منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات
قديم 27 - 07 - 2024, 05:05 PM   رقم المشاركة : ( 168151 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,274,056

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




مهما قابلتك الضيقات التجئ إلى الله
وأصرخ إليه، فهو ينتظرك بمحبته
ومهما كانت خطاياك سيغفرها لك.
لكن تمسك بوصاياه ومخافته،
فتحيا في توبة وفي سلام كل أيامك.



 
قديم 27 - 07 - 2024, 05:09 PM   رقم المشاركة : ( 168152 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,274,056

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




انْتَظَرْتُكَ يَا رَبُّ. انْتَظَرَتْ نَفْسِي، وَبِكَلاَمِهِ رَجَوْتُ.

في ضيقته نظر داود إلى الله، ولم ينشغل بخطاياه أو ضعفه، أو صعوبة الضيقة، لكنه بإيمان انتظر الله، أي لم ينزعج بتأخر استجابة الله.

ركز داود على انتظار الرب، وأكد ذلك بتكرار كلمة انتظرت مرتين في هذه الآية، ثم مرة ثالثة في الآية التالية. كل هذا على رجاء وعد الله الذي ينقذه من كل ضيقاته. فكلام الله يؤكد له رعاية الله ومعونته؛ لذا كان مطمئنًا، بل نمت محبته وإيمانه بالله، فالضيقة دفعته خطوة للأمام في تعلقه بالله.

 
قديم 27 - 07 - 2024, 05:10 PM   رقم المشاركة : ( 168153 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,274,056

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




نَفْسِي تَنْتَظِرُ الرَّبَّ أَكْثَرَ مِنَ الْمُرَاقِبِينَ الصُّبْحَ.
أَكْثَرَ مِنَ الْمُرَاقِبِينَ الصُّبْحَ.

داود ينتظر الرب باشتياق واهتمام أكثر من حارس الليل الذي ينتظر طلوع الفجر. ويؤكد اشتياقه بتكرار الجملة مرتين في نفس هذه الآية، وهذا يرمز إلى صعوبة الصبر طوال الليل، وزيادة الاشتياق لرؤية نور الفجر. هكذا كل من يعبر الضيقة، أو يريد التخلص من الخطية ينتظر هذا الرجاء باشتياق شديد.

كان اليهود يضعون حراسًا للهيكل يراقبون في الليل طلوع الفجر، وينتظرونه باهتمام كبير؛ حتى إذا ما رأوا الفجر يسرعون إلى تقديم ذبيحة الصباح وهي ذبيحة المحرقة. فانتظار داود للرب هو باشتياق شديد ليقدم له العبادة المقدسة والشكروالتسبيح.

انتظار الفجر الذي انتظره داود يرمز بروح النبوة إلى انتظار قيامة المسيح التي تمت مع فجر يوم الأحد؛ لتعلن خلاص البشرية كلها التي تؤمن بالمسيح.



 
قديم 27 - 07 - 2024, 05:12 PM   رقم المشاركة : ( 168154 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,274,056

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




لِيَرْجُ إِسْرَائِيلُ الرَّبَّ، لأَنَّ عِنْدَ الرَّبِّ الرَّحْمَةَ
وَعِنْدَهُ فِدًى كَثِيرٌ، وَهُوَ يَفْدِي إِسْرَائِيلَ مِنْ كُلِّ آثَامِهِ.

ليرجُ: أي ليترجوا.

في ختام المزمور يدعو شعب الله المؤمنين به اسرائيل أن يضعوا رجاءهم في الرب؛ لأن مراحمه كثيرة أو عنده رحمة لا نهائية، وبالتالي هو مستعد أن يسامحهم، ويسندهم مهما كانت خطاياهم، ومهما صعبت ضيقاتهم.

الله عنده فداء لشعبه من كل خطاياهم ومشاكلهم، فقدرته عظيمة وله وسائل كثيرة ليخلصهم. وفداؤه كامل ليرفع عنهم كل متاعبهم، لذا فليطمئن أولاد الله، ويترجوه دائمًا.

والفداء الذي ترجاه داود وكل المؤمنين في العهد القديم هو فداء المسيح، الذي تم في ملء الزمان، وهو عربون الفداء الكامل عندما يرفعهم المسيح إلى الملكوت، ويعوضهم عن كل أتعابهم على الأرض.
 
قديم 27 - 07 - 2024, 05:13 PM   رقم المشاركة : ( 168155 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,274,056

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


† انظر إلى رحمة الله ووعوده حتى يتشدد قلبك،
ولا يصيبك الاكتئاب بسبب الضيقات،
أو الخطايا التي تسقط فيها، فتسرع إلى التوبة والصلاة،
بل إلى كل عمل صالح، مستندًا في هذا على رحمة الله وفدائه.







 
قديم 27 - 07 - 2024, 05:33 PM   رقم المشاركة : ( 168156 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,274,056

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

Rose رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


انقلاب صور وتجديدها



صور تمثل الغنى الفاحش خلال تجارتها العالمية مع الانحلال والفساد، لأنها بلد تُجاري مفتوح للغرباء. يصور النبي ما يحل بها من دمار تام لتكابد مع شعب الله المخطئ ذات التأديبات كقول الرسول بولس: "شدة وضيق على كل نفس إنسان يفعل الشر اليهودي أولًا ثم اليوناني" (رو 2: 9). لكن هذا التأديب لا يبقى إلى الأبد إنما يُقدم الله الخلاص للكل وتتمتع صور بالتجديد في المسيح يسوع المخلص العالم.


1. انقلاب صور:

1 وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ صُورَ: وَلْوِلِي يَا سُفُنَ تَرْشِيشَ، لأَنَّهَا خَرِبَتْ حَتَّى لَيْسَ بَيْتٌ حَتَّى لَيْسَ مَدْخَلٌ. مِنْ أَرْضِ كِتِّيمَ أُعْلِنَ لَهُمْ. 2 اِنْدَهِشُوا يَا سُكَّانَ السَّاحِلِ. تُجَّارُ صِيدُونَ الْعَابِرُونَ الْبَحْرَ مَلأُوكِ. 3 وَغَلَّتُهَا، زَرْعُ شِيحُورَ، حَصَادُ النِّيلِ، عَلَى مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ فَصَارَتْ مَتْجَرَةً لأُمَمٍ. 4 اِخْجَلِي يَا صِيدُونَ لأَنَّ الْبَحْرَ، حِصْنَ الْبَحْرِ، نَطَقَ قَائِلًا: «لَمْ أَتَمَخَّضْ وَلاَ وَلَدْتُ وَلاَ رَبَّيْتُ شَبَابًا وَلاَ نَشَّأْتُ عَذَارَى». 5 عِنْدَ وُصُولِ الْخَبَرِ إِلَى مِصْرَ، يَتَوَجَّعُونَ، عِنْدَ وُصُولِ خَبَرِ صُورَ. 6 اُعْبُرُوا إِلَى تَرْشِيشَ. وَلْوِلُوا يَا سُكَّانَ السَّاحِلِ. 7 أَهذِهِ لَكُمُ الْمُفْتَخِرَةُ الَّتِي مُنْذُ الأَيَّامِ الْقَدِيمَةِ قِدَمُهَا؟ تَنْقُلُهَا رِجْلاَهَا بَعِيدًا لِلتَّغَرُّبِ. 8 مَنْ قَضَى بِهذَا عَلَى صُورَ الْمُتَوِّجَةِ الَّتِي تُجَّارُهَا رُؤَسَاءُ؟ مُتَسَبِّبُوهَا مُوَقَّرُو الأَرْضِ. 9 رَبُّ الْجُنُودِ قَضَى بِهِ لِيُدَنِّسَ كِبْرِيَاءَ كُلِّ مَجْدٍ، وَيَهِينَ كُلَّ مُوَقَّرِي الأَرْضِ. 10 اِجْتَازِي أَرْضَكِ كَالنِّيلِ يَا بِنْتَ تَرْشِيشَ. لَيْسَ حَصْرٌ فِي مَا بَعْدُ. 11 مَدَّ يَدَهُ عَلَى الْبَحْرِ. أَرْعَدَ مَمَالِكَ. أَمَرَ الرَّبُّ مِنْ جِهَةِ كَنْعَانَ أَنْ تُخْرَبَ حُصُونُهَا. 12 وَقَالَ: «لاَ تَعُودِينَ تَفْتَخِرِينَ أَيْضًا أَيَّتُهَا الْمُنْهَتِكَةُ، الْعَذْرَاءُ بِنْتُ صِيْدُونَ. قُومِي إِلَى كِتِّيمَ. اعْبُرِي. هُنَاكَ أَيْضًا لاَ رَاحَةَ لَكِ». 13 هُوَذَا أَرْضُ الْكَلْدَانِيِّينَ. هذَا الشَّعْبُ لَمْ يَكُنْ. أَسَّسَهَا أَشُّورُ لأَهْلِ الْبَرِّيَّةِ. قَدْ أَقَامُوا أَبْرَاجَهُمْ. دَمَّرُوا قُصُورَهَا. جَعَلَهَا رَدْمًا. 14 وَلْوِلِي يَا سُفُنَ تَرْشِيشَ لأَنَّ حِصْنَكِ قَدْ أُخْرِبَ.

سبق لنا الحديث عن صور في تفسيرنا لسفر حزقيال [حز 26]
كلمة "تصور" tsor تعني "صخرة"، ربما لأنها قامت على جزيرة صخرية، إلاَّ أن القديس جيروميرى أن كلمة "صور" في العبرية تعني "محنة"، لذا يرى أن سكانها يشيرون إلى الساقطين تحت محنة الشيطان وبلاياه.
يرى Keith وUrquhart أن ما ورد في هذا الفصل عن صور قد تحقق حرفيًا.
لقد سقطت صور تحت الحصار عدة مرات منها: حاصرها شلمناصَّر لمدة خمس سنوات ولم يقدر أن يستولي عليها؛ وحاصرها نبوخذنصَّر لمدة 13 سنة دون جدوى؛ وحاصرها إسكندر الأكبر وافتتحها بعد سبعة شهور سنة 332 ق.م. وقام بتدميرها. حاصرها أيضًا انطيخونس Antigonus كما حوصرت في العصور الوسطى عدة مرات بواسطة الصليبيين. وتعتبر صور هذه المسئولة عن قيام الحرب العالمية الأولى التي مات فيها قرابة 40 مليون شخصًا، إذ اشتعلت بسبب محاولة المانيا إنشاء سكة حديد بين برلين وبغداد لتنمية التجارة مع بلاد الشرق الأوسط.
ما ورد هنا لا يخص حصارًا معينًا لصور، وإنما يمثل ما يحل بكل نفس تتشبه بصور من جهة ارتباكها بالغنى مع الرجاسات.


