منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات
قديم 13 - 07 - 2024, 11:24 AM   رقم المشاركة : ( 166301 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,274,056

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

Rose رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




خلاص آحَاز والخلاص المسيَاني



لكي نفهم ما ورد في هذا الأصحاح يلزمنا دراسة (2 مل 16، 2 أي 28)، حيث تكتشف حقيقة آحاز، كأشر ملوك يهوذا، عُرف بالرياء والجبن، أجاز ابنه في النار وقدم ذبائح للأوثان في المرتفعات وتحت كل شجرة خضراء.
في بدء حكم آحاز تحالف آرام مع إسرائيل (أفرايم) ضد يهوذا، وقاما بالهجوم عليه فقتل وفَقْح ملك إسرائيل 120 ألفًا في يوم واحد بينما أسر رَصِين ملك آرام الكثيرين. أراد الاثنان فتح أورشليم لكن الله حفظها، وقد طمأن آحاز على لسان إشعياء بالرغم من فساد آحاز، معلنًا اهتمامه بخلاص شعبه ومدينته.
انتقل إشعياء من هذا الخلاص الزمني إلى الحديث عن الخلاص الأبدي الذي يُحققه عمانوئيل المسيا.



1. تحالف رَصِين وفَقْح ضد آحاز:

1 وَحَدَثَ فِي أَيَّامِ آحَازَ بْنِ يُوثَامَ بْنِ عُزِّيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، أَنَّ رَصِينَ مَلِكَ أَرَامَ صَعِدَ مَعَ فَقَحَ بْنِ رَمَلْيَا مَلِكِ إِسْرَائِيلَ إِلَى أُورُشَلِيمَ لِمُحَارَبَتِهَا، فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُحَارِبَهَا.

في بدء حكم آحاز تحالف رَصِين ملك آرام مع فَقْح بن رَمَلْيا ملك إسرائيل ضد يهوذا [1]. هجم الأول من جهة شرق الأردن بينما اندفع الثاني بجيوشه من الشمال، وانهزم آحاز. صعدًا إلى أورشليم العاصمة لمحاصرتها، لكنهما لم يستطيعا اقتحامها. أما بسبب المعركة فهو اختلاف آحاز عن الملكين الآخرين سياسيًا؛ فقد رأى آحاز أن يتحالف مع أشور بينما رأى الملكان أن يتحالفا مع مصر.
وجد آحاز نفسه في مأزق، فطلب معونة فلاسِرَ ملك آشور، الذي أسرع نحو دمشق حيث قتل رَصِين (2 مل 16: 9)، وهكذا فعل أيضًا بالسامرة (2 مل 15: 29).
2. خوف آحاز:

2 وَأُخْبِرَ بَيْتُ دَاوُدَ وَقِيلَ لَهُ: «قَدْ حَلَّتْ أَرَامُ فِي أَفْرَايِمَ». فَرَجَفَ قَلْبُهُ وَقُلُوبُ شَعْبِهِ كَرَجَفَانِ شَجَرِ الْوَعْرِ قُدَّامَ الرِّيحِ.

إذ عرف آحاز أن آرام حَلّ في أفرايم (المملكة الشمالية أو إسرائيل) للتحالف معًا ضده "رجف قلبه وقلوب شعبه كرجَفَانِ شجر الوعْر قدام الريح" [2]. لقد أدرك آحاز وشعبه عدم قدرتهم على مواجهة آرام وإسرائيل، أما علة خوفهم الحقيقي فهو عدم إيمانهم بالله كسند لهم قادر أن يُحصنهم ويهبهم النصرة. لقد فقدوا سلامهم الداخلي بانعزالهم عن الله مصدر الغلبة والسلام.


3. إشعياء يُطمئن آحاز:

3 فَقَالَ الرَّبُّ لإِشَعْيَاءَ: «اخْرُجْ لِمُلاَقَاةِ آحَازَ، أَنْتَ وَشَآرَ يَاشُوبَ ابْنُكَ، إِلَى طَرَفِ قَنَاةِ الْبِرْكَةِ الْعُلْيَا، إِلَى سِكَّةِ حَقْلِ الْقَصَّارِ، 4 وَقُلْ لَهُ: اِحْتَرِزْ وَاهْدَأْ. لاَ تَخَفْ وَلاَ يَضْعُفْ قَلْبُكَ مِنْ أَجْلِ ذَنَبَيْ هَاتَيْنِ الشُّعْلَتَيْنِ الْمُدَخِّنَتَيْنِ، بِحُمُوِّ غَضَبِ رَصِينَ وَأَرَامَ وَابْنِ رَمَلْيَا. 5 لأَنَّ أَرَامَ تَآمَرَتْ عَلَيْكَ بِشَرّ مَعَ أَفْرَايِمَ وَابْنِ رَمَلْيَا قَائِلَةً: 6 نَصْعَدُ عَلَى يَهُوذَا وَنُقَوِّضُهَا وَنَسْتَفْتِحُهَا لأَنْفُسِنَا، وَنُمَلِّكُ فِي وَسَطِهَا مَلِكًا، ابْنَ طَبْئِيلَ. 7 هكَذَا يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ: لاَ تَقُومُ! لاَ تَكُونُ! 8 لأَنَّ رَأْسَ أَرَامَ دِمَشْقَ، وَرَأْسَ دِمَشْقَ رَصِينُ. وَفِي مُدَّةِ خَمْسٍ وَسِتِّينَ سَنَةً يَنْكَسِرُ أَفْرَايِمُ حَتَّى لاَ يَكُونَ شَعْبًا. 9 وَرَأْسُ أَفْرَايِمَ السَّامِرَةُ، وَرَأْسُ السَّامِرَةِ ابْنُ رَمَلْيَا. إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا فَلاَ تَأْمَنُوا».

اضطرب آحاز جدًا، لأنه اسقط من حساباته عنصر الإيمان أو "الوجود الإلهي"، فلم يُنادِ بالتوبة والرجوع إلى الله، ولا ذهب إلى الهيكل ليضع الأمر بين يديْ الله، ولا أرسل إلى النبي يستشيره، إنما استخدم الوسائل البشرية من التجاء إلى آشور لحمايته، وخروجه إلى طرف قناة البركة العليا [3] غرب أورشليم على رأس وادي ابن هنوم يختبر مع رجال الدولة موارد المياه ليحولونها إلى المدينة تنتفع بها أثناء الحصار المرتقب ولحرمان العدو منها (2 أي 22: 3، 4؛ إش 22: 9-11) كما كان يُباشر تحصين المدينة قدر المستطاع.
مع هذا كله تدخل الله ليس من أجل آحاز وإنما من أجل القلة القليلة المقدسة من شعبه، ومن أجل داود عبده ومدينته العزيزة لديه. لقد طلب من إشعياء أن يخرج لملاقاة آحاز ومعه شآرياشوب (= البقية سترجع) بكونه علامة وأعجوبة في إسرائيل (إش 8: 8)، مؤكدًا له: "احترز وأهدأ؛ لا تخف ولا يضعف قلبك من أجل ذنبيْ هاتين الشُّعلتين المدخِّنتين بحمو غضب رَصِين وآرام وابن رمَلْيا" [4].
التقى النبي وابنه مع الملك عند البركة ليعلن الله للملك أن الخلاص لن يتم بالتخطيط البشري والإمكانيات الزمنية وإنما بعمل الله الفائق وعنايته نحو أولاده. التقى النبي مع الملك عند البركة ليؤكد له أن الله يُريد أن يتحدث مع البشرية أينما وجدوا، يلتقي مع لاوي عند مكان الجباية ومع زكا عند شجرة الجميز ومع السامرية عند بئر يعقوب إلخ... هو يبحث عنا ويذهب إلينا أينما وجدنا مشتاقًا إلى خلاصنا أكثر من اشتياقنا نحن إليه.
طلب الله من آحاز ألا يخاف ولا يضعف قلبه، للأسباب:
أ. أن العدوّيْن "فَقْح ورَصِين " ليسا إلاَّ شعلتين مدخنتين [4]. هكذا يجد أولاد الله مقاومة وتحالفًا من الأعداء ضدهم لكن هذا كله لن يَزيد عن كونه شعلة مُدخّنة تعكّر الجو وتؤذي الأنف إلى حين، بلا نار ملتهبة لتحرق. عدو الخير قوي وجبار في المظهر لكنه يَصغْر جدًا ويضعف تمامًا أمامنا إن اختفينا في المسيح الغالب لإبليس وكل قواته.
يقول القديس يوحنا الذهبي الفملثيؤدور الساقط:
[إن كان للشيطان هذه القدرة أن يطرحك أرضًا من العلو الشامخ والفضيلة السامية، إلى أبعد حدود الشر؛ فكم بالأكثر جدًا يكون الله قادرًا أن يرفعك إلى الثقة السابقة، ولا يجعلك فقط كما كنت، بل أسعد من ذي قبل].
ب. عدم نجاح مؤامرة الأعداء: قام الملكان بمؤامرة شيطانية خفية لكن الله المدرك كل الخفيات أعلنها حتى يحتاط الملك آحاز بالرغم من شِّرهِ وغَبائِه. يقول الرب "لا تقوم، لا تكون" [7]. قد ينجح العدو في البداية حاسبًا أنه يُحقق أهدافه الشريرة، لكن الرب يُشتت المستكبرين بفكر قلوبهم (لو 1: 51).
ج. لن يقدر آرام أن يتوسع كما ظن إنما يلتزم حدوده: "لأن رأس آرام دمشق ورأس دمشق رَصِين" [8]. هكذا مهما حارب رَصِين فسيعود إلى دمشق ولا تتسع مملكته على حساب يهوذا كما يظن. أما بالنسبة لأفرايم ففي مدة 65 سنة ينكسر حتى لا يعود يُحسب شعبًا [8]، يرى البعض أنه في مدة 5، 6 سنوات أي 11 سنة، لأن سبي إسرائيل تحقق بعد 11 سنة من حديث إشعياء النبي (2 مل 17: 3، 6). وإن كان بعض الدارسين يرون أن النبي يُشير هنا إلى خراب إسرائيل بواسطة آسرحدون الذي جاء بقوم من بابل وكوث وعدا وحماة وسفروايم وأسكنهم في مدن السامرة عوضًا عن بني إسرائيل ليقضي على أمة إسرائيل تمامًا (2 مل 17: 24).
ختم النبي حديثه بقوله: "إن لم تؤمنوا فلا تؤمنوا" [9]. فإنهم ما لم يؤمنوا بالوعد الإلهي ويثقوا فيه متكلين على ذراع الرب لن يثبتوا في هذه الظروف القاسية الصعبة. الإيمان هو الدرع (1 تس 5: 8) الذي يحمينا من ضربات العدو.
جاءت هذه العبارة في الترجمة السبعينية: "إن لم تؤمنوا فلا تفهموا" وقد علق عليها القديس أغسطينوسكثيرًا، فمن كلماته:
[لا تستطيعوا أن تنالوا الفهم ما لم يشرق الإيمان في القلب القائل مع النبي: "إن لم تؤمنوا بالتأكيد لن تفهموا"].
[الإيمان يُبحث عنه وأما الفهم فيوجد، إذ يقول النبي: "ما لم تؤمنوا لا تفهموا"].
[حسب تعليم الكنيسة الجامعة يليق بالعقل أن يتغذى أولًا بالإيمان البسيط حتى يقدر أن يفهم الأمور السماوية الأبدية].
[إنكم (يُحدِّث الهراطقة) لم تتعلموا في ملكوت السموات -أي كنيسة المسيح الحقيقية الجامعة- وإلاَّ فإنكم كنتم قد نهلتم من كنز الكتب المقدسة، ما هو قديم وأيضًا ما هو جديد. يقول الرب نفسه: "من أجل ذلك كل كاتب متعلم في ملكوت السموات يشبه رجلًا رب بيت يخرج من كنزه جددًا وعتقاء" (مت 13: 52)].
يرى القديس أغسطينوس أن الإنسان بالإيمان يرافقه السيد المسيح ليسير معه كل الطريق كما فعل مع تلميذيّ عمواس اللذين توسلا إليه أن يمكث معهما، فلما اتكأ معهما "انفتحت أعينهما وعرفاه" (لو 24: 31).
يعلق القديس إكليمنضس السكندريعلى ذات العبارة قائلًا: "هذا يعني أنه إن لم تؤمنوا بما تنبأ عنه الناموس وتتقبلوا تعليم الشريعة لن تفهموا العهد القديم الذي فسره (السيد المسيح) بمجيئه"".


4. آحاز يرفض طلب آية:

10 ثُمَّ عَادَ الرَّبُّ فَكَلَّمَ آحَازَ قَائِلًا: 11 «اُطْلُبْ لِنَفْسِكَ آيَةً مِنَ الرَّبِّ إِلهِكَ. عَمِّقْ طَلَبَكَ أَوْ رَفِّعْهُ إِلَى فَوْق». 12 فَقَالَ آحَازُ: «لاَ أَطْلُبُ وَلاَ أُجَرِّبُ الرَّبَّ». 13 فَقَالَ: «اسْمَعُوا يَا بَيْتَ دَاوُدَ! هَلْ هُوَ قَلِيلٌ عَلَيْكُمْ أَنْ تُضْجِرُوا النَّاسَ حَتَّى تُضْجِرُوا إِلهِي أَيْضًا؟

قدم الله لآحاز كل إمكانية للخلاص، لكن قلبه كان قد تقسى تمامًا فوثق في أشور لا الله. ومع ذلك فإن الله في حبه ولطفه عاد يتحدث معه خلال إشعياء النبي قائلًا: "اطلب لنفسك آية من الرب إلهك؛ عمق طلبك أو رفعه إلى فوق" [11]. وكأنه يقول له: لماذا تطلب عونًا من أشور الغريب، أنا هو إلهك مستعد أن أؤكد لك مواعيدي بآية من الأرض أو من السماء، فأنا إله السماء والأرض. أطلب ما تُريد وأنا أعطيك. أطلب أن تحدث زلزلة أو انشقاق للأرض كما حدث مع قورح وجماعته، أو اطلب بروقًا أو رعودًا أو أمطارًا أو علامة في الشمس كما حدث مع يشوع حيث توقفت الشمس. فإنني وإن كنت لا أحب تقديم آيات للاستعراض إنما من أجل حبي لبيت داود ولكي تؤمن بيّ أعطيك سؤل قلبك. أما آحاز فقد صوّب نظره نحو أشور، رافضًا أية معونة من قِبَل الله، لذا رفض طلب آية منه، مبررًا ذلك بنص كتابي "لا أُجرب الرب" [12] (تث 6: 16). لم يقل هذا عن ثقة في الله وإنما رغبة في عدم التعامل معه.
هذا الفصل يُقرأ في باكر من الجمعة من الأسبوع الثاني من الصوم الكبير حيث تركز القراءات على "تجربة السيد المسيح". وكأن روح الرب يؤكد أنه في كل العصور يوجد أشرار يرغبون في تغطية شرورهم بنصوص كتابية، حتى الشيطان نفسه في حواره مع السيد المسيح عند التجربة استخدم ذات الأسلوب.

