منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 27 - 04 - 2024, 12:48 PM   رقم المشاركة : ( 159021 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,381

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




فلا نحاكم أيضا بعضنا بعضا، بل بالحري احكموا بهذا:
أن لا يوضع للأخ مصدمة أو معثرة.
رومية 13:14
 
قديم 27 - 04 - 2024, 12:48 PM   رقم المشاركة : ( 159022 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,381

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




من أنت الذي تدين عبد غيرك؟
هو لمولاه يثبت أو يسقط. ولكنه سيثبت،
لأن الله قادر أن يثبته.
رومية 4:14
 
قديم 27 - 04 - 2024, 12:50 PM   رقم المشاركة : ( 159023 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,381

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




”أَلَيْسَ أَنَا الرَّبُّ وَلاَ إِلهَ آخَرَ غَيْرِي؟
إِلهٌ بَارٌّ وَمُخَلِّصٌ. لَيْسَ سِوَايَ. اِلْتَفِتُوا إِلَيَّ وَاخْلُصُوا يَا جَمِيعَ أَقَاصِي الأَرْضِ، لأَنِّي أَنَا اللهُ وَلَيْسَ آخَرَ“

(إشعياء 21:45-22).
 
قديم 27 - 04 - 2024, 12:51 PM   رقم المشاركة : ( 159024 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,381

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




"وَفِي الْغَدِ نَظَرَ يُوحَنَّا يَسُوعَ مُقْبِلاً إِلَيْهِ، فَقَالَ:
هُوَذَا حَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ!
هذَا هُوَ الَّذِي قُلْتُ عَنْهُ:
يَأْتِي بَعْدِي، رَجُلٌ صَارَ قُدَّامِي، لأَنَّهُ كَانَ قَبْلِي...
وَشَهِدَ يُوحَنَّا قَائلاً:
إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ الرُّوحَ نَازِلاً مِثْلَ حَمَامَةٍ مِنَ السَّمَاءِ فَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ...
وَأَنَا قَدْ رَأَيْتُ وَشَهِدْتُ أَنَّ هذَا هُوَ ابْنُ اللهِ"

(يوحنا 29:1-34).
 
قديم 27 - 04 - 2024, 12:54 PM   رقم المشاركة : ( 159025 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,381

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة





"أَنَا هُوَ الأَلِفُ وَالْيَاءُ، الْبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ يَقُولُ الرَّبُّ الْكَائِنُ

وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَأْتِي، الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ"
(رؤيا 8:1).
 
قديم 27 - 04 - 2024, 01:03 PM   رقم المشاركة : ( 159026 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,381

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

Rose رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




أحد الشَّعانين: دخول يسوع إلى أورَشَليم
ليتمَّ فدائنا ومزار بَيْتَ فاجي



النَّص الإنجيلي (مرقس 11: 1-11)



ولمَّا قَرُبوا مِن ُأورَشَليم ووَصَلوا إلى بَيتَ فاجي وبَيتَ عَنْيَا، عِندَ جَبَلِ الزَّيتون، أَرسَلَ اثنَينِ مِن تَلاميذِه 2 وقالَ لَهما: ((إِذهَبا إلى القَريَةِ الَّتي تُجاهَكُما، فَما إِن تَدخُلانِها حتَّى تَجِدا جَحْشًا مَربوطًا ما رَكِبَه أَحَد، فحُلاَّ رِباطَه وأتِيا بِه. 3 فإِن قالَ لكُما قائِل: لِمَ تَفعَلانِ هذا؟ فقولا: الرَّبُّ مُحْتاجٌ إِلَيه، ثُمَّ يُعيدُه إلى هُنا بعدَ قليل)). 4 فذَهَبا، فوَجَدا جَحْشًا مَربوطًا عندَ بابٍ على الطّريق، فحَلاَّ رِباطَه. 5 فقالَ لَهما بَعضُ الَّذينَ كانوا هُناك: ((ما بالُكُما تَحُلاَّنِ رِباطَ الجَحْش؟)) 6 فقالا لَهم: كما أَمَرَهما يسوعُ فتَركوهما. 7 فجاءا بِالجَحْشِ إلى يسوع، ووَضَعا رِدائَيهِما علَيه فَرَكِبَه. 8 وبَسَطَ كثيرٌ مِنَ النَّاسِ أَردِيَتَهم على الطّريق، وفَرَشَ آخَرونَ أَغصانًا قطَعوها مِنَ الحُقول. 9 وكانَ الَّذينَ يَتَقَدَّمونَه والَّذينَ يَتبَعونَه يَهتِفون: ((هُوشَعْنا! تَبارَكَ الآتي بِاسمِ الرَّبّ؛ 10 تَبارَكَتِ المَملَكَةُ الآتِيَة، مَملَكةُ أَبينا داود! هوشَعْنا في العُلى!)) 11 ودخَلَ ُأورَشَليم فالهَيكَل، وأَجالَ طَرْفَه في كُلِّ شَيءٍ فيه. وكانَ المَساءُ قد أَقبَل، فخَرَجَ إِل بَيتَ عَنْيا ومعَه الاثْنا عَشَر.



مقدمة



يصف مرقس البشير في إنجيل أحد الشَّعانين دخول يسوع الاحتفالي الأخير، إلى مدينته المحبوبة أورَشَليم -القدس، ملكًا متواضعًا ومخلصًا (مرقس 11: 1-11). وبعد هذا الدُّخول، بدأت ذروة حياة يسوع العلنيَّة السَّائرة إلى آلامه وموته. ودخوله هذا يهمُّ جميع النَّاس، لأنّه دخل ليتمجَّد على الصَّليب وليغلب الموت ويبذل حياته فديةً عن الكثيرين، ويمنحنا الحياة. فمركز الثُّقل في الإنجيل لم يكن بيت لحم، بل أورَشَليم، ولم يكن حياة يسوع، بل موته، ولم يكن المثل الذي تركه لنا، بل كفارته، ولم تكن تعاليمه، بل فداؤه. ويُعلق القدّيس ابيفانوس، أسقف سلامين: "ظهر يسوع، قيامةً للساقطين، وتحريرًا للأسرى، ونورًا للعُميان، وتعزيةً للحزانى، وراحةً للضعفاء، ونبعًا للعطشى، ومنتقمًا للمضَّطَهَدِين، وفداءً للمفقودين، ووَحدةً للمُنقسمين، وطبيبًا للمرضى، وخلاصًا للتائهين" (العظة الأولى لعيد الشَّعانين). فمع أحد الشَّعانين، ندخل الأسبوع المقدس، حيث نحتفل بالسَّاعة التي يكشف فيها يسوع بشكل نهائي سر محبة الآب للبشريَّة الذي بذل ابنه يسوع تضحية من أجلنا على الصَّليب. وهكذا يُمهِّد لنا أحد الشَّعانين مسيرتنا طوال أسبوع الآلام كنقطة انطلاق للاحتفال بسرّ آلام الرّبّ وموته ودفنه وقيامته. ومن هنا تكمن أهميَّة البحث في وقائع النَّص الإنجيلي وتطبيقاته.





أولًا: وقائع النَّص الإنجيلي (مرقس 11: 1-11)



1 مَّا قَرُبوا مِن أورَشَليم ووَصَلوا إلى بَيتَ فاجي وبَيتَ عَنْيا،
عِندَ جَبَلِ الزَّيتون، أَرسَلَ اثنَينِ مِن تَلاميذِه"



