13 - 03 - 2024, 12:54 PM | رقم المشاركة : ( 154101 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
أصرخ إليك يا يسوع. جسدي يصير خيمة روحية! خلقتني لرسالة من قِبَلكْ. عرفني: ماذا تريد أن أفعل؟ قدني كل الطريق بحكمتك. آمين |
||||
13 - 03 - 2024, 12:54 PM | رقم المشاركة : ( 154102 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
أصرخ إليك يا يسوع. بدونك لن أعرف كيف أبدأ! بدونك لن استمر في العمل! بدونك لن أبلغ المنتهى! آمين |
||||
13 - 03 - 2024, 12:55 PM | رقم المشاركة : ( 154103 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
أصرخ إليك يا يسوع. لتقدس فكري، فأعرف إرادتك. ولتقدس إرادتي، فتتناغم مع إرادتك. آمين |
||||
13 - 03 - 2024, 12:55 PM | رقم المشاركة : ( 154104 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
أصرخ إليك يا يسوع. لتعمل بي فيهرب مني كل ما لا يرضيك آمين |
||||
13 - 03 - 2024, 12:56 PM | رقم المشاركة : ( 154105 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
أصرخ إليك يا يسوع. لتعمل بي فلا يستطيع عدو الخير أن يضللني، ولا محبة العالم أن تغويني آمين |
||||
13 - 03 - 2024, 12:56 PM | رقم المشاركة : ( 154106 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
أصرخ إليك يا يسوع. لتعمل بي فلا شهوات الجسد أن تحطم روحي، ولا الخيمة الترابية أن تثقلني بالهموم آمين |
||||
13 - 03 - 2024, 01:02 PM | رقم المشاركة : ( 154107 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
ماذا قال يسوع عن الإنسان الغني ولعازر؟ في لوقا الفصل ظ،ظ¦، يخبر يسوع عن رجلين يمرَّان بتغييرات جذرية في ظروفهما. هذه هي قصة يسوع باختصار: كان رجل غني يعيش برفاهية. وكان يُوضَع عند بوابته رجل متسوِّل اسمه لعازر، وكان يشتهي أن يُعطى من فتات الطعام الذي يقع من مائدة الرجل الغني. مع الوقت مات لعازر، فحملته الملائكة ووضعته إلى جانب إبراهيم. ومات الرجل الغني أيضًا ودُفن. ثم نقرأ أن الرجلين كانا واعيين بعد موتهما. فالرجل الغني كان يتعذَّب في نار مشتعلة. لذلك طلب من إبراهيم أن يرسل إليه لعازر ليُبرِّد لسانه بنقطة ماء من إصبعه. فرفض إبراهيم طلبه وقال إن الرجلين تغيَّرت ظروفهما كثيرًا الآن، وإن هناك حفرة عميقة بينهما ولا أحد يقدر أن يعبرها. هل حصلت هذه القصة فعلًا؟ كلا. إنها قصة مجازية أعطاها يسوع كي يعلِّم درسًا. وهذا ما يؤكِّده علماء الكتاب المقدس. فالعنوان الفرعي في ترجمة لوثر للكتاب المقدس طبعة ظ،ظ©ظ،ظ¢ (بالإنكليزية) يقول إنها قصة مجازية. كما أن الكتاب المقدس الأورشليمي الكاثوليكي (بالإنكليزية) يقول في إحدى الحواشي إن هذا «مَثَل بشكل قصة دون الإشارة إلى أية شخصية تاريخية». فهل أراد يسوع أن يعلِّم دروسًا عن الحياة بعد الموت؟ هل قصد أن بعض الناس سيتعذَّبون في الجحيم حين يموتون وأن إبراهيم ولعازر كانا في السماء؟ هناك أدلة عديدة تبرهن أنه لم يقصد ذلك. مثلًا: لو كان الرجل الغني في مكان حرفي للعذاب بالنار، أفلن يتبخَّر الماء على إصبع لعازر بسبب النار؟ حتى لو لم يتبخَّر الماء، فهل تكفي نقطة واحدة لتريح الغني نهائيًّا من عذابه في نار حرفية؟ قال يسوع بوضوح إنه خلال الفترة التي كان فيها على الأرض لم يكن قد صعد أحد إلى السماء. (يوحنا ظ£:ظ،ظ£) فكيف يكون إبراهيم حيًّا في السماء؟ هل تؤكِّد هذه القصة عقيدة العذاب في الجحيم؟ كلا. فرغم أنها ليست قصة حقيقية، يقول البعض إنها ترمز إلى الفكرة أن الصالحين يذهبون إلى السماء والأشرار يتعذَّبون في الجحيم. a فهل هذا الاستنتاج منطقي؟ كلا. فعقيدة العذاب في الجحيم لا تنسجم مع ما يقوله الكتاب المقدس عن حالة الموتى. مثلًا، لا يقول الكتاب المقدس إن كل الصالحين يعيشون بسعادة في السماء حين يموتون أو إن الأشرار يتعذَّبون في نار الجحيم. على العكس، فهو يقول: «الأحياء يعلمون أنهم سيموتون. أما الموتى فلا يعلمون شيئًا». — جامعة ظ©:ظ¥. ماذا تعني قصة الغني ولعازر؟ تُظهر هذه القصة أن هناك فريقين من الناس ستتغيَّر ظروفهم تغييرًا جذريًّا. واضح أن الإنسان الغني رمز إلى رجال الدين اليهود الذين كانوا ‹يحبُّون المال›. (لوقا ظ،ظ¦:ظ،ظ¤) فهم كانوا يسمعون ليسوع، لكنَّهم يعارضون رسالته. كما كانوا يحتقرون عامة الناس. — يوحنا ظ§:ظ¤ظ©. أما لعازر فرمز إلى عامة الناس الذين قبلوا رسالة يسوع وكانوا مكروهين من رجال الدين اليهود. والتغيير في الظروف كان تغييرًا جذريًّا بالنسبة إلى الفريقين. كان رجال الدين اليهود يعتقدون أن اللّظ°ه راضٍ عنهم. لكنَّهم ماتوا مجازيًّا حين رفضهم اللّظ°ه ورفض طريقة عبادتهم لأنهم لم يقبلوا رسالة يسوع. وهم كانوا يتعذَّبون بسبب الرسالة التي بشَّر بها يسوع وأتباعه. — متى ظ¢ظ£:ظ¢ظ©، ظ£ظ*؛ أعمال ظ¥:ظ¢ظ©-ظ£ظ£. عامة الناس، الذين تجاهلهم قادتهم الدينيون لوقت طويل، هم الآن في وضع أفضل. فكثيرون منهم قبلوا تعاليم يسوع المؤسسة على الأسفار المقدسة واستفادوا منها. فصار لديهم الآن الفرصة أن ينالوا رضى اللّظ°ه إلى الأبد. — يوحنا ظ،ظ§:ظ£. |
||||
13 - 03 - 2024, 01:08 PM | رقم المشاركة : ( 154108 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
تفسير مثل لعازر والغني مار نرساي (قيثارة الروح) 19 كان انسان غني وكان يلبس الارجوان والبز وهو يتنعم كل يوم مترفها. 20 وكان مسكين اسمه لعازر الذي طرح عند بابه مضروبا بالقروح. 21 ويشتهي ان يشبع من الفتات الساقط من مائدة الغني. بل كانت الكلاب تاتي وتلحس قروحه. 22 فمات المسكين وحملته الملائكة الى حضن ابراهيم. ومات الغني ايضا ودفن. 23 فرفع عينيه في الهاوية وهو في العذاب وراى ابراهيم من بعيد ولعازر في حضنه. 24 فنادى وقال يا ابي ابراهيم ارحمني وارسل لعازر ليبل طرف اصبعه بماء ويبرد لساني لاني معذب في هذا اللهيب. 25 فقال ابراهيم يا ابني اذكر انك استوفيت خيراتك في حياتك وكذلك لعازر البلايا. والان هو يتعزى وانت تتعذب. 26 وفوق هذا كله بيننا وبينكم هوة عظيمة قد اثبتت حتى ان الذين يريدون العبور من ههنا اليكم لا يقدرون ولا الذين من هناك يجتازون الينا. 27 فقال اسالك اذا يا ابت ان ترسله الى بيت ابي. 28 لان لي خمسة اخوة. حتى يشهد لهم لكي لا ياتوا هم ايضا الى موضع العذاب هذا. 29 قال له ابراهيم عندهم موسى والانبياء. ليسمعوا منهم. 30 فقال لا يا ابي ابراهيم. بل اذا مضى اليهم واحد من الاموات يتوبون. 31 فقال له ان كانوا لا يسمعون من موسى والانبياء ولا ان قام واحد من الاموات يصدقون. --------------------------------------------------- تأمّل نرساي في مثل لعازر والغني (لو 16: 19- 31)، فابتعد عن حرفيّة النصّ ليقدّم سحبات غنائية يطرح فيها الظّلم الذي يصيب المساكين، وعدالة الله في الآخرة. بعد كلام عن الرموز والمعاني (1- 34)، رسم صورة الغنيّ وصورة المسكين (35- 65)، وتوقّف عند وجه الغنيّ (57- 90) قبل أن يعود إلى وجه المسكين (91- 112)، كما في النصّ الانجيلي. وتوسّع الشاعر في الكلام عن جهاد لعازر (113- 136) ثم عن تنعّم الغنيّ (137- 154)، فاستخلص تأمّلاً في اللامساواة في هذه الحياة (155- 183). وغاص يبحث عن المعنى الخفيّ (814- 209) ليتوقّف عند الغني وما يمثِّل (201- 224) من كبرياء، والفقير (225- 262) وما يمثّل من صبر وشجاعة وثبات. وطرح موضوع الموت والآخرة (263- 282) مع رعدة للاغنياء وراحة للمساكين: نال الغنيُّ العذاب (283- 310) مع أنه توسّل إلى ابراهيم (311- 342). جاء جواب ابراهيم قاسياً (343- 364) حتّى بالنسبة إلى اخوة الغنيّ (365- 406) الذين يجب أن يسمعوا لموسى والأنبياء. أما العبرة من المثل فجعلتنا بين الواقع والرمز (407- 438)، وهيّأتنا لتطبيق المثل (439- 460) ولفهم عدالة الله (461- 479) وحكمته (480- 506) التي تعمل كالفلاّح والطبيب. وتنتهي القصيدة (507- 525) بإرشاد يدعو السامعين إلى حمل الثمار الصالحة. الرموز والمعاني صوّر مخلّصُنا الصور الرمزيّة على كفّ كلماته، وقبلها باسم الواقع كما هي. باعتناء قاسَ الكلمات مقابل الكلمات، ورمى عليها ختم الأمثال لئلاّ تُحتقر. 5. بكل الأشكال شبّهها بما كان، وأخفاها تحت لباس بهيّ سمّاه الرموز. باسم الرموز أخفى القوّة التي تختفي في الكلمات، لئلاّ تُرذَل من عقل تراخت نفسه. تأمّلَ في التراخي النفسي لدى نفس متراخية، 10. حين رسم صورة أعمال الأبرار والأشرار. للأبرار والأشرار بيّن جمال بهاء كلماته، وحثّهم على أن يسمعوا كلمات مملوءة عجباً. عجبٌ كبير أخفيَ في كلمات انجيله، فكانت في اهتمامنا مرئيّة ولامرئيّة. 15. كانت مرأيّة كما تحقّقت في الفعل، ولا مرأيّة بقدر ما ابتعد العمل الذي فيها. فالعمل يكمّل النقص الذي في الكلمات، ومثل نور يبيّن جمال الجمالات. امتلأت كلماتُ الكرازة جمالات، 20. واستترتْ فيها، كما في كنز، قوّةُ أقوالها. خفيتْ قوّةٌ عظيمة في طلب ذاك الذي طلب، وهو لا يجدها إلاّ إذا طلبها بمحبّة حبّه. حبٌّ محبّ دعاني لأقرأ في كتاب ربّنا، وحين قرأتُ اقتادني المثَل نحو الفهم. 25. هي القراءة جرّتني لأطلب الكلمات طلباً، فسقطتْ عليّ من الكلمات تأمّلاتٌ مملوءة خفاء. رأيت خفاء الكلمات الذي يختفي، وجرّني عقلي لأكشف كلمات وراء كلمات. دخلتُ ووقعتُ داخل باب الكتب المقدّسة، 30. وكما في أيقونة رأيت سمات الأيقونة التي طلبتُ. طلبتُ أن أتأمّل في وقار الرموز وبهائها: لماذا اسم الرموز في الحروف؟ رأيتُ اسم الرموز يجري بين الحروف، فأردتُ أن أعرف المدلول مع التسمية. صورة الغني وصورة المسكين 35. رأيت وجهين مرسومين بلون الكلمات، وإذ هما متشابهان، لم تُشبه الصورةُ الصورة. عليهما رُسم اسم الغنيّ واسم المسكين، فاختلفا بالأسماء والأفعال. رُسم اسم الغني فوق، في رأس الصفحة، 40. وفي نهايتها اسم المسكين الذي كان مسكيناً وبائساً. بجمال الثياب صُوّر وجهُ الغنيّ، والمسكين بلباس رديء، برُقَعٍ بائسة. جميلاً كان منظر (الغنى) في صورة لا حسن فيها، وقبيحاً كان منظر وجه ذاك الذي نفسه حسنة. 45. نوراً كانت مختلف ألوان الوجه الكريه، وأظلم من الظلام وجه المسكين. يا لعجب نراه في (هذين الوجهين): في الحقيقة، كانا جميلين وما كانا جميلين. فالغنيّ لم يكن جميلاً في ما للجمال، 50. والمسكين لم يكن قبيحاً بحسب القباحة. صاحب النفس المتواضعة كان قبيحاً في الخارج، وفي الداخل كان متكبّرُ العقل كريهاً وقبيحاً. بنفسه كان كريهاً كرهُ ذاك الكريه كله في كله، وبروحه كان جميلاً بهياً ذاك الجميلُ في كل شيء. 55. الجمال الخارجي حقّر صاحب النفس الكريهة، وقباحة الجسد عظّمت صاحب النفس الجميلة. وجه الغني كريهاً بجسده كان ذاك المسكين وكريهة صورتُه، وبشعاً بروحه وقبيحاً كان ذاك الجميلُ بأعضائه. على أعضائه نرى بهاء الجمال، 60. وفي نفسه منظر قبيح أقبح من كل قباحة. تجاهى صاحب الروح البغيض بثياب من البزّ، وتنعَّمّ في ملذات لا عدّ لها. جميلة كانت ثيابه، وشهيّة مآدبه، فما شبع من التنعّم بعظمة خيراته. 65. كان غناه وافراً وزادُ حياته تعدّى الحدود، فلم تكن فسحة بين لذّة ولذّة. كثُرت، وتكدّست الخيرات فوق الخيرات، فما نقصت أنواع المأكولات من مواضعها. بكل مأكول تنعّم هذا المتنعّم، 70. وإذ كان يتنعّم كان يتوق ويقول: تعالوا نتنعّم. ما نقص نوع لذّة من مائدته، فقبل أن ينقص الأول، يسبقه الآخر. مثل عيد كان بيتُ صاحب النفس الشرهة، وكالرعد يُرعد صوتُ المبهجات. 75. بصوت مبهجاته تعذّب المسكين، الذي ركّب أقوال حزن على ضيقاته. على قدر بهجة هذا المبتهج تضايق المضايق، وعلى قدر أغانيه، كانت مراثيه. واحدٌ غنّى، وواحد بكى بمرارة، 80. فمن لا يدهش من فرحة نفس وكربة نفس! واحد رقص، وواحد ناح كما على ميت، ومن لا يعجب من أمور لا عدالة فيها. واحد أثِمَ، وواحد عملت نفسه في البرّ، ومن لا يقول: لا عدالة في مجازاتهما؟ 85. تجاهى ذلك القاسي، فأين العدالة؟ وتعذّب ذاك الوضيع، فهل هذا يليق؟ لا تُرى المساواة في وجهيهما، فتقابلا في التنعّم والعذاب. ما استحقّ ذلك القاسي هذا التنعّم، 90. وما لاق هذا العذاب بذلك الوضيع. وجه المسكين وبدّل زمنٌ رديء أزمنة الأبرار والأشرار، فكُرّم الواحد، وحُقّر الآخر بما لا يُسرّ. تعذّب محبّ الحقّ بلا حقّ، ومحبّ الكذب تنعّم وتمجّد. 95. في خيرات خيّرة أقام ذاك الذي نقصته الرحمة، فما تحنّن على ذلك المسكين المرميّ على بابه. عند باب القاسي سقط المحبوب الذي اسمه المسكين، فتاق (إلى الطعام) فما روَّحَ أحد عن حاجته. محتاجاً كان وبائساً ومحروماً من كل خير، 100. وتضاعفت مسكنته وأمراضه. تألّم جداً من مشقّتين اثنتين: فقر يُذلّ الانسان، وقروح كريهة. امتلأ قروحاً كريهة فكثرت كلُّها فيه كلِّه، وليس من موضع نجا من النجاسات. 105. جسمُ صاحب الروح القويّ صار نبع قروح، فسال منه قيح كريه يُنفر النفس. سالت من أعضائه سواقٍ من القيح، ورائحة القيح الذي جرى نفَّره. كلاب جائعة شربت قيح جسده، 110. واقتاتت من وليمة جروحه. إلى رائحته الكريهة جاءت نفوس جائعة، فزارته وشُفيت بجراحه. جهاد لعازر فالانسان الذي هو انسان بالجسد والروح، صار غريباً فما زاره انسان. 115. فيا انساناً صار جسده قبيحاً للجسديّين، فهرب منه نظرُ أبناء جنسه! فيا نفساً تُقيم في جسد ميت، وتسكن فيه، ولا حياة في أعضائه. ويا أعضاء موجودة ولا موجودة، 120. تحرّكها النفس بالحياة من دون الحياة! ويا نفساً حملت وحملت ثقل الجسم، وما تراخت في هذا القتال المتعب القاسي. متعبٌ وقاسٍ الجهاد الذي تحمّله البار، فلم يكن ما يشبه ثبات روحه. 125. فمن رأى يوماً جهاداً متعباً مثل هذا الجهاد، ومن تأمّل بُطْلاً يشبه هذا البُطل! من حارب حرباً بالجسد ولا جسد له، ومن صمد في معركة الحواس ولا حواس له! فالحواس التي تصمد في المعركة غابت عن هذا المقاتل، 130. بعد أن دمّرها فسادُ المرض القاسي. بمرض قاسٍ تعذّب ذاك الروحُ السليم، وإذ كان يتألّم لم يتألّم، بسبب صبره. ما تألّم لأنه شاهد نهاية أتعابه، ولكنه تألّم جداً حين تأمّل دمار جسده. 135. بجسده ونفسه تعذّب في جهاد أتعابه: جسده بالمرض، ونفسه بألم الكسل. تنعُّم الغني سحق الكسلُ ذاك الذي لم يعرف الكسل، حين رأى أنواع عذابه وتنعُّمَ رفيقه (الغنيّ). تأمّل في وفرة خيرات ذاك الغنيّ، 140. وتاق (أن يشبع)، فما روّح أحد عن عوزه. كم كان معوزاً ذاك الذي كان بالاسم معوزاً، وكم كان وافراً الغنى المخفيّ في نهاية تعبه! كم كان مرتاحاً هذا الغنيّ بمظاهر جميلة، وكم كان وافراً العذاب الذي يصل إليه. 145. كم كان شقياً هذا الشقيّ المليء إجراماً، الذي شاهد هذا العذاب وما أشفق. كم كان مستعبَداً وقلبه أقسى من الظرّان، لأنه لم يروّح بفتاته عن متواضع النفس. كم كان وديعاً ومتواضعاً في اتضاعه، 150. حين نظر إلى كثرة ملذات الغني. رؤية الطيّبات سحقته أكثر من المرض، فتضاعَفتْ عذاباته ودمعاته. ليلاً ونهاراً ملأ البكاء والنحيب فمه، فناح حين سمع صوت ملذّات هذا المبذّر. لا مساواة في الحياة 155. بقدر ما تنعّم المبذّر في ملذّاته، ازداد حزن مرضه (= المسكين) وعوزه. وبقدر ما الشقيّ قسا في استبداده، ازداد هو اتضاعاً وصغراً. وبقدر ما المتكبّر تعالى في عظمة خيراته، 160. تنازل المتّضع حين نظر ضعفَه. وبقدر ما نما جمالُ الذي لم يكن جميلاً، ازدادت بشاعة الشرّ لدى الغنيّ البشع. وبقدر ما كانت تُرتّب مآكلُ الشره، كان المعوز يرتدي معطف الصبر. 165. وبقدر ما فرّحت الشرهَ مختلفُ الطيّبات، بلبل المرضُ والجوع النقيّ والطاهر. يا لجهاد سحق المقاتل سحقاً، ويا لذائذ، كم كان المتنعّم بك في انحلال! يا لمرض كان فيك المريض معافى، 170. ويا لعافية كان المقيم فيك مريضاً! يا لرؤية وجهين، واحد تجاه الآخر، عذوبة لا حدود لها، وعذاب لا يُقاس. تنعّم الغنيُّ ولكنه ما شبع، وازداد عذاب المسكين ازدياداً. 175. تأمّلتُ اللامساواة: كم كانت كبيرة، فتضاعف تنعّمُ الشقيّ وألمُ البار. رأيتُ التنعُّم والألم مُزجا في الكلام، فاقتربتُ لأرى رؤية مليئة باللامساواة. بحث عن المعنى دفعتني اللامساواة لأبحث بحثاً في معنى الكلمات، 180. فانسحق فكري لكي يُولّد كلمات عمّا يبحث. تعال، يا فكري، إقترب وابحث عن المعنى بحثاً، وبيّن بجلاء مختلف التفاسير المعدّة لك. لأي علّة اسم الغنيّ واسم المسكين، ولماذا رُسم ذكرُ أعمالهما؟ 185. هل حصلت أعمالهما فعلاً، كما كُتب، أو هي ستتحقّق بعد زمن؟ أحقاً تنعّم الغنيّ وتألّم المضايق؟ واحد تلذّذ، وآخر تعذّب حتى الموت؟ هل انتهى حقاً زمن فرح القلب وحزن النفس، 190. وهل يضع الموت حداً للملذات والضيقات؟ هل انطلق المسكين ومضى إلى حضن ابراهيم، ولبث الغني يتعذّب في هوّة الجحيم؟ لا، أيها السامع ما كانت هذه فعلاً، ولا تمّت كما تفسَّر كلماتٌ قيلت فيها. 195. لم يتنعّم الغنيّ ولم يلتذّ باللذائد، ولم يتعذّب المسكين بالمرض والعوز. تفسير ما كُتب نجده في الكلمات فقط، وللتعليم كتب الكتّابُ مختلفَ الرموز. لتعليم البشر صوّر محبّ البشر الرموز، 200. ليصطاد البشريّة بالرموز إلى تعليمه. مثل مصوّر أعدّ كلمات كرازته، وصوّر العالم في رسمين وفي فرقتين. في إنجيل، صوّر وجهين وفرقتين: غِنى العافية والمسكنة التي تحمل الأمراض. 205. صوّر بشكل هذا الغنيّ، غنى العافية، والمسكنة باسم مسكين، اسم لعازر. باسم لعازر كنّى جانب المسكنة، وأضاف إليها ثبات النفس التي لا تُقهر. الغنيّ وما يمثّل باسم الغني دعا المتلذّذين ومالكي الغنى، 210. وبتنعّمه صوّر تنعّم المتنعّمين. بقساوته مثّل شقاء لا رحمة فيه، وبشَرِّه وبّخ رغبة الماكرين. بعظمة كبريائه واضعَ تكبّرَ النفوس المترفّعة، وعلّمهم أن لا يتكبّروا في الأمور البشريّة. 215. بطمعه كشف وجَلا عظمة البطن، لئلاّ يشرَه فتزداد عذاباته وتتضاعف. بهذا الشره قرّر عذابات مضاعفة للشرهين: لن يجدوا حناناً إن لم يحنّوا كما فعل. في كل حياته لم يكن هذا الشقيّ رحيماً، 220. فما تنازل وترّأف بذاك الذي على بابه. كُتب أن ذلك المسكين كان مرمياً بجانب بيته، ليعرف كلُّ انسان شرَّ ذاك الشقيّ. وبّخ الشقاوة في اسم هذا الشقيّ، وعزّى باسم هذا المسكين الفقر والعوز. الفقير وما يُمثّل 225. باسم المسكين داوى مرض المساكين، ووضع لهم دواء: طول البال الذي لا يُقهر. بمسكنته شبّه عالم المساكين، وبصبره كلَّ وجدان لا يتراخى. بصبر نفسه شجّع نفوس المرضى، 230. وأزال عنهم ثقل العذاب باسم القروح. كان معوزاً فتاق (أن يأكل) وما أكل، فرمز بالعوز إلى الثبات أمام الحاجة. كان مطروحاً أمام باب هذا الشقيّ، محتقراً، فدعا ذلّ الانسان لكي يرى ذلّه. 235. بطول باله منح البشر طول البال، لئلاّ يتفوّه أحد بتذمّر بغيض في يوم محنته. بنتانة قروحه دعا الموتى، كما بصوتٍ، لكي يتقوّوا فيرضوا بالحرب ويتحمّلوا الشرور. كانت الكلاب تلحس قيح قروحه، 240. فقرّب برهاناً للمكتئبين فيقتنوا الرجاء. في كل ما تحمّل في مسكنته وقساوة مرضه، زرع رجاء صالحاً في الضعفاء لئلاّ يتراخوا. بواسطة انسان أراد أن يقوّي تراخي البشر، لئلاّ يتراخوا حين يجرَّبون في ضعفهم. 245. في لعازر دعا كل طغمة المساكين، ليأتوا ويروا صورة حياتهم بواسطة مسكين. مثل صورة، رسم خبرَه أمام المساكين، لكي يرسموا، عبر سماته، الرجاء في وجدانهم. عرض صبرَه كمرآة أمام عيونهم، 250. فينظرون إليها حين تمتحنهم المصائب. لبس (لعازر) بمثل يعنيه، كلَّ آلام المتألّمين، وفي صبره، وجدانَ الذين يقاومون الألم. بدقّة صوّر محنته للممتحَنين، وكلّلهم بإكليل الأتعاب الذي يعود إليهم. 