منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 24 - 06 - 2024, 12:22 PM   رقم المشاركة : ( 164541 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,275,281

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




التزامهما بالجهاد مع إخوتهما:

16 فَاقْتَرَبُوا إِلَيْهِ وَقَالُوا: «نَبْنِي صِيَرَ غَنَمٍ لِمَوَاشِينَا ههُنَا وَمُدُنًا لأَطْفَالِنَا. 17 وَأَمَّا نَحْنُ فَنَتَجَرَّدُ مُسْرِعِينَ قُدَّامَ بَنِي إِسْرَائِيلَ حَتَّى نَأْتِيَ بِهِمْ إِلَى مَكَانِهِمْ، وَيَلْبَثُ أَطْفَالُنَا فِي مُدُنٍ مُحَصَّنَةٍ مِنْ وَجْهِ سُكَّانِ الأَرْضِ. 18 لاَ نَرْجعُ إِلَى بُيُوتِنَا حَتَّى يَقْتَسِمَ بَنُو إِسْرَائِيلَ كُلُّ وَاحِدٍ نَصِيبَهُ. 19 إِنَّنَا لاَ نَمْلِكُ مَعَهُمْ فِي عَبْرِ الأُرْدُنِّ وَمَا وَرَاءَهُ، لأَنَّ نَصِيبَنَا قَدْ حَصَلَ لَنَا فِي عَبْرِ الأُرْدُنِّ إِلَى الشَّرْقِ». 20 فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى: «إِنْ فَعَلْتُمْ هذَا الأَمْرَ، إِنْ تَجَرَّدْتُمْ أَمَامَ الرَّبِّ لِلْحَرْبِ، 21 وَعَبَرَ الأُرْدُنَّ كُلُّ مُتَجَرِّدٍ مِنْكُمْ أَمَامَ الرَّبِّ حَتَّى طَرَدَ أَعْدَاءَهُ مِنْ أَمَامِهِ، 22 وَأُخْضِعَتِ الأَرْضُ أَمَامَ الرَّبِّ، وَبَعْدَ ذلِكَ رَجَعْتُمْ، فَتَكُونُونَ أَبْرِيَاءَ مِنْ نَحْوِ الرَّبِّ وَمِنْ نَحْوِ إِسْرَائِيلَ، وَتَكُونُ هذِهِ الأَرْضُ مُلْكًا لَكُمْ أَمَامَ الرَّبِّ. 23 وَلكِنْ إِنْ لَمْ تَفْعَلُوا هكَذَا، فَإِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ إِلَى الرَّبِّ، وَتَعْلَمُونَ خَطِيَّتَكُمُ الَّتِي تُصِيبُكُمْ. 24 اِبْنُوا لأَنْفُسِكُمْ مُدُنًا لأَطْفَالِكُمْ وَصِيَرًا لِغَنَمِكُمْ. وَمَا خَرَجَ مِنْ أَفْوَاهِكُمُ افْعَلُوا». 25 فَكَلَّمَ بَنُو جَادَ وَبَنُو رَأُوبَيْنَ مُوسَى قَائِلِينَ: «عَبِيدُكَ يَفْعَلُونَ كَمَا أَمَرَ سَيِّدِي. 26 أَطْفَالُنَا وَنِسَاؤُنَا وَمَوَاشِينَا وَكُلُّ بَهَائِمِنَا تَكُونُ هُنَاكَ فِي مُدُنِ جِلْعَادَ. 27 وَعَبِيدُكَ يَعْبُرُونَ، كُلُّ مُتَجَرِّدٍ لِلْجُنْدِ أَمَامَ الرَّبِّ لِلْحَرْبِ كَمَا تَكَلَّمَ سَيِّدِي».



أمام كلمات موسى النبي الحازمة والحكيمة والواضحة، إذ لا تحمل تحيّزًا ولا تسلطًا اضطروا إلى تقديم عرض جديد، جاء فيه:

أولًا: تراجعهم في عرضهم الأول من جهة عدم عبورهم الأردن، بل طلبوا أن يتقدموا صفوف الحرب: "أما نحن فنتجرد مسرعين قدام بني إسرائيل حتى نأتي بهم إلى مكانهم" [17]. لم يقفوا عند حدّ المشاركة في الجهاد بل أرادوا أن يتقدموهم في الجهاد.

ثانيًا: قرروا ألاَّ يرجعوا إلى بيوتهم حتى يقتسم بقية الأسباط أراضيهم، أي حتى تستريح نفوسهم من جهتهم (ع 18).

بهذا استراح قلب موسى النبي وقَبِل عرضهم الجديد، بل استراح قلب الكنيسة من جهتهم إذ صاروا يمثلون بحق رجال العهد القديم المملوئين إيمانًا، إن كانوا لم ينطلقوا إلى أرض الموعد بنسائهم وأطفالهم ومواشيهم لكنهم عدوا كرجال حرب يسندون إخوتهم رجال العهد الجديد. لقد عبروا إلينا ليسندوننا خلال نبواتهم ورموزهم والناموس الذي تسلموه. بحق تقدم آباء العهد القديم وأنبياؤه الموكب ليعلنوا الخلاص خلال ربنا يسوع المسيح!

كانت إجابة موسى بالموافقة عجيبة، إذ لم يردد ما قالوه أنهم يتجردون مسرعين أمام بني إسرائيل [17] بل أكد أكثر من مرة "إن تجردتم أمام الرب للحرب" [20]... إنها ليست مجرد مساندة لإخوتكم لكنها إعلان خضوع وجهاد روحي في الرب وأمامه. وحسب عدم التنفيذ هو خطيّة موجهة ضد الرب نفسه (ع 23)... فعادوا يؤكدون التزامهم بالعرض الجديد (ع 27).

 
قديم 24 - 06 - 2024, 12:23 PM   رقم المشاركة : ( 164542 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,275,281

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




وصيّة موسى عنهما:

28 فَأَوْصَى بِهِمْ مُوسَى أَلِعَازَارَ الْكَاهِنَ وَيَشُوعَ بْنَ نُونٍ وَرُؤُوسَ آبَاءِ الأَسْبَاطِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. 29 وَقَالَ لَهُمْ مُوسَى: «إِنْ عَبَرَ الأُرْدُنَّ مَعَكُمْ بَنُو جَادَ وَبَنُو رَأُوبَيْنَ، كُلُّ مُتَجَرِّدٍ لِلْحَرْبِ أَمَامَ الرَّبِّ، فَمَتَى أُخْضِعَتِ الأَرْضُ أَمَامَكُمْ، تُعْطُونَهُمْ أَرْضَ جِلْعَادَ مُلْكًا. 30 وَلكِنْ إِنْ لَمْ يَعْبُرُوا مُتَجَرِّدِينَ مَعَكُمْ، يَتَمَلَّكُوا فِي وَسَطِكُمْ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ». 31 فَأَجَابَ بَنُو جَادٍ وَبَنُو رَأُوبَيْنَ قَائِلِينَ: «الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ الرَّبُّ عَنْ عَبِيدِكَ كَذلِكَ نَفْعَلُ. 32 نَحْنُ نَعْبُرُ مُتَجَرِّدِينَ أَمَامَ الرَّبِّ إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ، وَلكِنْ نُعْطَى مُلْكَ نَصِيبِنَا فِي عَبْرِ الأُرْدُنِّ». 33 فَأَعْطَى مُوسَى لَهُمْ، لِبَنِي جَادٍ وَبَنِي رَأُوبَيْنَ وَنِصْفِ سِبْطِ مَنَسَّى بْنِ يُوسُفَ، مَمْلَكَةَ سِيحُونَ مَلِكِ الأَمُورِيِّينَ وَمَمْلَكَةَ عُوجٍ مَلِكِ بَاشَانَ، الأَرْضَ مَعَ مُدُنِهَا بِتُخُومِ مُدُنِ الأَرْضِ حَوَالَيْهَا. 34 فَبَنَى بَنُو جَادَ: دِيبُونَ وَعَطَارُوتَ وَعَرُوعِيرَ 35 وَعَطْرُوتَ شُوفَانَ وَيَعْزِيرَ وَيُجْبَهَةَ 36 وَبَيْتَ نِمْرَةَ وَبَيْتَ هَارَانَ مُدُنًا مُحَصَّنَةً مَعَ صِيَرِ غَنَمٍ. 37 وَبَنَى بَنُو رَأُوبَيْنَ: حَشْبُونَ وَأَلِعَالَةَ وَقَرْيَتَايِمَ 38 وَنَبُوَ وَبَعْلَ مَعُونَ، مُغَيَّرَتَيِ الاسْمِ، وَسَبْمَةَ، وَدَعَوْا بِأَسْمَاءٍ أَسْمَاءَ الْمُدُنِ الَّتِي بَنَوْا. 39 وَذَهَبَ بَنُو مَاكِيرَ بْنِ مَنَسَّى إِلَى جِلْعَادَ وَأَخَذُوهَا وَطَرَدُوا الأَمُورِيِّينَ الَّذِينَ فِيهَا. 40 فَأَعْطَى مُوسَى جِلْعَادَ لِمَاكِيرَ بْنِ مَنَسَّى فَسَكَنَ فِيهَا. 41 وَذَهَبَ يَائِيرُ ابْنُ مَنَسَّى وَأَخَذَ مَزَارِعَهَا وَدَعَاهُنَّ: حَوُّوثَ يَائِيرَ. 42 وَذَهَبَ نُوبَحُ وَأَخَذَ قَنَاةَ وَقُرَاهَا وَدَعَاهَا نُوبَحَ بِاسْمِهِ.



إذ يعلم موسى أن وقت انحلاله قد حضر سلَّم الوصيّة في أيدي ألِعازار رئيس الكهنة ويشوع ورؤس آباء الأسباط (ع 28) مكررًا بكل وضوح كل ما تعهد به الرجال وقد ظهر بينهم نصف سبط مَنَسَّى لأول مرة.

بنى هؤلاء الأسباط المدن وحصنوها لكي يتركوا فيها النساء والأطفال مع المواشي حتى يكمل رفقاؤهم جهادهم ويعودون إليهم. وقد غيَّر رأوبين أسماء ثلاث مدن عند إعادة بنائها نبو وبعل وسبمة، لأن نبو بعل أسماء إلهين وثنيين، وكانت الوصيّة الإلهيّة "لا تذكروا اسم آلهة أخرى ولا يُسمع من فمك" (خر 23: 13). أما سبمة فكما رأينا تعني "باردة". فإنه لا يليق بهم أن يسكنوا في حياة باردة بل أن تلتهب حياتهم بنار الحب الإلهي!


 
قديم 24 - 06 - 2024, 12:34 PM   رقم المشاركة : ( 164543 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,275,281

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




ملخص الرحلة


لقد صدر الأمر الإلهي لموسى النبي أن يسجل صورة مختصرة للرحلة منذ انطلاقها من أرض مصر حتى بلغت عربات موآب شرقي الأردن استعدادًا للدخول إلى أرض الموعد.



أ. الأمر الإلهي بتسجيل الرحلة:

1 هذِهِ رِحْلاَتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ أَرْضِ مِصْرَ بِجُنُودِهِمْ عَنْ يَدِ مُوسَى وَهَارُونَ. 2 وَكَتَبَ مُوسَى مَخَارِجَهُمْ بِرِحْلاَتِهِمْ حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ. وَهذِهِ رِحْلاَتُهُمْ بِمَخَارِجِهِمْ:

"هذه رحلات بني إسرائيل الذين خرجوا من أرض مصر بجنودهم عن يد موسى وهرون. وكتب موسى مخارجها برحلاتهم حسب قول الرب" [1-2].
لقد سبق فسجل موسى هذه الرحلات بشيء من التفصيل في سفري الخروج والعدد، فما الحاجة لهذا الملخَّص المقتضب للرحلة؟
أولًا: إن ما فعله موسى النبي لم يكن من ذاته بل يقول "حسب قول الرب"، أي ما جاء استجابة لأمر إلهي. ولعله كما أمر الله بالإحصاء مرتين، الإحصاء الأول في بدء الرحلة في السنة الثانية في بدء الشهر الثاني، والثاني قبيل دخولهم أرض الموعد، هكذا سمح بتسجيل الرحلات مرتين، المرة الأولى يقدم تفاصيل معاملات الله مع الإنسان، والمرة الثانية أيضًا قبيل دخولهم أرض الموعد من أجل التذكرة. وكما يقول موسى النبي: "وتتذكر كل الطريق التي فيها سار بك الرب إلهك هذه الأربعين سنة في القفر لكي يُذلك ويُجرِّبك ليعرف ما في قلبك أتحفظ وصاياه أم لا" (تث 8: 2).
في التسجيل الأول كان يقدم لنا تفاصيل معاملات الله معنا وتذمرات الإنسان ضده لكي يبعث فينا روح الجهاد والغلبة، فنكون دائمًا في تحرك مستمر بغير توقف مجاهدين من أجل بلوغ أورشليم العُليا، أما التسجيل الثاني فيمثل أنشودة أو تسبيحًا للرب.
ثانيًا: في هذا السجل المقتضب ظهر تحرك الإنسان في بريّة هذا العالم، تارة يتقدم خطوات وأخرى يتراجع، لكنه ما دام تحت قيادة الله نفسه المظلّل عليه كسحابة والمنير له الطريق كعمود نار، فإنه حتمًا يبلغ هدفه ويحقق رسالته. حقًا إن طريق الله هو أكثر الطرق أمانًا حتى وإن كان ليس أقصر الطرق ولا أسهلها.
ثالثًا: من يتطلّع إلى هذا الأصحاح يظن لأول وهلة أنه يحوي أسماء بلاد وسهول وتلال وجبال مع ذكر لآبار ونخيل... أمور قد يظنها البعض لا نفع لنا بمعرفتها.
لكن العلامة أوريجينوس يُعلِّق على ذلك في حديث طويل جدًا نقتطف منه العبارة التالية: [الدرس الذي بين أيدينا يبدو صعب الفهم وبلا فائدة للقراءة. لكننا لا نستطيع القول بأنه يوجد في كتابات الروح القدس شيء بلا نفع وزائد، حتى وإن بدا بالنسبة للبعض غامضًا. إنما يلزمنا بالحري أن نوجه عيون ذكائنا نحو (الرب) الذي أمر بالكتابة، ونطلب منه المعنى].
في اختصار يرى العلامة أوريجينوس أن البعض يتطلَّعون إلى هذا العرض كشيء بلا نفع وزائد، فيكون مثلهم مثل الأسد الذي لا يأكل العشب بل اللحوم فيرى في وجود العشب على الأرض أمرًا لا نفع منه، بينما الماشية وهي تأكل العشب تجد شبعها في العشب بينما تظن في غيره من الأطعمة أنه بلا نفع. هكذا للإنسان طعام، وللحيوانات المفترسة طعام والحيوانات البريّة طعام والطيور طعام، فالأطعمة متنوعة لإشباع الكل. هكذا في الكتاب المقدس نجد أطعمة كثيرة تشبع هذا وذاك، فما يظنه إنسان أنه بلا نفع يجد غيره فيه لذته وشبعه. وقد قدَّم العلامة أمثلة لنفع هذا الأصحاح كعمل رمزي لخلاصنا ولتحريرنا من أرض العبوديّة إلى كنعان السماويّة، إذ يحمل كل اسم مدينة أو جبل أو سهل إلخ... مفهومًا روحيًا في طريق خلاصنا.
وصف موسى النبي الرحلة بقوله: "خرجوا من مصر بجنودهم عن يد موسى وهرون". لقد خرجوا كرجال حرب روحيّين بقيادة موسى وهرون ليسوا هاربين في عجلة إنما تحت قيادة الله نفسه خلال وصيته (موسى) وذبيحته المقدسة (هرون الكاهن)، إذ يقول إشعياء النبي: "لأنكم لا تخرجون بالعجلة ولا تذهبون هاربين، لأن الرب سائر أمامكم وإله إسرائيل يجمع ساقتكم" (إش 52: 12). لقد ظهروا كهاربين لكن خروجهم في أعماقه يحمل خطة إلهيّة تسلّم الرب تنفيذها بنفسه.
ب. محطات الرحلة:

