31 - 07 - 2024, 05:26 PM
|
رقم المشاركة : ( 168629 )
|
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
تحطيم لويثان
إن كان الله يخرج من مكانه ليُعاقب، ففي خروجه لا يطلب هلاك الخطاة وإنما الخطية، لا يُريد الدخول في معركة مع البشرية إنما مع إبليس الحية القديمة المخادعة والتنين البحري... إنه يدخل إلى معركة فريدة خلال الصليب -سيف الحق- القاتل للشر والواهب الحياة لشعبه.
1. قتل لويثان:
"فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يُعَاقِبُ الرَّبُّ بِسَيْفِهِ الْقَاسِي الْعَظِيمِ الشَّدِيدِ لَوِيَاثَانَ، الْحَيَّةَ الْهَارِبَةَ. لَوِيَاثَانَ الْحَيَّةَ الْمُتَحَوِّيَةَ، وَيَقْتُلُ التِّنِّينَ الَّذِي فِي الْبَحْرِ." [1].
إن كان البعض يرى في تعبير "في ذلك اليوم" إشارة إلى اليوم الأخير الذي فيه يضرب الله الشيطان ضربته القاضية النهائية بتمتع الكنيسة بالحياة الأبدية وهلاك عدو الخير، ويحاول اتباع الملك الألفي أن يحسبوه يوم المُلك الألفي حيث يتحطم سلطان إبليس، ألا إننا نراه يوم الصليب، أو يوم الفداء الذي فيه ملك الرب على خشبة الصليب، وفيه "محا الصك الذي علينا... إذ جرد الرياسات والسلاطين أشهرهم جهارًا ظافرًا بهم فيه" (كو 2: 14- 15)، إذ بدأ المُلك الألفي (الروحي) بصلب الرب.
كما سبق فقلت أن اتجاه بعض المفسرين إلى تطبيق نبوات إشعياء الخاصة بالعصر المسياني على الملك الألفي هو ثمرة طبيعية لعدم تذوق المسيحيين في العصر الحالي لقوة الصليب في حياتهم واختبارهم للسلطان الإلهي ضد إبليس وأعماله وعدم تلامسهم مع الحياة الغالبة الداخلية المملوءة فرحًا وسلامًا فائقًا للعقل.
ما هو هذا السيف القاسي الذي به يُعاقب الرب لويثان إلاَّ كلمة الله السيف الماضي ذو الحدين الخارج من فمه (رؤ 1: 16؛ عب 4: 12). خلال الكلمة نلتقي بالمسيح نفسه "كلمة الله المتجسد المصلوب" المختفي وراء الحروف والكلمات، يعمل دومًا لخلاصنا.
وكما يقول البابا أثناسيوس الرسولي: [ابن الله حيّ وفعّال يعمل يومًا فيومًا لخلاص الكل].
معاقبة الحية بالسيف وقتل التنين البحري إنما يعني أن كلمة الله المتجسد، مسيحنا المصلوب والساكن في داخلنا يتسلم قيادة المعركة ليُدين كل شر فينا حتى يُحطم كل ظلمة مقيمًا فينا مملكة النور.
* لقد غلب العالم كله كما نرى أيها الأحباء... لقد قهر لا بقوة عسكرية بل بجهالة الصليب... لقد رُفع جسده على الصليب فخضعت له الأرواح.
* سلب (الرب) الرؤساء والسلاطين وظفر بهم بصليبه. وهذا كان سبب مجيء ربنا لكي يطرحهم خارجًا ويسترد الإنسان الذي هو بيته وهيكله.
في دراستنا عن "الروح القدس بين ميلاد الجديد والتجديد المستمر" رأينا أن طقس المعمودية الذي في حقيقته تمتع بالموت مع السيد المسيح والدفن معه والتمتع بقوة قيامته، يقوم على خطين رئيسيين هما: المتع بالإنسان الجديد الذي على صورة خالقه وتحطيم أعمال الإنسان القديم؛ أي التمتع بالسيد المسيح وجحد إبليس وكل طاقاته وأعماله. في مياه المعمودية نتحد بمسيحنا الملك المصلوب محطم لويثان الحية المخادعة والتنين القاطن في المياه.
* بعد أن تحنوا ركبكم يُطلب منكم أن تنطقوا بهذه الكلمات: "أجحدك أيها الشيطان"... ماذا حدث؟ ما هذا التغير المفاجئ الغريب؟ أنتم الذين كنتم ترتعشون بخوف هل تثورون ضد سيدكم؟ هل تتطلعون إلى مشورته بازدراء؟ ما الذي جاء بكم إلى هذا الجنون؟ متى حلت بكم هذه الجسارة؟
تقولون: لدينا سيف؛ سيف قوي.
أي سيف هو هذا؟ أي حليف لكم؟ أخبروني.
تجيبون: إننا ندخل في خدمتك أيها المسيح ، لهذا فإننا متجاسرون وثائرون، لأن لنا ملجأ قوي. هذا جعلنا فوق الشيطان. نحن الذين كنا قبلًا نرتعب منه ونخافه، لسنا فقط نجحده وحده بل ومعه كل مواكبه.
* يطلب منكم الكهنة أن تقولوا: أجحدك أيها الشيطان وكل مواكبك وكل خدمتك وكل أعمالك.
كلمات قليلة لكنها عظيمة القوة!
الملائكة تقف بجواركم، والقوات غير المنظورة تفرح بتغيركم، ويتقبلون الكلمات من ألسنتكم ويحملونها إلى سيد كل الخليقة، لتنقش هناك في كتب السماء.