يصف النبي حصار صور قائلًا:" وحيّ من جهة صور؛ ولولي يا سفن ترشيش لأنها خربت حتى ليس بيت حتى ليس مدخل من أرض كتيم أُعلن لهم" [1]. هنا يبرز أثر الخراب الذي حلّ بصور على بحارة السفن التجارية العائدة من ترشيش ويبدو أنهم لم يكونوا قد سمعوا عن انهيار المدينة فذهلوا إذ لم يجدوا مدخلًا للمدينة فقد تهدمت أسوارها، ولا وجدوا بيتًا واحدًا. لقد انتشر الخبر لفداحته حتى بلغ كتيم أي جزيرة قبرص كرمز لسماع دول أوروبا جميعها عن هذا الحدث. ويرى البعض أن هذا الحصار تم بواسطة الجيش المقدوني، جيش الإسكندر الأكبر، القادم من جزيرة قبرص.
يدعو النبي المدن المجاورة لتندب حال صور، فقد كانت مصدر خير لها خلال التجارة والآن قد تدمرت تمامًا وفقدت بعض المدن الكثير من الربح.
سمع تجار صيدون (تعني "صيد السمك" تبعد حوالي 22 ميلًا شمال صور وتعتبر المدينة الأم لصور فقد جاءت تندب حال ابنتها)، جاء التجار الذين اعتادوا أن يجولوا في شوارعها وقد أصابتهم الدهشة لما حلّ بها فلم يستطيعوا أن ينطقوا بكلمة بل حلّ بهم الحزن الشديد. أما المصريون سكان وادي النيل فحزنوا لأن صور كانت مركزًا هامًا لاستيراد غلاتهم ومحاصيلهم مقابل استيراد بضائع صور. يُشير النبي إلى نهر النيل بكلمة "شيحور" وتعني "اضطرابًا" (إش 22: 3).
هكذا تحزن صيدون على ابنتها الذليلة بل المنهارة "صور"، هذه التي كانت كعروس البحر الأبيض المتوسط أو كملكة متوّجة أنعشت بلاد كثيرة في أفريقيا وأوروبا، الآن صارت أشبه بفتاة عانس تئن من العزلة، بلا زوج ولا بنين، فقدت بلادًا كثيرة التي كانت أشبه ببنين لها [4].
حزنت مصر لأنها فقدت مركزًا هامًا لتصدير غلاتها، وربما لأنها خشيت أن يحل بها ما حلّ بصور. هذا ما حدث في أيام نبوخذنصَّر الذي نهب ثروة فرعون بعد حصاره صور (حز 29: 17-20).
يطلب النبي من البقية الباقية في صور أن يرحلوا إلى ترشيش وهي مدينة قديمة في أسبانيا وأحد مستعمرات صور المزدهرة، رحلوا وهم مولولين لأنهم هاربون كلاجئين. يرى البعض أن النبي نطق بذلك كنوع من السخرية بسكان صور المتعجرفين
منذ القدم، ها هم يرحلون في رعب وخوف ليعيشوا غرباء ولاجئين.
يقدم النبي سؤالًا لاهوتيًا يثير السامعين على البحث عن الإجابة، وهو: "من قضى بهذا على صور المتوّجة، التي تجارها رؤساء، متسببوها موقروا الأرض؟" بمعنى آخر من الذي قضى على صور الملكة المتوّجة والتي جعلت من مستعمراتها أمراء ورؤساء ومن تجارها أشرافًا موقرين في كل المسكونة؟! لقد كانت ملكة غنية أفاضت بالغنى والترف والكرامة مع الكبرياء على الدول التي كانت تتعامل معها فمن الذي حكم عليها هكذا؟
رب الجنود هو الذي قضى بذلك [9] لينزل بكبريائها إلى الحضيض ويهين كل تجارها أصحاب الوقار والكرامة الزمنية. هذا ما عناه عاموس النبي حين قال: "هل تحدث بلية في مدينة والرب لم يصنعها؟!" (عا 3: 6).
يقول الأب ثيؤدور: [حينما يتحدث الحكم الإلهي مع البشر يتكلم معهم حسب لغتهم ومشاعرهم البشرية. فالطبيب يقوم بقطع أو كي الذين يعانون من القروح لأجل سلامة صحتهم، ومع هذا يرى غير القادرين على الاحتمال أن ذلك شر].
الله قضى بذلك، لكن علة الخراب هو الكبرياء والمجد الباطل، الخطية هي التي تفسد الإنسان كما الأمم، أما حكم الله إنما هو إعلان عما يجلبه الإنسان لنفسه بنفسه.


يشبه النبي صور الهاربة بعد الخراب بامرأة فقدت كل شيء تجتاز نهر النيل وليس لديها منطقة تربط بها ثيابها؛ أو تشبه مياه النيل عند المصب فإنها تتدفق على البحر وليس من يقدر أن يوقفها، هكذا هرب أهل صور من مدينتهم المحطمة بلا قوة ولا قدرة وكأن المياه تجرفهم نحو البحر [10]، لذا يدعوها "المتهتكة العذراء بنت صيدون" [12].
مدّ الرب يده بالغضب على البحر، أي أمر الممالك أن تثور ضد فينيقية (كنعان) لتخرب حصونها [11]، وتحطم كبريائها فلا تعود تفتخر [12] وعوض كونها ملكة تصير عذراء متهتكة، تهرب إلى كيثم (قبرص) ولا تجد راحة... ماذا يعني هذا؟
أ. مدّ الرب يده داعيًا للتوبة، لكن صور لم تستجب للنداء، فصارت اليد ممدودة للعقاب. لقد بسط أيضًا رب المجد يديه على الصليب بالحب، فمن آمن وجد في الصليب قوة الله للخلاص، ومن جحده صار تحت الدينونة.
ب. كان أمام صور أن تهرب إلى كتيم...

لكنها لم تجد راحة، فإن سلام الإنسان لا يتوقف على الموقع الذي يوجد فيه وإنما على أعماق النفس الداخلية. راحة الإنسان لا في تغيير مكانه أو عمله أو ظروفه الاجتماعية وإنما في رجوعه إلى الله مخلصه الذي يُنادي: "تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أُريحكم" (مت 11: 28).
وكما يقول القديس يوحنا سابا: [طوبى لذاك الذي يطلبك في داخله كل ساعة، منه تجري له الحياة ليتنعم].
إذ عرف الله أن صور لن تسمع لهذا الصوت طلب منها أن تتعظ مما حدث للكلدانيين بواسطة ملك أشور، فقد حوّل قصورها إلى ردم.
2. تجديد صور:

15 وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ صُورَ تُنْسَى سَبْعِينَ سَنَةً كَأَيَّامِ مَلِكٍ وَاحِدٍ. مِنْ بَعْدِ سَبْعِينَ سَنَةً يَكُونُ لِصُورَ كَأُغْنِيَّةِ الزَّانِيَةِ: 16 «خُذِي عُودًا. طُوفِي فِي الْمَدِينَةِ أَيَّتُهَا الزَّانِيَةُ الْمَنْسِيَّةُ. أَحْسِنِي الْعَزْفَ، أَكْثِرِي الْغِنَاءَ لِكَيْ تُذْكَرِي». 17 وَيَكُونُ مِنْ بَعْدِ سَبْعِينَ سَنَةً أَنَّ الرَّبَّ يَتَعَهَّدُ صُورَ فَتَعُودُ إِلَى أُجْرَتِهَا، وَتَزْنِي مَعَ كُلِّ مَمَالِكِ الْبِلاَدِ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ. 18 وَتَكُونُ تِجَارَتُهَا وَأُجْرَتُهَا قُدْسًا لِلرَّبِّ. لاَ تُخْزَنُ وَلاَ تُكْنَزُ، بَلْ تَكُونُ تِجَارَتُهَا لِلْمُقِيمِينَ أَمَامَ الرَّبِّ، لأَكْل إِلَى الشِبَعِ وَلِلِبَاسٍ فَاخِرٍ.

الله في حبه للبشر لا يترك الإنسان في فساده لكنه يُقدم له كل إمكانية للخلاص. لهذا بعدما صوّر النبي مدى الخراب الذي حلّ بصور عاد لكي يتحدث عن تجديدها بالرب المخلص.
تُترك مستعبدة لبابل 70 عامًا وهي تُقابل السبعين عامًا التي تنبأ عنها إرميا النبي بخصوص سبي إسرائيل البابلي (إر 29: 10)، وكأن الأمم تشترك مع إسرائيل في هذه المذلة لأنه قد أغلق على الكل معًا في العصيان (رو 11: 32) لكي ينعم الكل بالمخلص ويُرحم الجميع. لقد اتُهِمَت أورشليم بأنها زانية (إش 1: 21) وها هي صور تحمل ذات الاتهام [16].
الفترة من السنة الأولى لمُلك نبوخذنصَّر حتى كورش هي 70 سنة تمامًا، خلالها خدمت الأمم بابل.
يصف النبي صور بامرأة زانية تُغني في الأماكن العامة لتجتذب الرجال إليها؛ هكذا فعلت صور بتجارتها التي ارتبطت بالفساد، لكنها بعدما طافت العالم كما لو كان مدينة واحدة تطوف فيها الزانية سقطت تحت سيطرة بابل 70 عامًا في مذلة لا تمارس فيها تجارتها ولا تبعث بالفساد في الدول الأخرى حتى صارت منسية. نساها العالم لكن الله لن ينساها بل يحوّل ذلها إلى مجد، فبعدما كانت تجارتها مرتبطة بالفساد تعود فترتبط بالحياة المقدسة في الرب، يصير تجارتها شهودًا لإنجيل الخلاص، إذ تدخل مع الأمم في الإيمان لتمارس الحياة الإنجيلية وتكرز بها. بعدما كانت في جوع وعري ليس خلال السبي البابلي وإنما خلال عبودية الخطية صارت في حضرة الرب تأكل من خبز الحياة فلا تجوع، وتنعم بلباس المعمودية فلا تتعرى، كقول الرسول: "لأنكم كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح" (غلا 3: 27). هذا ما عناه النبي بالقول: "وتكون تجارتها وأجرتها قدسًا للرب؛ لا تُخزن ولا تُكنز بل تكون تجارتها للمقيمين أمام الرب لأكلٍ إلى الشبع وللباسٍ فاخرٍ" [18].


تدنيس الأرض



في الأصحاحات السابقة أبرز النبي فاعلية الخطية في حياة الأمم والشعوب مقدمًا نبوات عن سبع أمم لتأكيد فساد كل الشعوب حتى شعبه الخاص يهوذا وآفرايم. الآن يتحدث في الأصحاحات (24-27) عن نبوات عامة تخص الأرض كلها، ليظهر شمولية الفساد. وفي حديثه يشرق بعبارات تبعث الرجاء وتفتح طريق الخلاص.
تبدأ النبوات بإعلان أن الأرض ذاتها التي خلقها الله بصلاحه من أجل سعادة الإنسان قد فسدت، واحتاجت أن يفرغها الله ليُجددها. هذا ما حدث بالجسد (لأن الأرض تُشير إلى الجسد الترابي)، فالخطية حطمت قدراته وإمكانيته بل وطبيعة الأمور التي خلقها الله صالحة لتعمل لبنيان الإنسان والجماعة، لقد صرنا محتاجين إلى تجديد خلقتنا، أي الولادة الجديدة فيتقدس الجسد مع النفس بكل الطاقات والقدرات الداخلية.



1. ضربات عامة:

1 هُوَذَا الرَّبُّ يُخْلِي الأَرْضَ وَيُفْرِغُهَا وَيَقْلِبُ وَجْهَهَا وَيُبَدِّدُ سُكَّانَهَا. 2 وَكَمَا يَكُونُ الشَّعْبُ هكَذَا الْكَاهِنُ. كَمَا الْعَبْدُ هكَذَا سَيِّدُهُ. كَمَا الأَمَةُ هكَذَا سَيِّدَتُهَا. كَمَا الشَّارِي هكَذَا الْبَائِعُ. كَمَا الْمُقْرِضُ هكَذَا الْمُقْتَرِضُ. وَكَمَا الدَّائِنُ هكَذَا الْمَدْيُونُ. 3 تُفْرَغُ الأَرْضُ إِفْرَاغًا وَتُنْهَبُ نَهْبًا، لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ تَكَلَّمَ بِهذَا الْقَوْلِ. 4 نَاحَتْ ذَبُلَتِ الأَرْضُ. حَزِنَتْ ذَبُلَتِ الْمَسْكُونَةُ. حَزِنَ مُرْتَفِعُو شَعْبِ الأَرْضِ. 5 وَالأَرْضُ تَدَنَّسَتْ تَحْتَ سُكَّانِهَا لأَنَّهُمْ تَعَدَّوْا الشَّرَائِعَ، غَيَّرُوا الْفَرِيضَةَ، نَكَثُوا الْعَهْدَ الأَبَدِيَّ. 6 لِذلِكَ لَعْنَةٌ أَكَلَتِ الأَرْضَ وَعُوقِبَ السَّاكِنُونَ فِيهَا. لِذلِكَ احْتَرَقَ سُكَّانُ الأَرْضِ وَبَقِيَ أُنَاسٌ قَلاَئِلُ. 7 نَاحَ الْمِسْطَارُ، ذَبُلَتِ الْكَرْمَةُ، أَنَّ كُلُّ مَسْرُورِي الْقُلُوبِ. 8 بَطَلَ فَرَحُ الدُّفُوفِ، انْقَطَعَ ضَجِيجُ الْمُبْتَهِجِينَ، بَطَلَ فَرَحُ الْعُودِ. 9 لاَ يَشْرَبُونَ خَمْرًا بِالْغِنَاءِ. يَكُونُ الْمُسْكِرُ مُرًّا لِشَارِبِيهِ. 10 دُمِّرَتْ قَرْيَةُ الْخَرَابِ. أُغْلِقَ كُلُّ بَيْتٍ عَنِ الدُّخُولِ. 11 صُرَاخٌ عَلَى الْخَمْرِ فِي الأَزِقَّةِ. غَرَبَ كُلُّ فَرَحٍ. انْتَفَى سُرُورُ الأَرْضِ. 12 اَلْبَاقِي فِي الْمَدِينَةِ خَرَابٌ، وَضُرِبَ الْبَابُ رَدْمًا. 13 إِنَّهُ هكَذَا يَكُونُ فِي وَسَطِ الأَرْضِ بَيْنَ الشُّعُوبِ كَنُفَاضَةِ زَيْتُونَةٍ، كَالْخُصَاصَةِ إِذِ انْتَهَى الْقِطَافُ.