3 اِرْتَحَلُوا مِنْ رَعَمْسِيسَ فِي الشَّهْرِ الأَوَّلِ، فِي الْيَوْمِ الْخَامِسِ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الأَوَّلِ، فِي غَدِ الْفِصْحِ. خَرَجَ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِيَدٍ رَفِيعَةٍ أَمَامَ أَعْيُنِ جَمِيعِ الْمِصْرِيِّينَ، 4 إِذْ كَانَ الْمِصْرِيُّونَ يَدْفِنُونَ الَّذِينَ ضَرَبَ مِنْهُمُ الرَّبُّ مِنْ كُلِّ بِكْرٍ، وَالرَّبُّ قَدْ صَنَعَ بِآلِهَتِهِمْ أَحْكَامًا. 5 فَارْتَحَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْ رَعَمْسِيسَ وَنَزَلُوا فِي سُكُّوتَ. 6 ثُمَّ ارْتَحَلُوا مِنْ سُكُّوتَ وَنَزَلُوا فِي إِيثَامَ الَّتِي فِي طَرَفِ الْبَرِّيَّةِ. 7 ثُمَّ ارْتَحَلُوا مِنْ إِيثَامَ وَرَجَعُوا عَلَى فَمِ الْحِيرُوثِ الَّتِي قُبَالَةَ بَعْلَ صَفُونَ وَنَزَلُوا أَمَامَ مَجْدَل. 8 ثُمَّ ارْتَحَلُوا مِنْ أَمَامِ الْحِيرُوثِ وَعَبَرُوا فِي وَسَطِ الْبَحْرِ إِلَى الْبَرِّيَّةِ، وَسَارُوا مَسِيرَةَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي بَرِّيَّةِ إِيثَامَ وَنَزَلُوا فِي مَارَّةَ. 9 ثُمَّ ارْتَحَلُوا مِنْ مَارَّةَ وَأَتَوْا إِلَى إِيلِيمَ. وَكَانَ فِي إِيلِيمَ اثْنَتَا عَشَرَةَ عَيْنَ مَاءٍ، وَسَبْعُونَ نَخْلَةً. فَنَزَلُوا هُنَاكَ. 10 ثُمَّ ارْتَحَلُوا مِنْ إِيلِيمَ وَنَزَلُوا عَلَى بَحْرِ سُوفَ. 11 ثُمَّ ارْتَحَلُوا مِنْ بَحْرِ سُوفَ وَنَزَلُوا فِي بَرِّيَّةِ سِينٍ. 12 ثُمَّ ارْتَحَلُوا مِنْ بَرِّيَّةِ سِينٍ وَنَزَلُوا فِي دُفْقَةَ. 13 ثُمَّ ارْتَحَلُوا مِنْ دُفْقَةَ وَنَزَلُوا فِي أَلُوشَ. 14 ثُمَّ ارْتَحَلُوا مِنْ أَلُوشَ وَنَزَلُوا فِي رَفِيدِيمَ، وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَاءٌ لِلشَّعْبِ لِيَشْرَبَ. 15 ثُمَّ ارْتَحَلُوا مِنْ رَفِيدِيمَ وَنَزَلُوا فِي بَرِّيَّةِ سِينَاءَ. 16 ثُمَّ ارْتَحَلُوا مِنْ بَرِّيَّةِ سِينَاءَ وَنَزَلُوا فِي قَبَرُوتَ هَتَّأَوَةَ. 17 ثُمَّ ارْتَحَلُوا مِنْ قَبَرُوتَ هَتَّأَوَةَ وَنَزَلُوا فِي حَضَيْرُوتَ. 18 ثُمَّ ارْتَحَلُوا مِنْ حَضَيْرُوتَ وَنَزَلُوا فِي رِثْمَةَ. 19 ثُمَّ ارْتَحَلُوا مِنْ رِثْمَةَ وَنَزَلُوا فِي رِمُّونَ فَارِصَ. 20 ثُمَّ ارْتَحَلُوا مِنْ رِمُّونَ فَارِصَ وَنَزَلُوا فِي لِبْنَةَ. 21 ثُمَّ ارْتَحَلُوا مِنْ لِبْنَةَ وَنَزَلُوا فِي رِسَّةَ. 22 ثُمَّ ارْتَحَلُوا مِنْ رِسَّةَ وَنَزَلُوا فِي قُهَيْلاَتَةَ. 23 ثُمَّ ارْتَحَلُوا مِنْ قُهَيْلاَتَةَ وَنَزَلُوا فِي جَبَلِ شَافَرَ. 24 ثُمَّ ارْتَحَلُوا مِنْ جَبَلِ شَافَرَ وَنَزَلُوا فِي حَرَادَةَ. 25 ثُمَّ ارْتَحَلُوا مِنْ حَرَادَةَ وَنَزَلُوا فِي مَقْهَيْلُوتَ. 26 ثُمَّ ارْتَحَلُوا مِنْ مَقْهَيْلُوتَ وَنَزَلُوا فِي تَاحَتَ. 27 ثُمَّ ارْتَحَلُوا مِنْ تَاحَتَ وَنَزَلُوا فِي تَارَحَ. 28 ثُمَّ ارْتَحَلُوا مِنْ تَارَحَ وَنَزَلُوا فِي مِثْقَةَ. 29 ثُمَّ ارْتَحَلُوا مِنْ مِثْقَةَ وَنَزَلُوا فِي حَشْمُونَةَ. 30 ثُمَّ ارْتَحَلُوا مِنْ حَشْمُونَةَ وَنَزَلُوا فِي مُسِيرُوتَ. 31 ثُمَّ ارْتحَلُوا مِن مُسِيرُوتَ وَنَزَلُوا فِي بَنِي يَعْقَانَ. 32 ثُّمَ ارْتَحَلُوا مِنْ بَنِي يَعْقَانَ وَنَزَلُوا فِي حُورِ الْجِدْجَادِ. 33 ثمَّ ارْتَحَلُوا مِنْ حُورِ الْجِدْجَادِ وَنَزَلُوا فِي يُطْبَاتَ. 34 ثمَّ ارْتَحَلُوا مِنْ يُطْبَاتَ وَنَزَلُوا فِي عَبْرُونَةَ. 35 ثمَّ ارْتَحَلُوا مِنْ عَبْرُونَةَ وَنَزَلُوا فِي عِصْيُونَ جَابَرَ. 36 ثمَّ ارْتَحَلُوا مِنْ عِصْيُونَ جَابَرَ وَنَزَلُوا فِي برِّيّةِ صِينٍ وَهِيَ قَادَشُ. 37 ثمَّ ارْتَحَلُوا مِنْ قَادَشَ وَنَزَلُوا فِي جَبَلِ هُورٍ فِي طَرَفِ أَرْضِ أَدُومَ. 38 فَصَعِدَ هَارُونُ الْكَاهِنُ إِلَى جَبَلِ هُورٍ حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ، وَمَاتَ هُنَاكَ فِي السَّنَةِ الأَرْبَعِينَ لِخُرُوجِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، في الشَّهْرِ الخَامِسِ فِي الأَوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ. 39 وَكَانَ هَارُونُ ابْنَ مِئَةٍ وثَلاَثٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَاتَ فِي جَبَلِ هُورٍ. 40 وَسَمِعَ الْكَنْعَانِيُّ مَلِكُ عَرَادَ وَهُوَ سَاكِنٌ فِي الْجَنُوبِ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ بِمَجِيءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. 41 ثُمَّ ارْتَحَلُوا مِنْ جَبَلِ هُورٍ وَنَزَلُوا فِي صَلْمُونَةَ. 42 ثُمَّ ارْتَحَلُوا مِنْ صَلْمُونَةَ وَنَزَلُوا فِي فُونُونَ. 43 ثُمَّ ارْتَحَلُوا مِنْ فُونُونَ وَنَزَلُوا فِي أُوبُوتَ. 44 ثُمَّ ارْتَحَلُوا مِنْ أُوبُوتَ وَنَزَلُوا فِي عَيِّي عَبَارِيمَ فِي تُخْمِ مُوآبَ. 45 ثُمَّ ارْتَحَلُوا مِنْ عَيِّيمَ وَنَزَلُوا فِي دِيبُونَ جَادَ. 46 ثُمَّ ارْتَحَلُوا مِنْ دِيبُونَ جَادَ وَنَزَلُوا فِي عَلْمُونَ دِبْلاَتَايِمَ. 47 ثُمَّ ارْتَحَلُوا مِنْ عَلْمُونَ دِبْلاَتَايِمَ وَنَزَلُوا فِي جِبَالِ عَبَارِيمَ أَمَامَ نَبُو. 48 ثُمَّ ارْتَحَلُوا مِنْ جِبَالِ عَبَارِيمَ وَنَزَلُوا فِي عَرَبَاتِ مُوآبَ عَلَى أُرْدُنِّ أَرِيحَا. 49 نَزَلُوا عَلَى الأُرْدُنِّ مِنْ بَيْتِ يَشِيمُوتَ إِلَى آبَلَ شِطِّيمَ فِي عَرَبَاتِ مُوآبَ.

سجّل لنا موسى النبي "42" محطة تنتهي بدخولهم أرض الموعد. هذا يذكِّرنا بقول الإنجيلي: "فجميع الأجيال من إبراهيم إلى داود أربعة عشر جيلًا، ومن داود إلى سبي بابل أربعة عشر جيلًا، ومن سبي بابل إلى المسيح أربعة عشر جيلًا" (مت 1: 17). وكأن الأجيال من إبراهيم أب الآباء إلى السيد المسيح "42" جيلًا، مطابقًا عدد المحطات التي عبر بها الشعب قديمًا في انطلاقه من مصر إلى أورشليم. كأن هذه المحطات تمثل الخلاص وتاريخه خلال البشريّة. لقد خرج بنو إسرائيل من مصر بجنودهم، أي يحملون قوة للجهاد الروحي، هذه القوة في حقيقتها هي السيد المسيح الذي عبر بالبشريّة خلال التاريخ كسرّ قوتهم حتى ظهر بتجسده بعد اثنين وأربعين جيلًا.