تشير عبارة "قَرُبوا مِن ُأورَشَليم" إلى دخول يسوع مدينته أورَشَليم في اليوم الأول، ثم دخوله وخروجه إليها في اليوم الثَّاني (مرقس 11: 12) وعودته إليها في اليوم الثَّالث (مرقس 11: 23). ومن هنا نرى يسوع يتنقل من خارج أورَشَليم (بيت عَنْيَا وبيت فاجي وجبل الزيتون) إلى داخلها (خاصة الهيكل). وفي كلِّ لَيلة من لَيالي أسبوع الآلام، كان يسوع يذهب خارجًا إلى جبل الزَّيتون ويلتجئ إلى بيت عَنْيَا. وكان الاحتفال بعيد الفصح على وشْك أن يبدأ. أمَّا عبارة "قَرُبوا " فتُذكرنا بكلمات السَّيد يسوع الأولى في كرازته: " تَمَّ الزَّمانُ وَاقْتَرَبَ مَلَكوتُ الله. فَتوبوا وآمِنوا بِالبِشارة (مرقس 1: 15)؛ وهي ذات الكلمات التي وضعها السَّيد المسيح في أفواه تلاميذه حينما أرسلهم للكرازة (متى 10: 7). أمَّا عبارة "بَيتَ فاجي" فتشير إلى اسم آرامي בֵּית־פַּגֵּי (ومعناه بَيْتَ التَّين)، وهي قرية صغيرة بالقرب من بَيْتَ عَنْيَا تبعد نحو كيلو مترٍ واحدٍ عن أورَشَليم في الجهة الجنوبيَّة الشَّرقيَّة من جبل الزَّيتون، وتتصل ببَيْتَ عَنْيَا من الجهة الغربيَّة وهي منخفضة عنها قليلًا نحو الجهة الشِّماليَّة (لوقا 19: 29). وقد دخلها يسوع المسيح قبل دخوله بَيْتَ عَنْيَا، إذ كان آتيًا من أريحا إلى أورَشَليم. وجاء في كتابات أحد الرَّحالة أنه وجد أطلالها على بعد 500م إلى الجهة الشِّماليَّة من بَيْتَ عَنْيَا. وأمَّا في إنجيل متى فذُكرت بَيْتَ فاجي وحدها دون اسم بَيْتَ عَنْيَا (متى 21: 1). وقد ورد اسمها في الأناجيل الثَّلاثة: متى ومرقس ولوقا فقط في هذه المناسبة مع أنّها ذكرت كثير في كتابات الرَّبيّين. أمَّا "بَيْتَ عَنْيا" فتشير إلى اسم آرامي בֵית־הִינִי (معناه بَيْتَ البؤس أو العناء)، وهي قرية تقع إلى الجنوب الشَّرقي من جبل الزَّيتون على بعد نحو 3 كم من أورَشَليم على الطّريق الممتَّدة من أريحا إلى أورَشَليم (متى 6: 26) والمعروفة اليوم بـ"العيزريَّة" نسبة إلى لعازر الذي أحياه يسوع من بين الأموات (يوحنا 11). ولهذه القرية علاقة بحياة يسوع المسيح لمَّا كان على هذه الأرض، إذ إنَّه كان يتردَّد إليها مرارًا عديد (مرقس 11: 11) ولاسيما في أيامه الأخيرة قبل صَلْبه. وفيها جرت حوادث هامَّة: دهْن يسوع بالطّيب في بَيْتَ سمعان الأبرص (متى 26: 6)، ولعن يسوع التِّينة (مرقس 11: 12-14) وإحياء لعازر (يوحنا 11: 1-45). أمَّا عبارة "بَيْتَ فاجي وبَيْتَ عَنْيا" فتشير إلى طريق مشترك واحد إلى أورَشَليم: بَيْتَ عَنْيَا تقع على السَّفح الشَّرقي، شمال جبل الزَّيتون، وبَيْتَ فاجي على السَّفح الشَّرقي، جنوب جبل الزَّيتون. وأمَّا عدد قريتين (2) فيدلُّ كما يقول القديس أوغسطينوس على المحبة لله والنَّاس، وبفلسين اللذين كانا بحوزتها الأرملة التي قدَّمت كلَّ حب قلبها في خزانة الرَّبّ، وبالدِّينارين أعلن السَّامري الصَّالح أعماق محبته للجريح. ونحن لا يُمكننا البدء في موكب الصَّليب، ولن يكون لنا موضع في جسد السَّيد المسيح المتألِّم والمُمجَّد ما لم نبدأ بالقريتين، ونلتقي به في موكبه خلال الحب". أمَّا عبارة " جَبَلِ الزَّيتون " فتشير إلى الجبل الذي يُشرف على أورَشَليم من الجِهة الشَّرقيَّة حيث يُشاهد من قمته كلَّ المدينة وهيكلها. واسم هذا الجبل مأخوذ من شجر الزَّيتون الذي كان موجودًا فيه بكثرة. ولا تزال توجد فيه بعض أشجاره الكبيرة الحجم والقديمة العهد إلى الآن. ويُكثر ذكر هذا الجبل في العهد القديم تحت أسماء مختلفة، "جبل الزَّيتون" (2 صموئيل 15: 30) و"الجبل" (نحوم 8: 15) و"الجبل الذي تجاه أورَشَليم" (1 ملوك 11: 7) و"الجبل الذي على شرقي المدينة" (حزقيال 11: 23) و"جبل الهلاك" (2 ملوك 23: 13). كما يُذكر في العهد الجديد في علاقته بحياة المسيح لا سيما نزاعه في بستان جَتْسمَانِيَّة (مرقس 14: 32). ويفصل وادي قدرون هذا الجبل عن أورَشَليم (2 صموئيل 15: 14). وقد حسبت المسافة بين أقصى قِمَمه الشِّماليَّة وبين أورَشَليم بسَفر سبتٍ ممَّا يعادل نحو كيلومتر واحد (أعمال الرسل 1: 12). وطالما صعد المسيح إليه، وفي وقت نزوله منه قبل الصَّلب بأيام قليلة حيث استقبلته الجموع بالهُتَاف والتَّرحيب، وكان هو يبكي على المدينة ومصيرها القريب (لوقا 19: 37-44)، وقد تحدَّث من سفح ذلك الجبل عن خراب الهيكل وتدمير المدينة (متى 24: 3)، ومن قمة هذا الجبل صَعِدَ المسيح إلى السَّماء (لوقا 24: 50 -51). ويُسّمي العرب جبل الزَّيتون في الوقت الحاضر جبل الطُّور. أمَّا عبارة "أَرسَلَ اثنَينِ مِن تَلاميذِه " فتشير إلى إرسال يسوع تلميذين يسبقانه كما سيفعل وقت العشاء الأخير (متى 26: 17). وهذا الأمر يُذكرنا عند خروج الشَّعب من مصر الذي قاده اثنان (موسى وهرون)، وأيضًا عندما أرسل يشوع ليتجسس أرض الموعد أرسل اثنين، وفي إرساليَّة يسوع لتلاميذه " أَرسَلَهمُ اثنَينِ اثنَينِ يتَقَدَّمونَه إلى كُلِّ مَدينَةٍ أَو مَكانٍ أَوشَكَ هو أَن يَذهَبَ إِلَيه" (لوقا 10: 1). ومن هذا المنطلق، إن طريق آلامه وصلبه، وبالتَّالي آلامنا وصلبنا معه ليس خطة بشريَّة، إنَّمَا هو طريق يَعدُّ له الرَّبّ نفسه، ويسمح به لننال به قوة القيامة وبهجتها خلال الصَّليب.



2 وقالَ لَهما: إِذهَبا إلى القَريَةِ الَّتي تُجاهَكُما، فَما إِن تَدخُلانِها
حتَّى تَجِدا جَحْشًا مَربوطًا ما رَكِبَه أَحَد، فحُلاَّ رِباطَه وأتِيا بِه"



تشير عبارة "إِذهَبا إلى القَريَةِ الَّتي تُجاهَكُما" إلى مبادرة يسوع نفسه بإرسال تلميذيه لإحضار الجَحْش الذي أعطاهما وَصْفًا لموضعه ولحالته. إذ أراد يسوع أن يدخل أورَشَليم، مدينة آلامه بشكل رمزي تتميمًا لِمَا جاء في نبوءة زكريَّا (زكريا 9: 9-10). وهذا هو الإنباء الوحيد الذي نجد فيه المسيح متواضعًا. أمَّا عبارة "جَحْشًا" فتشير إلى حِمَار صغير ويُذكِّر بنبوءة زكريا النَّبي "هُوَذا مَلِكُكَ آتِيًا إِلَيكِ بارًّا مُخَلِّصًا وَضيعًا راكِبًا على حِمَار وعلى جَحشٍ آبنِ أتان" (زكريا 9: 9-10). وتُبيِّن هذه الآية المسيح المتواضع الذي دخل إلى المدينة المقدَّسة، لا كملك حربي، بل كملكٍ متواضع ومُسالم حيث أُرْسِل لخلاص الشَّعب وسلامه. دخل يسوع على صورة ملك متواضع أعزل لا يتَّكل إلاَّ على الله لإنجاح رسالته. دخل يسوع المدينة على جَحْش ليُعلن عن وصول ملكٍ مسالمٍ ووديعٍ يريد السَّلام للقُدْس ولجميع الأمم. في الواقع، حتى الأنَّ، لم يكن أي ملك، ملك السَّلام كما توضحه تكملة الآية " حتَّى تَجِدا جَحْشاً مَربوطًا ما رَكِبَه أَحَد". وأمَّا عبارة "ما رَكِبَه أَحَد" فتشير إلى أحد الشُّروط العامة للتكريس للرَّبِّ، كما هو الحال مع تابوت العهد" كما هو الحال مع تابوت العهد" فاصنَعوا مركَبَةً جَديدة، وخُذوا بَقَرَتَينِ مُرضِعَينِ لم يَعْلُهما نير، وشُدُّوا البَقَرَتَينِ إلى المَركَبَة، وُردُّوا عِجلَيهِما مِن وَرائِهما إلى البَيْتَ (1 صموئيل 6: 7). وفي هذا رمز ديني (عدد 19: 2) يدل هذا الأمر على إعلان عن طبيعة الموكب أنه ديني سماوي روحي إلهي " فجَعَلوا تابوتَ اللهِ على عَجَلَةٍ جَديدة" (2 صموئيل 6: 3). ويُعلق أحد شرّاح الكتاب المقدس:" إنَّ الميلاد من العذراء والدَّفن في قبر لم يدفن فيه أحد من قبل هما حقيقتان من نفس النَّمط. أمَّا عبارة "فحُلاَّ رِباطَه" فتشير إلى صورة رمزيَّة للتمتع بالحلِّ من الخطايا من خلال السُّلطة الرَّسوليَّة (يوحنا 20: 22-23)، كما يُعلق القديس أثناسيوس. نجد يسوع لأوَّل مرَّة يُعطي اهتمامًا لإعداد دخوله إلى أورَشَليم، كما فعل لإعداد عشاء عيد الفصح مهتمًا بكل التَّفاصيل دون أن يترك مجالاً للصُدْفة (مرقس 14: 13-16). لقد حضّر يسوع لموته ولم يَعدَّ له وحده، كما لم يعش حياته وحيدًا بل شارك تلاميذه في هذا التحضيرلكي يوضَّح لهم معنى عمله.



3 فإِن قالَ لكُما قائِل: لِمَ تَفعَلانِ هذا؟
فقولا: الرَّبُّ مُحْتاجٌ إِلَيه، ثُمَّ يُعيدُه إلى هُنا بعدَ قليل"



تشير عبارة "الرَّبُّ" في الأصل اليوناني κύριος إلى النَّص الوحيد الذي يستعمل مرقس الإنجيلي فيه هذا اللَّقب لتسمية يسوع. يرجع لقب يسوع كربٍّ إلى مبادرة يسوع. وفي هذا المشهد، تتعرف الجماعة المسيحيَّة الأولى إلى ربِّها الذي هيّأ ونظّم بالتَّفصيل دخوله إلى أورَشَليم كملك ٍمتواضعٍ، وبهذا اللَّقب دعا الجماعة المسيحيَّة الأولى المسيح القائم من بين الأموات. وبعد القيامة حلّ اسم "الرَّبّ" محل اسم يسوع. أمَّا العهد القديم فاحتفظ بهذا اللقب إلى الله، كذلك أسفار العهد الجديد استعملوا هذا اللقب لله وللمسيح الملك (متى 21: 3-4). أمَّا عبارة " مُحْتاجٌ إِلَيه " فتشير إلى المسيح الذي هو سيِّد الكائنات، ويستطيع أن يتصرّف بها كما يشاء. وبما أنَّه الرَّبّ، فله ملء السُّلطة. ويليق بصاحب الحِمَار أن يقدِّمه للرَّب ما دام الرَّبّ مُحتاج إليه. فهو رَبُّ البشريَّة كلها، وأتى من أجل كل البشريَّة. وهو مُحتاج إلى الجميع طَالبًا قلوبنا مسكنًا له. وتُبين هذه العبارة أيضًا أنَّه هناك رِجال ونِساء في أورَشَليم وضواحيها اعترفوا بيسوع رَبًا. أمّا عبارة "يُعيدُه" فتشير إلى حِرص المسيح على إعادة الجَحْش الذي استعاره فورًا، لأنّه أتى إلى العَالَم لا ليأخذ بل ليعطي. أمَّا عبارة " بعدَ قليل" في الأصل اليوناني εὐθὺς (معناها في الحال أو للوقت) فتشير إلى تعبير مرقس الذي تكرَّر 41 مرة في إنجيله، وتدلُّ هنا على "إرساله إلى هنا فورًا". يشير هذا الظرف εὐθὺςأن الخلاص أصبح حاضرًا مع المسيح. لهذا السَّبب، عندما يلتقي يسوع بشخص ما، يحدث شيء على الفور: في الحال يزول البرص (مرقس 1: 42)، وفي الحال يقوم المفلوج (مرقس 2: 12)، وفي الحال ينحل عقدة اللسان (مرقس 7: 35).



