منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 20 - 06 - 2024, 06:15 PM   رقم المشاركة : ( 164231 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,270,589

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




عِنْدَ كَثْرَةِ هُمُومِي فِي دَاخِلِي، تَعْزِيَاتُكَ تُلَذِّذُ نَفْسِي.

يستكمل البار كلامه فيعلن أنه إذا زادت الهموم والضيقات الآتية عليه وكثرت جدًا فإن الله لا يتركه وحده، بل يعزى قلبه بتعزيات لذيذة لا تعطيه فقط سلامًا، بل تلذذ وتنعم بعشرة الله حتى تنسيه آلامه، بل إن هذه التعزيات تفوق كل تعزيات الأرض والبشر. وعلى قدر ما يلتجئ المؤمن لله في ضيقته بصلوات متضعة وإلحاح، على قدر ما ينال تعزيات عظيمة جدًا، وعلى قدر إيمانه ينال بركات تفوق العقل، كما حدث مع الثلاثة فتية في أتون النار عندما رأوا الله، وكما تمتع يوحنا بالرؤيا وهو منفى في جزيرة بطمس، وكذلك اسطفانوس الذي رأى المسيح في مجده وهو يرجم.
 
قديم 20 - 06 - 2024, 06:32 PM   رقم المشاركة : ( 164232 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,270,589

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



هَلْ يُعَاهِدُكَ كُرْسِيُّ الْمَفَاسِدِ، الْمُخْتَلِقُ إِثْمًا عَلَى فَرِيضَةٍ؟
يَزْدَحِمُونَ عَلَى نَفْسِ الصِّدِّيقِ، وَيَحْكُمُونَ عَلَى دَمٍ زَكِيٍّ.




يسأل الكاتب سؤالًا استنكاريًا فيقول لله: هل من المعقول أن يتفق معك، ويصنع معك معاهدة الأشرار المتسلطون في العالم؟ ويجلسون على كرسى الحكم والرئاسة والقدرة، ولكن أفعالهم كلها فاسدة وشريرة، ومن كثرة مفاسدهم يجعلون الشر فريضة وقانون ويحكمون بهذا القانون على البار، كما فعلوا مع المسيح وصلبوه، وكما حكموا على الرسل بالجلد، والقتل. والإجابة بالطبع لا يتفق هؤلاء الأشرار مع الله، فهم في كبريائهم يشعرون بسلطانهم في العالم، وينسون الله، فيسيرون سريعًا في طريق الهلاك الأبدي، بل في كبريائهم هذا، حتى لو تذكروا الله، يتحدونه ويقفون ندًا له ويرفضون التوبة عن مفاسدهم وظلمهم للأبرار، فبتحديهم لله يرفضون معاهدة الله؛ أو الخضوع له بل يعاندونه.
 
قديم 20 - 06 - 2024, 06:34 PM   رقم المشاركة : ( 164233 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,270,589

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة





فَكَانَ الرَّبُّ لِي صَرْحًا، وَإِلهِي صَخْرَةَ مَلْجَإِي
وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ إِثْمَهُمْ، وَبِشَرِّهِمْ يُفْنِيهِمْ. يُفْنِيهِمُ الرَّبُّ إِلهُنَا.

صرحًا:
بناءً عظيمًا مرتفعًا.

يختم كاتب المزمور كلامه بأن الله هو حصنه وملجأه العظيم الذي يحتمى فيه من الأشرار ومن كل الضيقات التي تمر به. ويقرر أيضًا أن الله سيعاقب الأشرار ويبيدهم بإلقائهم في العذاب الأبدي. ويأتى بنتائج شرهم على رؤوسهم؛ أي يعاقبون على كل شر عملوه.

المسيح إلهنا بتجسده وفدائه هو ملجأنا وصخرتنا القوية التي تنقذنا من كل شر ومن كل ضيقة، فترفعنا فوق الآلام، فنشعر بسلام وراحة داخل الضيقة، ثم ترفعنا إلى أمجاد السماء.

بدأ المزمور بأن الله هو إله النقمات في (ع1) وينتهى بأنه يفنى الأشرار في (ع23) فهو إله عادل. وفى نفس الوقت بعدله يكافئ أولاده الأبرار بتعزيات لذيذة (ع19)، ثم أمجاد في السماء (ع15).
 
قديم 20 - 06 - 2024, 06:35 PM   رقم المشاركة : ( 164234 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,270,589

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




† ليطمئن قلبك عندما ترى الظلم ينتشر حولك،
أو تأتى عليك إساءات دون أن تخطئ في شئ،
فالله عادل يعوضك عن كل أتعابك إن صبرت في رضا وشكر
وثبات في علاقتك معه، ويسندك، ثم يمتعك بعشرته إلى الأبد.

 
قديم 21 - 06 - 2024, 10:22 AM   رقم المشاركة : ( 164235 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,270,589

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


احزر هذا الأحمر


في إحدى الليالي شعر بالبرد، فأشعل النار فى كومة من الحطب، ووقف ينظر إليها؛ ثم ألقى بنفسه فيه. أسرع بعض المارة وتمكنوا من إنقاذه، بعد أن أصيب بإصابات بالغة، وحروق شديدة. وفي التحقيق قال الشاب:

بينما كنت أستدفئ، حملقت في ألسنة اللهب عندما ارتفعت، وأُعجِبت بمنظرها، وشعرت بقوة لا شعورية تدفعني أن ألقي بنفسي فيه.

وربما تتعجب عزيزي القارئ لهذه الحادثة الحقيقية، والتي نُشرت فى إحدى الجرائد اليومية، فتقول: هذا جنون؟ لكن، أليس هذا ما يُقدم على فعله الكثير من البشر منا، عندما تلمع في أعينهم ألسنة نار الخطية، في ثوبها الأحمر والصاخب، فتتوهج الشهوة، وإذا بقوة لا شعورية تدفعنا إليها، فنلقي بأنفسنا بين أحضانها، فلا نحصد منها سوى المرار والرماد؟!

لماذا خاب عيسو من نعمة الله؟ ولماذا كان مستبيحًا وزانيًا؟؟

أليس لأنه باع بكوريته عندما شدَّه منظر الطبيخ المتوهج وقال ليعقوب أخيه: «أطعمني من هذا الأحمر»ولم يكن الأحمر هذا سوى طبيخ عدس!! (تكوين 25: 29: 34؛ عبرانيين12: 15-17).

بل ولماذا قطع هيرودس رأس يوحنا المعمدان «أعظم المولودين من النساء»؟

أليس لأنه أُعجب بمنظر ابنة هيروديا ورقصها، في ليلة صاخبة حمراء، وأقسم أن يعطيها مهما طلبت حتى نصف المملكة (مرقس21: 6-29).

إن الخطية كالخمر في تأثيرها، لذلك جاء التحذير «لا تنظر إلى الخمر إذا احمرّت، حين تظهر حبابها في الكأس، وساغت مرقرقة. في الآخر تلسع كالحية وتلدغ كالأفعوان» (أمثال31: 23-32 )

فالخطية تبدأ بالفكر (النار)، ثم تحرك العواطف والمشاعر(الوقود)، ثم تجر الإرادة (الحريقة). لذلك يقول الحكيم: «لا يمل قلبك إلى طرقها، ولا تشرد في مسالكه. لأنها طرحت كثيرين جرحى، وكل قتلاها أقوياء. طرق الهاوية بيتها، هابطة إلى خدور الموت» (أمثال 25: 7-27).
 
قديم 21 - 06 - 2024, 10:37 AM   رقم المشاركة : ( 164236 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,270,589

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

Rose رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




قانون الميراث وإقامة يشوع




1. بنات صلفحاد:

1 فَتَقَدَّمَتْ بَنَاتُ صَلُفْحَادَ بْنِ حَافَرَ بْنِ جِلْعَادَ بْنِ مَاكِيرَ بْنِ مَنَسَّى، مِنْ عَشَائِرِ مَنَسَّى بْنِ يُوسُفَ. وَهذِهِ أَسْمَاءُ بَنَاتِهِ: مَحْلَةُ وَنُوعَةُ وَحُجْلَةُ وَمِلْكَةُ وَتِرْصَةُ. 2 وَوَقَفْنَ أَمَامَ مُوسَى وَأَلِعَازَارَ الْكَاهِنِ وَأَمَامَ الرُّؤَسَاءِ وَكُلِّ الْجَمَاعَةِ لَدَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ قَائِلاَتٍ: 3 «أَبُونَا مَاتَ فِي الْبَرِّيَّةِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْقَوْمِ الَّذِينَ اجْتَمَعُوا عَلَى الرَّبِّ فِي جَمَاعَةِ قُورَحَ، بَلْ بِخَطِيَّتِهِ مَاتَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَنُونَ. 4 لِمَاذَا يُحْذَفُ اسْمُ أَبِينَا مِنْ بَيْنِ عَشِيرَتِهِ لأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ابْنٌ؟ أَعْطِنَا مُلْكًا بَيْنَ إِخْوةِ أَبِينَا». 5 فَقَدَّمَ مُوسَى دَعْوَاهُنَّ أَمَامَ الرَّبِّ.

أثناء التعداد السابق ظهرت قضية واحدة وفريدة وهي أن بني جلعاد صاروا عشائر يضمون ذكورًا دخلوا في الإحصاء ما عدا صلفحاد، إذ قيل "وأما صلفحاد بن حافر فلم يكن له بنون بل بنات، وأسماء بنات صلفحاد مَحَلَّة ونوعة وحجلة وملكة وترصة" (عد 26: 33)، بهذا لم يدخل صلفحاد في التعداد. لكن بناته الخمسة كُنَّ شجاعات مملوءات إيمانًا ورجاءً في نوال نصيب مع بقية الشعب، فوقفن أمام موسى وألِعازار الكاهن وأمام الرؤساء ولكل الجماعة لدى باب خيمة الاجتماع يعرضن قضيتهن بقوة حجة، قائلات: "أبونا مات في البريّة ولم يكن في القوم الذين اجتمعوا على الرب في جماعة قورح بل بخطيته مات، ولم يكن له بنون، لماذا يُحذف اسم أبينا من بين عشيرته لأنه ليس له ابن؟ أعطنا ملكًا بين إخوة أبينا" [3-4] لقد تحدثن بشجاعة لكن في وقار وباتضاع، واعترفن أن أباهن مات بخطيته كما مات كل الجيل السابق بخطيته لكنه ليس من مغتصبي الكهنوت كقورح وجماعته، فلماذا يُحذف اسمه من بين وارثي الأرض الجديدة؟


إنها كلمات إيمانيّة وتمسك بوعود الله يفتح السماء للاستجابة، فألزم الله الجماعة كلها بقانون للميراث فيه يرث الابن أباه، فإن لم يكن للمتوفي ابنًا فابنته، وإن لم يكن له ابنة فإخوته، أو أعمامه، أو أقرب من له في عشيرته.
هذه القصة الفريدة التي سجلها الوحي الإلهي تحمل أيضًا مفهومًا رمزيًا سجله لنا العلامة أوريجينوس، فيرى أن "صلفحاد" يعني "ظلّ في فمه"، أو ظلّ فيه حماية من الخوف. إنه يمثل الإنسان الذي ينطق نعمة الناموس كظلّ للحق دون أن يتعرَّف عليه في أعماقه كحياة، الإنسان الحرفي الذي لا ينجب أولادًا. "هذا الرجل الذي لا يدرك أي معنى روحي أو أي فكر عميق، ليس له إلاَّ ظل الشريعة في فمه، فلا يقدر أن ينجب أفكارًا حيّة وروحيّة، لكنه ينجب أفعالًا وأعمالًا (بنات) هذه التي تخدم عامة الشعب". إنه لا يحمل أفكارًا لأن الأولاد الذكور يشيرون إلى الفكر أو العقل، إنما أعمالًا لأن البنات يُشِرن إلى الجسد والعمل.
يمكننا أيضًا أن نرى فيها صورة رمزيّة حيّة لحياة المؤمن، فإن كان "صلفحاد" يعني "ظلّ في فم" أو "ظلّ في خوف" فهو يشير إلى الجسد بكونه كالظلّ يظهر في العالم ليختفي، إذ يموت الجسد مع السيد المسيح كما مات صلفحاد فإنه يحمل بنات مباركات هن الحواس الخمسة التي تتقدس خلال التمتع بالموت مع المسيح. هؤلاء البنات يعترفن أن أباهن قد مات في السيد المسيح ولم يهلك مع قورح وجماعته. مثل هذه الحواس المقدسة والمصلوبة مع السيد المسيح تنتصب مراحم الله وحكمه المملوء حبًا وترفقًا لينعم الجسد مع النفس بالميراث الأبدي ولا يحذف اسمه من بين عشيرة السمائيّين!

2. قانون الميراث:

6 فَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلًا: 7 «بِحَقّ تَكَلَّمَتْ بَنَاتُ صَلُفْحَادَ، فَتُعْطِيهِنَّ مُلْكَ نَصِيبٍ بَيْنَ إِخْوَةِ أَبِيهنَّ، وَتَنْقُلُ نَصِيبَ أَبِيهِنَّ إِلَيْهِنَّ. 8 وَتُكَلِّمُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَائِلًا: أَيُّمَا رَجُل مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ ابْنٌ، تَنْقُلُونَ مُلْكَهُ إِلَى ابْنَتِهِ. 9 وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ ابْنَةٌ، تُعْطُوا مُلْكَهُ لإِخْوَتِهِ. 10 وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِخْوَةٌ، تُعْطُوا مُلْكَهُ لإخوَةِ أَبِيهِ. 11 وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لأَبِيهِ إِخْوَةٌ، تُعْطُوا مُلْكَهُ لِنَسِيبِهِ الأَقْرَبِ إِلَيْهِ مِنْ عَشِيرَتِهِ فَيَرِثُهُ». فَصَارَتْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ فَرِيضَةَ قَضَاءٍ، كَمَا أَمَرَ الرَّبُّ مُوسَى.