هذا من جهة العدد، أما من جهة أسماء المحطات، فتحمل عملًا رمزيًا مستمرًا برفع النفس من حالة العبوديّة للعبور بها إلى أعالي السموات. لهذا يسميها العلامة أوريجينوس [مركبة من كلمات غامضة]. هذه المركبة تعبر بنا من قوة إلى قوة (مز 84: 7) ومن مجد إلى مجد، يتخللها آلام كثيرة وتجارب تزيد من قوتنا الروحيّة وأمجادنا... وفيما يلي ملخص لأسماء المحطات الاثنين والأربعين الواردة في هذا الأصحاح وما تحمله من معاني رمزيّة.
1. رعمسيس: اسم مصري قديم يعني "ابن إله الشمس (رع)"، كما يعني "بيت رمسيس"، إذ بناها رمسيس الثاني كعاصمة للدلتا، في حدود مصر الشرقية وسماها باسمه. يظهر من (تك 47: 11) إنها في أرض جاسان، تسمى حاليًا "صَالحجر" أو "صان الحجر". الأرجح أنها إحدى مدن المخازن التي بناها الإسرائيليّون في مصر (خر 1: 11).
يرى العلامة أوريجينوس أنها تعني "بلد الفساد" أو "اضطراب مزعج" أو "اضطراب بالبرغوث". تبدأ الرحلة بالانطلاق من موقع الفساد، مكان العثرة والخطيّة، حيث تكون النفس في حالة اضطراب. في هذا الموضع يدفن الأشرار أبكارهم (ع 4) ويفقدون سلامهم، لهذا يهرب المؤمنون منها.
يقول العلامة أوريجينوس: [كل ما في العالم يسقط فريسة للاضطراب والقلق والفساد، الأمور الممثلة في البرغوث. لهذا يجب على النفس ألاَّ تمكث فيه (محبة العالم وإغراءاته) بل ترحل منه إلى سكوت].
2. سكوت:اسم عبراني يعني "مظلات" أو "خيام"، تقع غالبًا في وادي الطميلات، ظن البعض أنها المدينة المحيطة بفيثوم، لكن الرأي الأغلب أنها تل المسخوطة في نهاية شرق وادي الطميلات.
من الناحية الرمزيّة إذ تنطلق النفس من رعمسيس حيث الاضطراب الداخلي تنطلق إلى سكوت (الخيام) لتعيش متغربة ومتنقلة لا تستريح حتى تبلغ حضن الآب السماوي مستقرة في المسيح يسوع ربها.
يقول العلامة أوريجينوس: [إذ تنفض عنك صدأ الفساد وتبتعد عن مجال الرذيلة أسكن في الخيام، هذه التي لا نريد أن نخلعها بل أن نلبس فوقها (2 كو 5: 4). يسكن في الخيام من يركض نحو الله حرًا بلا قيود ولا أحمال].
وأيضًا: [أول تقدّم للنفس هو أن تتخلص من الاضطراب الأرضي وتعرف أنه يجب عليها أن تسكن في الخيمة كالبدو الرُحّل، فتكون كجندي تحت السلاح مستعد لمواجهة الأعداء (الروحيّين) ومتيقظ وغير مرتبك].
3. إيثام: شرقي مدينة سكوت (تل المسخوطة) على طرف البريّة في نهاية الطرف الشرقي لوادي الطميلات. أمام بريّة إيثام فتقع شرقي إيثام. ويظن أن إيثام كانت بالقرب من مدينة الإسماعيليّة الحالية.
يرى العلامة أوريجينوس أن كلمة "إيثام" تعني "علامة"، أو "مضيق". وهي المحطة الثالثة في الرحلة، لهذا يرى العلامة أوريجينوس أنها تحمل رمز قيامة المسيح في اليوم الثالث. فعند بلوغهم هذه المحطة جاءوا إلى حافة البريّة، واستطاعوا أن يتمتعوا بظلّ الحياة المُقامة مع السيد المسيح، إذ رأوا الله يظللهم كسحابة في النهار، وينير لهم الطريق ليلًا كعمود نار. هذه العلامة التي لهذه الرحلة، أو هذه الرؤيا... إنها رحلة القيامة مع السيد المسيح التي سبق لنا الحديث عنها.
يُعلِّق العلامة أوريجينوس على معنى إيثام كمضيق بقوله: [يجب علينا في المضيق أن نحتمل مصارعة عظيمة وإعلان قتال ضد الشيطان وسلاطينه المضادة. هكذا حارب إبراهيم في وادي (عمق) السديم (تك 14: 8) ملوكًا أشرارًا وغلبهم. إذن سياحتنا هي نزول إلى سكان الأعماق والأماكن السفليّة (المضيق) لكي لا نبطيء هناك إنما لكي نحصل على الغلبة].
إذن دخولنا إيثام إنما هو دخول إلى الحياة المُقامة في المسيح يسوع ربنا حيث نغلب به إبليس الساكن في الأعماق السفليّة أو المضيق.
4. فم الحيروث: أو فيهوحيروث: يظن الأب هابيل Père Abel أنها في مستنقعات جنفه Jeneffeh على حافة الممر بين الجبل والبحيرة المُرَّة(304). تقع بين مجدل والبحر أمام بعل صفون (خر 14: 2، 9). وقد سبق أن عرضنا التفسير الرمزي لهذا الاسم وموقعه، إذ يرى العلامة أوريجينوس أن "فم الحيروث" تعني "الصعود القاسي أو القفر"، وإنها تقع بين مجدل التي تعني "برج" والذي يشير إلى ضرورة حساب نفقته (لو 14: 28)، والبحر يشير إلى أمواج التجارب المستمرة، أما كونها أمام بعل صفون التي تشير إلى "الصعود بسرعة أو بخفة"، إنما يعني أن الإنسان إذ يدخل البريّة يلزمه أن يقبل الصعود القاسي أو القفر ، واضعًا أمام عيني قلبه حساب النفقة، متقبلًا التجارب غير المنقطعة، مسرعًا في الجهاد غير متباطيء في حياته الروحيّة.
هذا ملخص ما قدمه لنا أوريجينوس في عظاته على سفر الخروج لكنه يعود فيقدم لنا تفسيرًا آخر أثناء عظاته على سفر العدد. إنه يرى في "فم الحيروث" معنى "فم الكفور"، أي مدخل أو فم البلاد الصغيرة التي تحسب كفورًا لا مدنًا.
وكأن "فم الحيروث" تعني الدخول إلى البلاد الصغيرة الضيقة حتى لا يوجد ترف المدن الكبرى بل التقشف والزهد. فإن كانت هذه هي أول محطة في البريّة بعد الخروج من إيثام آخر حدود مصر في ذلك الوقت، فإنه يجب علينا أن نصعد إلى فم الضيق والتعب والألم، نصعد خلال الكفور الضيقة متجهين نحو مدينة الله العظمى، أورشليم العُليا. أما كونها تقع بين مجدل والبحر، فإن "مجدل" تعني "برج" كما تعني "مجد"، فالمؤمن يدخل إلى الضيق ناظرًا إلى الأمجاد السماويّة كدافع لجهاده المستمر غير متخوِّف من أمواج بحر هذا العالم.
5. مارَّة: اسم عبراني يعني "مرّ" أو "مرارة". وهي عين مياه مُرَّة جدًا بلغها الشعب بعد عبورهم بحر سوف حوالي ثلاثة أيام. مرارة المياه جعلت الشعب يدرك مدى صعوبة الرحلة فتذمروا، ولكن الله أمر موسى النبي أن يلقي بخشبة في المياه فتصير حلوة (خر 15: 23-26). تقع هذه العين في بريّة شور في الطريق إلى سيناء، غالبًا هي عين حوارة، تبعد حوالي "47" ميلًا من السويس، وبضعة أميال قليلة من البحر الأحمر تفصلها عنه سلسلة تلال. عمق العين حوالي "25" قدمًا وإن كان الاتساع يزداد في العمق. تربة هذه المنطقة بها نسبة عالية من الصودا ومياهها مالحة ومُرَّة.
إذ دخلوا في بريّة إيثام ثلاثة أيام التقوا بالمياه المُرَّة التي صارت خلال الخشبة عذبة ومروية، إشارة إلى تمتع المؤمن بالحياة المُقامة في المسيح يسوع خلال دفنه في مياه المعموديّة المقدسة ثلاث مرات باسم الثالوث القدوس، هكذا يتحول الدفن إلى قيامة، ويصلب الإنسان القديم بأعماله المُرَّة ويظهر الإنسان الجديد الذي على صورة خالقه. هنا أيضًا يشرب المؤمن مياه الناموس فلا يجدها مُرَّة خلال الحرف القاتل بل عذبة ومروية خلال نعمة الصليب الخشبة المحيية
6. إيليم: اسم عبري يعني أشجارًا ضخمة مثل السنديان والنخيل والبطم. تُعرف حاليًا بواحة وادي غرندل، على بعد "63" ميلًا من السويس، بها أشجار نخيل ونبات الطرفاء (عبل) وشجر السنط. عبر إليها الشعب القديم بعد مارة فوجدوا بها "12" عين ماء و"70" نخلة (خر 15: 27؛ 16: 1)، فكان ذلك إشارة إلى انطلاق النفس من مرارة الناحية (مارة) إلى الحياة الإنجيليّة الغنيّة خلال الاثني عشر تلميذًا والسبعين رسولًا. إنها رحلة النفس من حرفيّة الناموس المُرَّة إلى عذوبة الفهم الروحي الإنجيلي. فلا يكفي للإنسان أن يشرب من مياه الناموس حتى بعد تحوله إلى ماء حلو خلال خشبة الصليب إنما يلزمه أن ينهل من المياه الإنجيليّة الرسوليّة ويتمتع بالطعام الجديد
7. شواطيء بحر سوف: "ارتحلوا من إيليم ونزلوا على بحر سوف" (ع 10). قلنا أن سوف تعني "قصب الغاب"، لأن المنطقة الشماليّة للبحر من جانب مصر كان يمثل مجموعة من المستنقعات يكثر حولها قصب الغاب.
إذ بلغ الشعب إيليم وتمتعوا بالحياة الإنجيليّة الرسوليّة التزموا ألاَّ يعبروا بحر سوف مرّة أخرى بل أن ينزلوا على شواطئه. إنهم دخلوه مرة واحدة إشارة إلى المعموديّة التي لن تتكرر حتى إن أنكر المؤمن إيمانه وعاد مرة أخرى بالتوبة، فإنه لا ينزل إليها بل ينزل إلى جوارها خلال التوبة ليستعيد عمله فيها. لهذا يقول الرسول بولس: "لأن الذين استُنيروا مرة (نالوا المعموديّة التي هي سرّ الاستنارة) وذاقوا الموهبة السماويّة وصاروا شركاء الروح القدس، وذاقوا كلمة الله الصالحة وقوات الدهر الآتي، وسقطوا لا يمكن تجديدهم (أي لا تُعاد معموديتهم التي هي سرّ تجديد الطبيعة) أيضًا للتوبة، إذ هم يصلبون لأنفسهم ابن الله ثانية ويشهرونه" (عب 6: 4-6).
يقول القديس كيرلس الأورشليمي: [إننا لا ننال المعموديّة مرتين أو ثلاثة... لأنه يوجد "رب واحد وإيمان واحد ومعمودية واحدة" (أف 4: 5)، فلا تُعاد إلاَّ معموديّة الهراطقة إذ لا تحسب معموديّة].
ويقول العلامة ترتليان: [لا يمكن إعادة السرّ].
إنهم يعسكرون على شاطيء البحر يذكرون عمل الله العجيب خلال المياه المقدسة، كيف خلصهم من فرعون وحطم الشيطان وكل قواته الشريرة. هذا والوقوف بجوار البحر يُذكِّرهم أيضًا بالأمواج الشديدة التي يتعرضون لها خلال رحلتهم لكنهم لا يخافونها بل يذكرون خلاصهم.
8. بريّة سين: وهي غير بريّة صين. وهي غالبًا كلمة أكاديّة مشتقة من إله القمر "سين". غالبًا مكانها الآن دبة الرملة وهي كومة رمال في الجنوب الغربي من الداخل عند شبه جزيرة عند سفح جبل التيه. فيها أنزل الله المن للشعب لأول مرة.
يرى العلامة أوريجينوس أن "سين" تعني "عليقة" أو "تجربة"، وهو يربط بين المعنيين معًا. فإذ ينزل الإنسان إلى شواطيء بحر سوف يتأمل أعمال الله معه خلال مياه المعموديّة إنما يذكر العليقة التي تشير إلى التجسد الإلهي والصلب والقيامة فينفتح أمامه الرجاء في الخيرات الحقيقيّة، إذ يقول العلامة: [يبدأ الرجاء في الخيرات الحقيقيّة يتبسم لك. لكن من أين يأتي هذا الرجاء؟ إنه في العليقة التي ظهر فيها الرب وتحدَّث مع موسى، وكان ذلك أول ظهورات الله لبني إسرائيل]. ولما كانت "سين" تعني أيضًا "التجربة" فإننا إذ نتطلَّع إلى العليقة يلزمنا أن نميز بين الرؤيا الحقيقيّة التي من الله والرؤيا المخادعة التي يجربنا بها الشيطان، هذا الذي يُحوّل شكله إلى ملاك نور ليخدعنا (2 كو 11: 4). ولهذا عندما رأى يشوع بن نون رؤيا، سأل في الحال: "هل لنا أنت أو لأعدائنا؟" (يش 5: 13). كأن من يبلغ هذه المحطة الثامنة يلزمه أن يحمل روح التمييز ليتقبل الرؤى الإلهيّة ويفرزها، فلا يسقط في تجارب إبليس وفخاخه.
9. دُفقة: اسم عبراني غالبًا يعني "سوق المواشي"، وهي في الطريق بين البحر الأحمر ورفيديم، ربما في سرابية الخادم أو بجوار وادي المغارة. يرى العلامة أوريجينوس أن "دُفقة" تعني في العبريّة "صحة"، فإن النفس التي تدخل إلى بريّة سين وتُمحص بالتجارب ويكون لها روح التمييز الذي يفرز ما هو لله مما هو من الشيطان تُشفى من كثير من الأمراض الروحيّة وتتمتع بالصحة. حقًا إن لكثير من أمراضنا الروحيّة إنما هو ثمرة عدم تمييزنا الروحي.
في دُفقة تدرك النفس مسيحها كطبيب لها فترنم، قائلة: "بَارِكِي يَا نَفْسِي الرَّبَّ، وَكُلُّ مَا فِي بَاطِنِي لِيُبَارِكِ اسْمَهُ الْقُدُّوسَ... الَّذِي يَغْفِرُ جَمِيعَ ذُنُوبِكِ. الَّذِي يَشْفِي كُلَّ أَمْرَاضِكِ" (مز 103: 1-3).
10. ألوش: بالقرب من رفيديم، يرى العلامة أوريجينوس أنها تعني "أعمال". فإذ تدخل النفس إلى دُفقة أي إلى الصحة الروحيّة، وتُسبح الرب الشافي أمراضها تنطلق للعمل الروحي بفرح بلا ملل، فيقال للمؤمن: "لأنك تأكل تعب يديك، طوباك وخير لك" (مز 128: 2).
11. رفيديم: اسم عبري يعني "متسعات"، تقع بين بريّة سين وسيناء (خر 17: 1، 19: 2). لم يكن فيها ماء فتذمر الشعب على موسى الذي بأمر إلهي ضرب الصخرة بالعصا مرتين فأفاضت ماءً (خر 17: 5-6). وفي رفيديم تمت المعركة ضد عماليق فكان إذ يبسط موسى يديه يغلب شعبه، وإذ يخفضهما ينغلب (خر 17: 8-13). وإليها جاء حمو موسى وسجد للرب مع شيوخ إسرائيل (خر 18: 1-12)، الأمور التي سبق الحديث عنها في دراستنا لسفر الخروج. أما عن موقعها فيُحتمل أن يكون وادي رفايد شمال غرب جبل موسى. هناك يتصل وادي ردوا، وهو مجرى ماء بارد بوادي رفايد حيث توجد واحة عند سفح جبل رفايد.
أما التفسير الرمزي لرفيديم ففي رأي أوريجينوس تعني "مديح التمييز"، قائلًا: [من الصواب أن يتبع الأعمال المديح، ولكن أي مديح هو هذا؟ إنه مديح بروح التمييز. فإن النفس تصير مستحقة للمديح حينما يكون لها تمييز صالح، تمييز جيد فتحكم في كل شيء ولا يحكم فيها أحد (1 كو 2: 15)].
12. بريّة سيناء: كلمة "سيناء" مأخوذة عن الكلمة الأكاديّة "سين" إله القمر. ويُلاحَظ أن كلمة "سيناء" تُطلق بصورة أعم على بريّة سيناء، كما على جبل سيناء الذي يُسَمَّى أيضًا جبل حوريب. تبعد هذه البريّة المحيطة بالجبل عن قادش برنيع مسيرة "11" يومًا عن طريق جبل سعير (تث 1: 2). هذه البريّة متسعة تكفي أن يعسكر فيها الشعب عند سفح الجبل (خر 19: 2)، وهي ملاصقة للجبل، يمكن للجبل أن يلمسه الشعب (خر 19: 12)، ويمكن للمعسكر أن يرى قمته (خر 19: 16، 18، 20). على هذا الجبل استلم موسى الوصايا العشر وعند سفحه تم العهد بين الله وشعبه (خر 20: 1 - خر 24: 8). لم يذكر فيما بعد الكتاب أي زيارة لهذا الجبل سوى هروب إيليا إليه عندما هددته إيزابل الشريرة (1 مل 19: 8).
هناك نظريات كثيرة بخصوص جبل سيناء، فالبعض يراه جبل سريال في وادي فيران، يرجع إلى عهد يوسابيوس المؤرخ، يمتاز بأنه جبل منعزل وعظيم جدًا، يبلغ ارتفاعه "6758" قدمًا، يُرى من مسافة بعيدة، لكن ليس حوله بريّة تتسع لمعسكر الشعب. أما الرأي الأخر فيرجع إلى جوستنيان، حيث يرى أن جبل موسى هو جبل سيناء وهو شديد الانحدار، في أسفله يوجد وادي الراحة الذي يبلغ مساحته حوالي أربعة أميال مربعة تكفي للمعسكر. لهذا الجبل أهميته العظمى فهو الجبل الذي تقدس بلقاء الله مع موسى على قمته ليهبه الوصايا العشر، وفيه وحوله نشأت عدة كنائس مسيحيّة، خاصة دير سانت كاترين الغني بمخطوطاته الأثريّة. في هذا الدير اكتُشفت النسخة السينائية للكتاب المقدس والتي ترجع للقرن الرابع الميلادي.
على أي الأحوال إن رجعنا إلى التفسير الرمزي يقول أن النفس بعد أن تدخل رفيديم وتستحق المديح خلال روح التمييز الصالح يمكنها أن تصعد على جبل سيناء لتلتقي مع إلهها في خلوة مقدسة تتسلّم فيها وصيته وتتعرف على أسراره، وتتمتع بانعكاسات مجده عليها.


