا طريق الرب، قوِّموا في القفر سبيلًا لإِلهنا. كل وطاءٍ يرتفع، وكل جبلٍ وأكمةٍ ينخفض، ويصير المعوَجُّ مستقيمًا والعراقيب سهلًا؛ فيُعلن مجد الرب ويراه كلُّ بشرٍ معًا، لأن فم الرب تكلم" [3-5]. دُعي يوحنا "صوتًا" بينما دعي المسيح "الكلمة"، وشتان ما بين الصوت والكلمة، إذ يقول الآباء أن الصوت هو الذي يُسمع بالأذن أما الكلمة فهي التي يدركها العقل، هكذا جاء يوحنا شاهدًا للمسيح الكلمة الإلهي: * ربما يفسر هذا كيف فقد زكريا صوته عند ميلاد "الصوت" الذي يُشير نحو كلمة الله، ولم يُشفَ من هذا إلاَّ بعد ولادة "الصوت" السابق للكلمة. يجب أن يُدرك الصوت بالأذن فيتقبل الذهن الكلمة الذي يُشير نحوه "الصوت". يوحنا يُشير نحو المسيح، لأن الحديث (الكلمة) يُعلن بواسطة الصوت. العلامة أوريجانوس الأب غريغوريوس الكبير القديس كيرلس الكبير * ليتك تسير في الطريق الملوكي، لا تنحرف عنه يمينًا ولا يسارًا، إنما يقودك الروح خلال الباب الضيق، عندئذ تنجح كل أمورك عند استجوابك هناك في المسيح يسوع ربنا. القديس غريغوريوس النزينزي بهذا المعنى يقول القديس أمبروسيوس: [قبل أن يُقيم ابن الله أعضاء الكنيسة بدأ عمله في خادمه يوحنا، لهذا وأخطر القديس لوقا (لو 3: 2) كلمة الله حالًا على يوحنا بن زكريا في البرية... تحقق هذا في البرية الموحشة، لأن بني المستوحشة أكثر من التي لها أولاد (إش 54: 1)، وقد قيل لها: "افرحي أيتها العاقر التي لم تلد" (إش 54: 1)... إذ لم تكن بعد قد زُرعت وسط الشعوب الغريبة... ولم يكن بعد قد جاء ذاك الذي قال: "أما أنا فزيتونة مخصبة في بيت الله" (مز 52: 8)، ولم يكن قد وهب الكرام السماوي للأغصان ثمرًا (يو 15: 1). إذن فقد رّن الصوت لكي تنتج البرية ثمارًا]. * ليُعد طريق الرب في قلبنا، فإن قلب الإنسان عظيم ومتسع، كما لو كان هو العالم. أنظر إلى عظمته لا في كمّ جسدي، بل في قوة الذهن التي تعطيه إمكانية احتضان معرفة عظيمةً جدًا للحق. إذن فليعد طريق الرب في قلبكم خلال حياة لائقة وبأعمال صالحة وكاملة، فيحفظ هذا الطريق حياتكم باستقامة، وتدخل كلمات الرب إليكم بلا عائق. العلامة أوريجانوس عندما قال الإنجيلي "الكلمة صار جسدًا" (يو 1: 14)، لم يقصد أن كلمة الله أخذ جسدًا دون نفس بشرية كما ادعى أبو لليناريوس، الأمر الذي دَعَى البابا أثناسيوس الرسولي أن يكتب ضد صديقه أبو لليناريوس كتابًا يفند فيه آراءه. سمع النبي إشعياء صوتًا سماويًا آخر يؤكد أن كل جسد (إنسان) هو كعشب الأرض (مز 90: 5؛ 103: 15)، "أما كلمة إلهنا فتثبت إلى الأبد" [8]. من يلتصق بتراب الأرض أو بمحبة الزمنيات يصير عشبًا زائلًا، ومن يلتصق بالسيد المسيح "كلمة الله" يقوم معه ليحيا في مجده أبديًا. هذا هو الطريق الذي هيأه الكتاب المقدس لقبول المخلص: التزامنا بالشركة مع ذاك الذي يحولنا من عشب الأرض الزائل إلى الشركة معه والثبوت فيه أبديًا في أمجاده. وكما يقول القديس أغسطينوس: [إن اشتاق إنسان ما إلى الراحة الحقيقية والسعادة الحقة يلزمه أن يرفع رجاءه فوق الأمور المائتة الزائلة ويثبتها في كلمة الرب حتى إذ يلتصق بها تبقى إلى الأبد ويبقى هو معها أبديًا]. يعلق العلامة أوريجانوس على القول بأن "كل جسد عشب" قائلًا: [بأن السيد المسيح أمر الجموع أن تجلس على العشب (مت 14: 21) لكي يشبعهم، بمعنى أنه إذا ما أخضع الإنسان جسده (الجلوس على العشب) ووضع كل الأمور الزمنية تحت قيادة النفس ليكون بكليته سالكًا بالروح القدس عندئذ يتمتع ببركات السيد المسيح وينعم بالشبع الحقيقي. أننا لا نستطيع أن نلتقي بمسيحنا ولا أن نتقبل عطاياه الإلهية خلال التلاميذ أي الكنيسة مادُمنا نعيش حسب الجسد. إذن فلنُخضع الجسد لنفوسنا بالروح القدس ولنتكئ على العشب ليكون الجسد خادمًا مطيعًا يعمل في انسجام مع النفس دون مقاومة لها، عندئذ ننعم بالروحيات. فيما يلي بعض تعليقات الآباء على عبارة "كل جسد عشب وكل جماله كزهر الحقل، يبس العشب ذبل الزهر، لأن نفخة الرب هبت عليه" [6-7]. أنظر فإن ما تلتصق به نفسك إنما تلتصق به أبديًا. إن التصقت بالعشب وبزهر العشب إنما تربط نفسك بالعشب الذي يذبل والزهر الذي يسقط، وسيبيد الله هذه في النهاية. * إذ يعرف الله تكويننا بكونه أبًا، إننا لسنا إلاَّ تراب لا يمكن أن نزدهر إلاَّ إلى حين، لذلك أرسل إلينا كلمته، كلمته هذا يبقى إلى الأبد. جعله أخًا للعشب الذي لا يدوم. لا تعجب فقد صرت شريكًا له في أبديته، فقد شاركك أولًا في العشب. * هكذا فعل موسى برأس العجل [(خر 32: 20) أحرقه بالنار]، فإن رأس العجل يمثل سرًا عظيمًا، بكونه يمثل جسد الأشرار، لأنه يأكل عشبًا ويطلب الزمنيات، فان كل جسد عشب... القديس أغسطينوس القديس يوحنا الذهبي الفم القديس يوحنا الذهبي الفم القديس إيريناؤس |
||||