4 فذَهَبا، فوَجَدا جَحْشًا مَربوطًا عندَ بابٍ على الطّريق، فحَلاَّ رِباطَه.



تشير عبارة "مَربوطًا عندَ بابٍ على الطّريق" إلى الجحْش الذي كان مَربوطًا خارج بَيْتَ صاحبه عند الباب تُجاه الطّريق. ونستدلُّ من هذا التَّدقيق أنَّ بطرس كان أحد الاثنين اللذين أتيا بالحِمَار، وانه أخبر مرقس بذلك. صورة الجَحْشً المَربوط عندَ بابٍ على الطّريق هو صورة من هو على قارعة الطّريق، ليس من يضمه إليه ولا من يهتم به. ويُعلق القديس أمبروسيوس: "وجداه مربوطًا عند الباب لأنَّ من هو ليس في المسيح يكون خارجًا في الطّريق، أمَّا من كان في المسيح فلا يكون خارجًا".



5 فقالَ لَهما بَعضُ الَّذينَ كانوا هُناك: ما بالُكُما تَحُلاَّنِ رِباطَ الجَحْش؟



تشير عبارة "بَعضُ الَّذينَ كانوا هُناك" إلى أصحاب الجَحْش (لوقا 19: 23). أمَّا عبارة "ما بالُكُما تَحُلاَّنِ رِباطَ الجَحْش؟" فتشير إلى سؤال كان لا بدَّ منه، وهو ما توقَّعه يسوع. وقد تكرَّر فعل تحرير الجَحْش الذي سيركب عليه يسوع، ثلاث مرَّات (مرقس 11: 2. 4. 5)، ليؤكد إن نبوة زكريا (زكريا 9: 9-10) قد تحقَّقت بمجيء ملكٍ قديرٍ، مانح السَّلام.



6 فقالا لَهم: كما أَمَرَهما يسوعُ فتَركوهما



تشير الآية إلى إجابة التَّلميذين بما أمرهما المسيح به.



7 جاءا بِالجَحْشِ إلى يسوع، ووَضَعا رِدائَيهِما علَيه فَرَكِبَه



تشير عبارة " ِجاءا بِالجَحْشِ إلى يسوع " إلى دخول يسوع من جبل الزَّيتون إلى أورَشَليم بالطّريقة التي سيجيئ بها المسيح المنتظر، كما أعلنها زكريا النَّبي (زكريا 14: 4)؛ وهذا الدُّخول لم يتمَّ على جياد الأغنياء والأقوياء، بل على حِمَارٍ متواضع ٍ(تكوين 49: 11 وقضاة 5: 10)، وهذا الأمر يتوافق مع المجيء المُسالم لشخصيَّة ملكيَّة، تتميمًا لنبوءة زكريا النَّبي "اِبتَهِجي جِدًّا يا بِنتَ صِهْيون وآهتِفي يا بنتَ ُأورَشَليم هُوَذا مَلِكُكَ آتِيًا إِلَيكِ بارًّا مُخَلِّصًا وَضيعًا راكِبًا على حِمَار وعلى جَحشٍ آبنِ أتان" (زكريا 9: 9). أمَّا عبارة " وَضَعا رِدائَيهِما علَيه" فتشير إلى المعاملة بالإجلال اللائق بالملوك، كما حدث مع الملك ياهو بن يهوشفاط " أخَذ َكُلُّ رَجُلٍ رداءَه وجَعَلوه تَحتَه عِندَ أَعلى المِنَصَّة، ونفَخوا في البوقِ وقالوا: قد مَلَكَ ياهو " (2 ملوك 9: 13). أمَّا عبارة "فَرَكِبَه" فتشير إلى رمز تتويج الملك، كما ورد في رواية تتويج سليمان كما قل داود الملك لصادوقَ الكاهِنَ وناتان النَّبِيَّ وبَنايا بنَ يوياداع " خُذوا معَكم خَدَمَ سَيِّدِكم وأَركِبوا سُلَيمان ابْني على بَغلَتي وانزِلوا بِه إلى جيحون ... وانفُخوا بِالبوق وقولوا: لِيَحْيَ المَلِكُ سُلَيمان. واَصعَدوا وَراءَه، فيَأتِيَ ويَجلِسَ على عَرْشي، وهو يَملِكُ مَكاني" (1ملوك 33: 40). كما مُسح سليمان ملكًا، كذلك دخل يسوع كملك إلى أورَشَليم. إنَّ دخول يسوع إلى أورَشَليم راكبًا على جَحْشً كان علامة على أنَّه المسيح، ملك السَّلام، كما أنه إثبات لتواضعه أيضًا. ويضيف متى الإنجيلي أنَّه تمَّت بذلك نبوءة زكريا النَّبي": اِبتَهِجي جِدًّا يا بِنتَ صِهْيون وآهتِفي يا بنتَ ُأورَشَليم هُوَذا مَلِكُكَ آتِيًا إِلَيكِ بارًّا مُخَلِّصًا وَضيعًا راكِبًا على حِمَار وعلى جَحشٍ آبنِ أتان"(زكريا 9: 9).



8 وبَسَطَ كثيرٌ مِنَ النَّاسِ أَردِيَتَهم على الطّريق،
وفَرَشَ آخَرونَ أَغصانًا قطَعوها مِنَ الحُقول



تشير عبارة " بَسَطَ كثيرٌ مِنَ النَّاسِ أَردِيَتَهم على الطّريق" إلى العادة الشَّرقيَّة التي تدلُّ على احترام الملوك المُنتصرين لدى دخولهم المدن من ناحية، وهي علامة للخضوع وتسليم القلب من ناحية أخرى (1ملوك 13: 51). ومن هذا المنطلق، تدلُّ هذه العبارة هنا على تتويج يسوع ملكًا، كما حدث مع الملك ياهو: " فقال أسرَعوا وأخَذ َكُلُّ رَجُلٍ رداءَه وجَعَلوه تَحتَه عِندَ أَعلى المِنَصَّة، ونفَخوا في البوقِ وقالوا: قد مَلَكَ ياهو (2 ملوك 9: 13). ويُعلق القديس أمبروسيوس" فرش التَّلاميذ ثيابهم الخاصة تحت خطوات المسيح إشارة للإنارة في كرازتهم بالإنجيل، لأنّه كثيرًا ما أشارت الملابس في الكتب الإلهيَّة إلى الفضائل". أمَّا عبارة " كثيرٌ مِنَ النَّاسِ " فتشير إلى الجمع الغفير الذين جاؤوا إلى الحجِّ بمناسبة عيد الفصح. لا شَكَّ أنَّهم سمعوا بيسوع في الجليل، وها هم يستعُّدون ليُعلنوه مسيحًا وملكًا. أمَّا عبارة "أَغصان" فتشير غالبًا إلى أغصان شجر الزَّيتون مع سَعْف النَّخيل. حيث أنَّ الزَّيتون يرمز إلى السَّلام، والنَّخل يرمز بسعفه للنصرة والغلبة والبهجة (رؤيا 9:7). ويعلق الأب ثيوفلاكتيوس" ليتنا نفرش أيضًا طريق حياتنا بالأغصان التي نقطفها من الأشجار، أي نتمثل بالقديسين الذين هم أشجار مقدسة. من يمتثل بهم في فضائلهم يكون كمن قطع أغصانًا لنفسه".



9 وكانَ الَّذينَ يَتَقَدَّمونَه والَّذينَ يَتبَعونَه يَهتِفون:
هُوشَعْنا! تَبارَكَ الآتي بِاسمِ الرَّبّ



تشير عبارة "كانَ الَّذينَ يَتَقَدَّمونَه والَّذينَ يَتبَعونَه" إلى موكب عيد الأكواخ أو المَظال حيث كان الشَّعب يدخلون في موكب ساحة الهيكل مُلوِّحين بأغصان الشَّجر، طالبين من الرَّبّ خلاصه وعونه، قائلين: "هوشعنا"(المزمور 118)؛ ويُعلق القديس أمبروسيوس: "الذين تقدَّموا موكب يسوع هم آباء العهد القديم وأنبياؤه، والذين تبعوه هم رجال العهد الجديد ورسله وتلاميذه، فالكلُّ -رجال العهدين-التفوا حول الرَّبّ يطلبون خلاصه". أمَّا عبارة "يَهتِفون" فتشير إلى هُتَاف الجموع تعبيرًا عن حماسهم، أو عن إيمانهم؛ والكنيسة تُحيي ملكها الذي يدخل أورَشَليم ليقوم بخدمته ويبذل حياته فديةً عن الكثيرين. أمَّا عبارة "هُوشَعْنا" في الأصل الأرامي הוֹשַׁע־נָא (معناها "امنح الخلاص الآن") فتشير إلى ما ورد في ترنيم صاحب المزامير "إِمنَحِ الخَلاصَ הוֹשִׁיעָה נָּא يا رَبُّ اْمنَحْ النَّصرَ يا رَبُّ اْمنَحْ" (مزمور 118: 25)، والجدير بالذِّكر أنَّ مرقس الإنجيلي لم يترجم الكلمة "هُوشَعْنا"، ولِعلَّها أصبحت شائعة في الاجتماعات العامة للتعبير عن الحمد والتَّحيَّة. وصارت "هُوشَعْنا" في الجماعة المسيحيَّة الأولى جزء من الأناشيد المسيحيَّة تمجيدًا للرِّبِّ الذي خلّصنا في الماضي ويُخلصنا اليوم. أمَّا لوقا الإنجيلي استبدل عبارة "هُوشَعْنا" بعبارة "السَّلامُ في السَّماء! والمَجدُ في العُلى!" (لوقا 19: 38)، وقد تقبلت الكنيسة هذا السَّلام (لوقا 1: 79) في الإيمان، أمَّا أورَشَليم فرفضته (متى 23: 37). أمَّا عبارة " تَبارَكَ الآتي بِاسمِ الرَّبّ" فتشير إلى هُتَاف النَّاس بيسوع الذي أتى من السَّماء (يوحنا 13:3)، وهذا دلالة على لاهوته. واقتبس هذا الهُتَاف من مزمور التَّهليل " تَبارَكَ الآتي باْسمِ الرَّبِّ" (مزمور 118: 26)، وكثيرا ما يُذكِّر هذا المزمور في الكلام على آلام المسيح (متى 21: 42). وهذا الهُتَاف هو في الأصل نداء موجّه إلى الملك (2 صموئيل 14: 4) يُطلق خاصة في اليوم السَّابع من عيد الأكواخ، يرافقه هز الأغصان (2 ملوك 10: 6-7). فالمسيح أتى بقوة إلهيَّة لخلاص الإنسان وتجديده، فهو ابن الله الذي أتى ليخلقنا خلقة جديدة وليفتتح العصر المسيحاني (العبرانيين 10: 37).