13. قبروت هتأوة: موضع ما بين جبل سيناء وحضيروت، على بعد "15" ميل شمال شرقي شيناء. فيها اشتهى الشعب اللحم فأرسل الله لهم السلوى ليأكلوا لحمًا شهرًا كاملًا، وإذ أكلوا بشهوة ضربهم بالوبأ.
"قبروت هتأوة" تعني "قبور الشهوة" أو "قبور الشهوانيّين" (عد 11: 34). يقول العلامة أوريجينوس: [إنها بلا شك الموضع الذي تدفن الشهوات وتبطل، فتنطفيء الرغبات الشريرة كلها، ولا يشتهي الجسد ضد الروح (غل 5: 17) بل نموت عن الناموس بجسد المسيح (رو 7: 14)].
14. حضيروت: ربما هي عين خضراء التي تبعد حوالي "36" ميلًا شمال شرق جبل سيناء، هناك تذمرت مريم وهرون على موسى حيث صارت برصاء (عد 12).
كلمة "حَضَيْروت" تعني "استقرار"، ويرى العلامة أوريجينوس أنها تعني "بناء كامل (مستقر)" أو "تطويب"، لهذا يقول: [لاحظ أيها المسافر تتابع تقدم الرحلة، فإنك إذ تقبر شهوات الجسد وتسلّمها للموت تبلغ عظمة الموضع (الاستقرار) وتنال تطويبًا. حقًا طوبى لنفس التي لا تقهرها أي رذيلة جسديّة].
يرى البعض أنها تعني "ديار" أو "حظائر"، وهو ذات المعنى "استقرار"، فإن النفس لا يمكن أن تستقر وتشعر بالراحة كمن في داره آمنًا ما لم يقبر أولًا بالروح القدس شهوات الجسد وقتلها بالصليب!
15: رِثمة:اسم عبراني يعني "رِتمة" وهو نبات من الشيح ينمو في المناطق الصحراويّة، يؤكل جذوره في المجاعات، كما تُستخدم جذوعه وجذوره في صُنْع الفحم (مز 120: 4). ويرى العلامة أوريجينوس أن الكلمة تعني "رؤيا متممة"، فالنفس التي تقبر الشهوات الجسدانيّة وتستحق التطويب والاستقرار تتمتع برؤيا روحيّة سليمة، تتعرف على أسرار التجسد والتدبير الإلهي بطريقة كاملة وعميقة.
16: رِمُّون فارَص: لعلها "نقب البيار". أما معناها فهو "رمانة الشق أو الثغرة"، أي الرمانة التي تنبت على شق أو ثغرة. ويرى العلامة أوريجينوس أن "فارص" هنا تعني "قطع" أو "شق" بمعنى أنه يليق بالنفس بعد عبورها على رِثمة وتمتعها بالرؤى المتممة أن تقطع الأمور العلويّة السماويّة عن الأمور السفليّة الأرضيّة، تفصل الأبديات عن الزمنيات.
17. لِبْنَة:تعني "أبيض". إذ تدخل النفس إلى رِمُّون فارَص وتنعم بالفصل بين ما هو سماوي وما هو أرضي تختار ما هو سماوي فتنعم بالبياض رمز السماء. فقد رأى يوحنا الحبيب السيد المسيح السماوي رأسه وشعره أبيضان كالصوف الأبيض كالثلج (رؤ 1: 14)، ورآه دانيال في ثياب بيض كالثلج (دا 7: 9) وأيضًا في تجليه "صارت ثيابه بيضاء كالنور" (مت 17: 2). وفي أحداث القيامة والصعود ظهرت الملائكة بثياب بيضاء (أع 1: 10). وفي الملكوت يظهر الغالبون بثياب بيضاء (رؤ 7: 9) "هؤلاء الذين غسلوا ثيابهم وبيضوا ثيابهم في دم الخروف" (رؤ 7: 14). لهذا يقول دانيال النبي [تتطهرون فتبيضّون] (دا 11: 35).
إذن الدخول إلى لِبْنَة هو قبول الحياة المقدسة السماويّة، ورفض الأمور الدنسة.
18. رِسَّة: ربما كانت في قنديلة الجرافي بين قسيمة والعقبة، شمال غربي جبل روبسة النجين. وهو اسم عبراني يعني "تحطيم أوندي أو مطر"، غير أن أوريجينوس يرى أنه يعني "تجربة منظورة"، هذا يعني المعنى القريب من "التحطيم"، كما يرى أنه يعني "مستحق للمديح". لهذا يقول: [مهما تقدمت النفس فإن التجارب لن تفارقها. واضح أن التجارب تلحق بها كحارس ووقاية. فكما أن اللحم يفسد بدون الملح مهما كان نوع اللحم، هكذا تفسد النفس إن لم تملح بتجارب متواصلة، إذ بدونها تتهاون النفس وتتراخى. لهذا السبب قيل: "كُلُّ قُرْبَانٍ مِنْ تَقَادِمِكَ بِالْمِلْحِ تُمَلِّحُهُ" (لا 2: 13). لهذا أيضًا يقول الرسول بولس: "لئلا أرتفع بفرط الإعلانات أُعْطِيت شوكة في الجسد، ملاك الشيطان ليلطمني لئلا أرتفع" (2 كو 12: 7). هذه هي التجارب المنظورة التي تجعلنا نستحق المديح].
19. قُهَيْلاتة: يرجح أنها "قنتلة قراية" والتي تُدعى أيضًا "عجرود". حيث توجد بها آبار وخزان ماء، بها ممر يقود إلى بئر معين.
"قُهَيْلاتة" اسم عبري يعني "مجمع" كما يعني "رئاسة" أو "عصا". كان دخول النفس إلى رَسَّة أي إلى التجارب لا يضعفها ما دامت تحمل السمة السماويّة بل بالعكس يربطها بالأكثر بمجمع السمائيّين ويهبها سلطانًا أعظم، فتصير كملكة، يسيطر على القلب والفكر وكل الحواس، تقبل الفكر الذي تريده وتطرد ما تشاء، تتحكم في كل أعماقها الداخليّة بسلطان. إنها تمسك بعصا التي هي الصليب به تقول في قوة: "قد صُلب العالم لي وأنا للعالم" (غل 6: 14). إنها تسمع صوت عريسها يناجيها قائلًا: "جمُلتِ جدًا جدًا فصلُحتِ لمملكة وخرج لكِ اسم في الأمم لجمالك، لأنه كان كاملًا ببهائي الذي جعلته عليكِ يقول السيد الرب" (حز 16: 13-14).
في قُهَيْلاتة تدخل النفس إلى مجمع السماء كملكة صاحبة رئاسة ومعها عصا عريسها، سرّ قوتها وجمالها، لتملك معه إلى الأبد.
20. جبل شافَر: يُحتمل أن يكون جبل عرايف الناقة، جنوب قادش. كلمة شافَر تعني "جمال" أو "أناقة". فالنفس التي تدخل إلى قُهَيْلاتة وتُحسب عضوًا في مجمع السمائيّين وتُوهب سلطانًا وعصا الصليب إنما تدخل إلى الجمال السماوي والأناقة على مستوى فائق. إنها تسمع صوت عريسها السماوي "ها أنت جميلة يا حبيبتي، ها أنت جميلة" (نش 1: 15)، مؤكدًا إعجابه بها.
ويرى العلامة أوريجينوس أن شافَر تعني "أصوات أبواق"، فإذ تملك النفس مع السيد المسيح إنما تمسك بأصوات البوق التي تشير إلى كلمة الله، التي هي سرّ نصرتها وبهائها السماوي. إنها تضرب بالكلمة الإلهيّة أصوات بوق الغلبة والفرح لكي تُعيِّد عيدًا سماويًا بلا انقطاع (عد 10).
21. حَرادة: ربما في وادي لوسان، أو وادي العين التي تبعد مسيرة يوم عن عين حضيرة.
حَرادة كلمة عبريّة تعني رعب أو خوف، فإن الإنسان مهما بلغ في تقدمه الروحي، حتى إن بلغ جبل شافَر، فصار له جمال السيد المسيح الروحي لكنه ينبغي أن يسلك في مخافة الرب، مكملًا خلاصه بخوف ورعدة. يرى العلامة أوريجينوس أن كلمة حَرادة تعني "يجعله مستحقًا"، بهذا فإن من بلغ جبل شافَر بأبواق كلمة الله يستحق الإكليل.
22. مَقْهَيْلوت: ربما تكون هي بعينها قُهَيْلاتة عادوا إليها من جديد أم بلدة مشابهة في الاسم، إذ يرى البعض أنها أيضًا تعني "مجامع" ويرجحون أنها قنتلة قراية والتي تدعى عجرود!
لعل العلامة أوريجينوس قد رأى أنها عودة للجماعة إلى ذات البلد الأولى حتى رأى فيها المعنى الرمزي "منذ البدء"، مع أن مَقْهَيْلوت تعني "مجامع"، قائلًا أن من يميل إلى التأمل في كلمة الله "جبل شافَر" ويتمسك بأبواقها ليغلب يلزمه أن يتأمل فيمن كان في البدء، أي في الله الكلمة ولا يتغرب عنه قط.
23. تاحَت: اسم عبراني يعني "ما هو تحت"، فمن يريد أن يتمتع بمَقْهَيْلوت أي بالمجامع المقدسة متأملًا في ذاك الذي من البدء، يلزمه أن يكون آخر (تحت) الكل وخادمًا للجميع. بهذا يحيا في سلام مع الله والناس.
يرى العلامة أوريجينوس أن تاحَت تعني "التثبيت". من يتضع "ينزل إلى تحت" يتأمل الذي كان من البدء لا تأملًا نظريًا، بل خلال الثبوت فيه (يو 15: 4).
يظن أن تاحَت موقعها عند جبل التيه.
24. تمارح: غالبًا بين عين الحضرة والقسيمة، وكلمة "تارح" كلمة عبريّة تعني "وعل" أو "نوع من العنز الجبلي". إلاَّ أن العلامة أوريجينوس يرى أنها تعني "الدهش" أو "الاختطاف بالروح Rapture". وكأن ثبوتنا في السيد المسيح "كلمة الله" يدخل بنا إلى إدراك أسراره الإلهيّة غير المنطوق بها ولا مدركة، فندخل إلى مدينة الدهش، حيث تُختطف أرواحنا إلى حجاله السماوي.
25. مِثْقة: ربما وادي أبو تقية الذي ينزل من نقب العرود إلى وادي الجرعفي. "مِثْقة" كلمة عبرانيّة تعني "حلاوة"، وكأنها تشير إلى عذوبة المسيح يسوع وحلاوته خلال ثبوتنا فيه.
يرى العلامة أوريجينوس أنها تعني "الموت الجديد". فإن مدينة الدَهَش أو اختطاف الروح في الإلهيات تدفعنا بالأكثر إلى التمتع بموت السيد المسيح كموت جديد ليس ثمرة الخطيّة التي ارتكبناها أو ورثناها بل ثمرة الاتحاد مع السيد المسيح المصلوب والقائم من الأموات.
26. حَشْمونة: غالبًا هي وادي الهشيم. كلمة حَشْمونة تعني "خصب". فإن كانت مِثْقة تعني العذوبة في المسيح يسوع فإن حَشْمونة تعني خصوبة الحياة وإثمارها فيه.
يرى العلامة أوريجينوس أن حَشْمونة تعني "عظام"، فإن كانت مِثْقة في رأيه هي "الموت الجديد"، فإنه بموتنا مع المسيح لا نخاف ولا نضطرب فإن واحدة من عظامنا (الروحيّة) لا تنكسر.
27. مُسِيروت: موضعها غير معروف، لكنها بجوار جبل هور على حدود أدوم. كلمة "مُسِيروت" تعني "رباطات" أو "قيود"، لهذا يرى العلامة أوريجينوس أن من يدخل مدينة مُسِيروت يقيد العدو إبليس ويطرحه، فلا يكون له فينا موضع (أف 4: 27).
28. بني يَعقان: أي أبنا يَعقان، وهي قبيلة حوريّة من جبل سعير، اغتصبها الأدوميّين (تك 36: 20-21، 27؛ 1 أي 1: 38، 42؛ تث 2: 12). في أيام الخروج كَوَّن بني يَعقان قبيلة احتلت إقليمًا على حدود أدوم بالقرب من جبل هور حيث مات هرون، وقد عسكر بنو إسرائيل عند بعض آبارهم.
يرى العلامة أوريجينوس أن يَعقان تعني "ينابيع" أو "تنقية"، فإذ يطرح إبليس مقيدًا ولا يكون له فينا موضع، يلزمنا أن ننهل بالأكثر من ينابيع الله النقيّة، أي من كلمته أو وصيته التي تنقي أعماقنا الداخليّة.
29. حور الجِدْجاد: أي "كهف الجِدْجاد"، وهي الجدجود (تث 10: 6-7)، ربما تقع على وادي غدغودة أو غداغد التابع لوادي جيرافي أو جيرعفي شمال قنتيلة الجيرافي.
يرى العلامة أوريجينوس أن "جِدْجاد" تعني "انقباض" أو "تجربة". إذ تتخلل الدجلة مواقع كثيرة تمثل أنواعًا من التجارب بدونها لا تتقدم النفس في الفضيلة ولا تتزين بأكاليل المجد. لهذا يقول: [التجارب قوة للنفس وسور واقٍ لها، تختلط بالفضائل جيدًا، بدونها لا تكون الفضائل جميلة أو كاملة. ففي تقدمنا نحو الفضائل كثيرًا ما نجد محطات متنوعة للتجارب.
30. يُطْبات:ربما تكون "الطابة"، تبعد حوالي 22 ميلًا شمال العقبة، والموضع به جداول مياه غزيرة (تث 10: 7). كلمة " يُطْبات" عبريّة تعني "الطيبات"، فإنه كلما دخلنا مدينة تجارب "الجِدْجاد" ننعم بخيرات أكثر وصلاح، وتتحول مرارة التجربة إلى لذة نصرة في المسيح يسوع ربنا.
31. عَبْرونة:وهي واحة تسمى حاليًا عين دفيه تبعد سبعة أميال ونصف شمال عِصْيون جابَر. كلمة "عَبْرونة" تعني "عبور" أو "ممر". فإن النفس التي تتمتع بالخيرات الروحيّة (يُطْبات) يلزمها أن تكون في حالة عبور مستمر، فتجتاز من خير إلى خير أعظم، وترتفع من مجد إلى مجد بواسطة روح الله القدوس. (1 مل 9: 26 - 28، 10: 11 و22، 2 أخ 8: 17)
32. عِصْيون جابَر: مدينة تقع على الطرف الشمالي لخليج العقبة بالقرب من إيلات وربما من غربها (تث 2: 8؛ 1 مل 9: 26، 27؛ 10: 22؛ 22: 48؛ 2 أي 8: 17). يظن أنها تل الخليفة، تبعد 500 ياردة من ساحل البحر على منتصف الطريق بين العقبة والطرف الشرقي من خليج العقبة، ومرشراش على الطرف الغربي، وهي أسفل منحنى يميل على الجانب الشرقي من تلال أدوم. كانت مركزًا هامًا لتجارة الحديد والنحاس (تث 8: 9)، بنى فيها سليمان الحكيم أسطوله البحري مستغلًا موقعها الجغرافي، لكن أدوم استولت عليها فيما بعد، ثم عاد الملك أمصيا فاحتلها منهم وبنى مرفأ إيلات (2 مل 14: 22؛ 2 أي 26: 1-2).
أما من الناحية الرمزيّة فيرى العلامة أوريجينوس أنها تعني "مقاصد الرجال". فإنه بدخولنا عَبْرونة أي قبولنا حياة العبور المستمر ننطلق من مرحلة الطفولة إلى نضوج الرجال، أو الرجولة الروحيّة. فيصير لنا مقاصد الرجال ومشوراتهم التي قيل عنها: "المشورة في قلب الرجل مياه عميقة وذو الفطنة يستقيها" (أم 20: 5). كما يقول الرسول "لَمَّا كُنْتُ طِفْلًا كَطِفْل كُنْتُ أَتَكَلَّمُ.. وَلكِنْ لَمَّا صِرْتُ رَجُلًا أَبْطَلْتُ مَا لِلطِّفْلِ" (1 كو 13: 11).
33. بريّة صين: ملاصقة للحدود الجنوبية لكنعان، وهي حد لأدوم غربًا وليهوذا إلى الجنوب الشرقي (يش 15: 1-3)، وكانت جزءًا من بريّة فاران أو كانت قادش حدًا بينهما. وهي تختلف عن بريّة سين. تعني أيضًا "تجربة". هكذا ننطلق في رحلتنا من تجربة إلى تجربة، هذه التي يدخلها من له مقاصد الرجال فيزداد نضوجًا وبهاءً. إنه يشبه الإناء المكرم الذي يدخل النار فيزداد نقاوة وبهاءً،
إذ يقول العلامة أوريجينوس: [الصائغ الذي يريد أن يصنع إناءً نافعًا يقربه كثيرًا من النار ويشكله بالمطرقة، ويهذبه كثيرًا لكي يجعله أكثر نقاوة، ويهبه الشكل الجميل الذي يقصده الفنان].
34. قادَش: اسم سامي معناه "مقدس". تسمى أيضًا "قادش برنيع". وهي واحة هامة في شمال بريّة سيناء، عند طرف بريّة صين (عد 20: 1) إلى الجهة الغربيّة من وادي العربة قرب التخم الجنوبي لأرض سبط يهوذا أو الحد الجنوبي لبني إسرائيل، على مسيرة 11 يومًا من حوريب في اتجاه جبل سعير وعلى طريقه. وهي ليست بعيدة عن جبل هور وتخم أدوم. لعبت دورًا رئيسيًا في الرحلة بعد جبل سيناء مباشرةً. ففي قادَش حدث الآتي:
أ. تذمر الشعب على موسى بسبب عطشهم فضرب الصخرة بالعصا مرتين (عد 20).
ب. حدث عصيان قورح وجماعته (عد 16).


ج. موت مريم أخت هرون (عد 20: 1).
د. أرسل موسى الجواسيس إلى كنعان، وجاءوا إلى الجماعة يقدمون عنقود العنب محمولًا على خشبة عربونًا للأرض التي تفيض لبنًا وعسلًا (عد 32: 8، تث 1: 19، 20).
ه. أرسل موسى رسلًا إلى أدوم يستأذنه في عبور أرضه إلى بلاد موآب (عد 20: 14-21).
و. قضى الشعب أكبر فترة في الرحلة في هذا الموقع لهذا يرى البعض أن الخيمة كانت منصوبة في قادَش وكانت الجماعة تنتقل حولها وتعود لأجل العبادة والقضاء فيها.
يرى البعض أنها عين قديس على مسافة 50 ميلًا من بئر سبع جنوبًا، والبعض يرى أنها عين قضيرات القريبة منها والأكبر من الأولى.
من الناحية الرمزيّة فإن قادَش وهي تمثل حياة القداسة ليس لها موقع إلاَّ عند بريّة صين أي بريّة التجارب، فخارج الألم لا يدخل الإنسان إلى الحياة المقدسة. في هذه الحياة نرتوي بمياه الصخرة الحيّة التي تفيض لنا بالروح القدس خلال العصا (الصليب)، وفيها يتبدد كل عصيان وعجرفة لقورح وجماعته، ونتقبل الموت (مريم) بلا حزن، ونتمتع بعربون الملكوت (عنقود العنب)، وندخل في حرب مع الشيطان (أدوم)...
35. جبل هور: عند حدود بلاد أدوم، مات عليه هرون وهناك دُفن (عد 20: 24-29، 33: 37-39، تث 32: 50). كان التقليد السائد على الأقل حتى أيام يوسيفوس أن جبل هرون هو جبل هور، وهو يقع على منتصف الطريق بين خليج العقبة والطريق الجنوبي من البحر الميت، وهو صخر رملي يبلغ ارتفاعه 4780 قدمًا، البتراء قريبة من نحو الغرب. إلاَّ أن بعض الدارسين المحدثين يرون أن جبل هور هو جبل نضيرة على بعد 15 ميل شمال شرقي قادَش على الطريق بين قادَش وموآب. ويُعلّلون ذلك أن جبل هرون وسط أدوم وليس على حدودها، الأمر الذي يصعب فيه على الشعب في ذلك الوقت أن يعبروا إليه. هذا وارتفاع جبل هرون لا يعطي الفرصة للجماعة معاينة موته (عد 20: 22-29).
أما كلمة "هور" فتعني "جبل"، وكأن هرون الذي يصعد إلى هذا الجبل ليموت يرتفع ليرقد ويستريح دون أن يهتم باسم الموقع. يكفيه أن يرتفع ولا ينحدر كقورح وجماعته.
من يدخل قادَش أي الحياة المقدسة يشتهي أن يرتفع على جبل هور، ليستريح في حضن الله إلى الأبد.
36. صَلْمونة: لعلها شرقي جبل هرون عند بئر مدكور. كلمة "صَلْمونة" تعني "ظلّ الملك"، فإن من يرتفع على جبل هور خلال حياته المقدسة في الرب لا يسقط في الكبرياء والتشامخ بل يعيش مستترًا في ظل الملك السماوي. لقد تمتعت القدِّيسة مريم بهذا الظل إذ سمعت البُشْرَى "قوة العلي تظللك" (لو 1: 35). هذا ما تشتهيه كل نفس، قائلة: "تحت ظله اشتهيت أن أجلس" (نش 2: 3).
37. فُونُون: يعتقد أنها تقع في الجانب الشرقي من العربة نحو خمسة أميال ونصف شرقي خربة نحاس، وهي منطقة تشتهر بالنحاس والحديد. ويرى العلامة أوريجينوس أن كلمة "فُونُون" تعني "حفظ اللسان". لهذا فإن من يرتفع إلى جبل هور ويجلس تحت ظل الملك نفسه يلزمه أن يحفظ لسانه مقدسًا، يتكلم بالحق ولا ينطق بكلمة بطالة.


38. أوبوت:تعني "قرب الماء"، تقع بالقرب من حدود موآب الجنوبيّة الشرقيّة، ربما عند عين الويبة، لعل قرب المياه تشير إلى شربنا من مياه الروح القدس التي تسندنا دومًا في رحلتنا.
39. عَيي عَباريم: "عَيي" كلمة موآبيّة تعني "خراب"، وهي على حدود أرض موآب الجنوبيّة، وهي نفسها عييم، ربما هي مخاي شرق ذات الرأس بسبعة أميال.
يرى العلامة أوريجينوس أن "عَيي عَباريم" تعني "عمق العبور" أو "هوة العبور". فإننا إذ نقترب إلى نهاية الرحلة ندخل إلى الأعماق في أحضان أبينا إبراهيم الذي يقول للأشرار "بيننا وبينكم هوة عظيمة" (لو 16: 26). في هذا الحضن الأبوي تستريح النفس بعبورها الدائم إلى أعماق الحياة الأخرى العظيمة.
40. ديبون جاد: سبق لنا الحيث عن ديبون في الأصحاح الثاني والثلاثين.
إن كانت "ديبون" عند العلامة أوريجينوس تعني "خلية" فإن النفس الواعية كلما اقتربت من العبور الأبدي تزداد نشاطًا وجديّة فتكون كخليّة النحل التي لجاد (الجاد في حياته).
41. عَلْمون دِبْلاتايم: أي "نعلم أن التين قد ذبل". هذه هي المحطة قبل الأخيرة وهي بين نهر أرنون وجبال عَباريم، ربما كانت هي نفسها بيت دَبْلَتايم (إر 48: 22)، ويرجح أنها دليلات الغربيّة على بعد ميلين ونصف ميل شمال شرقي لبّ.
إننا إذ ندخل هذا الموقع نتحقق أن الألم قد صار كشجرة التين التي ذبلت. ندرك بحق "باطل الأباطيل الكل باطل وقبض الريح" (جا 1). لهذا لا نتستر بعد بأوراق التين كأبينا آدم بل نتقبل ذبيحة السيد المسيح الذي تستر ضعفنا وتنطلق بنا إلى الميراث الأبدي.
42. جبال عَباريم أمام نَبو: سبق الحديث عنها في الأصحاح الثاني والثلاثين. إنها المرحلة الأخيرة حيث نقف مع موسى النبي على جبال العبور، ونرى كنعان أمامنا فنشتهي الانطلاق لننضم مع جماعة القدِّيسين الذين رقدوا في الرب.
هذه هي رحلة النفس من رعمسيس حيث الاضطراب والعبوديّة إلى جبل عَباريم حيث تتضح رؤيا كنعان السماويّة.