2. حماية الكرمة المشتهاة:
2 فِي ذلِكَ الْيَوْمِ غَنُّوا لِلْكَرْمَةِ الْمُشَتَهَاةِ: 3 «أَنَا الرَّبُّ حَارِسُهَا. أَسْقِيهَا كُلَّ لَحْظَةٍ. لِئَلاَّ يُوقَعَ بِهَا أَحْرُسُهَا لَيْلًا وَنَهَارًا. 4 لَيْسَ لِي غَيْظٌ. لَيْتَ عَلَيَّ الشَّوْكَ وَالْحَسَكَ فِي الْقِتَالِ فَأَهْجُمَ عَلَيْهَا وَأَحْرِقَهَا مَعًا. 5 أَوْ يَتَمَسَّكُ بِحِصْنِي فَيَصْنَعُ صُلْحًا مَعِي. صُلْحًا يَصْنَعُ مَعِي». 6 فِي الْمُسْتَقْبِلِ يَتَأَصَّلُ يَعْقُوبُ. يُزْهِرُ وَيُفْرِعُ إِسْرَائِيلُ، وَيَمْلأُونَ وَجْهَ الْمَسْكُونَةِ ثِمَارًا. 7 هَلْ ضَرَبَهُ كَضَرْبَةِ ضَارِبِيهِ، أَوْ قُتِلَ كَقَتْلِ قَتْلاَهُ؟ 8 بِزَجْرٍ إِذْ طَلَّقْتَهَا خَاصَمْتَهَا. أَزَالَهَا بِرِيحِهِ الْعَاصِفَةِ فِي يَوْمِ الشَّرْقِيَّةِ. 9 لِذلِكَ بِهذَا يُكَفَّرُ إِثْمُ يَعْقُوبَ. وَهذَا كُلُّ الثَّمَرِ نَزْعُ خَطِيَّتِهِ: فِي جَعْلِهِ كُلَّ حِجَارَةِ الْمَذْبَحِ كَحِجَارَةِ كِلْسٍ مُكَسَّرَةٍ. لاَ تَقُومُ السَّوَارِي وَلاَ الشَّمْسَاتُ.
إذ يتسلم الرب نفسه قيادة المعركة يصير هو شخصيًا طرفًا فيها لتتمتع كرمة المشتهاة بنصرته وحراسته لها ورعايته واهتمامه بها، لذلك يقول النبي على لسان الرب: "في ذلك اليوم غنوا للكرمة المشتهاة، أنا الرب حارسها، اسقيها كل لحظة لئلا يوقع بها، احرسها ليلًا ونهارًا..." [3-5].
الله نفسه هو مالك الكرمة، يحبها ويشتهيها، وهو الكرام والحارس لها، يتعهدها كل لحظة يرويها ببركاته الإلهية، عينه عليها ليلًا ونهارًا، لا يتركها ولا يتخلى عنها، ينزع عنها الشوك والحسك ليحرقه، ويصالحها مع الآب خلال صليبه (رو 5: 1).
إن كان الصليب قد حطم إبليس وجرده من سلطانه على المؤمنين، فإنه قدم أيضًا البركات التالية:
أ. "غنوا للكرمة المشتهاة" [3]. تُرى لمن قيل هذا إلاَّ للسمائيين الذين أدركوا ثمار الصليب في حياة الكنيسة فتهللت حياتهم وصاروا يسبحون الله مخلص البشر على عمله العجيب فيهم، إذ جعل الأرضيين سمائيين، ورفع الكنيسة إلى حيث العرش تُشارك السماء تسابيحها وليتورجياتها. صارت الكرمة المشتهاة من الله مخلصها موضوع شهوة الملائكة وكل الطغمات العلوية (رؤ 5: 11-14).
إن كان ذكر الله شهوة نفس الإنسان فإن ذلك هو ردّ فعل لحب الله لنا ولاشتهائه إلينا بكوننا كرمه المشتهاة وعروسه المحبوبة لديه وكنيسته التي يشتهي السكنى فيها. يقول المرتل: "لأن الرب قد اختار صهيون اشتهاها مسكنًا له. هذه هي راحتي إلى الأبد ههنا اسكن لأني اشتهيتها" (مز 132: 13-14)؛ "الجبل الذي اشتهاه الله لسكنه، بل الرب يسكن فيه إلى الأبد" (مز 68: 16).
ب. حراسة إلهية: "أنا الرب حارسها... أحرسها ليلًا ونهارًا" [3]. أن كان الله يرسل ملائكته لحماية شعبه من المخاطر الزمنية؛ لكنه يقوم بنفسه بحراستها من ضربات الخطية القاتلة. لقد حُطم العدو بالصليب لا كحدث تاريخي مضى وإنما كعمل إلهي قائم وفعّال، ثبّت صليبه في وسط كنيسته ليحتضنها من كل ضربات العدو ما دامت تبقى في أحضانه وتطلب حراسته.
لذلك يقول القديس مار أفرام السرياني: [المجد لك يا من أقمت صليبك جسرًا فوق الموت، تعبر عليه النفوس من مسكن الموت إلى مسكن الحياة].
ج. رعاية مستمرة: "أسقيها كل لحظة" [3]؛ إذ يُنزل عليها أمطار نعمته المجانية فتحول قَفْرَهَا إلى فردوس إلهي. لذا تُناجيه قائلة: "ليأتِ حبيبي إلى جنته ويأكل ثمره النفيس" (نش 4: 16). ما أحمله من ثمار الروح هو عمله في، ثمر رعايته غير المنقطعة.
بماذا يسقي الله كنيسته الكرمة المشتهاة؟
أنه يهبنا روحه القدوس عاملًا فينا، يهبنا حياته فينا... يعطينا ذاته!
* سخي هو ذاك الذي يهبنا أعظم كل العطايا، حياته ذاتها!
القديس اكليمندس الإسكندري * بسبب نعمة الروح التي أُعطيت لنا، صرنا نحن فيه وهو فينا (1 يو 4: 13)...
خارج الروح نحن غرباء عن الله وبعيدون عنه، أما بشركة الروح فصرنا قريبين للاهوت، فوجودنا في الآب ليس من عندياتنا إنما هو عمل الروح الذي فينا ساكنا في داخلنا.
د. عدم إدانتها: "ليس ليّ غيظ" [4]. إذ تقبل عطيته المجانية وتتجاوب عمليًا مع نعمته لا تسقط تحت الغضب الإلهي بل بثقة تقول: "إذًا لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح، لأن ناموس روح الحياة في المسيح قد اعتقني من ناموس الخطية والموت" (رو 8: 1-2).
يرى البعض أن كلمة "غيظ" يجب أن تقرأ هنا "hemah" وتعني "عنبًا"، فإنه إذ لم يجد عنبًا جيدًا بل شوكًا وحسكًا، أو عنبًا بريًا قام بحرق الشوك والحسك لإعطاء الفرصة للإثمار الجيد.
ه. حرق الشوك والحسك: "ليت عليّ الشوك والحسك في القتال فأهجم عليها واحرقها معًا" [4].
لقد أخذ على عاتقه مقاومة الشوك والحسك الخانق للكرمة المشتهاة، قائلًا: "ليت عليّ الشوك...". بالفعل حمل الشوك على رأسه حين صُلب، نازعًا العار أو اللعنة عنا ليحملها من أجلنا.