10 تَبارَكَتِ المَملَكَةُ الآتِيَة، مَملَكةُ أَبينا داود! هوشَعْنا في العُلى!"



تشير عبارة "تَبارَكَتِ المَملَكَةُ الآتِيَة" إلى الهُتَاف الطّقسي الذي يُردّده الشَّعب في يوم الشَّعانين (مزمور 118: 25-26). أمَّا عبارة "مَملَكةُ أَبينا داود" فتشير إلى هُتَاف الجموع عن عودة مملكة داود بسبب وعد الله لداود الملك: " وإذا تَمَّت أيَّامُكَ وآضطَجَعتَ مع آبائِكَ، أقيمُ مَن يَخلُفُكَ مِن نَسلِكَ الَّذي يَخرُجُ مِن صُلبكَ، واثبِّتُ ملكَه. فهو يَبْني بَيتًا لآِسْمي، وأَنَّا اثبِّتُ عَرشَ مُلكِه لِلأَبَد " (2 صموئيل 7: 12-14). فمملكة أبينا داود هي مملكة المسيح الذي كان اليهود يتوقَّعون مجيئه، وكان داود أوصل تلك المملكة إلى ذروة مجدها، فرجا الشَّعب أن المسيح يردُّ إليها ذلك المجد. فكان داود رمزًا إلى المسيح، ومملكته رمزًا إلى ملكوته. بارك المحتفلون الملك والمملكة. ولهذا الهُتَاف إذًا معنى مسيحاني ومَلكي، كما يوضَّحه إنجيل لوقا "تبارك الملك" (لوقا 19: 38)، وهي إشارة لناسوت المسيح وتجسِّده. وقد أشارت صفحات الإنجيل موضوع الملك المسيحاني، ولا سيما في رواية الآلام وموضوع الحوار بين يسوع وبيلاطس (يوحنا 19: 3-21). ومناسبة دخول يسوع احتفاليًا إلى أورَشَليم هي مناسبة يحتفل بذكراها المسيحيُّون في يوم أحد الشَّعانين.



11 ودخَلَ ُأورَشَليم فالهَيكَل، وأَجالَ طَرْفَه في كُلِّ شَيءٍ فيه.
وكانَ المَساءُ قد أَقبَل، فخَرَجَ إلى بَيتَ عَنْيا ومعَه الاثْنا عَشَر



تشير عبارة " دخَلَ ُأورَشَليم فالهَيكَل " إلى توجّه يسوع توًا إلى الهيكل حيث نراه يتفقده بسلطان. فلم يكن شغله الشَّاغل سياسة اليهود وحروبهم بل ديانتهم. فالخلاص الذي يحمله، والملكوت الذي يُعلنه، يتعارضان مع السّلطات الاقتصاديَّة والسّياسيَّة والدِّينيَّة التي تبرز من خلال محكمته لدى اليهود والرُّومان. أمَّا عبارة "أَجالَ طَرْفَه في كُلِّ شَيءٍ فيه" فتشير إلى تفقد يسوع كل مرافق الهيكل بما فيه فناء الوثنيين وفناء النِّساء وفناء الرِّجال، لا فناء الكهنة المقتصر عليهم وحدهم (مرقس 14: 58). وقد انفرد إنجيل مرقس في ذكرها الوصف. فالمسيح لم يعمل في ذلك اليوم سوى دخوله المدينة والهيكل ومشاهدته مدنَسات ذلك الموضع التي طرحها في الغد. وبهذا أشار يسوع أنَّه رَبُّ الهيكل. وسيأتي وقت يطرد منه الباعة، لأنّه بَيْتَ صلاة لليهود والأمم ليس بَيتَ تِجارَة (يوحنا 2: 16). وهنا نجد الفرق بين أهل أورَشَليم الذين يجهلون حقيقة هوية يسوع والجموع من أهل الجليل الذين كانوا قد صعدوا إلى العيد والذين كانوا قد عرفوا يسوع عن طرق كرازته ومعجزاته في الجليل. أمَّا عبارة " فخَرَجَ إلى بَيتَ عَنْيا ومعَه الاثْنا عَشَر" فتشير إلى لجوء يسوع إلى بَيْتَ عَنْيَا ليقضي ليلته طلبًا للأمن والصَّلاة وتعليم تلاميذه. وفي كل ليلة من ليالي أسبوع الآلام، كان يسوع يذهب خارجًا إلى جبل الزَّيتون ويلتجأ إلى بَيْتَ عَنْيَا.





ثانيًا: تطبيقات النَّص الإنجيلي (مرقس 11: 1-11)



بعد دراسة موجزة عن وقائع النَّص الإنجيلي (مرقس 11: 1-11)، يمكن الاستنتاج أنَّه يتمحور حول ثلاث نقاط: أهداف أحد الشَّعانين، ومزار الشَّعانين في بَيْتَ فاجي ودورة الشَّعانين السّنويَّة التَّقليديَّة.



1) هدف أحد الشَّعانين



كلمة "شعانين" في الأصل اليوناني ὡσαννά (أوصانا) مشتقة من كلمة عبريَّة "هوشعنا" הוֹשַׁע־נָא، وهي من جذر سرياني ومعناها "امنح الخلاص" كما ورد في المزمور "הוֹשִׁיעָה נָּא" (مزمور 118: 25). ويقول التَّلمود أن هذا المزمور الذي يشمل هذه الكلمة كان ينطلق من أفواه الشَّعب ضمن هُتَافهم وهم يهزُّون الأغصان في أيديهم أثناء عيد المظال. وهي دعوة شعب متضايق يطلب من مَلِكِه أو إلهِهِ أن يُسرع هرع لخلاصِه.



أحد الشَّعانين هو الأحد الذي يسبق الفصح عندما دخل المسيح مدينة القدس. وهو أول يوم من الأسبوع المقدس وآخر أسبوع في حياة المسيح على الأرض. إذ دخل يسوع في موكبٍ عظيم ارتجَّت له المدينة كلها، ولم يكن هذا العمل بقصد طلب مجد عَالَمي أو نوال كرامة أو سلطة، إنَّمَا هو موكب روحي يمس حياتنا الدَّاخليَّة وخلاصنا الأبدي، كما اكّد ذلك القديس بطرس الرَّسول: "لا خَلاصَ بأَحَدٍ غَيرِه، لأنّه ما مِنِ اسمٍ آخَرَ تَحتَ السَّماءِ أُطلِقَ على أَحَدِ النَّاسِ نَنالُ بِه الخَلاص" (أعمال الرسل 4: 12). ومن هنا تأتي أهميَّة دخول يسوع إلى القدس منتصرًا ليدشِّن أسبوع الآلام، ويُتمِّم وعد الأنبياء، ويؤكد أنَّه المسيح المنتظر الذي يحمل الخلاص للجميع دون استثناء.



ا) دخل يسوع احتفاليًا إلى أورَشَليم لكي يُدشِّن "أسبوع الآلام"



يكرس الإنجيل الفصول الأخيرة لسرد الحوادث التي حصلت في مدة الأيام الثَّمانية الأخيرة من حياة يسوع بدايةً من دخوله الاحتفالي إلى أورَشَليم في أحد الشَّعانين. وحدث هذا الدُّخول في يوم الأحد في بداية الأسبوع الذي صُلب فيه يسوع، وكان الاحتفال بعيد الفصح اليهودي على وشك أن يبدأ، وكان اليهود يأتون من جميع جهات العَالَم الرُّوماني طيلة أيام هذا الأسبوع للاحتفال بذِكرى الخروج من مصر (خروج 13).



في مثل هذا اليوم دخل يسوع إلى أورَشَليم احتفاليًا في موكبٍ مهيب ٍ متوجهًا إلى مصيره ومُحقِّقًا ما سبق وأعلنه عدة مرات أن ابن الإنسان ينبغي أن يتألم: "َابنُ الإِنسانِ يُسلَمُ إلى عُظَماءِ الكَهَنَةِ والكَتَبَة، فيَحكُمونَ علَيه بِالمَوت، ويُسلِمونَه إلى الوَثَنِيِّين، فَيسخَرونَ مِنه، ويَبصُقونَ علَيه ويَجلِدونَه ويَقتُلونَه، وبَعدَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ يَقوم." (مرقس10: 32-34).



في هذا اليوم نبدأ مسيرة آلام سيدنا يسوع المسيح التي قِمَّتُها يوم الجمعة العظيمة على الجلجلة، ولكن نهايتها يوم أحد الفصح والقيامة. جاء السَّيد المسيح لقيادة موكب الصَّليب بنفسه، ويملك على خشبة الصَّليب، مُقدِّمًا حياته عن شعبه. ويعلق البابا فرنسيس: "مات المسيح وهو يصرخ معلنًا محبّته لكلّ واحد منّا: للشبّان والشُّيوخ، للقدّيسين والخطأة؛ محبّته لمن عاش في زمنه ولمن يعيش في زمننا هذا".



ب) دخل يسوع نبيًا إلى أورَشَليم لكي يُتمِّم نبوءات الأنبياء: أشعيا وزكريا.



وصَل يسوع إلى بَيْتَ فاجي، ودخل أورَشَليم نبيّا حقيقيًا مُصغيًا إلى صوت الآب لكي يُعرّف مشيئته تعالى للبشر. دخل المدينة نبيًا راكبًا على أتان تأكيدًا على أنَّه المسيح المًلك الوديع تتميمًا لنبوءة أشعيا: "قولوا لِآبنَةِ صِهْيون: هُوَذا خَلاصُكِ آتٍ هُوَذا جَزاؤُه معَه وأُجرَتُه أَمامَه" (أشعيا 62: 11)، ولتحقيق نبوءة زكريا أيضًا القائل "اِبتَهِجي جِدًّا يا بِنتَ صِهْيون وآهتِفي يا بنتَ ُأورَشَليم هُوَذا مَلِكُكَ آتِيًا إِلَيكِ بارًّا مُخَلِّصًا وَضيعًا راكِبًا على حِمَار وعلى جَحشٍ آبنِ أتان" (زكريا 9 :9).