ج. الاستعداد للعبور:

50 وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى فِي عَرَبَاتِ مُوآبَ عَلَى أُرْدُنِّ أَرِيحَا قَائِلًا: 51 «كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقُلْ لَهُمْ: إِنَّكُمْ عَابِرُونَ الأُرْدُنَّ إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ، 52 فَتَطْرُدُونَ كُلَّ سُكَّانِ الأَرْضِ مِنْ أَمَامِكُمْ، وَتَمْحُونَ جَمِيعَ تَصَاوِيرِهِمْ، وَتُبِيدُونَ كُلَّ أَصْنَامِهِمِ الْمَسْبُوكَةِ وَتُخْرِبُونَ جَمِيعَ مُرْتَفَعَاتِهِمْ. 53 تَمْلِكُونَ الأَرْضَ وَتَسْكُنُونَ فِيهَا لأَنِّي قَدْ أَعْطَيْتُكُمُ الأَرْضَ لِكَيْ تَمْلِكُوهَا، 54 وَتَقْتَسِمُونَ الأَرْضَ بِالْقُرْعَةِ حَسَبَ عَشَائِرِكُمْ. اَلْكَثِيرُ تُكَثِّرُونَ لَهُ نَصِيبَهُ وَالْقَلِيلُ تُقَلِّلُونَ لَهُ نَصِيبَهُ. حَيْثُ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ فَهُنَاكَ يَكُونُ لَهُ. حَسَبَ أَسْبَاطِ آبَائِكُمْ تَقْتَسِمُونَ. 55 وَإِنْ لَمْ تَطْرُدُوا سُكَّانَ الأَرْضِ مِنْ أَمَامِكُمْ يَكُونُ الَّذِينَ تَسْتَبْقُونَ مِنْهُمْ أَشْوَاكًا فِي أَعْيُنِكُمْ، وَمَنَاخِسَ فِي جَوَانِبِكُمْ، وَيُضَايِقُونَكُمْ عَلَى الأَرْضِ الَّتِي أَنْتُمْ سَاكِنُونَ فِيهَا. 56 فَيَكُونُ أَنِّي أَفْعَلُ بِكُمْ كَمَا هَمَمْتُ أَنْ أَفْعَلَ بِهِمْ».

انتهت الرحلة إلى جوار الأردن، النهر المقدس، الذي فيه حلّ السيد المسيح ليعمد الكنيسة واهبًا إياها روح النبوة، مقدسًا إياها عروسًا له، وهيكلًا لروحه القدوس.
ختم موسى النبي بتشديد الرب في عدم ترك الوثنيّين وسطهم حتى لا تتسلل إليهم العبادة الوثنيّة، وإلاَّ صار هؤلاء كأشواك في أعينهم ومناخس في جوانبهم وسبب مضايقات مستمرة، بل أن الله نفسه يفعل بهم ما أراد أن يفعله بالأشرار.

 
قديم 24 - 06 - 2024, 12:53 PM   رقم المشاركة : ( 164544 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,275,281

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة






الأمر الإلهي بتسجيل الرحلة:

1 هذِهِ رِحْلاَتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ أَرْضِ مِصْرَ بِجُنُودِهِمْ عَنْ يَدِ مُوسَى وَهَارُونَ. 2 وَكَتَبَ مُوسَى مَخَارِجَهُمْ بِرِحْلاَتِهِمْ حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ. وَهذِهِ رِحْلاَتُهُمْ بِمَخَارِجِهِمْ:

"هذه رحلات بني إسرائيل الذين خرجوا من أرض مصر بجنودهم عن يد موسى وهرون. وكتب موسى مخارجها برحلاتهم حسب قول الرب" [1-2].
لقد سبق فسجل موسى هذه الرحلات بشيء من التفصيل في سفري الخروج والعدد، فما الحاجة لهذا الملخَّص المقتضب للرحلة؟
أولًا: إن ما فعله موسى النبي لم يكن من ذاته بل يقول "حسب قول الرب"، أي ما جاء استجابة لأمر إلهي. ولعله كما أمر الله بالإحصاء مرتين، الإحصاء الأول في بدء الرحلة في السنة الثانية في بدء الشهر الثاني، والثاني قبيل دخولهم أرض الموعد، هكذا سمح بتسجيل الرحلات مرتين، المرة الأولى يقدم تفاصيل معاملات الله مع الإنسان، والمرة الثانية أيضًا قبيل دخولهم أرض الموعد من أجل التذكرة. وكما يقول موسى النبي: "وتتذكر كل الطريق التي فيها سار بك الرب إلهك هذه الأربعين سنة في القفر لكي يُذلك ويُجرِّبك ليعرف ما في قلبك أتحفظ وصاياه أم لا" (تث 8: 2).
في التسجيل الأول كان يقدم لنا تفاصيل معاملات الله معنا وتذمرات الإنسان ضده لكي يبعث فينا روح الجهاد والغلبة، فنكون دائمًا في تحرك مستمر بغير توقف مجاهدين من أجل بلوغ أورشليم العُليا، أما التسجيل الثاني فيمثل أنشودة أو تسبيحًا للرب.
ثانيًا: في هذا السجل المقتضب ظهر تحرك الإنسان في بريّة هذا العالم، تارة يتقدم خطوات وأخرى يتراجع، لكنه ما دام تحت قيادة الله نفسه المظلّل عليه كسحابة والمنير له الطريق كعمود نار، فإنه حتمًا يبلغ هدفه ويحقق رسالته. حقًا إن طريق الله هو أكثر الطرق أمانًا حتى وإن كان ليس أقصر الطرق ولا أسهلها.
ثالثًا: من يتطلّع إلى هذا الأصحاح يظن لأول وهلة أنه يحوي أسماء بلاد وسهول وتلال وجبال مع ذكر لآبار ونخيل... أمور قد يظنها البعض لا نفع لنا بمعرفتها.
لكن العلامة أوريجينوس يُعلِّق على ذلك في حديث طويل جدًا نقتطف منه العبارة التالية: [الدرس الذي بين أيدينا يبدو صعب الفهم وبلا فائدة للقراءة. لكننا لا نستطيع القول بأنه يوجد في كتابات الروح القدس شيء بلا نفع وزائد، حتى وإن بدا بالنسبة للبعض غامضًا. إنما يلزمنا بالحري أن نوجه عيون ذكائنا نحو (الرب) الذي أمر بالكتابة، ونطلب منه المعنى].
في اختصار يرى العلامة أوريجينوس أن البعض يتطلَّعون إلى هذا العرض كشيء بلا نفع وزائد، فيكون مثلهم مثل الأسد الذي لا يأكل العشب بل اللحوم فيرى في وجود العشب على الأرض أمرًا لا نفع منه، بينما الماشية وهي تأكل العشب تجد شبعها في العشب بينما تظن في غيره من الأطعمة أنه بلا نفع. هكذا للإنسان طعام، وللحيوانات المفترسة طعام والحيوانات البريّة طعام والطيور طعام، فالأطعمة متنوعة لإشباع الكل. هكذا في الكتاب المقدس نجد أطعمة كثيرة تشبع هذا وذاك، فما يظنه إنسان أنه بلا نفع يجد غيره فيه لذته وشبعه. وقد قدَّم العلامة أمثلة لنفع هذا الأصحاح كعمل رمزي لخلاصنا ولتحريرنا من أرض العبوديّة إلى كنعان السماويّة، إذ يحمل كل اسم مدينة أو جبل أو سهل إلخ... مفهومًا روحيًا في طريق خلاصنا.
وصف موسى النبي الرحلة بقوله: "خرجوا من مصر بجنودهم عن يد موسى وهرون". لقد خرجوا كرجال حرب روحيّين بقيادة موسى وهرون ليسوا هاربين في عجلة إنما تحت قيادة الله نفسه خلال وصيته (موسى) وذبيحته المقدسة (هرون الكاهن)، إذ يقول إشعياء النبي: "لأنكم لا تخرجون بالعجلة ولا تذهبون هاربين، لأن الرب سائر أمامكم وإله إسرائيل يجمع ساقتكم" (إش 52: 12). لقد ظهروا كهاربين لكن خروجهم في أعماقه يحمل خطة إلهيّة تسلّم الرب تنفيذها بنفسه.



 
قديم 24 - 06 - 2024, 12:55 PM   رقم المشاركة : ( 164545 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,275,281

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

العلامة أوريجينوس



[الدرس الذي بين أيدينا يبدو صعب الفهم وبلا فائدة للقراءة.
لكننا لا نستطيع القول بأنه يوجد في كتابات الروح القدس
شيء بلا نفع وزائد، حتى وإن بدا بالنسبة للبعض غامضًا.
إنما يلزمنا بالحري أن نوجه عيون ذكائنا نحو (الرب)
الذي أمر بالكتابة، ونطلب منه المعنى].
 
قديم 24 - 06 - 2024, 01:17 PM   رقم المشاركة : ( 164546 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,275,281

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة










المزمور المئة
شكر لإحسانات الله


مزمور حمد

"اهتفى للرب يا كل الأرض" ع1


مقدمة:

1. كاتبه: هناك رأيان:

أ - لا يذكر الكاتب في عنوان هذا المزمور، فهو من المزامير اليتيمة.

ب - داود النبي كما يذكر في عنوان هذا المزمور في الترجمة السبعينية.

2. هذا المزمور ليتورجى؛ أي يرنمه الشعب مع خورس اللاويين لتسبيح الله وشكره. وكان يرنم أثناء تقديم العبادة في هيكل الله، خاصة عند تقديم ذبائح السلامة ليشكروا الله.

3. غرض هذا المزمور هو إعلان أن الفرح محرك الإنسان لعبادة الله وشكره، كما أن التسبيح يولد الفرح داخل الإنسان.

4. يعتبر هذا المزمور من المزامير المسيانية؛ إذ يدعو الأرض كلها، وليس فقط اليهود لتسبيح الله؛ لأن المسيح قدم خلاصًا للعالم كله.

5. يوجد هذا المزمور في صلاة الأجبية ضمن مزامير الساعة التاسعة التي أتم فيها المسيح الفداء بموته على الصليب؛ لذا فالمؤمنين بالله يشكروه ويسبحوه على الخلاص المقدم لهم.

(1) العبادة بفرح (ع1، 2):



ع1: اِهْتِفِي لِلرَّبِّ يَا كُلَّ الأَرْضِ.


ينادى داود النبي بروح النبوة كل سكان الأرض، ليس فقط أن يؤمنوا بالله، بل يشكروه، ويسبحوه بصوت مرتفع، وهو الهتاف معلنين تبعيتهم له، ومحبتهم، وفرحهم بعلاقتهم بالله.

سبب الهتاف هو نصرة المسيح على الشيطان بالصليب؛ إذ قيده، فهذا المزمور كما قلنا مسيانى يتنبأ عن الفداء الذي تم في ملء الزمان، وبه نالت البشرية الغلبة على الشيطان.



ع2: اعْبُدُوا الرَّبَّ بِفَرَحٍ. ادْخُلُوا إِلَى حَضْرَتِهِ بِتَرَنُّمٍ.

الاقتراب إلى الله وعبادته تملأ قلب الإنسان فرحًا؛ لأن أفضل مكان هو حضرة الله، ولذا تعتبر الكنيسة أيقونة السماء على الأرض. فعبادة الله تعطى فرحًا ولذة للإنسان، وهي عربون أمجاد ملكوت السموات.

إن الدخول إلى حضرة الله هو السجود في هيكله وعبادته، وهو أيضًا عبادة الله في الكنيسة، وكذلك التمتع بحضرته في المخدع. وأمام مجد الله، وجماله يتهلل قلب الإنسان ويترنم؛ لأنه قد تخلص من خطاياه بالتوبة، والقاها خارجًا قبل الدخول إلى حضرة الله. وبتجلى الإحساس بحضرة الله في أسرار الكنيسة، فالله حاضر في سر الاعتراف، وسر التناول اللذين يمارسهما الإنسان كثيرًا في العهد الجديد، ويفرح بحضرة الله.

الفرح الحقيقي هو في عبادة الرب، وليس في أفراح العالم وشهواته الزائلة، والتي تخلف وراءها حزنًا وحرمانًا، أما عبادة الله المفرحة، فتعطى سلامًا دائمًا.

† ليتك تتفهم كلمات الصلاة لتنطق بها بلسانك وقلبك، فيمتعك الله بالفرح أثناء العبادة، ويشعرك بحضرته، فترتفع فوق كل آلامك.


(2) الله الخالق والأمين (ع3-5):



ع3: اعْلَمُوا أَنَّ الرَّبَّ هُوَ اللهُ. هُوَ صَنَعَنَا، وَلَهُ نَحْنُ شَعْبُهُ وَغَنَمُ مَرْعَاهُ.

يتكلم هنا عن الرب يسوع المسيح، ويعلن أنه هو الله، ومن أجل محبته لخلقته احتمل الآلام، وحمل الخطايا عنها؛ ليفديها. ولا يستطيع أحد أن يقدم هذا الحب اللانهائى إلا الله وحده.

إن كان الله هو صانعنا فحياتنا ملكًا له، وإن كان هو راعينا الذي يوفر لنا احتياجاتنا كل يوم، فبالضرورة أن نحيا له، ونخدمه بأمانة ونسبحه كل حين.



ع4: ادْخُلُوا أَبْوَابَهُ بِحَمْدٍ، دِيَارَهُ بِالتَّسْبِيحِ. احْمَدُوهُ، بَارِكُوا اسْمَهُ.

يكرر داود دعوة المؤمنين بالله ليعبدوه، ويسبحوه، ويشكروه، ويدخلوا دياره من خلال أبوابه. وما هي الأبواب؟

الإيمان بالله، والاعتراف باسمه القدوس.

التوبة عن كل الخطايا.

سر المعمودية الذي به ندخل إلى بنوة الكنيسة.

الصلاة التي تدخلنا إلى حضرة الله في السماء، ونتمتع بلقياه.

الكتاب المقدس، فهو باب الكنز العظيم، فنأكل ونشبع من كلمته ونتأمل فيها.

التناول من الأسرار المقدسة التي هى باب الاتحاد بالله، والثبات فيه.

فالديار ليست فقط أروقة الهيكل في العهد القديم، بل هي نبوة عن كنائس العهد الجديد، والتي تكمل في أمجاد الملكوت السماوى.



ع5: لأَنَّ الرَّبَّ صَالِحٌ، إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتُهُ، وَإِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ أَمَانَتُهُ.

يظهر صلاح الله في إحساناته الكثيرة لشعبه، ليس فقط في العهد القديم، بل بالأكثر في العهد الجديد، عندما مات على الصليب لأجل خلاصنا؛ ولذا ينبغى له التسبيح كل حين.

الصفة الثانية التي تذكرها لنا هذه الآية هي رحمته، فهو يحب أولاده عندما يسقطون في الخطية، ويسامحهم عندما يتوبون مهما تكررت خطاياهم، فلا يوجد إله رحيم إلى هذا الحد.

الصفة الثالثة في الله هي أمانته في وعوده لأولاده، ورعايته الكاملة لهم على مدى الأيام أي من دور إلى دور، وهذا يعنى رعايته في العهد القديم والعهد الجديد، ورعايته لأولاده على الأرض وفى السماء. من أجل كل هذا يستحق الحمد والشكر والتسبيح على الدوام؛ لأن صلاح الله ورحمته وأمانته مستمرة، وبالتالي فإن شكره وتسبيحه يدوم إلى الأبد.

† تأمل رحمة الله في حياتك وكيف غفر لك كل ما أسأت به إليه، وإلى أولاده البشر، وإلى نفسك أيضًا لأنك ابنه. واشكره على غفرانه ولتحول الرحمة الإلهية حياتك إلى انطلاق إيجابى في محبته، لتعوض ما فاتك، وتتمتع بأعماق جديدة في محبته.







المزمور المئة والواحد
كيف نسلك بالكمال


لداود. مزمور

"رحمة وحكمًا أغنى لك يا رب .. ع1"


مقدمة:

كاتبه: داود النبي كما يذكر عنوان هذا المزمور.

متى كتب؟ بعد موت عزة الذي مد يده ليسند التابوت أثناء نقله من قرية يعاريم إلى بيت عوبيد أدوم الجتى (2 صم: 6)، وقد بقى التابوت في بيت عوبيد مدة ثلاثة أشهر إلى أن نقله داود إلى أورشليم. وفى هذه الفترة كتب داود هذا المزمور، حيث كان داود في صراع بين خوفه من الله بسبب موت عزة واشتياقه لبركة التابوت في أورشليم.

يبين هذا المزمور أشواق داود لحياة الكمال، ورفضه الشر.

يرمز هذا المزمور لحياة أولاد الله في كنيسة العهد الجديد التي تسعى نحو الكمال.

يتمنى داود في هذا المزمور أن تكون مملكته نقية من كل شر، ويرمز للمسيح الذي يريد أن تكون كنيسته طاهرة وبلا غضن (أف5: 27).