بسبب قضية بنات صلفحاد جاء قانون الميراث يعلن الورثة الشرعيّين كما قلنا الابن، فالبنت، فالإخوة، فالأعمام أو أقرب من في العشيرة.
ويرى العلامة أوريجينوسفي هذا القانون ظلًا للخيرات السماويّة، إذ يرى هؤلاء الورثة الخمسة على الأرض فيرمزون للورثة في السماء. ففي الدرجة الأولى درجة الأبناء هؤلاء الذين لهم معرفة روحيّة، أما الدرجة الثانية "الابنة" فتشير لأصحاب العمل الممتاز، لأننا كما سبق فكرَّرنا أن الذكر يشير إلى الفكر أو العقل أو المعرفة، أما الأنثى فتشير إلى الجسد أو العمل والخدمة. الأولون يمثلون أصحاب التأمل والآخرون يمثلون المجاهدين في الخدمة والعمل. الدرجة الثالثة، أي درجة الإخوة، فيمثلون الذين يجاهدون متمثلين بالآخرين كإخوة لهم. الدرجة الرابعة أي العم ففي رأيه يمثل جماعة البسطاء الذين يمارسون العادات الطيبة دون عمق فكري. وأخيرًا درجة أي قريب تشير إلى الورثة الذين يضمهم الرب لأجل أي عمل يصنعونه في بساطة، إذ يشتاق الرب إلى خلاص الكل.
3. إقامة يشوع قائدًا:

12 وَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «اصْعَدْ إِلَى جَبَلِ عَبَارِيمَ هذَا وَانْظُرِ الأَرْضَ الَّتِي أَعْطَيْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ. 13 وَمَتَى نَظَرْتَهَا، تُضَمُّ إِلَى قَوْمِكَ أَنْتَ أَيْضًا كَمَا ضُمَّ هَارُونُ أَخُوكَ. 14 لأَنَّكُمَا فِي بَرِّيَّةِ صِينَ، عِنْدَ مُخَاصَمَةِ الْجَمَاعَةِ، عَصَيْتُمَا قَوْلِي أَنْ تُقَدِّسَانِي بِالْمَاءِ أَمَامَ أَعْيُنِهِمْ». ذلِكَ مَاءُ مَرِيبَةِ قَادَشَ فِي بَرِّيَّةِ صِينَ. 15 فَكَلَّمَ مُوسَى الرَّبِّ قَائِلًا: 16 «لِيُوَكِّلِ الرَّبُّ إِلهُ أَرْوَاحِ جَمِيعِ الْبَشَرِ رَجُلًا عَلَى الْجَمَاعَةِ، 17 يَخْرُجُ أَمَامَهُمْ وَيَدْخُلُ أَمَامَهُمْ وَيُخْرِجُهُمْ وَيُدْخِلُهُمْ، لِكَيْلاَ تَكُونَ جَمَاعَةُ الرَّبِّ كَالْغَنَمِ الَّتِي لاَ رَاعِيَ لَهَا». 18 فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «خُذْ يَشُوعَ بْنَ نُونَ، رَجُلًا فِيهِ رُوحٌ، وَضَعْ يَدَكَ عَلَيْهِ، 19 وَأَوْقِفْهُ قُدَّامَ أَلِعَازَارَ الْكَاهِنِ وَقُدَّامَ كُلِّ الْجَمَاعَةِ، وَأَوْصِهِ أَمَامَ أَعْيُنِهِمْ. 20 وَاجْعَلْ مِنْ هَيْبَتِكَ عَلَيْهِ لِكَيْ يَسْمَعَ لَهُ كُلُّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، 21 فَيَقِفَ أَمَامَ أَلِعَازَارَ الْكَاهِنِ فَيَسْأَلُ لَهُ بِقَضَاءِ الأُورِيمِ أَمَامَ الرَّبِّ. حَسَبَ قَوْلِهِ يَخْرُجُونَ، وَحَسَبَ قَوْلِهِ يَدْخُلُونَ، هُوَ وَكُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَعَهُ، كُلُّ الْجَمَاعَةِ». 22 فَفَعَلَ مُوسَى كَمَا أَمَرَهُ الرَّبُّ. أَخَذَ يَشُوعَ وَأَوْقَفَهُ قُدَّامَ أَلِعَازَارَ الْكَاهِنِ وَقُدَّامَ كُلِّ الْجَمَاعَةِ، 23 وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِ وَأَوْصَاهُ كَمَا تَكَلَّمَ الرَّبُّ عَنْ يَدِ مُوسَى.

شخصيّة موسى النبي تزداد بهاءًا ومجدًا مع كل يوم يعيشه في الخدمة حتى اللحظات الأخيرة التي فيها أسلم روحه في يدي الله. بين أيدينا دعوة من الله موجهة لهذا النبي العظيم ليصعد على جبال عباريم يلقي نظرة على أرض الموعد من بعيد ويُضَم إلى آبائه... وهنا تلألأت نفس هذا الجبار بتصرفه الحكيم المملوء روحانيّة والبعيد كل البعد عن روح الأنانية أو العجرفة...


كانت كلمات الرب لموسى: "اصعد إلى جبل عباريم، وانظر الأرض التي أعطيت بني إسرائيل، ومتى نظرتها تُضَم إلى قومك أنت أيضًا كما ضُم هرون أخوك" [12، 13].
كانت دعوته أن يصعد إلى جبل عباريم، كما سبق فصعد هرون أخوه إلى جبل هور وهناك تنيَّح بسلام وفرح بعد أن خلع ثياب الكهنوت ليرتديها ابنه ألِعازار [عد 20]، هكذا يرتفع موسى النبي على جبل عباريم أي جبل العبور وهناك يرى مواعيد الله تتحقق فيرقد بسلام وفرح. وكما قلنا عن هرون أنه لم ينزل إلى الهاوية كقورح وجماعته بل صعد إلى جبل هور، هكذا صعد أيضًا موسى. فالموت بالنسبة له ارتفاع صعود وليس نزول وخسارة!
وللعلامة أوريجينوس تعليق جميل: [انظر أولًا كيف أن الرجل الكامل والسيد لا يموت في وادي أو في سهل لا على تل بل على الجبل، أي على مكان مرتفع يصعب الوصول إليه. لأن نهاية حياته كانت لها المرتفعات كمسوح. هذا وهناك ينظر بعينيه أرض الموعد، يتمعن في كل شيء من مكان مرتفع بعيد. حقًا ينبغي للرجل الذي يريد أن يبلغ منتهى الكمال ألاَّ يظل جاهلًا (الأرض) بل يتعرف على كل الأشياء، يراها ويسمعها. عندما يدخل إلى عالم الروح ونقاوة الفكر يعود إلى الأمور التي تعرف عليها وهي في شكلها المادي أثناء وجوده في الجسد فيستمع إلى دروس الحكمة ويمكث في مدرستها ويدرك أسبابها ودواعيها بسرعة. أي منفعة أخرى له مثل أن يرى قبل رحيله من هذا العالم الأراضي والأماكن التي ليس له أن يتغلب على صعابها (إذ هو يستريح من التعب) دون أن يحصل على مزاياها (لأنه يتركها)!]. حقًا ما قد جاهد من أجله عشرات السنوات لينعم به هو وشعبه الآن يراه من بعيد لتستريح نفسه فيه!
إنه يرى أرض الموعد من بعيد ويُضَم إلى قومه كهرون، فهو لا يراها لتبكيته وإنما لتفرح نفسه في داخله من أجل دخول شعبه إليها لهذا يُضَم إلى قومه أي إلى صفوف آباء هذه الجماعة، فيستريح مع الآباء دون أن ينفصل عن الجماعة.
لقد ذكَّر الرب موسى بحرمانه هو وأخيه من دخول الأرض بسبب ما حدث عند ماء مريبة (أصحاح 20) لا لتبكيته وإنما ليزداد موسى تزكية أمام الله، فإنه لا يشفع عن نفسه ولا عن أخيه في هذا الأمر بل يهتم بالجماعة فيصرخ من أجل اختيار القائد المناسب الذي يراه "إله أرواح جميع البشر" مناسبًا! يا لهُ من حب عجيب حينما ينسى القائد الروحي -حتى النسمات الأخيرة- كل ما يخصه شخصيًا لأجل بناء الجماعة وسلامها ونموها!
ولعل الله سمح بتأكيد ضعف موسى حتى اللحظات الأخيرة ليعلن عجز الناموس عن التقديس، إذ يقول الرسول "قد ملك الموت من آدم إلى موسى" (رو 5: 14)، "دخلت الخطيّة إلى العالم، وبالخطيّة الموت، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع" (رو 5: 12)... صارت الحاجة إلى آخر غير موسى قادر لا أن يرى الأرض من بعيد بل يدخل بشعبه إليها. لقد أعلن الناموس عن السمويات لكن من بعيد خلال الظلّ أما يشوع الحقيقي، فقد أجلسنا في السمويات.


اهتم موسى بالصلاة طالبًا من الله أن يختار بنفسه الرجل الذي يقود الجماعة... لم يفكر في ابنيه ولا في أقربائه ليحلّ أحدهم مركزه لكنه اهتم أولًا وقبل كل شيء في الجماعة التي يحبها من كل قلبه.
يقول العلامة أوريجينوس: [يجب على رؤساء الكنيسة بدلًا من أن يوصوا بأقربائهم حسب الدم والجسد... أن يتعلموا الرجوع إلى أحكام الله، وبدلًا من أن يختاروا حسب عواطفهم البشريّة أن يتركوا تعيين من يخلفهم لقرار الله. ألم يكن يستطيع موسى أن يختار رئيسًا للشعب بحكمة حقيقيّة وبقرار صالح وعادل، هذا الذي قال الله له "اجمع إليَّ سبعين رجلًا من شيوخ إسرائيل الذين تعلم أنهم شيوخ الشعب" (عد 11: 16)، وقد اختارهم حسب روح الله الذي حلَّ عليهم فتنبأوا جميعًا؟ لكن موسى لم يفعل هذا ولا عيَّن أحدًا. إنه لم يجسر على فعل هذا، لماذا؟ حتى لا يترك للأجيال القادمة مثالًا فيه يعتمد الإنسان على رأيه. إنه يقول: "ليوكل الرب إله أرواح جميع البشر رجلًا على الجماعة، يخرج أمامهم ويدخل أمامهم ويخرجهم ويدخلهم لكي لا تكون جماعة الرب كالغنم التي لا راعي لها" [16، 17]. إن كان رجل عظيم كموسى لا يترك لحكمه الخاص في أمر تعيين رئيس على الشعب، وتنصيب خلف له، فمن الذي يجسر من وسط هذا الشعب... أو حتى بين صفوف الكهنة أن يعتبر نفسه قادرًا على إعطاء رأيه في هذا الأمر، اللهم إلاَّ في حالة إلهام يحصل عليها خلال الصلوات الكثيرة والتضرعات المقدمة لله؟].
أجاب الله طلبته بتوصيته أن يضع يده على تلميذه يشوع بن نون. حقًا ما أعظم فرحة موسى بهذا الأمر الإلهي، فقد اختار الرب الرجل الذي كان الذراع الأيمن لموسى زمانًا طويلًا، هذا الذي كان لا يفارق الخيمة (خر 33: 11). يتشرب الروح الكنسيّة العميقة والداخليّة. الإنسان الذي دخل أرض الموعد وجاء يقدم لإخوته عربون الحياة الجديدة مع تأكيدات بدخول الأرض والتمتع بخيراتها... وإنني أترك الحديث عن هذا القائد الجديد عند تفسير يشوع إن سمح الرب وعشنا، مكتفيًا هنا بالكشف عن مراسيم إقامته رئيسًا للجماعة:
جاءت الوصيّة الإلهيّة لموسى: "ضع يدك عليه" [18]. وأوضح سفر التثنية فاعليّة هذا العمل: "ويشوع بن نون كان قد امتلأ روح حكمة إذ وضع موسى عليه يده" (تث 34: 9). لقد تسلم عمل امتلأ روح حكمة أو روح القيادة. لهذا ارتبط وضع الأيدي غالبًا بسيامة خدام الله.
في الكتاب المقدس استخدم "وضع الأيدي" في أمور كثيرة أهمها:
أ. استخدم "وضع الأيدي" لتسليم بركة إلهيّة، كما فعل أبونا يعقوب مع ابني يوسف، فوضع يمينه على الأصغر أفرايم الواقف على يساره، ووضع يساره على الأكبر مَنَسَّى الواقف على يمينه، وكأنه بسط يديه على شكل صليب لتحلّ بركة الرب عليهما... وحين بارك السيد المسيح الأطفال "وضع يديه عليهم" (مت 19: 13، 15). لهذا كان الأسقف يضع يديه على طالبي العماد أثناء الصلاة عليهم قبل العماد، وخاصة أثناء الصلوات الخاصة بطرد الشيطان.
ب. كما يُسْتَخْدَم هذا الطقس لنقل بركة الرب، هكذا يُسْتَخْدَم كعلامة لإلقاء حِمْل خطايا الإنسان على آخر ليصير ذبيحة عنه (لا 1: 3، 4؛ 4: 24؛ 16: 21)، كرمز لما حدث مع السيد المسيح "وضع عليه إثم جميعنا" (إش 53: 6).
ج. في شفاء المرضى قيل "وضع يديه على مرضى فشفاهم" (مت 9: 18؛ مر 6: 5؛ 8: 23؛ لو 4: 40؛ 13: 13)، وقد استخدم الرسل أحيانًا نفس الطقس (أع 28: 8).
يقول القديس كبريانوس بأن خدام الكنيسة يمتثلون بالسيد المسيح الذي كان يضع يديه على المرضى فيشفيهم، هؤلاء الذين هم مرضى روحيًا الذين يأتون تائبين. ولا يزال هذا الطقس قائمًا حيث يضع الكاهن يده على الرأس حين يصلي "تحليلًا" لتائب.


