09 - 05 - 2024, 04:57 PM | رقم المشاركة : ( 159881 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
كلام الله في حياة الاسقف والكاهن والشماس من الدعوة العامّة الى الدعوات الخاصّة، ابتداءً من الرعاة الّذين نالوا سرّ الرتبة (كلام الرب ظ§ظ¨ – ظ¨ظ*). يؤكّد السينودس أنّ كلام الله ضروريّ لتكوين قلب الراعي الصالح وهو خادم الكلمة. أساقفة وكهنة وشمامسة لا يستطيعون بأيّ شكل من الأشكال التفكير بأن يحيوا دعوتهم ورسالتهم بدون التزام جاد ومتجدّد في القداسة التي تجد في لقاء الكتاب المقدّس أحد أعمدتها. يذكّر قداسة البابا بتعليم سلفه يوحنا بولس الثاني في الإرشاد الرسولي «رعاة الرعية (Pastores gregis) حول الأسقف، خادم إنجيل يسوع المسيح من أجل رجاء العالم». حتى يكون باستطاعته تنمية الحياة الروحيّة، على الأسقف أن يضع في المرتبة الأولى مطالعة كلمة الله والتأمّل بها. لذلك يجب أن يضع ملء ثقته بالربّ وبكلمة نعمته وهو القادر على أن يشيد البنيان ويجعل الميراث مع جميع القدّيسين (عن اعمال ظ¢ظ* : ظ£ظ¢). قبل أن يكون ناقلا للكلمة على الأسقف مع كهنته أن يكون مصغياً للكلمة. لذلك يدعو قداسة البابا كلّ الأساقفة أن يقتدوا بمريم، البتول المصغية وسلطانة الرسل، فيطالعوا شخصيّاً ويثابروا على دراسة الكتاب المقدّس. في معرض كلامه عن دور كلام الله في حياة الكاهن، يذكر قداسة البابا تعليم سلفه يوحنا بولس الثاني في الإرشاد الرسوليّ “أعطيكم رعاة” عدد ظ¢ظ¦: «الكاهن هو قبل كلّ شيء خادم كلمة الله، وهو مكرّس ومرسل للتبشّير بإنجيل ملكوت، داعياً كلّ إنسان لطاعة الإيمان فيسير بالمؤمنين إلى معرفة وشركة أعمق بسرّ الله الّذي كُشِف عنه وأُعلن بالمسيح. لذلك يجب على الكاهن أن يبادر إلى تنمية إلفة شخصيّة مع كلمة الله: لا يكفي أن يعرف الناحية اللغويّة والتفسيريّة ولو كانت هذه ضروريّة. إذ عليه أن يقترب من الكلمة بقلب مطواع ومصليّ، فتلج إلى عمق أفكاره ومشاعره وتخلق فيه عقليّة جديدة – فكر المسيح (ظ، قورنتس ظ¢ : ظ،ظ¦)». لذلك يجب أن يكون كلامه واختياراته وتصرفاته أكثر شفافيّة وإعلاناً وشهادة للإنجيل. فقط إذا ثبت في الكلمة يصبح الكاهن تلميذاً كاملاً للرب، يعرف الحقيقة التي تجعله بالفعل حرّاً. في خلاصة القول، تتطلّب الدعوة الكهنوتيّة التكرّيس بالحقيقة. وكان يسوع نفسه قد صاغ هذه الحاجة نسبة لتلاميذه: «كرّسهم بالحقّ. إنّ كلمتك حقّ. كما أرسلتني إلى العالم، فكذلك أنا أرسلتهم إلى العالم» (يوحنا ظ،ظ§ : ظ،ظ§ – ظ،ظ¨). يقول بندكتس السادس عشر في عظة قداس الميرون (ظ© نيسان ظ¢ظ*ظ*ظ©): «وكأنّ التلاميذ يُسحبون إلى أعماق الله بواسطة الغوص في كلمة الله. فكلمة الله، إذا صحّ القول، هو الغسل الّذي يطهّر التلاميذ والقوّة الخلاّقة الّتي تحوّلهم إلى كيان الله. وبما أنّ المسيح نفسه هو كلمة الله المتجسّد (يوحنا ظ، : ظ،ظ¤)، وهو الحقّ (يوحنا ظ،ظ¤ : ظ¦)، تدلّ صلاة يسوع «كرّسهم بالحق» على الوحدة بالمسيح: «وحّدهم بي. أدخلهم إلى أعماقي. إذ إنّ الكاهن الوحيد في العهد الجديد هو يسوع المسيح نفسه». على الكهنة أن يتعمّقوا أكثر فأكثر في هذه الحقيقة. تدلّ هذه الكلمات العميقة من الارشاد الرسوليّ على دور كلمة الله في حياة الكاهن. وهو إنسان مدعوّ إلى سبر أعماق الله على متن سفينة الكلمة والكلمة صار جسداً وحلّ بيننا. من جهة أخرى تساهم مطالعة كلمة الله بالإيمان في صقل شخصيّة الكاهن ليصبح أكثر فأكثر مسيحاً آخر. كرّسهم بالحق، قال يسوع، وبقوله يريد أن يتماثل الكاهن به، فيعطيه قلبه وفكره ليقوم بالرسالة. على تلميذ يسوع أن يكتسب أكثر فأكثر عقليّة إنجيليّة، فيرى كلّ ما يحدث في حياته وحوله بعيون الرّبّ. يشير دليل الشماسية الدائمة إلى أنّ الروحانيّة الخاصّة بالشمّاس تنبع من هويّته اللاهوتيّة. فالمثال المطلق هو المسيح الخادم… لذلك تكون كلمة الله عنصراً أساسيّاً في روحانيّة الشماس وتنشئته للرسالة. فهو مدعوّ للتبشير بكلمة الله. ولكن عليه أن يؤمن بما يبشّر ويعلّم بما يؤمن ويعيش ما سوف يعلّمه. لذلك يدعو قداسة البابا إلى أن يثابر الشمامسة على قراءة الكتاب المقدّس بإيمان وذلك من خلال البحث والصلاة. يجب أن يتعلّموا أصول التفسير والعلاقة بين الكتاب المقدّس والتقليد، خاصّة ما يتعلّق باستعمال الكتاب المقدّس في الوعظ والتعليم المسيحيّ والنشاط الراعويّ. |
||||
09 - 05 - 2024, 04:58 PM | رقم المشاركة : ( 159882 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