يوجد هذا المزمور بصلاة الأجبية في صلاة الساعة التاسعة، التي فيها أتم المسيح الفداء على الصليب ليؤسس كنيسته الطاهرة.



(1) السلوك بالكمال (ع1-3):



ع1: رَحْمَةً وَحُكْمًا أُغَنِّي. لَكَ يَا رَبُّ أُرَنِّمُ.

إن الرحمة الإلهية تسبق حكم الله ودينونته، فالله يريد أن الجميع يخلصون. من أجل هذا يغنى ويرنم داود أن الرحمة تسبق الحكم، بل إن الله رحيم في حكمه؛ كما أوقف الوباء الذي عاقب به الله داود لإحصائه الشعب (2 صم24: 15، 16). والله أيضًا حكيم في رحمته، فقد سمح أن يمرض الطفل المولود من زنا داود وإمرأة أوريا الحثى؛ ليعلم داود أن نتيجة الزنا مكروهة عند الله، فقد سامح داود ولكن الطفل مات (2 صم12: 13-15).

إن رحمة الله هي في هذه الحياة لتعطينا فرصة للتوبة، أما الحكم فهو في يوم الدينونة الأخير.

إن مراحم الله كثيرة، ومن الطبيعي أن يغنى لها داود، ولكن العجب أن يغنى أيضًا لحكم الله وعدله. فهو يرنم لعدل الله الذي سيتم في ملء الزمان، عندما يوفي المسيح الدين الذي للبشرية على الصليب. ويغنى داود لحكم الله ودينونته التي بها يعاقب الشياطين، ويهلكهم في العذاب الأبدي.

إن كانت رحمة الله تتقدم حكمه، فينبغى أن أولاد الله تتقدم الرحمة في مشاعرهم وأعمالهم مع الآخرين على حكمهم، فيطلبون خلاص نفوس الكل مثل الله.


ع2: أَتَعَقَّلُ فِي طَرِيق كَامِل. مَتَى تَأْتِي إِلَيَّ؟ أَسْلُكُ فِي كَمَالِ قَلْبِي فِي وَسَطِ بَيْتِي.

يعلن داود منهجه في الحياة بوعده لله أن يسلك بالكمال، وبتعقل؛ أي يتفهم كل ما يعمل، ويدقق فيه، ويسلك بحسب وصايا الله. وكان يسلك بالكمال ليس فقط قدام الناس ولكن أيضًا في وسط بيته في معاملة أسرته وعبيده، وفى كل أموره الشخصية. وسلوكه بالكمال نابع من قلبه، وليس تصرفات ظاهرية سطحية.

عندما ذكر داود سعيه للسلوك بالكمال تذكر ضعفه وقصوره، فطلب أن يأتي إليه الله؛ ليسنده في تنفيذ وصاياه. وهو أيضًا يترجى الله معلنًا أشواقه أن يأتي إليه ويباركه، كما وعد موسى قديمًا (خر20: 24). وكذلك طلبه أن يأتي الله هو نبوة عن تجسد المسيح ليفدى البشرية.



ع3: لاَ أَضَعُ قُدَّامَ عَيْنَيَّ أَمْرًا رَدِيئًا. عَمَلَ الزَّيَغَانِ أَبْغَضْتُ. لاَ يَلْصَقُ بِي.

في طريق الكمال يعلن داود أنه لا يضع أمام عينيه كهدف أي أمر رديء؛ لأنه يبغضه، ولا يريد أن يلتصق به. فهو وإن كان كإنسان معرض للسقوط في أية خطية، ولكنه لا يضع الخطية هدفًا لحياته، بل يتباعد عنها ويبغضها؛ لأنه يريد الالتصاق بالله، والسلوك بوصاياه.

† ضع الله هدفًا في بداية يومك لتتمسك بوصاياه، وترضيه في أفكارك، وكلامك، وأعمالك، وابتعد عن الشر؛ حتى لو سار كل من حولك في طريقه، واستمر ملتصقًا بالله، فتتمتع بسلامك دائمًا.


(2) الابتعاد عن الأشرار والالتصاق بالأمناء (ع4-8):



ع4: قَلْبٌ مُعْوَجٌّ يَبْعُدُ عَنِّي. الشِّرِّيرُ لاَ أَعْرِفُهُ.

يواصل داود حديثه عن الكمال، فيؤكد أنه يتباعد عن الملتويين، أي الذين قلوبهم معوجة عن الله، وكل الأشرار. فهو لا يريد أن يختلط بالشر لئلا يسقط فيه، وهذا يبين تدقيقه، ونقاوته. وهو في هذا يرمز للمسيح البار القدوس الذي يتنافر مع الشر.



ع5: الَّذِي يَغْتَابُ صَاحِبَهُ سِرًّا هذَا أَقْطَعُهُ.
مُسْتَكْبِرُ الْعَيْنِ وَمُنْتَفِخُ الْقَلْبِ لاَ أَحْتَمِلُهُ.

يغتاب: يدين غيره في غيابه

يضيف داود على سلوكه النقى أنه يتباعد عن الأشرار الذين يفعلون خطيتين كبيرتين هما:

الإدانة والاغتياب: لأنها ضد محبة الآخر وكذلك تجريحًا له، وإعثار للسامعين، وفقدان سلام الذي يدين، فهي شر من جميع النواحى متعدد الإساءات.

الكبرياء: سواء في القلب، أو في السلوك بالنظر، أو الكلام، أو التصرفات.

فداود النبي كان لا يحتمل هاتين الخطيتين، ويقاطع من يسلك بهما.



ع6: عَيْنَايَ عَلَى أُمَنَاءِ الأَرْضِ لِكَيْ أُجْلِسَهُمْ مَعِي.
السَّالِكُ طَرِيقًا كَامِلًا هُوَ يَخْدِمُنِي.

لكى يبتعد داود الملك عن الظلم في أحكامه، وقرارته قاطع الأشرار، وفى نفس الوقت قرَّب إليه الأمناء مع الله، والسالكين بالكمال. فالحاكم العادل لا يكتفى فقط بمقاطعة الأشرار، بل لابد أن يحيط نفسه بالأمناء والكاملين، كما صادق داود يوناثان، وكما قرب المسيح إلى نفسه الإثنى عشر تلميذًا، والسبعين رسولًا، وكان يحب لعازر وأختيه مريم، ومرثا.



ع7: لاَ يَسْكُنُ وَسَطَ بَيْتِي عَامِلُ غِشٍّ.
الْمُتَكَلِّمُ بِالْكَذِبِ لاَ يَثْبُتُ أَمَامَ عَيْنَيَّ.

يستكمل داود حديثه عن نقاوة الجو المحيط به، فيعلن أن من يعمل بالغش، أو يكذب لا يستقر داخل بيته. فحتى لو حاول الكذاب والغشاش التسلل إلى قصر داود، فهو يطرده ولا يدعه يستقر معه في البيت.

إن حاولت أفكار الغش، أو الكذب الدخول إلى قلب الإنسان الروحي يرفضها، ولا يجعلها تستقر في داخله.



ع8: بَاكِرًا أُبِيدُ جَمِيعَ أَشْرَارِ الأَرْضِ،
لأَقْطَعَ مِنْ مَدِينَةِ الرَّبِّ كُلَّ فَاعِلِي الإِثْمِ.

يختم داود المزمور بكراهيته للشر، فيبيده من مدينته أورشليم، ويسرع إلى هذا بأن يبكر للتخلص من الشر؛ حتى يحفظ نقاوة المدينة، وكل المحيطين به.

المدينة ترمز إلى قلب الإنسان الروحي، وإلى الكنيسة التي ينبغى أن تظل طاهرة، كما فعل بولس الرسول وعزل الخاطئ في كنيسة كورنثوس حتى تاب (1 كو5: 13).

† حاسب نفسك كل يوم لتتخلص من خطاياك بالتوبة، بل وتقطع نفسك، وتبتعد عن مصادر الشر؛ لتحيا في سلام ونقاوة، وتتمتع بعشرة الله.







المزمور المئة والثانى
آلام المسكين ورجاؤه


صلاة لمسكين إذا أعيا وسكب شكواه قدام الله

"يا رب استمع صلاتى وليدخل إليك صراخى ... ع1"


مقدمة:

1. كاتبه: هناك عدة آراء في هذا الأمر:

أ - لا يذكر اسم كاتب المزمور في العنوان، فهو يعتبر من المزامير اليتيمة، إذ قال أن كاتبه مسكين ولم يذكر اسمه.

ب - داود النبي الذي كان مسكينًا بالروح، أي متضعًا أمام الله، واحتمل آلامًا كثيرة فرفع صلاته إلى الله.

جـ- في نهاية السبي كتبه عزرا الكاهن والكاتب، ويعبر عن آلام المسبيين وأشواقهم للرجوع إلى أورشليم.

د - نحميا الذي رجع من السبي إلى أورشليم في الرجوع الثالث، ورأى سور أورشليم منهدم والحجارة متناثرة، فصلى وسانده الله، وبنى السور، واهتم بأورشليم والسكان فيها روحيًا وماديًا.

2. متى كتب؟

هناك رأيان:

أ - عندما كان داود مطرودًا من وجه أبشالوم ابنه.

ب - في نهاية فترة السبي وبدء الرجوع إلى أورشليم.

3. يعبر هذا المزمور عن آلام المساكين المؤمنين بالله، والمتضعين أمامه، ورجائهم في خلاصه.

4. يتكلم بلسان الجماعة في جزء كبير في هذا المزمور، فهو يعبر عن آلام شعب الله وتضرعهم إليه؛ لينقذهم.

5. هذا المزمور من المزامير المسيانية، وهذا المسكين يرمز للمسيح الذي احتمل الآلام من أجلنا، وصلى في بستان جثسيماني لتعبر عنه كأس الآلام.

6. يعتبر هذا المزمور من المزامير الليتورجية، فقد كان يستخدم في العبادة العامة، فيقدم كصلاة أيام لله.

7. يعتبر هذا المزمور من مزامير التوبة السبعة التي هى (مز6، 32، 38، 51، 102، 130، 143).

8. اقتبس بولس الرسول جزء من هذا المزمور وهو (ع25-27) في رسالته إلى العبرانيين (عب 1: 10-12) وهذا يؤكد أن كلمات المزمور تتنبأ عن المسيح.

9. لا يوجد هذا المزمور في الأجبية.


(1) آلام مسكين (ع1-11):





ع1، 2: يَا رَبُّ، اسْتَمِعْ صَلاَتِي، وَلْيَدْخُلْ إِلَيْكَ صُرَاخِي.

لاَ تَحْجُبْ وَجْهَكَ عَنِّي فِي يَوْمِ ضِيقِي.
أَمِلْ إِلَيَّ أُذُنَكَ فِي يَوْمِ أَدْعُوكَ. اسْتَجِبْ لِي سَرِيعًا.

تضرع كاتب المزمور يظهر حاجته لله، ويطلب منه أن يستمع صلاته، بل يدخل إلى حضرة الله صراخه الذي يعبر عن مدى احتياجه. فهو لا يصرخ بصوت عالٍ، بل بالأحرى قلبه يصرخ؛ لأنه متألم جدًا. ولشدة احتياجه يترجى الله أن لا يحجب عنه وجهه، أو ينساه. بل يتمنى أن يميل الله أذنه ويسمعه، فهو يثق في محبة الله واتضاعه. فإن كان صوت المسكين منخفض بسبب شدة الآلام، ولكن رجاءه أن يتنازل الله، ويميل أذنه، ويستمع إليه. ولأجل احتياجه الكبير يتمنى سرعة استجابة الله.

إن هاتين الآيتين نبوة عن المسيح المصلوب، الذي انحجب وجه الآب عنه، فصرخ "إلهى إلهي لماذا تركتنى" (مت27: 46) كتعبير عن صعوبة احتمال كل خطايا العالم؛ إذ لابد أن يشرب كأس الآلام حتى النهاية، ويموت ليتمم فداءنا.



ع3-5: 3- لأَنَّ أَيَّامِي قَدْ فَنِيَتْ فِي دُخَانٍ، وَعِظَامِي مِثْ
وَقِيدٍ قَدْ يَبِسَتْ. مَلْفُوحٌ كَالْعُشْبِ وَيَابِسٌ قَلْبِي، حَتَّى سَهَوْتُ
عَنْ أَكْلِ خُبْزِي. مِنْ صَوْتِ تَنَهُّدِي لَصِقَ عَظْمِي بِلَحْمِي.

وقيد:
الأغصان اليابسة التي يوقد بها النار.

ملفوح: هبت عليه ريح حارة، فجعلته يابسًا.

سهوتُ: نسيتُ.

يصف كاتب المزمور تأثير الآلام عليه حتى جعلت حياته كالدخان الذي يتطاير سريعًا، وينتهى، أي أن حياته تكاد تفنى من شدة الألم، وكذلك عظامه قد صارت كأعواد الحطب تستخدم لإيقاد النار. والعظام هي الجزء القوى في الإنسان الذي يساند الجسد؛ هذه أصبحت ضعيفة جدًا وبدأت تحترق، وتحولت العظام التي تساند الإنسان إلى سبب اشتعال النار في داخله، أي سبب آلامه العنيفة. ثم يشبه حياته بنبات هبت عليه ريح ساخنة فجعلته يابسًا. والنبات الملفوح يفقد حيويته ويصبح حطبًا لإيقاد النار، ما لم تسعفه المياه الإلهية لترويه وتعيد إليه حيويته. هكذا أيضًا ييبس قلب المسكين من شدة الآلام. وفى النهاية لم يعد له قدرة ولا اشتياق لأكل الطعام، بل نسيه وبالتالي أصبح معرضًا للموت جوعًا؛ بالإضافة إلى تنهده وأنينه المتواصل بسبب شدة الآلام، جعل لحمه يلتصق بعظامه إذ صار كل الجسد يابسًا، ومعرضًا للهلاك.



ع6، 7: 6- أَشْبَهْتُ قُوقَ الْبَرِّيَّةِ. صِرْتُ مِثْلَ بُومَةِ الْخِرَبِ.

سَهِدْتُ وَصِرْتُ كَعُصْفُورٍ مُنْفَرِدٍ عَلَى السَّطْحِ.

قوق البرية: نوع من الطيور بعضها يعيش في البرية، ويصدر أصواتًا يشبه صراخ المتألم الحزين. وتتغذى على الحيوانات السامة مثل الثعابين.

بومة الخرب: نوع من الطيور يصدر أصواتًا حزينة، ويعيش في المقابر والأماكن الخربة، ويعتبره العرب نذير شؤم.

سهدت: سهرت.

يشبه كاتب المزمور حالته المؤلمة بالطيور التي تصدر أصواتًا حزينة، مثل القوق والبوم. ولشدة آلامه ابتعد عن الأحباء، وصار يعانى من العزلة؛ لذا يشبه نفسه بعصفور منفرد على سطح منزل ليس معه أحد، ولا يشعر به أحد، خاصة وأن هذا العصفور يقصد به عصفور "الدورى" الذي يقف وحده على أسطح المنازل في الجو البارد.

هاتان الآيتان ترمزان للمسيح الذي جاز المعصرة وحده واحتمل كل الآلام عنا على الصليب، مثل القوق والبوم التي هي من الطيور النجسة الحزينة؛ لأنه حمل نجاساتنا وأحزاننا، وكان وحده في الآلام وتركه الجميع، فكان مثل العصفور المنفرد.



ع8: الْيَوْمَ كُلَّهُ عَيَّرَنِي أَعْدَائِيَ. الْحَنِقُونَ عَلَيَّ حَلَفُوا عَلَيَّ.

الحنقون:
المغتاظون بشدة.

حلفوا علىَّ: تحالفوا علىَّ؛ أي اتفقوا على الإساءة إلىَّ وأقسموا على ذلك.

احتمل أيضًا هذا المسكين تعييرات من الأعداء، واتفق عليه كثيرون من الذين اغتاظوا منه لبره. وهكذا استمروا طوال اليوم؛ أي باستمرار كانوا يضايقونه بكلمات صعبة، ويؤكدون أنهم سيسيئون إليه.

هذه الآية تنطبق على المسيح الذي احتمل تعييرات كثيرة من اليهود، واغتاظوا منه، وأساءوا إليه بالجلد والصلب.



ع9: إِنِّي قَدْ أَكَلْتُ الرَّمَادَ مِثْلَ الْخُبْزِ، وَمَزَجْتُ شَرَابِي بِدُمُوعٍ،

يعبر كاتب المزمور عن مدى آلامه وتذلله أمام الله؛ إذ وضع الرماد على رأسه كعادة القدماء، وعندما أكل الطعام سقط الرماد من على رأسه وامتزج بطعامه؛ أي كان في تقشف وذل كثير. وعندما كان يشرب الماء، أو أى مشروب آخر وهو في أحزانه الشديدة كانت تسيل دموعه، وتسقط في شرابه، ويشرب شرابه ممتزجًا بدموعه. كل هذا يبين مدى آلامه.



ع10: بِسَبَبِ غَضَبِكَ وَسَخَطِكَ، لأَنَّكَ حَمَلْتَنِي وَطَرَحْتَنِي.