يشّبه النبي الأرض كلها بإناء كل ما بداخله قد فسد لذا يقوم صاحبه بتفريغه تمامًا بأن يقلبه رأسًا على عقب، فيقول: "هوذا الرب يخلي الأرض ويفرغها ويقلب وجهها ويبدد سكانها. وكما يكون الشعب هكذا الكاهن؛ كما العبد هكذا سيده؛ كما الأَمة هكذا سيدتها؛ كما الشاري هكذا البائع؛ كما المقرض هكذا المقترض؛ وكما الدائن هكذا المديون" [1-2].
هكذا أغلق على الجميع في العصيان، واستحق الكل الموت، واحتاج الجميع إلى مخلص قادر على تجديد طبيعتهم، يشترك في هذا الكاهن مع الشعب، العظيم مع المحتقر، الغني مع الفقير. هذا الأمر يحتاج كما إلى تفريغ الأرض لتعود إلى ما قبل خلقة العالم -خالية وخاوية- فيُعيد الرب نفسه خلقتها.
هذا هو الأساس اللاهوتي للخلاص، أن الخليقة قد فسدت تمامًا واحتاجت إلى صانعها لتجديد خلقتها،
وكما يقول البابا أثناسيوس الرسولي: [هذا يشبه صورة لإنسان رسمت على لوحة، ثم حدث أن تشوهت بأصباغ خارجية، فصار لزامًا أن يحضر صاحب الصورة مرة أخرى لتجديد صورة الوجه على ذات الخشب (اللوحة)].
ماذا فعلت الخطية أو العصيان بالبشرية؟ لقد اقتربت البشرية إلى نيران الغضب الإلهي فاحترقت، أما سرّ الاحتراق فهو إرادة الإنسان العاصية التي تسحبه نحو الهلاك.
يقدم إشعياء النبي تشبيهًا يكشف عن حال البؤس التي وصلت إليه البشرية، فقد اعتاد الناس في فترة حصاد الكروم أن يقيموا حفلات مبهجة، يشربون الخمر ويغنون بفرح ويقدمون تقدمات للفقراء. جاء وقت الجني فإذ بالكروم تعلن حدادها إذ لا تحمل عنبًا، أصحاب الدفوف يتوقفون عن الضرب بها، ليس من يُغني ولا من يفرح فقد هرب كل سرور من على وجه الأرض وحلّ الدمار بنار غضب الله فصار كل ما في العالم رمادًا [7-12]. هكذا يشبّه العالم بمدينة محترقة تحولت رمادًا وحقول حزينة جافة لا تحمل ثمرًا. يشبّهه بشجرة زيتون نفضت أوراقها وصارت عارية بلا ثمر ولا أوراق [13]، وككرمة بعد انتزاع كل عناقيدها منها.
يليق بالكاهن أن يدرك حاجته للخلاص مثله مثل الشعب [2]
وكما يقول القديس غريغوريوس النزينزي: [بالحقيقة لا يوجد تمييز بين الشعب والكهنة...].
2. فرح المؤمنين بالرب:

14 هُمْ يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ وَيَتَرَنَّمُونَ. لأَجْلِ عَظَمَةِ الرَّبِّ يُصَوِّتُونَ مِنَ الْبَحْرِ. 15 لِذلِكَ فِي الْمَشَارِقِ مَجِّدُوا الرَّبَّ. فِي جَزَائِرِ الْبَحْرِ مَجِّدُوا اسْمَ الرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ. 16 مِنْ أَطْرَافِ الأَرْضِ سَمِعْنَا تَرْنِيمَةً: «مَجْدًا لِلْبَارِّ». فَقُلْتُ: «يَا تَلَفِي، يَا تَلَفِي! وَيْلٌ لِي! النَّاهِبُونَ نَهَبُوا. النَّاهِبُونَ نَهَبُوا نَهْبًا».

وسط هذا الدمار الذي أفقد البشرية سلامها الداخلي وفرحها توجد بقية مقدسة تعلن بهجتها وفرحها بالرب بواسطة التسبيح والترنم.
"هم يرفعون أصواتهم ويترنمون، لأجل عظمة الرب يصوتون من البحر.
لذلك في المشارق مجدوا الرب. في جزائر البحر مجدوا اسم الرب إله إسرائيل.
من أطراف الأرض سمعنا ترنيمة: مجدًا للبار" [14-16].
يتحدث هنا عن البقية القليلة في العالم التي قبلت الإيمان ورجعت إلى الله، هؤلاء يعيشون في المشارق أي يتمتعون بشمس البر المشرق عليهم (ملا 4: 3). ولئلا يظن بالمشارق هنا مجرد مكان قال: "في جزائر البحر مجدوا اسم الرب" ليؤكد أن الساكنين في الغرب (جزائر البحر الأبيض غرب أورشليم) يتمتعون بالخلاص مع الشرقيين.
موضوع التسبيح هو "مجدًا (للمسيح) البار!"


3. تسبيح مع رعدة:

17 عَلَيْكَ رُعْبٌ وَحُفْرَةٌ وَفَخٌّ يَا سَاكِنَ الأَرْضِ. 18 وَيَكُونُ أَنَّ الْهَارِبَ مِنْ صَوْتِ الرُّعْبِ يَسْقُطُ فِي الْحُفْرَةِ، وَالصَّاعِدَ مِنْ وَسَطِ الْحُفْرَةِ يُؤْخَذُ بِالْفَخِّ. لأَنَّ مَيَازِيبَ مِنَ الْعَلاَءِ انْفَتَحَتْ، وَأُسُسَ الأَرْضِ تَزَلْزَلَتْ. 19 اِنْسَحَقَتِ الأَرْضُ انْسِحَاقًا. تَشَقَّقَتِ الأَرْضُ تَشَقُّقًا. تَزَعْزَعَتِ الأَرْضُ تَزَعْزُعًا. 20 تَرَنَّحَتِ الأَرْضُ تَرَنُّحًا كَالسَّكْرَانِ، وَتَدَلْدَلَتْ كَالْعِرْزَالِ، وَثَقُلَ عَلَيْهَا ذَنْبُهَا، فَسَقَطَتْ وَلاَ تَعُودُ تَقُومُ. 21 وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ الرَّبَّ يُطَالِبُ جُنْدَ الْعَلاَءِ فِي الْعَلاَءِ، وَمُلُوكَ الأَرْضِ عَلَى الأَرْضِ. 22 وَيُجْمَعُونَ جَمْعًا كَأَسَارَى فِي سِجْنٍ، وَيُغْلَقُ عَلَيْهِمْ فِي حَبْسٍ، ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ يَتَعَهَّدُونَ. 23 وَيَخْجَلُ الْقَمَرُ وَتُخْزَى الشَّمْسُ، لأَنَّ رَبَّ الْجُنُودِ قَدْ مَلَكَ فِي جَبَلِ صِهْيَوْنَ وَفِي أُورُشَلِيمَ، وَقُدَّامَ شُيُوخِهِ مَجْدٌ.

الخلاص الذي يقدمه الله للبشرية يلهب قلب المؤمنين فرحًا وتهليلًا، ويبعث رعبًا بالنسبة لغير المؤمنين الجاحدين وأيضًا للشياطين.
لقد أدرك عدو الخير أن نهبًا قد تم بالنسبة له، فقد اجتذب الصليب الكثير من النفوس التي استعبدها العدو، وحطمت القيامة كل قوات الظلمة وفتحت أبواب الفردوس.
يرى النبي عدو الخير أشبه بوحش بري سقط في الشباك في حفرة، وفتح فاه يندب حاله في يأس مع خوف ورعدة [16-18].

ارتعب عندما رأى نفسه ينحدر نحو الهاوية كما في حفرة عميقة للغاية، بينما وقفت السماء والأرض تشهدان للصليب: "ميازيب من العلاء انفتحت، وأسس الأرض تزلزلت؛ انسحقت الأرض انسحاقًا، تشققت الأرض تشققًا، تزعزعت الأرض تزعزعًا" [18-19]، "في ذلك اليوم يخجل القمر وتخزى الشمس لأن رب الجنود قد ملك على جبل صهيون في أورشليم" [23].
هكذا تشهد الطبيعة عن ثقل الخطية التي حملها السيد المسيح عنا، كأنها كتلة ثقيلة للغاية دُفعت نحو الأرض فشققتها وزعزعتها وأثارت فيها زلازل حتى خجل القمر وخزيت الشمس مما فعلته الخطية. هذا ومن جانب آخر وقفت الطبيعة كما في خزي وخجل أمام ما فعله الإنسان بمخلصه وفاديه.
بالصليب دخلنا في المُلك الروحي (رؤ 20) حيث يملك رب الجنود على جبل صهيون في أورشليم [23]؛ يملك بالصليب على قلوب المؤمنين، مقيدًا إبليس وكل جنوده الروحيين كأسرى حتى يأتي وقت الارتداد [22]، إذ شهر بهم جهارًا (كو 2: 15)، واهبًا إيانا سلطانًا أن ندوس على الحيات والعقارب وكل قوة العدو.
منظر الصليب حطم العدو، معلنًا المجد الإلهي أمام الشيوخ [23]، فقد عاين الرسل قوة الخلاص وأدركوها في حياتهم كما في كرازتهم.


تسبحة شكر من أجل الملكوت



بنهاية الأصحاح السابق ينتهي الجزء الخاص بتهديدات إشعياء النبي بالخراب الذي يحل بالأمم بسبب البعد عن الله وعصيانه ومقاومته، أما الأصحاحات 25-27 فتُقدم تسابيح الخلاص وتعلن مقاصد الله من جهة التأديب، كما تكشف عن مدى اشتياق الله نحو كرمه المشتهاة ودعوته شعبه للتمتع بالوليمة العظيمة وتحطيم قوى إبليس.
الأصحاح 25 (إش 25) يمثل تسبحة من أجل عمل الله مع شعبه الذي يردهم من السبي ويهلك أعداءهم (من بينهم موآب)، كرمز لعمله الخلاصي في العهد الجديد حيث يُقيم ملكوته، واهبًا الحرية لشعبه والغلبة على قوات الظلمة.
يدخل بنا هذا الأصحاح إلى ملكوت العهد الجديد حيث يظهر الرب قادمًا ليُقيم مملكته السماوية في حياة البشر. هذا ما أعلنه القديس يوحنا المعمدان في بدء خدمته قائلًا: "توبوا فأنه قد اقترب منكم ملكوت السموات"، أما الملك نفسه فقال: "ملكوت الله داخلكم" (لو 7: 21).
لقد رفض الجاحدون الملك المسيا، ومع هذا فلا يكف الملك عن أن يدعو كل البشرية إلى ملكوته قائلًا: "تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم" (مت 11: 28). إنها دعوة مفتوحة للجميع عبر كل الأجيال.