كلمة الله وطلاب الكهنوت (كلام الرب ظ¨ظ¢) أعطى السينودس أهميّة كبرى لدور كلمة الله في الحياة الروحيّة لطلاب الكهنوت: «على طلاب الكهنوت أن يتعلّموا حبّ كلمة الله. ليكن إذاً الكتاب المقدّس روح التنشئة اللاهوتيّة مشدّدين على التواصل بين علم التفسير واللاهوت والروحانيّة والرسالة» (توصية ظ£ظ¢). الاكليريكيون مدعوون إلى إقامة علاقة وثيقة وشخصيّة بكلمة الله، خاصّة في القراءة الربّيّة، إذ في هذه العلاقة تنمو الدعوة: في ضوء كلمة الله وقوّتها يتمّ اكتشاف الدعوة الشخصيّة فيفهمها المرء ويحبّها ويعيش الرسالة إذ تسكنه أفكار الله. هكذا يصبح الإيمان، وهو جواب على كلمة الله، مقياس تقييم النّاس والأشياء والأحداث ومشاكل الحياة. لا يجب بأيّة حال خلق انقسام بين القراءة المصليّة للكتاب المقدّس والدروس التفسيريّة خلال سنوات الدراسة الأكاديميّة. يوصي السينودس بمساعدة الإكليريكيين على فهم العلاقة بين البحث البيبليّ والصلاة مع الكتاب المقدّس. من جهة يكون درس الكتاب المقدّس درباً لإدراك عميق لسرّ الوحي الإلهيّ فيبعث على صلاة تجيب على الربّ الّذي يتكلّم. ومن جهة أخرى لا يمكن للصلاة الحقيقيّة إلا أن تحثّ طالب اللاهوت على معرفة أكثر عمقاً لله الّذي يكشف عن ذاته في كلمته وهي تعبير عن حبّه الأزليّ. لذلك يجب أن نعتني عناية كبرى حتى يتمكّن الإكليريكيّون من تنمية روح الصلاة والبحث جنباً إلى جنب. من أجل تحقيق هذا الهدف يكون من المفيد بمكان تعليم طرق تفسير للكتاب المقدّس تسمح بمقاربة جامعة لا تفصل بين العلم والبعد والإيمانيّ. |
||||
09 - 05 - 2024, 04:59 PM | رقم المشاركة : ( 159883 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
كلمة الله والحياة المكرّسة تنبع الحياة المكرّسة من الإصغاء لكلمة الله وقبول الإنجيل قانون حياة. إذ إنّ اتّباع المسيح العفيف والفقير والمطيع هو تفسير حيّ لكلمة الإنجيل. فالروح القدس الواحد ملهم كتابة الأسفار المقدّسة هو نفسه الّذي أنار بنور كلمة الله المؤسّسين والمؤسِّسات في الحياة الرهبانيّة. من كلمة الله تصدر كلّ هبة وكلّ قانون رهبانيّ يهدف إلى أن يكون تفسيراً لها ومسيرة حياة إنجيليّة جذريّة. يتابع قداسة البابا مذكّراً بحقيقة تاريخيّة، فيقول أنّ التقليد الرهبانيّ الكبير لطالما وضع التأمّل في الكتاب المقدّس، بنوع خاصّ القراءة الربّيّة، عاملاً أساسيّاً في روحانيّته. فالجماعات المكرّسة مدعوة لأن تكون مدارس روحيّة أصيلة مبنيّة على قراءة الكتاب المقدّس بحسب الروح القدس في الكنيسة، وذلك من أجل فائدة الكنيسة بأسرها. لذلك يوصي السينودس بأن لا ينقص أبداً في جماعات الحياة المكرّسة تنشئة متينة على قراءة الكتاب المقدّس بالإيمان. أتمنّى، يقول قداسة البابا، أن أكون لسان حال السينودس الّذي لفت الأنظار إلى الرهبانيّات التي تعيش الحياة التأمليّة وشكر الله من أجلها، وهذه بصميم روحانيّتها تكرّس وقتاً طويلاً للإقتداء بوالدة الله الّتي كانت تتأمّل باسمترار كلمات وأحداث ابنها (عن لوقا ظ¢ : ظ،ظ© وظ¥ظ،)، وبمريم من بيت عنيا التي كانت تجلس عند قدمي الرّب وتصغي إلى كلامه (عن لوقا ظ،ظ* : ظ£ظ¨). يتوجّه بالفكر قداسة البابا إلى الرهبان والراهبات الّذين يعيشون في الأديرة المحصّنة، ينفصلون عن العالم فيعيشون بوحدة حميمة مع المسيح، قلب العالم. تحتاج الكنيسة أكثر من أي وقت مضى إلى شهادة من «لا يفضّل أي شيء على المسيح» (القدّيس مبارك، قانون ظ¤، ظ¢ظ،). عالمنا اليوم مأخود بكل نوع من النشاط الخارجي لذلك هو في خطر الضياع. يذكّرنا المكرّسون والمكرّسات في الحياة التأمليّة بأن ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكلّ كلمة تخرج من فم الله (ر. متى ظ¤ : ظ¤). ليكن المؤمنون على يقين إذاً إنّ هذا النوع من الحياة «يدلّ عالم اليوم على الشيء الأهم والنهائيّ: هناك سبب أخير يحسن العيش من أجله وهو الله ومحبّته الخفيّة» (بندكتس السادس عشر، عظة في دير الصليب المقدّس، ظ© ايلول ظ¢ظ*ظ*ظ§). |
||||
09 - 05 - 2024, 05:00 PM | رقم المشاركة : ( 159884 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
كلمة الله والمؤمنون العلمانيون شكر السينودس العلمانيين الّذين يعملون على نشر الإنجيل في مختلف حالات الحياة اليوميّة، في العمل والمدرسة والعائلة والتربية. فالمعموديّة تدفع المؤمنين على أن يعطوا دليلاً على ما هم عليه من رجاء (راجع ظ، بطرس ظ£ : ظ،ظ¥). يذكر قداسة البابا الإرشاد الرسوليّ حول المؤمنين العلمانيين لسلفه البابا يوحنا بولس الثاني (ظ،ظ©ظ¨ظ¨)، ويشدّد على ضرورة تنشئة هؤلاء المؤمنين العلمانيين على دراسة الكتاب المقدّس في الكنيسة. لذلك على الأبرشيات أن تقدّم فرص تنشئة بيبليّة للعلمانيين، وهذا من مسؤولية الرعاة الشرعيين. |
||||
09 - 05 - 2024, 05:01 PM | رقم المشاركة : ( 159885 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