كل الآلام التي مرت بكاتب المزمور، شعر أنها بسماح من الله. فالله غضب عليه غضبًا شديدًا، فحمله وطرحه، فعانى من آلام؛ نتيجة إلقائه على الأرض. وهذا يبين مدى إيمانه وقبوله الآلام من يد الله، فشعر أنها تأديب له؛ ليتوب ويزهد العالم. والله رفع داود إلى عرش الملك، ولكن سمح له أن يقوم عليه ابنه الذي طرده، وحاول قتله، ولكن لما صلى داود أعاده الله إلى عرشه.



ع11: أَيَّامِي كَظِلّ مَائِل، وَأَنَا مِثْلُ الْعُشْبِ يَبِسْتُ.

يشعر كاتب المزمور بضعفه، ويشبه حياته بظل مائل على الأرض. هذا الظل كلما اقترب وقت الغروب يزداد طولًا؛ أي يكبر الإنسان في السن، ولكن بعد اختفاء الشمس يزول تمامًا، أي تنتهي الحياة، فهو يرى أن حياته ستنتهي. وأيضًا يعبر عن آلامه بأنه قد قارب الفناء، فيشبه نفسه بعشب قد اقتلع من جذوره التي في الأرض، وبدأ يجف، وبالتالي قد اقترب من فقدان حيويته؛ أي يصير حطبًا؛ هكذا حياة كاتب المزمور.

هذه الآية تنطبق على المسيح الذي كانت حياته قصيرة على الأرض، وانتهت بصلبه، واحتمل كل الآلام حبًا فينا.

† إن كنت تعانى من آلام، فكن أمينًا مع الله، متمسكًا بوصاياه، وثق أن آلامك غالية جدًا عند الله، وسيكافئك عنها في الملكوت.


(2) الله يخلص المساكين (ع12-22):



ع12: أَمَّا أَنْتَ يَا رَبُّ فَإِلَى الدَّهْرِ جَالِسٌ، وَذِكْرُكَ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ.


إن كان كاتب المزمور كإنسان ضعيف، وعمره قصير، ولكن الله عظيم، وممجد، وجالس على عرشه، ويذكره السمائيون، وأولاده على الأرض من جيل إلى جيل يمجدون اسمه. فإن كان الإنسان متألم وضعيف على الأرض، ولكنه سيسعد برؤية الله، ويمجده في السموات. وهذا يبين إيمان كاتب المزمور بالحياة الأبدية، وأمجادها، وهذا يساعده على احتمال آلام الأرض المؤقتة.

إن كانت حياة المسيح على الأرض امتلأت آلامًا ومات ميتة شنيعة بالصلب، ولكنه ممجد في السموات إلى دهر الدهور.



ع13: أَنْتَ تَقُومُ وَتَرْحَمُ صِهْيَوْنَ، لأَنَّهُ وَقْتُ الرَّأْفَةِ، لأَنَّهُ جَاءَ الْمِيعَادُ.

صهيون:
أهم التلال الخمسة التي تقوم عليها مدينة أورشليم، وترمز للمدينة المقدسة.

يظهر كاتب المزمور رجاءه في الله القوى الجالس إلى الأبد على عرشه، فيتحنن في الميعاد عندما تكمل الأزمنة ويعيد شعبه من السبي. فهو يقوم لنجدة شعبه بعد احتمالهم التأديب، ليحررهم من عبوديتهم، ويعيدهم إلى بلادهم، ليبنوا الهيكل، ويعبدوه فيه؛ محققًا بذلك كلام النبوات (اش40: 2؛ إر29: 10؛ حب2: 3).

تشير هذه الآية إلى فداء المسيح في ملء الزمان، وقيامته؛ ليقيم أولاده فيه، ويخلصهم من خطاياهم.

تشير أيضًا هذه الآية إلى القيامة الأخيرة بعد يوم الدينونة، حين يتراءف على أولاده المؤمنين، ويعوضهم عن كل أتعابهم على الأرض.



ع14: لأَنَّ عَبِيدَكَ قَدْ سُرُّوا بِحِجَارَتِهَا، وَحَنُّوا إِلَى تُرَابِهَا.

عبيد الله هم اليهود المؤمنون بالله، المتمسكون بعبادته، قد ذهبوا إلى السبي، ولكنهم ما زالوا يشتاقون إلى حجارة الهيكل المنهدم في أورشليم؛ ليبنوه من جديد. وحنوا أيضًا إلى تراب أورشليم ليعيدوها إلى بهائها الأول، فهم بهذا يستدرون مراحم الله، وعطفه؛ ليساعدهم على بناء الهيكل وأورشليم من جديد.

في هذه الآية "عبيد الله" يرمزون للرسل الذين سروا بحجارة الكنيسة، أي المؤمنين، وحنوا إلى ترابها، أي إلى البعيدين الذين يسلكون بسلوك ترابى أرضى ليبشروهم، ويجذبوهم إلى الكنيسة.



ع15: فَتَخْشَى الأُمَمُ اسْمَ الرَّبِّ، وَكُلُّ مُلُوكِ الأَرْضِ مَجْدَكَ.

عندما ترى الأمم عناية الله بشعبه في إعادتهم من السبي ومساعدتهم على بناء الهيكل وأورشليم، يؤمنون بقوة الله إله إسرائيل، ويخافونه هم وملوكهم، بل يقبلون على الإيمان، وهذا ما حدث في المسيحية عندما آمنت الأمم، وصارت كنائس قوية على يد الرسل، وخاصة بولس الرسول.



ع16: إِذَا بَنَى الرَّبُّ صِهْيَوْنَ يُرَى بِمَجْدِهِ.

آمن كاتب المزمور بأن صهيون ستبنى، فيظهر مجد الله الذي شيدها بواسطة أولاده المؤمنين به، فيجذب هذا العمل العظيم الأمم للإيمان.

عمل الله في بناء أولاده المؤمنين يمجد الله، فيؤمن الكثيرون من البعيدين. هذا ما يحدث في الكنيسة كل يوم.



ع17: الْتَفَتَ إِلَى صَلاَةِ الْمُضْطَرِّ، وَلَمْ يَرْذُلْ دُعَاءَهُمْ.

يتكلم هنا كاتب المزمور بصيغة الماضى عن الله أنه التفت إلى صلاة المضطر، وهو المؤمن بالله الذي في ضيقة، وليس أمامه إلا الالتجاء لله، واهتم بطلبته، ولم يهملها، وساعد أولاده المسبيين، وأعادهم إلى أورشليم، وبنوا الهيكل والمدينة. فهذا يبين مدى إيمان كاتب المزمور باستجابة الله التي ستحدث.



ع18: يُكْتَبُ هذَا لِلدَّوْرِ الآخِرِ، وشَعْبٌ سَوْفَ يُخْلَقُ يُسَبِّحُ الرَّبَّ:

يعلن كاتب المزمور بروح النبوة حقيقة عظيمة، أنه ليس فقط سيعود شعب الله من السبي ويبنى ثانية الهيكل في أورشليم، ولكن سيخلق شعب يسبح الرب في الأجيال التالية، أي الدور الآخر، ويقصد في ملء الزمان عندما يفدى المسيح البشرية، ويؤسس كنيسته بروحه القدوس، فتسبحه تسبيحًا جديدًا، حول ذبيحة جديدة؛ هي ذبيحة نفسه (جسده ودمه).



ع19، 20: لأَنَّهُ أَشْرَفَ مِنْ عُلْوِ قُدْسِهِ. الرَّبُّ مِنَ السَّمَاءِ
إِلَى الأَرْضِ نَظَرَ، لِيَسْمَعَ أَنِينَ الأَسِيرِ، لِيُطْلِقَ بَنِي الْمَوْتِ،

الله الحنون انشغل منذ الأزل بأولاده الذين سقطوا في الخطية، ولكنهم مؤمنون به، وينتظرون خلاصه، وفى ملء الزمان أشرف، ونظر من السماء، أي اهتم بأولاده، وأظهر محبته نحوهم بتجسده وفدائه، إذ سمع أنينهم وتوجعهم من تحكم إبليس فيهم، وحكم الموت الذي صدر عليهم، بل ضيقهم من الجحيم الذي دخلوا إليه، فمد يده وخلصهم، وأصعدهم إلى الفردوس، بعد أن تمم فداءهم على الصليب.



ع21، 22: لِكَيْ يُحَدَّثَ فِي صِهْيَوْنَ بِاسْمِ الرَّبِّ، وَبِتَسْبِيحِهِ
فِي أُورُشَلِيمَ، عِنْدَ اجْتِمَاعِ الشُّعُوبِ مَعًا وَالْمَمَالِكِ لِعِبَادَةِ الرَّبِّ.

بعد أن آمن الكثيرون في العالم كله بالمسيح الفادى، قدموا لله التسابيح في أورشليم، أو صهيون الجديدة، أي الكنيسة. وأعلن اسم الرب يسوع المسيح، وقُدمت له التسابيح، إذا اجتمعت حوله الشعوب التي آمنت به.

† الله مستعد مهما أخطأت أن يغفر خطاياك، ويعيد بناء حياتك الروحية، فترجع، وتقدم له الشكر والتسبيح، وتتمتع ليس فقط بعشرتك الأولى معه، بل تختبر أعماقًا جديدة في محبته.


(3) المسكين يمجد الله (ع23-28):



ع23، 24: ضَعَّفَ فِي الطَّرِيقِ قُوَّتِي، قَصَّرَ أَيَّامِي.

أَقُولُ: «يَا إِلهِي، لاَ تَقْبِضْنِي فِي نِصْفِ أَيَّامِي. إِلَى دَهْرِ الدُّهُورِ سِنُوكَ.

ضعف:
أضعف، أى جعلها ضعيفة.

يعبر كاتب المزمور عن الآلام التي يعانيها كإنسان، فتجعله ضعيفًا، ويشعر أن جسده لا يقوى أن يكمل أيامه على الأرض؛ لذا يطلب من الله أن يطيل أيامه، ولا يجعل الآلام تقصرها؛ إذ هو مشتاق أن يرى خلاص الله الذي سيتم في ملء الزمان، والذي وعد به الله على فم الأنبياء، أي تجسد المسيح وفدائه. ويقول لله أنك دائم إلى الأبد فأطل عمرى وأعطنى أن أحيا أمامك؛ حتى أرى وأتمتع بهذا الخلاص. فواضح أن خلاص المسيح كان يشتاق إليه كل المؤمنين في العهد القديم، كما عبر بولس الرسول في رسالته إلى العبرانيين عن ذلك بقوله أنهم "من بعيد نظروها وصدقوها وحيوها" (عب11: 13) أي كانوا مشتاقين إليها.



ع25-28: مِنْ قِدَمٍ أَسَّسْتَ الأَرْضَ، وَالسَّمَاوَاتُ هِيَ عَمَلُ يَدَيْكَ.
هِيَ تَبِيدُ وَأَنْتَ تَبْقَى، وَكُلُّهَا كَثَوْبٍ تَبْلَى، كَرِدَاءٍ تُغَيِّرُهُنَّ فَتَتَغَيَّرُ
وَأَنْتَ هُوَ وَسِنُوكَ لَنْ تَنْتَهِيَ. أَبْنَاءُ عَبِيدِكَ يَسْكُنُونَ، وَذُرِّيَّتُهُمْ تُثَبَّتُ أَمَامَكَ.

يعلن كاتب المزمور في هذه الآيات أن الله هو الأزلي الذي خلق السماء والارض وكل ما فيها. وأن كل الماديات التي في العالم ستفنى، وأما البشر فيغيرهم الله إلى أجسام روحية تخلد مع أرواحهم إلى الأبد. وإن كانت المخلوقات المادية تفنى، ولكن الله خالقها يدوم إلى الأبد، ويدوم معه أولاده وعبيده المؤمنون به، وكل نسلهم الذي عاش حياة روحية مثلهم مع الله. كل هؤلاء يخلدون، ويتمتعون بملكوت السموات من الله.

وهكذا نرى بداية المزمور يتحدث الكاتب عن الآلام التي يعاينها البشر حتى المؤمنين بالله، ولكن يختم المزمور بسعادة عظيمة ينالها أولاد الله عوض كل أتعابهم على الأرض؛ لأنهم آمنوا بالله وأحبوه.

† ليت عينيك ترتفع إلى السماء كل يوم ولو دقائق؛ لتتذكر أن هدفك الوحيد من هذه الحياة هو الوصول إلى السماء؛ حتى تحيا باستقامة قلب ونقاوة في هذا اليوم، فتبتعد عما يعثرك، وإن سقطت تعود سريعًا بالتوبة إلى الله؛ لتظل رافعًا عينيك نحو السماء.







المزمور المئة والثالث
دعوة الكل لتسبيح الرب


"باركى يا نفسي الرب وكل ما في باطنى ليبارك اسمه القدوس ...ع1"


مقدمة:

كاتبه: داود النبي كما يذكر عنوان المزمور.

متى كتب؟ في نهاية حياة داود، أي في شيخوخته، فيسبح الله، ويباركه من كل قلبه على أعماله معه، ومع شعبه.

يرى البعض أن هذا المزمور نبوة عن تسبيح ومباركة شعب الله الراجع من السبي.

يظهر هذا المزمور مشاعر داود وشعبه نحو الله أما المزمور التالي (مز104) فهو يشبه هذا المزمور في تسبيح الله، وأن كليهما ينتهيان بعبارة "باركى يا نفسي الرب"، ولكن المزمور الأخير يعبر عن تسبيح الخليقة كلها لله.

هذا المزمور نبوة عن بركات المسيا المنتظر، فلذا يعتبر من المزامير المسيانية.

هذا المزمور ليتورجى كان اليهود يرددونه في الهيكل، ومازالوا حتى الآن يتعبدون به.

يناسب هذا المزمور كل إنسان يحب الله، ويود أن يشكره، فيعبر عن مشاعر محبة قوية لله.

لا يوجد هذا المزمور في صلاة الأجبية.


(1) لماذا نبارك الله؟ (ع1-5):





ع1: بَارِكِي يَا نَفْسِي الرَّبَّ، وَكُلُّ مَا فِي بَاطِنِي لِيُبَارِكِ اسْمَهُ الْقُدُّوسَ.

يدعو داود روحه لتسبح الله، فهو يشجع نفسه لتقوم بحماس، وتقف أمام الله، وتباركه، وتمجده على أعماله العظيمة، حتى لو كان داود قد مر بآلام، ولكن ينساها في غمرة فرحه بتسبيح الله.

يؤكد داود للمرة الثانية تسبيح الله، فينادى باطنه، ويقصد فكره ومشاعره؛ ليمجدا، ويباركا الله، أي بكل كيانه يسبح الله، فيتمتع بعشرته.

يظهر معنى هذه الآية في كلام المسيح عندما لخص الوصايا "تحب الرب إلهك من كل قلبك.." (مت22: 37).



ع2: بَارِكِي يَا نَفْسِي الرَّبَّ، وَلاَ تَنْسَيْ كُلَّ حَسَنَاتِهِ.

يدعو داود نفسه لتشكر الله على بركاته ورعايته وكل أعماله معه. وهذا يؤكد أهمية الشكر الذي يفرح قلب الله.

المؤمن بالله يشكره على إحساناته التي تكون في عطاياه، أو الضيقات التي تمر بالإنسان، فهي لتأديبه وإصلاحه؛ حتى تقربه إلى الله، وتنتشله من الشر، فلذا يشكر الله أيضًا عليها. هذه هي مشاعر داود، وكل من آمن واتكل على الله.



ع3: الَّذِي يَغْفِرُ جَمِيعَ ذُنُوبِكِ. الَّذِي يَشْفِي كُلَّ أَمْرَاضِكِ.

أول شيء يستحق الشكر من الإنسان هو غفران الله لخطاياه، وبالتالي يهبه الحياة الجديدة. هذا ما يكمل في المسيح المخلص في سر الاعتراف، ولعل داود رآه بعين النبوة.

العطية الثانية التي يشكر الله عليها هي شفاؤه من أمراضه، والمقصود الأمراض الروحية التي نتجت عن الخطية، بالإضافة للأمراض النفسية والجسدية. فالله قادر على شفاء كل الأمراض، ويستحق الشكر والتمجيد، فهو يعيد الإنسان إلى صحته الأولى؛ ليبدأ من جديد حياة نشيطة مع الله.



ع4: الَّذِي يَفْدِي مِنَ الْحُفْرَةِ حَيَاتَكِ. الَّذِي يُكَلِّلُكِ بِالرَّحْمَةِ وَالرَّأْفَةِ.

يشكر داود الله الذي أنقذه من يد شاول وأبشالوم، وفدى حياته، أي أنقذه من الموت، وألبسه إكليل عظيم برحمته، ورأفته عندما توجه ملكًا على شعبه، بل أعطاه نصرة على أعدائه. وأكثر من هذا أعطاه عشرة روحية، وتمتع بحضرة الله.

هذه الآية نبوة عن المسيح الفادى، الذي بموته على الصليب فدانا من "الحفرة" أي الهاوية والجحيم التي نسقط فيها بسبب خطايانا. وكللنا بمراحمه ورأفاته بإكليل النصرة على الخطية والشيطان. وهذا عربون لإكليل المجد الأبدي في الملكوت.

المسيح يفدى أولاده من مؤامرات الأشرار في كل جيل، ويحفظهم بالإيمان، بل يهبهم أكاليل الإستشهاد، والبتولية، والرهبنة، والخدمة، والكهنوت؛ كل هذا بمراحمه ورأفاته كهبة حب مجانية لهم.