د. يذكر القدِّيس إكليمندس الإسكندري وضع الأيدي على العريسين في الزواج لمباركتهما.
ه. جاء في سفر الأعمال "وضع الأيدي" عند طلب حلول الروح القدس للمعمدين حديثًا... "وَلَمَّا وَضَعَ بُولُسُ يَدَيْهِ عَلَيْهِمْ حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْهِمْ" (أع 19: 6)، وبقيت الكنيسة الأولى تمارس هذا الطقس حتى استبدلته بمسحة الميرون، وإن كان للأساقفة حق العودة لهذا الطقس عند الضرورة كما في حالة عماد السيدات فيضع الأسقف يديه عليهن وينفخ في وجوههن نفخة الروح القدس.
ز. أخيرًا فإن "وضع الأيدي" ارتبط بالأكثر بالسيامات الكنسيّة، ففي سيامة الشمامسة قيل "اَلَّذِينَ أَقَامُوهُمْ أَمَامَ الرُّسُلِ، فَصَلُّوا وَوَضَعُوا عَلَيْهِمِ الأَيَادِيَ" (أع 6: 6)، وحين أفرز برنابا وشاول للخدمة قيل "فصاموا حينئذٍ وصلوا ووضعوا عليهما الأيادي" (أع 13: 3). وعندما قدَّم الرسول بولس تعليمات عن السيامة، قال: "لا تضع يدًا على أحد بالعجلة ولا تشترك في خطايا الآخرين" (1 تي 5: 22)، كما قال: "أُذكِّرك أن تُضرم أيضًا موهبة الله التي فيك بوضع يديَّ" (2 تي 1: 6). هكذا صار "وضع الأيدي" يحمل معنى "السيامة"، ولا زالت الكنيسة الأرثوذكسيّة والكاثوليكيّة تتطلع بهذا المنظار الإنجيلي، وفي كنيسة إنجلترا يعتبر "وضع الأيدي" هو الطقس الرئيسي في سيامة الأساقفة.
نعود إلى إقامة يشوع بن نون عِوَض موسى النبي لنسمع الصوت الإلهي: "وأوقفه قدام ألِعازار الكاهن وقدام كل الجماعة وأوصِهِ أمام أعينهم" [19]. رأينا في سيامة اللاويّين (أصحاح 8) الدور الإيجابي للكهنة والشعب في السيامة. فالشعب كما الكهنة لا يقفوا متفرجين بل يلتزمون بالمساهمة في هذا العمل والتعاون معهم.
يقول الرب: "أجعل من هيبتك عليه لكي يسمع له كل جماعة بني إسرائيل" [20]، فإن كان موسى يضع الأيدي، لكن الله الذي وهب موسى روحه ومهابته هو الذي يهب يشوع ذات العطايا.
إن كان يشوع يُقام رئيسًا يقود الشعب إلى أرض الموعد، لكن في تعاون مع رئيس الكهنة ألِعازار الذي يسأل له أمام الرب بقضاء الأوريم (ع 21). الأوريم والتميم ويعنيان "الأنوار والكمالات" غالبًا هما حجران كريمان في صورة رئيس الكهنة (خر 28: 30، لا 8: 8) يستخدمهما في معرفة إرادة الله. إنهما يشيران إلى عمل الروح القدس الذي يهب الإنسان استنارة (الأنوار) وكمالًا (الكمالات) فيسلك المؤمن طريق الرب بغير انحراف.


أعياد وتقدمات دائمة



لا يقف الاستعداد لدخول أرض الموعد والاستقرار فيها بعد فترة التجول في البريّة على عمل الإحصاء لتقسيم الأرض، ووضع قوانين الميراث، وتعيين القائد الجديد الذي يدخل بهم أرض الموعد ويقسم الأرض، وإنما أراد الله قبل دخولهم مباشرة أن يوضح مفهوم الراحة التي يتمتعون بها في الأرض الجديدة، إنها ليست راحة كسل وتراخي، بل راحة فرح مستمر خلال ذبائح المصالحة والحب المقدمة يوميًا كل صباح ومساء، وأسبوعيًا، وشهريًا، وسنويًا. أراد أن تكون حياتهم أعياد بغير انقطاع علامة الفرح الدائم.
1. الذبائح اليوميّة:

1 وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلًا: 2 «أَوْصِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقُلْ لَهُمْ: قُرْبَانِي، طَعَامِي مَعَ وَقَائِدِي رَائِحَةُ سَرُورِي، تَحْرِصُونَ أَنْ تُقَرِّبُوهُ لِي فِي وَقْتِهِ. 3 وَقُلْ لَهُمْ: هذَا هُوَ الْوَقُودُ الَّذِي تُقَرِّبُونَ لِلرَّبِّ: خَرُوفَانِ حَوْلِيَّانِ صَحِيحَانِ لِكُلِّ يَوْمٍ مُحْرَقَةً دَائِمَةً. 4 الْخَرُوفُ الْوَاحِدُ تَعْمَلُهُ صَبَاحًا، وَالْخَرُوفُ الثَّانِي تَعْمَلُهُ بَيْنَ الْعَشَاءَيْنِ. 5 وَعُشْرَ الإِيفَةِ مِنْ دَقِيق مَلْتُوتٍ بِرُبْعِ الْهِينِ مِنْ زَيْتِ الرَّضِّ تَقْدِمَةً. 6 مُحْرَقَةٌ دَائِمَةٌ. هِيَ الْمَعْمُولَةُ فِي جَبَلِ سِينَاءَ. لِرَائِحَةِ سَرُورٍ، وَقُودًا لِلرَّبِّ. 7 وَسَكِيبُهَا رُبْعُ الْهِينِ لِلْخَرُوفِ الْوَاحِدِ. فِي الْقُدْسِ اسْكُبْ سَكِيبَ مُسْكِرٍ لِلرَّبِّ. 8 وَالْخَرُوفُ الثَّانِي تَعْمَلُهُ بَيْنَ الْعَشَاءَيْنِ كَتَقْدِمَةِ الصَّبَاحِ، وَكَسَكِيبِهِ تَعْمَلُهُ وَقُودَ رَائِحَةِ سَرُورٍ لِلرَّبِّ.

أود أن أترك الحديث عن رمزيّة الذبائح -بتفاصيل طقوسها- للصليب لتفسيرنا لسفر اللاويّين إن سمح الرب وعشنا، حتى نتجنب التكرار والإطالة. هذا ويلاحظ أن الأصحاحين (28-29) وهما يتحدثان عن الذبائح والتقدمات المستمرة تحوي 71 عددًا، منها 13 عددًا يتحدث عن ذبيحة الخطيّة، والباقي حوالي 58 عددًا يتحدث عن رائحة سرور للرب. هذا يبرز لنا ما أراد الوحي التركيز عليه في نظرتنا إلى ذبيحة الصليب. فإن الصليب غايته غفران خطايانا: "هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبديّة" (يو 3: 16)، فإن الجانب الآخر المكمل له وله دوره الهام في حياة الكنيسة وهو أن الصليب هو "رائحة سرور الآب"، يشتم الله فيه رائحة رضا نحونا في المسيح يسوع. هذا للأسف ما يتجاهله الكثيرون في تعلقهم بالصليب. إن كان الصليب قد غفر خطايانا، ولكن ما هو مكمل -بل إن صح التعبير ما هو أهم- أنه قد نقلنا من حالة العداوة إلى حالة فرح الآب بنا وسروره ورضاه عنا خلال ابنه. لهذا صار الصليب وليمة فرح وسرور، بل محفل مقدس فيه يضمنا الآب إلى حضنه لنجد فيه موضعًا أبديًا! هذا ما نلمسه في هذين الأصحاحين.
بدأ الرب حديثه هكذا: "أوصِ بني إسرائيل وقل لهم: قرباني طعامي مع وقائدي رائحة سروري تحرصون أن تقربوه في وقته" [2]. قدم لهم هذه الوصيّة لأن غالبية الداخلين أرض الموعد لم يسمعوا الشرائع التي قد قدمت للشعب في بدء رحلتهم، إذ مات الجيل القديم وجاء جيل جديد، لهذا أكد على تقديم القرابين والذبائح في وقته. أما تأكيده "في وقته" فكان ضروريًا لأنهم داخلين في حروب مع شعوب هذه الأمم فلا يظنوا أن هذه الحروب تعفيهم من التقدمات، وإنما بالحري تجعلهم في حاجة إلى تقديمات لأنها رائحة سرور الرب، بدونها لا يتمتعون بالغلبة والنصرة.
إنها قرابينه وطعامه ووقائده ورائحة سروره، هذه كلها تعبيرات تكشف عن شوق الله إلى الإنسان، وسروره به خلال ابنه الحبيب الذبيح. هذا من جانب، ومن جانب آخر ما يقدمه الإنسان إنما ليس من عندياته بل من عطايا الله له. إنها قربان الرب ووقائده. وقد جاءت الترجمة السبعينيّة في أكثر وضوح: "احرصوا أن تقدموا لي في أعيادي عطاياي، هداياي، محرقاتي، رائحة سرور".
ويُعلِّق البابا أثناسيوس الرسولي على ذلك هكذا: [إذ نرد إلى ربنا قدر طاقتنا، وإنما نرد إليه لا من عندياتنا بل من الأشياء التي أخذناها منه، التي هي نعمته، فهو يسألنا عطاياه التي وهبنا إياها. وقد حمل شهادة بذلك، قائلًا: "تقدموا لي عطاياي" لأن ما تقدمونه لي كأنه منكم إنما قد نلتموه مني، إذ هو عطيّة من قبل الله].
بدأ بالمحرقة الدائمة، تقديم خروفين حوليين كل يوم، خروف في الصباح وآخر بين العشاءين، وكأننا في حاجة إلى محرقة بلا انقطاع لكي نكون في مصالحة مع الله ليل نهار بغير توقف. هذه هي المحرقة الدائمة أو "عيد الرب الدائم" إنه يفرح ويسر بمصالحتنا معه كل أيام حياتنا، نهارًا وليلًا. لهذا بدأ بهذه المحرقة الدائمة كمقدمة التقدمات التي يوصينا بها كوقود "رَائِحَةِ سَرُورٍ لِلرَّبِّ" (ع 8).
يقول العلامة أوريجينوس: العيد الأول للرب هو "العيد الدائم"؛ حقًا إنه مطلوب تقديم قربان في الصباح والمساء باستمرار بغير انقطاع. ففي تشريع الأعياد هنا لم يبدأ الرب بعيد الفصح ولا بعيد الفطير أو عيد القربان المقدس، ولا بأي عيد آخر، إنما وضع العيد الأول هو عيد "المحرقة الدائمة". فهو يريد للذي يصبر إلى الكمال والقداسة ألاَّ تكون له أيام أعياد وأيام بدون أعياد مقدسة لله، وإنما يحتفل بعيد دائم. الذبيحة التي يجب أن تُقدم صباحًا ومساءًا باستمرار يعني ضرورة التفكير في الناموس والأنبياء الذين يمثلون الصباح، التفكير في الإنجيل الذي أُعلن في المساء أي مجيء المسيح في آخر الأيام. هذه هي الاحتفالات التي قال عنها الرب: [ستبصرون أعيادي](*). إذًا يوجد عيد للرب إن كنا نقدم الذبيحة على الدوام، أي [نصلي بلا انقطاع] (1 تس 5: 17)، إن كان رفع أيدينا إليه يصعد كالبخور قدامه (مز 141: 2) في الصباح وذبيحة مسائية في المساء. إذن الاحتفال الأول هو المحرقة الدائمة التي يجب على تلاميذ الإنجيل أن يقدموها كما سبق فشرحناها. لكن تحولت أعياد الخطاة إلى نوح كما يقول النبي (عا 8: 1) وأغانيهم إلى مراثٍ. فبلا شك الخاطي الذي يحتفل بيوم الخطيّة لا يقدر أن يحتفل بعيد. الأيام التي يخطئ فيها لا يقدر أن يقدم الذبيحة الأبديّة. فإنه لا يقدر أن يقدمها إلاَّ إذا اتبع البرّ واحترس من الخطيّة، أما اليوم الذي يمارس فيه الخطيّة فلا يقدم للرب الذبيحة الأبديّة".
2. الذبائح الأسبوعيّة:

9 «وَفِي يَوْمِ السَّبْتِ خَرُوفَانِ حَوْلِيَّانِ صَحِيحَانِ، وَعُشْرَانِ مِنْ دَقِيق مَلْتُوتٍ بِزَيْتٍ تَقْدِمَةً مَعَ سَكِيبِهِ، 10 مُحْرَقَةُ كُلِّ سَبْتٍ، فَضْلًا عَنِ الْمُحْرَقَةِ الدَّائِمَةِ وَسَكِيبِهَا.