ما أخطر إساءة استخدام كلمة الله!
كان آحاز مخادعًا في إجابته حتى على الرب، لهذا وبخه النبي قائلًا: "اسمعوا يا بيت داود؛ هل هو قليل عليكم أن تُضجروا الناس حتى تُضجروا إلهي أيضًا؟!" [13]. لقد تضجر الناس بسبب مظالم آحاز وأهل بيته وها هم كمن يضجرون الله بعدم إيمانهم به متكلين على أشور لا الرب.
5. الآية الإلهية: عمانوئيل:

14 وَلكِنْ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ «عِمَّانُوئِيلَ». 15 زُبْدًا وَعَسَلًا يَأْكُلُ مَتَى عَرَفَ أَنْ يَرْفُضَ الشَّرَّ وَيَخْتَارَ الْخَيْرَ. 16 لأَنَّهُ قَبْلَ أَنْ يَعْرِفَ الصَّبِيُّ أَنْ يَرْفُضَ الشَّرَّ وَيَخْتَارَ الْخَيْرَ، تُخْلَى الأَرْضُ الَّتِي أَنْتَ خَاشٍ مِنْ مَلِكَيْهَا».

رفض آحاز أن يطلب من الله آية ليطمئن أنه سيخلصه من أرام وإسرائيل، وها هو الرب يقدم نفسه آية لا لآحاز وإنما لكل البشرية لنطمئن أنه يخلصها لا من الأذرع البشرية وإنما من كل قوات الظلمة الشريرة، يرفعها فوق الأحداث الزمنية ويحملها معه إلى الأحضان الأبوية. وفي نفس الوقت يطمئن آحاز أن بيت داود لن يسقط تمامًا، إنما يأتي ابن داود "الآية العجيبة" القادر أن يُقيم خيمة داود الساقطة.
الآية التي يُريد الرب أن يهبها لكل مؤمن هي أنه يعطي ذاته "عمانوئيل". نحن لا نعمِّق الطلبة ولا نرفعها إلى فوق إنما كآحاز نخشى أن نطلب مع أنه ينتظر أن يهبنا ذاته؛ ينزل إلينا ليرفعنا إليه، فيكون هو نصيبنا الصالح الذي لن ينزع عنا.
لهذا يقول القديس إيريناؤس: [ما قاله إشعياء: "رفّع إلى فوق وعمق إلى أسفل" يعني الإشارة إلى ذاك الذي نزل وصعد (أف 4: 10)]. لنطلب هذه الآية العجيبة عمانوئيل النازل إلينا ليصعدنا إلى سمواته.
حقًا إنها آية فريدة، وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [لما كان ما هو مزمع أن يحدث أمرًا غريبًا لا يمكن لكثير من أن يصدقوه حتى عندما يتحقق لهذا أرسل أولًا وقبل كل شيء أنبياء يعلنون عن هذه الحقيقة].
وبذات المعنى يقول الشهيد يوستين: [الأمور التي كانت تبدو غير معقولة بل ومستحيلة بالنسبة للبشر أعلن الله عنها بروح النبوة...].


أ. "ها العذراء تحبل وتلد ابنًا وتدعو اسمه عمانوئيل" [14].
وكما يقول الشهيد يوستينفي حواره مع تريفو (66): [من الواضح للجميع أنه لم يولد أحد في جنس إبراهيم من عذراء أو قيل عنه ذلك إلاَّ مسيحنا].
بتولية القديسة مريم حقيقة إنجيلية تخفي إيماننا في المسيح يسوع ابنها. فإن كلمة الله عند تجسده لم يبال بنوع الموضع الذي يضطجع فيه، أو الملابس التي يتقمط بها، أو الطعام الذي يقتات به، لكنه حدد بدقة "العذراء" التي تصير له أمًا.
الكلمة العبرية المستخدمة لعذراء هي "آلما Alma" وليس بتولية "ولا "ايسا"، فإن كلما "آلما" تعني عذراء صغيرة يمكن أن تكون مخطوبة، أما "بتولية" فتعني عذراء غير مخطوبة بينما إيسا تعني سيدة متزوجة. وكأن كلمة "آلما" تُطابق حالة القديسة مريم تمامًا بكونها عذراء وفي نفس الوقت مخطوبة للقديس يوسف الذي كان بالنسبة لها مُدافعًا وشاهدًا أمينا على عفتها، بوجوده ينتزع كل ريب أو ظن حولها.
تحدث حزقيال النبي (حز 44: 1-2) عن بتولية القديسة مريم:
* حزقيال شهد وأظهر لنا هذا، قائلًا:
إنيّ رأيت بابًا ناحية المشارق،
الرب المخلص دخل إليه،
وبقى مغلقًا جيدًا بحاله.
أبصالة آدم يوم الأحد
بتولية القديسة مريم هي برهان على إيماننا بالسيد المسيح أنه ليس من زرع بشر، أنه ليس من هذا العالم، بل هو ابن الله المتجسد، جاء إلينا من الأعالي. لقد حملت "عمانوئيل" الذي يعني "الله معنا"؛ نزل إلينا متجسدًا في الأحشاء البتولية لتحمل طبيعتنا ويصير واحدًا معنا، يحل في وسطنا، مقدسًا كل ما لنا.


* الذين أعلنوا أنه عمانوئيل المولود من البتول (إش 7: 14) أعلنوا أيضًا اتحاد كلمة الله بصنعة يديه.
إذ صار الكلمة جسدًا، وابن الله ابنا للإنسان، وافتتح الطاهر بنقاوة والأحشاء النقية معطيًا للبشرية تجديدًا في الله.
القديسايريناؤس
* فتح السيد المسيح مستودع الكنيسة المقدسة، ذلك المستودع الصامت، الذي بلا عيب، المملوء ثمرًا، حيث يولد شعب الله.
القديس أمبروسيوس
* ميلادك الإلهي يا رب قد وهب البشرية كلها ميلادًا... ولدتك البشرية حسب الجسد، وأنت ولدتها حسب الروح... المجد لك يا من صرت طفلًا لكي تجعل الكل جديدًا.
القديس مار أفرام السرياني
* إننا نؤكد أن الابن وحيد الجنس قد صار إنسانًا... حتى إذ يولد من امرأة حسب الجسد يعيد الجنس البشري فيه من جديد.
القديس كيرلس الكبير
ب. "زبدًا وعسلًا يأكل متى عرف أن يرفض الشر ويختار الخير" [16].
هنا يؤكد النبي ناسوت السيد المسيح، فمع كونه ليس من زرع بشر لكنه صار بحق ابن الإنسان، يُشاركنا أكلنا وتصرفاتنا ويشابهنا في كل شيء ماخلا الخطية وحدها (عب 2: 7).
الزبد والعسل هما طعام الصبية الصغار، فانه لن يبلغ الرجولة دفعة واحدة، إنما يجتاز مرحلة الصبوة، خلالها يعرف أن يرفض الشر ويختار الخير علامة نضوج نفسه وفكره. نراه في الثانية عشرة من عمره يجلس وسط المعلمين يسمعهم ويحاورهم حتى بهتوا من تعليمه (لو 2: 46-47).
هذا تحقق بالنسبة لربنا يسوع المسيح المولود وحده من العذراء؛ أما بالنسبة لما تم في أيام آحاز فقد أعلن الله عن ميلاد ابن لإشعياء، قيل عنه: "لأنه قبل أن يعرف الصبي أن يرفض الشر ويختار الخير تْخلى الأرض التي أنت خاشِ من ملكيها" [16]. تحقق ذلك بكل دقة إذ هاجم ملك أشور دمشق بعد إعلان هذه النبوة بفترة قصيرة وقُتل رَصِين (2 مل 16: 9) كما قَتَل هوشع بن إيلة فَقْح بن رمليا وملك عوضًا عنه (2 مل 15: 30)، وأُعيد 200,000 أسيرًا بسرعة (شآرياشوب = البقية سترجع) وذلك لا بالقوة ولا بالقدرة بل بروح الرب (2 مل 28: 8-15).



6. أشور الحليف يصير عدوًا:

17 يَجْلِبُ الرَّبُّ عَلَيْكَ وَعَلَى شَعْبِكَ وَعَلَى بَيْتِ أَبِيكَ، أَيَّامًا لَمْ تَأْتِ مُنْذُ يَوْمِ اعْتِزَالِ أَفْرَايِمَ عَنْ يَهُوذَا، أَيْ مَلِكَ أَشُّورَ. 18 وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ الرَّبَّ يَصْفِرُ لِلذُّبَابِ الَّذِي فِي أَقْصَى تُرَعِ مِصْرَ، وَلِلنَّحْلِ الَّذِي فِي أَرْضِ أَشُّورَ، 19 فَتَأْتِي وَتَحِلُّ جَمِيعُهَا فِي الأَوْدِيَةِ الْخَرِبَةِ وَفِي شُقُوقِ الصُّخُورِ، وَفِي كُلِّ غَابِ الشَّوْكِ، وَفِي كُلِّ الْمَرَاعِي. 20 فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَحْلِقُ السَّيِّدُ بِمُوسَى مُسْتَأْجَرَةٍ فِي عَبْرِ النَّهْرِ، بِمَلِكِ أَشُّورَ، الرَّأْسَ وَشَعْرَ الرِّجْلَيْنِ، وَتَنْزِعُ اللِّحْيَةَ أَيْضًا. 21 وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ الإِنْسَانَ يُرَبِّي عِجْلَةَ بَقَرٍ وَشَاتَيْنِ، 22 وَيَكُونُ أَنَّهُ مِنْ كَثْرَةِ صُنْعِهَا اللَّبَنَ يَأْكُلُ زُبْدًا، فَإِنَّ كُلَّ مَنْ أُبْقِيَ فِي الأَرْضِ يَأْكُلُ زُبْدًا وَعَسَلًا. 23 وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ كَانَ فِيهِ أَلْفُ جَفْنَةٍ بِأَلْفٍ مِنَ الْفِضَّةِ، يَكُونُ لِلشَّوْكِ وَالْحَسَكِ. 24 بِالسِّهَامِ وَالْقَوْسِ يُؤْتَى إِلَى هُنَاكَ، لأَنَّ كُلَّ الأَرْضِ تَكُونُ شَوْكًا وَحَسَكًا. 25 وَجَمِيعُ الْجِبَالِ الَّتِي تُنْقَبُ بِالْمِعْوَلِ، لاَ يُؤْتَى إِلَيْهَا خَوْفًا مِنَ الشَّوْكِ وَالْحَسَكِ، فَتَكُونُ لِسَرْحِ الْبَقَرِ وَلِدَوْسِ الْغَنَمِ.

إذ يتكئ آحاز على أشور كحليف له دون الرجوع إلى الرب لهذا يسمح الله أن ينقلب آشور عدوا ضد يهوذا، ويجتاز يهوذا مرارة لم يسبق له اجتيازها منذ انقسمت المملكة إلى مملكتين "إسرائيل ويهوذا" [17]، وفي نفس الوقت يرى أيامًا صعبة من جهة مصر فيصير يهوذا بين حجَري رحا، لا بمعنى أن يتفق أشور ومصر ضده، وإنما يتصارع الاثنان ضد بعضهما ويكون يهوذا هو كبش الفداء للاثنين، في أرضه تحدث المعارك والصراعات.
"ويكون في ذلك اليوم أن الرب يصفر للذباب (جيوش مصر) الذي في أقصى ترع مصر، وللنحل (جيوش أشور) الذي في أرض أشور، فتأتي وتحل جميعها في الأودية الخربة وفي شقوق الصخور وفي كل غاب الشوك وفي كل المراعي (أي تُغطى الجيوش كل بقاع يهوذا)" [18-19].
هذا ويصور الرب الخراب الذي يحققه أشور بموسى مستأجرة تحلق شعر الرأس وشعر الرجلين واللحية [20]. وكأن العدو يمد يده كما بموسى ليمسح كل ما لدى الملك وأهل بيته والعظماء (الرأس) وما لدى عامة الشعب (الرجلين) وأيضًا الكهنة (اللحية). هكذا يتحول أشور إلى موسى مخرب ومُحطم! حلق اللحية كان علامة المذلة إذ كان الأسرى يلتزمون بذلك لا إراديًا.
مرة أخرى يُعطي صورة لخراب يهوذا التي اشتهرت بتربية الأغنام، فكان كل إنسان يملك الكثير من الرؤوس، لكن بعد الخراب يصير للمقتدر عجلة بقر وشاتين [21]، وتتحول الكروم الجيدة إلى أرض للشوك والحسك [23]، إذ لا توجد أيدٍ عاملة بسبب الحرب...




مهير شلال حاش بز



في الأصحاح السابق تحدث الله مع آحاز الملك خلال إشعياء النبي الذي أعلن عن تدخل الله لإنقاذ أورشليم من أرام وإسرائيل، وقد أنجب النبي ابنه الأول شآرياشوب (=البقية سترجع) ليؤكد أن المسبيين من يهوذا يرجعون سريعًا. الآن يتحدث الله مع الشعب في ذات الأمر وتحت نفس الظروف، وينجب النبي الابن الثاني المدعو مهير شلال حاش بز (=أسرِع إلى السلب، بادر إلى النهب) ليؤكد أن أشور قادم شريعًا ليسلب آرام وينهب إسرائيل منقذًا أورشليم، وفي نفس الوقت ينذر شعب يهوذا لاتكاله على أشور لا على الرب.




1. غلبة أشور على آرام وإسرائيل:

1 وَقَالَ لِي الرَّبُّ: «خُذْ لِنَفْسِكَ لَوْحًا كَبِيرًا، وَاكْتُبْ عَلَيْهِ بِقَلَمِ إِنْسَانٍ: لِمَهَيْرَ شَلاَلَ حَاشَ بَزَ. 2 وَأَنْ أُشْهِدَ لِنَفْسِي شَاهِدَيْنِ أَمِينَيْنِ: أُورِيَّا الْكَاهِنَ، وَزكَرِيَّا بْنَ يَبْرَخْيَا». 3 فَاقْتَرَبْتُ إِلَى النَّبِيَّةِ فَحَبِلَتْ وَوَلَدَتِ ابْنًا. فَقَالَ لِي الرَّبُّ: «ادْعُ اسْمَهُ مَهَيْرَ شَلاَلَ حَاشَ بَزَ. 4 لأَنَّهُ قَبْلَ أَنْ يَعْرِفَ الصَّبِيُّ أَنْ يَدْعُوَ: يَا أَبِي وَيَا أُمِّي، تُحْمَلُ ثَرْوَةُ دِمَشْقَ وَغَنِيمَةُ السَّامِرَةِ قُدَّامَ مَلِكِ أَشُّورَ».