كان الجموع الذين يتقدمون يسوع ويتبعونه يتمِّمون نبوءة زكريا، ويتكلمون عن عودة مملكة داود (2 صموئيل 7: 12-14) بهُتَافهم: "تَبارَكَتِ المَملَكَةُ الآتِيَة، مَملَكةُ أَبينا داود! "(مرقس 11: 10). إنّه ليس مَلِكًا متعجرفًا، بل ملك وديع ومتواضع، يأتي فقط كي يُخلّص شعبه ويمنحه السَّلام، وذلك ببذل ذاته فدية لشعبه. ودخول يسوع إلى أورَشَليم هي أيضًا تتمّة لنبوءات سفر صموئيل الثَّاني وأشعيا وملاخي: " يَأتي فَجأَةً إلى هَيكَلِه السَّيِّدُ الَّذي تَلتَمِسونَه، ومَلاكُ العَهدِ الَّذي تَرتَضونَ بِه" (ملاخي 3: 1). وكل النبوءات والتوقعات تتحقق في شخصه. "ويُعلق البابا فرنسيس "يسوع يدخل المدينة مُحاطًا بشعبه، ومُحاطًا بتسابيح وبهُتَافات صاخبة: أصوات الابن الذي غُفر له، والأبرص الذي شُفي، والعشار وصراخ الذي كان يعيش على هامش المدينة. إنَّه صراخ رجال ونساء تبعوه لأنّهم اختبروا تعاطفه إزاء معاناتهم وبؤسهم، فاختبروا مغفرته لهم واستعادوا الثِّقة والرَّجاء. ف كيف لا يهتفون للذي أعاد إليهم كرامتهم ورجاءهم؟ أصوات تتردَّد صداها بقوّة في هذا الموكب، كلّ الأصوات معًا".



ج) دخل يسوع كاهنا إلى أورَشَليم ليؤكِّد انه المسيح المنتظر



كانت ساعة الصَّليب تقترب. دخل يسوع إلى أورَشَليم كاهنًا ليُدشّن العِبادة الجديدة، عِبادة العهد الجديد الأبدي، حيث لا يُقدّم ذبائح حيوانيّة، بل ذاته على مذبح الصَّليب. ولذلك يتوجب على يسوع أن يوضِّح الأمر جليًا الآن: إمَّا انه المسيح، وإمَّا أن تكون حياته قائمة على الخطأ. لكن طريقة دخوله أوضَحت أنَّه المسيح المنتظر. وهناك ثلاثة أمور دلَّت على هذا الأمر: ارتباط المشهد بجبل الزَّيتون، وإحضار جَحْش، والإشارة إلى مملكة داود. وهذه الأمور الثَّلاثة كشفت عن طبيعة الموكب أنَّه ليس موكبُ رجلِ حربٍ، وإنَّمَا موكبُ المسيح المنتظر المُخلص. أمَّا عن جبل الزَّيتون فقد أنبأ زكريا النَّبي: تَقِفُ قَدَماه في ذلك اليَومِ على جَبَلِ الزَّيتونِ الَّذي قُبالَةَ ُأورَشَليم إلى الشَّرق، فيَنشَقُّ جَبَلُ الزَّيتونِ مِن نِصفِه نَحوَ الشَّرْقِ ونَحوَ الغَرْبِ وادِيًا عَظيمًا جِدًّا، ويَنفَصِلُ نِصفُ الجَبَلِ إلى الشَّمالِ ونِصفُه إلى الجَنوب... ويأتي الرَّبُّ إِلهي وجَميعُ القِديسينَ معَه" (زكريا 14: 4-5). لهذا كانت توقُّعات اليهود أن مجيء المسيح مُرتبط بجبل الزَّيتون، كما أكّد على ذلك المؤرّخ يوسيفوس فلافيوس.



أمَّا فيما يتعلق بالجَحْش، فهذا الأمر يتوافق مع المجيء المُسالم لشخصيَّة ملكيَّة، وكان ذلك تتميمًا لنبوءة زكريا النَّبي "اِبتَهِجي جِدًّا يا بِنتَ صِهْيون وآهتِفي يا بنتَ ُأورَشَليم هُوَذا مَلِكُكَ آتِيًا إِلَيكِ بارًّا مُخَلِّصًا وَضيعًا راكِبًا على حِمَار وعلى جَحْش آبنِ أتان" (زكريا 9: 9). ويُعلق القديس يوحنا الإنجيلي على دخول السَّيد المسيح راكبًا على جَحْش بقوله: " هذهِ الأَشياءُ لم يَفهَمْها تَلاميذُه أَوَّلَ الأَمرِ، ولَكِنَّهم تَذَكَّروا، بَعدَما مُجِّدَ يسوع، أَنَّها فيهِ كُتِبَت، وأَنَّها هي نَفسُها لَه صُنِعَت" (يوحنا 12: 16).



أخيرًا فيما يتعلق بالإشارة إلى مملكة داود، ذهب الكثير من النَّاس لمقابلة يسوع وأُقرّوا بأنه المسيح المنتظر، كما جاء في الإنجيل " بَسَطَ كثيرٌ مِنَ النَّاسِ أَردِيَتَهم على الطّريق، وفَرَشَ آخَرونَ أَغصانًا قطَعوها مِنَ الحُقول. وكانَ الَّذينَ يَتَقَدَّمونَه والَّذينَ يَتبَعونَه يَهتِفون: هُوشَعْنا! تَبارَكَ الآتي بِاسمِ الرَّبّ": تَبارَكَتِ المَملَكَةُ الآتِيَة، مَملَكةُ أَبينا داود! هوشَعْنا في العُلى!" (مرقس 11، 8-10). فيسوع هو المسيح الذي تنبأ عنه الأنبياء وهو الذي سيأتي من نسل داود ليُعيد لهم المُلك (صفنا 15:3-17).



جاءت هُتَافات الجماهير متناغمة مع كلمات الملاك جبرائيل لمريم العذراء يوم بشارتها: "يُوليه الرَّبُّ الإِلهُ عَرشَ أَبيه داود، ويَملِكُ على بَيْتَ يَعقوبَ أَبَدَ الدَّهر، وَلَن يَكونَ لِمُلكِه نِهاية " (لوقا 1: 32-33). ويُعلق الأب ثيؤفلاكتيوس" دعوا مملكة المسيح مملكة داود، لأنَّ المسيح جاء من نسل داود، كما أن داود يُشير إلى صاحب اليدّ القويَّة، إذ مَن يده قويَّة كيَد الرَّبّ الصَّانعة عجائب هذا مقدارها". ويجدر بنا أن نُردِّد مع القديس اندراوس أسقف كريتا "لنُسرِعْ إذًا معًا إلى الُمقبِلِ إلى الآلام، ولْنقتَدِ بالجموعِ التي أسرعَتْ لملاقاتِه، لا بحملِ أغصانِ الزَّيتونِ أو سَعَفِ النَّخلِ، ولا بفرشِ الثِّيابِ أمامَه على الطّريق، بل نسجدُ له بأنفسِنا، وبكلِّ قِوانا وإرادتِنا". ويُعلق البابا فرنسيس: " أيقظ يسوع في القلب كثيرًا من الرَّجاء بين الجموع المتواضعة، والبسيطة، والفقيرة، والمنسيَّة، تلك التي بلا قيمة في عيون العَالَم"(عظة الشعانين 24/3/2013).



علَّق مؤلف كتاب "الاقتداء بالمسيح":" إن ليسوع أتباعًا كثيرين يرغبون في ملكوته السَّماوي، أما حاملو صليبه فقليلون. كثيرون يكرّمون معجزاته، أمَّا الذين يتبعونه في عار الصَّليب فقليلون. كثيرون يحبّون يسوع ما دامت المِحن لا تنتابهم. كثيرون يسبّحونه ويباركونه، ما دام يحصلون على تعزيته. فإن توارى يسوع وتركهم قليلًا، سقطوا في التَّذمّر أو في فشلٍ ذريع".



د) دخل يسوع ملكا إلى أورَشَليم ليملك بتواضعه على شعبه



دخل يسوع إلى أورَشَليم ملكًا كي يضمن الأمن والسَّلام والازدهار والعدل ويمنح ذاته لشعبه. لكن الشَّعب الّذي كان ينتظره هناك، رفض السَّلام الذي قدَّمه، لأنّه كان ينتظر قائدًا حربيًا، يقود جيًشا بالسَّلاح، لطرد المُستعمِر الرُّوماني من هذه البلاد. أمَّا يسوع فدخل أورَشَليم، ولم يدخل أي مدينة أخرى بهذه الصُّورة سوى هذه المرة لإعلان نفسه ملكًا بالصَّليب؛ فقد تخلى عن مظاهر أبَّهة المُلوك (ارميا 17: 25)، ودخلَ أورَشَليم لا كمُحتَلٍّ مظفَّرٍ مكلَّلٍ بالمجدِ، بل وديعًا متواضعًا كي يكون انتصاره بالتَّواضع والبساطة: " رابطٌ بِالجَفْنَةِ جَحشَه وبَأَفضَلِ كَرمةٍ آبنَ حِمارتِه" (تكوين 49: 11). وصفة التَّواضع يمتاز بها المسيح الملك (أشعيا19: 1). لم يقبل يسوع في هذه الأرض تاجًا إلاّ تاج الشَّوك (مرقس 15: 17-18). وقال فيه الكتاب المقدس "لَن يُخَاصِمَ وَلَن يَصِيحَ، وَلَن يَسمَعَ أحَدٌ صَوتَهُ فِي السَّاحَاتِ" (متى 12: 19). للأنَّ يسوع لم يدخل إلى أورَشَليم لكي يُحقّق انتصارًا بسلطة السَّلاح أو القوى البشريَّة، كما ظنّ بيلاطس وأعيان اليهود، إنَّمَا ليتمّ انتصاره على إبليس ومملكته. ويعلق البابا فرنسيس "دخل يسوع إلى أورشليم ليصعد جبل الجُلجُلة حاملاً خشبة الصليب" (عظة أحد الشعانين 24/3/2013). لماذا الصليب؟ ولماذا يحمل يسوع على ذاته الشَّر، والأرجاس، وخطيئة العالم، ويحمل أيضًا خطيئتنا نحن، نحن جميعًا، ليَغسلها بدمه، وبرحمته، وبمحبة الله.



دخل يسوع أورَشَليم راكبًا على أتان، مطية الآباء (تكوين 49: 11) ليس كالفاتح العسكري الذي يمتطي جواد حربي، ولا كثائر سياسي، كما كان اليهود يتوقعونه، وكانت حال لسانهم قول تلميذي عمواس: "كُنَّا نَحنُ نَرجو أَنَّه هو الَّذي سيَفتَدي إِسرائيل" (لوقا 24: 21)، إنَّمَا دخل أورَشَليم وديعًا متواضعًا، وزينتُه عندَ دخولِه ثيابٌ مُهَلهلَةٌ متواضعة. فمجده لا يشبه مجد أقوياء الأرض. إن مجده هو مجد ملكٍ يمنح الحياة، ويُحبّ خاصّته حتّى النَّهاية. ويعلق البابا فرنسيس "لقد دخل يسوع إلى أورشليم كملك متواضع ومسالم، يركب جحشًا، ولا ترافقه حاشية، ولا يحيط به جيش كعلامة عن القوة. لنفتح له قلوبنا! هو وحده يمكنه أن يُحرِّرنا من العداوة والكراهية والعنف، لأنَّه الرحمة ومغفرة الخطايا" (عظة أحد الشعانين 24/3/2024).