كلمة الله والزواج والعائلة يقول قداسة البابا يوحنا بولس الثاني في الإرشاد حول العائلة (Familiaris consortio, 22 novembre 1981, 49): «تكشف الكنيسة للعائلة المسيحيّة هويّتها الحقيقيّة، ما يجب أن تكون عليه حسب مخطّط الرّبّ وذلك بواسطة التبشّير بكلمة الله». كلمة الله هي في أصل الزواج، كما نقرأ في سفر التكوين (ظ¢ : ظ¢ظ¤)، ويسوع يفسه أقام الزواج بين مؤسّسات ملكوت الله (ر. متى ظ،ظ© : ظ¤ – ظ¨)، فرفعه إلى مرتبة السّرّ (ر. افسس ظ¥ : ظ£ظ، – ظ£ظ¢). لذلك يجب الرجوع إلى كلمة الله لإلقاء الضوء على الصعوبات التي تواجه سرّ الزواج والحياة العائليّة، من ابتذال للجنس واختلاف بين الجنسين. فكلمة الله تؤكّد على طيبة الإنسان في أصله وقد خُلق ذكراً وأنثى ودُعي لحبّ أمين ومتبادل وخصب. من هذا السّرّ العظيم، سرّ الزواج، تنبع مسؤولية الوالدين في تربية أبنائهم من خلال شهادتهم لمعنى الحياة في المسيح. من خلال الأمانة والوحدة في العائلة يكونون المعلنين الأولين لكلمة الله. على الجماعة الكنسيّة مساعدة الأهل على تنمية الصلاة في الأسرة والأصغاء لكلمة الله ومعرفة الكتاب المقدّس. لذلك يتمنّى السينودس أن يكون الكتاب المقدّس في كلّ بيت حيث يحفظ بشكل لائق، ويُستعمل للمطالعة والصلاة. تتمّ هذه المساعدة بواسطة الكاهن والشّماس أو علمانيين مهيّئين. كما أوصى السينودس بإقامة جماعات مؤلفة من عدة عائلات تجتمع للصلاة والتأمّل معاً بنصوص معيّنة ومناسبة من الكتاب المقدّس. وليتذكّر الزوجان أنّ كلمة الله هي معين ثمين في مصاعب الحياة الزوجيّة والعائليّة. دور النساء في معرفة الكتاب المقدّس. ويصف مساهمتهنّ بعبارة سلفه قداسة البابا يوحنا بولس الثاني: الإبداع أو النبوغ النسائي. فهنّ يعرفن كيفيّة المساعدة على الإصغاء للكلمة والعلاقة الشخصيّة مع الله وإيصال معنى التسامح والمشاركة الإنجيليّة. وما يميّزهن بلا شك هو القدرة على المحبّة والرحمة وبناء السّلام من خلال الدفء الإنساني في عالم يحسب النّاس بمقاييس الاستغلال والربح الباردة. |
||||
09 - 05 - 2024, 05:01 PM | رقم المشاركة : ( 159886 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
القراءة المصليّة للكتاب المقدّس، القراءة الربّيّة نأتي إلى الميزة الكبرى في هذا الإرشاد الرسوليّ وقد بانت معالمها في كلّ فصوله: البعد الروحيّ. فالكتاب المقدّس هو عنصر أساسيّ في الحياة الروحيّة لكلّ مؤمن، وذلك من خلال القراءة الربّيّة. فقد استعاد آباء السينودس تعليم الدستور العقائدي في الوحي الإلهي، ظ¢ظ¥: يُحرّض المجمعُ المقدس تحريضاً ملحاحاً جميع المسيحيّن… أن يدركوا «معرفة المسيح السّامية» (فيليبي ظ£ : ظ¨)، بالمواظبة على قراءة الكتب الإلهيّة، لأنّ «من جهل الكتب المقدّسة، جهل المسيح» (القدّيس إيرونيموس). فليرتاحوا إذن الى مباشرة النصوص المقدّسة ذاتها، إمّا في الخدمة الطقسيّة المتشّعبة من كلام الله، وإما في القراءة الخاشعة، وإمّا في المحاضرات العلميّة الملائمة، وإمّا في أحد الأساليب الأخرى التي تعمّمت في أيامنا الحاضرة بشكلٍ يستجلب المديح، بعد أن نالتِ الرّضى من رعاة الكنيسة واستقطبت اهتمامهم. وليفطنوا أن يقرنوا الصلاة بقراءة الكتب المقدّسة، لأن بهما ينشأ الحوارُ بين الله والإنسان، «لأنّنا نتحدّثُ الى الله عندما نصلّي، ولكننا نستمع إليه عندما نقرأُ آيات الوحي الإلهيّ» (القدّيس أمبروسيوس).» يعلّق الإرشاد على النّصّ المجمعيّ قائلاً أنّه يستعيد التقليد الآبائي وفيه حثٌّ على الاقتراب من الكتاب المقدّس في حوار مع الله. على قول القدّيس أغسطينوس: «عندما تقرأ يتكلّم الله معك وعندما تصلّي تكون أنت من يتكلّم مع الله». أوريجنوس، أحد معلمّي هذه القراءة الروحيّة، يؤكّد أن فهم الكتاب المقدّس يتطلّب علاقة حميمة مع المسيح والصلاة أكثر من البحث. وكان مقتنعاً بأنّ الطريق الأفضل لمعرفة الله هو الحبّ، وأنّ المرء لا يستطيع اكتساب “علم المسيح” (scientia Christi) إن لم يهوى المسيح. في رسالته إلى غريغوريوس، اللاهوتي الإسكندرانيّ الكبير، يقول: «ثابر على مطالعة الاسفار المقدّسة. التزم بالقراءة بقصد إرضاء الله والإيمان به. وإذا وجدت نفسك وأنت تطالع أمام باب مغلق، اقرع الباب يفتح لك الحارس على قول يسوع. وأنت تعكف على القراءة الربّيّة إبحث بصدق وثقة بالله عن معنى الكتب المقدّسة. ولكن لا يجب أن تكتفي بقرع الباب والبحث: أنت بحاجة مطلقة إلى الصلاة.ولمّا أراد المخلّص حثّنا على الصلاة لم يقل فقط: “ابحثوا تجدوا” و”اقرعوا يُفتح لكم” وحسب، بل أضاف: “اسألوا يُعطى لكم”. بحثٌ وإيمانٌ وحبٌّ وصلاة. بهذه يلج المؤمن إلى قلب الله الّذي يختبئ وراء كلمات الكتاب المقدّس. وفي كلّ هذا علينا الابتعاد عن خطر القراءة الفردانيّة (individualistico) بعيداً عن روح الشركة في الكنيسة. لا ننسى أن الكتاب المقدّس هو قبل كلّ شيء كتاب الكنيسة. لذلك علينا أن نقرأه في شركة مع الكنيسة ومع كلّ شهود الكلمة، ابتداءً من الآباء حتى قدّيسي أيامنا وتعليم الكنيسة المعاصر. لذلك تكون الليتورجية المكان المميّز للقيام بالقراءة المصليّة للكتاب المقدّس، خاصّة الافخارستية، حيث تصبح كلمة الله واقعاً في جسد الرّبّ ودمه. إذاً يجب أن تبقى المطالعة المصليّة، الفرديّة منها والجماعيّة، على علاقة مع الاحتفال بالافخارستية. هكذا تُعِدُّ القراءةُ الروحيّة وترافق وتتعمّق بما تحتفل به الكنيسة عندما تعلن كلمة الله في الليتورجية. |