في الأصحاح السابق تحدث الرب مع آحاز المرتجف من آرام وإسرائيل، الآن يتحدث مع الشعب مؤكدًا خراب المملكتين اللتين تحالفتا معًا ضد يهوذا. بأمر إلهي أخذ إشعياء لوحًا كبيرًا كتب عليه بحروف واضحة "مهير شلال حاش بز" وتعني "أسرع إلى السلب، بادر إلى النهب". وضع إشعياء النبي اللوح في مكان ظاهر في الهيكل لكي يقرأه الكل، وقد شهد كاهنان عليه هما: أوريا وزكريا، أوريا كان رئيس كهنة في أيام آحاز ومشيره الروحي والمشترك معه في العبادة الوثنية. فقد أقام مذبحًا على شبه مذبح الآراميين رآه حزقيا في دمشق، ليُقدم الملك عليه ذبائح (2 مل 16: 10-16).
وقع الكاهنان على اللوح أو ختماه بختميهما كشاهدين موثوق فيهما إذ على فم شاهدين أو ثلاثة تقوم كل كلمة (2 كو 13: 1)، شهدا أن ما كتبه كان قبل حدوث الأمر.
يعلن إشعياء النبي أنه عندما يبلغ ابنه مهير شلال حاش بز حوالي سنة واحدة من عمره تتحقق النبوة ضد آرام وإسرائيل، إذ يقول: "قبل أن يعرف الصبي أن يدعو يا أبي ويا أمي تُحمل ثروة دمشق وغنيمة السامرة قدام ملك أشور" [4]. وقد تم ذلك بواسطة تغلث فلاسر ملك أشور (2 مل 15: 29؛ 16: 9؛ 1 أي 5: 26).


2. إنذار بني يهوذا:

5 ثُمَّ عَادَ الرَّبُّ يُكَلِّمُنِي أَيْضًا قَائِلًا: 6 «لأَنَّ هذَا الشَّعْبَ رَذَلَ مِيَاهَ شِيلُوهَ الْجَارِيَةَ بِسُكُوتٍ، وَسُرَّ بِرَصِينَ وَابْنِ رَمَلْيَا. 7 لِذلِكَ هُوَذَا السَّيِّدُ يُصْعِدُ عَلَيْهِمْ مِيَاهَ النَّهْرِ الْقَوِيَّةَ وَالْكَثِيرَةَ، مَلِكَ أَشُّورَ وَكُلَّ مَجْدِهِ، فَيَصْعَدُ فَوْقَ جَمِيعِ مَجَارِيهِ وَيَجْرِي فَوْقَ جَمِيعِ شُطُوطِهِ، 8 وَيَنْدَفِقُ إِلَى يَهُوذَا. يَفِيضُ وَيَعْبُرُ. يَبْلُغُ الْعُنُقَ. وَيَكُونُ بَسْطُ جَنَاحَيْهِ مِلْءَ عَرْضِ بِلاَدِكَ يَا عِمَّانُوئِيلُ».

بعد أن أعلن الله خلاصه لمدينة أورشليم محطمًا آرام وإسرائيل اللذين تحالفا ضدها بدأ يسرد خطايا بني يهوذا وما سيحل عليهم من تأديبات. إن كان يدافع عنهم لكنه لا يدافع عن خطاياهم ولا يتستر عليها بل يطلب التوبة عنها والرجوع إليه.
يقول: "لأن هذا الشعب رذل مياه شيلوه الجارية بسكوت وسُرّ برصين وابن رمليا" [6]. "شيلوه" مجرى مائي اسمه يعني "المرسل"، دُعِيَ في العهد الجديد "سلوام". نُحت هذا المجرى في الصخر، طوله بضعة آلاف من الأقدام، يقع جنوب غربي أورشليم، تنساب المياه فيه في هدوء، عليه تعتمد المدينة، كان رمزًا لبيت داود. ماذا يعني رذل الشعب مياه هذا المجرى؟ لقد قارنوا بينه وبين نهري دمشق إبانه وفرفر، فرذلوه واستهانوا به. هذا يُشير إلى استخفافهم بما وهبهم الله "مملكة يهوذا" متطلعين إلى ما هو لدى الغير "الأذرع البشرية". لقد فقدوا إيمانهم بالله واهب النصرة وخشوا رصين وابن رمليا الغريبين والمقاومين ليهوذا ملتجئين إلى من ينقذهم منهما.
مياه شيلوه تُشير إلى قوة الروح الهادئ والوديع، مصدر التقديس وينبوع البر.
أيضًا "شيلوه" تعني "المرسل"، تُشير إلى السيد المسيح الذي أرسله الآب لخلاصنا، فرذله اليهود ورفضوا عمل روحه القدوس.
هم رفضوا مجرى الماء الهادئ طالبين المياه الغامرة القوية، لذلك يؤدبهم الرب بأن "يصعد عليهم مياه النهر القوية والكثيرة، ملك أشور وكل مجده" [7]. إن كان يهوذا يتكئ على أشور، فإنه سيأتي فعلًا ويخلصه، لكنه يعود فيما بعد يندفق عليه كنهر الفرات الذي أعجبوا به واشتهوه، يفيض على يهوذا ويغرقه [7]. لقد أنقذ تغلث فلاسر الآشوري يهوذا، لكن سنحاريب الآشوري هجم بقوة على يهوذا وبلغ إلى العنق وحاصر الرأس أورشليم، وكادت أن تسقط لولا تدخل الله: "يفيض ويعبر يبلغ العنق ويكون بسط جناحيه (فرعي نهر الفرات) ملء عرض بلادك يا عمانوئيل" [8].
هكذا يسمح الله بالتأديب فتحل التجارب كالسيل الجارف لكي تبلغ إلى أعناقنا، لكنه يحفظ الرأس (إيماننا بالسيد المسيح رأسنا) فوق سيول التجارب حتى لا يفنى إيماننا فنهلك (لو 22: 32)، لأننا أرض عمانوئيل، ملك الرب.
يعلق القديس أغسطينوسعلى كلمات السيد المسيح: "كونوا حكماء كالحيات" (مت 10: 16)، قائلًا: [بأنه يلزمنا أن نتشبه بحكمة الحية التي تضع رأسها بين جسدها عندما يحدق بها الخطر، فتسقط الضربات على الجسد دون الرأس، إذ تعلم أنها لا تهلك ما دامت رأسها سليمة. هكذا يليق بنا أن نحتفظ بإيماننا بالسيد المسيح رأسنا سليمًا مهما حلت بنا الضيقات فلا نهلك].
مهما حاول عدو الخير أن يبسط جناحيه في داخلنا [8] فإنه لا يصيبنا ضرر ما دامت أرضنا بأكملها أرض عمانوئيل، أي ما دامت حياتنا مستترة تحت ظل جناحي الرب، مادمنا نحمل فينا مملكة المسيح!
3. بلاد عمانوئيل:

9 هِيجُوا أَيُّهَا الشُّعُوبُ وَانْكَسِرُوا، وَأَصْغِي يَا جَمِيعَ أَقَاصِي الأَرْضِ. احْتَزِمُوا وَانْكَسِرُوا! احْتَزِمُوا وَانْكَسِرُوا! 10 تَشَاوَرُوا مَشُورَةً فَتَبْطُلَ. تَكَلَّمُوا كَلِمَةً فَلاَ تَقُومُ، لأَنَّ اللهَ مَعَنَا.

بينما يتحدث النبي عن الأمور الجارية في عهده إذا بالرب يرفع أنظاره وأنظار المؤمنين نحو عمل المسيح الخلاصي. الله في حبه يترفق بشعب يهوذا فيُخلصهم من تحالف آرام وإسرائيل ضدهم، وفي نفس الوقت إذ يخطئ الشعب بالتجائه إلى أشور يصير أشور نفسه مقاومًا لهم. هذا ما سمح به الله، لكنه لم يسمح بإبادة يهوذا تمامًا، لأن منه يخرج السيد المسيح، الأسد الخارج من سبط يهوذا. يسمح بالغزو الآشوري يفيض حتى عنق يهوذا لكنه لا يصيب الرأس، إذ يتجسد كلمة الله من سبط يهوذا - من القديسة مريم - ويحل بيننا عمانوئيل الذي يُقيم من قلوبنا أرضًا أو مملكة له... هذا ما دفع النبي إلى الانتقال المفاجئ من مشكلة يهوذا في عصر النبي أو بعده بقليل إلى الحديث عن القوى المتحالفة ضد عمانوئيل، قائلًا:
"هيجوا أيها الشعوب وانكسروا واصنعوا يا جميع أقاصي الأرض. احتزموا وانكسروا. تشاوروا مشورة فتبطل. تكلموا كلمة فلا تقوم. لأن الله معنا" [9-10].
لم يقف الأمر عند أشور الذي انهار حيث مات 185,000 رجلًا منهم في المعركة وإنما يعلن النبي عن سقوط كل قوى العالم المقاومة للحق: أشور يليها بابل ثم فارس ومادي والدولة الرومانية (إش 54: 17؛ مي 4: 13). وبالأكثر قصد قوات الظلمة الروحية المقاومة لمملكة المسيح. يعلن النبي أن هياج الأعداء وتحالفهم ومشوراتهم الشريرة ضد الكنيسة، موجهة ضد عمانوئيل الحال في وسطها، لهذا تنهار قوات الظلمة وتتمتع الكنيسة الحقيقية بالغلبة.


هذا الصوت النبوي يصرخ ضد كل مقاومي المسيح، معلنًا ما قاله الرب نفسه لشاول: "لماذا تضطهدني...؟! صعب عليك أن ترفس مناخس" (أع 9: 4-5). ليفعل العدو كل ما في وسعه مقاومًا المؤمنين، فإنه إنما يُحطم نفسه.
4. تشكيك وتعثر في عمانوئيل:

11 فَإِنَّهُ هكَذَا قَالَ لِي الرَّبُّ بِشِدَّةِ الْيَدِ، وَأَنْذَرَنِي أَنْ لاَ أَسْلُكَ فِي طَرِيقِ هذَا الشَّعْبِ قَائِلًا: 12 «لاَ تَقُولُوا: فِتْنَةً لِكُلِّ مَا يَقُولُ لَهُ هذَا الشَّعْبُ فِتْنَةً، وَلاَ تَخَافُوا خَوْفَهُ وَلاَ تَرْهَبُوا. 13 قَدِّسُوا رَبَّ الْجُنُودِ فَهُوَ خَوْفُكُمْ وَهُوَ رَهْبَتُكُمْ. 14 وَيَكُونُ مَقْدِسًا وَحَجَرَ صَدْمَةٍ وَصَخْرَةَ عَثْرَةٍ لِبَيْتَيْ إِسْرَائِيلَ، وَفَخًّا وَشَرَكًا لِسُكَّانِ أُورُشَلِيمَ. 15 فَيَعْثُرُ بِهَا كَثِيرُونَ وَيَسْقُطُونَ، فَيَنْكَسِرُونَ وَيَعْلَقُونَ فَيُلْقَطُونَ».

يبدو أن البعض لم يصدق كلمات النبي وحسبوا ذلك فتنة سياسية أو خيانة وطنية ومقاومة للملك والسلطات، كي لا يلجأ يهوذا إلى أشور فيهلك على أيدي الآراميين وإسرائيل. لقد أمسك الرب كما بيد إشعياء ليشدده [11]. يرى البعض أن إشعياء نفسه -كإنسان- مال أحيانًا إلى رأي الملك ومشيريه والشعب، لكن الله مُصرّ أن يوضح له الطريق وإن كان مخالفًا لرأي الجماعة؛ كأنه قد أمسك بيده ليدخل به الطريق الضيق المرفوض. ولعل الرب أمسك بيده ليشدده من أجل الاتهامات الباطلة الموجهة ضده، ولكي لا يتوقف عن العمل النبوي بسبب ما يثيره هؤلاء القوم، إنما يُريده أن يُشدد الأيدي الأمينة بتقديسها للرب. وكأن الرب يمسك بأيدي إشعياء ليمسك الأخير بدوره أيادي المخلصين ويضعها في أيدي الله القدوس. لذا يقول: "لا تخافوا خوفه ولا ترهبوا، قدسوا رب الجنود فهو خوفكم وهو رهبتكم" [12-13]. كل نفس أمينة في خدمة الرب تُقاوم، لكن الرب نفسه يسندها لا لكي تعمل فحسب وإنما لكي تسند الآخرين وتُشجعهم على العمل بروح الله القدوس، متطلعين لا إلى المقاومة بل إلى مساندة رب الجنود لهم.
ما أروع هذه الكلمات "لا تخافوا... قدسوا رب الجنود فهو خوفكم". لقد تكاتفت القوى الشريرة وتحالفت في تعالٍ وكبرياء، أما أولاد الله فيتحدوا معًا في الرب، يتحدوا تحت قيادة رب الجنود القدوس في حب وتقديس. هؤلاء لا يتكئون على أذرع بشرية ولا يريدون تحالفًا بين النور والظلمة وإنما يؤمنون بالغلبة والنصرة خلال التقديس أو الشركة مع الله القدوس.
ليس إشعياء وحده يُقاوم ولا أيضًا الأمناء من المؤمنين، إنما يصير "عمانوئيل" نفسه مُقاومًا وحجر صدمة لكثيرين: "ويكون مقدسًا وحجر صدمة وصخرة عثرة لبيتي إسرائيل وفخًا وشركًا لسكان أورشليم، فيعثر بها كثيرون فينكسرون ويعلقون فيلقطون" [14-15].
إنه "مقدس" أو "حجر مقدس" بالنسبة للمؤمنين الذين يلجأون إليه ويتمسكون به لحمايتهم وخلاصهم، هو "حجر الأساس" و"حجر زاوية" يربط المؤمنين من اليهود مع المؤمنين من الأمم كحائطين يلتقيان معًا فيه. وفي نفس الوقت هو حجر عثرة وصدمة لغير المؤمنين.
* متى قُدم (المسيح) في الكتاب المقدس كحجر يكون حجر عثرة لغير المؤمنين وحجر أساس للمؤمنين (إش 8: 14؛ 28: 16؛ دا 2: 34، 45؛ مت 21: 44؛ لو 20: 17؛ أع 5: 11؛ رو 9: 33 إلخ...).
القديس أغسطينوس
جاء السيد المسيح إلى خاصته وخاصته لم تقبله، لذا يقول "صخرة عثرة لبيتي"؛ مما يزيد جراحاته أن الرفض هو من بيته.
اقتبس القديس بطرس (1 بط 2: 8) هذه النبوة معلنًا إتمامها في شخص السيد المسيح.
5. البقية المقدسة لله:

16 صُرَّ الشِّهَادَةَ. اخْتِمِ الشَّرِيعَةَ بِتَلاَمِيذِي. 17 فَأَصْطَبِرُ لِلرَّبِّ السَّاتِرِ وَجْهَهُ عَنْ بَيْتِ يَعْقُوبَ وَأَنْتَظِرُهُ. 18 هأَنَذَا وَالأَوْلاَدُ الَّذِينَ أَعْطَانِيهِمُ الرَّبُّ آيَاتٍ، وَعَجَائِبَ فِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عِنْدِ رَبِّ الْجُنُودِ السَّاكِنِ فِي جَبَلِ صِهْيَوْنَ.