دخل يسوع أورَشَليم ليؤسِّس مملكة باسم الرَّبّ التي لم تكن من إرادة إنسان كمملكة الرُّومان، لأنَّ مملكته ليست من هذا العَالَم بحسب ما صرَّح به أمام الحاكم بيلاطس البُنطي: "لَيسَت مَملَكَتي مِن هذا العَالَم. لَو كانَت مَملَكَتي مِن هذا العَالَم لَدافعَ عَنِّي حَرَسي لِكي لا أُسلَمَ إلى اليَهود. ولكِنَّ مَملَكَتي لَيسَت مِن ههُنا" (يوحنا 18: 36). ومجده هو مجد الملك يمنح الحياة، ويُحبّ خاصّته حتّى النَّهاية. إنّه الملك الّذي يقبل الموت من أجل خاصّته، وهو مقتنع بأنّ تلك هي العظمة الحقّيقيَّة، وهي القوّة الحقيقيَّة الّتي تُغيّر الحياة، وتجلب السَّلام.



ه) دخل يسوع احتفاليا إلى أورَشَليم ليفتتح العهد المسيحاني



دخل يسوع ظافرًا إلى أورَشَليم لتدشين زمنًا جديدًا، يسوده عدل الرَّبّ وسلامه في الأرض كلّها، وذلك بتقريب جسده ذبيحةً ذ كَفَّارةٍ لِلخَطايا على الصَّليب على جبل الجُلجُلة في أورَشَليم (عبرانيين10: 37) كي يصالحنا مع الله، كما صرّح بولس الرَّسول: " فإِن صالَحَنا اللهُ بِمَوتِ َابِنه ونَحنُ أَعداؤُه! " (رومة 5: 10). لقد جاء حاملًا معه سلام الأزمنة المسيحانية، كما وَرَدَ في الكِتاب: "لا تَخافي يا بِنتَ صِهْيون هُوَذا مَلِكُكِ " (يوحنا 12: 15). يسوع هو سيّد لمصيره وقراره تَمَّم نبوءة زكريا: "ابتَهِجي جِدًّا يا بِنتَ صِهْيون وآهتِفي يا بنتَ ُأورَشَليم هُوَذا مَلِكُكَ آتِيًا إِلَيكِ بارًّا مُخَلِّصًا وَضيعًا راكِبًا على حِمَار وعلى جَحشٍ آبنِ أتان"(زكريا 9: 9).



نستنتج مما سبق أنّ عيد الشَّعانين، هو استباق للنّصر الأخير الذي سيتمّمه الرَّبّ في مجيئه الثَّاني الأخير، حيث سيفتح سفر الحياة، ويظهر جليّا لكلّ بني بشر، فتتجدّد الخليقة الّتي تئنّ شوقًا إليه. بالمسيح وحده يتمّ الخلاص الحقيقيّ والكامل لنا ولكلّ إنسان. كما تنبَّأ يوحنا الحبيب: "رَأَيتُ بَعدَ ذلِكَ جَمعًا كَثيرًا لا يَستَطيعُ أَحَدٌ أَن يُحصِيَه، مِن كُلِّ أُمَّةٍ وقَبيلَةٍ وشَعبٍ ولِسان، وكانوا قائمينَ أَمامَ العَرشِ وأَمامَ الحَمَل، لابِسينَ حُلَلًا بَيضاء، بِأَيديهم سَعَفُ النَّخلِ، وهم يَصيحونَ بِأَعلى أَصْواتِهم فيَقولون: الخَلاصُ لإِلهِنا الجالِسِ على العَرشِ ولِلحَمَل!" (رؤيا 7، 9-10). إنَّها دعوة الشَّعب الجديد الذي يُولد عند قدم الصَّليب، حيث يجذب المسيح المرفوع على الصَّليب الجميع إليه (يوحنّا 12، 32). وبكلمة وجيزة، جاء يسوع إلى أورَشَليم ليحمل الخلاص والسَّلام المسيحاني لها للبشريَّة جمعاء.



ينبغي ألاَّ نتردَّد بالهُتَاف معًا ليسوع المسيح المَلك والمُخلّص، ليس بالأقوال فقط، إنَّمَا بالأعمال الصَّالحة، وأن نعلن إيماننا به وانتماءنا لملكوتهَ، ونبحث عن خلاصنا، فيُنعِمَ الرَّبّ المخلّص، بالبركة والنِّعمة والفرح والأمان على عَالَمنا الذي يريد حقًّا الخلاص. ولنهتف بكلّ قوّة وإيمان وتقوى "هوشعنا هوشعنا"، خلّصنا يا ربّ من الرَّذائل والآلام ومن الكآبة والقلق والخوف والتَّشاؤم من الغد، بإعطائنا الأمان والطُّمأنينة والعُمق الرَّوحيّ والارتياح النَّفسيّ، لكيّ نحقّق خلاصنا وسلامنا بمُخلصنا يسوع المسيح الملك؛ أجل! هوشعنا، خلّصنا يا رب!





3) مزار أحد الشَّعانين: بَيْتَ فاجي: تاريخها وآثارها



التَّسميَة:



بَيْتَ فاجي اسم آرامي בֵּית־פַּגֵּי (معناه "بَيْتَ التَّين")، وهي قرية صغيرة تقع إلى الجنوب الشَّرقي من جبل الزَّيتون وتتصل ببَيْتَ عَنْيَا من الجهة الغربيَّة على مسافة 800م. مرَّ بها السَّيد المسيح بعد دخوله بَيْتَ عَنْيَا ثم إلى بيت فاجي، إذ كان قادمًا من أريحا إلى القُدْس. ومن هذه القرية أرسل السَّيد المسيح اثنين من تلاميذه ليأتياه بجَحْش، فركبه في دخوله بانتصار إلى القدس. فمن بَيْتَ فاجي يبدأ أحد الشَّعانين التَّقليدي متجهًا نحو القدس. وقد ربط التَّقليد بهذه القرية أيضًا ذكرى لقاء مرثا مع يسوع قبل إحياء لَعازَر من القبر (يوحنا 11:20-34).



التَّاريخ:



ارتبط تاريخ بَيْتَ فاجي بالحوادث التي وردت في الأناجيل (يوحنا 11،20-34، متى 21،1-11، مرقس 11،1 -11، لوقا 19،28-40) التي تُروي لنا دخول يسوع إلى أورَشَليم من بَيْتَ فاجي. وفي القرن الثَّاني والثَّالث الميلادي يشير التَّلمود أنَّ بَيْتَ فاجي كانت إحدى ضواحي القدس وقد أثبتت الحفريات من آبار مياه ومعاصر زيت وقبور شهادة التَّلمود. وفي كتابات المؤرِّخ الكنسي يوسابيوس القيصري (265-340م) جاء ذكر "بَيْتَ فاجي كضيعة صغيرة تقع على جبل الزَّيتون. دخلها السَّيد المسيح في طريقة إلى أورَشَليم." ويصفها ايرونيموس (385-419) كمكان كان يقضي فيه كهنة اليهود عطلتهم؛ ومنها أتى التَّلاميذ بجَحْش للمسيح. وفيها بسط كثيرون ثيابهم على الطّريق".



في العصر البيزنطي أشارت السَّائحة الإسبانيَّة إيجاريه في مذكراتها في القرن الرَّابع إلى وجود كنيسة في بَيْتَ فاجي تُحيي ذكراها لقاء يسوع مع مرتا عندما جاء من الأردن لإحياء لَعازَر. وفي عام 530 لمَّح ثيوذسيوس أنَّ بَيْتَ فاجي هو المكان الذي اخذ السَّيد المسيح منه جَحْشا ليركبه في دخوله منتصرًا إلى أورَشَليم من خلال باب بنيامين. وفي عام 870 نوّه برناردو النَّاسك إلى الصَّخرة التي استعان بها السَّيد المسيح في ركوبه جَحْش بن أتان لدى دخوله القدس.



لم يكتفِ الحجاج في العصور الوسطى بتحديد موضع بَيْتَ فاجي بين بَيْتَ عَنْيَا وجبل الزَّيتون بل أشاروا إلى الكنيسة ووجود حجر في داخلها الذي استعان به يسوع لركوب الجَحْش. وفي عام 1165 وصف الحاج يوحنا فيرسبورك المكان بقوله: يوجد برجان من حجر كان أحدهما كنيسة. وفي عام 1172 أضاف الحاج تيودوريكو أنَّ المسيح جاء من بَيْتَ عَنْيَا إلى بَيْتَ فاجي حيث أُقيم معبدٌ إكرامًا له، لأنّه كان قد أرسل اثنين من تلاميذه ليأتيا بجَحْش وأتان. واستعان بصخرة كانت موجودة هناك لركوب الجَحْش. في هذا الصَّدد قال الرَّاهب الفرنسيسكاني نقولا يوجيبونسي: "في بَيْتَ فاجي لا توجد جدران ولا بيوت بل حجارة. وفيها حجر كبير عليه وقف المسيح"؛ وفي عام 1345 أهملت الكنيسة وتحوَّلت إلى خربة. وما جاء القرن السَّابع عشر حتى انطمست آثار الكنيسة. وفي عام 1883 بنى الآباء الفرنسيسكان الكنيسة الحاليَّة على أنقاض الكنيسة الصَّليبيَّة. وفي عام 1954 تمَّ ترميم الكنيسة بشكلها الحالي تحت إشراف المهندس أنطونيو برلوتسي، بإضافة برج مجاور للكنيسة بناء على مواصفات السَّائح يوحنا فيرسبورك.



المعالم الأثريَّة:



أجرى المعهد الآثار الفرنسيسكاني في القدس حفريات عام 1961 أسفرت عن اكتشاف ما يلي:



(1) الكنيسة الصَّليبيَّة:
بنى الآباء الفرنسيسكان الكنيسة الحاليَّة عام 1883 على أنقاض الكنيسة الصَّليبيَّة، وهي مبنيَّة من حجارة ضخمة مزينة بالرُّسومات. ولم يبق من هذه الرُّسومات إلا القليل. وتحوي الكنيسة على ممر يؤدي إلى غرفة ربما تكون السَّكرستيا، وهي غرفة ملحقة بالكنيسة لحفظ الزَّي الكهنوتي والأواني المقدسة. وفي داخل الكنيسة من جهة الشِّمال نجد "مسلة".