1. تسبحة حمد لله:

1 يَا رَبُّ، أَنْتَ إِلهِي أُعَظِّمُكَ. أَحْمَدُ اسْمَكَ لأَنَّكَ صَنَعْتَ عَجَبًا. مَقَاصِدُكَ مُنْذُ الْقَدِيمِ أَمَانَةٌ وَصِدْقٌ. 2 لأَنَّكَ جَعَلْتَ مَدِينَةً رُجْمَةً. قَرْيَةً حَصِينَةً رَدْمًا. قَصْرَ أَعَاجِمَ أَنْ لاَ تَكُونَ مَدِينَةً. لاَ يُبْنَى إِلَى الأَبَدِ. 3 لِذلِكَ يُكْرِمُكَ شَعْبٌ قَوِيٌّ، وَتَخَافُ مِنْكَ قَرْيَةُ أُمَمٍ عُتَاةٍ. 4 لأَنَّكَ كُنْتَ حِصْنًا لِلْمِسْكِينِ، حِصْنًا لِلْبَائِسِ فِي ضِيقِهِ، مَلْجَأً مِنَ السَّيْلِ، ظِّلًا مِنَ الْحَرِّ، إِذْ كَانَتْ نَفْخَةُ الْعُتَاةِ كَسَيْل عَلَى حَائِطٍ. 5 كَحَرّ فِي يَبَسٍ تَخْفِضُ ضَجِيجَ الأَعَاجِمِ. كَحَرّ بِظِلِّ غَيْمٍ يُذَلُّ غِنَاءُ الْعُتَاةِ.

انفتحت عينا إشعياء النبي على ملكوت المسيح ففاض قلبه تهليلًا وانطلق لسانه يُسبح الله من أجل عمله الخلاصي؛ بعدما تنبأ عن التأديبات المُرّة صار مرتلًا يُقدم مزامير حمد لله. أما سرّ تسبيحه وحمده لله فهو:
أ. تحقيق كلمات الله ومواعيده الأمينة الصادقة: "يا رب أنت إلهي أُعظمك، أحمد اسمك لأنك صنعت عجبًا، مقاصدك منذ القديم أمانة وصدق" [1]. لقد أدرك النبي أن سرّ الخلاص يكمن في مواعيد الله الأمينة وعمل يديه العجيبة.
لهذا يعلق القديس إيرناؤسعلى هذه التسبحة قائلًا: [نرى هنا أننا لا نخلص بأنفسنا بل بعون الله].
نسبح الله ونحمده من أجل مقاصده الإلهية الأزلية العجيبة، فمنذ القديم مهتم بخلاصنا، قبل أن نوجد، لأننا كنا في فكره، موضع حبه.
ب. إبادة الشر (بابل): "لأنك جعلت مدينة رجمة، قرية حصينة ردمًا، قصر أعاجم أن لا تكون مدينة، لا يبُنى إلى الأبد" [2].
خلاصنا بالذراع الإلهي يتحقق بالقضاء على الشر، أي على مدينة بابل المتعجرفة والمملوءة ارتباكًا، المحتضنة بضد المسيح. وكأن سرّ تسبيحنا هو قيام مملكة المسيح الذي يُلازمه انهيار مملكة إبليس المقاوم للحق وتحطيم لمدينته وهدم لقصره.
لعل المدينة هنا تُشير إلى سيطرة عدو الخير على الجماعة، والقرية تُشير إلى سيطرته على جماعة أقل مثل الأسرة، والقصر يُشير إلى تملكه على القلب، فان عدو الخير يعمل على كل المستويات ليملك خلال الجماعة أو الأسرة أو الفرد... ومسيحنا أيضًا يُقاومه على كل المستويات ليهدم كل أثر لمملكته.
أما دعوة النفس التي يُسيطر عليها العدو "قصر الأعاجم" أو "قصر الغرباء" فلأن عدو الخير بملائكته يحتلون النفس كغرباء وأعاجم، يملكون ما ليس لهم؛ إنها خليقة الله الصالحة التي تسللوا إليها.
لعل أيضًا هدم المدينة أو القرية أو القصر يُشير إلى هدم إنساننا القديم بكل أعماله لأجل التجديد المستمر لإنساننا الداخلي على صورة خالقه (2 كو 4: 16).
ج. الكرازة: مما يفرح القلب ويملأه تسبيحًا أن قيام مملكة المسيح الداخلية مع هدم مملكة عدو الخير فينا يصحبه شهادة أو كرازة لعمل الله وإنجيل خلاصه، فتُجتذب نفوس كثيرة لتقوم كنيسة قوية لا من جهة العدد وإنما من حيث مسيحها القدير الحالّ فيها. يقول النبي: "لذلك يكرمك شعب قوي، وتخاف منك قرية أمم عُتاة" [3].
تتهلل نفوسنا بشعب الله القوي الذي يحمل فيه قوة قيامته الغالبة للموت، فيعيشون كنفوس عتاة (جبابرة بأس) يمارسون المخافة الإلهية. وكما قيل عنهم: "فدخل فيهم الروح فحيوا وقاموا على أقدامهم جيش عظيم جدًا جدًا" (حز 37: 10)، "مرهبة كجيش بألوية" (نش 6: 10).
حينما تنهار فينا مدينة بابل وتتحطم قرية إبليس الحصينة ويخرب قصره، يملك الرب ليُقيم منا شعبًا قويًا مرهبًا للعدو... ما هو هذا الشعب المرهب إلاَّ تقديس النفس والجسد والفكر والكلمات والعواطف حتى ظل الإنسان؟! ألم تهرب الأمراض من ظل بطرس الرسول (أع 5: 15)؟! ألم تخرج الشياطين والأرواح الشريرة لمجرد رؤية عصائب الرسول بولس؟!
د. إنصاف المظلومين: "لأنك كنت حصنًا للمسكين، حصنًا للبائس في ضيقه، ملجأ من السيل، ظلًا من الحرّ، إذ كانت نفخة العتاة كسيل على حائط كحر في يبس (جفاف) تخفض ضجيج الأعاجم..." [4-5].
تئن البشرية من قانون الظلم الذي سادها منذ دخلت إليها الخطية لهذا يتقدم الله نفسه كسرّ تعزية عملية، يسند كل نفس جريحة، مقدمًا نفسه قوة وحصنًا للمسكين والبائس وقت الضيق، ملجأ من السيول (العواصف)، وظلًا من الحر بينما تكون نفخة الإنسان الجبار مثل عاصفة ضد حائط. وكأن الله في حبه الفائق ورعايته الأبوية يُقدم نفسه لمؤمنيه حسب احتياجاتهم، يصير لهم كل شيء من أجل سلامهم وبنيانهم وشبعهم، فهو القوة والحصن والملجأ والسحابة المظلمة والخبز النازل من السماء إلخ...
2. وليمة العهد الجديد:

6 وَيَصْنَعُ رَبُّ الْجُنُودِ لِجَمِيعِ الشُّعُوبِ فِي هذَا الْجَبَلِ وَلِيمَةَ سَمَائِنَ، وَلِيمَةَ خَمْرٍ عَلَى دَرْدِيّ، سَمَائِنَ مُمِخَّةٍ، دَرْدِيّ مُصَفًّى. 7 وَيُفْنِي فِي هذَا الْجَبَلِ وَجْهَ النِّقَابِ. النِّقَابِ الَّذِي عَلَى كُلِّ الشُّعُوبِ، وَالْغِطَاءَ الْمُغَطَّى بِهِ عَلَى كُلِّ الأُمَمِ. 8 يَبْلَعُ الْمَوْتَ إِلَى الأَبَدِ، وَيَمْسَحُ السَّيِّدُ الرَّبُّ الدُّمُوعَ عَنْ كُلِّ الْوُجُوهِ، وَيَنْزِعُ عَارَ شَعْبِهِ عَنْ كُلِّ الأَرْضِ، لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ تَكَلَّمَ. 9 وَيُقَالُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: «هُوَذَا هذَا إِلهُنَا. انْتَظَرْنَاهُ فَخَلَّصَنَا. هذَا هُوَ الرَّبُّ انْتَظَرْنَاهُ. نَبْتَهِجُ وَنَفْرَحُ بِخَلاَصِهِ».

يتقدم كلمة الله المخلص إلى كل نفس ليكون هو المشبع لاحتياجاتها وواهبها السلام والقوة ضد العدو الشرير، فتتمتع النفس بالحياة الجديدة في المسيح كوليمة مفرحة دائمة.

هذه الوليمة في حقيقتها هي الحياة الإنجيلية المشبعة والمقدمة لكل الشعوب، يصفها هنا هكذا:
أ. وليمة عامة: "ويصنع رب الجنود لجميع الشعوب وليمة..." [6]. لقد انفتح الباب على مصراعيه لجميع الشعوب لتتمتع بكلمة الله وعهوده ومواعيده وشرائعه وأعماله الخلاصية، خاصة الشركة في الأفخارستيا (جسد الرب ودمه)، ولم تعد عطايا الله حكرًا على شعب معين أو جنس خاص.
يعلن السيد المسيح عمومية الدعوة بقوله: "اذهبوا إلى مفارق الطرق وكل من وجدتموه فادعوه إلى العرس" (مت 22: 9).
ب. وليمة دسمة، دعاها "وليمة سمائن" [6]. ما هذه الوليمة الدسمة أو العيد الدسم إلاَّ سرّ الافخارستيا، حيث يشترك المؤمنون من كل الشعوب مع السمائيين في التسبيح، وتنفتح أبواب السماء أمامهم، أو قل تصير الكنيسة سماء ليتمتع المؤمنون بجسد الرب المبذول ودمه الكريم خلاصًا وشبعًا لهم؟!
* ["الرب راعيّ فلا يعوزني شيء..." (مز 23)]
اسمعوا عن ماهية الأسرار التي نلتموها. اسمعوا داود ماذا يقول لكم...؟ كيف استهل مزموره بأنه لم يعد في عوز إلى شيء؟ لماذا؟ لأن من يتناول جسد المسيح لا يعود يجوع بعد.
القديس أمبروسيوس
* الذين حُرِمُوا من البركات الأرضية بسبب صِغَر سنهم تُعْطَى لهم المواهب السماوية بِغِنَى للملء، فيحق لهم الترنم بفرح، قائلين: "الرب راعيّ فلا يعوزني شيء" (مز 23: 1).
القديس ديديموس الضرير
* هذه المائدة هي عضد نفوسنا، رباط ذهننا، أساس رجائنا، خلاصنا ونورنا وحياتنا.
* عندما ترى المائدة معدة قدامك قل لنفسك:
من أجل جسده لا أعود أكون ترابًا ورمادًا، ولا أكون سجينا بل حرًا!
من أجل هذا (الجسد) أترجى السماء، وأتقبل الخيرات السماوية، والحياة الخالدة، ونصيب الملائكة، والمناجاة مع المسيح.
سُمّر هذا الجسد بالمسامير وجُلد، ولا يعود يقدر عليه الموت!
إنه الجسد الذي لُطخ بالدماء وطعن، ومنه خرج الينبوعان المخلصان العالم: ينبوع الدم وينبوع الماء.
القديس يوحنا الذهبي الفم
ج. وليمة مفرحة روحيًا: "وليمة خمر على دردىٍّ، سمائن مُمِخَّةِ دردىٍّ مُصفَّي" [6]. يشير الخمر إلى الفرح الروحي، أما كونه مصفى أو نقيًا فيعني أنه لا يُفقد وعي الإنسان ويُسكره إنما يهبه بهجة روحية.
* تسكرنا كأس الرب بطريقةٍ ما كما شرب نوح كأس خمر مسكر في سفر التكوين، ولكن سكر كأس الرب ودمه ليس كسكر خمر العالم... فان كأس الرب يجعل شاربيه عقلاء ويرد أفكارهم إلى الحكمة الروحية؛ تنقل الإنسان من تذوق العالم إلى فهم الله... أنها تُحرر النفس وتنزع عنها الغم... أنها تهب راحة للنفس إذ تقدم لها فرح الصلاح الإلهي عوض كآبة القلب القاتم بسبب ثقل أحمال الخطية.
الشهيد كبريانوس
د. وليمة سماوية: خلالها يُكشف الغطاء ويُنزع حجاب الحرف ليدخل المشتركون إلى السماء عينها ويتعرفون على أسرارها التي كانت محتجبة عن كل بني البشر. "ويفنى في هذا الجيل وجه النقاب، النقاب الذي على كل الشعوب، والغطاء المُغطى به على كل الأمم" [7].
* الشعب الذي تطهر وامتلأ بالمواهب العجيبة يبدأ بالسير نحو المذبح قائلين: "إلى بيت الله نذهب، الله يُفرح شبابنا..." إنهم يسرعون تجاه الوليمة السماوية.
القديس أمبروسيوس
* في كل مرة نخدم ليتورجيا هذه الذبيحة، يليق بنا أن نحسب أنفسنا كمن هم في السماء.
الأب ثيؤدور
ه. وليمة واهبة الحياة: "يُبلع الموت إلى الأبد" [8].
* بواسطة (هذه الذبيحة) ننتظر نحن المائتون بالطبع عدم الموت، ونحن الفاسدون عدم الفساد، وعوض الأرض وشرورها ننال بركات السماء ومباهجها.
الأب ثيؤدور
* لئلا ننتفخ ظانين أن الحياة هي من عندياتنا، ونتعجرف على الله... فإنه يلزمنا أن نعرف بالخبرة أننا ننال الحياة الأبدية لا من طبعنا بل بقوة هذا الكائن الأسمى "الأفخارستيا".
القديس ايريناؤس
و. وليمة مجيدة: "ويمسح السيد الرب الدموع عن كل الوجوه، وينزع عار شعبه عن كل الأرض لأن الرب قد تكلم" [8]. إذ يهب مؤمنيه راحة فيه خلال الحياة المقدسة أو خلال تمتعهم ببر المسيح. أن كانت الدموع قد تسللت إلى البشرية كلها خلال عصيانها فان اتحادنا مع الله في ابنه بالروح القدس يهبنا ثباتًا في المسيح المطيع للآب، فينتزع عنا ثقل عصياننا ويُجفف دموعنا الداخلية، واهبًا النفس أمجادًا في الداخل نختبرها في حياتنا الزمنية كعربون للمجد الأبدي السماوية.
حياتنا جهاد وصراع ضد قوات الظلمة، معركة دائمة أرضها القلب الداخلي، لكن مسيحنا يهبنا الغلبة والنصرة، يضمد كل جرح ويمسح كل دمعة.
* المائدة السرائرية هي جسد الرب الذي يعضدنا قبالة شهواتنا وضد الشيطان.
حقًا يرتعد الشيطان من الذين يشتركون في هذه الأسرار بوقار.
القديس كيرلس الإسكندري
3. هلاك موآب:

10 لأَنَّ يَدَ الرَّبِّ تَسْتَقِرُّ عَلَى هذَا الْجَبَلِ، وَيُدَاسُ مُوآبُ فِي مَكَانِهِ كَمَا يُدَاسُ التِّبْنُ فِي مَاءِ الْمَزْبَلَةِ. 11 فَيَبْسِطُ يَدَيْهِ فِيهِ كَمَا يَبْسِطُ السَّابحُ لِيَسْبَحَ، فَيَضَعُ كِبْرِيَاءَهُ مَعَ مَكَايِدِ يَدَيْهِ. 12 وَصَرْحَ ارْتِفَاعِ أَسْوَارِكِ يَخْفِضُهُ، يَضَعُهُ، يُلْصِقُهُ بِالأَرْضِ إِلَى التُّرَابِ.

إذ يتهلل المؤمنون الغالبون للحزن والمرارة والدموع بل وللموت خلال وليمة الخلاص المجانية يقولون: "هوذا هذا إلهنا انتظرناه فَخَلَّصنَا" [9]. يكمن فرحنا في خلاصنا من أعدائنا، أي من إبليس وكل جنوده وكل أعماله الشريرة. فإن مجد أولاد الله يرافقه خزي لقوات الظلمة التي رمز إليها هنا بموآب. "ويُداس موآب في مكانه كما يُداس التبن في ماء المزبلة، فيبسط يديه فيه كما يبسط السابح ليسبح، فيضع كبرياءه مع مكايد يديه، وصَرْح ارتفاع أسوارك يَخفضه، يضعه، يُلصقه بالأرض إلى التراب" [10-11].
إن كانت قوات الظلمة قد تشامخت على أولاد الله وحسبت أنها قادرة على إذلالهم، فان الله بالصليب هدم حصونها ونزل بها إلى الهاوية، واهبًا إيانا سلطانا أن ندوس على الحيات والعقارب وكل قوات الظلمة، ندوسها كما يُداس التبن لاستخدامه في مواد البناء (في عمل الطوب اللبن). وكأن تلك القوات التي كانت سبب هلاكنا تتحول خلال عمل الله الخلاصي إلى أداة محتقرة وذليلة تحت الأقدام تُستخدم لبنيان نفوسنا؛ إذ بدون إبليس ما كنا نُكلل.
أما سرّ هلاك العدو فهو كبرياؤه، إذ حسب نفسه محصنًا بأسوار منيعة، لكن الله يهدم هذه الأسوار حتى الأرض ليُفضح ضعف العدو ويُكشف حقيقة عجزه أمام إلهنا.


تسبحَة القيَامَة



التسبحة السابقة هي تقدمة شكر يرفعها المفديون لله من أجل بركات الخلاص التي وهبها الله لشعبه، أما هذه التسبحة فهي "مزمور القيامة" [19]، خلاله يعلن الشعب ثقته في الله .
يتطلع إشعياء النبي إلى خروج الشعب من السبي حاملين روح الغلبة والنصرة بينما تسقط بابل وكل أسوارها الفريدة حتى الأرض [12] كصورة حيَّة للقيامة من الأموات، لهذا ينطلق لسانه بالتسبيح مؤكدًا الثقة في الله واهبًا الحياة والقيامة.
يرى بعض الدارسين أن ما ورد هنا عن القيامة من الأموات [19] هو أول نص صريح في العهد القديم عن القيامة.

1. مزمور للحث على الثقة بالله:

1 فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يُغَنَّى بِهذِهِ الأُغْنِيَّةِ فِي أَرْضِ يَهُوذَا: لَنَا مَدِينَةٌ قَوِيَّةٌ. يَجْعَلُ الْخَلاَصَ أَسْوَارًا وَمَتْرَسَةً. 2 اِفْتَحُوا الأَبْوَابَ لِتَدْخُلَ الأُمَّةُ الْبَارَّةُ الْحَافِظَةُ الأَمَانَةَ. 3 ذُو الرَّأْيِ الْمُمَكَّنِ تَحْفَظُهُ سَالِمًا سَالِمًا، لأَنَّهُ عَلَيْكَ مُتَوَكِّلٌ. 4 تَوَكَّلُوا عَلَى الرَّبِّ إِلَى الأَبَدِ، لأَنَّ فِي يَاهَ الرَّبِّ صَخْرَ الدُّهُورِ.

يبدأ المزمور بالمقدمة: "في ذلك اليوم يُغنى بهذه الأغنية في أرض يهوذا" [1]. إنها أغنية العهد الجديد؛ لم يكن ممكنًا لرجال العهد القديم أن يتغنوا بها، لذا يقول "في ذلك اليوم". ما تمتع به الشعب القديم من بركات كالعودة من السبي لا يبعث فرحًا دائمًا إلاَّ من حيث كونه رمزًا للخلاص المبهج الذي تحقق بردنا من سبي الخطية خلال عمل الصليب.
هذا المزمور هو تسبحة لأورشليم مدينة الله بسبب ما تمتعت به من قوة وحصانة مع أبواب مفتوحة وبرّ لسكانها وأمانة وسلام...
"لنا مدينة قوية" [1]، يقصد بها أورشليم رمز أورشليم السماوية، وأيضًا كنيسة العهد الجديد بكونها مدينة الله التي يسكنها الرب نفسه مع شعبه.
"يجعل الخلاص أسوارًا ومترسة" [1]؛ أعمال الله الخلاصية هي أسوار المدينة وأدواتها الحربية، فلا يقدر عدو الخير أن يقتحمها. له أن يحاربها ويحاول إغراءها لكنه لن يستطيع أن يغلبها ما دامت أمينة للرب.
كثيرًا ما تحدّث آباء الكنيسة -خاصة القديس أغسطينوس- عن حياتنا الداخلية ككنيسة المسيح، مدينة الرب السماوية. هذه المدينة في جوهرها هي سكنى الله -الحب- مع الناس؛ الحب هو مؤسسها، وهو كنزها، وهو لغتها وشريعتها... مدينة الرب هي مدينة الحب!
* إذ يصير لك كمال المعرفة وإذ تصبح عرش الله بالحب تصير سماءً!
السماء التي نراها بأعيننا حين ننظر إلى فوق ليست ثمينة جدًا عند الله؛ النفوس القديسة هي سماء الله...
كل نفس هي صهيون...
واضح أن صهيون هي مدينة الله؛ وما هي مدينة الله إلاَّ الكنيسة المقدسة؟! إذ يحب البشر بعضهم بعضًا ويحبون الله الساكن فيهم يصيرون مدينة الله... فقد كُتب بصراحة: "الله محبة" (1 يو 4: 8). من يمتلئ حبًا يمتلئ من الله.
* لقد تعلمنا أنه توجد مدينة الله، مؤسسها أوحى لنا بالحب الذي يجعلنا نشتهي المواطنة فيها.
القديس أغسطينوس
بالحب أقام الله كل نفس لتصير مدينته الحصينة وسمواته المقدسة، أقامها عروسه السماوية المتحدة معه لها ذات إمكانيات عريسها المخلص الذي صعد إلى السموات وانفتحت أمامه الأبواب الدهرية ليدخل ملك المجد (مز 24: 7-10). هي أيضًا عروسه الحاملة بره وأمانته، تنفتح أمامها أبواب السماء لتجلس عن يمين عريسها الملك وفي أحضانه، لا تقدر قوة ما أن تحرمها من العبور في السمويات حتى تبلغ عرشه. إنها كأستير الملكة التي اجتازت كل أبواب القصر لتبلغ إلى الملك الذي يمد قضيب ملكه الذهبي لها كي تدخل إليه فيلاطفها ويستمع إلى طلبتها.
هذه المشاعر النبوية تمتع بها إشعياء ربما حين رأى بالروح الراجعين من السبي يدخلون أبواب أورشليم المفتوحة أمامهم، وهم داخلين كما في موكب نصرة أو موكب عيد مفرح في الرب. لقد قال: "افتحوا الأبواب لتدخل الأمة البارة الحافظة الأمانة" [2].
* "ارفعوا أيها الرؤساء أبوابكم" (مز 24: 7)؛ لنذهب باستقامة إلى السماء.
ليت بوق النبي يضرب عاليًا: "ارفعوا أنتم يا رؤساء الهواء الأبواب التي أقمتموها في أذهان البشر..."
القديس أغسطينوس
يعلق القديس أمبروسيوسعلى العبارة "ارتفعي أيتها الأبواب الدهرية ليدخل ملك المجد" (مز 24: 7)، قائلًا:
[لقد وجدوا أنه يلزم أن يُعد أمام وجه هذا "المنتصر" الجديد طريقًا جديدًا، لأنه هو دائمًا كما كان أعظم من غيره، ولكن لأن أبواب البر التي هي أبواب العهدين القديم والجديد، التي فيها تنفتح السموات، هي أبواب دهرية، لذلك فهي بالحق لا تتغير، لكنها ارتفعت لأن الداخل فيها ليس إنسانًا بل العالم كله في شخص مخلص الكل...
إذ أدرك (الملائكة) اقتراب رب الكل، أول قاهر للموت، والمنتصر الوحيد، أمروا الجنود (السمائيين) أن يرفعوا الأبواب قائلين في هيام وتعبد... "ارتفعي أيتها الأبواب الدهرية فيدخل ملك المجد"].
هكذا إذ تنفتح السماء أمام المؤمنين المتحدين بربنا يسوع فيرتفعوا معه إلى سمواته، يعيشون هنا في سلام حقيقي وثقة بالمخلص. لذا يقول النبي:
"ذوي الرأي الممكن تحفظه سالمًا سالمًا لأنه عليه متوكل" [3]. تعبير رائع عن الطمأنينة الأكيدة التي يهبها الله لمؤمنيه المخلصين له، فيعطيهم سلامًا يتبعه سلام حتى يبلغوا إلى النصرة النهائية من أجل اتكالهم عليه.
يقصد بذوي الرأي الممكن أصحاب الهدف الثابت أو أصحاب الفكر المتزن غير المتزعزع الذين لا تفقدهم عواصف الأحداث ثقتهم في الله مخلصهم، يهوه صخر الدهور (إش 26: 4؛ مز 18: 31): "توكلوا على الرب إلى الأبد لأن في ياه (يهوه) الرب صخر الدهور" [4].
* بئس الشعب الذي يتحول عن الله... أما السلام الخاص بنا فننعم به الآن مع الله بالإيمان، ونتمتع به أبديًا معه بالعيان.
القديس أغسطينوس
* ينبغي على كل أحد أن يصلح ذاته، ولذاته يسالم، ولا يكون انقسام في ضميره. لأنه إذا اصطلح إنسان مع جميع العالم وهو منقسم على ذاته فصلحه بلا منفعة. أما الذي يُصلح نفسه ويسالم ذاته فهو كمن سالم العالم جميعًا، ويكون مشرفًا في عيني سيد الكل.
* اشفق يا رب على النفس التي اشتعلت بحبك، لأنها هي مسكن السلام، فلا تترك أثرًا للخطية في الضمير مكان سكناك، بل احرقه بنار حبك.
القديس يوحنا التبايسي
2. انهيار العدو:

5 لأَنَّهُ يَخْفِضُ سُكَّانَ الْعَلاَءِ، يَضَعُ الْقَرْيَةَ الْمُرْتَفِعَةَ. يَضَعُهَا إِلَى الأَرْضِ. يُلْصِقُهَا بِالتُّرَابِ. 6 تَدُوسُهَا الرِّجْلُ، رِجْلاَ الْبَائِسِ، أَقْدَامُ الْمَسَاكِينِ.