وكما يقول القديس مار يعقوب السروجي: [حمل لعنة الأرض بالإكليل الذي وضعوه على رأسه، وحمل ثقل العالم كله كالجبار...! صار لعنة حتى يتبارك به الوارثون الراجعون! بإكليله خلع زرع الحية الملعون... بإكليل الشوك هدم تاج الشيطان الذي أراد أن يكون إلهًا على الخليقة! بإكليل شوكه ضفر إكليلًا لابنة الأمم، العروس التي خطبها من بين الأصنام، وكتبها لاسمه].
و. مصالحتنا مع الله: "أو يتمسك بحصني فيصنع صلحًا معي، صلحًا يصنع معي" [5]. هذه هي نهاية عمل الصليب: مصالحتنا مع الله، إذ ونحن بعد أعداء صولحنا مع الله بموت ابنه (رو 5: 10).
* ابن الله تألم ليجعلنا أبناء لله، وابن الإنسان (نحن البشر) يرفض أن يتألم لكي تستمر بنوته لله!!!
ز. نمو الكنيسة الجامعة أو إسرائيل الجديدة: "في المستقبل يتأصل يعقوب، يزهر ويفرع إسرائيل ويملأون وجه المسكونة ثمارًا" [6]. لعل الله أراد منهم ألا ينظروا إلى عمله معهم في المستقبل القريب (خلاصهم من السبي البابلي) وإنما خلال المستقبل البعيد حيث يتأصل يعقوب الجديد، فتقوم كنيسة العهد الجديد بكونها إسرائيل الجديد، التي ضمت من اليهود التلاميذ والرسل وكثير من المؤمنين جاءوا بثمار روحيه فائقة ملأت وجه المسكونة.
يقول القديس إيريناؤس: [أُلقيت البذار في كل المسكونة... فمن (أورشليم) هذه استطاع المسيح والرسل أن يأتوا بثمار].
ح. تأديبه لأولاده [7-9]: يُعاملهم كأبناء وليس كأعداء، فيسمح بتأديبهم لأجل خلاصهم وبنيانهم، إذ يقول: "هل ضربة كضربة ضاربيه؟!" [7]، بمعنى هل ضرب الله يعقوب إسرائيل كما ضرب ضاربي يعقوب؟! حينما يضرب شعب إنما لأجل بنيانهم أما ضربة للأعداء ضاربي شعبه فليهدمهم لأنهم مصرون على الجحود ومقاومة الله. بذات المعنى يقول: "أو قُتِل كقتل قتلاه؟!" [7].
"يزجر (بكيل) إذ طلقتها خاصمتها، أزالها بريحه العاصفة في يوم الشرقية" [8]. حتى في الخصومة إنما يُخاصمها كما بكيل، أي يسمح لها بالضيق قدر احتمالها، لأجل تأديبها على خطاياها، حتى وإن بَدَا أنه قد طلقها وسلمها للريح العاصف القادم من الشرق، أي لأشور أو بابل عام 722 ق.م. و587 ق.م.
3. ضرب العدو:
10 لأَنَّ الْمَدِينَةَ الْحَصِينَةَ مُتَوَحِّدَةٌ. الْمَسْكَنُ مَهْجُورٌ وَمَتْرُوكٌ كَالْقَفْرِ. هُنَاكَ يَرْعَى الْعِجْلُ، وَهُنَاكَ يَرْبِضُ وَيُتْلِفُ أَغْصَانَهَا. 11 حِينَمَا تَيْبَسُ أَغْصَانُهَا تَتَكَسَّرُ، فَتَأْتِي نِسَاءٌ وَتُوقِدُهَا. لأَنَّهُ لَيْسَ شَعْبًا ذَا فَهْمٍ، لِذلِكَ لاَ يَرْحَمُهُ صَانِعُهُ وَلاَ يَتَرَأَّفُ عَلَيْهِ جَابِلُهُ.
مقابل تأديبه لأولاده حتى وإن بَدَا قاسيًا مستخدمًا أشور وبابل، أو كمن قد طلقهم إذا به يسمح بهلاك العدو الشرير؛ فيحول بابل المدينة الحصينة إلى مسكن مهجور متروك كالقفر.
يرى البعض أن الحديث هنا عن السامرة أيضًا التي صارت خرابًا بسبب جهل شعبها الروحي واعتزالها عبادة الله والسقوط في الوثنية [19-11].
4. الله يجمع شعبه:
12 وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ الرَّبَّ يَجْنِي مِنْ مَجْرَى النَّهْرِ إِلَى وَادِي مِصْرَ، وَأَنْتُمْ تُلْقَطُونَ وَاحِدًا وَاحِدًا يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ. 13 وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّهُ يُضْرَبُ بِبُوق عَظِيمٍ، فَيَأْتِي التَّائِهُونَ فِي أَرْضِ أَشُّورَ، وَالْمَنْفِيُّونَ فِي أَرْضِ مِصْرَ، وَيَسْجُدُونَ لِلرَّبِّ فِي الْجَبَلِ الْمُقَدَّسِ فِي أُورُشَلِيمَ.
يرى البعض في ذلك نبوة عن جمع شعب إسرائيل في أواخر الدهور عندما يقبلون الإيمان بالسيد المسيح، غير أن البعض يراها صورة لعمل الله عبر العصور عندما أخرج شعبه من مصر ثم خلصه من السبي البابلي.
ربما يُشير هنا إلى إسرائيل الجديدة، الكنيسة التي جُمعت من بين الشعوب والأمم لتتمتع بالحياة المقامة.
انهيار السامرة وتمجيد ليهوذا
يبدأ النبي بمجموعة نبوية جديدة (إش 28-33) تكشف عن سوء الحالة الاجتماعية وأيضًا السياسية. لقد ضمت ستة ويلات لأناس أشرار في آفرايم ويهوذا والأمم المجاورة، إذ احتقروا الله وكلمته واتكلوا على ذراع بشري غريب ورجعوا إلى العرافين يستشيرونهم.
يكشف هذا القسم عن عدل الله فمع محبته لشعبه بل ولكل البشرية لكنه في غير محاباة لا يطيق الخطية ولا يقبل الرجاسات في حياة الإنسان. لهذا ينزل بالويلات على إسرائيل أو آفرايم لأنها انهارت روحيًا بينما يُمجد مملكة يهوذا التي بقيت مقدسة زمانًا حتى تشبهت فيما بعد بأختها إسرائيل وسقطت في رجاسات أبشع.