255. جدلَ إكليلَ المجازاة للتعبين الذين يتشبّهون به، وحكم بالعذابات القاسية على الأشرار الذين يُبغضون الصالحين. سيّدُ الرسّامين رسم به وبرفاقه، كل فئات البشر: بواحد المساكين، وبالآخر فئة الذين اقتنوا الغنى. فالذين اقتنوا الغنى وبّخهم بتوبيخ توجّه إلى الغنيّ، 260. لكي يكونوا بعيدين عن شقاوة تُشبه شقاوته. وبّخ شقاوته بلوم كلماته، ليعرف كل انسان أن يوبّخ نفسه بتوبة نفسه. الموت والآخرة بموته أعلن يومَ الموت الذي يُرجف الأشرار، وبنهاية هذا المسكين، راحةَ الصالحين. 265. هادئٌ موتُ ذاك الذي تعب في الأعمال، والشاهد صوتٌ وهب المجازاة لاسم لعازر. وكتب الذي كتب عن لعازر: "ومات لعازر، فأصعدته أجواق العلاء، وجعلته في حضن ابراهيم". قرب ابراهيم صعد المسكين الذي يشبه ابراهيم، 270. وارتاح في ميناء ذاك الذي يريح في مسكنه التعبين. ابراهيمُ البار أراح هذا المجتهد من عمله، ما أراحه (هنا)، بل أراحه في يوم الانبعاث. ليس ابراهيم هو الذي يريح التعِب من أعماله، وليس هو من يهب الجزاء والأجر لمن يُشبهه. 275. فالربّ، وهو فوق الجميع، يهب الأجر للعمّال المسحوقين، وبحكمٍ يقود الأشرار الذين ما حنّوا ولا أراحوا (إخوتهم). لم يتمّ الجزاء على ما كان عنه الكلام، وما اجتاحت عقوباتُ الحكم الأشرارَ. في النهاية، يكون هذا الذي كان بشكل سريّ، 280. وفي التمام تتمّ القوّة المخفيّة في الرمز. بشكل سريّ مُثّل المسكين الذي ارتاح من عمله، وبالشكل عينه الغنيّ الذي أقام في الجحيم. عذاب الغني قيل: لبث الغنيّ في الجحيم، وكان يتعذّب، لأن الأشرار مزمعون أن يلبثوا في الأسافل. 285. في الأماكن السفلى يلبث الأشرار من أجل العذاب، لهذا قيل: لبث الغنيّ وأقام في الجحيم. في الجحيم أقام ذاك الشقيّ الذي لم يقتنِ الرحمة، وما ارتفع مع لعازر إلى الموضع الأعلى. ثقلُ ذنوبه تعلّق بنفس بدا قلبها ثقيلاً، 290. فما استطاع أن يطير، بخفّة في الهواء. جسدُ مريضِ الجسد، أنبت أجنحة الروح، ومثل طائر طار من الأرض باتجاه الأعالي. كالرصاص كانت أعضاء لابس البزّ، فغرق في الجحيم، كالرصاص، في عمق المياه. 295. جمال ثيابه كان فخاً للنفس المتكبّرة، فاصطاده فجأة، ووهبه طعاماً للموت الشره. صار أكله له بالعاً يبتلع رفاقه، فما استطاع أن يُفلت من فم الموت. ابتلع الموتُ مبتلعَ الملذّات، 300. وما بقي منه أثر حياة بين الأحياء. سقط من ذروة ملذّاته إلى أعماق الجحيم، فشرع يولول من الضيقات التي أحاطت به. رعدة عظيمة أمسكت به فجأة بسبب ما حصل، فتعجّب واندهش من تبدّل الأزمنة. 305. بلغَتْه، في النهاية، أزمنةٌ، ما تبيّنها، ولأنه لم يُميّز الأزمنة، عاقب الشرّيرُ تكبّرَه. ما تبيّن (الغني)، فنظر فقط إلى زمن هنائه، وما عرف الطقس، فوبّخته نفسه في يوم عذابه. في يوم عذابه، توسّل معوزُ العقل، 310. وما عرف أن زمن التوبة قد عبر. كلام الغنيّ إلى ابراهيم أضلّ نفسه ذاك المضلّ الذي ضلّ كلَّ حياته، حين ظنّ أن التوسّل بالكلام مفيد له. توسّلاً كلامياً أراد أن يركّب ذاك الجاهل، فشرع يتوسّل توسّلاً فارغاً من كل فائدة. 315. دعا البليدُ ابراهيم: "يا أبي ابراهيم..."، فأجابه ابراهيم بكلام يوبّخه على بلادته. ضيقُ العذاب أكره المتكبّر وهو لا يريد، فقال كلاماً بعيداً عن الواقع. كيف سمّى ابراهيم باراً، ذاك الذي هو إثم كله، 320. فما نظر حسناً ليميّز الاثم من البرّ. إبنُ الخطيئة سمّى نفسه ابن ابراهيم، فأمل أن يُضلّ ابراهيم وسيّدَ ابراهيم. تذكّر الشقيّ قرابته إلى بيت ابراهيم، وما وعى أنه صار غريباً عن القرابة لشرّ ميوله. 325. شرُّ ميله جعله كريهاً لدى ابراهيم، فسمع كلمة مملوءة بالرعدة وقطْع الرجاء. فالمتكبّر، ابن ابراهيم، اتّكل على ابراهيم، لهذا دعا ابراهيم وأكثر الدعاء، ليأتي ويساعده. رأى الشقيُّ المسكينَ في حضن ابراهيم، 330. فطلب وتوسّل لينزل ويروّح عن ضيقه. قال لابراهيم: "أرسل إليّ أخي لعازر"، فما استحى أن يستعمل أسماء غريبة عليه. غريبة عن شرّ إرادته كانت أسماء نادى بها، وأغربُ منها اسم أعماله (باسم) أفعالهم. 335. ميلُه الشرير حرّك صاحبَ الميل المرّ، فأراد أن يخفّف قساوة عذاباته باسم ابراهيم. عذّبه كثيراً لهيبٌ غير منظور، فدعا ابراهيم لينفخ ريح الرحمة على حريقه. طلب الشقيّ، بواسطة لعازر، مياه الرحمة، 340. ليخفّف ثقل اللهيب عن لسانه. أكثر من أي شيء تعذّب طرفُ لسانه، الذي صار حامل كلام ضدّ الحقّ. جواب ابراهيم روح الحقِّ حارب ضد الحقّ، فأغلق الحقّ البابَ في وجه كلماته. 345. ما أراد الحقّ أن يسمح لابراهيم أن يتحنّن على ابنه، لهذا أجابه إبراهيم بكلام يقطع الرجاء. قال ابراهيم لذاك الذي لم يعد ابن ابراهيم: "تذكر، يا ابني، أن يوم الدينونة قطع مسيرة يوم الطيّبات. تنعّمتَ جداً في التنعّمات الجسديّة، 350. فأخرجْ وتعذّبْ على قدر زمن الملذّات. تذكّر زمناً كان لك فيه كل أنواع الخيرات، وقابلْ مقابلة حسنة مع الجزاء الذي تتقبّل (الآن). أحكم بعدل: فالمحنة التي امتحنت غشَّك كانت عادلة، فأعطتك بحكمة الأجر الذي استحقّه عملُك. 355. سيّد الديّانين حكم حكماً على شرِّك، فلا يتجرّأ انسان أن يجادل حكماً قاله. حدّدَ حكمَ دينونتك ومنعنا من رفقتك، وما من انسان بيننا يقدر أن ينزل حيث أنت. هوّة كبيرة بيننا وبينكم، 360. فليس بين الخلائق من يقدر أن يعبرها عبوراً". ما فسّر ابراهيم هذا بالفعل، بل بكلمات، حسب الفكر الذي تكلّم به. حسب الفكر فسّر ابراهيم وما فسّر شيئاً، فسمع الغني، حسب الكلمات، ما سمع. لي خمسة اخوة 365. سمع الغنيّ سماعاً مرعباً من ابراهيم، فشرع يتخيّل وسائل أخرى كي يُفلت. وسائلَ أخرى تخيّل الضالُّ أمام فكره، ولم يعرف أن الباب أغلق في وجه وسائله. بعلّة اخوته وضع سياجاً لعلّة عقله، 370. فعاد وتوسّل توسّلاً مليئاً بالكذب. قال لمن لا يرحم: "لي خمسة أخوة"، وبيّن أنه يهتمّ كثيراً بمحبّة إخوته. كذب حين قال إن له خمسة أخوة، لأنه ما امتلك العلامة التي تطلبها محبّة الاخوة. 375. ذاك الذي ليس ابن ابراهيم، توسّل إلى ابراهيم من أجل إخوته، لكي يمضي انسانٌ من الموتى فيكرز بمتطلّبات الدينونة. ما من انسان يعرف متطلّبات الدينونة التي بدأت به، فيجب أن يمضي انسان من بين الموتى فيشهد للأحياء. شهوداً يطلبون أولئك الذين لا يعرفون أمور هذه الأرض، 380. لئلاّ يأتوا إلى هذا العذاب الذي رُميتُ فيه. أيها الشقيّ! متى كنتَ رحيماً وأين كنت، لكي تهتمّ بأن تُبعد البشرَ عن العذاب؟ أما انطرح لدى بابك مسكينٌ فاستهنتَ به، فما تحنّن ميلك على هذا المتّضع المرميّ لديك؟ 385. أيها الرديء! متى أظهرتَ حباً نحو المضايقين، ليتأكّد الآن أنك لا ترغب هلاك الانسان؟ تخيّل الشقيُّ شكل رأفة من أجل الانسان، فتوسّل وطلب، فجاءت كلماته بلا فائدة. باطلاً تخيّل وسائل أنجبها، 390. فقد سمع كلمة دمّرت ارتفاع خطبة بناها. سمع ابن ابراهيم كلمة الرعدة وقطع الرجاء، إذ قيل له: "هناك الأنبياء. فليقتنعوا منهم. هناك موسى العظيم وأقرانه، فليعلّموهم ما يفيد هنا وهناك. 395. يكفي موسى وكلمة رفاقه لتعليم البشر، فما من حاجة أن يعود انسان من عند الموتى إلى الأحياء. لا يقدر الموتى أن يقنعوا الأحياء، كما الأحياء يقدرون، ولا يسمع الأحياء، خبراً يأتي من الذين فقدوا الحياة. سياجٌ كبير يقف سياجاً في وجه الذين فارقوا، 400. ولا يقدر أحد منهم أن يحطّم متانته. متين هو السور الذي بناه الموت في وجه الأموات، فلماذا تُتعب نفسك في طلب صعب"؟ طلبُ هذا الغنيّ كان توسّلاً بلا نتيجة، فانتهت كلماته، وما انتهى العذاب من حكمٍ يُصيبه. 405. طُبّق عليه حكمٌ مضاعف في نهاية كلماته، فسكت في الجحيم، حيث يملك الصمتُ والسكون. العبرة من المثلَ والآن، وقد سكن صوتُ الغنيّ وتوسّلُ كلماته، تعالوا نقترب من المعنى المخفيّ في الخبر. خفيَ معنى الكلمات في مرمى الكلمات حوله، 410. فلولا الكلمات لما انكشف ستار عن الكلمات. فُرشت كلمات على خبر ذاك الذي أكثرَ الكلمات، لنقدّم كلمات ونرفع اللباس عن وجه الكلمات. سحقتْني كلماتُه من بداية خبر أوردتُ كلماته، لأعرف وأعرّف علّة تركيب كلماته. 415. والعلة هي: خفيَ فيها تعليم للانسان، ولا حاجة لعلّة أخرى سوى معرفة العبرة. لتعليم الانسان كُتب عن التنعّم والعذاب، ليتعلّم البشر أن يحفظوا الترتيب بين عالمين. مثلَين بيّن لنا مثلُ الرجلين: 420. واحد غنيّ، وواحد مسكين: الواقع والرمز. في الاثنين اختفى الواقع والرمز، (واختفت) صغائرُ هذا العالم وأمجاده. واقع هذا الغنيّ ينادي بالعالم الزمنيّ، وواقع هذا المسكين يبيّن العالم العتيد. 425. مثّل العالمَ الآتي بمسكنة هذا العالم، وبمسكنة عالم يدوم، غنى العالم على الأرض. فالمسكينُ هنا، غنيّ هناك بلا انقطاع، والمالك الخيرات ومترفّع الروح، مسكين هناك. من أهلك نفسه، كما كُتب، وجدها هناك، 430. ومن وجدها في هذا العالم هناك يهلك. اقتنى هذا الغنيّ في الأرض وجوداً رغبَ فيه، وفي يوم الموت، هلكت خيراتُه وورث الويل. وسُمّي لعازر: المحروم من كل شيء، وفي العالم الآخر اقتنى الخيرات التي لا تنحلّ. 435. فسادُ جسده أعدّ أمامه خيرات لا تفسد، ومن عمق مسكنته، نبعَ غنى لا حدّ له. لابسُ البزّ تزيّنَ فارتدى رداء الويل، ومن ملذّاته اقتنى ملذّة اللهيب. تطبيق المثل حصل هذا بشكل معارض للرجلين، 440. لا لهذين فقط، بل ربّما لكل انسان يشبههما. حصل هذا للذين يمتلكون الغنى أو الفقر: ينالون ضعف الأجر عن أعمالهم. فالغنيّ والشقيّ يتضاعف عذابه كما الغنيّ، والمعوز والمتعب يفيض نعيمُه كما المسكين. 445. خبرُ هذا المسكين يعزّي المساكين، ودينونة هذا الغنيّ توبّخ عظمة الأغنياء. الكلمة التي سمعها هذا الشقيّ من ابراهيم، يسمعها مقتنو الغنى الذين يُجرمون هنا. في ميناء الأمان ارتاح لعازر من ضيقاته، 450. ويرتاح معه حاملو ثقل أعمالهم. أراح ربّنا، بواسطة لعازر، العمّال المتعبين، وباسم الغني منع مسيرة المجرمين. عرّى الغنى الذي ترافقه الشقاوة، وجدَل المدائحَ التي لا تنقطع للعوز. 