"لأنه يخفض سكان العلاء" [5-6].
إن كانت بابل قد تشامخت وظنت أنها في العلاء فسينزل الرب بها حتى التراب ليجعلها مدوسة بأقدام المساكين الذين سبق فوطأتهم بقدميها. هذه هي نهاية كل متكبر مقاوم للحق، إذ يشرب من ذات الكأس التي قدمها للغير.
عمل الله الدائم هو تمجيد أورشليم الذليلة المتضعة وإقامتها مدينة خاصة به؛ والنزول ببابل المتشامخة.
وكما قالت القديسة مريم: "أنزل الأعزاء عن الكراسي، ورفع المتضعين، أشبع الجياع خيرات وصرف الأغنياء فارغين" (لو 1: 53).
* عرفتني طرق الاتضاع، خلالها يعود البشر إلى الحياة، إذ سقطوا بسبب الكبرياء.
القديس أغسطينوس
* بالكبرياء نستند على الرياح، وبه نزج بأنفسنا إلى اللجة، فلا تقبل مرض الكبرياء لئلا يسرقك العدو...
* في الإنسان المتواضع تستريح روح الحكمة.
القديس مار أفرام السرياني
3. مساندة الرب لصدّيقيه:

7 طَرِيقُ الصِّدِّيقِ اسْتِقَامَةٌ. تُمَهِّدُ أَيُّهَا الْمُسْتَقِيمُ سَبِيلَ الصِّدِّيقِ. 8 فَفِي طَرِيقِ أَحْكَامِكَ يَا رَبُّ انْتَظَرْنَاكَ. إِلَى اسْمِكَ وَإِلَى ذِكْرِكَ شَهْوَةُ النَّفْسِ. 9 بِنَفْسِي اشْتَهَيْتُكَ فِي اللَّيْلِ. أَيْضًا بِرُوحِي فِي دَاخِلِي إِلَيْكَ أَبْتَكِرُ. لأَنَّهُ حِينَمَا تَكُونُ أَحْكَامُكَ فِي الأَرْضِ يَتَعَلَّمُ سُكَّانُ الْمَسْكُونَةِ الْعَدْلَ. 10 يُرْحَمُ الْمُنَافِقُ وَلاَ يَتَعَلَّمُ الْعَدْلَ. فِي أَرْضِ الاسْتِقَامَةِ يَصْنَعُ شَرًّا وَلاَ يَرَى جَلاَلَ الرَّبِّ. 11 يَا رَبُّ، ارْتَفَعَتْ يَدُكَ وَلاَ يَرَوْنَ. يَرَوْنَ وَيَخْزَوْنَ مِنَ الْغَيْرَةِ عَلَى الشَّعْبِ وَتَأْكُلُهُمْ نَارُ أَعْدَائِكَ. 12 يَا رَبُّ، تَجْعَلُ لَنَا سَلاَمًا لأَنَّكَ كُلَّ أَعْمَالِنَا صَنَعْتَهَا لَنَا. 13 أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهُنَا، قَدِ اسْتَوْلَى عَلَيْنَا سَادَةٌ سِوَاكَ. بِكَ وَحْدَكَ نَذْكُرُ اسْمَكَ. 14 هُمْ أَمْوَاتٌ لاَ يَحْيَوْنَ. أَخْيِلَةٌ لاَ تَقُومُ. لِذلِكَ عَاقَبْتَ وَأَهْلَكْتَهُمْ وَأَبَدْتَ كُلَّ ذِكْرِهِمْ. 15 زِدْتَ الأُمَّةَ يَا رَبُّ، زِدْتَ الأُمَّةَ. تَمَجَّدْتَ. وَسَّعْتَ كُلَّ أَطْرَافِ الأَرْضِ. 16 يَا رَبُّ فِي الضِّيقِ طَلَبُوكَ. سَكَبُوا مُخَافَتَةً عِنْدَ تَأْدِيبِكَ إِيَّاهُمْ.

يقدم لنا النبي في هذا المزمور تحليلًا رائعًا لحياة الإنسان الصّدّيق الذي يجد لذته وحمايته ومجده في الرب؛ وفي نفس الوقت يدعونا للصلاة السرية في المخدع مع الاهتمام بأحكام الله ووصاياه والطاعة له للتمتع بخلاصه المجاني.
أ. أحكام الله أو وصاياه ليست ثقلًا على نفس الصديق إنما هي علة استقامته، لذا يطلبها ويشتهيها بفرح وبهجة قلب، قائلًا: "فِي طَرِيقِ أَحْكَامِكَ.. انْتَظَرْنَاكَ" [8]. كأن الوصية أو كلمة الله هي موضوع رجاء ولذة وفرح للنفس. وكما يقول المرتل: "بطريق شهاداتك فرحت كما على كل غنى... بفرائضك أتلذذ... شهاداتك هي لذّتي" (مز 119: 14، 16، 24).
لعل سر فرح الصدّيق وبهجته بالوصية أنه يكتشف أعماقها فيجدها تلاقٍ مع المسيح كلمة الله وتمتع به كسّر خلاص وحياة
وكما يقول القديس أغسطينوس: [نفهم أنه ليس طريق أسرع ولا أأمن ولا أقصر ولا أعلى من المسيح بخصوص شهادات الله، هذا "المذخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم" (كو 2: 3). لذلك يقول (المرتل) أنه يجد فيه بهجة عظيمة كما في كل غنى. هذه هي الشهادات التي بها أكّد لنا إلى أي مدى يحبنا (المسيح)...].
ب. سّر فرح الصدّيق، اتحاده بالله مخلصه وتمسكه باسمه القدوس وتذكاره: "إلى اسمك وإلى ذكرك شهوة النفس، بنفسي اشتهيتك في الليل. أيضًا بروحي في داخلي إليك أبكر" [8-9]. تدرك النفس أنها في ليل هذا العالم تعتاز إلى نور المخلص ليشرق عليها بل وفيها. أنها تطلبه في الليل لأنها ذاقت الأمرّين طوال تعب النهار وآلامه غير المنقطعة، فتُريد أن تلتقي به داخلها لتجد فيه راحتها وسلامها وشبعها بكونه شهوة نفسها. تطلب منه أن تتمتع بكل قبلات (نش 1: 2)، وتناجيه قائلة: "حلقه حلاوة وكله مشتهيات؛ هذا حبيبي وهذا خليلي يا بنات أورشليم" (نش 5: 16).
تشتهيه النفس لتلتصق به كل ليل هذا العالم حتى تشرق عليها الأبدية فتبقى معه في أحضانه أبديًا.
إنها تطلبه داخلها، تبحث عنه لتجده يطلبها، تُبكر إليه لتجده يُبكر إليها. تُناجيه: "إليك أُبكر، عطشت إليك نفسي يشتاق إليك جسدي في أرض ناشفة ويابسة بلا ماء، لكي أبصر قوتك ومجدك كما قد رأيتك في قدسك" (مز 63: 1-2). أما هو فيجيب: "أنا أحب الذين يُحبونني، والذين يبكرون إليَّ يجدونني؛ عندي الغنى والكرامة؛ قنية فاخرة وحظ" (أم 8: 17-18).
ج. أما نهاية الصّديق فهي تمتعه بالمجد الإلهي، الأمر الذي يُحرم منه الأشرار، إذ يقول النبي: "في أرض الاستقامة يصنع شرًا ولا يرى جلال الرب" [10]. يتمتع الصديق بمجد الرب وجلاله وينعكس بهاء الرب عليه ليصير أيقونة له، بينما يُحرم الشرير من التمتع بهذه العطية الأبدية.
* مطوّب ومثلث الطوبى بل ومتعدد الطوبى أولئك الذين يُحسبون أهلًا أن يروا ذاك المجد! عن هذا يقول النبي: "لينزع الشرير فلا يرى جلال الرب" [10 LXX].
الله لا يسمح أن يُنزع أحد منا أو يُستبعد عن رؤيته. فإننا إن كنا لا نتمتع بذلك فسيأتي وقت فيه نقول لأنفسنا: "كان خير لنا لو لم نولد". لأنه لماذا نحن نعيش؟ ولما نتنفس؟ ماذا نكون إن فشلنا في التمتع بمشاهدة ذلك ولم نُمنح معاينة الرب؟! إن كان الذين لا يرون نور الشمس يحسبون الحياة أمرّ من الموت فماذا يكون حال المحرومين من مثل هذا النور؟!
القديس يوحنا الذهبي الفم
* يليق بنا أن نفهم أنه من أجل هذا الكمال "نكون مثله لأننا سنراه كما هو" (1 يو 3: 2). تُمنح هذه العطية عندما يُقال: "تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم" (مت 25: 34). عندئذ يُنتزع الأشرار كي لا يروا جلال الرب، فيذهب الذين على اليسار إلى العذاب الأبدي، بينما يدخل الذين على اليمين إلى الحياة الأبدية.
* يقول يوحنا: "أيها الأحباء، نحن الآن أبناء الله، ولم يظهر بعد ما سنكون، إنما نعلم أنه إذا أُظهر نكون مثله لأننا سنراه كما هو" (1 يو 3: 2). يبتدئ هذا الشبه يتشكل فينا من الآن، بينما يتجدد الإنسان الداخلي يومًا فيومًا حسب صورة خالقه.
القديس أغسطينوس
هكذا يصير الله سّر مجد صدّيقيه ليس فقط في العالم الآتي وإنما يبدأ مجدهم الآن في داخلهم بمعاينتهم مجد الله وجلاله كعربون للقاء معه أبديًا وجهًا لوجه، ويصير الله نفسه علة حرمان للأشرار؛ يكون ملك السلام لمؤمنيه ونارًا آكلة لجاحديه. يقول الرسول:" لهؤلاء رائحة موت لموت ولأولئك رائحة حياة لحياة" (2 كو 2: 16). لهذا يكمل إشعياء النبي قائلًا:
"يا رب ارتفعت يدك ولا يرون،
يرون ويخزون من الغيرة على الشعب وتأكلهم نار أعدائك.
يا رب تجعل لنا سلامًا لأن كل أعمالنا صنعتها (رددتها) لنا" [11-12].
يرفع الرب يده لتأديب أولاده فيهبهم سلامًا ونموًا، إذ يقبلونها تأديبًا عن خطاياهم، أما بالنسبة للأشرار فتكون العقوبة نارًا آكلة لهم، تهلكهم وتبيد ذكرهم [14].
4. دخول شعبه تحت الضيق:

17 كَمَا أَنَّ الْحُبْلَى الَّتِي تُقَارِبُ الْوِلاَدَةَ تَتَلَوَّى وَتَصْرُخُ فِي مَخَاضِهَا، هكَذَا كُنَّا قُدَّامَكَ يَا رَبُّ. 18 حَبِلْنَا تَلَوَّيْنَا كَأَنَّنَا وَلَدْنَا رِيحًا. لَمْ نَصْنَعْ خَلاَصًا فِي الأَرْضِ، وَلَمْ يَسْقُطْ سُكَّانُ الْمَسْكُونَةِ. 19 تَحْيَا أَمْوَاتُكَ، تَقُومُ الْجُثَثُ. اسْتَيْقِظُوا، تَرَنَّمُوا يَا سُكَّانَ التُّرَابِ. لأَنَّ طَلَّكَ طَلُّ أَعْشَابٍ، وَالأَرْضُ تُسْقِطُ الأَخْيِلَةَ.