إن كانت خاصة السيد المسيح أو أهل بيته قد رفضوه فصار لهم حجر عثرة لكن وُجدت بقية مقدسة قبلته مثل التلاميذ والرسل والمريمات وبيت لعازر إلخ... هذه البقية تُحسب خميرة مقدسة يستخدمها روح الله لتخمير العجين في العالم كله.
ما حدث مع السيد المسيح تم مع إشعياء بصورة باهتة بكونه رمزًا للمسيح، إذ صار له هو أيضًا تلاميذ أمناء.
"صُرّ الشهادة اختم الشريعة بتلاميذي" [16]. قبلت القلة المقدسة كلمات إشعياء النبي بكونها نبوات صادقة وكلمة إلهية، حاسبين كلماته إعلانًا عن فكر الله وإرادته المقدسة. هؤلاء دعاهم النبي تلاميذه وأيضًا "الأولاد الذين أعطانيهم الرب" [8]. هؤلاء يلزمهم أن يختموا أو يصروا على ما سمعوه، لأن هذه النبوات يجب أن تبقى محفوظة حتى أزمنة العهد الجديد، حيث تعلن للأطفال البسطاء (مت 11: 25). ختمها أيضًا يعني الالتزام بعدم الإضافة إليها أو الحذف منها.
ما ذكره إشعياء يبدو في عصره أنه أمر مستحيل يجب مقاومته لهذا كان يلزمه هو وتلاميذه أن يتسلحوا بالصبر للرب [17]. عاشوا في جو مقبض: الرب ساتر وجهه عن شعبه [17]، كأنه ليس شعبه ولا يعرفه مسلمًا إياهم لأذهانهم المرفوضة المخرَّبة، الأمر الذي أحزن قلب إشعياء وتلاميذه؛ وفي نفس الوقت يتطلع إليهم الشعب كغرباء عنهم وشواذ مملوءين حماقة. فبقوله: "هأنذا والأولاد الذين أعطانيهم الرب آيات وعجائب في إسرائيل من عند رب الجنود" [18] يعني أن إشعياء وتلاميذه أشبه بآيات وعجائب بالنسبة للشعب، إذ يختلفون عن الكل في إيمانهم وسلوكهم وأفكارهم نحو الرب.
لقد حُسب تلاميذ إشعياء أولادًا له، وهو في هذا يحمل رمزًا للسيد المسيح الذي يشتاق أن يربط المؤمنين به برباط فريد أشبه برباط الأب مع أولاده.
* إنه أخ وصديق وعريس: "لا أعود أُسميكم عبيدًا... لكني قد سميتّكم أحباء" (يو15: 15). ويقول بولس: "خطبتكم لرجل واحد لأقدم عذراء عفيفة للمسيح" (2 كو 11: 2)؛ "ليكون هو بكرًا بين إخوة كثيرين" (رو 8: 29). لم نعد فقط إخوته بل صرنا أولادًا له، إذ يقول: "هأنذا والأولاد الذين أعطانيهم الرب" [18]، ليس هذا فقط بل وصرنا أعضاءه وجسده.
* هنا (عب 2: 13؛ إش 8: 18) يظهر (المسيح) نفسه أبًا كما أظهر نفسه قبلًا أخًا.
القديس يوحنا الذهبي الفم
* [يتحدث مع طالبي العماد].
* تشارككم الملائكة الفرح، والمسيح نفسه رئيس الكهنة الأعظم... يُقدمكم جميعًا للآب قائلًا: "هأنذا والأولاد الذين أعطانيهم الله" ليحفظكم جميعًا موضع سرور نظرته.
القديس كيرلس الأورشليمي
كما يتقدم إشعياء النبي بتلاميذه إلى الله كشهود حق، رمزًا لشخص السيد المسيح الذي يُقدم مؤمنيه للآب أعضاء جسده وأبناء للحق موضع سرور الآب، هكذا يليق بنا نحن أيضًا أن نهتم بكل أحد خاصة أفراد الأسرة لنقدمهم لله أحباء له.
وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [لنفكر جديًا في زوجاتنا وأولادنا وخدمنا، مدركين أننا بهذا نقيم لأنفسنا تدبيرًا حسنًا (سهلًا) ويصير تعاملنا معهم وديعًا ورقيقًا].
6. الالتجاء إلى العرافين:

19 وَإِذَا قَالُوا لَكُمُ: «اطْلُبُوا إِلَى أَصْحَابِ التَّوَابعِ وَالْعَرَّافِينَ الْمُشَقْشِقِينَ وَالْهَامِسِينَ». «أَلاَ يَسْأَلُ شَعْبٌ إِلهَهُ؟ أَيُسْأَلُ الْمَوْتَى لأَجْلِ الأَحْيَاءِ؟» 20 إِلَى الشَّرِيعَةِ وَإِلَى الشَّهَادَةِ. إِنْ لَمْ يَقُولُوا مِثْلَ هذَا الْقَوْلِ فَلَيْسَ لَهُمْ فَجْرٌ! 21 فَيَعْبُرُونَ فِيهَا مُضَايَقِينَ وَجَائِعِينَ. وَيَكُونُ حِينَمَا يَجُوعُونَ أَنَّهُمْ يَحْنَقُونَ وَيَسُبُّونَ مَلِكَهُمْ وَإِلهَهُمْ وَيَلْتَفِتُونَ إِلَى فَوْقُ. 22 وَيَنْظُرُونَ إِلَى الأَرْضِ وَإِذَا شِدَّةٌ وَظُلْمَةٌ، قَتَامُ الضِّيقِ، وَإِلَى الظَّلاَمِ هُمْ مَطْرُودُونَ.

شعر الشعب كأن الله قد حجب وجهه عنهم لهذا بدأوا يطالبون المسئولين -ربما من بينهم بعض تلاميذ إشعياء- أن يلجأوا إلى أصحاب التوابع والعرافين لطلب المشورة والتعرف على الأمور المستقبلة. يدعوهم النبي "المشقشقين والهامسين" [19]، لأنهم يتكلمون بصوت خافت كما من عالم آخر ليتقنوا تمثيل دورهم.
ماذا يعني الالتجاء إلى العرافة؟ فقدان الإنسان كل ملجأ أو عون له، ذلك كما حدث مع شاول الملك. شعر أنه في عزلة عن الله، وعن أنبيائه، حتى الشعب تراجع عنه فلجأ إلى الموتى يسألهم خلال صاحبة العرافة.
كان يليق ببني يهوذا -قادة وشعبًا- أن يلجأوا إلى الله ويستشيروا أنبياءه ويسمعوا كلمة الله التي تُنير وسط الظلام [20]، فينالوا مشورة صالحة ومعرفة لإرادة الله وعونًا ونعمة، أما أن يلجأوا إلى العرافة بكل صورها وإلى سؤال الموتى، فهذا يعني أنهم رفعوا أعينهم إلى فوق فوجدوا السماء غاضبة [21] وتطلعوا إلى الأرض فإذا بالظلام الدامس حالّ بها.
في اختصار سقط بنو يهوذا في خطيتين خطيرتين هما: الالتجاء إلى التحالف البشري عوض الاتكال على الله، والرجوع إلى العرافة والموتى عوض التمتع بكلمة الله الحية الواهبة استنارة وقوة.
هذه الصورة المؤلمة تعلن عن حقيقة هامة: الحاجة إلى مخلص إلهي!




المولود العجيب



إذ يشتد الظلام ينبلج الفجر لتشرق الشمس على الجالسين في الظلمة، هكذا خُتم الأصحاح السابق بصورة قاتمة عن الشعب الذي صار في ضيق شديد وظلمة، لذا جاء هذا الأصحاح يحدثنا عن مجيء المسيا "شمس البر" الذي يبدد الظلمة، والذي يمد يده بالحب منتظرًا رجوع الكل إليه.



1. نور أشرق في الظلمة:

1 وَلكِنْ لاَ يَكُونُ ظَلاَمٌ لِلَّتِي عَلَيْهَا ضِيقٌ. كَمَا أَهَانَ الزَّمَانُ الأَوَلُ أَرْضَ زَبُولُونَ وَأَرْضَ نَفْتَالِي، يُكْرِمُ الأَخِيرُ طَرِيقَ الْبَحْرِ، عَبْرَ الأُرْدُنِّ، جَلِيلَ الأُمَمِ. 2 اَلشَّعْبُ السَّالِكُ فِي الظُّلْمَةِ أَبْصَرَ نُورًا عَظِيمًا. الْجَالِسُونَ فِي أَرْضِ ظِلاَلِ الْمَوْتِ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ نُورٌ. 3 أَكْثَرْتَ الأُمَّةَ. عَظَّمْتَ لَهَا الْفَرَحَ. يَفْرَحُونَ أَمَامَكَ كَالْفَرَحِ فِي الْحَصَادِ. كَالَّذِينَ يَبْتَهِجُونَ عِنْدَمَا يَقْتَسِمُونَ غَنِيمَةً. 4 لأَنَّ نِيرَ ثِقْلِهِ، وَعَصَا كَتِفِهِ، وَقَضِيبَ مُسَخِّرِهِ كَسَّرْتَهُنَّ كَمَا فِي يَوْمِ مِدْيَانَ. 5 لأَنَّ كُلَّ سِلاَحِ الْمُتَسَلِّحِ فِي الْوَغَى وَكُلَّ رِدَاءٍ مُدَحْرَجٍ فِي الدِّمَاءِ، يَكُونُ لِلْحَرِيقِ، مَأْكَلًا لِلنَّارِ.

جاء ختام الأصحاح السابق قاتمًا للغاية، لهذا بدأ هذا الأصحاح بكلمة "ولكن"... فإن الله لا يترك شعبه هكذا، لكنه يُريد أن يشرق عليهم بنوره.
"ولكن لا يكون ظلام للتي عليها ضيق كما أهان الزمان الأول أرض زبولون وأرض نفتالي يكرم الأخير طريق البحر عبر الأردن جليل الأمم. الشعب السالك في الظلمة أبصر نورًا عظيمًا. الجالسون في أرض ظلال الموت أشرق عليهم نور" [1-2]. وقد تمت هذه النبوة بظهور السيد المسيح وكرازته في جليل الأمم. يقول الإنجيلي: "لكي يتم ما قيل بإشعياء النبي القائل: أرض زبولون وأرض نفتاليم طريق البحر عبر الأردن جليل الأمم؛ الشعب الجالس في ظلمة أبصر نورًا" (مت 4: 14-16). اتسمت هذه المنطقة بالضعة، فيقول نثنائيل: "أمن الناصرة يمكن أن يكون شيء صالح؟!" (يو 1: 46). لعل هذا يرجع إلى أن هذه البقعة. (جليل الأمم) تقع على حدود الأمم، فكانت معرضة للغزوات، وبسبب اختلاطها بالأمم الوثنية المجاورة أخذت الكثير عن العادات الوثنية وظلت فترات طويلة في انحلال روحي، لذلك وضعها النبي: "الشعب الجالس في الظلمة".
منطقة الجليل عبارة عن دائرة تضم عشرين مدينة أهداها سليمان إلى حيرام ملك صور، وكان اليهود فيها قليلي العدد، أكثر سكانها من الفينيقيين واليونانيين والعرب، لهذا سُميت "جليل الأمم"، جاء إليها السيد المسيح، معلم البشرية وشمس البر، ليُضيء على الجالسين في الظلمة. أما منطقة كفر ناحوم التي تعني "المُعزي" فتعتبر من أهم مناطق الجليل، وهي قلعة رومانية كان بها حامية من قواد الرومان.
* سكن في الجليل حتى يرى الجالسون في الظلمة نورًا عظيمًا.
القديس غريغوريوس النزينزي


* فليرَ الجالسون في ظلمة الجهل نور كمال المعرفة العظيم؛ الأمور القديمة عبرت، هوذا الكل قد صار جديدًا (1 كو 5: 17)؛ الحرف انتهى وتقدم الروح، الظلال هربت وجاء إليهم الحق.
القديس غريغوريوس النزينزي
* بالإيمان يخرجون من الظلمة وموت الخطية إلى النور والحياة.
القديس أغسطينوس
* يشرق نور اللوغوس الذي هو الحياة في ظلام نفوسنا، يأتي إلى حيث يوجد رؤساء هذه الظلمة المقاومين لجنس البشر لإخضاعهم للظلمة، هؤلاء الرؤساء لا يثبتون في قوتهم إذ يشرق عليهم النور الذي جاء ليجعل من البشر أبناءً للنور.
العلامة أوريجانوس
الله لا يسمح للظلمة أن تدوم إنما يشرق بنوره... فماذا يحدث؟
أ. "أكثرت الأمة" [3]؛ بالرغم من سقوطها تحت التأديب بضربات قاسية لكنها تنمو وتكثر برحمة الله ونعمته.
ب. "عظمت الفرح" [3] تفرح الأمة كما في يوم الحصاد أو يوم التمتع بغنيمة، وكأن سرّ فرحها هو الحصاد الكثير والغلبة أو النصرة على عدو الخير.
الفرح هو سمة كنيسة العهد الجديد المتهللة بالحياة الإنجيلية وسط الآلام، تفرح من أجل حصادها المستمر لنفوس كثيرة لحساب ملكوت الله، وتتمتع بغنيمة النصرة على عدو الخير. حياتها تهليل مستمر من أجل النفوس التائبة والمتمتعة بالخلاص ومن أجل نصراتها غير المنقطعة.
ج. التمتع بحرية مجيدة: "لأن نير ثقلة وعصا كتفه وقضيب مسخره كسرتهن كما في يوم مديان" [4]. تتحرر من النير الثقيل والعصا وقضيب السخرة، كرمز للحرية والخلاص من عبودية إبليس خلال الصليب، فلم يعد لإبليس أو قواته سلطان على المؤمن المتمتع بحرية مجد أولاد الله.
2. المولود العجيب:

6 لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْنًا، وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيبًا، مُشِيرًا، إِلهًا قَدِيرًا، أَبًا أَبَدِيًّا، رَئِيسَ السَّلاَمِ. 7 لِنُمُوِّ رِيَاسَتِهِ، وَلِلسَّلاَمِ لاَ نِهَايَةَ عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ وَعَلَى مَمْلَكَتِهِ، لِيُثَبِّتَهَا وَيَعْضُدَهَا بِالْحَقِّ وَالْبِرِّ، مِنَ الآنَ إِلَى الأَبَدِ. غَيْرَةُ رَبِّ الْجُنُودِ تَصْنَعُ هذَا.