ع5: الَّذِي يُشْبعُ بِالْخَيْرِ عُمْرَكِ، فَيَتَجَدَّدُ مِثْلَ النَّسْرِ شَبَابُكِ.

يشكر أيضًا داود الله في النهاية على الخيرات الكثيرة التي أعطاها له. ويقصد بالخيرات كل العطايا المادية، وبالأحرى الروحية، فيشكره على حفظه له، وعلى إشباعه بالماديات، وعلى الملك، ويشكره، بالأكثر على معرفته له، واختياره في حياته، وتمتعه بعشرته، وهذا ما ينبغى أن يفعله كل إنسان روحي.

النسر عندما يصل إلى سن الثلاثين تضعف مخالبه، ومنقاره ويلتصق ريش جناحيه بجسده ويكون معرضًا للموت، إذ لا يستطيع أن يقتنص فريسته ويعجز عن الطيران. وهنا يلزمه أن يجدد قوته ليواصل الحياة، فيطير إلى أعلى الجبل ويمكث هناك مدة مئة وخمسين يومًا؛ أي خمسة شهور يكسر فيها مخالبه مرة، ثم الثانية بضربها في الصخر، وكذلك منقاره، فتنبت من جديد ولكن بقوة، وينتف ريشه القديم، فينبت غيره ريشًا قويًا غير ملتصقًا بجسده، ويتحمل كل هذه الآلام ليواصل حياته ثلاثين سنة أخرى، أو أكثر؛ إذ يمكن أن يصل عمره إلى سبعين عامًا.

يتمنى داود لنفسه عندما تقابل فتورًا روحيًا وضعفًا أن تتجدد حيويتها وقوتها الروحية بالجهاد الروحي والألم. فتنطلق من جديد في حياة قوية مع الله، كما يفعل النسر. فتستطيع نفسه أن تحلق في سماء الفضائل، وترتفع عن الشهوات الأرضية. وهكذا يتمنى، ويسعى كل إنسان روحي.

كما يحتمل النسر آلامًا كثيرة ليجدد شبابه، هكذا يلزم للإنسان الروحي أن يحتمل التجارب، وكذلك آلام الجهاد الروحي. وأيضًا الخادم يحتمل آلام الخدمة؛ ليتجدد الشباب الروحي، ويرتفع الإنسان في علاقته مع الله.

هكذا نرى أن داود يتمنى لنفسه، ولكل مجاهد روحيًا ستة أمور هي:

أ - غفران خطاياه.

ب - شفاء أمراضه الروحية والجسدية.

جـ- نوال الفداء من الخطية والعذاب الأبدي.

د - الحصول على إكليل الحياة مع الله وملكوت السموات.

هـ- الشبع بالخيرات الروحية، بالإضافة للجسدية.

و - تجديد مستمر للحياة الروحية.

† شكر الله يثبت عطاياه لك، بل تفيض عليك بركات أكثر وأعماق فتحيا ممتلئًا بنعمة الله، متمتعًا بعشرته، وتختبر الملكوت على الأرض؛ حتى تصل إليه في السماء.


(2) رحمة الله لأولاده (ع6-18):



ع6: اَلرَّبُّ مُجْرِي الْعَدْلِ وَالْقَضَاءِ لِجَمِيعِ الْمَظْلُومِينَ.

مجرى:
أي يُجرى، ومعناها ينفذ ويجعل العدل والقضاء ساريًا.

الله يراقب كل المظلومين ويشعر بهم، ولابد أن يعطيهم حقهم، ولكن أحيانًا يؤجل رفع الظلم عنهم؛ ليعطى فرصة للظالم أن يتوب، وللمظلوم أن يثبت في إيمانه، ولا يتعلق بالعالم. ولكن حتمًا إن لم يأخذ المظلوم حقه في الأرض، فلابد أنه سيناله في السماء. وهذا أفضل جدًا أن يتمتع تمتعًا عظيمًا في الملكوت، عكس ما ينتظر الظالم، وهو العذاب الأبدي.

إن كان المظلوم قد خسر ماديات، فإن التجأ لله يعوضه ببركات روحية ونفسية، وعلى العكس فإن الظالم يفقدها.

المسيح إلهنا وفَّى العدل الإلهي على الصليب عنا، فرفع عنا خطايانا، وأعطانا الحرية والحياة الأبدية.



ع7: عَرَّفَ مُوسَى طُرُقَهُ، وَبَنِي إِسْرَائِيلَ أَفْعَالَهُ.

إن طرق الرب التي عرفها لموسى هي وصاياه، وأفعاله لبني إسرائيل هي قوته التي ظهرت في إخراجهم من أرض مصر بالضربات العشر، وعبور البحر الأحمر. وكذلك عالهم وحفظهم في البرية، وأدخلهم إلى أرض كنعان وتملكوها. فهنا يظهر عدله وقضاءه، بل ورحمته أيضًا. فإن كانوا قد احتملوا ظلمًا في مصر، فالله أنقذهم من العبودية، وعاقب الظالمين، ومتعهم بعشرته بسكناه في وسطهم، بل أعطاهم أيضًا الأرض التي تفيض لبنًا وعسلًا. وكان قد أعلن لهم بوضوح أن يحيوا بطرقه ويلاحظوا أفعاله عندما كلم موسى على الجبل (خر34: 6، 7).

عرف موسى وبني إسرائيل -من خلال أعماله معهم- طرقه، أي خطته للخلاص بتجسده وفدائه للبشرية. فكما حررهم بالضربات العشر، احتمل هو الصليب عنهم وفداهم. وكما عبر موسى والشعب البحر الأحمر، هكذا بالمعمودية ينال المؤمنون في العهد الجديد الخلاص. وهكذا أيضًا الصخرة التي تعطى الماء ترمز للمسيح، والانتصار على عماليق يرمز للإنتصار على الشيطان.



ع8-10: 8- الرَّبُّ رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ، طَوِيلُ الرُّوحِ وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ.
لاَ يُحَاكِمُ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَحْقِدُ إِلَى الدَّهْرِ.
لَمْ يَصْنَعْ مَعَنَا حَسَبَ خَطَايَانَا، وَلَمْ يُجَازِنَا حَسَبَ آثامِنَا.

إن كان الله عادلًا فينصف المظلومين، وإذا أخطأوا، فهو عادل أيضًا حتى يجازيهم، لكنه يطيل أناته جدًا؛ ليعطيهم فرصة للتوبة. وهو أيضًا كثير الرحمة إذا تابوا، فيقبلهم، ويسامحهم، بل يعوضهم عن كل ما خسروه؛ كما فعل مع أيوب، فبعد ما تاب عن البر الذاتي عوضه بضعف ما كان عنده (أى42: 10). وكما سامح ابراهيم عن كذبه وضعفه أمام فرعون، والحال آناته عليه، وحفظ سارة من يد فرعون (تك20: 3-7). وكما أطال أناته على شعبه في عصر القضاة، وعندما أذلهم الأعداء أرسل لهم قضاة، مثل جدعون وشمشون، وخلصهم من العبودية.

الله لا يواصل عقابه للمخطئين، فيظهر كأنه حاقدًا عليهم، فالمقصود بالحقد غضبه عليهم. ولكنه يؤدب أولاده؛ حتى يتوبوا، فيرحمهم، ويسامحهم.



ع11-13: 11- لأَنَّهُ مِثْلُ ارْتِفَاعِ السَّمَاوَاتِ

فَوْقَ الأَرْضِ قَوِيَتْ رَحْمَتُهُ عَلَى خَائِفِيهِ.
كَبُعْدِ الْمَشْرِقِ مِنَ الْمَغْرِبِ أَبْعَدَ عَنَّا مَعَاصِيَنَا.
كَمَا يَتَرَأَفُ الأَبُ عَلَى الْبَنِينَ يَتَرَأَفُ الرَّبُّ عَلَى خَائِفِيهِ.

أولاد الله الذين يخافونه، فيبتعدون عن الخطية، وإذا أخطأوا يسرعون إلى التوبة. والذين يسعون نحوه دائمًا ليحيوا بوصاياه، ويتزينوا بالفضائل، يخصهم الله فيعطيهم رحمة عظيمة، وقوية جدًا، بل لا يمكن إدراك حجمها، إذ هي غير محدودة. فيشبهها بارتفاعها مثل ارتفاع السماء عن الأرض، وأيضًا مثل ابتعاد المشرق عن المغرب. إنه يبعد خطايانا عنا، ولذا فنحن نجحد الشيطان وخطاياه في المعمودية نحو الغرب، أما الإعتراف بالمسيح فيكون نحو الشرق لنحيا له.

السموات تظهر فيها رحمة الله، فهي تغطى الأرض من كل جانب، وتفيض فيها مراحمه؛ أي النور من الشمس والقمر والنجوم، والهواء الذي نستنشقه، والأمطار التي تروينا، وتسقى الزروع.

يعلل كاتب المزمور رحمة الله العظيمة بأنها تأتى علينا من الله؛ لأنه أبونا، فهو يشفق علينا، وحتى إن أخطأنا يطيل أناته لنتوب. ولا يمكن أن نفهم حكمة أبينا المحب، الرؤوف، الذي يبدو في تأديبه قاسيًا، مع أنه رحيم يريد أن ينزع عنا خطايانا، ويرجعنا إليه. ويؤجل أحيانًا بركاته، ثم يفيض بمراحم تفوق عقلنا. إن حكمته مرتفعة عنا جدًا مثل السماء التي لا يمكن أن نفهم إلا القليل عنها، وعن حركة الكواكب، والنجوم فيها، والرياح، والضباب، فهي صعبة جدًا عن فهمنا، فحقًا "ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء" (رو11: 33).

إن الابن الذي يحب ويخاف أباه، يثق في أبوته، فيستسلم بين يديه، خاضعًا لمشيئته لأجل إيمانه بأن أباه يدبر له الخير؛ حتى لو لم يفهم الأمور التي تمر بحياته، أو الضيقات التي تحل به، لكنه في كل حين مطمئن في أحضان أبيه.



ع14-16: 14- لأَنَّهُ يَعْرِفُ جِبْلَتَنَا. يَذْكُرُ أَنَّنَا تُرَابٌ نَحْنُ.
الإِنْسَانُ مِثْلُ الْعُشْبِ أَيَّامُهُ. كَزَهَرِ الْحَقْلِ كَذلِكَ يُزْهِرُ.
لأَنَّ رِيحًا تَعْبُرُ عَلَيْهِ فَلاَ يَكُونُ، وَلاَ يَعْرِفُهُ مَوْضِعُهُ بَعْدُ.

يستدر كاتب المزمور مراحم الله، فيعلن له أن الإنسان ضعيف، بل لا شيء أمام عظمة الله، ومعرض للخطأ كثيرًا، ويشبهه بالتراب، وكذلك بالعشب الذي ينمو ويزهر، ثم تأتى عليه الريح القوية، فتنزعه، وتنثره في كل مكان. ويقصد بالريح التجارب والموت. وحيث أن الإنسان ضعيف إلى هذه الدرجة، فهو محتاج لرحمة الله العظيمة لتسنده، وتسامحه وتقبله.

إذا كان الإنسان ضعيفًا إلى هذه الدرجة، فينبغى عليه أن يتضع أمام الله، ويتكل عليه، بل يمسك به بإيمان في كل خطواته؛ إذ هو محتاج دائمًا لمساندة الله. ومن ناحية أخرى يشفق على من حوله من البشر، عندما يخطئون، ولا يدينهم، فيستحق مراحم الله.



ع17، 18: 17- أَمَّا رَحْمَةُ الرَّبِّ فَإِلَى الدَّهْرِ
وَالأَبَدِ عَلَى خَائِفِيهِ، وَعَدْلُهُ عَلَى بَنِي الْبَنِينَ،
لِحَافِظِي عَهْدِهِ وَذَاكِرِي وَصَايَاهُ لِيَعْمَلُوهَا.

إن رحمة الله ثابتة طوال الحياة، وإلى الأبد وسخية، وقوية، ولكنها لا تعطى إلا لمن يتمتعون بما يلي:

أ - مخافة الله التي تبعدهم عن الشر.

ب - المتمسكين بعهد الله ليحيوا له.

جـ- من يذكرون وصايا الله دائمًا ليطبقوها في حياتهم.

كذلك عدل الله ينصف أولاده المظلومين، ويكافئهم عن كل تعبهم بسلام وفرح داخلي، وبركات كثيرة في الحياة، ثم أمجاد الأبدية. كل هذا يعطى ليس فقط للبنين بل لابنائهم أيضًا الذين يحيون مثلهم كأولاد لله. وكذلك بنى البنين تعنى أعمال الإنسان، وجهاده الروحي، ومن أجل هذه الأعمال يبارك الله البنين، ويحفظهم بعدله، ويكمل عدل الله في السعادة التي يهبها لأولاده في الأبدية كمكافأة لهم على أعمالهم الصالحة.

† إن كانت رحمة الله يا أخى وطول أناته عظيمة إلى هذه الدرجة، فهذا يدفعك للتوبة والسعى نحو كل عمل صالح. ولا تنزعج من حروب الشياطين وتقلبات العالم، ومخاوفه، فرحمة الله وعدله تسندك، فتسير بخطى ثابتة نحو الملكوت، متمتعًا برعاية أبيك الحنون.


(3) مَنْ يبارك الرب (ع19-22):



ع19: اَلرَّبُّ فِي السَّمَاوَاتِ ثَبَّتَ كُرْسِيَّهُ، وَمَمْلَكَتُهُ عَلَى الْكُلِّ تَسُودُ.

إن عرش الله ومكانه في السماء ثابت لما يلي:

أ - السماء تسمو عن الأرض بكل شهواتها، ومادياتها، فهي ترمز للروحانية.

ب - السماء ثابتة، وليست مثل الأرض المتقلبة، فالبشر متقلبون في طباعهم، وتصرفاتهم.

جـ- السماء غامضة ترمز لوجود الله؛ لأنه غير محدود، ولا يمكن للعقل أن يدرك كل ما فيه.

إن الله هو ملك الملوك، ومملكته تسود على كل البشر، فهو ضابط الكل، وخالق كل الخلائق، ومدبرها. ولذا فبالطبع ينبغى أن يخضع له البشر، ويطيعوا وصاياه.



ع20، 21: 20- بَارِكُوا الرَّبَّ يَا مَلاَئِكَتَهُ الْمُقْتَدِرِينَ قُوَّةً،
الْفَاعِلِينَ أَمْرَهُ عِنْدَ سَمَاعِ صَوْتِ كَلاَمِهِ.
- بَارِكُوا الرَّبَّ يَا جَمِيعَ جُنُودِهِ، خُدَّامَهُ الْعَامِلِينَ مَرْضَاتَهُ.

الله العظيم الساكن السموات تمجده الملائكة وهؤلاء يتميزون بما يلي:

أ - ينتسبون لله ومخصصون له (ملائكته).

ب - لهم قوة عظيمة تعطيهم قدرة على عمل خدمات كثيرة لله أعلى بكثير من قوة البشر.

جـ- المطيعون لأوامر الله، وخاضعون له.

أيضًا يبارك الله جنوده وهم المؤمنين بالله على الأرض، فيشتركون مع الملائكة في تسبيح الله، وخدمته، ويسعون لإرضائه بحفظ وصاياه، والبعد عن كل شر.



ع22: بَارِكُوا الرَّبَّ يَا جَمِيعَ أَعْمَالِهِ،
فِي كُلِّ مَوَاضِعِ سُلْطَانِهِ. بَارِكِي يَا نَفْسِيَ الرَّبَّ

في الختام يطالب جميع أعمال الرب أن تباركه، وتسبحه من أجل عظمته. وأعمال الله تشمل ليس فقط الملائكة والبشر، بل أيضًا جميع الخلائق الحية والجامدة. فكلها بسيرها في النظام الذي خلقه الله لها تسبحه. وقائد الخليقة الذي هو الإنسان يقودها في التسبيح بطاعته لله، وصلواته.

ينهى المزمور بأن ينادى نفسه أن تبارك الله وتسبحه، كما بدأ المزمور؛ أي أن حياة الإنسان من بدايتها إلى نهايتها ينبغى أن يملأها التسبيح والشكر لله، كما أن الأبدية كلها تسبيح.

† إن أهم أعمالك على الأرض هو الصلاة وتسبيح الله الذي عندما تجيده تستحق أن تنضم إلى المسبحين السماويين، وتتمتع برؤية الله.
 
قديم 24 - 06 - 2024, 01:43 PM   رقم المشاركة : ( 164547 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,275,281

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

افتتاح الكاتدرائية المرقسية
الجديدة بدير الأنبا رويس


وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
قديم 24 - 06 - 2024, 01:49 PM   رقم المشاركة : ( 164548 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,275,281

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

سيفتقدكم يسوع برحمته ويشفي جروحكم



وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
قديم 24 - 06 - 2024, 01:53 PM   رقم المشاركة : ( 164549 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,275,281

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

أعطيه عمرا طويلا
وأريه خلاصي
(مز 91: 16)


وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
قديم 24 - 06 - 2024, 02:14 PM   رقم المشاركة : ( 164550 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,275,281

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


أبنى الغالى .. بنتي الغالية
أعد البار الذي يطيع وصايا أن أنجيه من أية ضيقة
وأرفعه فوق التجربة؛ لأنه تعلق بي وعرف أني قريب
وأدرك أني الوحيد القادر أن يشبع كل احتياجاته
 
موضوع مغلق

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:36 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024