1. ويل للسامرة:
1 وَيْلٌ لإِكْلِيلِ فَخْرِ سُكَارَى أَفْرَايِمَ، وَلِلزَّهْرِ الذَّابِلِ، جَمَالِ بَهَائِهِ الَّذِي عَلَى رَأْسِ وَادِي سَمَائِنِ، الْمَضْرُوبِينَ بِالْخَمْرِ. 2 هُوَذَا شَدِيدٌ وَقَوِيٌّ لِلسَّيِّدِ كَانْهِيَالِ الْبَرَدِ، كَنَوْءٍ مُهْلِكٍ، كَسَيْلِ مِيَاهٍ غَزِيرَةٍ جَارِفَةٍ، قَدْ أَلْقَاهُ إِلَى الأَرْضِ بِشِدَّةٍ. 3 بِالأَرْجُلِ يُدَاسُ إِكْلِيلُ فَخْرِ سُكَارَى أَفْرَايِمَ. 4 وَيَكُونُ الزَّهْرُ الذَّابِلُ، جَمَالُ بَهَائِهِ الَّذِي عَلَى رَأْسِ وَادِي السَّمَائِنِ كَبَاكُورَةِ التِّينِ قَبْلَ الصَّيْفِ، الَّتِي يَرَاهَا النَّاظِرُ فَيَبْلَعُهَا وَهِيَ فِي يَدِهِ. 5 فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ رَبُّ الْجُنُودِ إِكْلِيلَ جَمَال وَتَاجَ بَهَاءٍ لِبَقِيَّةِ شَعْبِهِ، 6 وَرُوحَ الْقَضَاءِ لِلْجَالِسِ لِلْقَضَاءِ، وَبَأْسًا لِلَّذِينَ يَرُدُّونَ الْحَرْبَ إِلَى الْبَابِ.
ينزل الله بالويل على السامرة أو إفرايم، سامحًا لآشور سنة 722 ق.م. أن يسطو على البلاد ويخرب المدن ويحمل أعدادًا ضخمة إلى السبي. كان ذلك تأديبًا لإسرائيل ودرسًا عمليًا ليهوذا، فقد استطاع سكان أورشليم عاصمة يهوذا أن يصعدوا على الأسطح ليروا السماء وقد احمرت بغضب الله ضد إسرائيل، فقد ارتفعت ألسنة النيران في كثير من بيوت السامرة وما حولها. ومع هذا لم تتعظ مملكة يهوذا إذ سلكت فيما بعد في ذات خطايا السامرة بل وأكثر منها كما جاء في مثل أهولة وأهوليبة الوارد في حزقيال 33 يروي هذا الأمر في شيء من التفصيل.
الأعداد [1-6] تصّور سقوط السامرة هذه التي بُنيت على تل مرتفع وقد أحاطت بها الحدائق الشهية من كل الجوانب حتى حُسبت من أجمل وأحب مدن فلسطين. الوادي تحتها يبلغ إلى ساحل يزرعيل غني بكرومه وحقوله المثمرة. لقد وهبهم الله فيض خيرات كثيرة وغنى لكنهم تركوا واهب العطايا وانحرفوا إلى الآلهة الوثنية التي تتعبد لها الأمم المحيطة؛ وارتبطت عبادتهم بالحياة المدللة المترفة مع رجاسات كثيرة لذلك أراد الله أن يؤدبهم. أثار قلب ملك آشور ليتطلع إلى السامرة الجميلة الغنية والمدن المحيطة بها فبعث جيشًا عظيمًا لاحتلالها. أما إسرائيل فاتكلت على ذراعها البشري ونسيت إلهها، وحسبت أنها قادرة على تحطيم العدو فتحطمت عاصمتها وكثير من مدنها وصارت مثلًا حيًا لكل من يتكل على الذراع البشري متجاهلًا عناية الله.
يقدم النبي صورة شعرية رائعة لهلاك السامرة ومجد البقية المخلصة:
أ. اعتاد أغنياء السامرة أن يقيموا ولائم دائمة يقدمون فيها الخمور والمسكر بلا حساب، فيسكرون ويلهون، وكانوا يضعون أكاليل زهور على رؤوسهم علامة المجد وللزينة.
يرى النبي مدينة السامرة كرأس مدن إسرائيل وقد أحاطت بها الحدائق أشبه برأس أحد هؤلاء الأغنياء الذي يأكل ويشرب ويلهو ويسكر ويمارس الرجاسات وعلى رأسه إكليل زهور. ينزل الله بالويل على هذه الأكاليل فتصير للخزي والعار لا للمجد والبهاء؛ يذبل منظرها وتستحق أن تنحدر مع الرأس التي تحملها إلى التراب لتُلقى في المزبلة وتُداس بالأقدام [2-3].
ب. إن السيد الرب يرسل جيش آشور كرجل واحد قدير (شديد) وقوي [2]... وكأن ما تم على أيدي جيش ملك آشور ليس مصادفة، ولا بتخطيط بشري أو إمكانيات إنسانية، إنما بسماح إلهي يهبهم القدرة والقوة ويعطيهم الوحدة لتحقيق خطة إلهية هي تأديب السامرة!
ج. يُشبه جيش آشور الذي يُحاصر السامرة ويذلها كمن ينزل برأس رجل غني تحمل أكليل زهور إلى التراب، بعاصفة ثلجية وسيول مياه جارفة. فالورد لا يحتمل الثلج فيموت، ولا يحتمل سيول المياه فينجرف إلى الأرض بشدة دون استقرار حتى يصير جزءًا لا يتجزأ من المزبلة [2].
د. يُشبه السامرة بشجرة تين تحمل باكورة قليلة تُقتطف في لحظات ولا يبقى فيها ثمر [4].
ه. إن كان الله يسمح بهذه المذلة نازعًا كل مجد وبهاء للتأديب، فأنه يتقدم بنفسه ليكون هو نفسه مجدًا وبهاءًا لمؤمنيه: "في ذلك اليوم يكون رب الجنود إكليل جمال وتاج بهاء لبقية شعبه، وروح القضاء للجالس للقضاء، وبأسًا للذين يردون الحرب إلى الباب" [5-6]. يصير الله هو جمالنا، وتاج بهائنا، وأيضًا عدالتنا المدافع عن المساكين والمظلومين، وقائد معركتنا يهبنا النصرة الروحية ضد قوات الظلمة.
مقابل الانهيار الذي حلّ بالسامرة التي تمثل جحود الإيمان يُقدم الله نفسه بهاء مجد وبرًا وعدالة ونصرة لبقية شعبه المخلصين إليه [5]؛ ويلاحظ هنا الآتي:
أولًا: يقول: "في ذلك اليوم" [5]؛ هو يوم الفداء أو الصلب الذي فيه حمل الرب عارنا على الصليب ليصير هو نفسه إكليلنا، قَبِل الموت عنا ليهبنا حياته وقيامته وبره، احتمل الضعف ليهبنا بضعفه قوة النصرة.