سر تمتع الأمة بالنمو المستمر والفرح الدائم مع الحرية المجيدة هو مجيء المسيا كمخلص وغالب ومنتصر باسم البشرية ضد الأعداء. جاء ابن الله متأنسًا ليحمل نير الصليب باسمنا فيهبنا كل إمكانيات الخلاص. إذ يقول النبي: "لأنه يولد لنا ولد ونُعطى ابنًا، وتكون الرئاسة على كتفه ويُدعى اسمه عجيبًا مشيرًا إلهًا قديرًا أبًا أبديًا لنمو رياسته وللسلام لا نهاية على كرسي داود وعلى مملكته ليثبتها ويعضدها بالحق والبر من الآن وإلى الأبد، غيرة رب الجنود تصنع هذا" [6-7].


كانت البشرية المؤمنة تترقب التجسد الإلهي حيث يأتي ابن الله الذي هو الخالق واهب الحياة ومجدها ليقيم طبيعتنا الميتة الفاسدة إلى صلاحها الذي خُلقت عليه، بإعادة خلقتها وتجديدها المستمر فيهبها استمرارية الحياة مع الفرح والحرية.
أ. "لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْنًا"، أي يتأنس فيصير ابن الله ابن الإنسان، ويُحسب ولدًا، يحمل طبيعتنا الناسوتية حقيقة في كمال صورتها بغير انفصال عن لاهوته ودون امتزاج أو خلط أو تغير. يُشاركنا حياتنا البشرية ماعدا الخطية ويبقى كما هو "ابن الله"... يقول الرسول: "فإذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو أيضًا كذلك فيهما لكي يُبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت أي إبليس" (عب 3: 14).
* صار إنسانًا في جسد خلاصنا، لكي يكون لديه ما يُقدمه عنا خلاصًا لجميعنا.
البابا أثناسيوس الرسولي
* من هو هذا الذي يُريدنا أن نشاركه في لحمه ودمه؟ إنه بالتأكيد ابن الله! كيف صار شريكًا لنا إلاَّ باللحم؟ وكيف كسر قيود الموت إلاَّ بموته الجسدي؟ فإن احتمال المسيح للموت أمات الموت.
القديس أمبروسيوس
ب. "وتكون الرئاسة على كتفه"، فقد ملك على خشبة كقول المرتل، خشبة الصليب التي حملها على كتفه بكونها عرش حبه الإلهي.
* تكون الرئاسة على كتفه، إذ دخل مملكته بحمله الصليب.
العلامة أوريجانوس
* هذه تعني قوة الصليب، لأنه استخدم كتفيه عندما صُلب لحمله الصليب.
الشهيد يوستين


ج. "يُدعى اسمه عجيبًا"، لأنه فائق الإدراك؛ أُعطى اسمًا فوق كل اسم لكي تجثو باسمه كل ركبة ممن في السماء وممن على الأرض ومن تحت الأرض (في 2: 9-11).
أدراك التلاميذ والرسل قوة اسم "يسوع"، به كانوا يكرزون، وبه كانوا يشفون مرضى ويخرجون شياطين ويقيمون موتى.
تكشف لنا كتابات العلامة أوريجانوسعن اعتزاز الكنيسة الأولى باسم يسوع كسّر قوة يتمسك به المؤمن ليعيش غالبًا ومنتصرًا على الخطية والشيطان وكل قوات الظلمة. فمن كلماته: [باسمه كثيرًا ما تُطرد الشياطين من البشر، خاصة إن رُدد بطريقة سليمة وبكل ثقة. عظيم هو اسم يسوع، الذي له فاعليته حتى إن استخدمه الأشرار أحيانًا. اسم يسوع يشفي المتألمين ذهنيًا، ويطرد أرواح الظلمة، ويهب شفاءً للمرضى].
كما يعلن عن أن ألقابه تكشف عن نعمة المتعددة الغنيمة، إذ يقول: [بالرغم من أن المسيح واحد في جوهره لكن له ألقاب كثيرة تُشير إلى سلطانه وأعماله، يفهم أنه النعمة والبر والسلام والحياة والحق والكلمة...].
د. "مشيرًا"، بكونه "حكمة الله" (1 كو 1: 24)، المذخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم (1 كو 2: 3). جاءت الترجمة السبعينية "رسول المشورة العظيمة"... ما هي هذه المشورة العظيمة التي أرسله الآب من أجلها؟ إعلان السّر الإلهي للبشر، والكشف عن الآب الذي لا يعرفه إلاَّ الابن ومن أراد الابن أن يعلن له.
* دُعِيَ ابن الله هكذا (رسول المشورة العظيمة) من أجل الأمور التي علمّها خاصة وأنه أعلن للبشر عن الآب، إذ يقول: "أظهرت اسمك للناس" (يو 17: 6)... أعلن اسمه بالكلمات والأعمال.
القديس يوحنا الذهبي الفم
* ليست معرفة بدون إيمان، ولا إيمان بدون معرفة... الابن هو المعلم الحقيقي عن الآب؛ إننا نؤمن بالابن لكي نعرف الآب، الذي معه أيضًا الابن. مرة أخرى، لكي نعرف الآب يلزمنا أن نؤمن بالابن، إنه ابن الآب. معرفة الآب والابن، بطريقة الغنوسي الحقيقي، إنما هي بلوغ للحق بواسطة الحق... حقًا، قليلون هم الذين يؤمنون ويعرفون.
القديس إكليمندسالاسكندري
* أُرسل الكلمة الإلهي كطبيب للخطاة، وكمعلم للأسرار الإلهية الذين هم أنقياء بلا خطية.
العلامة أوريجانوس
ه. "إلهًا قديرًا": إله حق من إله حق، واحد مع الآب في الجوهر، القادر وحده أن يُجدد طبيعتنا بكونه الخالق، والشفيع الذي يقدر وحده أن يكفر عن خطايا العالم كله.
و. "أبًا أبديًا": يلحق اللقب "إله قدير" بـ"أب أبدي"، ليعلن أن قدرة السيد المسيح، الإله الحق ليست في إبراز جبروت وعظمة إنما بالحري في تقديم أبوّة حب فريدة نحو البشرية، خلالها ننعم بقدرة المسيح فينا.

أنه الخالق القدير الذي يُعطي ذاته لمؤمنيه كأعضاء جسده وكأبناء له فيحملون إمكانياته فيهم. بمعنى آخر في المسيح يسوع تُعلن قدرة الله الغير مدركة مع حبه العملي الفائق، لنقول مع الرسول: "استطيع كل شيء في المسيح يسوع الذي يقويني".
ز. "رئيس السلام"، هو ملك السلام (1 تس 5: 33)، الذي يُقدم لنا دمه من أجل مصالحتنا مع الآب، فنحمل سلامًا داخليًا معه (رو 5: 1)، سلامًا مع الله ومع أنفسنا ومع إخوتنا، محطمين سياج العداوة الداخلية والخارجية.
إنه ابن داود، "رئيس وملك"، لا على مستوى الأرض والزمن، وإنما لكي يملك أبديًا على كرسي داود أبيه (لو 1: 32-33) على مستوى القلب الداخلي والأبدية، ليس لمملكته ولا لسلامه حدود [7].
يملك بالحق والبر، إذ يخفينا فيه فنصير سالكين بالحق، حاملين بره. أما علة ذلك فهي "غيرة رب الجنود تصنع هذا"، يغير على البشرية بكونه العريس السماوي المتحد بعروسه.
في اختصار يعلن إشعياء النبي عن هذا المولود العجيب القدير، الذي لا يخلص آحاز من مقاومة أعدائه إنما يُقيم مملكة جديدة أساسها كرسي داود، مملكة سلام حقيقي يمتد إلى الشعوب والأمم ولا يكون لسلامه نهاية [7]، إذ يهبنا ذاته سرّ سلام أبدي.
* انظروا لقد أُعطى لنا ابن الله.
بعد قليل يقول: "وللسلام لا نهاية" [7].
للرومان حدود (نهاية) أما مملكة ابن الله فبلا حدود.
فارس ومادي لهما حدود، وأما الابن فليس له حدود.
يقول بعد ذلك: "على كرسي داود وعلى مملكته..."، القديسة العذراء هي من نسل داود.
القديس كيرلس الأورشليمي
3. اليد الممدودة:

8 أَرْسَلَ الرَّبُّ قَوْلًا فِي يَعْقُوبَ فَوَقَعَ فِي إِسْرَائِيلَ. 9 فَيَعْرِفُ الشَّعْبُ كُلُّهُ، أَفْرَايِمُ وَسُكَّانُ السَّامِرَةِ، الْقَائِلُونَ بِكِبْرِيَاءٍ وَبِعَظَمَةِ قَلْبٍ: 10 «قَدْ هَبَطَ اللِّبْنُ فَنَبْنِي بِحِجَارَةٍ مَنْحُوتَةٍ. قُطِعَ الْجُمَّيْزُ فَنَسْتَخْلِفُهُ بِأَرْزٍ». 11 فَيَرْفَعُ الرَّبُّ أَخْصَامَ رَصِينَ عَلَيْهِ وَيُهَيِّجُ أَعْدَاءَهُ: 12 الأَرَامِيِّينَ مِنْ قُدَّامُ وَالْفِلِسْطِينِيِّينَ مِنْ وَرَاءُ، فَيَأْكُلُونَ إِسْرَائِيلَ بِكُلِّ الْفَمِ. مَعَ كُلِّ هذَا لَمْ يَرْتَدَّ غَضَبُهُ، بَلْ يَدُهُ مَمْدُودَةٌ بَعْدُ!

كلمة الله في محبته غير المحدودة يتنازل ليصير إنسانًا لكي يضيء للجالسين في الظلمة، يشرق عليهم بنوره الإلهي واهبًا إياهم نور المعرفة، مقدمًا لهم حياته سرّ فرح وتهليل ونصرة مستمرة، أما الإنسان -فعلى العكس- يتشامخ بالكبرياء، حاسبًا في نفسه أنه قادر بذراعه البشري على تحقيق الخلاص. هذا ما حدث في أيام إشعياء النبي وما يحدث عبر العصور، فقد تشامخ بيت يعقوب رافضين مشورته النبوية، وأيضًا في أيام السيد المسيح حيث جحدوا الإيمان به... ومع هذا كله تبقى يدّ الله ممدودة بالحب تنظر رجوع الإنسان إليه.
في هذا الفصل ثلاثة أبيات شعرية في العبرية تنهي بالعبارة: "مع كل هذا لم يرتد غضبه بل يده ممدودة بعد" [12، 17، 20] (أيضًا إش 10: 4).
يرى البعض أن هذه اليد الإلهية الممدودة علامة على دعوة الله للإنسان كي يقترب إليه ويلتقي معه ويتحد به. وأيضًا علامة حماية الله له، وكأنه يؤكد له أنه مهما بلغت العقبات فيد القدير ممدودة لتخلصه من كل شر وتنقذه من المرارة والضيق. كما هي علامة على التأديب الإلهي النابع عن الحب، يمد يده ليضغط على الإنسان فيرجع إلى نفسه ويطلب الله معينه. هذه العلامات الثلاث قد تحققت خلال تجسد الكلمة، حيث يدعونا إلى البنوة لله، ويُقدم لنا الخلاص المجاني، ويحمل أجرة الخطية في جسده ليجتذبنا إليه. اليدّ الإلهية رمز للكلمة الإلهي الذي نزل إلينا ليعلن حب الآب ويصالحنا معه بدمه ثمنًا لخطايانا ومعاصينا.
الله -في محبته- سمح بالضيق لمملكة إسرائيل (أفرايم) لكن عوض التوبة تشامخوا بالأكثر. هذا ما كشفه النبي بقوله: "القائلون بكبرياء وبعظمة قلب، قد هبط اللبن فنبني بحجارة منحوتة؛ قطع الجميز فنستخلفه بأرز" [10]. يرى البعض أن النبي يتحدث هنا عن الزلزلة التي حدثت في أيام عزيا، والتي يبدو أنها كانت عامة (عا 1: 1؛ زك 14: 5)؛ بسببها سقطت معظم بيوت السامرة وأفرايم وكثرت الضحايا، فصاروا يتهكمون على قضاء الله معلنين أنه وإن كان قد سمح بهدم بيوتهم المصنوعة من اللبن وسقوط أشجار الجميز، فإنهم يقيمون قصورًا مصنوعة من الحجارة المنحوتة ويغرسون أشجار أرز لا يقدر الزلزال أن يهدمها أو يزيلها. وكأنهم بهذا يكررون ما فعله الإنسان عندما شرع في بناء برج بابل ليكون رأسه في السماء (تك 11: 3-4).
يرد إشعياء النبي على ذلك بإعلان تأديب الله الأكثر شدة، فإنهم ما داموا لم يرتعدوا بالزلزلة فسيسمح بهياج العدو "رصين" ملك آرام، ويهيج أيضًا أعدائه (ربما قصد أشور الذي هاجم إسرائيل وفيما بعد انقلب على يهوذا). أنه يسمح بهياج الأمم ضد إسرائيل ليفترسوهم تمامًا، كما يفترس وحش غنمًا ويبتلعه: "فيأكلون إسرائيل بكل الفم" [12]؛ لكن تبقى مراحم الله تنتظر رجوعهم، إذ يكمل حديثه: "مع كل هذا لم يرتد غضبه بل يده ممدودة بعد" [12].
4. تأديبات الرب لهم:

13 وَالشَّعْبُ لَمْ يَرْجعْ إِلَى ضَارِبِهِ وَلَمْ يَطْلُبْ رَبَّ الْجُنُودِ. 14 فَيَقْطَعُ الرَّبُّ مِنْ إِسْرَائِيلَ الرَّأْسَ وَالذَّنَبَ، النَّخْلَ وَالأَسَلَ، فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ. 15 اَلشَّيْخُ وَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الرَّأْسُ، وَالنَّبِيُّ الَّذِي يُعَلِّمُ بِالْكَذِبِ هُوَ الذَّنَبُ. 16 وَصَارَ مُرْشِدُو هذَا الشَّعْبِ مُضِلِّينَ، وَمُرْشَدُوهُ مُبْتَلَعِينَ. 17 لأَجْلِ ذلِكَ لاَ يَفْرَحُ السَّيِّدُ بِفِتْيَانِهِ، وَلاَ يَرْحَمُ يَتَامَاهُ وَأَرَامِلَهُ، لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُنَافِقٌ وَفَاعِلُ شَرّ. وَكُلُّ فَمٍ مُتَكَلِّمٌ بِالْحَمَاقَةِ. مَعَ كُلِّ هذَا لَمْ يَرْتَدَّ غَضَبُهُ، بَلْ يَدُهُ مَمْدُودَةٌ بَعْدُ! 18 لأَنَّ الْفُجُورَ يُحْرِقُ كَالنَّارِ، تَأْكُلُ الشَّوْكَ وَالْحَسَكَ، وَتُشْعِلُ غَابَ الْوَعْرِ فَتَلْتَفُّ عَمُودَ دُخَانٍ. 19 بِسَخَطِ رَبِّ الْجُنُودِ تُحْرَقُ الأَرْضُ، وَيَكُونُ الشَّعْبُ كَمَأْكَل لِلنَّارِ. لاَ يُشْفِقُ الإِنْسَانُ عَلَى أَخِيهِ. 20 يَلْتَهِمُ عَلَى الْيَمِينِ فَيَجُوعُ، وَيَأْكُلُ عَلَى الشَّمَالِ فَلاَ يَشْبَعُ. يَأْكُلُونَ كُلُّ وَاحِدٍ لَحْمَ ذِرَاعِهِ: 21 مَنَسَّى أَفْرَايِمَ، وَأَفْرَايِمُ مَنَسَّى، وَهُمَا مَعًا عَلَى يَهُوذَا. مَعَ كُلِّ هذَا لَمْ يَرْتَدَّ غَضَبُهُ، بَلْ يَدُهُ مَمْدُودَةٌ بَعْدُ!