إن كان الله يريد أن تكون كل أيامنا أعيادًا له يفرح فيها بنا خلال ذبيحة ابنه الوحيد فيتقبل صلواتنا النهاريّة والليليّة، ولا يكون في أيامنا يوم واحد غير عيد، فإنه أقام لنا أيضًا عيدًا أسبوعيًا هو "عيد السبت" أو "عيد الراحة"، لهذا يقول الرسول: "إذا بقيت راحة لشعب الله" (عب 4: 9).
قلنا أن الرب استراح في اليوم السابع لا بتوقفه عن العمل بل بفرحه بالإنسان وراحته، ونحن أيضًا إذ نتمتع بيوم الأحد، يوم قيامة السيد المسيح كيوم الراحة، إذ نجد في ذبيحته غير المتوقفة سرّ تمتعنا بالحياة المُقامة فنستريح في الله الذي أقامنا معه وأجلسنا في السمويات ويستريح الله فينا إذ يجد له فينا موضعًا.
يبقى الأحد عيدًا أسبوعيًا، سبتًا حقيقيًا لله والكنيسة، أو لله وللإنسان في المسيح يسوع المُقام من الأموات إلى أن نلتقي معه وجهًا لوجه يوم الراحة العظيم حين يتمتع جسدنا بالقيامة من الأموات ويحمل طبيعة روحيّة جديدة ويوجد الإنسان مع الله ممجدًا في أحضانه. وكأن كل أعيادنا الحالية هي عربون للعيد الأبدي
أو كما يقول العلامة أوريجينوس: [السبت الحقيقي الذي فيه يستريح الله من كل أعماله يكون في الدهر الآتي، حين تنهزم الآلام والأحزان والتنهدات ويكون الله هو الكل في الكل. في هذا السبت يهبنا الله أن نعيّده معه، ونحتفل به مع ملائكته القدِّيسين بتقديم ذبيحة التسبيح وإيفاء النذور التي نطقت بها شفاهنا هنا].
في هذا العيد الأسبوعي كان الشعب يلتزم بتقديم "محرقة كل سبت، فضلًا عن المحرقة الدائمة وسكيبها" [10]. إنها ذبيحة واحدة غير متكررة، لكنها ذبيحة المسيح القائمة والفعالة بغير انقطاع تجتمع حولها الكنيسة يوم الأحد احتفالًا براحة القيامة بجانب ذبائح الحب اليوميّة من صلوات وتسابيح تقدم خلال الصليب!
3. الذبائح الشهريّة:

11 «وَفِي رُؤُوسِ شُهُورِكُمْ تُقَرِّبُونَ مُحْرَقَةً لِلرَّبِّ: ثَوْرَيْنِ ابْنَيْ بَقَرٍ، وَكَبْشًا وَاحِدًا، وَسَبْعَةَ خِرَافٍ حَوْلِيَّةٍ صَحِيحَةٍ، 12 وَثَلاَثَةَ أَعْشَارٍ مِنْ دَقِيق مَلْتُوتٍ بِزَيْتٍ تَقْدِمَةً لِكُلِّ ثَوْرٍ. وَعُشْرَيْنِ مِنْ دَقِيق مَلْتُوتٍ بِزَيْتٍ تَقْدِمَةً لِلْكَبْشِ الْوَاحِدِ. 13 وَعُشْرًا وَاحِدًا مِنْ دَقِيق مَلْتُوتٍ بِزَيْتٍ تَقْدِمَةً لِكُلِّ خَرُوفٍ. مُحْرَقَةً رَائِحَةَ سَرُورٍ وَقُودًا لِلرَّبِّ. 14 وَسَكَائِبُهُنَّ تَكُونُ نِصْفَ الْهِينِ لِلثَّوْرِ، وَثُلْثَ الْهِينِ لِلْكَبْشِ، وَرُبْعَ الْهِينِ لِلْخَرُوفِ مِنْ خَمْرٍ. هذِهِ مُحْرَقَةُ كُلِّ شَهْرٍ مِنْ أَشْهُرِ السَّنَةِ. 15 وَتَيْسًا وَاحِدًا مِنَ الْمَعْزِ ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ لِلرَّبِّ. فَضْلًا عَنِ الْمُحْرَقَةِ الدَّائِمَةِ يُقَرَّبُ مَعَ سَكِيبِهِ.

في رأس كل شهر نحتفل بعيد الرب فيه تقدم محرقة رائحة سرور (ع 13) مع ذبيحة خطيّة للرب (ع 15) فضلًا عن المحرقة الدائمة اليوميّة صباحًا ومساءً.
ويلاحظ هنا قوله "رؤس شهوركم" مع أنه إذ يتكلم عن السبت يلذّ له أن يقول "سبوتي" (خر 31: 13؛ لا 19: 3، 30؛ 26: 2) وكأنه يعتز بها كسرّ فرحه هو، أما في حالة صنع الشرّ فيودّ أن يدعوها "سبوتكم" (لا 26: 35). حقًا ما أجمل أن يدعو الله السبت "سبوتي"، والأعياد "أعيادي" والتقدمات "تقدماتي" لأنها جميعًا تشير إلى الدخول إلى الراحة الأبديّة والعيد الدائم وتقدمة السيد المسيح الأبديّة، فيها يستريح الإنسان في الله كما الإنسان في أحضان الله، أما الشهور فيدعوها "شهوركم"، لأن الشهر يشير إلى الزمن المتغير من شهر إلى شهر، هذا الذي ينتهي بنهاية العالم. من أجلنا خُلق الزمن بوجود الكواكب، ومن أجلنا تنتهي الأزمنة ولا يعود بعد هناك شهور وسنوات بل توجد في نهار واحد بلا انقطاع يكون فيه الشمس التي لا تغيب، يوم سبت غير منقطع، يوم راحة أبديّة.
مع بدء شهورنا نحتفل بعيد ثالث للرب بجانب العيد الدائم وعيد السبت فيه نفرح بالرب الذبيح الذي وهبنا "الحياة الأبديّة" فيه.
يُعلِّق العلامة أوريجينوس على هذا العيد بقوله: [الاحتفال الثالث هو عيد الهلال، اليوم الذي فيه أيضًا تقدم ذبيحة. يكون هذا الاحتفال عند ظهور القمر من جديد. نقول أن القمر صار جديدًا عندما يقترب جدًا من الشمس باتصاله به... أي منفعة للاحتفال بعيد الهلال الجديد؟ إنه يعني اقتراب القمر من الشمس جدًا ويتحد بها. المسيح هو "شمس البرّ"، والهلال يعني كنيسته الممتلئة من نوره، تتصل به وتتحد معه بقوة، كقول الرسول "وأما من التصق بالرب فهو روح واحد" (1 كو 6: 17). إنها تحتفل بعيد الهلال إذ تصير جديدة بتركها الإنسان العتيق ولبس الإنسان الجديد بحسب الله في البرّ وقداسة الحق (أف 4: 24). بهذا يستحق الاحتفال بعيد التجديد أو عيد الهلال... النفس التي اتحدت بالله وعرفت بهاؤه ونوره، التي ليس لديها فكر أرضي أي الانشغال بأمر دنيوي أو شهوة إعجاب الناس بها، هذه التي سلَّمت نفسها لنور الحكمة وحرارة الروح وأصبحت غير ماديّة بل روحيّة، لا يمكن أن يراها البشر ولا هي تتعلق بنظرات البشر بها، لا يدرك الإنسان الطبيعي الإنسان الروحي ولا يصل إليه؛ مثل هذه النفس تستحق بحق أن تحتفل بالعيد وتقدم ذبيحة الهلال للرب الذي جددها].
4. أعياد سنويّة: الفصح:

16 «وَفِي الشَّهْرِ الأَوَّلِ، فِي الْيَوْمِ الرَّابعَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ فِصْحٌ لِلرَّبِّ. 17 وَفِي الْيَوْمِ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ هذَا الشَّهْرِ عِيدٌ. سَبْعَةَ أَيَّامٍ يُؤْكَلُ فَطِيرٌ. 18 فِي الْيَوْمِ الأَوَّلِ مَحْفَلٌ مُقَدَّسٌ. عَمَلًا مَا مِنَ الشُّغْلِ لاَ تَعْمَلُوا. 19 وَتُقَرِّبُونَ وَقُودًا مُحْرَقَةً لِلرَّبِّ: ثَوْرَيْنِ ابْنَيْ بَقَرٍ، وَكَبْشًا وَاحِدًا، وَسَبْعَةَ خِرَافٍ حَوْلِيَّةٍ. صَحِيحَةً تَكُونُ لَكُمْ. 20 وَتَقْدِمَتُهُنَّ مِنْ دَقِيق مَلْتُوتٍ بِزَيْتٍ: ثَلاَثَةَ أَعْشَارٍ تَعْمَلُونَ لِلثَّوْرِ، وَعُشْرَيْنِ لِلْكَبْشِ، 21 وَعُشْرًا وَاحِدًا تَعْمَلُ لِكُلِّ خَرُوفٍ مِنَ السَّبْعَةِ الْخِرَافِ، 22 وَتَيْسًا وَاحِدًا ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ لِلتَّكْفِيرِ عَنْكُمْ. 23 فَضْلًا عَنْ مُحْرَقَةِ الصَّبَاحِ الَّتِي لِمُحْرَقَةٍ دَائِمَةٍ تَعْمَلُونَ هذِهِ. 24 هكَذَا تَعْمَلُونَ كُلَّ يَوْمٍ، سَبْعَةَ أَيَّامٍ طَعَامَ وَقُودِ رَائِحَةِ سَرُورٍ لِلرَّبِّ، فَضْلًا عَنِ الْمُحْرَقَةِ الدَّائِمَةِ يُعْمَلُ مَعَ سَكِيبِهِ. 25 وَفِي الْيَوْمِ السَّابعِ يَكُونُ لَكُمْ مَحْفَلٌ مُقَدَّسٌ. عَمَلًا مَا مِنَ الشُّغْلِ لاَ تَعْمَلُوا.

قدَّم لهم الرب مجموعتين من الأعياد السنويّة، مجموعة يحتفل بها مع بدء السنة، ومجموعة أخرى تبدأ بالنصف الثاني من السنة أي الشهر السابع. ففي النصف الأول من السنة يحتفل بعيد الفصح (اليوم الرابع عشر من الشهر الأول) وعيد الباكورة أو الخمسين (البنطقستي) أو عيد الفصح أو عيد العبور فتحدثنا عنه قبلًا في الأصحاح الثاني عشر من سفر الخروج، والأصحاح التاسع من سفر العدد.
ركَّز هنا على سبعة أيام الفطير حيث يمتنع عن أكل الخمير واستعماله لكي تبدأ سنة جديدة لا ترتبط بالخمير العتيق.
يقول العلامة أوريجينوس: [تستحق أن تحتفل بهذا العيد إن نزعت من نفسك كل خمير الشرّ (1 كو 5: 8) والخطيّة، محتفظًا بفطير الإخلاص والحق. فإنه لا يليق بنا أن نتخيل أن الله القادر على كل شيء يشرع للإنسان قوانين تخص استخدام الخمير، ويقوم بقطع تلك النفس من شعبها (عد 9: 13) إن كانت قد نَسَت أن تكنس ما عندها من خمير... لكن ما يكرهه الله وبحق هو خمير الروح الشريرة المتذمرة والظالمة، هذه التي اختمرت بخميرة الشر. هذا هو ما يريده الله من النفس، فإنها إن لم تنزع هذه الخميرة من مسكنها تُقطع...! فإن الذي يترك في نفسه أقل بذرة للشرّ يزداد من يوم إلى يوم ويزداد شرًا. فإن أردت الاحتفال بعيد الفطير مع الله فلا تترك في نفسك أقل خميرة للشرّ].
يقول البابا أثناسيوس الرسولي: [إذًا لنُعيِّد ليس بخميرة عتيقة ولا بخميرة الشرّ والخبث بل بفطير الإخلاص والحق (1 كو 5: 8). وإذ نخلع الإنسان العتيق وأعماله، نلبس الإنسان الجديد المخلوق حسب الله (أف 4: 22، 24)، ونلهج في ناموس الله نهارًا وليلًا، بعقل متضع وضمير نقي. لنطرح عنا كل رياء وغش، مبتعدين عن كل كبرياء ومكر. ليتنا نتعهد بحب الله ومحبة القريب، لنصبح خليقة جديدة، متناولين خمرًا جديدًا إذًا لنحفظ العيد كما ينبغي].
يرى القديس أغسطينوس في الفطير رفض الخميرة القديمة وقبول الجديد، فيكون لنا الحياة الجديدة والتسبيح الجديد إلخ... [إن كان لنا حياة جديدة فلنُغنِ أغنية جديدة وننشد للرب تسبحة جديدة].
5. أعياد سنويّة: عيد الخمسين (الأسابيع):

26 «وَفِي يَوْمِ الْبَاكُورَةِ، حِينَ تُقَرِّبُونَ تَقْدِمَةً جَدِيدَةً لِلرَّبِّ فِي أَسَابِيعِكُمْ، يَكُونُ لَكُمْ مَحْفَلٌ مُقَدَّسٌ. عَمَلًا مَا مِنَ الشُّغْلِ لاَ تَعْمَلُوا. 27 وَتُقَرِّبُونَ مُحْرَقَةً لِرَائِحَةِ سَرُورٍ لِلرَّبِّ: ثَوْرَيْنِ ابْنَيْ بَقَرٍ، وَكَبْشًا وَاحِدًا، وَسَبْعَةَ خِرَافٍ حَوْلِيَّةٍ. 28 وَتَقْدِمَتُهُنَّ مِنْ دَقِيق مَلْتُوتٍ بِزَيْتٍ: ثَلاَثَةَ أَعْشَارٍ لِكُلِّ ثَوْرٍ، وَعُشْرَيْنِ لِلْكَبْشِ الْوَاحِدِ، 29 وَعُشْرًا وَاحِدًا لِكُلِّ خَرُوفٍ مِنَ السَّبْعَةِ الْخِرَافِ. 30 وَتَيْسًا وَاحِدًا مِنَ الْمَعْزِ لِلتَّكْفِيرِ عَنْكُمْ، 31 فَضْلًا عَنِ الْمُحْرَقَةِ الدَّائِمَةِ وَتَقْدِمَتِهَا تَعْمَلُونَ. مَعَ سَكَائِبِهِنَّ صَحِيحَاتٍ تَكُونُ لَكُمْ.