(2) المَسلَّة:

عبارة عن قطعة صخريَّة يروي التَّقليد أنّها استخدمت لموطئ قدمي يسوع لدى ركوبه على الجَحْش في دخوله منتصرًا إلى أورَشَليم. وقد وجدها صدفة فلاح فلسطيني من جبل الطُّور عام 1877 بينما كان يبحث عن حجارة للبناء. واشتراها الآباء الفرنسيسكان عام 1880. وتُزين المَسلَّة لوحات من العهد الصَّليبي لمشاهد إنجيليَّة على النَّمط البيزنطي. ولقد تمكن الفنان فكاريني من ترميم الرُّسومات التي كادت أن تختفي وهي: من جهة الشِّمال: لوحة تمثل التَّلاميذ يأتون بالجَحْش والأتان من بَيْتَ فاجي. ومن جهة الشَّرق: لوحة تمثل دخول السَّيد المسيح منتصرًا إلى أورَشَليم، وتحتها كتابة لاتينيَّة غير واضحة. وتعني: هنا تَطْوَاف الشعانين في أيام... ومن جهة الجنوب: لوحة تمثل إحياء لَعازَر من القبر. ويظهر يسوع ويتبعه بطرس من جهة الشِّمال ولَعازَر وامرأة تغطي أنفها للدلالة على الميت قد أنتن، ومريم ومرتا ساجدتين، ورجل يحمل غطاء القبر من الجهة اليمنى. ومن جهة الغرب: تمثل اللوحة السَّيد المسيح يبارك بيده اليُمنى، ويحمل كتابًا بيده اليسرى وبجانبه مريم ومرتا أختا لَعازَر. وتتوسط هذه اللوحة كوة مغلقة. وتحت اللوحة كتابة باللغة اللاتينيَّة تشير إلى بَيْتَ فاجي. وفي الطّرف الآخر من اللوحة نقش اسم الفنان Bernardi Witardi de Borda Fok o For.



(3) الكنيسة الحَاليَّة:
قام الآباء الفرنسيسكان ببناء الكنيسة الحاليَّة عام 1883 وتمَّ ترميمها عام 1954. يتوسط الكنيسة مذبح من الرخام "الصَّليبي" وبَيْتَ القربان من صنع النَّحات مورته A. Mortet . وزيّن الرَّسام فكاريني (Cesare Vagarini) الكنيسة بلوحات جداريَّة فنيَّة زيتيَّة. وفي صدر الكنيسة نجد لوحة زيتيَّة بألوان مختلفة تُمثل دخول المسيح منتصرًا إلى القدس يتقدَّمه الشَّعب حاملين أغصان الزَّيتون وسعف النَّخل ويتبعه الرُّسل والنِّسوة التَّقيات. وأمَّا جداران الكنيسة فهي مزينة بلوحات بلون واحد تمثل تَطْوَاف الشَّعانين. ويشعر الزَّائر في الكنيسة كأنَّه واحدٌ من هؤلاء السَّائرين وراء المسيح في دخوله إلى أورَشَليم.





4) لمحة تاريخيَّة حول تَطْوَاف الشَّعانين التَّقليدي:



بدا التَطْوَاف التَّقليدي في أحد الشَّعانين في القدس في العصر البيزنطي. إذ تُروي السَّائحة إيجاريه الإسبانيَّة أن المسيحيِّين كانوا يُقيمون منذ القرن الرَّابع التَطْوَاف بأحد الشَّعانين في تمام السَّاعة الواحدة بعد الظهر مبتدئين من كنيسة "أبانا الذي"؛ ثم يتوجَّهون إلى كنيسة الصُّعود ومن ثمة ينحدرون من جبل الزَّيتون وهم حاملون أغصان الزَّيتون أو سعف النَّخل. وينتهي التَطْوَاف بهم في كنيسة القيامة. ويبدو أن نشأة هذا التَطْوَاف تعود إلى البطريرك كيرلس الأورَشَليمي (348-3879).



أشار كتاب القراءات الأورَشَليميَّة إلى بعض التَّعديلات في القرن الخامس حتى القرن الثَّامن، إذ كان التَطْوَاف يبدأ صباحًا، وكان يتوقف موكب الشَّعانين في الجِسمانيَّة وفي كنيسة حنة (الصَّلاحيَّة) حيث تُتلى الأناجيل التَّاليَة حول دخول يسوع إلى اورشليم: (يوحنا 12: 112-19، ولوقا 19: 28-40، ومرقس 11: 1-11).



في القرن التَّاسع، كان بطريرك القدس يبُارك سعف النَّخل وأغصان الزَّيتون في بَيْتَ عَنْيَا ويسير الموكب نحو القدس مع التَّوقف في كنيسة الصُّعود والجِسمانيَّة وكنيسة القديسة حنة (الصَّلاحيَّة) وينتهي في كنيسة القيامة.



في عام 1007 منع الخليفة الحاكم بأمر الله هذا التَطْوَاف إلى أن جاء الصَّليبيون عام 1099. وكان البطريرك يسير من بَيْتَ عَنْيَا حاملا ذخيرة الصَّليب المُقدَّس يواكبه الرُّهبان والمؤمنون حاملين سَعف النَّخل وأغصان الزَّيتون، ويتوجَّهون نحو القدس من خلال البَاب الذهبي وينتهي التَطْوَاف بهم في ساحة الحرم.



في القرن الرَّابع عشر انحصر تَطْوَاف الشَّعانين داخل الأسوار مُبتدئًا من كنيسة مار يعقوب في حارة الأرمن حتى كنيسة القيامة تحت إشراف الأرمن. وفي القرن الخامس عشر شرع الآباء الفرنسيسكان بالتَطْوَاف من بَيْتَ فاجي يترأسه حارس الأراضي المقدَّسة وهو راكب حِمَارًا وينتهي التَطْوَاف عند وادي قدرون؛ وبعد بضع سنوات أصبح التَطْوَاف ينتهي عند جبل صهيون.



في عام 1560 كان حارس الأراضي المقدسة يترأس التَطْوَاف؛ تبدأ مسيرة الموكب من بَيْتَ فاجي مرورًا مكان بكاء الرَّبّ على أورَشَليم (Dominus flevit)، ثم يدخل القدس من باب صهيون إلى أن يصل دير المُخلص في جبل صهيون، وكان يتخلل التَطْوَاف عظة باللغة العربيَّة. ثم توقف التَطْوَاف عام 1648 بأمر السُّلطات. العثمانية. وفي عام 1933 عاد التَطْوَاف من جديد بحيث بدأ الموكب من بَيْتَ فاجي باتِّجاه جبل الزَّيتون، وكان ينتهي في كنيسة القديسة حنّة (الصَّلاحيَّة) المجاورة لسَاحة الحرم، وهو الموضع القديم للتَطْوَاف. لا يزال تَطْوَاف أحد الشَّعانين قائمًا حتى أيامنا الحاضر حيث تنطلق من بَيْتَ فاجي، مرورًا بجبل الزَّيتون وصولا إلى كنيسة القديسة حنة داخل أسوار البلدة القديمة.



يتم ترتيب دورة أحد الشَّعانين بالنِّظام التَّالي: حامل الصَّليب والقواسة، ثم حملة الأعِلام الكشفيَّة، ثم كاهن رعيَّة القدس للاتين (الفرنسيسكان) يصحبه مختار دير اللاتين، ثم يسر وراءهم الأشبال والزَّهرات والكشاف المبتدئ وقادة الكشاف ويتبعونهم أبناء الرَّعايا من فلسطين والجليل ويرافقونهم الزُّوار الأجانب من جميع أنحاء العَالَم. وأخيرًا يسير الرُّهبان الفرنسيسكان ثم طلبة الاكليريكيين في البطريركيَّة اللاتينيَّة، ثم يأتي أخيرًا موكب بطريرك اللاتين البطريرك والمرافقون له من أساقفة وحارس الأراضي المقدسة يحيطه لكشاف المُتقدِّم على جانبي المسيرة. وينتهي الاحتفال بزياح القربان المقدّس ومباركة الجموع المواطنين المُحلّيِّين والحُجّاج من شتّى أنحاء العَالَم. وهذه الدورة هي مناسبة مركزيَّة لتجمع المسيحييِّن من أنحاء العَالَم خاصة من الأرض المقدسة لذكرى دخول يسوع ظافرا إلى أورَشَليم استعدادا لبدء أسبوع الآلام والقيامة.





الخلاصة



بناء على إرادة العبد الرَّبّ الحرة ووعيّه بالطّاعة للرّبّ وليس للبشر بحسب النَّشيد الثَّالث لعبد الرَّبّ لأشعيا النَّبي في كتاب التَّعزيَّة (أشعيا 50: 4-7) يتوجّه يسوع نحو أورَشَليم عابرًا مسيرة الآلام الّتي تبدأ بدخوله إلى أورَشَليم. ويؤكِّد ذلك بولس الرَّسول بقوله "فَوضَعَ نَفْسَه وأَطاعَ حَتَّى المَوت مَوتِ الصَّليب. لِذلِك رَفَعَه اللهُ إلى العُلى ووَهَبَ لَه الاَسمَ الَّذي يَفوقُ جَميعَ الأَسماء"(فيلبي 2: 8-9). والاتضاع هو أسلوب الله: يتضع الله كي يَسيرَ بصحبة شَعبِه في العهد القديم، كي يتَحمّل خياناته كما ورد في سفر الخروج. إنه درب يسوع الذي اتخذ "صُورةَ العَبْد" (فيلبي 2: 7).



في بداية الأسبوع الأخير من حياة يسوع على الأرض دخل أورَشَليم، مدينة السَّلام، في أبهى حُلَلِها وقمّة مجدها لنشر روح السَّلام والطُمأنينة والفرح والبهجة وحبّ الحريّة. هذا الدُّخول الملوكي، الذي تفاعل معه النَّاس، أعطاهم قوّة التَّحرّر والأمَان والرَّجاء بالخلاص.