||||
09 - 05 - 2024, 05:02 PM | رقم المشاركة : ( 159887 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
مراحل القراءة الربّيّة أولاً قراءة النصّ (lectio): ماذا يقول النّصّ بحدّ ذاته؟ بدون هذه الخطوة الأولى يكون هناك خطر الإنزلاق نحو القراءة الفردانيّة فلا نخرج من أفكارنا ولا نلتقي بالآخر. فالإصغاء إلى كلام الله شرط البدء بحوار الحياة مع الرّبّ. عليّ أن ألقي بذاتي في النّصّ لأفهم قصد الكاتب الملهم، لا بل قصد النّصّ بحدّ ذاته. هكذا فقط أصل إلى فهم ما يريد الله أن يقول لي اليوم في حياتي. ثانياً ننتقل إلى التأمّل (meditatio): ماذا يقول لنا النّصّ؟ يجب أن ندع النّصّ يساءلنا لينير حياتنا: هل أعيش اليوم هذه الكلمة؟ كيف يمكن أن تصبح هذه الكلمة قصد حياة؟ كم اكتشفت أنّي بعيد عن كمال الكلمة أو على الأقلّ أجدُني صغيراً أمام عظمة الإنجيل. لذلك لا يسع الإنسان سوى الانتقال إلى الصلاة. ثالثاً نتابع التأمّل بالصلاة (oratio): ماذا نقول للرّبّ جواباً على كلمته؟ الصلاة من حيث انّها طلب وشفاعة وشكر وحمد، هي الأرض الخصبة التي تسمح للكلمة أن تثمر في حياتنا. وأخيراً تنتهي القراءة الربيّة بالمشاهدة (contemplatio) التي تدخلنا إلى نظر الرّبّ فنرى كلّ شيء في حياتنا على ضوء كلمته. نتساءل: كيف أتوب فيتحوّل عقلي وقلبي وحياتي استجابةً لكلمة الله؟ يستشهد قداسة البابا هن برسالة القدّيس بولس إلى أهل رومة: «هذه هي عبادتكم الرّوحيّة. ولا تتشبّهوا بهذه الدّنيا، بل تحوّلوا بتجدّد عقولكم لتتبيّنوا ما هي مشيئة الله، أي ما هو صالحٌ وما هو مرضيٌّ وما هو كامل» (ظ،ظ¢ : ظ¢). فالمشاهدة تحملنا على خلق رؤية حكيمة للواقع وتكوين فكر المسيح فينا (ظ، قورنتس ظ¢ : ظ،ظ¦). هكذا تكون كلمة الله مقياس التمييز في حياتنا على قول كاتب الرسالة إلى العبرانيين: «إنّ كلام الله حيٌّ ناجع، أمضى من كلّ سيفٍ ذي حدّين، ينفذُ إلى ما بين النّفس والرّوح، وما بين الأوصال والمخاخ، وبوسعه أن يحكمََ على خواطر القلب وأفكاره، وما من خلقٍ يخفى عليه، بل كلُّ شيءٍ عارٍ مكشوفٌ لعينيه، وله يجب علينا أن نؤدّي الحساب» (ظ¤ : ظ،ظ¢ -ظ،ظ¢). كما يجب أن نذكر أنّ القراءة الرّبّيّة لا يمكن أن تنتهي إذا لم تصل إلى العمل (actio) فينتقل المؤمن إلى بذل ذاته من أجل الآخرين بالمحبّة. قراءة، تأمل، صلاة، مشاهدة وحياة، مراحل نجدها في أبهى صورها في مريم، أمّ الكلمة المتجسّد. مريم مثال المؤمن الّذي يقبل عطيّة الكلمة بالطاعة. «وكانت مريم تحفظ جميع هذه الأمور، وتتأمّلها في قلبها» (لوقا ظ¢ : ظ¢ظ*). هكذا كانت أمّ يسوع تعرف كيف تجمع في مخطّط الله الواحد بين الأحداث والأعمال والأقوال التي تبدو وكأنّها بعيدة الواحدة عن الأخرى. أودّ أن أذكر ما كان السينودس قد أوصى به، يقول قداسة البابا، حول أهميّة القراءة الشخصيّة للكتاب المقدّس، وهي عمل تقويٌّ يسمح للمؤمن أن ينال الغفران لنفسه أو للمنتقلين إلى الحياة الأبديّة، وذلك حسب تنظيم الكنيسة. […] هكذا تقوّينا كلمة الله في مسيرة التوبة وتعمّق فينا حسّ الانتماء للكنيسة وتفتح أمامنا باب الإلفة مع الله. وكان القدّيس أمبروسيوس قد قال: عندما نحمل الكتاب المقدّس بأيدينا ونطالعه مع الكنيسة، يرجع الانسان إلى التنزّه مع الله في الجنّة (رسالة ظ¤ظ©، ظ£). |
||||
09 - 05 - 2024, 05:02 PM | رقم المشاركة : ( 159888 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
كلمة الله والصلاة المريمية هناك علاقة بين كلمة الله ومريم العذراء لا يمكن فصلها، لذلك يدعو قداسة البابا مع آباء السينودس الى حثّ المؤمنين على صلاة المسبحة الورديّة في العائلة. ولا ننسى أنّ هذه الصلاة المريميّة تساعد المؤمن على التأمّل بأسرار المسيح برفقة مريم. والجديد في الأمر أنّ الإرشاد يدعو إلى مرافقة كلّ سرّ من أسرار المسبحة بنصوص قصيرة من الكتاب المقدّس وذلك للمساعدة على حفظ بعض الآيات المهمّة في علاقتها مع أسرار حياة المسيح. كذلك الأمر أوصى السينودس بالحثّ على صلاة «ملاك الرب» لتساعد المؤمنين على ذكر الكلمة المتجسّد كل يوم، صباحاً وظهراً ومساءً. عسى أن يمنحنا الله قبول كلمته مثل مريم ويملأ قلوبنا بمحبة سرّ التجسد. وأخيراً يدعو قداسة البابا إلى تثمّين الاناشيد المريمية في الكنيسة الشرقيّة. خاصّة نشيد أكاتيستوس – نشيد يُرنم وقوقاً – الّذي ينشرح القلب له ويساعد المؤمن على قبول السلام الّذي يأتي من علُ وهذا السلام هو المسيح الّذي وُلد من مريم البتول لخلاصنا. |
||||
09 - 05 - 2024, 05:03 PM | رقم المشاركة : ( 159889 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