يدرك النبي ما للضيق من بركات بالنسبة لشعب الله، قائلًا: "زدت الأمة يا رب زدت الأمة، تمجدت، وسعت كل أطراف الأرض. يا رب في الضيق طلبوك، سكبوا مخافته عند تأديبك إياهم" [15-16]. وكأن التأديب يسبب ضيقًا وتعبًا في الخارج لكنه يؤدي إلى النمو المستمر والاتساع في المجد.
سّر القوة لا في الضيق وإنما في يد الله الخفية القادرة أن تُقيم من الأموات. فقد رأى النبي شعبه أشبه بسيدة تتلوى من آلام المخاض، وبالجهد تلد فإذا بها تلد ريحًا، أي تنتهي آلام الولادة إلى لا شيء، أما إذا تدخل الله فأنه حتى وإن بلغ الإنسان في آلامه إلى الموت فأنه قادر أن يهبه القيامة، يهبه حياة جديدة مقامة مملوءة فرحًا وتسبيحًا.
الأشرار يتألمون كما في حالة الولادة، لكنهم ينجبون من عندياتهم (الأنا) ريحًا أو كبرياءً فارغًا، أما أولاد الله فيتألمون وينجبون بعمل الروح تشبيها لله. كأن الألم خارج السيد المسيح يلد ريحًا أما في المسيح فينجب قيامة!
يقول النبي: "كما أن الحبلى التي تُقارب الولادة تتلوى وتصرخ في مخاضها هكذا كنا قدامك يا رب، حبلنا تلوينا كأننا ولدنا ريحًا. لم تصنع خلاصًا في الأرض... تحيا أمواتك تقوم الجثث. استيقظوا ترنموا يا سكان التراب..." [17-19].
يقول المرتل: "لأنه هوذا الملوك اجتمعوا... لما رأوا بهتوا ارتاعوا فروا، أخذتهم الرعدة هناك والمخاض كالوالدة" (مز 48: 4-6).
يرى القديس أغسطينوس أن الملوك هم جماعة المؤمنين الذين يحبلون من مخافة الله ويدخلون في حالة طلق لينجبوا خلاصًا خلال الإيمان. عندما نسمع آلامهم نتوقع ميلادًا جديدًا، حيث يموت الإنسان القديم بكل أعماله ويولد الإنسان الجديد الذي على صورة خالقه.
يُناجي القديس أغسطينوسالنفس البتول المرتبطة بالمسيح عريسها، قائلًا: [حسن لكِ أيتها النفس البتول... فببتوليتكِ تحتفظي في قلبك ما قد ولدته ثانية (الإنسان الجديد)، وتحتفظي في جسدك ما أنجبتيه، إذ حبلتي بمخافة الرب وولدتي روح الخلاص].
5. الله مخلص شعبه:

20 هَلُمَّ يَا شَعْبِي ادْخُلْ مَخَادِعَكَ، وَأَغْلِقْ أَبْوَابَكَ خَلْفَكَ. اخْتَبِئْ نَحْوَ لُحَيْظَةٍ حَتَّى يَعْبُرَ الْغَضَبُ. 21 لأَنَّهُ هُوَذَا الرَّبُّ يَخْرُجُ مِنْ مَكَانِهِ لِيُعَاقِبَ إِثْمَ سُكَّانِ الأَرْضِ فِيهِمْ، فَتَكْشِفُ الأَرْضُ دِمَاءَهَا وَلاَ تُغَطِّي قَتْلاَهَا فِي مَا بَعْدُ.

إن كان الله يغضب لا لينتقم لنفسه إنما ليؤدب معلنًا حبه لخلاصنا، لذا دَعَى فترة غضبه "لحيظة"، تعبر سريعًا، منتظرًا أن يُكافئ مؤمنيه، بينما يشرب الأشرار من كأس شرهم ما قد ملأوه بأنفسهم.
حياتنا بكل آلامها هي "لحيظة" تعبر بنا سريعًا، لا تُقارن أمام أبدية مجيدة بلا نهاية.
لهذا يقول القديس أغسطينوس: [توجد راحة في الموت، يتحدث عنها النبي قائلًا:"هلم يا شعبي أدخل مخادعك وأغلق أبوابك خلفك، اختبئي نحو لحيظة حتى يعبر الغضب"].
ما أجمل أن تختتم تسبحة القيامة التي بين أيدينا بالعبارة الرائعة: "لأنه هوذا الرب يخرج من مكانه ليُعاقب" [26]. أنه أب سماوي يشتاق ألا يُعاقب، أن أدّب إنما يكون كمن خرج من مكانه أي من الرحمة المملوءة ترفقًا وحنانًا. إثمنا وعصياننا يجعلانه كمن يخرج من مكانه ليُعاقب... حتى في خروجه يطلب أن يضمنا إليه ليرجع بنا إلى عرش رحمته.



 
قديم 27 - 07 - 2024, 05:35 PM   رقم المشاركة : ( 168157 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,274,056

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


انقلاب صور وتجديدها



صور تمثل الغنى الفاحش خلال تجارتها العالمية مع الانحلال والفساد، لأنها بلد تُجاري مفتوح للغرباء. يصور النبي ما يحل بها من دمار تام لتكابد مع شعب الله المخطئ ذات التأديبات كقول الرسول بولس: "شدة وضيق على كل نفس إنسان يفعل الشر اليهودي أولًا ثم اليوناني" (رو 2: 9). لكن هذا التأديب لا يبقى إلى الأبد إنما يُقدم الله الخلاص للكل وتتمتع صور بالتجديد في المسيح يسوع المخلص العالم.


انقلاب صور:

1 وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ صُورَ: وَلْوِلِي يَا سُفُنَ تَرْشِيشَ، لأَنَّهَا خَرِبَتْ حَتَّى لَيْسَ بَيْتٌ حَتَّى لَيْسَ مَدْخَلٌ. مِنْ أَرْضِ كِتِّيمَ أُعْلِنَ لَهُمْ. 2 اِنْدَهِشُوا يَا سُكَّانَ السَّاحِلِ. تُجَّارُ صِيدُونَ الْعَابِرُونَ الْبَحْرَ مَلأُوكِ. 3 وَغَلَّتُهَا، زَرْعُ شِيحُورَ، حَصَادُ النِّيلِ، عَلَى مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ فَصَارَتْ مَتْجَرَةً لأُمَمٍ. 4 اِخْجَلِي يَا صِيدُونَ لأَنَّ الْبَحْرَ، حِصْنَ الْبَحْرِ، نَطَقَ قَائِلًا: «لَمْ أَتَمَخَّضْ وَلاَ وَلَدْتُ وَلاَ رَبَّيْتُ شَبَابًا وَلاَ نَشَّأْتُ عَذَارَى». 5 عِنْدَ وُصُولِ الْخَبَرِ إِلَى مِصْرَ، يَتَوَجَّعُونَ، عِنْدَ وُصُولِ خَبَرِ صُورَ. 6 اُعْبُرُوا إِلَى تَرْشِيشَ. وَلْوِلُوا يَا سُكَّانَ السَّاحِلِ. 7 أَهذِهِ لَكُمُ الْمُفْتَخِرَةُ الَّتِي مُنْذُ الأَيَّامِ الْقَدِيمَةِ قِدَمُهَا؟ تَنْقُلُهَا رِجْلاَهَا بَعِيدًا لِلتَّغَرُّبِ. 8 مَنْ قَضَى بِهذَا عَلَى صُورَ الْمُتَوِّجَةِ الَّتِي تُجَّارُهَا رُؤَسَاءُ؟ مُتَسَبِّبُوهَا مُوَقَّرُو الأَرْضِ. 9 رَبُّ الْجُنُودِ قَضَى بِهِ لِيُدَنِّسَ كِبْرِيَاءَ كُلِّ مَجْدٍ، وَيَهِينَ كُلَّ مُوَقَّرِي الأَرْضِ. 10 اِجْتَازِي أَرْضَكِ كَالنِّيلِ يَا بِنْتَ تَرْشِيشَ. لَيْسَ حَصْرٌ فِي مَا بَعْدُ. 11 مَدَّ يَدَهُ عَلَى الْبَحْرِ. أَرْعَدَ مَمَالِكَ. أَمَرَ الرَّبُّ مِنْ جِهَةِ كَنْعَانَ أَنْ تُخْرَبَ حُصُونُهَا. 12 وَقَالَ: «لاَ تَعُودِينَ تَفْتَخِرِينَ أَيْضًا أَيَّتُهَا الْمُنْهَتِكَةُ، الْعَذْرَاءُ بِنْتُ صِيْدُونَ. قُومِي إِلَى كِتِّيمَ. اعْبُرِي. هُنَاكَ أَيْضًا لاَ رَاحَةَ لَكِ». 13 هُوَذَا أَرْضُ الْكَلْدَانِيِّينَ. هذَا الشَّعْبُ لَمْ يَكُنْ. أَسَّسَهَا أَشُّورُ لأَهْلِ الْبَرِّيَّةِ. قَدْ أَقَامُوا أَبْرَاجَهُمْ. دَمَّرُوا قُصُورَهَا. جَعَلَهَا رَدْمًا. 14 وَلْوِلِي يَا سُفُنَ تَرْشِيشَ لأَنَّ حِصْنَكِ قَدْ أُخْرِبَ.

سبق لنا الحديث عن صور في تفسيرنا لسفر حزقيال [حز 26]
كلمة "تصور" tsor تعني "صخرة"، ربما لأنها قامت على جزيرة صخرية، إلاَّ أن القديس جيروميرى أن كلمة "صور" في العبرية تعني "محنة"، لذا يرى أن سكانها يشيرون إلى الساقطين تحت محنة الشيطان وبلاياه.
يرى Keith وUrquhart أن ما ورد في هذا الفصل عن صور قد تحقق حرفيًا.
لقد سقطت صور تحت الحصار عدة مرات منها: حاصرها شلمناصَّر لمدة خمس سنوات ولم يقدر أن يستولي عليها؛ وحاصرها نبوخذنصَّر لمدة 13 سنة دون جدوى؛ وحاصرها إسكندر الأكبر وافتتحها بعد سبعة شهور سنة 332 ق.م. وقام بتدميرها. حاصرها أيضًا انطيخونس Antigonus كما حوصرت في العصور الوسطى عدة مرات بواسطة الصليبيين. وتعتبر صور هذه المسئولة عن قيام الحرب العالمية الأولى التي مات فيها قرابة 40 مليون شخصًا، إذ اشتعلت بسبب محاولة المانيا إنشاء سكة حديد بين برلين وبغداد لتنمية التجارة مع بلاد الشرق الأوسط.
ما ورد هنا لا يخص حصارًا معينًا لصور، وإنما يمثل ما يحل بكل نفس تتشبه بصور من جهة ارتباكها بالغنى مع الرجاسات.