يتحدث القديس يوحنا الذهبي الفمعن الصليب كعلامة مجد وقوة... قائلًا:
[الصليب هو مجد. أنظر ماذا يقول الإنجيلي... "الروح القدس لم يكن قد أُعطى بعد لأن يسوع لم يكن قد مُجد بعد" (يو 7: 39).
الصليب هو الذي أزال العداوة بين الله والناس مقدمًا المصالحة،
جاعلًا الأرض سماء،
جامعًا الملائكة مع البشر،
محطمًا قلعة الموت،
مضعفًا سطوة الشيطان،
مطفئًا سلطان الخطية،
منقذًا العالم من الخطأ ومسترجعًا الحق،
طاردًا الشياطين،
مهدمًا معابد الأوثان ومحولًا مذابحهم ومبطلًا ذبائحهم،
زارعًا الفضيلة ومؤسسًا الكنيسة!
الصليب هو إرادة الآب، مجد الابن، وفرح الروح القدس. إنه موضوع فخر بولس إذ يقول: "حاشا ليّ أن افتخر إلاَّ بصليب ربنا يسوع المسيح" (غلا 6: 14).
الصليب أكثر لمعانًا من الشمس، وأبهَى ضياء من أشعِّتها، فعندما أظلمت الشمس أبرق الصليب. الشمس أظلمت لا لأنها انطفأت، بل لأن ضياء الصليب غلبها...
الصليب يكسر قيودنا، ويبطل سجن الموت.
إنه علامة حب الله (يو 3: 16)...
الصليب هو حصن حصين، وترس منيع، حامي للأغنياء، وينبوع للفقراء، مدافع عن الساقطين في الشباك، ودرع للذين هم في هجوم، ووسيلة لقهر الشهوات ونوال الفضائل، وآية عجيبة مدهشة!].
ثانيًا: ما هي بقية شعبه المختارة التي تتزين برب الجنود وتتبرر به وتغلب؟ يرى البعض أن الحديث هنا عن مملكة يهوذا التي بقيت زمانًا في حالٍ أفضل من آفرايم، ويرى آخرون أن هذه البقية هم الذين قبلوا الإيمان بالسيد المسيح المصلوب مثل الرسل والتلاميذ والمريمات ويوسف الرامي ونيقوديموس إلخ... وآخرون يرون أنها البقية التي تخلص في أيام الدجال حيث يسود العالم روح الارتداد ولكن من أجل المختارين يقصر الله الأيام (مت 24: 22)...
على أي الأحوال، هذه البقية تضم كل نفس تجري إلى المخلص رب الجنود لتختفي فيه وتستريح عند قدميه وتستظل بصليبه، أيا كان الوقت!
2. كشف وفضح للخطية:
7 وَلكِنَّ هؤُلاَءِ أَيْضًا ضَلُّوا بِالْخَمْرِ وَتَاهُوا بِالْمُسْكِرِ. الْكَاهِنُ وَالنَّبِيُّ تَرَنَّحَا بِالْمُسْكِرِ. ابْتَلَعَتْهُمَا الْخَمْرُ. تَاهَا مِنَ الْمُسْكِرِ، ضَلاَّ فِي الرُّؤْيَا، قَلِقَا فِي الْقَضَاءِ. 8 فَإِنَّ جَمِيعَ الْمَوَائِدِ امْتَلأَتْ قَيْئًا وَقَذَرًا. لَيْسَ مَكَانٌ. 9 «لِمَنْ يُعَلِّمُ مَعْرِفَةً، وَلِمَنْ يُفْهِمُ تَعْلِيمًا؟ أَلِلْمَفْطُومِينَ عَنِ اللَّبَنِ، لِلْمَفْصُولِينَ عَنِ الثُّدِيِّ؟ 10 لأَنَّهُ أَمْرٌ عَلَى أَمْرٍ. أَمْرٌ عَلَى أَمْرٍ. فَرْضٌ عَلَى فَرْضٍ. فَرْضٌ عَلَى فَرْضٍ. هُنَا قَلِيلٌ هُنَاكَ قَلِيلٌ». 11 إِنَّهُ بِشَفَةٍ لَكْنَاءَ وَبِلِسَانٍ آخَرَ يُكَلِّمُ هذَا الشَّعْبَ، 12 الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ: «هذِهِ هِيَ الرَّاحَةُ. أَرِيحُوا الرَّازِحَ، وَهذَا هُوَ السُّكُونُ». وَلكِنْ لَمْ يَشَاءُوا أَنْ يَسْمَعُوا. 13 فَكَانَ لَهُمْ قَوْلُ الرَّبِّ: أَمْرًا عَلَى أَمْرٍ. أَمْرًا عَلَى أَمْرٍ. فَرْضًا عَلَى فَرْضٍ. فَرْضًا عَلَى فَرْضٍ. هُنَا قَلِيلًا هُنَاكَ قَلِيلًا، لِكَيْ يَذْهَبُوا وَيَسْقُطُوا إِلَى الْوَرَاءِ وَيَنْكَسِرُوا وَيُصَادُوا فَيُؤْخَذُوا. 14 لِذلِكَ اسْمَعُوا كَلاَمَ الرَّبِّ يَا رِجَالَ الْهُزْءِ، وُلاَةَ هذَا الشَّعْبِ الَّذِي فِي أُورُشَلِيمَ. 15 لأَنَّكُمْ قُلْتُمْ: «قَدْ عَقَدْنَا عَهْدًا مَعَ الْمَوْتِ، وَصَنَعْنَا مِيثَاقًا مَعَ الْهَاوِيَةِ. السَّوْطُ الْجَارِفُ إِذَا عَبَرَ لاَ يَأْتِينَا، لأَنَّنَا جَعَلْنَا الْكَذِبَ مَلْجَأَنَا، وَبِالْغِشِّ اسْتَتَرْنَا».
بعدما تحدث عن تأديب آفرايم يبدو أنه عاد ليتحدث عن خطايا يهوذا، إذ يقول: "ولكن هؤلاء أيضًا" [7]؛ كشفها وفضحها، مصورًا مدى انحلال يهوذا الأخلاقي:
أ. السُكر: "ضلوا بالخمر وتاهو بالسُكر؛ الكاهن والنبي ترنحا بالمسكر، ابتلعتهما الخمر، تاها من المسكر" [7].
إن كانت القيادات في السامرة عاصمة إسرائيل قد فسدت بالمسكر فإن القيادات الدينية في أورشليم قد استسلمت لذات الخطأ.