كلمة الله والأرض المقدّسة نحن وإذ نذكر كلمة الله الّذي صار بشراً في أحشاء مريم، بنت الناصرة، يتحوّل قلبنا الآن إلى تلك الأرض التي تمّ فيها سرّ خلاصنا ومنها انتشرت كلمة الله في أنحاء المسكونة. فالحجارة التي مشى عليها المخلّص ما زالت تحمل الذكرى وتصرخ معلنةً البشرى السّارة. لذلك ذكر آباء السينودس تلك العبارة السعيدة التي تصف الأرض المقدّسة بالإنجيل الخامس. كم هو مهمّ أن تتواجد جماعات مسيحيّة في هذه الأماكن رغم الصعوبات. فالمسيحيّون مدعوون لا إلى أن يكونوا منارة إيمان للكنيسة الجامعة وحسب، بل أن يصيروا خميرة تآلف وحكمة واتّزان في حياة مجتمع لطالما كان متعدّد العرق والدّين. تبقى الأرض المقدّسة هدف حجّ الشعب المسيحيّ، والحجّ صلاة وتوبة على شهادة كتّاب أقدمين مثل إيرونيموس. ينتهي الحديث بإلقاء الضوء على البعد الروحيّ للاماكن المقدّسة وفيها يمنح الله المؤمنين نعمه. بقدر ما نوجّه القلب نحو أورشليم الأرضيّة يضطرم فينا الشوق لأورشليم السّماويّة، وهي الهدف الأخير لحجّنا، ونزداد غيرة حتى يعرف كلّ البشر اسم يسوع وفيه وحده الخلاص (راجع اعمال ظ¤ : ظ،ظ¢). |
||||
09 - 05 - 2024, 05:05 PM | رقم المشاركة : ( 159890 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الكلمة في الكنيسة الليتورجية: حوار الحبّ والحياة مع الله (٥٠ – ٥١) «أمّا الّذين قبلوه وهم الّذين يؤمنون باسمه، فقد مكّنهم أن يصيروا أبناء الله» (يوحنا ١ : ١٢) يقول الرّبّ كلمته ليدخل في حوار مع الانسان. ولكن باستطاعة الإنسان أن يرفض هذه الكلمة: «جاء إلى أهل بيته فما قبله أهل بيته» (يوحنا ١ : ١١). عندما يرفض الإنسان كلمة الله، يرفض في الواقع تحقيق ذاته، ذلك أنّ الإنسان خُلق بكلمة الله ليدخل في علاقة حوار مع الله، حوار الحياة وحوار الحبّ. بدون هذا الحوار يختار الإنسان طريق الموت الّذي ينزع عنه مجد دعوته كإنسان والإنسان لا يحقّق ذاته إلاً ابناً لله. لذلك يكون المسيح دعوة وملء قامة كلّ كائن بشريّ. خلقنا الله بالكلمة ولكن من الضروريّ أن يعيد خلقنا بالكلمة، على ما يقول القدّيس أغسطينوس. حياة الإنسان أن يصبح ابناً في الابن (راجع غلاطية ٤ : ٥ – ٦؛ ٨ : ١٤ – ١٧). نرى هنا، يقول قداسة البابا (كلمة الرب ٥٠)، وجه الكنيسة يُرسم أمامنا كجماعة مؤسّسة على قبول كلمة الرّبّ الّذي جاء يسكن بيننا (يوحنا ١ : ١٤). لم يتركنا يسوع عندما صعد إلى السّماء. إنّه بيننا وبحضوره يدعو كلّ إنسان للدخول بعلاقة شخصيّة معه. «وهاءنذا معكم طوال الأيّام إلى نهاية العالم» (متى ٢٨ : ٢٠). كلمة الله بيننا لذلك يتكلّم الإرشاد على معاصرة أو آنيّة المسيح في حياة الكنيسة (٥١). إنّه بيننا ويدعونا لحوار الحبّ معه. هكذا يعبّر المجمع الڤاتيكاني الثاني عن هذا الحوار: «فالآب الذي أسمع صوته قديماً ما زال يتجاذب الحديث مع “عروسة” ابنه الحبيب، والروحُ القدسُ الذي جعل صوت الإنجيل يدوّي في الكنيسة، ومنها، في العالم كلّه. ويُدخل المؤمنين صلبَ الحقيقة كلّها، ويُمكّن كلام المسيح من الاستقرار في قلوبهم بوفرة (قول ٣ : ١٦)». فعروسة المسيح، معلّمة الإصغاء، تردّد اليوم بإيمان: «تكلّم يا ربّ فإنّ كنيستك تصغي». ذلك أنّ الكنيسة هي قبل كلّ شيء جماعة تصغي إلى كلام الله وتبشّر به. وهذا ما نفهمه من العبارة نفسها، كنيسة، الصادرة كما نعلم عن فعل الدعوة (καλέω) (راجع تث ٤ : ١٠). الكنيسة هي في جوهرها جماعة مدعوة للاجتماع وللإصغاء لكلمة الله. عندما يعلن الكاهن قائلاً في بدء الاحتفال: «الرّبّ معكم». يأتي الرّبّ نفسه ليتكلّم إلى قلب المؤمنين ويخدمهم على مائدة الكلمة ومائدة الإفخارستيا. في كلمة الله المعلنة في الأسرار، يقول يسوع نفسه الآن وهنا إلى كلّ فرد في الجماعة: «أنا لك وأعطي ذاتي لك». هكذا يكون باستطاعة الإنسان أن يجيب بدوره: «أنا لك يا رب»، فتتحقّق كلمة الإنجيل: ««أمّا الّذين قبلوه وهم الّذين يؤمنون باسمه، فقد مكّنهم أن يصيروا أبناء الله» (يوحنا ١ : ١٢). الكنيسة بيت الكلمة وهي بيت الكلمة خاصّة في الاحتفالات الليتورجية (راجع كلمة الرب ٥٢). عن هذه الحقيقة نقرأ في دستور الليتورجية المقدّسة ٢٤ ما يلي: «للكتاب المقدّس في احتفالات الليتورجية أهميّةٌ كبيرةٌ جدّاً. فمنه النصوص التي تُقرأُ وتفسّرُ في الموعظة، ومنه المزامير التي تُرتّلُ، ومن وحيه ودفقه تنهلُ الصلوات والأدعية والأناشيد الطفسيّة، ومنه تستقي الأعمال والرّموز معانيها. ولهذا يجب، في العمل على إحياء الليتورجية المقدّسة وتطويرها وجعلها ملائمةً، أن يُتسحثَّ الوَلعُ العذبُ والحيُّ بالكتاب المقدّس كما تشهد بذلك التقاليدُ الجليلة في الطقوس الشرقيّة والغربيّة». باستطاعتنا أن نستحثّ المؤمنين على حبّ الكتاب المقدّس إذا عرفنا كيف نجعلهم يشعرون بحضور الرّبّ من خلال الإصغاء لكلمة الله. فالمسيح حاضرٌ في كلمته إذ هو الّذي يتكلّم في الكنيسة عندما يُقرأ الكتاب المقدّس. والكلمة المعلنة في الكنيسة تصبح فعّالة بقوة الروح القدس كاشفةً عن حبّ الآب لجميع البشر. لذلك، يقول قداسة