يبقى الشعب متحجر القلب لهذا: "يقطع الرب مع إسرائيل الرأس والذنب، النخل والأسل (الحلفاء أو القش) في يوم واحد" [14].
أ. ينتزع رؤساء الشعب مهما كانت منزلتهم (الرأس، النخل).
ب. ينتزع الأنبياء الكذبة (الذنب، الأسل).
ج. إبادة المرشدين لأنهم مضلون [16].
د. لا يرق للفتيان بسبب صغر سنهم، ولا للأيتام أو الأرامل مع أنه "أبو اليتامى وقاضي الأرامل" (مز 68: 5)... فقد اشترك الكل معًا في الشر مع عناد وعجرفة وحماقة [17]. كان الملوك الأشوريون في غاية القسوة: تغلَثْ فَلاسِر لم يترفق بالصغار ولا بالأرامل أو الأيتام في أفرايم.
ه. يتحول الشعب كله إلى أشبه بغابة تحترق بنار الغضب الإلهي [19]، ليس لأن الله ينتقم لنفسه وإنما لأن فجورهم نار مدمرة [18].
ز. تتحول الأمة إلى حالة من الفوضى قانونها العنف والظلم وعدم التشبع، تسودها حروب أهلية دموية مدمرة: "لا يشفق الإنسان على أخيه، يلتهم على اليمين فيجوع، ويأكل على الشمال فلا يشبع، يأكلون كل واحد لحم ذراعه (أي جاره أو قريبه)" [19-20]... هذه صورة بشعة لمجتمع شريعته الحرب والعنف والأنانية مع الجشع. يُفني الواحد الآخر (غل 5: 15)، وكما يقول حجي النبي: "زرعتم كثيرًا ودخلتم قليلًا، تأكلون وليس إلى الشبع، تشربون ولا تروون، تكتسون ولا تدفأون، والأخذ أجرة يأخذ أجرة لكيس مثقوب" (حج 1: 6)، علامة خلو حياتهم من بركة الرب ونعمته.
ح. لا يقف التطاحُن على الأفراد وإنما يتسلل إلى الأسباط نفسها فيتحالف سبط مع آخر ضد ثالث وهكذا: "مَنسَّي أفرايم وأفرايم مَنسَّي، وهما معًا على يهوذا" [21].
"مع كل هذا لم يرتد غضبه بل يده ممدودة بعد" [21].


هجوم آشور على يهوذا ومعاقبة آشور



يحوي هذا الأصحاح ويْليْن، الويل الأول ضد رؤساء الشعب بسبب شرهم، والثاني ضد آشور لأن الله سمح له بغزو يهوذا للتأديب فإذا به ينتفخ على الله ويجدف عليه، حاسبًا أن آلهته غلبت إله إسرائيل.
يرى البعض أن هذا الأصحاح كُتب في السنوات الأولى من حكم حزقيا ملك يهوذا، بعد سقوط السامرة في سرجون ملك آشور (إش 10: 11).


1. الويل الأول ضد القيادات:

1 وَيْلٌ لِلَّذِينَ يَقْضُونَ أَقْضِيَةَ الْبُطْلِ، وَلِلْكَتَبَةِ الَّذِينَ يُسَجِّلُونَ جَوْرًا 2 لِيَصُدُّوا الضُّعَفَاءَ عَنِ الْحُكْمِ، وَيَسْلُبُوا حَقَّ بَائِسِي شَعْبِي، لِتَكُونَ الأَرَامِلُ غَنِيمَتَهُمْ وَيَنْهَبُوا الأَيْتَامَ. 3 وَمَاذَا تَفْعَلُونَ فِي يَوْمِ الْعِقَابِ، حِينَ تَأْتِي التَّهْلُكَةُ مِنْ بَعِيدٍ؟ إِلَى مَنْ تَهْرُبُونَ لِلْمَعُونَةِ، وَأَيْنَ تَتْرُكُونَ مَجْدَكُمْ؟ 4 إِمَّا يَجْثُونَ بَيْنَ الأَسْرَى، وَإِمَّا يَسْقُطُونَ تَحْتَ الْقَتْلَى. مَعَ كُلِّ هذَا لَمْ يَرْتَدَّ غَضَبُهُ، بَلْ يَدُهُ مَمْدُودَةٌ بَعْدُ!

يرى البعض أن الويل الموجه ضد القيادات هنا هو تكملة لما ورد في الأصحاح السابق عن كبرياء إسرائيل، ويدللون على ذلك أنه انتهى أيضًا بالعبارة التي تكررت قبلًا: "مع كل هذا لم يرتد غضبه بل يده ممدودة بعد" (إش 9: 12، 17، 21؛ 10: 4). بهذا يكون الحديث موجهًا ضد قيادات الأسباط العشرة (إسرائيل). غير أن تكملة الحديث موجه إلى أورشليم عاصمة يهوذا لهذا يرى بعض الدارسين أن ما ورد هنا ينطبق على قيادات المملكتين لأنهما تشابهتا في الشر.
يكشف الله تصرفات القادة الجائرة، التي تتركز في القضاء بالباطل والحكم بالظلم [1]، يصدون الضعفاء عن التمتع بحقوقهم المسلوبة، ويسلبون حق البائسين خاصة الأيتام والأرامل [2]. وكما يقول الحكيم: "ثم رجعت ورأيت كل المظالم التي تُجرى تحت الشمس فهوذا دموع المظلومين ولا معزٍ لهم ومن يد ظالميهم قهر" (جا 4: 1).
الآن إذ يُدرك إشعياء عدل الله خاصة في دفاعه عن الضعفاء يسأل هؤلاء القادة:
"وماذا تفعلون في يوم العقاب حين تأتي التهلكة من بعيد؟ إلى من تهربون للمعونة؟ وأين تتركون مجدكم؟ إما يجثون بين الأسرى وإما يسقطون تحت القتلى" [3-4]. العقاب قادم لا محالة خاصة تجاه القيادات الدينية والمدنية، هذا أمر مفروغ منه وحقيقة لا يمكن تجاهلها. وكما سبق فقال: "ويل للشرير شر، لأن مجازاة يديه تُعمل به" (إش 3: 11). لا يجدون معونة، لأن الذي يعيننا في الحكم هو رحمتنا وترفقنا بالغير. تزول أمجادهم لأنها ارتبطت بالزمن لا بالله، لهذا منهم من يسقط أسيرًا ليجثو في مذلة بين الأسرى، ومنهم من يُقتل عندما يهاجمهم آشور، فيسقط تحت جثث الآخرين. لقد داسوا حق الضعفاء فيطأهم الغير تحت أقدامهم.
مع هذا كله لا زال الله يمد يد محبته ليُخلصهم من شرهم: "مع كل هذا لم يرتد غضبه بل يده ممدودة بعد" [4].
2. الويل الثاني ضد آشور:

5 «وَيْلٌ لأَشُّورَ قَضِيبِ غَضَبِي، وَالْعَصَا فِي يَدِهِمْ هِيَ سَخَطِي. 6 عَلَى أُمَّةٍ مُنَافِقَةٍ أُرْسِلُهُ، وَعَلَى شَعْبِ سَخَطِي أُوصِيهِ، لِيَغْتَنِمَ غَنِيمَةً وَيَنْهَبَ نَهْبًا، وَيَجْعَلَهُمْ مَدُوسِينَ كَطِينِ الأَزِقَّةِ. 7 أَمَّا هُوَ فَلاَ يَفْتَكِرُ هكَذَا، وَلاَ يَحْسِبُ قَلْبُهُ هكَذَا. بَلْ فِي قَلْبِهِ أَنْ يُبِيدَ وَيَقْرِضَ أُمَمًا لَيْسَتْ بِقَلِيلَةٍ. 8 فَإِنَّهُ يَقُولُ: أَلَيْسَتْ رُؤَسَائِي جَمِيعًا مُلُوكًا؟ 9 أَلَيْسَتْ كَلْنُو مِثْلَ كَرْكَمِيشَ؟ أَلَيْسَتْ حَمَاةُ مِثْلَ أَرْفَادَ؟ أَلَيْسَتِ السَّامِرَةُ مِثْلَ دِمَشْقَ؟ 10 كَمَا أَصَابَتْ يَدِي مَمَالِكَ الأَوْثَانِ، وَأَصْنَامُهَا الْمَنْحُوتَةُ هِيَ أَكْثَرُ مِنَ الَّتِي لأُورُشَلِيمَ وَلِلسَّامِرَةِ، 11 أَفَلَيْسَ كَمَا صَنَعْتُ بِالسَّامِرَةِ وَبِأَوْثَانِهَا أَصْنَعُ بِأُورُشَلِيمَ وَأَصْنَامِهَا؟». 12 فَيَكُونُ مَتَى أَكْمَلَ السَّيِّدُ كُلَّ عَمَلِهِ بِجَبَلِ صِهْيَوْنَ وَبِأُورُشَلِيمَ، أَنِّي أُعَاقِبُ ثَمَرَ عَظَمَةِ قَلْبِ مَلِكِ أَشُّورَ وَفَخْرَ رِفْعَةِ عَيْنَيْهِ. 13 لأَنَّهُ قَالَ: «بِقُدْرَةِ يَدِي صَنَعْتُ، وَبِحِكْمَتِي. لأَنِّي فَهِيمٌ. وَنَقَلْتُ تُخُومَ شُعُوبٍ، وَنَهَبْتُ ذَخَائِرَهُمْ، وَحَطَطْتُ الْمُلُوكَ كَبَطَل. 14 فَأَصَابَتْ يَدِي ثَرْوَةَ الشُّعُوبِ كَعُشٍّ، وَكَمَا يُجْمَعُ بَيْضٌ مَهْجُورٌ، جَمَعْتُ أَنَا كُلَّ الأَرْضِ، وَلَمْ يَكُنْ مُرَفْرِفُ جَنَاحٍ وَلاَ فَاتِحُ فَمٍ وَلاَ مُصَفْصِفٌ». 15 هَلْ تَفْتَخِرُ الْفَأْسُ عَلَى الْقَاطِعِ بِهَا، أَوْ يَتَكَبَّرُ الْمِنْشَارُ عَلَى مُرَدِّدِهِ؟ كَأَنَّ الْقَضِيبَ يُحَرِّكُ رَافِعَهُ! كَأَنَّ الْعَصَا تَرْفَعُ مَنْ لَيْسَ هُوَ عُودًا! 16 لِذلِكَ يُرْسِلُ السَّيِّدُ، سَيِّدُ الْجُنُودِ، عَلَى سِمَانِهِ هُزَالًا، وَيُوقِدُ تَحْتَ مَجْدِهِ وَقِيدًا كَوَقِيدِ النَّارِ. 17 وَيَصِيرُ نُورُ إِسْرَائِيلَ نَارًا وَقُدُّوسُهُ لَهِيبًا، فَيُحْرِقُ وَيَأْكُلُ حَسَكَهُ وَشَوْكَهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، 18 وَيُفْنِي مَجْدَ وَعْرِهِ وَبُسْتَانِهِ، النَّفْسَ وَالْجَسَدَ جَمِيعًا. فَيَكُونُ كَذَوَبَانِ الْمَرِيضِ. 19 وَبَقِيَّةُ أَشْجَارِ وَعْرِهِ تَكُونُ قَلِيلَةً حَتَّى يَكْتُبَهَا صَبِيٌّ.