يقصد بالنبي هنا "الأنبياء الكذبة" الذين تنبأوا من عندياتهم ليداهنوا الكهنة المنحلين والقيادات المدنية. هؤلاء -كما جاء في سفر إرميا- كانوا يتحدثون بالناعمات أي بالكلمات الرقيقة المخادعة قائلين بأن الشعب في خير وسلام وأنه لن تَحِلّ بأورشليم أو بالهيكل تأديبات... وهذا ثمر طبيعي لترك كلمة الله والارتباك بالنفع المادي والأدبي.
إن كان هذا هو حال الكاهن والنبي فماذا يكون حال الشعب؟!
ب. الضلال والظلم: "ضلاّ في الرؤيا، قلقا في القضاء" [7]. إذ ترنح الكاهن والنبي الكذاب بالمسكر فقدا وعيهما الروحي فقدما رؤى مضللة، لأن بصيرتهما الداخلية قد أَظْلَمَتَا. ولذات السبب فقدا قدرتهما على القضاء العادل، فسببنا قلقًا وارتباكًا وسط الشعب.
بمعنى آخر كل خطية تسلم الإنسان إلى خطية أخرى؛ فانشغال الكاهن والنبي بالموائد وحياة الترف سحبهما إلى الانهماك في شرب الخمر ليسقطا في السُكر، وهذا يفسد بصيرتهما الداخلية فيُقدما رؤى مضللة، وبالتالي يفقدا قدرتهما على العدالة ليقضيا بالظلم...
ج. نبوات كاذبة: "فإن جميع الموائد امتلأت قيئًا قذرًا، ليس مكان" [8].
يرى النبي الموائد قد ملأت المدينة وانهمك الكل في الأكل والشرب بشراهة بلا حدود حتى صاروا يتقيأون ليعودوا فيأكلون، وكانت هذه عادة الرومان. صار الموضع كله بل المدينة كلها مملوءة قيئًا وقذارة حتى لم يوجد مكان يمكن للإنسان أن يستريح فيه.
هذه الصورة الخارجية تكشف عن الحالة الروحية ليهوذا فقد تقيأ الأنبياء الكذبة نبوات هي من عندياتهم وملأوا الموضع بما هو غير طاهر ولا مقدس.
هذه صورة الإنسان المستهتر الذي تُفسد الشهوات كل كيانه فتمتلئ نفسه كذلك قلبه وفكره وأحاسيسه وكل طاقاته ومواهبه بالرجاسات، ليصير أشبه بمدينة مملوءة فسادًا، فيقول المخلص القدوس: "وأما ابن الإنسان فليس له أين يسند رأسه" (مت 8: 20).
لقد افسد الإنسان الحياة فلم يجد القدوس له موضعًا أو مكانًا يستريح بيننا، ومع هذا جاء ليسند رأسه على الصليب فنجد نحن لنا مكانًا في حضن الآب.
حين تمتلئ موائدنا الداخلية قذارة يُقال للرب "ليس مكان" [8]، عوض القول: "ليأتِ حبيبي إلى جنته ويأكل ثمرة النفيس" (نش 4: 16).
ومع هذا فان المخلص مشتاق أن يُهيئ لنا مكانًا فيه، قائلًا لنا: "هوذا عندي مكان فتقف على الصخرة، ويكون متى اجتاز مجدي إني أضعك في نقرة من الصخرة وأسترك بيدي حتى اجتاز" (خر 33: 21-22).
د. الاستهزاء بالنبي: صار الكهنة والأنبياء الكذبة في سكرهم يستهزئون بإشعياء النبي قائلين: "لمن يُعلِّم معرفة!؟ ولمن يُفهِم تعليمًا؟! أللمفطومين عن اللبن؟! للمفصولين عن الثدي" [9]. كأنه يقولون إنهم أصحاب معرفة وعلم فلماذا يُريد أن يعلمهم شيئًا؟! ليذهب إلى المفطومين من اللبن ويقدم لهم نبواته ووصاياه التي لا تليق إلاَّ بسذج الذين لا تفكير لهم والرضع غير الناضجين.
"إنه أمر على أمر، أمر على أمر، فرض على فرض، فرض على فرض؛ هنا قليل هناك قليل" [10]. كأن النبي يُحدث أطفالًا صغارًا، يكرر لهم الأوامر والفرائض ويُقدم لهم الصغائر... إنه أشبه بمن يمسك طفلًا يعلمه المشي يسحبه تارة يمينًا وأخرى يسارًا... صورة لاستهتار الكهنة والأنبياء السَّكْرَى بإشعياء النبي وتعاليمه!
ما هي عقوبة الساخرين به وبتعاليمه ونبواته؟ يقول النبي: "إنه بشفة لكناء وبلسان آخر يُكلم هذا الشعب" [11]. هم سخروا بلغة النبي أو نبواته فحسبوه كمن يعلم أطفالًا حديثي الفطامة، لذلك يرسل لهم الله عدوًا غريب اللسان يصرخ في وجههم ولا يفهمون كلماته فيصيرون كأطفال بلا معرفة. رفضوا التعلم من إشعياء وسخروا به فأرسل لهم الرب سادة آشوريين يعلمونهم خلال لغة العنف والاستعباد مع المذلة.
"الذين قال لهم: هذه هي الراحة (راحتي) أريحوا الرازح، وهذا هو السكون؛ ولكن لم يشاؤا أن يسمعوا" [12]. لم يشاؤا الاستماع لصوت الله القائل بأن راحته هي في إراحتنا للرازحين المثقلين بالأتعاب. لقد اهتم الكهنة والأنبياء الكذبة بالشكليات الخارجية لا بإراحة الله نفسه الذي يستريح في شعبه.
* قيل بالنبي: "هذه هي راحتي: أريحوا الرازح" [12]. حقق هذه الراحة للرب أيها الإنسان عندئذ لا تحتاج إلى القول: "أغفر ليّ". أرح المتعبين، افتقد المرضى، أعطِ قوتًا للفقراء، فإن هذه بالحقيقة هي صلاة... كل الوقت الذي فيه تتممون راحة الرب إنما هو وقت صلاة...
احذر أيها الحبيب لئلا تأتيك فرصة لتقدم راحة لإرادة الله فتقول: الآن وقت للصلاة، سأصلي وبعد ذلك أعمل!