البابا، علينا أن نفهم ونحيا القيمة الجوهريّة للعمل الليتورجيّ حتى نفهم كلمة الله. هذا ما ندعوه “تفسّير الإيمان” الّذي يعطي للكتاب المقدّس بعده الآنيّ والحيّ. وبهذا تتبع الكنيسة اسلوب المسيح نفسه في تفسير الكتاب المقدّس، هو الّذي قال في مجمع النّاصرة: «اليوم تمّت هذه الآية بمسمعٍ منكم» (لوقا ٤ : ٢٠). كما المسيح هكذا الكنيسة التي تعلن وتصغي إلى كلمة الله على إيقاع السنة الليتورجية، خاصّة في القداس وصلاة الساعات. وفي مركز السنة الطقسيّة السّر الفصحيّ وما يتصّل به من أسرار المسيح وتاريخ الخلاص. لذلك يقول يقول قداسة البابا: «أدعو كلّ رعاة الكنيسة والعاملين في الحقل الراعوي إلى تربية المؤمنين بحيث يكون باستطاعتهم أن يتذوقوا المعنى العميق لكلمة الله خلال السنة الطقسيّة، وذلك من خلال إظهار أسرار إيماننا الأساسيّة. بهذا الأمر يتعلّق الفهم الصحيح للكتاب المقدّس». ومن هذا المنطلق يجب التعمّق بالعلاقة بين الكتاب المقدّس والاسرار (٥٣)، كان ذلك على صعيد الدراسات اللاهوتيّة أو العمل الراعويّ. لذلك يجب أن يهتمّ الرعاة، كهنة وشمامسة، بإلقاء الضوء على الوحدة بين الكلمة والسرّ. ففي تاريخ الخلاص ما كان هناك فصلٌ بين ما يقول الرّبّ وما يعمله. كلمة الله فاعلة وحيّة. وهذا ما تعبّر عنه الكلمة العبريّة “دبار”. في الليتورجيّة تحقّق كلمة الله ما تعنيه. عندما نربّي شعب الله على فهم دور كلمة الله في الاسرار وفي تاريخ الخلاص، يكون باستطاعة المؤمن أن يقبل في حياته عمل الله. كلمة الله والافخارستيا (٥٤ – ٥٥) يقول يسوع: هذا هو جسدي، هذا هو دمي. فيعطينا ذاته تحت شكلي الخبز والخمر. هكذا تكون كلمة يسوع فاعلة وحيّة في سرّ الافخارستيا. كلمة الله قويّة في السر كما في الخلق. قال الله: ليكن نور، فكان نور. يقول يسوع: هذا هو جسدي، فيصبح حاضراً بكليّته تحت شكلي الخبز والخر. يقول قداسة البابا أنّ الوحدة بين الكلمة والافخارستية تجد أساساً لها في الكتاب المقدّس (ر. يوحنا ٦ ولوقا ٢٤)، ويشهد لها الآباء وتعليم الكنيسة في المجمع الڤاتيكاني الثاني. نفكّر هنا بخطبة يسوع حول خبز الحياة في مجمع كفرناحوم (يوحنا ٦ : ٢٢ – ٦٩). في هذه الخطبة تذكير بعطية الله التي حصل عليها موسى من أجل الشعب وعطية المنّ هي في الواقع عطية الشريعة، كلمة الله المحيية (ر. مزمور ١١٩ وأمثال ٩ : ٥). يحقّق يسوع في ذاته هذه الصورة القديمة: «خبز الله هو الّذي ينزل من السّماء ويهب الحياة للعالم… أنا خبز الحياة» (٦ : ٣٣ – ٣٥). هنا تصبح الشريعة شخصاً. عندما نلتقي بيسوع باستطاعتنا القول أنّنا نتغذى من الله الحيّ، إذ نأكل “خبز السّماء”. في خطبة كفرناحوم نتعمّق في مقدّمة الإنجيل: في المقدّمة الكلمة تصبح جسداً، في الخطبة يصبح الجسد خبزاً من أجل حياة العالم. (يوحنا ٦ : ٥٣). في سرّ الإفخارستيا نرى ما هو المنّ الحقيقيّ، الخبز النازل من السّماء حقّاً: إنّه لوغوس الله الّذي صار بشراً، وقد أعطى ذاته لأجلنا في السّرّ الفصحيّ. في رواية لوقا عن تلميذي عمّاوس خبرٌ آخر حول العلاقة بين الإصغاء لكلمة الله وكسر الخبز (لوقا ٢٤ : ١٣ – ٣٥). في يوم الأحد يقترب يسوع من التلميذين ويصغي إلى عبارات الرجاء المحبط ويصبح رفيق دربهما، «فبدأ من موسى وجميع الأنبياء يفسّر لهما في جميع الكتب ما يختصّ به» (لوقا ٢٤ : ٢٧). هكذا بدأ التلميذان فهم الاسفار المقدّسة بطريقة جديدة مع رفيق الدرب الّذي ظهر قريباً جدّاً منهما بشكل غير متوقع. لم يعد ما حدث في أورشليم فشلاً بل بداية جديدة. على أنّ هذه الكلمات بانت لهما وكأنّها لم تكن كافية. لذلك طلبا من رفيق الطريق أن يبقى معهما. فيقول إنجيل لوقا أنّ أعينهما انفتحت وعرفاه فقط عندما أخذ يسوع الخبز وبارك ثمّ كسره وناولهما (٢٤ : ٣٠ – ٣١)، بينما كانت أعينهما قبلاً قد حُجبت عن معرفته (٢٤ : ١٦). لذلك سمح حضور يسوع في كلامه أولاً ومن ثمّ في فعل كسر الخبز أن يعرفه التلميذان. فكان باستطاعتهما أن يفهما معنى اللقاء بيسوع: «أما كان قلبُنا متقّداً في صدرنا، حين كان يحدّثنا في الطّريق ويشرح لنا الكتب؟» (٢٤ : ٣٢). عن هذه العلاقة الدائمة بين كلمة الله والافخارستية نقرأ في المدخل الى رتبة قراءات القداس عدد ١٠ ما يلي: «لذا وَجب ان يضع المرء دوما نصب عينيه أنّ كلمة الله، التي تتلوها الكنيسة وتُعلنها في الليتورجية، تؤدي نوعا ما – وذلك غرضُها – الى ذبيحة العهد ووليمة النعمة، اي الى الافخارستية». لذلك لا يمكن الفصل بين الكلمة والافخارستية إذ لا يمكن أن نفهم الواحدة بدون الأخرى: كلمة الله تصبح جسداً سريّاً في الافخارستية. وإذا لم نقبل حضور يسوع الحقيقيّ في الإفخارستية يبقى فهم الكتاب المقدّس ناقصاً. «خصّت الكنيسة كلمة الله والسّرّ الافخارستي، وارادت وقرّرت في كلّ زمان ومكان، أن يُخصّا بإجلال واحد لا بعبادة واحدة. فإنّ الكنيسة، جريا منها على مثال مؤسّسها، لم تكفّ يوماً عن إقامة سرّه