لأجل تقديس الزمن، لتكون أيام الإنسان كلها مقدسة للرب، جعل الرب عند اليهود اليوم الأخير أو السابع "سبت للرب"، فبتقديس اليوم السابع يتقدس الأسبوع كله، لأن كلمة أسبوع تاتي من رقم "سبعة" خاصة في العبريّة إذ يُدعى (شبوع) أي (سبعة).
وقدس الرب الأسابيع بإقامة "عيد الأسابيع" الذي هو عيد الخمسين لأنه بعد سبعة أسابيع من بدء الحصاد يحسب سبتًا للرب. كان عيدًا مرتبطًا بالزراعة، ولما كان من الصعب تحديد بدء يوم الحصاد، لهذا استقر الأمر أن يحسب من عيد الفصح، فصار اليوم الخمسين من عيد الفصح، في هذا العيد يظهر الشعب أمام الله غير فارغين (خر 23: 15)، بل يقدمون للرب من الحصاد الجديد، لذا يقول "حين تقربون تقدمة جديدة للرب في أسابيعكم" [26]. ما هي هذه التقدمة الجديدة؟
يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [لا يليق بك أن تدخل بيت الله بدون ذبائح، فلا تذهب الاجتماع غير مصطحب إخوتك، فإن هذه الذبيحة والتقدمة أفضل من تلك، متى قدمت لله نفسًا معك في الكنيسة]. في يوم الخمسين حلّ الروح القدس على التلاميذ في عُلِّية صهيون الروح الناري القادر أن يجتذب تقدمات جديدة للرب، فقد قدم بطرس الرسول في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف نفسًا للرب (أع 2: 41). هذه هي تقدمة المؤمنين في عيد الأسابيع، الدخول بالنفوس المتعبة لتستريح في أحضان الرب.




أعياد وتقدمات دائمة



يكمِّل الرب حديثه عن الأعياد والتقدمات فيذكر هنا المجموعة الثانية من الأعياد السنويّة، التي تقام في النصف الثاني من السنة، مع ختام عن التقدمات الشخصيّة التي يقدمها الإنسان دون التزام بوصيّة معينة.


1. يوم الهتاف العظيم:

1 «وَفِي الشَّهْرِ السَّابعِ، فِي الأَوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ، يَكُونُ لَكُمْ مَحْفَلٌ مُقَدَّسٌ. عَمَلًا مَا مِنَ الشُّغْلِ لاَ تَعْمَلُوا. يَوْمَ هُتَافِ بُوق يَكُونُ لَكُمْ. 2 وَتَعْمَلُونَ مُحْرَقَةً لِرَائِحَةِ سَرُورٍ لِلرَّبِّ: ثَوْرًا وَاحِدًا ابْنَ بَقَرٍ، وَكَبْشًا وَاحِدًا، وَسَبْعَةَ خِرَافٍ حَوْلِيَّةٍ صَحِيحَةٍ. 3 وَتَقْدِمَتَهُنَّ مِنْ دَقِيق مَلْتُوتٍ بِزَيْتٍ: ثَلاَثَةَ أَعْشَارٍ لِلثَّوْرِ، وَعُشْرَيْنِ لِلْكَبْشِ، 4 وَعُشْرًا وَاحِدًا لِكُلِّ خَرُوفٍ مِنَ السَّبْعَةِ الْخِرَافِ. 5 وَتَيْسًا وَاحِدًا مِنَ الْمَعْزِ ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ لِلتَّكْفِيرِ عَنْكُمْ، 6 فَضْلًا عَنْ مُحْرَقَةِ الشَّهْرِ وَتَقْدِمَتِهَا وَالْمُحْرَقَةِ الدَّائِمَةِ وَتَقْدِمَتِهَا مَعَ سَكَائِبِهِنَّ كَعَادَتِهِنَّ رَائِحَةَ سَرُورٍ وَقُودًا لِلرَّبِّ.

في الشهر السابع يُحتفل بثلاث أعياد عظام مترابطة معًا: عيد الأبواق أو الهتاف، وعيد الكفارة وعيد المظال. أما اختيار هذا الشهر لهذه الأعياد فسّره الآتي:
أ. كما تقدس أيام الأسبوع يتقدس اليوم السابع، وتقدس الأسابيع بتقديس عيد الأسابيع في الأسبوع السابع، هكذا أيضًا تتقدس الشهور بإقامة هذه الأعياد الثلاثة في الشهر السابع، وكأنها سبت الشهور. لقد حرص الرب على تقديس كل ما هو سابع في الزمن على كل المستويات.
ب. يسمى هذا الشهر عند اليهود "تشري" أي "تشرين الأول" (أكتوبر) وهو بدء السنة المدنيّة، سماء الحاخاميّة يوم ميلاد العالم.
ج. كانت هذه الفترة هي فترة راحة بالنسبة للعاملين في الزراعة، ما بين الحصاد وبذر البذور، وكأن الله أراد أن يفرِّغهم للعبادة المفرحة في هذه الفترة.
د. كما يبدأ الله السنة بالفصح في الشهر الأول علامة على أن الله هو الذي عبر بهم من العام الماضي ليدخل بهم إلى عام جديد، رمز عبورنا من الحياة الزمنيّة إلى الحياة الأخرى، هكذا أراد أن يقدس الشهر السابع أي عند نهاية نصف السنة لكي يشعر الإنسان أن الله بدأ هو يكمل إلى التمام. فلا يكفي أن نقدم لله بكور حياتنا وإنما نسلمه كل الحياة ليقودها بنفسه.
أما بالنسبة لعيد الأبواق أو عيد الهتاف العظيم فإنه يُدعى محفلًا مقدسًا حيث تُضرب الأبواق، كأن الله يعلن لشعبه أن يستعدوا للعيدين العظيمين والمتكاملين معًا: عيد الكفارة العظيم وعيد المظال. وبحسب التقليد اليهودي لا يُضرب في هذا اليوم بالبوقين الفضيين المذكورين في الأصحاح العاشر بل بالشوفار أي قرن الكبش الذي كان يستخدم في مناسبات خاصة مهيبة مثل المناداة بسنة اليوبيل (يش 6).
2. يوم الكفارة:

7 «وَفِي عَاشِرِ هذَا الشَّهْرِ السَّابعِ، يَكُونُ لَكُمْ مَحْفَلٌ مُقَدَّسٌ، وَتُذَلِّلُونَ أَنْفُسَكُمْ. عَمَلًا مَا لاَ تَعْمَلُوا. 8 وَتُقَرِّبُونَ مُحْرَقَةً لِلرَّبِّ رَائِحَةَ سَرُورٍ: ثَوْرًا وَاحِدًا ابْنَ بَقَرٍ، وَكَبْشًا وَاحِدًا، وَسَبْعَةَ خِرَافٍ حَوْلِيَّةٍ. صَحِيحَةً تَكُونُ لَكُمْ. 9 وَتَقْدِمَتُهُنَّ مِنْ دَقِيق مَلْتُوتٍ بِزَيْتٍ: ثَلاَثَةُ أَعْشَارٍ لِلثَّوْرِ، وَعُشْرَانِ لِلْكَبْشِ الْوَاحِدِ، 10 وَعُشْرٌ وَاحِدٌ لِكُلِّ خَرُوفٍ مِنَ السَّبْعَةِ الْخِرَافِ. 11 وَتَيْسًا وَاحِدًا مِنَ الْمَعْزِ ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ، فَضْلًا عَنْ ذَبِيحَةِ الْخَطِيَّةِ لِلْكَفَّارَةِ وَالْمُحْرَقَةِ الدَّائِمَةِ وَتَقْدِمَتِهَا مَعَ سَكَائِبِهِنَّ.

في العاشر من الشهر السابع يكون لهم محفل مقدس فيه يتذللون، فيه يقربون محرقة للرب رائحة سرور (ع 8). هكذا يمتزج تذللهم بالفرح إذ يسر الله بهم لا من أجل تذللهم ولكن من أجل المصالحة التي تتحقق بينه وبينهم خلال المحرقة في يوم الكفارة العظيم.
تحدَّث سفر اللاويّين في شيء كبير من التوسع عن هذا اليوم العظيم (لا 16، 23: 26-32)، فهو يوم صوم واتضاع وتكفير عن خطايا الشعب كله لكن دون أن ينسى أن يكفر رئيس الكهنة عن نفسه أيضًا. الأمر الذي استلفت نظر الرسول بولس في مقارنته بين السيد المسيح رئيس الكهنة الأعظم الذي بلا خطيّة دخل بنا إلى السموات عينها ورئيس الكهنة اليهودي الذي يدخل ظل السمويات مرة في السنة بعد تقديم دم عن نفسه كما عن جهالات الشعب (عب 9: 1-12، 24-28). وإنني أرجو أن أعود إلى تفاصيل طقسه في دراستنا لسفر اللاويّين إن شاء الرب وعشنا.
3. عيد المظال:

12 «وَفِي الْيَوْمِ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ السَّابعِ، يَكُونُ لَكُمْ مَحْفَلٌ مُقَدَّسٌ. عَمَلًا مَا مِنَ الشُّغْلِ لاَ تَعْمَلُوا. وَتُعَيِّدُونَ عِيدًا لِلرَّبِّ سَبْعَةَ أَيَّامٍ. 13 وَتُقَرِّبُونَ مُحْرَقَةً، وَقُودَ رَائِحَةِ سَرُورٍ لِلرَّبِّ: ثَلاَثَةَ عَشَرَ ثَوْرًا أَبْنَاءَ بَقَرٍ، وَكَبْشَيْنِ، وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ خَرُوفًا حَوْلِيًّا. صَحِيحَةً تَكُونُ لَكُمْ. 14 وَتَقْدِمَتُهُنَّ مِنْ دَقِيق مَلْتُوتٍ بِزَيْتٍ: ثَلاَثَةُ أَعْشَارٍ لِكُلِّ ثَوْرٍ مِنَ الثَّلاَثَةَ عَشَرَ ثَوْرًا، وَعُشْرَانِ لِكُلِّ كَبْشٍ مِنَ الْكَبْشَيْنِ، 15 وَعُشْرٌ وَاحِدٌ لِكُلِّ خَرُوفٍ مِنَ الأَرْبَعَةَ عَشَرَ خَرُوفًا، 16 وَتَيْسًا وَاحِدًا مِنَ الْمَعْزِ ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ، فَضْلًا عَنِ الْمُحْرَقَةِ الدَّائِمَةِ وَتَقْدِمَتِهَا وَسَكِيبِهَا. 17 «وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي: اثْنَيْ عَشَرَ ثَوْرًا أَبْنَاءَ بَقَرٍ، وَكَبْشَيْنِ، وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ خَرُوفًا حَوْلِيًّا صَحِيحًا. 18 وَتَقْدِمَتَهُنَّ وَسَكَائِبَهُنَّ لِلثِّيرَانِ وَالْكَبْشَيْنِ وَالْخِرَافِ حَسَبَ عَدَدِهِنَّ كَالْعَادَةِ. 19 وَتَيْسًا وَاحِدًا مِنَ الْمَعْزِ ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ، فَضْلًا عَنِ الْمُحْرَقَةِ الدَّائِمَةِ وَتَقْدِمَتِهَا مَعَ سَكَائِبِهِنَّ. 20 «وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ: أَحَدَ عَشَرَ ثَوْرًا، وَكَبْشَيْنِ، وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ خَرُوفًا حَوْلِيًّا صَحِيحًا. 21 وَتَقْدِمَتَهُنَّ وَسَكَائِبَهُنَّ لِلثِّيرَانِ وَالْكَبْشَيْنِ وَالْخِرَافِ حَسَبَ عَدَدِهِنَّ كَالْعَادَةِ. 22 وَتَيْسًا وَاحِدًا لِذَبِيحَةِ خَطِيَّةٍ، فَضْلًا عَنِ الْمُحْرَقَةِ الدَّائِمَةِ وَتَقْدِمَتِهَا وَسَكِيبِهَا. 23 «وَفِي الْيَوْمِ الرَّابعِ: عَشَرَةَ ثِيرَانٍ، وَكَبْشَيْنِ، وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ خَرُوفًا حَوْلِيًّا صَحِيحًا. 24 وَتَقْدِمَتَهُنَّ وَسَكَائِبَهُنَّ لِلثِّيرَانِ وَالْكَبْشَيْنِ وَالْخِرَافِ حَسَبَ عَدَدِهِنَّ كَالْعَادَةِ. 25 وَتَيْسًا وَاحِدًا مِنَ الْمَعْزِ لِذَبِيحَةِ خَطِيَّةٍ، فَضْلًا عَنِ الْمُحْرَقَةِ الدَّائِمَةِ وَتَقْدِمَتِهَا وَسَكِيبِهَا. 26 «وَفِي الْيَوْمِ الْخَامِسِ: تِسْعَةَ ثِيرَانٍ، وَكَبْشَيْنِ، وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ خَرُوفًا حَوْلِيًّا صَحِيحًا. 27 وَتَقْدِمَتَهُنَّ وَسَكَائِبَهُنَّ لِلثِّيرَانِ وَالْكَبْشَيْنِ وَالْخِرَافِ حَسَبَ عَدَدِهِنَّ كَالْعَادَةِ. 28 وَتَيْسًا وَاحِدًا لِذَبِيحَةِ خَطِيَّةٍ، فَضْلًا عَنِ الْمُحْرَقَةِ الدَّائِمَةِ وَتَقْدِمَتِهَا وَسَكِيبِهَا. 29 «وَفِي الْيَوْمِ السَّادِسِ: ثَمَانِيَةَ ثِيرَانٍ، وَكَبْشَيْنِ، وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ خَرُوفًا حَوْلِيًّا صَحِيحًا. 30 وَتَقْدِمَتَهُنَّ وَسَكَائِبَهُنَّ لِلثِّيرَانِ وَالْكَبْشَيْنِ وَالْخِرَافِ حَسَبَ عَدَدِهِنَّ كَالْعَادَةِ. 31 وَتَيْسًا وَاحِدًا لِذَبِيحَةِ خَطِيَّةٍ، فَضْلًا عَنِ الْمُحْرَقَةِ الدَّائِمَةِ وَتَقْدِمَتِهَا وَسَكِيبِهَا. 32 «وَفِي الْيَوْمِ السَّابعِ: سَبْعَةَ ثِيرَانٍ، وَكَبْشَيْنِ، وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ خَرُوفًا حَوْلِيًّا صَحِيحًا. 33 وَتَقْدِمَتَهُنَّ وَسَكَائِبَهُنَّ لِلثِّيرَانِ وَالْكَبْشَيْنِ وَالْخِرَافِ حَسَبَ عَدَدِهِنَّ كَعَادَتِهِنَّ. 34 وَتَيْسًا وَاحِدًا لِذَبِيحَةِ خَطِيَّةٍ، فَضْلًا عَنِ الْمُحْرَقَةِ الدَّائِمَةِ وَتَقْدِمَتِهَا وَسَكِيبِهَا. 35 «فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ: يَكُونُ لَكُمُ اعْتِكَافٌ. عَمَلًا مَا مِنَ الشُّغْلِ لاَ تَعْمَلُوا. 36 وَتُقَرِّبُونَ مُحْرَقَةً وَقُودًا رَائِحَةَ سَرُورٍ لِلرَّبِّ: ثَوْرًا وَاحِدًا، وَكَبْشًا وَاحِدًا، وَسَبْعَةَ خِرَافٍ حَوْلِيَّةٍ صَحِيحَةٍ. 37 وَتَقْدِمَتَهُنَّ وَسَكَائِبَهُنَّ لِلثَّوْرِ وَالْكَبْشِ وَالْخِرَافِ حَسَبَ عَدَدِهِنَّ كَالْعَادَةِ. 38 وَتَيْسًا وَاحِدًا لِذَبِيحَةِ خَطِيَّةٍ، فَضْلًا عَنِ الْمُحْرَقَةِ الدَّائِمَةِ وَتَقْدِمَتِهَا وَسَكِيبِهَا.