يصف النبي حصار صور قائلًا:" وحيّ من جهة صور؛ ولولي يا سفن ترشيش لأنها خربت حتى ليس بيت حتى ليس مدخل من أرض كتيم أُعلن لهم" [1]. هنا يبرز أثر الخراب الذي حلّ بصور على بحارة السفن التجارية العائدة من ترشيش ويبدو أنهم لم يكونوا قد سمعوا عن انهيار المدينة فذهلوا إذ لم يجدوا مدخلًا للمدينة فقد تهدمت أسوارها، ولا وجدوا بيتًا واحدًا. لقد انتشر الخبر لفداحته حتى بلغ كتيم أي جزيرة قبرص كرمز لسماع دول أوروبا جميعها عن هذا الحدث. ويرى البعض أن هذا الحصار تم بواسطة الجيش المقدوني، جيش الإسكندر الأكبر، القادم من جزيرة قبرص.
يدعو النبي المدن المجاورة لتندب حال صور، فقد كانت مصدر خير لها خلال التجارة والآن قد تدمرت تمامًا وفقدت بعض المدن الكثير من الربح.
سمع تجار صيدون (تعني "صيد السمك" تبعد حوالي 22 ميلًا شمال صور وتعتبر المدينة الأم لصور فقد جاءت تندب حال ابنتها)، جاء التجار الذين اعتادوا أن يجولوا في شوارعها وقد أصابتهم الدهشة لما حلّ بها فلم يستطيعوا أن ينطقوا بكلمة بل حلّ بهم الحزن الشديد. أما المصريون سكان وادي النيل فحزنوا لأن صور كانت مركزًا هامًا لاستيراد غلاتهم ومحاصيلهم مقابل استيراد بضائع صور. يُشير النبي إلى نهر النيل بكلمة "شيحور" وتعني "اضطرابًا" (إش 22: 3).
هكذا تحزن صيدون على ابنتها الذليلة بل المنهارة "صور"، هذه التي كانت كعروس البحر الأبيض المتوسط أو كملكة متوّجة أنعشت بلاد كثيرة في أفريقيا وأوروبا، الآن صارت أشبه بفتاة عانس تئن من العزلة، بلا زوج ولا بنين، فقدت بلادًا كثيرة التي كانت أشبه ببنين لها [4].
حزنت مصر لأنها فقدت مركزًا هامًا لتصدير غلاتها، وربما لأنها خشيت أن يحل بها ما حلّ بصور. هذا ما حدث في أيام نبوخذنصَّر الذي نهب ثروة فرعون بعد حصاره صور (حز 29: 17-20).
يطلب النبي من البقية الباقية في صور أن يرحلوا إلى ترشيش وهي مدينة قديمة في أسبانيا وأحد مستعمرات صور المزدهرة، رحلوا وهم مولولين لأنهم هاربون كلاجئين. يرى البعض أن النبي نطق بذلك كنوع من السخرية بسكان صور المتعجرفين
منذ القدم، ها هم يرحلون في رعب وخوف ليعيشوا غرباء ولاجئين.
يقدم النبي سؤالًا لاهوتيًا يثير السامعين على البحث عن الإجابة، وهو: "من قضى بهذا على صور المتوّجة، التي تجارها رؤساء، متسببوها موقروا الأرض؟" بمعنى آخر من الذي قضى على صور الملكة المتوّجة والتي جعلت من مستعمراتها أمراء ورؤساء ومن تجارها أشرافًا موقرين في كل المسكونة؟! لقد كانت ملكة غنية أفاضت بالغنى والترف والكرامة مع الكبرياء على الدول التي كانت تتعامل معها فمن الذي حكم عليها هكذا؟
رب الجنود هو الذي قضى بذلك [9] لينزل بكبريائها إلى الحضيض ويهين كل تجارها أصحاب الوقار والكرامة الزمنية. هذا ما عناه عاموس النبي حين قال: "هل تحدث بلية في مدينة والرب لم يصنعها؟!" (عا 3: 6).
يقول الأب ثيؤدور: [حينما يتحدث الحكم الإلهي مع البشر يتكلم معهم حسب لغتهم ومشاعرهم البشرية. فالطبيب يقوم بقطع أو كي الذين يعانون من القروح لأجل سلامة صحتهم، ومع هذا يرى غير القادرين على الاحتمال أن ذلك شر].
الله قضى بذلك، لكن علة الخراب هو الكبرياء والمجد الباطل، الخطية هي التي تفسد الإنسان كما الأمم، أما حكم الله إنما هو إعلان عما يجلبه الإنسان لنفسه بنفسه.


يشبه النبي صور الهاربة بعد الخراب بامرأة فقدت كل شيء تجتاز نهر النيل وليس لديها منطقة تربط بها ثيابها؛ أو تشبه مياه النيل عند المصب فإنها تتدفق على البحر وليس من يقدر أن يوقفها، هكذا هرب أهل صور من مدينتهم المحطمة بلا قوة ولا قدرة وكأن المياه تجرفهم نحو البحر [10]، لذا يدعوها "المتهتكة العذراء بنت صيدون" [12].
مدّ الرب يده بالغضب على البحر، أي أمر الممالك أن تثور ضد فينيقية (كنعان) لتخرب حصونها [11]، وتحطم كبريائها فلا تعود تفتخر [12] وعوض كونها ملكة تصير عذراء متهتكة، تهرب إلى كيثم (قبرص) ولا تجد راحة... ماذا يعني هذا؟
أ. مدّ الرب يده داعيًا للتوبة، لكن صور لم تستجب للنداء، فصارت اليد ممدودة للعقاب. لقد بسط أيضًا رب المجد يديه على الصليب بالحب، فمن آمن وجد في الصليب قوة الله للخلاص، ومن جحده صار تحت الدينونة.
ب. كان أمام صور أن تهرب إلى كتيم...

لكنها لم تجد راحة، فإن سلام الإنسان لا يتوقف على الموقع الذي يوجد فيه وإنما على أعماق النفس الداخلية. راحة الإنسان لا في تغيير مكانه أو عمله أو ظروفه الاجتماعية وإنما في رجوعه إلى الله مخلصه الذي يُنادي: "تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أُريحكم" (مت 11: 28).
وكما يقول القديس يوحنا سابا: [طوبى لذاك الذي يطلبك في داخله كل ساعة، منه تجري له الحياة ليتنعم].
إذ عرف الله أن صور لن تسمع لهذا الصوت طلب منها أن تتعظ مما حدث للكلدانيين بواسطة ملك أشور، فقد حوّل قصورها إلى ردم.
 
قديم 27 - 07 - 2024, 05:37 PM   رقم المشاركة : ( 168158 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,274,056

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

يقول الأب ثيؤدور



[حينما يتحدث الحكم الإلهي مع البشر يتكلم معهم حسب
لغتهم ومشاعرهم البشرية. فالطبيب يقوم بقطع أو كي الذين يعانون
من القروح لأجل سلامة صحتهم، ومع هذا يرى
غير القادرين على الاحتمال أن ذلك شر].
الله قضى بذلك، لكن علة الخراب هو الكبرياء والمجد الباطل،
الخطية هي التي تفسد الإنسان كما الأمم، أما حكم الله إنما هو إعلان عما يجلبه الإنسان لنفسه بنفسه.
 
قديم 27 - 07 - 2024, 05:39 PM   رقم المشاركة : ( 168159 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,274,056

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

مدّ الرب يده بالغضب على البحر، أي أمر الممالك أن تثور ضد فينيقية (كنعان) لتخرب حصونها [11]، وتحطم كبريائها فلا تعود تفتخر [12] وعوض كونها ملكة تصير عذراء متهتكة، تهرب إلى كيثم (قبرص) ولا تجد راحة... ماذا يعني هذا؟
مدّ الرب يده داعيًا للتوبة، لكن صور لم تستجب للنداء، فصارت اليد ممدودة للعقاب. لقد بسط أيضًا رب المجد يديه على الصليب بالحب، فمن آمن وجد في الصليب قوة الله للخلاص، ومن جحده صار تحت الدينونة.
ب. كان أمام صور أن تهرب إلى كتيم...

لكنها لم تجد راحة، فإن سلام الإنسان لا يتوقف على الموقع الذي يوجد فيه وإنما على أعماق النفس الداخلية. راحة الإنسان لا في تغيير مكانه أو عمله أو ظروفه الاجتماعية وإنما في رجوعه إلى الله مخلصه الذي يُنادي: "تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أُريحكم" (مت 11: 28).
وكما يقول : [طوبى لذاك الذي يطلبك في داخله كل ساعة، منه تجري له الحياة ليتنعم].
إذ عرف الله أن صور لن تسمع لهذا الصوت طلب منها أن تتعظ مما حدث للكلدانيين بواسطة ملك أشور، فقد حوّل قصورها إلى ردم.


القديس يوحنا سابا
 
قديم 27 - 07 - 2024, 05:40 PM   رقم المشاركة : ( 168160 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,274,056

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


تجديد صور:

15 وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ صُورَ تُنْسَى سَبْعِينَ سَنَةً كَأَيَّامِ مَلِكٍ وَاحِدٍ. مِنْ بَعْدِ سَبْعِينَ سَنَةً يَكُونُ لِصُورَ كَأُغْنِيَّةِ الزَّانِيَةِ: 16 «خُذِي عُودًا. طُوفِي فِي الْمَدِينَةِ أَيَّتُهَا الزَّانِيَةُ الْمَنْسِيَّةُ. أَحْسِنِي الْعَزْفَ، أَكْثِرِي الْغِنَاءَ لِكَيْ تُذْكَرِي». 17 وَيَكُونُ مِنْ بَعْدِ سَبْعِينَ سَنَةً أَنَّ الرَّبَّ يَتَعَهَّدُ صُورَ فَتَعُودُ إِلَى أُجْرَتِهَا، وَتَزْنِي مَعَ كُلِّ مَمَالِكِ الْبِلاَدِ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ. 18 وَتَكُونُ تِجَارَتُهَا وَأُجْرَتُهَا قُدْسًا لِلرَّبِّ. لاَ تُخْزَنُ وَلاَ تُكْنَزُ، بَلْ تَكُونُ تِجَارَتُهَا لِلْمُقِيمِينَ أَمَامَ الرَّبِّ، لأَكْل إِلَى الشِبَعِ وَلِلِبَاسٍ فَاخِرٍ.

الله في حبه للبشر لا يترك الإنسان في فساده لكنه يُقدم له كل إمكانية للخلاص. لهذا بعدما صوّر النبي مدى الخراب الذي حلّ بصور عاد لكي يتحدث عن تجديدها بالرب المخلص.
تُترك مستعبدة لبابل 70 عامًا وهي تُقابل السبعين عامًا التي تنبأ عنها إرميا النبي بخصوص سبي إسرائيل البابلي (إر 29: 10)، وكأن الأمم تشترك مع إسرائيل في هذه المذلة لأنه قد أغلق على الكل معًا في العصيان (رو 11: 32) لكي ينعم الكل بالمخلص ويُرحم الجميع. لقد اتُهِمَت أورشليم بأنها زانية (إش 1: 21) وها هي صور تحمل ذات الاتهام [16].
الفترة من السنة الأولى لمُلك نبوخذنصَّر حتى كورش هي 70 سنة تمامًا، خلالها خدمت الأمم بابل.
يصف النبي صور بامرأة زانية تُغني في الأماكن العامة لتجتذب الرجال إليها؛ هكذا فعلت صور بتجارتها التي ارتبطت بالفساد، لكنها بعدما طافت العالم كما لو كان مدينة واحدة تطوف فيها الزانية سقطت تحت سيطرة بابل 70 عامًا في مذلة لا تمارس فيها تجارتها ولا تبعث بالفساد في الدول الأخرى حتى صارت منسية. نساها العالم لكن الله لن ينساها بل يحوّل ذلها إلى مجد، فبعدما كانت تجارتها مرتبطة بالفساد تعود فترتبط بالحياة المقدسة في الرب، يصير تجارتها شهودًا لإنجيل الخلاص، إذ تدخل مع الأمم في الإيمان لتمارس الحياة الإنجيلية وتكرز بها. بعدما كانت في جوع وعري ليس خلال السبي البابلي وإنما خلال عبودية الخطية صارت في حضرة الرب تأكل من خبز الحياة فلا تجوع، وتنعم بلباس المعمودية فلا تتعرى، كقول الرسول: "لأنكم كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح" (غلا 3: 27). هذا ما عناه النبي بالقول: "وتكون تجارتها وأجرتها قدسًا للرب؛ لا تُخزن ولا تُكنز بل تكون تجارتها للمقيمين أمام الرب لأكلٍ إلى الشبع وللباسٍ فاخرٍ" [18].

 
موضوع مغلق

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:56 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024