الفصحيّ، ملتئمة في جماعة، «لتقرأ ما ورد في شأنه في جميع الكتب» (لوقا ٢٤ : ٢٧). ،لتُحقّق عمل الخلاص بذكرى الرّبّ والأسرار» (مدخل الى قراءات القداس، ١٠). انطلاقاً من العلاقة بين كلمة الله والافخارستية نصل الى «أسراريّة الكلمة (sacramentalità della Parola)» (كلمة الرب ٥٦) وأساسها سرّ التجسّد: «الكلمة صار بشراً». نفهم أسرارية الكلمة مقارنة بالحضور الحقيقيّ للمسيح تحت شكلي الخبز والخمر. عندما نشترك بمائدة الافخارستية، نتناول حقّاً جسد ودم المسيح. إنّ إعلان كلمة الله في الاحتفال يتضمّن الاعتراف بأنّ المسيح نفسه حاضر ويدعونا لقبوله. يقول القدّيس إيرونيموس: «نحن نقرأ الكتاب المقدّس. أنا أعتقد أنّ الإنجيل هو جسد المسيح وأنّ الاسفار المقدّسة هي تعليمه. وعندما يقول: من لا يأكل جسدي ويشرب دمي (يوحنا ٦ : ٥٣)، حتى لو كان باستطاعتنا القبول بأنّ هذه الكلمات تعني سرّ الافخارستية، على أنّ جسد المسيح ودمه هي حقّاً كلمة الكتاب المقدّس. عندما نتقرّب من سرّ الافخارستية فيسقط فتات منها على الأرض، لشعرنا أنّه قد قُضي علينا. وعندما نسمع كلمة الله وتُسكبُ في آذاننا كلمةُ الله وجسد المسيح ودمه، ونحن نفكّر بشيء آخر، بأيّ خطر عظيم نقع؟». فالتعمّق في أسراريّة كلمة الله يقويّ الحياة الروحيّة عند المؤمنين ويكون مفيداً في العمل الراعوي. إعلان الكلمة والعظة (٥٧ – ٦٠) في ما يخصّ الكتاب المقدّس وكتاب القراءات (كلام الرب ٥٧)، ينوّه قداسة البابا بالإصلاح الّذي تمّ بعد المجمع الڤاتيكاني الثاني، والهدف منه هو المساعدة على فهم وحدة المخطّط الإلهي من خلال العلاقة بين قراءات العهد القديم والجديد ومركزها المسيح في سرّه الفصحيّ. وإذا كان هناك من صعوبات في إعلان وفهم هذه القراءات يجب اللجوء إلى القراءة القانونيّة، أي إلى وحدة الكتاب المقدّس. كما يحثّ الإرشاد على نشر كتبّ أو مقالات تساعد على فهم العلاقة بين القراءات. يوصي السينودس أيضاً بدرس موضوع كتاب القراءات في ليتورجيات الكنائس الشرقيّة، حسب التقاليد الخاصّة. بالنسبة لإعلان كلمة الله وخدمة القارئ (كلام الرب ٥٨)، ينقل قداسة البابا توصية آباء السينودس: يجب تحضّير الأشخاص لإعلان كلمة الرّبّ. والتحضّير يجب أن يكون بيبليّ وليتورجيّ وتقنيّ. أعتقد هنا أنّه لا يجب أن نطلب من أي شخص، خاصّة الصغار، أن يقرأ في الكنيسة، إذا لم يسبق الإعداد لهذه الخدمة. وإذا كان الإعداد مهمّ لإعلان كلمة الرّبّ، فماذا نقول عن أهميّة العظة (كلام الرب ٥٩) والتحضّير لها. العظة هي تأوّين لقراءات القدّاس، بحيث يكون باستطاعة المؤمنين أن يكتشفوا حضور وفاعليّة كلمة الله في حياتهم اليوم. على العظة أن تساعد المؤمنين على فهم السّرّ الّذي نحتفل به وتدعو إلى الرسالة وإلى إعلان الإيمان والطلبات والصلاة الإفخارستية. يجب أن يبتعد الواعظ عن عظات ذات طابع عام ومجرّد والدخول في مواضيع لا تمتّ إلى القراءات بصلة، حتى لا يكون هو موضع انتباه النّاس، فلا يصلوا إلى جوهر رسالة الإنجيل. يجب أن يكون واضحاً بالنسبة للمؤمنين بأنّ ما هو عزيزٌ على قلب الواعظ أن يكون المسيح في مركز كلّ عظة. لذلك يقول قداسة البابا على الواعظين أن يكونوا على علاقة وديّة ودائمة مع الكتاب المقدّس. وليستعدّوا للعظة في التأمّل والصلاة. يوصي السينودس بأن يطرح الواعظ على نفسه هذه الأسئلة: – ماذا تقول القراءات المعلنة؟ – ماذا تقول هذه القراءات لي؟ – ماذا يجب أن أقول للجماعة آخذً بعين الاعتبار وضعهم في الواقع؟ لذلك يجب على الواعظ أن يترك كلمة الله تطرح عليه التساؤلات قبل أن يبشّر بها. إذ يقول القدّيس أغسطينوس: «هو بلا شكّ بدون ثمر من يعظ في الخارج كلمة الله ولا يصغي إليها في أعماقه». لذلك يدعو قداسة البابا إلى إعداد وسائل تساعد الواعظ في رسالته، مثلاً “دليل للعظة” (كلام الرب ٦٠). ولكن رغم أنّ الإفخارستية هي في مركز العلاقة بين كلمة الله والأسرار، يجب التشديد على أهميّة الكتاب المقدّس في سائر الأسرار، خاصّة أسرار الشّفاء: سرّ التوبة وسرّ مسحة المرضى. كلّنا يعلم أنّ كلمة الله غالباً ما تكون غائبة في هذه الأسرار. من الضروريّ أن نتذكّر ما يؤكّده العهد الجديد عامّة وما يقوله القدّيس بولس في الرسالة الثانية إلى أهل قورنتس: «فإِذا كانَ أَحَدٌ في المسيح، فإِنَّه خَلْقٌ جَديد. قد زالتِ الأَشياءُ القَديمة وها قد جاءَت أشياءُ جَديدة. وهذا كُلُّه مِنَ اللهِ الَّذي صالَحَنا بِالمسيح وأَعْطانا خِدمَةَ المُصالَحَة، ذلك بِأَنَّ اللهَ كانَ في المَسيحِ مُصالِحًا لِلعالَم وغَيرَ مُحاسِبٍ لَهم على زَلاَّتِهم، ومُستَودِعًا إِيَّانا كَلِمَةَ المُصالَحَة. فنَحنُ سُفَراءُ في سَبيلِ المسيح وكأَنَّ اللهَ يَعِظُ بِأَلسِنَتِنا. فنَسأَلُكُم بِاسمِ المسيح أَن تَدَعوا اللّهَ يُصالِحُكُم.» (٢ قور ٥ : ١٧ – ٢٠) . في هذا النصّ يوجز بولس كلّ البشارة بعبارة واحدة: كلمة المصالحة (καὶ θέμενος