إنّ هذا العيد هو فرصة لنا للصعود معًا إلى جبلَ الزَّيتونِ لملاقاةِ المسيحِ العائدِ اليومَ من بَيْتَ فاجي متقدّمًا إلى القدس يومِ آلامِه ليُتمِّمَ سرَّ خلاصِنا. لنُسرِعْ ولْنقتَدِ بالجموعِ التي أسرعَتْ لملاقاتِه، لا بحملِ أغصانِ الزَّيتونِ أو سَعَفِ النَّخلِ، ولا بفرشِ الثِّيابِ أمامَه على الطّريق، بل بالسجود له بأنفسِنا، وبكلِّ قِوانا وإرادتِنا، واستقباله بروحٍ منسحقةٍ وبنِيَّةٍ مستقيمةٍ وبعزمٍ ثابت. وبدَلَ بسط الثِّيابِ أمامَه، لِنُلقِ بأنفسِنا أمامَ قدمَيْه ساجدِين. ولْنردِّدْ مع الأطفال هُتَافهم، تعبيرًا عن إيماننا فيما تهتزُّ أغصانُ أنفسِنا وأرواحِنا: "مُبَارَكٌ الآتِي بِاسمِ الرَّبِّ". تمجيدا للمسيح الملك الذي خلَّصنا في الماضي ويُخلصنا اليوم. فمَلكنا الوديع حاضرٌ فيما بيننا، هو خلاصنا وقوَّتنا وحياتنا بموته على الصَّليب. الكلمة الأخيرة ليست للألم، بل للمَجد الابن، وإعلان سيّادة الرَّبّ من خلال الآلام "العبد" الذي تنبَّأ عنه أشعيا (أشعيا 50: 4-7).



هلمّوا ولْنصعَدْ معًا جبلَ الزَّيتونِ لملاقاةِ المسيحِ العائدِ اليومَ من بَيْتَ فاجي متقدّمًا إلى يومِ آلامِه المكرَّمة، وقد جاءَ طوعًا كما قال "حياتي، ما مِن أَحَدٍ يَنتزِعُها مِنَّي بل إنّني أَبذِلُها بِرِضايَ" (يوحنا 10: 18) ليُتمِّمَ سرَّ خلاصِنا. ولندخل مع المسيح في موكبه إلى أورَشَليم قائلين مع الرَّسول " الشُّكرُ للهِ الَّذي يَسْتَصْحِبُنا دائِمًا أَبَدًا في نَصرِه بِالمَسيح. ويَنشُرُ بِأَيدينا في كُلِّ مَكانٍ شذا مَعرِفَتِه (2 قورنتس 2: 14).



"قيامة ربنا يسوع المسيح من بين الأموات هي تذكير دائم بأن قوى الشَّر والموت لن تتغلب على الحياة، بل أن الحياة ستنتصر على الموت وظلامه"، كما جاء في رسالة الفصح المجيد لبطاركة ورؤساء الكنائس في القدس 2018. فالحياة أقوى من الموت.





دعاء



أيها الآب السَّماوي، إذ نذكر في إيمان وخشوع دخول ابنك يسوع المسيح إلى أورَشَليم ليتمَّ آلامه وقيامته من اجل خلاصنا، دعنا أن نرافقه في طريقه، صارِخِينَ: أوصَنَّا في الأعالي، مُبارَكٌ الآتي باسمِ الرَّبّ كي ننال نعمة فداء صليبه ونفوز بالقيامة والحياة الأبديَّة. آمين


 
قديم 27 - 04 - 2024, 01:04 PM   رقم المشاركة : ( 159027 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,381

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة






ولمَّا قَرُبوا مِن ُأورَشَليم ووَصَلوا إلى بَيتَ فاجي وبَيتَ عَنْيَا، عِندَ جَبَلِ الزَّيتون، أَرسَلَ اثنَينِ مِن تَلاميذِه 2 وقالَ لَهما: ((إِذهَبا إلى القَريَةِ الَّتي تُجاهَكُما، فَما إِن تَدخُلانِها حتَّى تَجِدا جَحْشًا مَربوطًا ما رَكِبَه أَحَد، فحُلاَّ رِباطَه وأتِيا بِه. 3 فإِن قالَ لكُما قائِل: لِمَ تَفعَلانِ هذا؟ فقولا: الرَّبُّ مُحْتاجٌ إِلَيه، ثُمَّ يُعيدُه إلى هُنا بعدَ قليل)). 4 فذَهَبا، فوَجَدا جَحْشًا مَربوطًا عندَ بابٍ على الطّريق، فحَلاَّ رِباطَه. 5 فقالَ لَهما بَعضُ الَّذينَ كانوا هُناك: ((ما بالُكُما تَحُلاَّنِ رِباطَ الجَحْش؟)) 6 فقالا لَهم: كما أَمَرَهما يسوعُ فتَركوهما. 7 فجاءا بِالجَحْشِ إلى يسوع، ووَضَعا رِدائَيهِما علَيه فَرَكِبَه. 8 وبَسَطَ كثيرٌ مِنَ النَّاسِ أَردِيَتَهم على الطّريق، وفَرَشَ آخَرونَ أَغصانًا قطَعوها مِنَ الحُقول. 9 وكانَ الَّذينَ يَتَقَدَّمونَه والَّذينَ يَتبَعونَه يَهتِفون: ((هُوشَعْنا! تَبارَكَ الآتي بِاسمِ الرَّبّ؛ 10 تَبارَكَتِ المَملَكَةُ الآتِيَة، مَملَكةُ أَبينا داود! هوشَعْنا في العُلى!)) 11 ودخَلَ ُأورَشَليم فالهَيكَل، وأَجالَ طَرْفَه في كُلِّ شَيءٍ فيه. وكانَ المَساءُ قد أَقبَل، فخَرَجَ إِل بَيتَ عَنْيا ومعَه الاثْنا عَشَر.



مقدمة



يصف مرقس البشير في إنجيل أحد الشَّعانين دخول يسوع الاحتفالي الأخير، إلى مدينته المحبوبة أورَشَليم -القدس، ملكًا متواضعًا ومخلصًا (مرقس 11: 1-11). وبعد هذا الدُّخول، بدأت ذروة حياة يسوع العلنيَّة السَّائرة إلى آلامه وموته. ودخوله هذا يهمُّ جميع النَّاس، لأنّه دخل ليتمجَّد على الصَّليب وليغلب الموت ويبذل حياته فديةً عن الكثيرين، ويمنحنا الحياة. فمركز الثُّقل في الإنجيل لم يكن بيت لحم، بل أورَشَليم، ولم يكن حياة يسوع، بل موته، ولم يكن المثل الذي تركه لنا، بل كفارته، ولم تكن تعاليمه، بل فداؤه. ويُعلق القدّيس ابيفانوس، أسقف سلامين: "ظهر يسوع، قيامةً للساقطين، وتحريرًا للأسرى، ونورًا للعُميان، وتعزيةً للحزانى، وراحةً للضعفاء، ونبعًا للعطشى، ومنتقمًا للمضَّطَهَدِين، وفداءً للمفقودين، ووَحدةً للمُنقسمين، وطبيبًا للمرضى، وخلاصًا للتائهين" (العظة الأولى لعيد الشَّعانين). فمع أحد الشَّعانين، ندخل الأسبوع المقدس، حيث نحتفل بالسَّاعة التي يكشف فيها يسوع بشكل نهائي سر محبة الآب للبشريَّة الذي بذل ابنه يسوع تضحية من أجلنا على الصَّليب. وهكذا يُمهِّد لنا أحد الشَّعانين مسيرتنا طوال أسبوع الآلام كنقطة انطلاق للاحتفال بسرّ آلام الرّبّ وموته ودفنه وقيامته.



 
قديم 27 - 04 - 2024, 01:05 PM   رقم المشاركة : ( 159028 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,381

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




مَّا قَرُبوا مِن أورَشَليم ووَصَلوا إلى بَيتَ فاجي وبَيتَ عَنْيا،
عِندَ جَبَلِ الزَّيتون، أَرسَلَ اثنَينِ مِن تَلاميذِه"



تشير عبارة "قَرُبوا مِن ُأورَشَليم" إلى دخول يسوع مدينته أورَشَليم في اليوم الأول، ثم دخوله وخروجه إليها في اليوم الثَّاني (مرقس 11: 12) وعودته إليها في اليوم الثَّالث (مرقس 11: 23).

ومن هنا نرى يسوع يتنقل من خارج أورَشَليم (بيت عَنْيَا وبيت فاجي وجبل الزيتون) إلى داخلها (خاصة الهيكل).
وفي كلِّ لَيلة من لَيالي أسبوع الآلام، كان يسوع يذهب خارجًا إلى جبل الزَّيتون ويلتجئ إلى بيت عَنْيَا. وكان الاحتفال بعيد الفصح على وشْك أن يبدأ.
 
قديم 27 - 04 - 2024, 01:06 PM   رقم المشاركة : ( 159029 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,381

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




مَّا قَرُبوا مِن أورَشَليم ووَصَلوا إلى بَيتَ فاجي وبَيتَ عَنْيا،
عِندَ جَبَلِ الزَّيتون، أَرسَلَ اثنَينِ مِن تَلاميذِه"


"قَرُبوا " فتُذكرنا بكلمات السَّيد يسوع الأولى في كرازته:
" تَمَّ الزَّمانُ وَاقْتَرَبَ مَلَكوتُ الله. فَتوبوا وآمِنوا بِالبِشارة (مرقس 1: 15)؛
وهي ذات الكلمات التي وضعها السَّيد المسيح
في أفواه تلاميذه حينما أرسلهم للكرازة (متى 10: 7).
 
قديم 27 - 04 - 2024, 01:07 PM   رقم المشاركة : ( 159030 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,381

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




مَّا قَرُبوا مِن أورَشَليم ووَصَلوا إلى بَيتَ فاجي وبَيتَ عَنْيا،
عِندَ جَبَلِ الزَّيتون، أَرسَلَ اثنَينِ مِن تَلاميذِه"




"بَيتَ فاجي" فتشير إلى اسم آرامي בض¼ضµ×™×ھض¾×¤ض¼ض·×’ض¼ضµ×™ (ومعناه بَيْتَ التَّين)، وهي قرية صغيرة بالقرب من بَيْتَ عَنْيَا تبعد نحو كيلو مترٍ واحدٍ عن أورَشَليم في الجهة الجنوبيَّة الشَّرقيَّة من جبل الزَّيتون، وتتصل ببَيْتَ عَنْيَا من الجهة الغربيَّة وهي منخفضة عنها قليلًا نحو الجهة الشِّماليَّة (لوقا 19: 29).
وقد دخلها يسوع المسيح قبل دخوله بَيْتَ عَنْيَا، إذ كان آتيًا من أريحا إلى أورَشَليم. وجاء في كتابات أحد الرَّحالة أنه وجد أطلالها على بعد 500م إلى الجهة الشِّماليَّة من بَيْتَ عَنْيَا. وأمَّا في إنجيل متى فذُكرت بَيْتَ فاجي وحدها دون اسم بَيْتَ عَنْيَا (متى 21: 1). وقد ورد اسمها في الأناجيل الثَّلاثة: متى ومرقس ولوقا فقط في هذه المناسبة مع أنّها ذكرت كثير في كتابات الرَّبيّين.
 
موضوع مغلق

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:38 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024