سبق أن تحدث النبي عن قوة آشور العسكرية وجبروته ونصرته حتى على شعب الله، كما أكد أن ما حل بالشعب هو بسماح إلهي للتأديب، لكن آشور تعظم على الله وحسب بغلبته هذه أنه غلب إله هذا الشعب وأذله... لهذا يعود الرب فيؤدب آشور نفسه المتعالي والمتعجرف.
اعتاد إشعياء النبي أن يتحدث بجرأة وصراحة فبينما يدعو آشور قضيب غضب الله وعصاهم هي سخط الرب [5] لكون آشور أداة لتحقيق تأديبات الرب، نجده يدعو شعب الله "أمة منافقة" و"شعب سخط الله" [6]، لأن هذا الشعب قد حمل صورة العبادة من الخارج بينما دبّ الفساد في حياتهم الداخلية. هذا ما دفعه إلى دعوة الشعب بأسماء ممقوتة وأن يعلن أن الله يُسلمهم لآشور للنهب والغنيمة لكي يطأهم آشور بالأقدام فيصيرون مدوسين كطين الأزقة... من يستخف بالحياة المقدسة في الرب إنما يسلم حياته للفساد والضياع وينهار ليسخر به عدو الخير ويطأه تحت قدميه.
لم يدرك آشور هذه الحقيقة أنه مجرد أداة للتأديب [7] إنما في كبرياء قال: "أليست رؤسائي جميعًا ملوكًا؟!" [8]، بمعنى أن الولاة الذين يقيمهم ملك آشور تحت قيادته هم جميعًا ملوك، فماذا يكون مركزه هو؟! إنه ملك ملوك!
قال أيضًا: "أليست كلنو مثل كرمشيش؟! أليست حماة مثل أرفاد؟! أليست السامرة مثل دمشق؟!" [9]. يرى الدارسون أن المتحدث هنا سنحاريب الآشوري المفتخر بانتصاراته بجانب انتصارات سرجون السابق له بكونها انتصارات لحساب آشور ككل، تكشف عن عدم جدوى مقاومة الزحف الآشوري.
ربما يقصد بكلنو "كلنة" المذكورة مع حماة وجت في (عا 6: 2) والتي يظن أنها كولاني أو كولانهو الحديثة التي تبعد مسافة 6 أميال من أرفاد بالقرب من حلب.
كركميش: عاصمة الحثيين الشرقية، غربي نهر الفرات عند فرضة في النهر وشمالي مكان التقائه بساجور. موقعها تجاري ممتاز، غنية جدًا. استوفي آشور ناصر بال (885 - 860 ق.م.) منها جزية كبيرة جدًا، واستولى عليها سرجون عام 717 ق.م.، وبسقوطها سقطت الإمبراطورية الحثية. دعاها الرومان كركيسيوم، في موقعها الآن جرابلس.
أرفاد: مدينة في آرام تبعد حوالي 13 ميلًا شمال حماة، في موضعها الآن "تل أرفاد". استولى عليها الآشوريون في القرن التاسع قبل الميلاد، لكنها ثارت ضدهم ثم عادوا فاستولوا عليها عدة مرات، وهم يفخرون بغلبتهم عليها.
هكذا لم تقف أمام آشور أعظم مدن الحثيين أو الأراميين، فهل تقف أمامه مدن يهوذا وإسرائيل؟! لقد حسب آشور نفسه أنه غلب آلهة الأمم وأوثانها التي تحميها فلن يقف إله إسرائيل أو يهوذا قدامه [10-11]، ظانًا أنه على ذات مستوى هذه الأصنام.
لقد سمح الله له بذلك، لكنه يعود فيؤدب آشور على سخريته به: "فيكون متى أكمل السيد كل عمله بجبل صهيون وبأورشليم إني أعاقب ثمر عظمة قلب ملك آشور وفخر رفعة عينيه، لأنه قال: بقدرة يدي صنعت وبحكمتي، لأني فهيم، ونقلت تخوم شعوب ونهبت ذخائرهم وحططت الملوك كبطل، فأصابت يدي ثروة الشعوب كعش وكما يجمع بيض مهجور أنا كل الأرض ولم يكن مرفرف جناح ولا فاتح فم ولا مصفصف" [13-14].
هكذا ظن آشور أنه بقدرته وحكمته صنع أعمالًا خارقة: حكم ملوكًا ونقل الشعوب، دمر وقتل واغتنى، في غزواته يتطلع إلى الشعوب كعش طائر لا حول له ولا قوة، ينهب ما فيه من بيض مهجور... لم يوجد من يقف أمامه أو ينطق بكلمة.
لم يدرك آشور أنه كان فأسًا أو منشارًا يستخدمه الله للتأديب، فتشامخت الأداة على من يستعملها. لذلك يقوم الله بتأديبه هكذا:
أ. يرسل على "سِمانه"، أي أبطال جيشه الجبابرة، هزالًا [16].
ب. يوقد تحت "مجده"، أي جيشه، وقيدًا كوقيد النار [16]، فتلتهمه ليصير رمادًا. يصير الله "نور إسرائيل" نارًا آكلة لآشور، والقدوس لهيبًا يُحطم العدو [17]. بمعنى آخر الله الذي هو نور للمؤمنين وسرّ تقديس لحياتهم يكون نارًا آكلة ولهيبًا للأشرار المقاومين.
ج. يُفني جيشه فيبقى عدد قليل (أشجار وعرة) يستطيع صبي أن يكتب أسماءهم [19]، هذا من جهة العدد أما من جهة القوة فيفقدون طاقتهم النفسية والجسدية ويكونون كمسلول يذوب [18].
3. الناجون من إسرائيل:

20 وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ بَقِيَّةَ إِسْرَائِيلَ وَالنَّاجِينَ مِنْ بَيْتِ يَعْقُوبَ لاَ يَعُودُونَ يَتَوَكَّلُونَ أَيْضًا عَلَى ضَارِبِهِمْ، بَلْ يَتَوَكَّلُونَ عَلَى الرَّبِّ قُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ بِالْحَقِّ. 21 تَرْجعُ الْبَقِيَّةُ، بَقِيَّةُ يَعْقُوبَ، إِلَى اللهِ الْقَدِيرِ. 22 لأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ شَعْبُكَ يَا إِسْرَائِيلُ كَرَمْلِ الْبَحْرِ تَرْجعُ بَقِيَّةٌ مِنْهُ. قَدْ قُضِيَ بِفَنَاءٍ فَائِضٍ بِالْعَدْلِ. 23 لأَنَّ السَّيِّدَ رَبَّ الْجُنُودِ يَصْنَعُ فَنَاءً وَقَضَاءً فِي كُلِّ الأَرْضِ.

كثيرًا ما تحدث الأنبياء عن "البقية" التي تخلص، قصدوا بها القلة القليلة التي تبقى أمينة للرب وسط انهيار القيادات الدينية وفساد القضاة والرؤساء والشعب أيضًا. هذه البقية التي تنجو من فساد الجماعة ورجاساتهم، يخلصون من الضيق الشديد وقت التجربة المُرّة (رؤ 3: 10). هذه البقية التي تنجو من ظلم آشور لا تفرح بعودتها إلى أورشليم إنما بما هو أعظم، تفرح بلقائها مع الله القدير نفسه [21].
اقتبس الرسول بولس قول إشعياء النبي [(إش 22، 23) Lxx] قائلًا: "وإشعياء يصرخ من جهة إسرائيل وإن كان عدد بني إسرائيل كرمل البحر فالبقية ستخلص، لأنه متمم أمر وقاض بالبر، لأن الرب يصنع أمرًا مقضيًا به على الأرض" (رو 9: 27-28).
جاء هذا القول في إشعياء [(إش 22، 23) Lxx] وكان يحمل نبوة عن المسبيين إذ كانوا كثيرين جدًا بالنسبة للقلة القليلة التي تنجو من الأسر... وأن الله سمح بذلك، بل وقضى بهذا التأديب لأجل البر. طبق الرسول هذه النبوة بصورة أشمل على العصر المسياني حيث يؤسر عدد كبير جدًا من اليهود تحت الجحود رافضين الإيمان بالمسيا، وقليلون هم الذين يخلصون بقبولهم المسيا المخلص، وقد سمح الله بذلك لأجل البر، ليفتح الباب للأمم.
يعلق القديس يوحنا الذهبي الفم: [إنه يعني أنني لا أهتم بالجمع (بالعدد الضخم)، ولا أتأثر بالجنس (اليهود)، وإنما أخلص من يتقدمون كمستحقين للخلاص. إنه لم يذكر "كرمل البحر" بلا سبب. إنما ليذكرهم بالوعد القديم (تك 22: 17؛ 32: 12) الذين جعلوا أنفسهم غير أهل له. لماذا ترتبكون إذن إن كان الوعد لا يتحقق (للكل) إذ أظهر كل الأنبياء أنه ليس الجميع يخلصون؟ عندئذ يظهر الرسول أيضًا طريق الخلاص... "لأنه متمم أمر وقاض (بسرعة) بالبر، لأن الرب يصنع أمرًا مقضيًا به (سريعًا) على الأرض" (رو 9: 28)... هذا الأمر هو الإيمان الذي يحمل خلاصًا في كلمات قليلة: "لأنك إن اعترفت بفمك بالرب يسوع وآمنت بقلبك أن الله أقامة من الأموات خلصت" (رو 10: 9). ها أنتم ترون أن الرب متمم كلمة قليلة على الأرض، والعجيب أن هذه الكلمة القليلة لا تحمل خلاصًا فحسب بل وبرًا].
كما يقول: [لئلا تظن أن الله يهتم بالعدد الضخم فقط يقول: "وإن كان عدد بني إسرائيل كرمل البحر فالبقية ستخلص"].
ويقول القديس أغسطينوس: [هذه هي البقية من تلك الأمة التي تؤمن بالمسيح].
4. لا تخف يا شعبي:

24 وَلكِنْ هكَذَا يَقُولُ السَّيِّدُ رَبُّ الْجُنُودِ: «لاَ تَخَفْ مِنْ أَشُّورَ يَا شَعْبِي السَّاكِنُ فِي صِهْيَوْنَ. يَضْرِبُكَ بِالْقَضِيبِ، وَيَرْفَعُ عَصَاهُ عَلَيْكَ عَلَى أُسْلُوبِ مِصْرَ. 25 لأَنَّهُ بَعْدَ قَلِيل جِدًّا يَتِمُّ السَّخَطُ وَغَضَبِي فِي إِبَادَتِهِمْ». 26 وَيُقِيمُ عَلَيْهِ رَبُّ الْجُنُودِ سَوْطًا، كَضَرْبَةِ مِدْيَانَ عِنْدَ صَخْرَةِ غُرَابَ، وَعَصَاهُ عَلَى الْبَحْرِ، وَيَرْفَعُهَا عَلَى أُسْلُوبِ مِصْرَ. 27 وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ حِمْلَهُ يَزُولُ عَنْ كَتِفِكَ، وَنِيرَهُ عَنْ عُنُقِكَ، وَيَتْلَفُ النِّيرُ بِسَبَبِ السَّمَانَةِ.

يرى بعض الدارسين أن النبوة هنا تُشير إلى الحدث التالي: عندما رفض حزقيا بن آحاز وخليفته دفع الجزية هاجم سنحاريب الآشوري يهوذا بجيش قوي وحاصر أورشليم وكان على وشك استلام المدينة، لكن الله أمر بخلاصها. قُتل الجيش وهرب سنحاريب حيث قتله أبناؤه.
أشارت النبوة هنا إلى أمر هام وهو أن الله هو العامل في كل الأجيال. الله لا يكف عن أن يوصي شعبه بعدم الخوف، فهو الأب الملتزم بحياتنا وخلاصنا ونموّنا وسلامنا، يعمل في كل العصور بذراع رفيعة لخلاص مؤمنيه. إن كان خروج بني إسرائيل أو خلاصهم من العبودية يُحسب أمرًا فائقًا يكشف عن رعاية الله لمؤمنيه، فانه في أيام حزقيا يكرر خروجهم أو خلاصهم على مستوى أقوى وسط المرارة التي يُعاني منها الكل.
يُطالب الله شعبه ألا يخاف من آشور فإنه سيبُاد، إذ يُقيم الله عليه سوطًا [26]، يضربه بملاكه ضربة قاتلة (2 أي 32: 21)، كما سبق فضرب غراب أمير مديان (قض 7: 25؛ مز 83: 11)، وكما ضرب فرعون وجنوده في بحر سوف خلال عصا موسى [26]. هكذا يُبيد الله آشور لينزع هذا النير عن كتف شعبه [27] وعن عنقه بسبب السمانة (الدهن)، لأجل المسحة المقدسة التي نالها داود الملك وبنوة من بعده.
الأمر الثاني هو أن الممسوح أو المسيا القدير يهب راحة للأرض كلها وسلامًا خلال ملكه الطوباوي... هذا هو الخط الرئيسي في السفر كله، بل في الكتاب المقدس بعهديه.
5. الغزو الآشوري ليهوذا:

28 قَدْ جَاءَ إِلَى عَيَّاثَ. عَبَرَ بِمِجْرُونَ. وَضَعَ فِي مِخْمَاشَ أَمْتِعَتَهُ. 29 عَبَرُوا الْمَعْبَرَ. بَاتُوا فِي جَبَعَ. ارْتَعَدَتِ الرَّامَةُ. هَرَبَتْ جِبْعَةُ شَاوُلَ. 30 اِصْهِلِي بِصَوْتِكِ يَا بِنْتَ جَلِّيمَ. اسْمَعِي يَا لَيْشَةُ. مِسْكِينَةٌ هِيَ عَنَاثُوثُ. 31 هَرَبَتْ مَدْمِينَةُ. احْتَمَى سُكَّانُ جِيبِيمَ. 32 الْيَوْمَ يَقِفُ فِي نُوبَ. يَهُزُّ يَدَهُ عَلَى جَبَلِ بِنْتِ صِهْيَوْنَ، أَكَمَةِ أُورُشَلِيمَ.

قبل الحديث عن سقوط آشور تحدث النبي عن الغزو الآشوري ليهوذا ليوضح قدارته الحربية الجبارة وسرعة تقدمه نحو أورشليم العاصمة مع ضعف مقاومة يهوذا بل وانعدامها، وكيف ارتعب يهوذا وارتعد [28-32].

قدم النبي وصفًا شاعريًا يكشف عن مرارة مدن يهوذا، لكن آشور يتوقف عند نوب (مدينة للكهنة تقع في شمال أورشليم)، ربما ليستريح الجيش ويستعد لمواجهة أورشليم. لقد وقف سنحاريب هناك ليرفع يده ويمدها مهددًا أورشليم [32]، فظهر كشجرة شامخة متعجرفة. هدد بسحق أورشليم ولم يدرك أن الله قد سمح بسحقه هو ولينزع عنه أغصانه التي يتشامخ بها.
في هذه النبوة لا يقصد الله سنحاريب وحده إنما عَنَى كل تحرك شرير مقاوم لكنيسة الله أو لأحد أولاده.
6. سقوط آشور:

33 هُوَذَا السَّيِّدُ رَبُّ الْجُنُودِ يَقْضِبُ الأَغْصَانَ بِرُعْبٍ، وَالْمُرْتَفِعُو الْقَامَةِ يُقْطَعُونَ، وَالْمُتَشَامِخُونَ يَنْخَفِضُونَ. 34 وَيُقْطَعُ غَابُ الْوَعْرِ بِالْحَدِيدِ، وَيَسْقُطُ لُبْنَانُ بِقَدِيرٍ.

يعلن الله تحطيم آشور تمامًا، فإنه يقضب أغصانه بل وينتزع أصوله لينهار تشامخه وينزل مجده إلى التراب [33-34]، هذه هي ثمرة الكبرياء!