ἐν ἡμῖν τὸν λόγον τῆς καταλλαγῆς) ولا ننسى أنّ يسوع بدأ رسالته العلنيّة بالدعوة إلى التوبة: «حان الوقت واقترب ملكوت الله، فتوبوا وآمنوا بالبشارة» (مرقس ١ : ١٥). وبهذا البدء يعطي المعنى العميق لكلّ الإنجيل. يتوب الإنسان عندما يصغي إلى البشارة. وفي هذا الأمر نقرأ في رتبة سرّ التوبة ١٧: «كلام الله ينير المؤمن ليعرف خطاياه ويدعوه إلى التوبة ويضع في أعماقه الثقة برحمة الله». لذلك توصي الكنيسة بأن يستعدّ المؤمن للاعتراف من خلال التأمّل بنصّ من الكتاب المقدّس. كلمة الله هي كلمة عزاء ومعونة وشفاء. نذكر يسوع كيف كان قريباً من المتألّمين، فحمل أوجاعنا وتألّم حبّاً بالبشر، فأعطى معنى للألم والموت. توصي الكنيسة بالاحتفال بسرّ مسحة المرضى جماعيّاً في الرعايا وخاصّة في المستشفيات. فيكون الاحتفال بكلمة الله عوناً للمرضى ليحتملوا بإيمان ما هم عليه من ألم، متّحدين بذبيحة المسيح الخلاصيّة. وفي هذا الموضوع يقول الاب لينو شينيللي: «علينا اللجوء إلى علاج الكتاب المقدّس إذا أردنا شفاء البشر وتقدّمهم (١طيموتاوس ١ : ٩ ت؛ ٦ : ٣ ت). في كلمة الله “صيدليّة” روحيّة تشفي الإنسان من كلّ أمراضه الأخلاقيّة والزمنيّة (مز ١٠٧ : ٢٠؛ حكمة ١٦ : ١٢؛ لوقا ٦ : ١٩؛ افسس ٦ : ١٧). هذا ما يذكره أوريجنوس وباسيليوس ومار افرام وأغسطينوس والقدّيس فرنسيس الأسيزيّ والقدّيس بوناڤنتورا. فالكتاب المقدّس مدرسة وعيادة إلهيّة (حكمة ١٦ : ١٢؛ يوحنا ٦ : ٤٥). نكون أصحّاء وأطبّاء روحيين بقدر ما ننفتح على كلمة الله الخلاصيّة» (Conoscere la Bibbia, 29) [قصة الضابط في كتاب “سائح روسي على دروب الرب”، ص. ٤٠ تابع). وما أكثر اللجوء إلى كلمة الله في صلاة الساعات. يذكر قداسة البابا ما أكّده آباء السينودس حول العلاقة بين كلمة الله وصلاة الساعات (كلام الرب ٦٢؛ ر. توصية ١٩): «صلاة السّاعات هي حالة مميّزة للإصغاء إلى كلمة الله، إذ تضع المؤمنين باتّصال دائم مع الكتاب المقدّس ومع تقليد الكنيسة الحيّ». علينا أن نذكر بنوع خاصّ، يقول قداسة البابا، الكرامة اللاهوتيّة والكنسية لهذه الصلاة، على ما يرد في مبادئ صلاة الساعات، ٣، ١٥: «إنّ الكنيسة، في ليتورجية الساعات، تقوم بمهمة رأسها الكهنوتية “من غير انقطاع” (١ تس ٥ : ١٧)، مقدّمة لله قربان التسبيح، أي ما تلفظه الشفاه مسبّحة لاسمه (ر. عب ١٣ : ١٥). وإنّ هذه الصلاة إنّما هي صوت العروس نفسها تخاطب العريس، أو صلاة المسيح مع جسده الى الآب». لذلك يدعو قداسة البابا من يقع عليهم واجب ليتورجية الساعات أن يكونوا أمينين في هذه الخدمة من أجل الكنيسة جمعاء. كما يتمنّى تشجيع كلّ المؤمنين على تلاوه هذه الصلاة، خاصة صلاة الصباح والمساء. وحيث تسمح الظروف بذلك، يوصي قداسته الرعايا والجماعات الرهبانيّة بتشجيع المؤمنين على الاشتراك بهذه الصلوات. مقترحات واقعيّة لإحياء الليتورجيّة (كلام الرب ٦٤ – ٧١) بعد الحديث عن أهمية الاستفادة حتّى من التبريكات لإعلان كلمة الله (كلام الرب ٦٣)، ينتقل قداسة البابا إلى إرشادات واقتراحات عمليّة لإحياء الليتورجية. ١- الاحتفال بكلمة الله حثّ آباء السينودس كلّ الرعاة على إقامة الاحتفال بالكلمة في الجماعات الموكولة إليهم. يساهم هذا الاحتفال بالتحضّير للاحتفال بالافخارستية في يوم الاحد، خاصة في الأزمنة الكبرى. يكون من الأهميّة بمكان إقامة الاحتفال بالكلمة في الجماعات التي ليس لديها كاهن للاحتفال بالقداس. وهذا لا يكون أبداً بديلا عن القدّاس، لا بل مناسبة للصلاة من أجل الدعوات الكهنوتية. كما دعا آباء السينودس الى الاحتفال بالكلمة بمناسبة رحلة حج وأعياد معيّنة والرسالات والرياضات الروحيّة وفي أيام التوبة. ٢- الكلمة والسكوت يجب إعلان الكلمة في جوّ من السكوت الخارجيّ والداخليّ. نعيش في عصر لا يساعد على الاختلاء والصلاة، حتى أنّه من الصعوبة والخوف بمكان الابتعاد عن وسائل الاعلام. علينا أن نكون جريئين في هذا المجال ونربّي شعب الله على قيمة الصمت في حياتنا. يعلّم آباء الكنيسة كيف أنّ أسرار المسيح ترتبط بالسكوت، إذ فيه تحلّ الكلمة، تماماً كما حدث لمريم. على احتفالاتنا الليتورجيّة المساعدة على هذا الإصغاء الحقيقي: تنمو الكلمة فتختفي الكلمات، كما قال أغسطينوس (Verbo crescente, verba deficiunt). ومن ثمّ ينتقل قداسة البابا إلى مواضيع يأتي على ذكرها كتاب القدّاس: الإعلان الاحتفالي لكلمة الله، خاصة قراءة الإنجيل (كلام الرب ٦٧)، كلمة الله في الهيكل المسيحيّ (مكان الأمبون وشكله، الخ)، عدم إبدال القراءة البيبليّة بأية قراءة روحيّة أخرى، والترانيم التي يجب أن تكون من وحي الكتاب المقدّس. اقترح آباء السينودس موضوعاً غير معمول به في كنائسنا ويمكن أن يسترعي انتباهنا بنوع خاص: وضع الكتاب المقدّس في مكان مرئي ومكرّم في الكنيسة، وهذا خارج وقت الاحتفال. ولكن لا يجب في كلّ الأحوال انتزاع مركزيّة بيت القربان في الكنيسة. |
||||