ليسمعوا لصوت الرب ويتحدثوا معه لا بلغة الشكليات بل بلغة الطاعة العملية المريحة لله في أولاده. ليتعلموا ذلك كأطفال، وليتدربوا عليه متجاهلين أنهم كهنة وأنبياء أصحاب معرفة وعلم حتى لا يسقطوا إلى الوراء وينحدروا في فخاخ العدو كصيد أو فريسة [13] مصيرها الموت المحقق.
يجيب هؤلاء المستهزئين قائلين: "قد عقدنا عهدًا مع الموت، وصنعنا ميثاقًا مع الهاوية، السوط الجارف إذا عبر لا يأتينا لأننا جعلنا الكذب ملجأنا وبالغش استترنا" [15]. يعلنون أنهم لا يخافون الموت ولا يرهبون الهاوية فقد دخلوا معهما في عهد، يعرفون كيف يلجأون إلى الكذب فلا يسقطون تحت تأديبات أو ضيقات لأن دستورهم هو الغش.
إنهم رمز لضد المسيح وأتباعه بكونه الطاغية الذي يُقيم عهدًا مع الشكليين في العبادة (دا 9: 27) ليعملوا بلا خوف من موت أو هاوية، أما عمل السيد المسيح فهو تحطيم هذا العهد لإقامة عهد مع الآب ومصالحة أبدية مع مؤمنيه.
3. الحاجة إلى المخلص:
16 لِذلِكَ هكَذَا يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ: «هأَنَذَا أُؤَسِّسُ فِي صِهْيَوْنَ حَجَرًا، حَجَرَ امْتِحَانٍ، حَجَرَ زَاوِيَةٍ كَرِيمًا، أَسَاسًا مُؤَسَّسًا: مَنْ آمَنَ لاَ يَهْرُبُ. 17 وَأَجْعَلُ الْحَقَّ خَيْطًا وَالْعَدْلَ مِطْمَارًا، فَيَخْطَفُ الْبَرَدُ مَلْجَأَ الْكَذِبِ، وَيَجْرُفُ الْمَاءُ السِّتَارَةَ. 18 وَيُمْحَى عَهْدُكُمْ مَعَ الْمَوْتِ، وَلاَ يَثْبُتُ مِيثَاقُكُمْ مَعَ الْهَاوِيَةِ. السَّوْطُ الْجَارِفُ إِذَا عَبَرَ تَكُونُونَ لَهُ لِلدَّوْسِ. 19 كُلَّمَا عَبَرَ يَأْخُذُكُمْ، فَإِنَّهُ كُلَّ صَبَاحٍ يَعْبُرُ، فِي النَّهَارِ وَفِي اللَّيْلِ، وَيَكُونُ فَهْمُ الْخَبَرِ فَقَطِ انْزِعَاجًا». 20 لأَنَّ الْفِرَاشَ قَدْ قَصَرَ عَنِ التَّمَدُّدِ، وَالْغِطَاءَ ضَاقَ عَنِ الالْتِحَافِ. 21 لأَنَّهُ كَمَا فِي جَبَلِ فَرَاصِيمَ يَقُومُ الرَّبُّ، وَكَمَا فِي الْوَطَاءِ عِنْدَ جِبْعُونَ يَسْخَطُ لِيَفْعَلَ فَعْلَهُ، فَعْلَهُ الْغَرِيبَ، وَلِيَعْمَلَ عَمَلَهُ، عَمَلَهُ الْغَرِيبَ. 22 فَالآنَ لاَ تَكُونُوا مُتَهَكِّمِينَ لِئَلاَّ تُشَدَّدَ رُبُطُكُمْ، لأَنِّي سَمِعْتُ فَنَاءً قُضِيَ بِهِ مِنْ قِبَلِ السَّيِّدِ رَبِّ الْجُنُودِ عَلَى كُلِّ الأَرْضِ.
إن كان عدو الخير يعمل بكل طاقاته لرد المؤمنين عن الحق، يعمل بصور مختلفة في كل العصور خاصة في أيام الارتداد (ضد المسيح)، فإن الرب يتقدم بنفسه لمساندة أولاده ومؤمنيه ضد هذا العمل الشيطاني.
"لذلك هكذا يقول السيد الرب: هأنذا أؤسس في صهيون حجرًا، حجر امتحان، حجر زاوية كريمًا أساسًا مؤسسًا، من آمن لا يهرب" [16].
هكذا في وسط الصورة القاتمة يتنبأ إشعياء النبي عن المسيا بكونه حجر الزاوية وحجر الأساس الذي تقوم عليه الكنيسة:
أ. حجر الأساس في صهيون: يقول المرتل: "الحجر الذي رفضه البناؤون قد صار رأس الزاوية، من قبل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا" (مز 118: 22-23) (راجع مت 21: 42؛ أع 4: 11؛ رو 9: 33؛ أف 2: 20؛ 1 بط 2: 6، 8)، هو حجر أساس تقوم عليه الكنيسة، حجر امتحان جُرب من الشيطان لكي بنصرته يهبنا النصرة؛ حجرًا كريمًا لا يقدر بثمن. هو حجر الزاوية الذي ربط اليهود مع الأمم كحائطين تلاحما معًا في الإيمان به. من آمن به لا يهرب (يخزى)... هكذا يقدم لنا إشعياء نبوة مسيانية تكشف عن شخص السيد المسيح ومركزة بالنسبة للكنيسة وغِناه ومجده والثقة فيه وعدم تغيره ورفضه.
* المخلص هو الحجر المختار، رذله هؤلاء الذين كان يجب عليهم بناء مجمع اليهود، وقد صار رأس الزاوية. يُشبهه الكتاب المقدس بحجر زاوية لأنه يجمع الشعبين معًا: إسرائيل والأمم في إيمان واحد وحب واحد (أف 2: 15).
* من هو هذا الذي نتحدث عنه؟
"الحجر الذي رذله البناؤون قد صار رأس الزاوية" (مز 118: 23)؛ "لكي يخلق الاثنين في نفسه إنسانًا واحدًا جديدًا صانعًا سلامًا، ويصالح الاثنين في جسد واحد مع الله" (أف2: 15-16)؛ أي الختان والغرلة.
ب. يُقام عليه مبنى روحي [17]، خيط قياسه هو الحق ومِطْماره العدل. لذا يُقام المبنى مستقيمًا ليس فيه اعوجاج، يسكنه الحق والعدل، إذ يسكنه الله نفسه مع مؤمنيه.