إن كان عيد الكفارة هو عيد صوم وتذلل، فإن عيد المظال الذي يلحقه في الخامسة عشر من نفس الشهر ويستمر ثمانية أيام هو عيد الفرح والتهليل. إن كان الكفارة يشير إلى الصليب لهذا ارتبط بالصوم والتذلل، فإن عيد المظال يشير إلى ثمار الصليب بما يحمله من قوة قيامة وصعود وتمتع بالروح القدس. فاستمرار العيد ثمانية أيام إنما يشير إلى الحياة المُقامة أي الحياة الأخرى، إذن اليوم الثامن هو اليوم الأول بعد الأسبوع، أي الدخول في أسبوع جديد.
في هذا العيد يلتزم كل رجل أن يظهر أمام الرب في الهيكل (تث 16: 16) وكانوا يسكنون خيامًا ينصبونها أثناء العيد في ساحات المدينة وعلى سطوح البيوت وأفنيتها وفي دور الهيكل (نح 8: 16) وعلى الجبال المجاورة لأورشليم، بهذا كان قمة الأعياد إذ يشير إلى انطلاق الكنيسة خارج المسكن الأرضي. وكانت الشريعة تُقرأ كل سبع سنين أمام الشعب في ميعاد سنة الإبراء في عيد المظال (تث 31: 9-13). وقد أُدخلت مراسيم كثيرة للعيد بجانب الذبائح والتقدمات التي نتحدث عنها في دراستنا لسفر اللاويّين إن سمح الرب. ففي وقت ذبيحة الصباح كان الشعب يحمل سعف النخيل وأغصان الآس والصفصاف والفاكهة ويطوفون حول المذبح مرة كل يوم، وسبع مرات في اليوم السابع كما ظهرت عادة أخرى وهي أن كاهنًا يملأ وعاءً ذهبيًا من ماء بركة سلوام ويحمله إلى الهيكل عند الذبيحة الصباحيّة والمسائيّة كل يوم من أيام العيد، فسيتقبلونه بهتاف البوق وكلمات إشعياء النبي "فتستقون مياهًا بفرح من ينابيع الخلاص" (إش 12: 3). ولعل رب المجد قد أشار إلى هذا بقوله: "إن عطش أحد فليقبل إليَّ ويشرب. من آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه أنهار ماء حيّ" (يو 7: 37-38). وكأن السيد قد وَجَّه أنظارهم إلى الروح القدس الذي يتقبلونه في داخلهم واعتادوا أيضًا في المساء اللاحق لأول يوم في العيد أن يضيئوا دار النساء من منارتين عاليتين تحمل كل منهما أربعة مصابيح كبيرة فتلقي بنورها على المدينة إشارة إلى عمل الروح القدس "الاستنارة الداخليّة".
كأن عيد المظال هو عيد الفرح بالقيامة والانطلاق نحو السمويات خلال التمتع بالروح القدس الذي يفجِّر ينابيع مياه حيّة في داخلنا ويُنير بصيرتنا الداخليّة.
استخدام المظال أيضًا يشير إلى حالة الشعب بعد انطلاقه من أرض العبوديّة ورحيله في البريّة في خيام ليعبر إلى أورشليم مدينة الملك العظيم.
وكما يقول القديس أغسطينوس: [نحن الآن قبل أن ندخل أرض الموعد، أعني الملكوت الأبدي نعيش في البريّة في مظال... الإنسان الذي يدرك أنه عابر في هذا العالم يكون في مظال. هذا الإنسان يفهم أنه راحل في مدينة غريبة إذ يرى نفسه يئن مشتاقًا إلى وطنه].
أما بالنسبة للذبائح والتقدمات في هذا العيد فيلاحظ الآتي:
أولًا: كثرة الذبائح والتقدمات ففي أيام العيد يذبح كمحرقات سرور للرب 71 ثورًا 15 كبشًا و105 خروفًا حوليًا صحيحًا إلخ... فبقدر ما يزداد الفرح تعلن الذبيحة بصورة، لأنه فرحنا إنما ينبع عن مصالحتنا مع الله خلال ذبيحته، وسروره بنا من خلالها! بمعنى آخر كلما اكتشفنا قوة الذبيحة إنما ننعم بالفرح السماوي!
ثانيًا: إن كان فرح العيد يبعث فيهم تقديم ذبائح وتقدمات لكن دون تجاهل للمحرقة الدائمة اليوميّة في الصباح والمساء. وكأن العيد وهو يدفعنا بالأكثر للتمتع بالشركة مع الله وممارسة عبادتنا الليتورجية لا يعني توقفنا عن تداريب حياتنا اليوميّة.
ثالثًا: في أيام العيد لا تختلف الذبائح فيما عدا اليوم الثامن حيث الاعتكاف، أما عدد الثيران فيبدأ برقم (13) وينتهي في اليوم السابع برقم (7) بتناقص ثور واحد كل يوم عن اليوم السابق له.
رابعًا: يقدم كل يوم ذبيحة خطيّة كما في سائر الأعياد ملتحمة مع المحرقات وجود رائحة سرور للرب... وكأن سرور الآب بنا يلتحم مع غفران خطايانا خلال العمل الخلاصي الواحد: الصليب!
4. التقدمات الشخصيّة:

39 هذِهِ تُقَرِّبُونَهَا لِلرَّبِّ فِي مَوَاسِمِكُمْ، فَضْلًا عَنْ نُذُورِكُمْ وَنَوَافِلِكُمْ مِنْ مُحْرَقَاتِكُمْ وَتَقْدِمَاتِكُمْ وَسَكَائِبِكُمْ وَذَبَائِحِ سَلاَمَتِكُمْ». 40 فَكَلَّمَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ حَسَبَ كُلِّ مَا أَمَرَهُ بِهِ الرَّبُّ مُوسَى.

بجانب هذه الذبائح والتقدمات الجماعيّة على مستوى كل يوم، وكل أسبوع وكل شهر وكل سنة توجد النذور والتقدمات والسكائب والذبائح التي يقدمها الإنسان بإرادته الشخصيّة، ليلتحم العمل الجماعي مع الشخصي وعبادة الجماعة مع عبادة كل عضو فيها.


النذور



إذ ختم حديثه عن التقدمات والذبائح بالتقدمات الشخصيّة أراد أن يوضح مدى التزام المؤمن بنذوره مميزًا بين الرجل الناضج وبين الابنة التي تحت وصاية أبيها والزوجة المطيعة لرجلها


1. نذر الرجل:

1 وَكَلَّمَ مُوسَى رُؤُوسَ أَسْبَاطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَائِلًا: «هذَا مَا أَمَرَ بِهِ الرَّبُّ: 2 إِذَا نَذَرَ رَجُلٌ نَذْرًا لِلرَّبِّ، أَوْ أَقْسَمَ قَسَمًا أَنْ يُلْزِمَ نَفْسَهُ بِلاَزِمٍ، فَلاَ يَنْقُضْ كَلاَمَهُ. حَسَبَ كُلِّ مَا خَرَجَ مِنْ فَمِهِ يَفْعَلُ.

المبدأ العام في النذر أن الملتزم بالنذر "فلا ينقص كلامه، حسب كل ما خرج من فمه يفعل" [2]. هذا النذر أو القسم يلتزم به ما دام "للرب"، فهو ينذر نذرًا يليق بالرب فيه طاعة لوصاياه، وإلاَّ فلا يحسب هذا نذرًا أو قسمًا يخضع لما ورد في هذا الأصحاح.
وقد لاحظ العلامة أوريجينوس أن العبارة هنا جاءت في الأصل تكرر كلمة "الرجل" مرتين: "إذا نذر الرجل رجل نذرًا للرب"، وهو يتساءل عن سبب تكرار الكلمة، وفي نفس الوقت يجيب بأن هذا يشير إلى مبدأ روحي هام. وهو أن الناذر نذرًا إنما هو "الرجل رجل" إي إنسان يحمل في داخله "الإنسان الجديد" أو "الإنسان الداخلي". فإن الإنسان لا يقدر أن يقدم للرب شيئًا، ولا يفي له نذرًا ما لم يحمل في داخله الإنسان الجديد الذي حمل إمكانيات روحيّة تفرح الله؛ إذ يقول: "لا تستطيع أن تقدم للرب نذورًا دون أن نملك في أنفسنا أو في طبيعتنا شيئًا نقدمه. الإنسان الخارجي لا يمكنه أن يقبل ناموس الله ولا أن يقدم بنفسه نذورًا، إذ لا يمكن أن يوجد لديه ما يكون لائقًا بالرب. وعلى العكس، الإنسان الداخلي له في طبيعته (الجديدة) ما يقدمه للرب، إذ فيه تتركز كل الفضائل ومجموعة العلم والمعرفة، فيه تتجدد صورة الله. عندما ينال الصورة التي وهبه الله إياها في البدء، عندما يحيي الفضائل، وعندما يعود إلى جماله الأول، حينئذٍ يقدر أن يقدم للرب نذورًا، فلا نسميه "الرجل" بل يدعى "الرجل رجل" إن لم يُهذب الإنسان الداخلي ونحافظ عليه ونزينه بالفضائل ونهيئه بالعادات الصالحة وندربه بالتداريب الإلهيّة، وإن لم يبحث عن حكمة الرب ويجتهد في معرفة الكتب المقدسة، لا يمكن أن يدعى "الرجل رجل" بل "الرجل" فقط، أو "الإنسان الجسداني"... إن رأينا الإنسان الداخلي الذي فينا مختبئ تحت أوساخ الخطايا وعفونة الرذائل، يجب علينا أن نسرع في تخليصه من الأدناس، وانتزاعه من نجاسة الجسد والدم، وإقناعه بالتوبة، ليتذكر الله ويأمل في الخلاص... هكذا نستطيع أن نقدم النذور للعلي ونُسَمَّى "الرجل رجل".
هذا عن الإنسان مقدم النذور، لكننا نتساءل: ما هو النذر إلى يطلبه الرب؟
يُجيب العلامة أوريجينوس: [ماذا يطلب منك الرب إلهك إلاَّ أن تتقي الرب إلهك لتسلك في كل طرقه وتحبه، وتعبد الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك؟ (تث 10: 12). إن كنا لا نقدم له أولًا فلا نأخذ منه... إن أعطيتم المجد لله فستنالون مجدًا، لأن الله نفسه يقول: "أكرم الذين يكرمونني" (1 صم 2: 30). أما من جهتي فأقول أنه إذا قدمنا طهارة أقصد طهارة الجسد ننال منه طهارة الروح. وإن سلمناه فكرنا فهو يقدم لنا فكره ككلمات الرسول "أما نحن فلنا فكر المسيح" (1 كو 2: 16)].
إذًا الله يريد القلب كاملًا، يطلب أعماقنا وحبنا وجهادنا فلا ينسى تعب المحبة، يأخذ مما له فينا نذره ليرده إلينا مضاعفًا. نعطي لذلك مثالًا في حياة موسى حين أعلن حبه لله ولشعبه بإصراره "إن لم يَسِر وجهك فلا تصعدنا من ههنا" (خر 33: 15). قدم موسى النبي حبًا إذ صمم ألاَّ يتحرك ما لم يحتل الرب مكانه وسط شعبه، وكأنه يقول لله: لك في وسطنا موضع من يقدر أن يحتله غيرك؟، لهذا بعد قليل يقول الرب لموسى: "هوذا عندي مكان" (خر 33: 21). ردَّ الله الحب بالحب! وعلى العكس حينما حمل إسرائيل في قلبه أصنام الأمم عِوَض محبة الله، وذهبوا يسألون النبي، قال الرب: "أَنَا الرَّبُّ أُجِيبُهُ حَسَبَ كَثْرَةِ أَصْنَامِهِ، لِكَيْ آخُذَ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ بِقُلُوبِهِمْ" (حز 14: 4، 5)، حتى يرجعوا عن أصنامهم.
في العهد القديم نذرت حنة للرب ثمرة بطنها وكرَّست صموئيل للهيكل (1 صم 1: 11، 24)، وللأسف نذر يفتاح أن الخارج من أبواب بيته للقائه عند رجوعه من معركته مع بني عمون يصعده محرقة للرب، وإذا بالخارجة للقائه ابنته الوحيدة كانت تستقبله بدفوف ورقص فمزق ثيابه وامتلأ حزنًا وكدرًا وقدمها محرقة (قض 11: 30-40).