 
قديم 13 - 07 - 2024, 11:26 AM   رقم المشاركة : ( 166302 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,274,056

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة








حقيقة آحاز كأشر ملوك يهوذا عُرف بالرياء والجبن،
أجاز ابنه في النار وقدم ذبائح للأوثان في المرتفعات وتحت كل شجرة خضراء.
في بدء حكم آحاز تحالف آرام مع إسرائيل (أفرايم) ضد يهوذا،
وقاما بالهجوم عليه فقتل وفَقْح ملك إسرائيل 120 ألفًا في يوم
واحد بينما أسر رَصِين ملك آرام الكثيرين. أراد الاثنان فتح
أورشليم لكن الله حفظها، وقد طمأن آحاز على لسان إشعياء بالرغم
من فساد آحاز، معلنًا اهتمامه بخلاص شعبه ومدينته.
انتقل إشعياء من هذا الخلاص الزمني إلى الحديث
عن الخلاص الأبدي الذي يُحققه عمانوئيل المسيا.

 
قديم 13 - 07 - 2024, 11:28 AM   رقم المشاركة : ( 166303 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,274,056

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة








تحالف رَصِين وفَقْح ضد آحاز:

1 وَحَدَثَ فِي أَيَّامِ آحَازَ بْنِ يُوثَامَ بْنِ عُزِّيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، أَنَّ رَصِينَ مَلِكَ أَرَامَ صَعِدَ مَعَ فَقَحَ بْنِ رَمَلْيَا مَلِكِ إِسْرَائِيلَ إِلَى أُورُشَلِيمَ لِمُحَارَبَتِهَا، فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُحَارِبَهَا.

في بدء حكم آحاز تحالف رَصِين ملك آرام مع فَقْح بن رَمَلْيا ملك إسرائيل ضد يهوذا [1]. هجم الأول من جهة شرق الأردن بينما اندفع الثاني بجيوشه من الشمال، وانهزم آحاز. صعدًا إلى أورشليم العاصمة لمحاصرتها، لكنهما لم يستطيعا اقتحامها. أما بسبب المعركة فهو اختلاف آحاز عن الملكين الآخرين سياسيًا؛ فقد رأى آحاز أن يتحالف مع أشور بينما رأى الملكان أن يتحالفا مع مصر.
وجد آحاز نفسه في مأزق، فطلب معونة فلاسِرَ ملك آشور، الذي أسرع نحو دمشق حيث قتل رَصِين (2 مل 16: 9)، وهكذا فعل أيضًا بالسامرة (2 مل 15: 29).
 
قديم 13 - 07 - 2024, 11:28 AM   رقم المشاركة : ( 166304 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,274,056

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة








خوف آحاز:

2 وَأُخْبِرَ بَيْتُ دَاوُدَ وَقِيلَ لَهُ: «قَدْ حَلَّتْ أَرَامُ فِي أَفْرَايِمَ». فَرَجَفَ قَلْبُهُ وَقُلُوبُ شَعْبِهِ كَرَجَفَانِ شَجَرِ الْوَعْرِ قُدَّامَ الرِّيحِ.

عرف آحاز أن آرام حَلّ في أفرايم (المملكة الشمالية أو إسرائيل) للتحالف معًا ضده "رجف قلبه وقلوب شعبه كرجَفَانِ شجر الوعْر قدام الريح" [2]. لقد أدرك آحاز وشعبه عدم قدرتهم على مواجهة آرام وإسرائيل، أما علة خوفهم الحقيقي فهو عدم إيمانهم بالله كسند لهم قادر أن يُحصنهم ويهبهم النصرة. لقد فقدوا سلامهم الداخلي بانعزالهم عن الله مصدر الغلبة والسلام.
 
قديم 13 - 07 - 2024, 12:07 PM   رقم المشاركة : ( 166305 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,274,056

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة








إشعياء يُطمئن آحاز:

3 فَقَالَ الرَّبُّ لإِشَعْيَاءَ: «اخْرُجْ لِمُلاَقَاةِ آحَازَ، أَنْتَ وَشَآرَ يَاشُوبَ ابْنُكَ، إِلَى طَرَفِ قَنَاةِ الْبِرْكَةِ الْعُلْيَا، إِلَى سِكَّةِ حَقْلِ الْقَصَّارِ، 4 وَقُلْ لَهُ: اِحْتَرِزْ وَاهْدَأْ. لاَ تَخَفْ وَلاَ يَضْعُفْ قَلْبُكَ مِنْ أَجْلِ ذَنَبَيْ هَاتَيْنِ الشُّعْلَتَيْنِ الْمُدَخِّنَتَيْنِ، بِحُمُوِّ غَضَبِ رَصِينَ وَأَرَامَ وَابْنِ رَمَلْيَا. 5 لأَنَّ أَرَامَ تَآمَرَتْ عَلَيْكَ بِشَرّ مَعَ أَفْرَايِمَ وَابْنِ رَمَلْيَا قَائِلَةً: 6 نَصْعَدُ عَلَى يَهُوذَا وَنُقَوِّضُهَا وَنَسْتَفْتِحُهَا لأَنْفُسِنَا، وَنُمَلِّكُ فِي وَسَطِهَا مَلِكًا، ابْنَ طَبْئِيلَ. 7 هكَذَا يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ: لاَ تَقُومُ! لاَ تَكُونُ! 8 لأَنَّ رَأْسَ أَرَامَ دِمَشْقَ، وَرَأْسَ دِمَشْقَ رَصِينُ. وَفِي مُدَّةِ خَمْسٍ وَسِتِّينَ سَنَةً يَنْكَسِرُ أَفْرَايِمُ حَتَّى لاَ يَكُونَ شَعْبًا. 9 وَرَأْسُ أَفْرَايِمَ السَّامِرَةُ، وَرَأْسُ السَّامِرَةِ ابْنُ رَمَلْيَا. إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا فَلاَ تَأْمَنُوا».

اضطرب آحاز جدًا، لأنه اسقط من حساباته عنصر الإيمان أو "الوجود الإلهي"، فلم يُنادِ بالتوبة والرجوع إلى الله، ولا ذهب إلى الهيكل ليضع الأمر بين يديْ الله، ولا أرسل إلى النبي يستشيره، إنما استخدم الوسائل البشرية من التجاء إلى آشور لحمايته، وخروجه إلى طرف قناة البركة العليا [3] غرب أورشليم على رأس وادي ابن هنوم يختبر مع رجال الدولة موارد المياه ليحولونها إلى المدينة تنتفع بها أثناء الحصار المرتقب ولحرمان العدو منها (2 أي 22: 3، 4؛ إش 22: 9-11) كما كان يُباشر تحصين المدينة قدر المستطاع.
مع هذا كله تدخل الله ليس من أجل آحاز وإنما من أجل القلة القليلة المقدسة من شعبه، ومن أجل داود عبده ومدينته العزيزة لديه. لقد طلب من إشعياء أن يخرج لملاقاة آحاز ومعه شآرياشوب (= البقية سترجع) بكونه علامة وأعجوبة في إسرائيل (إش 8: 8)، مؤكدًا له: "احترز وأهدأ؛ لا تخف ولا يضعف قلبك من أجل ذنبيْ هاتين الشُّعلتين المدخِّنتين بحمو غضب رَصِين وآرام وابن رمَلْيا" [4].
التقى النبي وابنه مع الملك عند البركة ليعلن الله للملك أن الخلاص لن يتم بالتخطيط البشري والإمكانيات الزمنية وإنما بعمل الله الفائق وعنايته نحو أولاده. التقى النبي مع الملك عند البركة ليؤكد له أن الله يُريد أن يتحدث مع البشرية أينما وجدوا، يلتقي مع لاوي عند مكان الجباية ومع زكا عند شجرة الجميز ومع السامرية عند بئر يعقوب إلخ... هو يبحث عنا ويذهب إلينا أينما وجدنا مشتاقًا إلى خلاصنا أكثر من اشتياقنا نحن إليه.
طلب الله من آحاز ألا يخاف ولا يضعف قلبه، للأسباب:
أ. أن العدوّيْن "فَقْح ورَصِين " ليسا إلاَّ شعلتين مدخنتين [4]. هكذا يجد أولاد الله مقاومة وتحالفًا من الأعداء ضدهم لكن هذا كله لن يَزيد عن كونه شعلة مُدخّنة تعكّر الجو وتؤذي الأنف إلى حين، بلا نار ملتهبة لتحرق. عدو الخير قوي وجبار في المظهر لكنه يَصغْر جدًا ويضعف تمامًا أمامنا إن اختفينا في المسيح الغالب لإبليس وكل قواته.
يقول القديس يوحنا الذهبي الفملثيؤدور الساقط:
[إن كان للشيطان هذه القدرة أن يطرحك أرضًا من العلو الشامخ والفضيلة السامية، إلى أبعد حدود الشر؛ فكم بالأكثر جدًا يكون الله قادرًا أن يرفعك إلى الثقة السابقة، ولا يجعلك فقط كما كنت، بل أسعد من ذي قبل].
ب. عدم نجاح مؤامرة الأعداء: قام الملكان بمؤامرة شيطانية خفية لكن الله المدرك كل الخفيات أعلنها حتى يحتاط الملك آحاز بالرغم من شِّرهِ وغَبائِه. يقول الرب "لا تقوم، لا تكون" [7]. قد ينجح العدو في البداية حاسبًا أنه يُحقق أهدافه الشريرة، لكن الرب يُشتت المستكبرين بفكر قلوبهم (لو 1: 51).
ج. لن يقدر آرام أن يتوسع كما ظن إنما يلتزم حدوده: "لأن رأس آرام دمشق ورأس دمشق رَصِين" [8]. هكذا مهما حارب رَصِين فسيعود إلى دمشق ولا تتسع مملكته على حساب يهوذا كما يظن. أما بالنسبة لأفرايم ففي مدة 65 سنة ينكسر حتى لا يعود يُحسب شعبًا [8]، يرى البعض أنه في مدة 5، 6 سنوات أي 11 سنة، لأن سبي إسرائيل تحقق بعد 11 سنة من حديث إشعياء النبي (2 مل 17: 3، 6). وإن كان بعض الدارسين يرون أن النبي يُشير هنا إلى خراب إسرائيل بواسطة آسرحدون الذي جاء بقوم من بابل وكوث وعدا وحماة وسفروايم وأسكنهم في مدن السامرة عوضًا عن بني إسرائيل ليقضي على أمة إسرائيل تمامًا (2 مل 17: 24).
ختم النبي حديثه بقوله: "إن لم تؤمنوا فلا تؤمنوا" [9]. فإنهم ما لم يؤمنوا بالوعد الإلهي ويثقوا فيه متكلين على ذراع الرب لن يثبتوا في هذه الظروف القاسية الصعبة. الإيمان هو الدرع (1 تس 5: 8) الذي يحمينا من ضربات العدو.
جاءت هذه العبارة في الترجمة السبعينية: "إن لم تؤمنوا فلا تفهموا" وقد علق عليها القديس أغسطينوسكثيرًا، فمن كلماته:
[لا تستطيعوا أن تنالوا الفهم ما لم يشرق الإيمان في القلب القائل مع النبي: "إن لم تؤمنوا بالتأكيد لن تفهموا"].
[الإيمان يُبحث عنه وأما الفهم فيوجد، إذ يقول النبي: "ما لم تؤمنوا لا تفهموا"].
[حسب تعليم الكنيسة الجامعة يليق بالعقل أن يتغذى أولًا بالإيمان البسيط حتى يقدر أن يفهم الأمور السماوية الأبدية].
[إنكم (يُحدِّث الهراطقة) لم تتعلموا في ملكوت السموات -أي كنيسة المسيح الحقيقية الجامعة- وإلاَّ فإنكم كنتم قد نهلتم من كنز الكتب المقدسة، ما هو قديم وأيضًا ما هو جديد. يقول الرب نفسه: "من أجل ذلك كل كاتب متعلم في ملكوت السموات يشبه رجلًا رب بيت يخرج من كنزه جددًا وعتقاء" (مت 13: 52)].
يرى القديس أغسطينوس أن الإنسان بالإيمان يرافقه السيد المسيح ليسير معه كل الطريق كما فعل مع تلميذيّ عمواس اللذين توسلا إليه أن يمكث معهما، فلما اتكأ معهما "انفتحت أعينهما وعرفاه" (لو 24: 31).
يعلق القديس إكليمنضس السكندريعلى ذات العبارة قائلًا: "هذا يعني أنه إن لم تؤمنوا بما تنبأ عنه الناموس وتتقبلوا تعليم الشريعة لن تفهموا العهد القديم الذي فسره (السيد المسيح) بمجيئه"".
 
قديم 13 - 07 - 2024, 12:09 PM   رقم المشاركة : ( 166306 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,274,056

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

يقول القديس يوحنا الذهبي الفم
لثيؤدور الساقط:
[إن كان للشيطان هذه القدرة أن يطرحك أرضًا من العلو الشامخ
والفضيلة السامية، إلى أبعد حدود الشر؛ فكم بالأكثر جدًا
يكون الله قادرًا أن يرفعك إلى الثقة السابقة،
ولا يجعلك فقط كما كنت، بل أسعد من ذي قبل].
 
قديم 13 - 07 - 2024, 12:11 PM   رقم المشاركة : ( 166307 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,274,056

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

القديس أغسطينوس



[لا تستطيعوا أن تنالوا الفهم ما لم يشرق الإيمان في القلب
القائل مع النبي: "إن لم تؤمنوا بالتأكيد لن تفهموا"].
 
قديم 13 - 07 - 2024, 12:12 PM   رقم المشاركة : ( 166308 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,274,056

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

القديس أغسطينوس



[الإيمان يُبحث عنه وأما الفهم فيوجد،
إذ يقول النبي: "ما لم تؤمنوا لا تفهموا"].
 
قديم 13 - 07 - 2024, 12:13 PM   رقم المشاركة : ( 166309 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,274,056

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

القديس أغسطينوس



[حسب تعليم الكنيسة الجامعة يليق بالعقل أن يتغذى
أولًا بالإيمان البسيط حتى يقدر أن يفهم الأمور السماوية الأبدية].
 
قديم 13 - 07 - 2024, 12:14 PM   رقم المشاركة : ( 166310 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,274,056

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

القديس أغسطينوس



[إنكم (يُحدِّث الهراطقة) لم تتعلموا في ملكوت السموات
-أي كنيسة المسيح الحقيقية الجامعة- وإلاَّ فإنكم كنتم قد نهلتم
من كنز الكتب المقدسة، ما هو قديم وأيضًا ما هو جديد.
يقول الرب نفسه: "من أجل ذلك كل كاتب متعلم في ملكوت السموات
يشبه رجلًا رب بيت يخرج من كنزه جددًا وعتقاء" (مت 13: 52)].
 
موضوع مغلق

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:20 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024