إن كانت الكنيسة هي المبنى الحيّ المقام على شخص السيد المسيح كأساس لها، فإن إنجيله هو الحق وصليبه هو العدل الملتحق بالرحمة. بالإنجيل والصليب تُبنى كنيسة المسيح في استقامة كموضع أمان. أما من يلجأ إلى الكذب كالأنبياء الكذبة فيصير لهم البرد ملجأ لهم وتجرف السيول أعماقهم المستترة، فيذهب كل رجائهم باطلًا، ويفقدون الأمان. يزول عهدهم مع الموت والهاوية، ويجرفهم السوط كسيل ينزل بهم حتى الأرض فيصيرون للدوس [18]. مع كل صباح ومع كل مساء تبلغهم أخبارًا جديدة مزعجة بسبب هجوم الأعداء المستمر. إنهم لا يجدون موضعًا يكفيهم للتمدد أثناء النوم ولا غطاء يلتحفون به من البرد.
"لأنه كما في جبل فراصيم يقوم الرب، وكما في الوطاء عند جعبون يسخط ليفعل فعله فعله غريب، وليعمل عمله عمله الغريب" [21].
"فراصيم" اسم كنعاني معناه "الانفجارات" مكان في وادي الرفائيين (2 صم 5: 20؛ 1 أي 14: 11)، وهو جبل فراصيم قرب وادي جبعون وربما كان موضعه اليوم "رأس السنادر". قول إشعياء هنا: "لأنه كما في جبل فراصيم يقوم الرب" يعني أن الله يقتحم أعداءه فجأة ويُحطمهم تمامًا(308) كما فعل مع داود النبي عند جبل فراصيم عندما قال: "اقتحم الرب أعدائي أمامي كاقتحام المياه" (2 صم 5: 20)؛ وأيضًا قوله: "وكما في الوطاء عند جبعون" يعني أنه يعمل كما في أيام يشوع ضد الكنعانيين في وادي جبعون (يش 10: 10).
ما هو الفعل الغريب الذي يعمله الله إلاَّ معاقبة الخطأ، فإن الله لا يُسر بالمعاقبة إنما يصنع ذلك عن ضرورة كأمر غريب عنه، إذ يقول إرميا: "فإنه ولو أحزن يُرحم حسب كثرة مراحمه، لأنه لا يُذِل من قلبه ولا يحزن بني الإنسان" (مرا 3: 32-33)، كما قيل: "لأنه هوذا الرب يخرج من مكانه ليُعاقب إثم سكان الأرض" (إش 26: 24).
هكذا لا يجد الأشرار خاصة الذين يسخرون بكلمة الرب والنبوات والذين يرفضون الإيمان بالمسيا موضوع النبوات ومركز الكتاب كله رحمة أو ملجأ بالرغم من عدم رغبة الله في المعاقبة. يقول: "فالآن لا تكونوا متهكمين لئلا تتشدد ربطكم" [22] قاصدًا لا الربط التي يُقيد بها الشعب عند سبيه إلى آشور أو بابل وإنما قيود الظلمة الأبدية التي تربط جاحدي الإيمان ورافضي النبوات، عندما تُدان الأرض كلها [22].
4. معاملات الله مع شعبه:
23 اُصْغُوا وَاسْمَعُوا صَوْتِي. انْصُتُوا وَاسْمَعُوا قَوْلِي: 24 هَلْ يَحْرُثُ الْحَارِثُ كُلَّ يَوْمٍ لِيَزْرَعَ، وَيَشُقُّ أَرْضَهُ وَيُمَهِّدُهَا؟ 25 أَلَيْسَ أَنَّهُ إِذَا سَوَّى وَجْهَهَا يَبْذُرُ الشُّونِيزَ وَيُذَرِّي الْكَمُّونَ، وَيَضَعُ الْحِنْطَةَ فِي أَتْلاَمٍ، وَالشَّعِيرَ فِي مَكَانٍ مُعَيَّنٍ، وَالْقَطَانِيَّ فِي حُدُودِهَا؟ 26 فَيُرْشِدُهُ. بِالْحَقِّ يُعَلِّمُهُ إِلهُهُ. 27 إِنَّ الشُّونِيزَ لاَ يُدْرَسُ بِالنَّوْرَجِ، وَلاَ تُدَارُ بَكَرَةُ الْعَجَلَةِ عَلَى الْكَمُّونِ، بَلْ بِالْقَضِيبِ يُخْبَطُ الشُّونِيزُ، وَالْكَمُّونُ بِالْعَصَا. 28 يُدَقُّ الْقَمْحُ لأَنَّهُ لاَ يَدْرُسُهُ إِلَى الأَبَدِ، فَيَسُوقُ بَكَرَةَ عَجَلَتِهِ وَخَيْلَهُ. لاَ يَسْحَقُهُ. 29 هذَا أَيْضًا خَرَجَ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْجُنُودِ. عَجِيبِ الرَّأْيِ عَظِيمِ الْفَهْمِ.
يشبه الله بزارع لا يقف عند الحرث وتشقيق الأرض وتمهيدها للزراعة إنما يبذر البذار أيضًا. فإن كان الله يسمح بالتأديب إنما يكون كالزارع الذي يحرث الأرض ويُشققها ويُنقيها من الحجارة ويمهدها وهذا هو العمل السلبي، لكنه لا يقف عند ذلك بل يُقدم عملًا إيجابيًا إذ يلقي ببذار كلمته في حقل هذا العالم. يُتقدم الرب نفسه كبذرة يلقيها بنفسه في قلوبنا كي يُقيم جنته فينا.
يعرف أن يبذر الشونيز Nigella Sativa[نبات من الفصيلة الشقيقية، ذو ازهار خيمية شبيهة بنبات اليانسون، بذره يسمى حبة البركة، وهو لا يدرس بل يُخبط بالعصا]، والكمون والحنطة والشعير والقطاني كل في مكانه وبالطريقة التي تناسبه.
إننا فلاحة الله وحقله وكرمه، يهتم بنا بكونه إلهنا الخاص بنا والمنتسب إلينا ونحن إليه، "فيرشده بالحق يعلمه إلهه" [26]...
كزارع يعرف كيف يتصرف بكل محصول؛ بعضها يحتاج إلى دراسة بالنورج وبعضها تحتاج إلى الضرب العصا لاستخراج البِذار من القش، وبعضها لا يحتاج إلى دِراسةر ولا إلى ضرب [27]، وفي هذا كله لا يطلب إبادة محاصيله وسحقها إنما جمعها [28]... أنه الله الرحوم حتى في تأديباته، يطلب ما هو لخلاص أولاده وبنيانهم، يعمل بحكمة عجيبة وعظم فهم [29].
|
|
|
|
أدوات الموضوع |
|
انواع عرض الموضوع |
العرض العادي
|
الساعة الآن 12:15 PM
|