وآخرون قدموا بيوت وحيوانات نذرًا للرب. أما السيد المسيح فقدَّم حياته نذيرًا للآب، حاملًا صليبه ذبيحة حب للبشريّة ووقود رائحة سرور للآب. فاشتمه الآب رائحة رضا عن البشريّة المؤمنة والمقدسة فيه. ونحن أيضًا إذ نحمل هذا النذير الفريد في داخلنا نقبل سمات نذره فينا، فنحمل صليبه في داخلنا ونقدم حياتنا كاملة لله، فلا نعيش بعد لذواتنا بل لله الذي افتدانا. أما علامة نذورنا فهو: "مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ" (غل 2: 20)، "إن كنا قد متنا معه فسنحيا أيضًا معه" (2 تي 2: 11).



2. الابنة في بيت أبيها:

3 وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِذَا نَذَرَتْ نَذْرًا لِلرَّبِّ وَالْتَزَمَتْ بِلاَزِمٍ فِي بَيْتِ أَبِيهَا فِي صِبَاهَا، 4 وَسَمِعَ أَبُوهَا نَذْرَهَا وَاللاَّزِمَ الَّذِي أَلْزَمَتْ نَفْسَهَا بِهِ، فَإِنْ سَكَتَ أَبُوهَا لَهَا، ثَبَتَتْ كُلُّ نُذُورِهَا. وَكُلُّ لَوَازِمِهَا الَّتِي أَلْزَمَتْ نَفْسَهَا بِهَا تَثْبُتُ. 5 وَإِنْ نَهَاهَا أَبُوهَا يَوْمَ سَمْعِهِ، فَكُلُّ نُذُورِهَا وَلَوَازِمِهَا الَّتِي أَلْزَمَتْ نَفْسَهَا بِهَا لاَ تَثْبُتُ، وَالرَّبُّ يَصْفَحُ عَنْهَا لأَنَّ أَبَاهَا قَدْ نَهَاهَا.

إذا نذرت ابنة نذرًا وهي في بيت أبيها وسمع أبوها النذر ولم ينتهرها في نفس اليوم تلتزم الابنة بكل ما نذرته. هذا هو حال كنيسة العهد القديم التي كانت أشبه بفتاة قاصرة في بيت أبيها. لقد نذرت نذرًا حين سمعت وصايا الرب وشرائعه فقالت بلسان "جميع الشعب بصوت واحد... كل الأقوال التي تكلم بها الرب نفعل" (خر 24: 3). وصارت الكنيسة ملتزمة أن تحقق هذا النذر، لكنها للأسف كسرته، لأن الجميع وُجدوا كاسرين للوصيّة.



3. الزوجة في رعاية رجلها:

6 وَإِنْ كَانَتْ لِزَوْجٍ وَنُذُورُهَا عَلَيْهَا أَوْ نُطْقُ شَفَتَيْهَا الَّذِي أَلْزَمَتْ نَفْسَهَا بِهِ، 7 وَسَمِعَ زَوْجُهَا، فَإِنْ سَكَتَ فِي يَوْمِ سَمْعِهِ ثَبَتَتْ نُذُورُهَا. وَلَوَازِمُهَا الَّتِي أَلْزَمَتْ نَفْسَهَا بِهَا تَثْبُتُ. 8 وَإِنْ نَهَاهَا رَجُلُهَا فِي يَوْمِ سَمْعِهِ، فَسَخَ نَذْرَهَا الَّذِي عَلَيْهَا وَنُطْقَ شَفَتَيْهَا الَّذِي أَلْزَمَتْ نَفْسَهَا بِهِ، وَالرَّبُّ يَصْفَحُ عَنْهَا.

إذا نذرت زوجة نذرًا وهي في بيت رجلها وسمع النذر ولم ينتهرها في نفس اليوم تلتزم بكل ما نذرته. إنها حال كنيسة العهد الجديد التي صارت عروسًا للرب، التزمت أن تقدم حياتها مقدسة له. حقًا إنها لن تستطِع أن تفي بالنذر إلاَّ بروح عريسها الذي نالته في داخلها ليقدسها على الدوام ويهيئها للعرس الأبدي.



4. الأرملة والمطلقة:

9 وَأَمَّا نَذْرُ أَرْمَلَةٍ أَوْ مُطَلَّقَةٍ، فَكُلُّ مَا أَلْزَمَتْ نَفْسَهَا بِهِ يَثْبُتُ عَلَيْهَا. 10 وَلكِنْ إِنْ نَذَرَتْ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا أَوْ أَلْزَمَتْ نَفْسَهَا بِلاَزِمٍ بِقَسَمٍ، 11 وَسَمِعَ زَوْجُهَا، فَإِنْ سَكَتَ لَهَا وَلَمْ يَنْهَهَا ثَبَتَتْ كُلُّ نُذُورِهَا. وَكُلُّ لاَزِمٍ أَلْزَمَتْ نَفْسَهَا بِهِ يَثْبُتُ. 12 وَإِنْ فَسَخَهَا زَوْجُهَا فِي يَوْمِ سَمْعِهِ، فَكُلُّ مَا خَرَجَ مِنْ شَفَتَيْهَا مِنْ نُذُورِهَا أَوْ لَوَازِمِ نَفْسِهَا لاَ يَثْبُتُ. قَدْ فَسَخَهَا زَوْجُهَا. وَالرَّبُّ يَصْفَحُ عَنْهَا. 13 كُلُّ نَذْرٍ وَكُلُّ قَسَمِ الْتِزَامٍ لإِذْلاَلِ النَّفْسِ، زَوْجُهَا يُثْبِتُهُ وَزَوْجُهَا يَفْسَخُهُ. 14 وَإِنْ سَكَتَ لَهَا زَوْجُهَا مِنْ يَوْمٍ إِلَى يَوْمٍ فَقَدْ أَثْبَتَ كُلَّ نُذُورِهَا أَوْ كُلَّ لَوَازِمِهَا الَّتِي عَلَيْهَا. أَثْبَتَهَا لأَنَّهُ سَكَتَ لَهَا فِي يَوْمِ سَمْعِهِ. 15 فَإِنْ فَسَخَهَا بَعْدَ سَمْعِهِ فَقَدْ حَمَلَ ذَنْبَهَا». 16 هذِهِ هِيَ الْفَرَائِضُ الَّتِي أَمَرَ بِهَا الرَّبُّ مُوسَى، بَيْنَ الزَّوْجِ وَزَوْجَتِهِ، وَبَيْنَ الأَبِ وَابْنَتِهِ فِي صِبَاهَا فِي بَيْتِ أَبِيهَا.

أظن أن الأرملة والمطلقة تشير إلى النفوس التي رفضت الإيمان وحُرمت من بيت عريسها... فهل تقدر أن تفي بنذرها؟






 
قديم 21 - 06 - 2024, 10:38 AM   رقم المشاركة : ( 164237 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,270,589

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




بنات صلفحاد:

1 فَتَقَدَّمَتْ بَنَاتُ صَلُفْحَادَ بْنِ حَافَرَ بْنِ جِلْعَادَ بْنِ مَاكِيرَ بْنِ مَنَسَّى، مِنْ عَشَائِرِ مَنَسَّى بْنِ يُوسُفَ. وَهذِهِ أَسْمَاءُ بَنَاتِهِ: مَحْلَةُ وَنُوعَةُ وَحُجْلَةُ وَمِلْكَةُ وَتِرْصَةُ. 2 وَوَقَفْنَ أَمَامَ مُوسَى وَأَلِعَازَارَ الْكَاهِنِ وَأَمَامَ الرُّؤَسَاءِ وَكُلِّ الْجَمَاعَةِ لَدَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ قَائِلاَتٍ: 3 «أَبُونَا مَاتَ فِي الْبَرِّيَّةِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْقَوْمِ الَّذِينَ اجْتَمَعُوا عَلَى الرَّبِّ فِي جَمَاعَةِ قُورَحَ، بَلْ بِخَطِيَّتِهِ مَاتَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَنُونَ. 4 لِمَاذَا يُحْذَفُ اسْمُ أَبِينَا مِنْ بَيْنِ عَشِيرَتِهِ لأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ابْنٌ؟ أَعْطِنَا مُلْكًا بَيْنَ إِخْوةِ أَبِينَا». 5 فَقَدَّمَ مُوسَى دَعْوَاهُنَّ أَمَامَ الرَّبِّ.

أثناء التعداد السابق ظهرت قضية واحدة وفريدة وهي أن بني جلعاد صاروا عشائر يضمون ذكورًا دخلوا في الإحصاء ما عدا صلفحاد، إذ قيل "وأما صلفحاد بن حافر فلم يكن له بنون بل بنات، وأسماء بنات صلفحاد مَحَلَّة ونوعة وحجلة وملكة وترصة" (عد 26: 33)، بهذا لم يدخل صلفحاد في التعداد. لكن بناته الخمسة كُنَّ شجاعات مملوءات إيمانًا ورجاءً في نوال نصيب مع بقية الشعب، فوقفن أمام موسى وألِعازار الكاهن وأمام الرؤساء ولكل الجماعة لدى باب خيمة الاجتماع يعرضن قضيتهن بقوة حجة، قائلات: "أبونا مات في البريّة ولم يكن في القوم الذين اجتمعوا على الرب في جماعة قورح بل بخطيته مات، ولم يكن له بنون، لماذا يُحذف اسم أبينا من بين عشيرته لأنه ليس له ابن؟ أعطنا ملكًا بين إخوة أبينا" [3-4] لقد تحدثن بشجاعة لكن في وقار وباتضاع، واعترفن أن أباهن مات بخطيته كما مات كل الجيل السابق بخطيته لكنه ليس من مغتصبي الكهنوت كقورح وجماعته، فلماذا يُحذف اسمه من بين وارثي الأرض الجديدة؟


إنها كلمات إيمانيّة وتمسك بوعود الله يفتح السماء للاستجابة، فألزم الله الجماعة كلها بقانون للميراث فيه يرث الابن أباه، فإن لم يكن للمتوفي ابنًا فابنته، وإن لم يكن له ابنة فإخوته، أو أعمامه، أو أقرب من له في عشيرته.
هذه القصة الفريدة التي سجلها الوحي الإلهي تحمل أيضًا مفهومًا رمزيًا سجله لنا العلامة أوريجينوس، فيرى أن "صلفحاد" يعني "ظلّ في فمه"، أو ظلّ فيه حماية من الخوف. إنه يمثل الإنسان الذي ينطق نعمة الناموس كظلّ للحق دون أن يتعرَّف عليه في أعماقه كحياة، الإنسان الحرفي الذي لا ينجب أولادًا. "هذا الرجل الذي لا يدرك أي معنى روحي أو أي فكر عميق، ليس له إلاَّ ظل الشريعة في فمه، فلا يقدر أن ينجب أفكارًا حيّة وروحيّة، لكنه ينجب أفعالًا وأعمالًا (بنات) هذه التي تخدم عامة الشعب". إنه لا يحمل أفكارًا لأن الأولاد الذكور يشيرون إلى الفكر أو العقل، إنما أعمالًا لأن البنات يُشِرن إلى الجسد والعمل.
يمكننا أيضًا أن نرى فيها صورة رمزيّة حيّة لحياة المؤمن، فإن كان "صلفحاد" يعني "ظلّ في فم" أو "ظلّ في خوف" فهو يشير إلى الجسد بكونه كالظلّ يظهر في العالم ليختفي، إذ يموت الجسد مع السيد المسيح كما مات صلفحاد فإنه يحمل بنات مباركات هن الحواس الخمسة التي تتقدس خلال التمتع بالموت مع المسيح. هؤلاء البنات يعترفن أن أباهن قد مات في السيد المسيح ولم يهلك مع قورح وجماعته. مثل هذه الحواس المقدسة والمصلوبة مع السيد المسيح تنتصب مراحم الله وحكمه المملوء حبًا وترفقًا لينعم الجسد مع النفس بالميراث الأبدي ولا يحذف اسمه من بين عشيرة السمائيّين!
 
قديم 21 - 06 - 2024, 10:39 AM   رقم المشاركة : ( 164238 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,270,589

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




قانون الميراث:

6 فَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلًا: 7 «بِحَقّ تَكَلَّمَتْ بَنَاتُ صَلُفْحَادَ، فَتُعْطِيهِنَّ مُلْكَ نَصِيبٍ بَيْنَ إِخْوَةِ أَبِيهنَّ، وَتَنْقُلُ نَصِيبَ أَبِيهِنَّ إِلَيْهِنَّ. 8 وَتُكَلِّمُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَائِلًا: أَيُّمَا رَجُل مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ ابْنٌ، تَنْقُلُونَ مُلْكَهُ إِلَى ابْنَتِهِ. 9 وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ ابْنَةٌ، تُعْطُوا مُلْكَهُ لإِخْوَتِهِ. 10 وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِخْوَةٌ، تُعْطُوا مُلْكَهُ لإخوَةِ أَبِيهِ. 11 وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لأَبِيهِ إِخْوَةٌ، تُعْطُوا مُلْكَهُ لِنَسِيبِهِ الأَقْرَبِ إِلَيْهِ مِنْ عَشِيرَتِهِ فَيَرِثُهُ». فَصَارَتْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ فَرِيضَةَ قَضَاءٍ، كَمَا أَمَرَ الرَّبُّ مُوسَى.

بسبب قضية بنات صلفحاد جاء قانون الميراث يعلن الورثة الشرعيّين كما قلنا الابن، فالبنت، فالإخوة، فالأعمام أو أقرب من في العشيرة.
ويرى العلامة أوريجينوسفي هذا القانون ظلًا للخيرات السماويّة، إذ يرى هؤلاء الورثة الخمسة على الأرض فيرمزون للورثة في السماء. ففي الدرجة الأولى درجة الأبناء هؤلاء الذين لهم معرفة روحيّة، أما الدرجة الثانية "الابنة" فتشير لأصحاب العمل الممتاز، لأننا كما سبق فكرَّرنا أن الذكر يشير إلى الفكر أو العقل أو المعرفة، أما الأنثى فتشير إلى الجسد أو العمل والخدمة. الأولون يمثلون أصحاب التأمل والآخرون يمثلون المجاهدين في الخدمة والعمل. الدرجة الثالثة، أي درجة الإخوة، فيمثلون الذين يجاهدون متمثلين بالآخرين كإخوة لهم. الدرجة الرابعة أي العم ففي رأيه يمثل جماعة البسطاء الذين يمارسون العادات الطيبة دون عمق فكري. وأخيرًا درجة أي قريب تشير إلى الورثة الذين يضمهم الرب لأجل أي عمل يصنعونه في بساطة، إذ يشتاق الرب إلى خلاص الكل.
 
قديم 21 - 06 - 2024, 10:41 AM   رقم المشاركة : ( 164239 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,270,589

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة






12 وَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «اصْعَدْ إِلَى جَبَلِ عَبَارِيمَ هذَا وَانْظُرِ الأَرْضَ الَّتِي أَعْطَيْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ. 13 وَمَتَى نَظَرْتَهَا، تُضَمُّ إِلَى قَوْمِكَ أَنْتَ أَيْضًا كَمَا ضُمَّ هَارُونُ أَخُوكَ. 14 لأَنَّكُمَا فِي بَرِّيَّةِ صِينَ، عِنْدَ مُخَاصَمَةِ الْجَمَاعَةِ، عَصَيْتُمَا قَوْلِي أَنْ تُقَدِّسَانِي بِالْمَاءِ أَمَامَ أَعْيُنِهِمْ». ذلِكَ مَاءُ مَرِيبَةِ قَادَشَ فِي بَرِّيَّةِ صِينَ. 15 فَكَلَّمَ مُوسَى الرَّبِّ قَائِلًا: 16 «لِيُوَكِّلِ الرَّبُّ إِلهُ أَرْوَاحِ جَمِيعِ الْبَشَرِ رَجُلًا عَلَى الْجَمَاعَةِ، 17 يَخْرُجُ أَمَامَهُمْ وَيَدْخُلُ أَمَامَهُمْ وَيُخْرِجُهُمْ وَيُدْخِلُهُمْ، لِكَيْلاَ تَكُونَ جَمَاعَةُ الرَّبِّ كَالْغَنَمِ الَّتِي لاَ رَاعِيَ لَهَا». 18 فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «خُذْ يَشُوعَ بْنَ نُونَ، رَجُلًا فِيهِ رُوحٌ، وَضَعْ يَدَكَ عَلَيْهِ، 19 وَأَوْقِفْهُ قُدَّامَ أَلِعَازَارَ الْكَاهِنِ وَقُدَّامَ كُلِّ الْجَمَاعَةِ، وَأَوْصِهِ أَمَامَ أَعْيُنِهِمْ. 20 وَاجْعَلْ مِنْ هَيْبَتِكَ عَلَيْهِ لِكَيْ يَسْمَعَ لَهُ كُلُّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، 21 فَيَقِفَ أَمَامَ أَلِعَازَارَ الْكَاهِنِ فَيَسْأَلُ لَهُ بِقَضَاءِ الأُورِيمِ أَمَامَ الرَّبِّ. حَسَبَ قَوْلِهِ يَخْرُجُونَ، وَحَسَبَ قَوْلِهِ يَدْخُلُونَ، هُوَ وَكُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَعَهُ، كُلُّ الْجَمَاعَةِ». 22 فَفَعَلَ مُوسَى كَمَا أَمَرَهُ الرَّبُّ. أَخَذَ يَشُوعَ وَأَوْقَفَهُ قُدَّامَ أَلِعَازَارَ الْكَاهِنِ وَقُدَّامَ كُلِّ الْجَمَاعَةِ، 23 وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِ وَأَوْصَاهُ كَمَا تَكَلَّمَ الرَّبُّ عَنْ يَدِ مُوسَى.

شخصيّة موسى النبي تزداد بهاءًا ومجدًا مع كل يوم يعيشه في الخدمة حتى اللحظات الأخيرة التي فيها أسلم روحه في يدي الله. بين أيدينا دعوة من الله موجهة لهذا النبي العظيم ليصعد على جبال عباريم يلقي نظرة على أرض الموعد من بعيد ويُضَم إلى آبائه... وهنا تلألأت نفس هذا الجبار بتصرفه الحكيم المملوء روحانيّة والبعيد كل البعد عن روح الأنانية أو العجرفة...


كانت كلمات الرب لموسى: "اصعد إلى جبل عباريم، وانظر الأرض التي أعطيت بني إسرائيل، ومتى نظرتها تُضَم إلى قومك أنت أيضًا كما ضُم هرون أخوك" [12، 13].
كانت دعوته أن يصعد إلى جبل عباريم، كما سبق فصعد هرون أخوه إلى جبل هور وهناك تنيَّح بسلام وفرح بعد أن خلع ثياب الكهنوت ليرتديها ابنه ألِعازار [عد 20]، هكذا يرتفع موسى النبي على جبل عباريم أي جبل العبور وهناك يرى مواعيد الله تتحقق فيرقد بسلام وفرح. وكما قلنا عن هرون أنه لم ينزل إلى الهاوية كقورح وجماعته بل صعد إلى جبل هور، هكذا صعد أيضًا موسى. فالموت بالنسبة له ارتفاع صعود وليس نزول وخسارة!
وللعلامة أوريجينوس تعليق جميل: [انظر أولًا كيف أن الرجل الكامل والسيد لا يموت في وادي أو في سهل لا على تل بل على الجبل، أي على مكان مرتفع يصعب الوصول إليه. لأن نهاية حياته كانت لها المرتفعات كمسوح. هذا وهناك ينظر بعينيه أرض الموعد، يتمعن في كل شيء من مكان مرتفع بعيد. حقًا ينبغي للرجل الذي يريد أن يبلغ منتهى الكمال ألاَّ يظل جاهلًا (الأرض) بل يتعرف على كل الأشياء، يراها ويسمعها. عندما يدخل إلى عالم الروح ونقاوة الفكر يعود إلى الأمور التي تعرف عليها وهي في شكلها المادي أثناء وجوده في الجسد فيستمع إلى دروس الحكمة ويمكث في مدرستها ويدرك أسبابها ودواعيها بسرعة. أي منفعة أخرى له مثل أن يرى قبل رحيله من هذا العالم الأراضي والأماكن التي ليس له أن يتغلب على صعابها (إذ هو يستريح من التعب) دون أن يحصل على مزاياها (لأنه يتركها)!]. حقًا ما قد جاهد من أجله عشرات السنوات لينعم به هو وشعبه الآن يراه من بعيد لتستريح نفسه فيه!
إنه يرى أرض الموعد من بعيد ويُضَم إلى قومه كهرون، فهو لا يراها لتبكيته وإنما لتفرح نفسه في داخله من أجل دخول شعبه إليها لهذا يُضَم إلى قومه أي إلى صفوف آباء هذه الجماعة، فيستريح مع الآباء دون أن ينفصل عن الجماعة.
لقد ذكَّر الرب موسى بحرمانه هو وأخيه من دخول الأرض بسبب ما حدث عند ماء مريبة (أصحاح 20) لا لتبكيته وإنما ليزداد موسى تزكية أمام الله، فإنه لا يشفع عن نفسه ولا عن أخيه في هذا الأمر بل يهتم بالجماعة فيصرخ من أجل اختيار القائد المناسب الذي يراه "إله أرواح جميع البشر" مناسبًا! يا لهُ من حب عجيب حينما ينسى القائد الروحي -حتى النسمات الأخيرة- كل ما يخصه شخصيًا لأجل بناء الجماعة وسلامها ونموها!
ولعل الله سمح بتأكيد ضعف موسى حتى اللحظات الأخيرة ليعلن عجز الناموس عن التقديس، إذ يقول الرسول "قد ملك الموت من آدم إلى موسى" (رو 5: 14)، "دخلت الخطيّة إلى العالم، وبالخطيّة الموت، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع" (رو 5: 12)... صارت الحاجة إلى آخر غير موسى قادر لا أن يرى الأرض من بعيد بل يدخل بشعبه إليها. لقد أعلن الناموس عن السمويات لكن من بعيد خلال الظلّ أما يشوع الحقيقي، فقد أجلسنا في السمويات.
 
قديم 21 - 06 - 2024, 10:42 AM   رقم المشاركة : ( 164240 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,270,589

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة





اهتم موسى بالصلاة طالبًا من الله أن يختار بنفسه الرجل الذي يقود الجماعة... لم يفكر في ابنيه ولا في أقربائه ليحلّ أحدهم مركزه لكنه اهتم أولًا وقبل كل شيء في الجماعة التي يحبها من كل قلبه.
يقول العلامة أوريجينوس: [يجب على رؤساء الكنيسة بدلًا من أن يوصوا بأقربائهم حسب الدم والجسد... أن يتعلموا الرجوع إلى أحكام الله، وبدلًا من أن يختاروا حسب عواطفهم البشريّة أن يتركوا تعيين من يخلفهم لقرار الله. ألم يكن يستطيع موسى أن يختار رئيسًا للشعب بحكمة حقيقيّة وبقرار صالح وعادل، هذا الذي قال الله له "اجمع إليَّ سبعين رجلًا من شيوخ إسرائيل الذين تعلم أنهم شيوخ الشعب" (عد 11: 16)، وقد اختارهم حسب روح الله الذي حلَّ عليهم فتنبأوا جميعًا؟ لكن موسى لم يفعل هذا ولا عيَّن أحدًا. إنه لم يجسر على فعل هذا، لماذا؟ حتى لا يترك للأجيال القادمة مثالًا فيه يعتمد الإنسان على رأيه. إنه يقول: "ليوكل الرب إله أرواح جميع البشر رجلًا على الجماعة، يخرج أمامهم ويدخل أمامهم ويخرجهم ويدخلهم لكي لا تكون جماعة الرب كالغنم التي لا راعي لها" [16، 17]. إن كان رجل عظيم كموسى لا يترك لحكمه الخاص في أمر تعيين رئيس على الشعب، وتنصيب خلف له، فمن الذي يجسر من وسط هذا الشعب... أو حتى بين صفوف الكهنة أن يعتبر نفسه قادرًا على إعطاء رأيه في هذا الأمر، اللهم إلاَّ في حالة إلهام يحصل عليها خلال الصلوات الكثيرة والتضرعات المقدمة لله؟].
أجاب الله طلبته بتوصيته أن يضع يده على تلميذه يشوع بن نون. حقًا ما أعظم فرحة موسى بهذا الأمر الإلهي، فقد اختار الرب الرجل الذي كان الذراع الأيمن لموسى زمانًا طويلًا، هذا الذي كان لا يفارق الخيمة (خر 33: 11). يتشرب الروح الكنسيّة العميقة والداخليّة. الإنسان الذي دخل أرض الموعد وجاء يقدم لإخوته عربون الحياة الجديدة مع تأكيدات بدخول الأرض والتمتع بخيراتها... وإنني أترك الحديث عن هذا القائد الجديد عند تفسير يشوع إن سمح الرب وعشنا، مكتفيًا هنا بالكشف عن مراسيم إقامته رئيسًا للجماعة:
جاءت الوصيّة الإلهيّة لموسى: "ضع يدك عليه" [18]. وأوضح سفر التثنية فاعليّة هذا العمل: "ويشوع بن نون كان قد امتلأ روح حكمة إذ وضع موسى عليه يده" (تث 34: 9). لقد تسلم عمل امتلأ روح حكمة أو روح القيادة. لهذا ارتبط وضع الأيدي غالبًا بسيامة خدام الله.
 
موضوع مغلق

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:11 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024