455. الشقاوة لبثتْ في الجحيم، في عذاب النار، والمسكنة صعدتْ واستراحت في حضن ابراهيم. حيث يكون ابراهيم، يريح المساكين: فهو رؤوف ومليء بالرحمة للضعفاء. في مسكن الأرض أراح البشر والروحيّين، 460. وفي العلاء كلَّ مضايق، بواسطة لعازر. عدالة الله في سدوم، توسّل أن يُبعَد التهديدُ إن وُجد أبرار، وما استطاع أن يتحنّن على الغنيّ في ضيقه. أجاب ذاك المضايق: "لا يمكن العبور إليك، فهذا يخصّ الرحمة لا العقاب الذي لا رأفة فيه". 465. لم يكن عقابٌ لا رأفة فيه يعاقب الشقيّ، بل دينونة امتلأت براً وأمانة. ما ورث المسكين نعيم محاباة الوجوه، بل أجراً استحقّته أعمالُه ونشاطه. كُتب عن الاثنين: استحقّا ما حصل لهما، 470. وما من انسان يعرف أن يتفحّص هذه الدينونة كالديّان. عادلةً كانت دينونة دانت الاثنين بدينونتين: لواحد العذاب، وللآخر السعادة مع ابراهيم. لدى ابراهيم نادى كلَّ المضايَقين ودعاهم إلى وليمته، ومع الغنيّ رمى في العذابات كل المرتاحين. 475. بالمرتاح حدّد وجلا الحياة في هذا الزمن، وبالمُضايَق منح كلّ انسان قوّة النفس. عزّى المضايقين، باسم لعازر الذي تعذّب، ووبّخ المتنعّمين بعقاب المتنعّمين. حكمة الله كل ما كان، منذ كان، كان لفائدة البشر، 480. وبحكمة رتّبهم كما في كنز. ستر مستوراته التي حصلت، وعلّم البشر أن يطلبوه بحبّ. رمى محبُّ البشر نور حبّه في البشر، فبيّن لهم كيف يبيّنون شعاعَ نوره. 485. بفنّ عملَ ومهارة، من أجل قوّة تعليمه، فيتجذّر في ملكات النفس ولا يتبلبل. نصبَه في النفس كشتلة في عمق الأرض، ورشّ كلماته كما الطلّ على المزروعات. لبس شكل الفلاَّح في الاقتصاص من الأشقياء، 490. ومنهم شذّب العادات الرديئة، كما الأغصان. كما الأغصان، حمل الأشرارُ مختلف الشرور، فقطعهم، كما الأعواد من الشجر. كما العلّيق، اقتلع العلّيق من الشنيعين، لئلاّ يَفسُد الزرعُ الصالح الذي رُمي في البشر. 495. مثل طبيب دخل إلى المرضى، ووضع لكل واحد الدواء الذي يلائمه. قطع عظمة الاثم بحديد الدينونة، وثبّت ضعفنا برجاء الآتيات. وضع للشكاوى (ناراً) تكوي، اسمها جهنّم، 500. وأبهج الرحماء باسم مصابيحهم. شجّع النشاط بأجر يتضاعف خيرُه، ولعن الكسلان بواسطة من يُلعن. منحَ طعْم حسناته للجميع مع الجميع، وكما بالملح ملّحهم بحلاوة كلماته. 505. حلاوة كلماته أسقاها لمرضى النفوس، ونفى منهم ثقل البشاعات البغيض. ها هي الأدوية الصالحة التي تشفى جنسنا المائت، فتعالوا وتأمّلوا بحبّ محبّب، القوّة التي فيها. ها هي وصايا الربّ الماهر الذي حكّم نفسنا، 510. فتعالوا نحافظ فنحفظ الترتيب الذي رتّبه. ها هو سبيل الأمان الذي أظهره بنفسه للبشر، فتعالوا نسير فيه حسب قواعد حدَّدها حبّه. ها هما عالمان وُضعاً قدّامنا: عالم الزمن والعالم الآتي، فتعالوا نتوق إلى العالم الذي لا ينتهي. 515. ها هو الملكوت الذي بُشّر به في الملكوت، فتعالوا نلبس اللباس اللائق بيوم الوليمة. ها كل شيء معدّ ويُعدّ لنا، فتعالوا نجتهد لنأخذ الغنى الذي لا يفتقر. ما بقي شيء دون تفسير أمام فكرنا، 520. فتعالوا نتشبّث بمعنى الكلمات التي تُشرح لنا. ها هي مختلف الأسرار شُرحت لنا، ولم تكن جليّة، فتعالوا نهجّيها تهجية بقوّة تفسيرها. ها هو سعي الكرازة خرج في الأقطار الأربعة، فلنُنصت مع البشر كلهم إلى الخبر الصالح الذي يملّكنا الحياة. 525. زرع كارزو الكرازة الخبر الطيّب، فأزهرت ثمارُ البرّ لدى المائتين. تعالوا، أيها المائتون، فنرتّب ثمار البرّ، ما دام الوقت وقت ترتيب مختلف الصالحات. لنعمل بحبّ عملاً تريده نفسنا، 530. فنحصد الثمار الخالدة ولا نشبع. |
||||
13 - 03 - 2024, 01:13 PM | رقم المشاركة : ( 154109 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
العظة الثالثة على الغني ولعازر للذهبي الفم âک¦ï¸ژ يوحنا الذهبي الفم، القديس إن مثل لعازر له فائدة عظيمة لنا لكلاً من الفقير والغني، أنه يعلم الأول أن يتحمل فقره بتعقل وبرباط جأش، ولا يسمح للثاني أن يتباهى بثرائه. أنه يعلمنا بالمثل أن أكثر إنسان يُرثى لحاله هو من يعيش في رغد العيش ولا يشترك أحد معه في خيراته. لذلك فإننا اليوم سوف نمسك بنفس الموضوع. إن هؤلاء الذين يعملون في المناجم عندما يرون أن هناك عروق من الذهب فإنهم يواصلون الحفر من نفس المكان ولا يكفون حتى يستخلصوا كل ما يمكن أن يجدوه، فلنعود إلى حيث توقفنا في حديثنا السابق حتى نستكمله، فقد كان بإمكاني شرح هذا المثل كله في مرة واحدة، لكن ليس المهم هو قول الكثير ثم أترككم، ما يهمني هو أن تستطيعوا أن تقبلوا وتتمسكوا بكلماتي بكل دقة، وتنالوا قدرة الاحتفاظ بها لإدراك ما يجلب لكم الفائدة الروحية. إن الأم المحبة عندما توشك أن تفطم رضيعها فإنه من الخطأ أن تسكب عصير مركز في فمه دفعة واحدة، فإنه سوف يلفظه ويبلل ملابسه(1). ولكنها تسكب العصير في فمه قليلاً بلطف حتى يستطيع ابتلاع ما أخذه بدون صعوبة، مثلما أعمل أنا ألا أجعلكم تلفظون ما أعطيه لكم فلم أُتخمكم بالوصايا بل جزأتها لكم على عده مرات، أعطيكم خلالها عده أيام للراحة من ثقل الاستماع المتواصل، ولكي يكون ما ألقيه ملتصقًا تمامًا بذهنكم في محبة، وتتقبلوا ما أنا مزمع أن أقوله بنفس مستريحة نشطه. لهذا السبب أيضًا فإنني كثيرًا ما أعلن لكم مقدمًا عدة مرات عن الموضوع الذي سوف أكلمكم عنه، لكي ما تشغلوا أنفسكم خلال هذه الأيام بالكتاب ودراسة فقراته وتتعلموا ما قيل وما لم يقال، بهذا تجعلون أذهانكم مستعدة أكثر للتعلم عندما تسمعون ما سوف أقوله عندئذ. إنني لا أكف عن التوسل إليكم ألا تهتموا فقط بما أقوله لكم هنا، لكن أيضًا أن تحافظوا باستمرار في بيوتكم على قراءة الكتاب المقدس. عندما أكون مع أي منكم في اعتراف فإنني لا أكف عن إعطاء نفس النصيحة. وأرجو ألا يقول لي أحد هذه الكلمات الغير نافعة والتي تستحق إدانة كبيرة: لا أستطيع أن اترك، أو أنني أدير أعمالاً في المدينة، أو أن أتدرب على حرفة، أو أن لي زوجة، أو أنني أربي أطفالاً ومسئول عن أسرة، أو أنني رجل واسع الخبرة بالحياة وقراءة الكتاب المقدس، ليست لي ولكن لهؤلاء الذين يعيشون بعيدًا الذين استقروا في الجبال ويعيشون أسلوب هذه الحياة باستمرار. ماذا تقول يا رجل؟ أن يكون لك العديد من الاهتمامات تجعلك لا تولي عناية كافية بالكتاب المقدس، فعلى العكس فإن ذلك مهم لك أكثر منهم، إن المنشغلين بأعمالهم هم في أشد الاحتياج إلى الكتاب المقدس. إن الرهبان الذين تركوا صخب الحياة وسكنوا البراري لا يمتلكون شيئًا، ولكنهم يمارسون الحكم بلا حذف في سكون حياتهم الهادئة كمن استراح في الميناء متمتعًا بالأمان. ولكننا نحن في منتصف البحر تتقاذفنا أمواجه منساقين لعديد من الخطايا، لذا فنحن دائمًا نحتاج لعون مستمر لا يتوقف من الكتاب المقدس. إن الذين يهربون بعيدًا عن المعركة لا يصابون، لكن الذين يقفون في الصفوف الأمامية دائمًا يتلقون الهجمات، لذلك يحتاجون إلى الدواء، فعلى سبيل المثال زوجتك تستفزك، ابنك يحزنك، خادمك يغضبك، عدوك يتآمر عليك، صديقك يحسدك، جارك يشتمك، زميلك يمسك عليك زلة، حاشية الحاكم تهددك، الفقر يقلقك، فقدان أملاكك يجلب عليك الحزن، النجاح يغُرك، سوء الحظ يحيطك، أسباب كثيرة وضغوط تثبِّط من عزيمتك وتحزنك، أوهام ومسببات لليأس تحيط بك من جميع الجهات، الكثير من السهام تسقط عليك من كل مكان، لذا فنحن في احتياج دائم لدِرع واقي هو الكتاب المقدس ولإدراك ذلك فإنه مكتوب (سير 9: 13). على سبيل المثال إن حرب الجسد تكون أكثر ضراوة على هؤلاء الذين يعيشون في وسط العالم، وجه جميل، أو جسم رائع يقتحم أعيننا، أو عبارات مخجلة تخترق أسماعنا فتقلق تفكيرنا، والأغاني الخليعة تضعف من اهتماماتنا الروحية. لماذا أقول ذلك؟ لأنه كثيرًا ما يبدو أن هناك لا مبالاة بهذه الحروب. إن روائح العطور التي تفوح من المحظيات والغواني عندما يمرون بجانبنا إنما تأسرنا وتأخذنا بعيدًا كأسرى من مجرد مصادفة عابرة، وهناك العديد من الأشياء التي تحاصرنا، إننا نحتاج إلى الدواء الإلهي ليشفي الجروح التي حاقت بنا وليحمينا من التي يمكن أن تحدث لنا. يجب علينا أن نتغلب على انقضاض الشيطان وضرباته لنا بمداومة قراءة الكتاب المقدس. فمن المستحيل لأحدٍ منا أن يكون في أمان بدون أن ينتهز الفرص دائمًا لقرائه الكتاب المقدس. وفي الواقع علينا أن نقتنع بأنه حتى مع استعمالنا هذا الدواء فإننا بالجهد نخلص، لكن إن كنا لا ننطلق يوميًا في استعمال هذا الدواء الشافي، فأي أمل يكون لنا للخلاص؟ صلوا من أجل قراءات مستمرة في الكتاب المقدس. إن قراءة الكتاب المقدس هي أعظم وسيلة تتحصن بها ضد الخطايا، والجهل به هو بمثابة منحدر كبير أو هوّة سحيقة. إن عدم معرفة النواميس الإلهية هو ضلال وتيهان عن طريق الخلاص وإعطاء فرصة لميلاد البدع (الهرطقات)، وإدخال الفساد إلى حياتنا وترسيخه. فإنه من المستحيل على الشخص الذي يقرأ باستمرار وباهتمام أن يخرج فارغًا بدون فائدة. انظروا إلى أي مدى قد ساعدنا مَثَل واحد وكم أفاد نفوسنا. إنني على ثقة تامة إنكم تخرجون من هنا وأنتم مستفيدين بما تسمعونه فائدة تبقى معكم. ولكن إن كان البعض لم يجني هذه الثمار فبرغم ذلك فإنهم في أحد العظات سوف يصبحون أفضل. فإنه من المهم ألا يمر يوم دون الندم على الخطية والتطلع نحو السمائيات وإراحة نفوسنا من اهتمامات العالم، إن كنا نفعل هذا بدون تقصير في كل صلاة فإنه مع المداومة على استماعنا للعظات سوف يكمل فينا كل ما هو عظيم ونبيل. تعالوا إذن لأشرح لكم الجزء التالي من المثل: ما هو الجزء التالي؟ عندما قال الغني: “أرسل لعازر ليبلَّ طرف إصبعهِ بماءٍ ويبرّد لساني” فلنسمع رد إبراهيم: “يا ابني اُذكر أنك استوفيت خيراتك في حياتك وكذلك لعازر البلايا. والآن هو يتعزَّى وأنت تتعذَّب. وفوق هذا كلّهِ بيننا وبينكم هوَّة عظيمة قد أُثْبِتَتْ حتى إن الذين يريدون العبور من ههنا إليكم لا يقدرون ولا الذين من هناك يجتازون إلينا”(2). هذا قول يصعب تحمله ويجلب كرب عظيم، أعلم ذلك ولكن كلما تألمت ضمائرنا أكثر كلما ساعدنا ذلك على الإحساس بالمتألمين. فلو كان إبراهيم قال لنا ما قاله للغني ونحن في الحياة الآخرة فبصدق كنا سنبكي وننوح ونندب إذ لم يعد هناك وقت متبقي للتوبة. ولكن بما أننا نستمع لهذه الكلمات بينما نحن لا نزال في هذه الحياة الدنيا، حيث بالإمكان أن نثوب إلى رشدنا ونغتسل من ذنوبنا وننال الإيمان ونغيّر من أنفسنا خشيه العواقب الوخيمة التي حدثت لآخرين. فلنشكر الله الذي نبَّهنا من تخاذلنا بعقابه للآخرين فأيقظنا من غفوتنا، ولهذا السبب قد أخبرنا السيد المسيح بذلك مقدمًا حتى لا يتركنا لنعاني نفس العقاب، فلو كان يريد عقابنا ما كان أخبرنا بذلك مقدمًا، ولكن لأنه لا يريد أن يعرضنا لعقوبة الآخرة فلهذا السبب بالذات قد أخبرنا مقدمًا بعقوبة الآخرة، لكي ما نتعلم مغزى كلماته وننجو من جرائر أفعالنا. ولكن لماذا لم يقل إبراهيم “لقد أخذتَ خيراتك” ولكن قال “لقد استوفيت خيراتك”. إنكم تذكرون أنني قلت لكم كيف أن بحر كبير من الأفكار قد انفتح أمامنا فإن عبارة “استوفيتَ خيراتك” تدل وتوضح نوعًا من المديونية أو التزام بدين، كمن له ديون ومستحقات يستوفيها، فمع كون الرجل الغني كريه وبغيض وقاس وعديم الإنسانية، لماذا لم يقل له إبراهيم لقد أخذت خيراتك، وقال له لقد استوفيت خيراتك كما لو كانت ديون مستحقة له. ما الذي نتعلمه من ذلك؟ أنه حتى لو كان هناك بعض الناس في غاية الشر فإنهم أحيانًا يفعلون عمل أو اثنين أو ثلاثة من الأعمال الصالحة، إن كلامي هذا ليس تخمينًا منى فحسب، لكنه واضح في الكتاب المقدس، لأنه ليس هناك قسوة أكثر من ظلم قاضي الظلم ولا عدم إنسانية وعقوق، فهذا الرجل لا يخاف الله ولا يهاب إنسان ومع كونه يعيش في هذه الشرور فقد فعل شيء صالح عندما رحم الأرملة التي كانت تزعجه باستمرار فأنصفها ومنحها طلبها وأدان خصومها(3). هكذا، من الممكن أن يكون هناك شخص فاسق لكنه في أحيانًا كثيرة رحوم، أو عديم الإنسانية لكنه قادر على كبح جماح نفسه، أو أن يكون هناك من هو فاسق وأيضًا قاسي لكنه لا يزال قادرًا في بعض الأحيان على عمل شيء صالح في حياته. ويجب أيضًا أن نتوقع نفس الشيء بالنسبة للأشخاص الصالحين، فكما أن أكثر الناس سوءًا أحيانًا يقومون بعمل شيء صالح، فأيضًا هؤلاء الصالحون أحيانًا كثيرة يكون لهم نقاط ضعف، لأنه مكتوب: “من يقول إني زكَّيت قلبي تطهَّرتُ من خطيتي”(4). إذن فإن كان الرجل الغني قد وصل إلى أقصى درجات الشر فمن المحتمل أنه قد فعل شيئًا صالحًا، وأيضًا حتى لعازر وإن كان قد وصل إلى قمة الصلاح فقد اِرتكب بعض الخطايا الصغيرة، اذكر كيف أشار أبو الآباء إلى كليهما بذلك “يا ابني اُذكر أنك استوفيت خيراتك في حياتك وكذلك لعازر البلايا”، فإنك حتى إن كنت قد فعلت شيئًا صالحًا فقد استوفيت جزاءه وأخذت هذه الأشياء في العالم، العيش الرغد والغنى والتمتع بالرفاهية والثروة الطائلة. وإن كان هذا الرجل (لعازر) قد اقترف شيئًا فقد تلقى جزاءه من معاناة الفقر والجوع والبلايا. فقد وصل كل منكما إلى هنا مجردًا تمامًا وعاريًا، هو من خطاياه وأنت من الأعمال الصالحة. لهذا السبب هو الآن يتعزى وأنت تتلقى عذاب غير محتمل. فعندما تكون أفعالنا الحسنة بسيطة وضئيلة وحجم خطايانا كبير جدًا ونتمتع في هذه الحياة بالرخاء والرفاهية ولا نعاني من أي متاعب، فإننا بالتأكيد سوف نغادر هذه الحياة عارين ومجردين، فقد أخذنا مقابل الأشياء الحسنة واستوفينا مالنا في هذه الحياة. وبالمثل فعندما تكون أفعالنا الصالحة كثيرة ومتعددة وخطايانا بسيطة وضئيلة ونعاني البلايا، فإننا بهذا نتخلص من هذه الخطايا الصغيرة في هذه الحياة ونستحق المكافأة الخالصة المعدّة لنا عن أفعالنا الصالحة في الحياة الآخرة. لهذا فإنك إن رأيت شخص يعيش في الشرور وفي نفس الوقت لا يعاني من أي متاعب في حياته، لا تعتبره محظوظا بل أبكي عليه ونوح لأن عليه أن يتحمل كل البلايا (الدينونة) في الحياة الآخرة، تمامًا مثل هذا الرجل الغني. وأيضًا إن رأيت شخص يكرّس نفسه للفضائل ويمارسها ولكنه يعاني الكثير من المحن، فاعتبره محظوظًا وأحسده لأن كل خطاياه قد تبددت في هذه الحياة، وله مكافأة كبيرة أعدت له في الحياة الآخرة لاحتماله، تمامًا مثلما حدث للعازر. بعض الناس يعاقبون فقط في هذه الحياة، والبعض الآخر لا يعانون أي متاعب هنا ولكنهم يتلقون ما عليهم من عقاب في الحياة الآخرة، وهناك أيضًا الذين يعاقبون هنا وفي الآخرة. أي من هؤلاء الثلاثة تعتبره محظوظًا؟ أنا واثق تمامًا أنه في المرتبة الأولى هؤلاء الذين يتلقون عقابهم هنا ويتنقُّون من خطاياهم. ومن يليهم في المرتبة الثانية؟ ربما تظنون إنهم هؤلاء الذين لا يعانون من أي شيء هنا ولكنهم يتحملون عقابهم في الآخرة. لكنني أقول لا ليس هؤلاء ولكنهم الذين يعاقبون هنا وفي الآخرة. لأن من يدفع جزءًا مما عليه من عقاب، سوف يتلقى عقاب أخف وطأة، ولكن من يكون لزامًا عليه تحمل كل ما عليه من عقاب في الآخرة فإنه لن يتلقى أي رحمة تمامًا مثل هذا الرجل الغني، لأنه لم يتنقى من أي خطية من خطاياه هنا، لذلك فإنه قد عوقب بشدة حتى أنه لم يستطع الحصول ولو على نقطة مياه صغيرة، فأكثر من الجميع هؤلاء الذين يخطئون ولكنهم لا يعانون أي متاعب هنا. إنني حزين من أجل هؤلاء الذين لا يعاقبون هنا وأيضًا يعيشون متمتعين بالرفاهية وعدم الاحتياج. فهكذا إن عدم الوفاء بجزء من العقاب على الخطايا هنا يجعل دينونة الآخرة ثقلاً. وكذلك أيضًا فإن المتع الآثمة ولذة الشهوات الذاتية والرفاهية والترف تصبح أسبابًا لعقاب أكثر للخطاة. عندما يعطينا الله نحن الخطاة تكريمًا هنا، فإن طرحنا في نار متقدة في الآخرة يصبح حقيقة مؤكدة، إن الذي لا يستفيد من مراحم الله الواسعة سوف يكون عقابه شديد، ومن كان له أعلى درجات التكريم ويسبغ الله عليه من مراحم وطول أناته، ومع ذلك يستمر في شروره، فمن الذي ينقذه من العقاب على هذا؟ والدليل على أن هؤلاء الذين ينعمون بمراحم الله وطول أناته عليهم هنا إنما يجنون على أنفسهم العواقب الوخيمة في الآخرة هذا إن كنا لا نقدم توبة هنا. فلنسمع ما قاله بولس: “أَفتظنُّ هذا أيها الإنسان الذي تدين الذين يفعلون مثل هذه وأنت تفعلها أنك تنجو من دينونة الله. أم تستهين بغنى لطفهِ وإمهالهِ وطول أناتهِ غير عالمٍ أن لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة. ولكنك من أجل قساوتك وقلبك غير التائب تَدَّخر لنفسك غضبًا في يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة”(5). لذلك عندما ترى أناس يعيشون في ثراء وترف، تفوح منهم روائح العطور، يمضون يومهم في الشراب وأيضًا لهم القوة والاحترام والمركز العظيم، ومع ذلك مازالوا يخطئون بالرغم من أنهم لا يعانون أي متاعب، فلهذا السبب بعينه نبكي عليهم ونحزن لأنهم لم يعاقبون على خطاياهم، كما أنك إن رأيت شخص مريض بالاستسقاء، أو بمرض الطحال، أو قرحه مزمنة، أو تقرحات كثيرة تملأ جسده، ولا يزال بالرغم من ذلك يشرب وينغمس في شهواته ويزيد من مرضه، فلا تتأثر به ولا تظن أنه سعيد لحياته المرفهة، لكن فلتحزن عليه لهذا السبب نفسه. وهذه النظرة أيضًا بالنسبة للنفس، فعندما ترى شخص شرير يعيش متمتعًا برخاء كثير وبدون معاناة من أي محنه، فلتبكي عليه لهذا السبب نفسه، فإنه بالرغم من إصابته بمرض خطير وقروح فإنه بانغماسه في الشهوات والتنعمات يزيد من مرضه ويصير للأسوأ. إن العقوبة ليست بضارة، لكن الخطية ضارة، فإن الأخيرة تفصلنا عن الله، لكن الأولى تقربنا إلى الله وتبدد غضبه علينا. كيف نعلم ذلك؟ فلنسمع ما قاله النبي: “عَزُّوا عَزُّوا شعبي يقول إلهكم. طيِّبوا قلب أورشليم ونادوها بأن جهادها قد كمُل، إن أثمها قد عُفِي عنهُ، أنها قد قبلت من يد الرب ضعفَين عن كل خطاياها”(6). وفي موضع أخر يقول: “يا رب تجعل لنا سلامًا لأن كل أعمالنا صنعتها لنا”(7). ولكي نعلم أن هناك من يعاقبون هنا وآخرون في الآخرة والبعض يعاقب هنا وفي الآخرة، فلنستمع لما قاله بولس الرسول عندما يتهم الذين يشتركون في الأسرار المقدسة بدون استحقاق عندما قال: “إذًا أي من أكل هذا الخبز أو شرب كأس الرب بدون استحقاق يكون مجرمًا في جسد الرب ودمهِ”، وأضاف على الفور: “من أجل هذا فيكم كثيرون ضعفاءُ ومرضى وكثيرون يرقدون. لأننا لو كنا حكمنا على أنفسنا لم حُكِم علينا. ولكن إذ قد حُكِم علينا نؤَدَّب من الرب لكي لا نُدان مع العالم”(8). هل رأيتم أن العقاب هنا سوف يخلصنا من عذاب دينونة الآخرة؟ وأيضًا يتكلم الرسول عن خطيئة الزنى فيقول: “أن يُسلَّم مثل هذا للشيطان لهلاك الجسد لكي تخلص الروح في يوم الرب يسوع”(9). ويتضح هذا أيضًا في مثل لعازر، فلو كان قد ارتكب أي أثم فإنه قد تطهر منه في حياته فيغادر هذه الحياة إلى الحياة الآخرة طاهرًا تمامًا. وأيضًا يتضح هذا في قصة المشلول فقد مكث مريضًا لمده ثماني وثلاثون سنة، إن طول مدة مرضه قد خلصته من آثامه. والدليل على كونه بهذه الحالة بسبب خطاياه ما قاله السيد المسيح: “هنا أنت قد بَرِئْت. فلا تخطئْ أيضًا لئَلاَّ يكون لك أَشَرُّ”(10). من هذه العبارة يتضح أن بعض الناس يعاقبون في هذه الحياة فيخلصون من خطاياهم، والبعض يعاقبون هنا وفي الآخرة إذا كانوا لم يتلقوا العقاب الكافي على قدر كبر حجم خطاياهم، والدليل على ذلك ما قاله السيد المسيح عن أهل سدوم: “وكلُّ مَنْ لا يقبلكم فأخرجوا من تلك المدينة وانفضوا الغبار أيضًا عن أرجلكم شهادةً عليهم”(11)، وواصل كلامه قائلاً: “وأقول لكم أنه يكون لسدوم في ذلك اليوم حاله أكثر احتمالاً ممَّا لتلك المدينة”(12)، فقوله أكثر احتمالاً بيّن أنهم سيعاقبون ولكن عقابهم أخف وطأة لأنهم قد أوفوا جزائهم في هذه الحياة. إن بعض الناس لا يعانون أي متاعب هنا ولكن سيكون عليهم أن يتحملوا عقابهم كله أثناء دينونتهم في الآخرة. نتعلم من قصة هذا الرجل الغني الذي تحمل عذاب لا ينتهي في الحياة الآخرة ولم يحظى ولو بالمغفرة لأن عقابه كله قد حُفظ له للحياة الآخرة. يوجد بين الخطاة البعض الذي لا يعاني أي متاعب هنا، فإنهم سوف يسلَّمون لعقوبة كبيرة في الآخرة. وأيضًا بعض الأبرار الذين يعانون المتاعب هنا، فإنهم سوف يتمتعون بتكريم ومجد عظيم في الآخرة. مثال ذلك أنه إذا كان هناك اثنان خطاة أحدهما عُوقب هنا والآخر لم يُعاقب، فإن الذي عُوقب هنا أسعد حالاً من الذي لم يُعاقب، وأيضًا بالمثل إذا كان هناك اثنان من الأبرار أحدهما تحمل متاعب كثيرة، والآخر أقل منه، فإن الذي تحمل المتاعب الكثيرة أسعد حالاً، “حينئذٍ يجازي كل واحدٍ حسب عملهِ”(13). عندئذ قد يتساءل أحدكم هل لا يوجد من يتمتع بالراحة هنا وفي الآخرة؟ كلا أيها الإنسان… هذا مستحيل. فإنه من غير الممكن البتة أن يوجد في هذا العالم من يتمتع بالحياة المريحة وعدم الاحتياج، وباستمرار يُشبع رغباته بكل طريقة ويحيا حياة مستهترة بحماقة – من غير الممكن – أن يحظى بتكريم في الحياة الآخرة، فمن لم يضنيه الفقر فإن الشهوات (الرغبات) تقلقه وتصبح مصدر تعب وألم بالنسبة له. ومن لم يهدده المرض فإن عصبيته تزداد حدة ويحتاج لجهاد غير عادي ليتغلب على غضبه، ومن لم يُختبر بالتجارب فإن الأفكار الشريرة تهاجمه. إن كبح جماح الشهوات الحمقاء ليست بمهمة بسيطة، وأن نبطل المجد الزائف ونكبت التهور ونكف عن البذخ. إن الذي لا يفعل مثل هذه الأشياء وغيرها لا يمكن أن يخلص. وكما يشهد الكتاب عن أن هؤلاء الذين يعيشون حياه باذخة لا يمكن أن يخلصوا، فلنسمع ما قاله بولس عن الأرامل: “وأما المتنعمة فقد ماتت وهي حية”(14). إن كان هذا القول قيل عن المرأة الأرملة، فإنه ينطبق بالأكثر على الرجل وقد أوضح السيد المسيح أن الذي يحيا حياة متنعمة لا يقدر على الوصول إلى السماء عندما قال :”ما أضيق الباب وأكرب الطريق الذي يؤَدّي إلى الحياة”(15). قد يتساءل أحدكم كيف إذن قال: “لأن نيري هيّن وحملي خفيف”(16). لأنه إن كان الباب ضيق والطريق كرب فكيف يقول عنه أيضًا أنه هيّن وخفيف؟ أنه يقول إن طبيعة التجارب نفسها شيء ولكن إرادة واشتياق المارون بها شيء آخر، فمن الممكن أنه حتى الأشياء الغير محتملة بطبيعتها تصبح هيِّنة إذا تقبّلناها باشتياق، تمامًا مثل الرسل الذين كانوا يُجلدون بقسوة ويعودون مبتهجين “وأما هم فذهبوا فرحين من أمام المجمع لأنهم حُسِبوا مستأهلين أن يُهانوا من أجل اسمهِ”(17). حقًا إن طبيعة العذاب عادة تجلب الألم والضيق، لكن إرادة هؤلاء الذين جُلدوا وعُذبوا قد انتصرت حتى على طبيعة ألم المعاناة، ولهذا يقول بولس: “وجميع الذين يريدون أن يعيشوا بالتقوى في المسيح يسوع يُضطَهدون”(18). لذلك إن كان الناس يضطهدونا وإبليس يعلن حربه علينا، فإننا نحتاج للكثير من الحكمة والمثابرة والوقار واليقظة في الصلاة. ألا تشتهي بما يملكه الآخرون، بل نوزع ما عندنا على المحتاجين، أن ننبذ ونرفض البذخ سواء في الملبس أو الأكل، ونتجنب الجشع والسكر والخبث، ونسيطر على كلامنا، ونبعد عن الحب الخليع الذي لا يليق “ليُرفَع من بينكم كل مرارةٍ وسخطٍ وغضبٍ وصياحٍ وتجديف مع كل خبث”(19). فلنمتنع عن الفكاهات والكلام المخزي، وهذا يتطلب جهد ليس بقليل، ولكي نتجنب هذه الأشياء ونتعلم مدى صعوبة أن تحيا بحكمة واتزان، ومدى سهولة حياة الرخاوة أسمع ما قاله بولس: “بل أقمع جسدي واستعبدهُ”(20). فعندما قال ذلك أشار لمدى القوة والجهاد اللذان يجب أن يسلك بهما هؤلاء الذين يقمعون أجسادهم في كل شيء، وقد قال السيد المسيح أيضًا لتلاميذه: “في العالم سيكون لكم ضيق. ولكن ثقوا. أنا قد غلبت العالم”(21). فقد قال إن الضيق سوف يؤدي إلى الراحة. إن الحياة الحاضرة ما هي إلا حلبة مصارعة، فيها يتصارع المصارعون، والذي يريد أن يكلل بالنصر لا يستطيع أن يتمتع بالاسترخاء، لذلك فمن يريد الفوز بالإكليل عليه أن يختار الحياة الصعبة المجاهدة. وهكذا فإنه بعد جهاد لوقت قصير في هذه الحياة، سوف يتمتع بالمجد الأبدي في الحياة الآخرة. كم من العقوبات تواجهنا كل يوم؟ وكم تحتاج النفس للكثير كي تكف عن عدم الصبر وعدم الرضا… ولكي تقدم الشكر والمجد والتسبيح لله الذي سمح بهذه التجارب أن تجوز علينا؟ وكم من المصاعب الغير متوقعة التي تظهر؟ يجب علينا أن نقاوم الأفكار الشريرة، وألا نسمح للساننا أن يتفوه بأي كلمة خاطئة، تمامًا مثل أيوب البار، فبينما كان يعاني الكثير من البلايا كان يواصل باستمرار تقديم الشكر. بعض الناس إن تعثروا أو افتُرى عليهم أو مرضوا بمرض مزمن مثل النقرس أو الصداع أو أي من هذه الأمراض، فإنهم على الفور يبدأون في التذمر مستسلمين لآلام المرض فيحرموا أنفسهم من فائدة احتمال المرض. ماذا تفعل أيها الإنسان؟ أتتذمر على جابلك الذي أحسن إليك، مخلصك، حافظك، حارسك؟ ألا ترى أنك بهذا تُسقط نفسك لمنحدر وتطرح نفسك في هلاك جهنم؟ فهل تذمرك هذا سيخفف من آلامك؟! في الحقيقة أنك تزيد من آلامك وتجعل محنتك أكثر ثقلاً. إذ أن إبليس يجلب العديد من البلايا من أجل هذا الهدف ذاته حتى يسقطك في هذه الحفرة. فإذا ما رآك تتذمر فإنه يسر ويزيد من معاناتك ويكثرها عليك. وكلما وخزك بالألم كلما يأست مره أخرى، ولكن إذا رآك تتحمل بشجاعة وكلما زادت معاناتك كلما قدمت الشكر لله، فإنه يرفع حصاره عنك في الحال مدركًا أن حصاره لك أصبح غير مجديًا. عندما يقبع كلب بجانب المائدة إذا ما رأى أن الشخص الذي يأكل يلقي إليه باستمرار بفضلات الطعام من على المائدة فإنه يظل قابعًا بإصرار، ولكنه إذا جاء عند المائدة مرة أو مرتين ولم يتلقى شيء فإنه سيظل بعيدًا بعد ذلك ويعرف أنه لا فائدة. ونفس الشيء بالنسبة لإبليس فإنه باستمرار يحوم حولنا، وإذا ألقيت له (مثلما تلقي للكلب) بكلمات التذمر فإنه سيتلقفها ويهاجمك ثانية، ولكنك إن تذرعت بالصبر وواظبت على شكر الله فإنك بذلك تطرده بعيدًا وترده عنك. ولكنك قد تقول إنني لا أستطيع أن أظل صامتًا إذا ما أصابتني محنة. إنني بالتأكيد لا أمنعك من الصراخ، ولكن أشكر بدلاً من أن تتذمر، سبح بدلاً من أن تيأس، اعترف للرب، اصرخ إليه في صلاتك، اصرخ إليه عاليًا ممجدًا الرب، وبهذه الطريقة تهون محنتك، ونتيجة لشكرك فإن إبليس سوف يرتد للخلف وتنال معونة من الله، ولكنك إن تذمرت فسوف تُبعَد عن أي معونة من الله، ويزداد غضبه عليك، وتورط نفسك في مزيد من المعاناة، ولكنك إن شكرته سوف تطرد عنك كل مؤامرات إبليس الشريرة، وسوف تربح عناية الله وحمايته لك. ومع ذلك إن اللسان على سبيل التعود غالبًا ما يبدأ في التفوه بمثل هذه الكلمات الخاطئة، فإذا ما بدأ وقبل أن ينبس بهذه الكلمات عُضّه بأسنانك بقوة، فإنه من الأفضل للسانك أن يسيل منه الدم الآن من أن يشتهي قطرة من الماء بعد ذلك لتريحه ولا يستطيع أن يحصل عليها، ومن الأفضل للسان أن يتحمل ألم وقتي من أن يعاني بعد ذلك من عذاب عقاب أبدي، كما اِحترق لسان الغني ولم يقدر أن ينال أي شيء يخفف من آلامه. أتعصي الله الذي يحبك؟ إن الله يأمرك أن تحب أعدائك ويأمرك أن تحسن إلى مبغضيك وأن تبارك لاعنيك(22). أكنت تلقي باللوم على جابلك وحافظك لو أنك لا تعاني أي متاعب؟ أنك تقول: ألم يكن قادرًا أن يجنبني هذه التجربة؟ لكنه سمح بها لكي يُصقِّل شخصيتك وتصبح أفضل، ولكنك تقول: لكن أنظر فقد سقطت وهلكت، إن هذا ليس بسبب طبيعة التجربة ولكن بسبب تهاونك. قل لي أيهما أسهل التذمر أم الشكر؟ ألا يجلب عليك التذمر كراهية سامعيك لأنك تطرحهم إلى اليأس والإحباط، وتسبب لهم الكثير من القلق والحزن، ولكن الشكر يعطيك أكاليل عديدة من الحكمة، وإعجاب من الجميع، ومكافأة عظيمة من الله. لماذا إذن تُهمل ما هو نافع وسهل ومبهج، وتتبع بدلاً منه ما هو ضار ومؤلم ومهلك؟ علاوة على ذلك إذا كانت تجربة الاحتياج والفقر هي السبب في التذمر، فإن كل هؤلاء المحتاجين والفقراء يتذمرون، ولكن في الحقيقة إن كثيرون من هؤلاء الذين يعيشون في فقر مدقع يقدمون الشكر باستمرار، بينما آخرون يتمتعون بالغني والرخاء لا يكفون عن التذمر. إذن ليس هذا بسبب طبيعة ظروفنا الخارجية، ولكنه اختيارنا نحن، إما أن نختار التذمر، وإما أن نختار الشكر. لهذا السبب أيضًا يجب أن نقرأ هذا المثل لكي نتعلم أن الغنى لا يفيد الإنسان المتهاون، ولا الفقر يضر بالإنسان المجاهد. ولكن لماذا أذكر الفقر فقط؟ فإنه حتى لو تجمعت كل شرور البشر، فإنها أبدًا لن تُهلك نفس الإنسان الحكيم الذي يحب الله، ولن تقنعه أن يكف عن الفضائل، ولعازر خير مثال على ذلك. علاوة على ذلك فإن الإنسان العابث والفاجر لن يقدر أبدًا أن ينتفع بالثراء أو الصحة أو الرخاء الدائم أو أي شيء آخر. وعلى هذا فإننا نقول أن الفقر والمرض ودنو الخطر لا يجبرنا على التذمر. إنه ليس الفقر بل الحماقة، وليس المرض بل الغفلة، وليس دنوّ الخطر بل التسيُّب هم الذين يؤدوا بهؤلاء الغافلين إلى التذمر، وإلى كل الشرور الأخرى. يسأل أحدكم ولكن لماذا يعاقب البعض هنا، والبعض يعاقب في الآخرة ولا ينال هنا أي عقاب على الإطلاق؟ لأنه لو كان الجميع يعاقبون هنا. كنا جميعًا نهلك، لأن جميعنا مستحقين العقاب. ومن ناحية أخرى، إذا لم يعاقب أحد هنا فإن جميع الناس سيصبحون غير مبالين، والكثيرون سوف يقولون أنه ليس هناك عقاب إلهي. لأنه على الرغم من رؤيتهم الآن للكثيرين من الآثمة يعاقبون هنا، فإنهم مع ذلك يتكلمون بمثل هذا الكلام من التذمرات، فإذا لم يكن الحال هكذا فلماذا لا يتكلمون بهذا، وإلى أي مدى من الشرور كانوا سيصِلون؟ من أجل هذا السبب فإن الله يعاقب البعض هنا ولا يعاقب الآخر. أنه يعاقب ممن كَفُّوا عن طريق الشر، فيجعل من عقابهم في الآخرة أخف، أو حتى يعفوا عنهم تمامًا. وبعقابه لهؤلاء الناس فإنه أيضًا يُصلح من شأن هؤلاء الذين يعيشون في الشر. ومن ناحية أخرى فإنه لا يعاقب البعض الآخر لكي ما إذا رجعوا إلى أنفسهم وندموا تَرفق الله بهم، فإنهم قد يتخلصوا ويُعفُوا من العقاب هنا وفي الآخرة. ولكنهم إن استمروا في شرورهم معاندين تسامح الله، فإنهم بذلك قد يتحملون عذاب أعظم بسبب كثره ازدرائهم. وقد يقول أحد مدعي المعرفة أن عقاب هؤلاء به عدم إنصاف لأنهم قد يتوبوا، ولكننا نقول إن كان الله يعلم بسابق علمه أنهم سيتوبون ما كان عاقبهم، لأنه إن كان يترك هؤلاء الذين يعلم إنهم سيظلون على خطئهم ولا يعاقبهم في هذه الحياة، فإن كل الباقون الذين سيتركهم لعقاب الحياة الحالية وهم يعرف أنهم سيعملون على الإفادة من صبره ورفقه عليهم قد يستغلون ذلك في إرجاء وتأجيل توبتهم، ولكن واقع الأمر أنه يعاقبهم سلفًا. وذلك يجعل جزائهم في الآخرة أخف، وأيضًا بعقابه لهم يُصلح من شأن الآخرين. لكن لماذا لا يفعل ذلك مع كل الخطاة؟ لأن الانتظار في خشية من شر مرتقب والخوف من العقاب الذي حلّ بآخرين، قد يجعلهم يصيرون أفضل، ويشكرون الله على صبره عليهم ويقدروا لطفه بهم فيكفّوا عن آثامهم. قد يقول أحد ولكنهم قد لا يفعلون ذلك أبدًا. إن هذا ليس معناه أن نلوم الله بل نلوم تهاونهم هم، إذ ليس لديهم الاستعداد للاستفادة بهذا العلاج القوي من أجل خلاصهم. ولكي نعلم أن هذه هي حكمته اِصغوا: عندما جاء قوم وأخبروا المسيح عن بيلاطس الذي خلط دماء أهل الجليل الذي قتلهم بدماء ذبائحهم، فأجاب يسوع وقال لهم: “أَتظنون أن هؤُلاء الجليلين كانوا خطاةً أكثر من كلّ الجليلين لأنهم كابدوا. كلاَّ أقول لكم. بل إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون”. وفي مرة أخرى قال نفس الشيء عن الثماني عشر الذي سقط بهم البرج في سلوام. إذ قال: “أَتظنُّون أن هؤُلاء كانوا مذنبين أكثر من جميع الساكنين في أورشليم. كلاَّ أقول لكم. بل إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون”(23). وبهذا أوضح أن الأحياء أيضًا يستحقون نفس العقاب. ولكن الله سمح لهؤلاء أن يعانوا ذلك حتى إذا ما رأى الأحياء ما حدث للآخرين فإنهم يرتعبوا ويتوبوا، وقد يصبحوا وارثين لملكوت الله. ماذا؟! يتساءل أحدكم هل يعاقب شخص لكي يجعلني أصير أفضل؟ لا ليس لهذا السبب لأنه يعاقب على خطاياه ولكن بالإضافة يصبح وسيلة للخلاص لهؤلاء المتنبهين له، فيجعلهم هذا يجاهدون أكثر خوفًا مما حدث له. إن السادة أيضًا يفعلون نفس الشيء. فعادة عندما يضربون أحد الخدم فيجعلوا الآخرين يسلكون حسنًا تخوُّفًا من العقاب، إنك قد ترى أناس يعانون من الضياع أو تُحطم منازلهم أو الاحتراق حتى الموت، أو ينحرفون مع فيضان النهر، أو يفقدون حياتهم بأي شكل من هذه الأشكال القاسية، ثم ترى آخرون يقترفون نفس الآثام وربما أكثر منهم ولكنهم لا يعانون أي متاعب. لا تدع هذا يُشوّش أفكارك، قائلاً: لماذا وهم يقترفون نفس الآثام لا يعانون نفس العواقب؟ ولكن فلتأخذ بعين الاعتبار أن الله يسمح لإنسان ما أن يذبل حتى الموت، فيهيأ له بذلك عقوبة أخف في الآخرة، أو حتى يعفو عنه كلية. ولكنه لا يسمح لإنسان آخر أن يعاني من أي شيء مثل هذا لكي يُعيد إليه إدراكه برؤيته لما حلّ بهذا الشخص من عقاب فتتاح له فرصة أن يصير للأفضل. ولكنه إذا ظلّ على نفس آثامه فسوف يجني على نفسه عقاب لا ينتهي بسبب تهاونه، ولا نستطيع أن نلوم الله على عقابه بهذه العقوبة الغير محتملة. أيضًا قد ترى إنسان بار يُعاني محنة أو حتى كل المتاعب التي ذكرناها فلا ترثي له، لأن متاعبه هذه تهيأ له أكاليل براقة. باختصار إن العقوبة إذا حدثت للخطاة فإنها تقلل من عبء الآثام عليهم، وإذا حدثت للأبرار فإنها تبهج نفوسهم. إذن إن احتمال الضيقات له فائدة عظيمة لكل منهم بشرط أن يتحملوها بشكر وهذا المطلوب. ولهذا السبب فإن التاريخ في الكتاب المقدس مملوء بالعديد من هذه الأمثلة، فنرى أن كل من الأبرار يعانون الضيقات. لذلك سواء كان الإنسان بار أم شرير، عليه أن ينتبه لهذه الأمثلة وأن يتحمل ضيقاته بشجاعة. إن الكتاب المقدس يرينا أشرار منهم من كان في عوز شديد، وآخرون في رخاء ولكنك لا تغتر بثرائهم هذا إذ أنك تعلم مما حدث للغني، أيّ نيران تنتظرهم في الآخرة إذا لم يغيروا طريقهم. قد يتساءل أحدكم أليس بالإمكان الاستمتاع بالراحة لا هنا ولا في الآخرة؟ لا ليس هذا ممكنًا لأن البار يحيا حياة الجاهد. يقول أحدكم ماذا عن إبراهيم؟ ألم يعاني العديد من البلايا؟ ألم يبعد عن وطنه؟ ألم يفترق عن عشيرته؟ ألم يتحمل الجوع في بلاد غريبة؟ ألم يتجول ويرتحل باستمرار من بابل إلى ما بين النهرين أو المصيصة Mesopotamia ومن هناك إلى فلسطين ومنها إلى مصر؟ ماذا يقول المرء عن فراقه لزوجته؟ وحربه مع البربر، وقتل وأسر أقاربه وأهله. وكثير من المصاعب الأخرى؟ وعندما استقبل ابنه، ألم يتحمل أقصى ما يمكن تحمله من كل المحن عندما أمر أن يضحي بيديه بابنه حبيبه الذي انتظره طويلاً؟ وماذا عن إسحق نفسه الضحية؟ ألم يُضطهد من جيرانه، ألم يفقد زوجته، وحُرم من الأبناء – مثل أبيه – لمدة طويلة؟ وماذا عن يعقوب؟ وهو الذي تربى في بيت أبيه، ولكن ألم يحتمل متاعب أكثر ثقلاً من جده؟ لن نسرد كل ما يتعلق به حتى لا نطيل الموضوع. اسمع ما قاله عن حياته كلها: “أيام سنيّ غربتي مائَة وثلثون سنة. قليلة ورديَّةً كانت سنيّ حياتي، ولم تبلغ إلى أيام سنيّ حياة آبائي في أيام غربتهم” (تك 9:47). ثم بعد أن رأى ابنه جالسًا على العرش الملكي متمتعًا بالمجد هل ينسى متاعب الماضي؟ فبرغم أنه اُبتلى بالكثير من البلايا، فإنه وهو في هذا الرخاء لم ينسى المتاعب التي مرت به. وماذا عن داود؟ كم من المحن تحملها؟ ألم يتغنى بمثل ما تغنى به يعقوب: “أيام سنينا هي سبعون سنة. وإن كانت مع القوة فثمانون سنة وأفخرها تعب وبلية” (مز 10:90). وماذا عن إرميا؟ ألم يلعن يوم مولده بسبب توالي النكبات قائلاً: “ملعون اليوم الذي وُلِدت فيهِ. اليوم الذي ولدتني فيه أمي لا يكن مباركًا” (إر 14:20). وماذا عن موسى نفسه؟ ألم يقل في استيائه: “فإن كنت تفعل بي هكذا فاقتلني قتلاً(24). وماذا عن إيليا؟ الذي أُصعد إلى السماء وانفتحت له أبواب السماء، ألم يستمر ينوح ويندب بعد كثير من المعجزات قائلاً: “قد كفى الآن يا ربُّ خذ نفسي لأنني لست خيرًا من آبائي”(25). لماذا أذكر كل قصه من هذه القصص فإن بولس قد جمعهم كلهم متمعِّنًا فيهم وقال: “رُجموا نُشروا جُرِّبوا ماتوا قتلاً بالسيف طافوا في جلود غنمٍ وجلود ماعز معتازين مكروبين مُذَلّين. ولم يكن العالم مستحقًّا لهم”(26). وفي كلمة مختصره فإنه من الضروري لمن يرجو مسرة الله وأن يتنقى ليصير مقبولاً، ألا يحيا حياة الرخاوة والتهاون والتسيُّب والانغماس في الشهوات، لكن يحيا حياة الجهاد والكد والعرق، لكي ينال الأكاليل كما قال بولس: “وأيضًا إن كان أحد يجاهد لا يُكلَّل إن لم يجاهد قانونيًا”(27). في موضع آخر يقول: “وكلُّ مَن يجاهد يضبط نفسهُ في كلّ شيءٍ”(28). في الكلام والنظر، الامتناع عن الكلمات المخجلة والسباب والتجديف والفواحش، فإننا نتعلم من كلمات بولس أنه حتى لو كانت التجارب لا تأتي إلينا من الخارج، فإننا يجب أن نُدرب أنفسنا كل يوم على الصيام والتقشف والطعام البسيط والاقتصاد، متجنبين الإسراف وإلا فلن نرضي الله. يا ليت لا يقول لي أحد هذه الكلمات أن فلانًا وعِلانًا لديهم كل الأشياء جيدة في كل الأحوال”. هذا لا يمكن أن يكون لهؤلاء الذين لديهم الغنى والترف مع الإثم. ولكن إذا كان من الممكن أن نقول هذا عن أحد فإننا نقوله عن هؤلاء المبتلين المكروبين، فإنهم هم الذين لديهم كل الأشياء الصالحة في كل من هذه الحياة وفي الحياة التالية. إذ سيكون لديهم كل الأشياء الرائعة في الحياة التالية عندما يستمتعون بمكافأتهم، ويكون لديهم أشياء رائعة في هذه الحياة، عندما يعيشون بأمل ما سيكون لهم من أشياء رائعة في الآخرة. ولا يلقون بالاً بالمتاعب الحالية مترقبين الأشياء الرائعة الآتية. ولكن دعونا نستمع لما قاله إبراهيم: “بيننا وبينكم هوَّة عظيمة قد أُثْبِتَتْ”(29). وحسنا قال داود. “الأخ لن يفدي الإنسان فداءً ولا يعطي الله كفارةً عنهُ”(30). فإنه هذا من المستحيل سواء كنت أخًا أو أبًا أو ابنًا. اُنظر لقد دعى إبراهيم الغني “ابني” وهو ليس بعد قادرًا على القيام بواجبات الأب، والرجل الغني نادى إبراهيم “يا أبي” وهو ليس بعد قادرًا على التمتع بالعطف الأبوي الذي ينتظره الابن. إن هذا يعلمنا أنه لا القرابة، ولا الحب، ولا العطف، ولا أي شيء آخر يمكن أن يساعد إنسان ضلَّلته الحياة. إنني أقول هذا لأننا عندما ننصح كثير من الناس أن ينتبهوا لأنفسهم ويتجملوا بالرصانة فإنهم لا يبالون بالنصيحة ويسخروا منها قائلين: أنك سوف تكفلني في هذا اليوم أنا واثق من هذا وغير خائف. وآخرون يقولون أن أبي شهيد، وآخرون يقولون إن جدي أسقف، وآخرون يستشهدون بكل أفراد عائلتهم، ولكن كل هذه الدعاوي غير مجدية، إذ أن صلاح البعض لا يمكن أن يعيننا أو ينوب عنا في ذلك اليوم. تذكر هؤلاء العذارى الخمس اللاتي لم يشركن معهن الخمس الآخريات في زيتهن، فإن الأوليات دخلن مع العريس ولكن الآخريات ظللن خارجًا(31). أعظم شيء أن يكون لك رجاء الخلاص بأعمالك أنت الصالحة، لأنه لن يكون هناك أبدًا صديق يتحمل عنا في الآخرة، ولهذا قال الرب لإرميا: “وأنت فلا تُصلِّ لأجل هذا الشعب”(32). فحتى هنا وهم مازال لديهم إمكانية تغيير طرقهم فبالأحرى سيقول نفس الشيء في الآخرة. ماذا تقول؟! إن أبوك شهيد. إن هذه الحقيقة سوف تدينك بالأكثر، لأن وإن كان هناك مَثل للصلاح في بيتك أفلا تعتبر نفسك غير مستأهل لصلاح أبوك؟ هل لديك صديق مخلص وشريف؟ أنه لن يستطيع أن يتحمل أو ينوب عنك في هذا اليوم. ماذا قال الله “اصنعوا لكم أصدقاءَ بمال الظلم حتى إذا فَنِيتم يقبلونكم في المظالّ الأبدية”(33). ليست الصداقة هي التي سوف تَضمنك وتشهد لك، لكنها الصدقات. فلو كانت الصداقة ذاتها – فقط – تستطيع أن تشهد لك فلم يكن هناك حاجة إلا أن يقول ببساطة: “اصنعوا لكم أصدقاء”، ولكن هكذا يوضح لنا أن الصداقة فقط لا تشهد لنا، وأضاف بمال الظلم لربما يقول أحد أنني أستطيع أن أصنع أصدقاء بدون مال، والصديق الحقيقي فعلاً ليس بالمال. ولكن لكي يعلمك أن إعطاء الصدقات وأعمالك الصالحة هي التي تشهد لك، أنه يحثك أن تكون لك الثقة ليس في صداقه القديسين ولكن في الصداقة التي تحصل عليها بالمال. الآن – يا أحبائي – وقد علمتم كل هذه الأشياء ليتنا ننتبه لأنفسنا بكل تدقيق. فلو حلّ بنا عقاب فلنشكر، ولو عشنا في رخاء ورغد فلنحذر متذكرين في نفوسنا ما حلّ بالآخرين من عقاب، شاكرين دومًا مع التوبة والندم والاعتراف باستمرار، لو كنا قد تعدِّينا وخالفنا كل شيء في هذه الحياة الحالية، فلنطرح الإثم عنا ولنقهر الشيطان من حياتنا بكل حماسة، ولنطلب من الله أن يجعلنا مستحقين إذا ما تركنا هذه الحياة أن نذهب ليس حيث الرجل الغني ولكن حيث لعازر، فنتمتع بحضن أبو الآباء ونسعد بالأمجاد الأبدية. ليتنا جميعا نبلغ ذلك، بنعمة ومحبة ربنا يسوع المسيح له المجد مع الأب والروح القدس الآن وإلى دهر الداهرين آمين. |
||||
13 - 03 - 2024, 01:19 PM | رقم المشاركة : ( 154110 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الرياء والخوف والاهتمام بالماديات (1) الرياء (ع1 -3): 1 وَفِي أَثْنَاءِ ذلِكَ، إِذِ اجْتَمَعَ رَبَوَاتُ الشَّعْبِ، حَتَّى كَانَ بَعْضُهُمْ يَدُوسُ بَعْضًا، ابْتَدَأَ يَقُولُ لِتَلاَمِيذِهِ: «أَوَّلًا تَحَرَّزُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَمِيرِ الْفَرِّيسِيِّينَ الَّذِي هُوَ الرِّيَاءُ، 2 فَلَيْسَ مَكْتُومٌ لَنْ يُسْتَعْلَنَ، وَلاَ خَفِيٌّ لَنْ يُعْرَفَ. 3 لِذلِكَ كُلُّ مَا قُلْتُمُوهُ فِي الظُّلْمَةِ يُسْمَعُ فِي النُّورِ، وَمَا كَلَّمْتُمْ بِهِ الأُذْنَ فِي الْمَخَادِعِ يُنَادَى بِهِ عَلَى السُّطُوحِ. ع1: ذكرت في (مت16: 6-12). وجه المسيح كلامه السابق للكتبة والفريسيين، أما الآن فإلى تلاميذه، فهذا التحذير الآتي لهم خاصة وللمؤمنين عمومًا، وهو الاحتراس من خطية الرياء ومثالها الواضح هو الفريسيون الذين يمثلون القيادة الدينية لليهود، فقد اهتموا بمظهر القداسة ولكن داخلهم مملوء شرًا بدليل رفضهم الإيمان بالمسيح، بل محاولة اصطياد أخطاء عليه لأن كبرياءهم أبى أن تتركهم الجموع وتتبع المسيح. وشبه الرياء بالخميرة، لأن الخميرة تعطى حجمًا كبيرًا لقطعة العجين الصغيرة ولكن الداخل هو فقاعات هوائية، وتعمل الخميرة في الداخل بعيدًا عن الأعين، كما يسرى الشر داخل القلب ويظهر الإنسان بمظهر قداسة كبير يختلف تمامًا عما في داخله. ع2: ذكرت أيضًا في (مت10: 26). كل ما يفعله الإنسان من شرور في هذه الحياة، سيعلن في يوم الدينونة، بالإضافة إلى فضح كثير من خطاياه مع مرور الزمن أثناء حياته، وبالتالي لا داعى للرياء الذي سينفضح ويظهر خزى صاحبه. ع3: ذكرت في (مت10: 27). ما يفعله الفريسيون سرًا، سينفضِح أمام نور المسيح العارف بما في قلوبهم، وبالإنجيل الذي يكشف بشاعة خطية الرياء. السطوح المقصود به سمو بشارة الروح القدس على فم الرسل والمبشرين، الذين سيفضحون الخطايا ومنها الرياء. ويقصد أيضًا أن تعاليم التلاميذ التي تقال في الخفاء مع أعداد قليلة بسبب الاضطهاد، ستنتشر تدريجيًا ويأتى وقت السلام وتُعلن جهارًا في النور ومن على الأماكن العالية مثل السطوح ويسمعها الكثيرون ليؤمنوا بها. † إعلم أن كل شر تخفيه في قلبك ستدان عليه، فتب عنه سريعًا وابعد عن الإدانة التي تقولها سرًا، فكل شيء سينفضح وقد يعلم من تدينه بما قلته سرًا عنه، فتسوء علاقتك به، وبدلًا من كلام الشر، إحرص أن تتكلم عن المحبة والخير ولو مع شخص واحد، فستنتشر هذه المحبة تدريجيًا وتعلن للكل، ويروها في حياتك وحياة من كلمتهم عنها. ← ذكرت هذا الحديث في (مت10: 28- 33). 4 وَلكِنْ أَقُولُ لَكُمْ يَا أَحِبَّائِي: لاَ تَخَافُوا مِنَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الْجَسَدَ، وَبَعْدَ ذلِكَ لَيْسَ لَهُمْ مَا يَفْعَلُونَ أَكْثَرَ. 5 بَلْ أُرِيكُمْ مِمَّنْ تَخَافُونَ: خَافُوا مِنَ الَّذِي بَعْدَمَا يَقْتُلُ، لَهُ سُلْطَانٌ أَنْ يُلْقِيَ فِي جَهَنَّمَ. نَعَمْ، أَقُولُ لَكُمْ: مِنْ هذَا خَافُوا! 6 أَلَيْسَتْ خَمْسَةُ عَصَافِيرَ تُبَاعُ بِفَلْسَيْنِ، وَوَاحِدٌ مِنْهَا لَيْسَ مَنْسِيًّا أَمَامَ اللهِ؟ 7 بَلْ شُعُورُ رُؤُوسِكُمْ أَيْضًا جَمِيعُهَا مُحْصَاةٌ. فَلاَ تَخَافُوا! أَنْتُمْ أَفْضَلُ مِنْ عَصَافِيرَ كَثِيرَةٍ! 8 وَأَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَنِ اعْتَرَفَ بِي قُدَّامَ النَّاسِ، يَعْتَرِفُ بِهِ ابْنُ الإِنْسَانِ قُدَّامَ مَلاَئِكَةِ اللهِ. 9 وَمَنْ أَنْكَرَنِي قُدَّامَ النَّاسِ، يُنْكَرُ قُدَّامَ مَلاَئِكَةِ اللهِ. 10 وَكُلُّ مَنْ قَالَ كَلِمَةً عَلَى ابْنِ الإِنْسَانِ يُغْفَرُ لَهُ، وَأَمَّا مَنْ جَدَّفَ عَلَى الرُّوحِ الْقُدُسِ فَلاَ يُغْفَرُ لَهُ. 11 وَمَتَى قَدَّمُوكُمْ إِلَى الْمَجَامِعِ وَالرُّؤَسَاءِ وَالسَّلاَطِينِ فَلاَ تَهْتَمُّوا كَيْفَ أَوْ بِمَا تَحْتَجُّونَ أَوْ بِمَا تَقُولُونَ، 12 لأَنَّ الرُّوحَ الْقُدُسَ يُعَلِّمُكُمْ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ مَا يَجِبُ أَنْ تَقُولُوهُ». ع4-5: يا أحبائى هذه هي أول مرة يظهر المسيح هذا التعبير نحو تابعيه، فهو يعلن أنهم خاصته المحبوبون الذين يميزهم عن باقي العالم الشرير ويحفظهم منه. يعالج المسيح مشكلة الخوف، محتقرًا كل عنف واضطهاد البشر لأولاده، إذ أن حدود اضطهادهم هو الإساءة للجسد، ولكنهم لا يستطيعون أن يضروا الروح، بل على العكس تتمسك بالله وتنمو في معرفته. لكن من يستحق أن تخافه هو الله الذي له سلطان على الروح والجسد، فإذا خافته النفس تخلص من العذاب الأبدي ولا تعود تخاف من الناس لأن الله يحفظها من المخاطر، ولا تحدث لها تجربة إلا بإذنه. ع6: كان العصفوران يُباعان بفلس، وهو أقل عملة مستخدمة، وإذا اشترى الإنسان أربعة عصافير بفلسين، يعطى له عصفور خامس هدية، فتصير الخمسة عصافير بفلسين وهذا العصفور الذي بلا ثمن، أي الهدية، لا ينساه الله، بل يعتنى به ويعطيه طعامه. والعصافير الخمسة تشير إلى الحواس الخمسة، وهي تبحث عن طعامها في الأرض فتسقط على شباك الصياد، ولكن حينما ترتفع إلى السماء تأكل ثمار الأشجار، أي إذا انحدرت الحواس إلى الأرضيات يصطادها الشيطان، وإن أرتفعت إلى السماء تقتنى الثمار الروحية. ع7: يؤكد المسيح عنايته بنا مهما كنا ضعفاء أو مرذولين وبلا قيمة في نظر الناس مثل هذا العصفور، بل وأيضًا يعتنى بأدق تفاصيل حياتنا، فيُحصى شعور رؤوسنا أي يعرف عددها، ويعلم تفاصيل كل شعرة فيها. وبالتالي لا مجال للخوف أو القلق، ما دام إلهنا يحبنا ويعتنى بنا إلى هذه الدرجة. ع8-9: يظهر المسيح أهمية إعلان الإيمان وليس الاقتناع به قلبيًا فقط، ومكافأته هو التمتع بالأبدية، لأن من يشهد للمسيح في الأرض يشهد له هو في السماء، فيعطيه مكانًا في الأبدية. والعكس صحيح، فمن ينكره على الأرض ينكره أيضًا المسيح في السماء، أي يرفضه ويذهب للعذاب الأبدي. † الاعتراف بالمسيح، ليس فقط بإعلان مسيحيتك، بل بإظهار الحق ومساندة المظلوم والسلوك المسيحي في التمسك بوصايا الله واحتمال الآلام لأجل ذلك. ع10: جدف على الروح القدس إذا أنكر إنسان المسيح يمكن أن يتوب ويغفر له، ولكن من جدف على الروح القدس أي رفض عمله فيه، الذي يدعوه للتوبة، واستمر مصرًا على الخطية طوال حياته، فلن يغفر له، لأن من ينكر المسيح يمكن أن يستجيب بعد ذلك لعمل الروح القدس فيه فيتوب ويستعيد إيمانه، أما من يرفض التوبة فلا خلاص له. وهنا تظهر أهمية سر التوبة والاعتراف الذي هو الطريق الوحيد للخلاص. ع11-12: يدعونا المسيح ألا نخاف ممن يضطهدنا مهما كان عنفه أو ضعفنا، لأن الروح القدس يعمل فينا ويعلمنا ما نقوله أمام هذه المواجهات، كما حدث في محاكمة الشهداء، وكيف أفحموا الولاة الذين حاكموهم مهما كان ضعف تعليمهم أو ذكائهم أو شخصياتهم. † لا تضطرب من أي مواجهة في حياتك، بل التجئ إلى الصلاة واثقًا من قوة الله التي فيك. 13 وَقَالَ لَهُ وَاحِدٌ مِنَ الْجَمْعِ: «يَا مُعَلِّمُ، قُلْ لأَخِي أَنْ يُقَاسِمَنِي الْمِيرَاثَ». 14 فَقَالَ لَهُ: «يَا إِنْسَانُ، مَنْ أَقَامَنِي عَلَيْكُمَا قَاضِيًا أَوْ مُقَسِّمًا؟» 15 وَقَالَ لَهُمُ: «انْظُرُوا وَتَحَفَّظُوا مِنَ الطَّمَعِ، فَإِنَّهُ مَتَى كَانَ لأَحَدٍ كَثِيرٌ فَلَيْسَتْ حَيَاتُهُ مِنْ أَمْوَالِهِ». 16 وَضَرَبَ لَهُمْ مَثَلًا قَائِلًا: «إِنْسَانٌ غَنِيٌّ أَخْصَبَتْ كُورَتُهُ، 17 فَفَكَّرَ فِي نَفْسِهِ قَائِلًا: مَاذَا أَعْمَلُ، لأَنْ لَيْسَ لِي مَوْضِعٌ أَجْمَعُ فِيهِ أَثْمَارِي؟ 18 وَقَالَ: أَعْمَلُ هذَا: أَهْدِمُ مَخَازِنِي وَأَبْنِي أَعْظَمَ، وَأَجْمَعُ هُنَاكَ جَمِيعَ غَلاَتِي وَخَيْرَاتِي، 19 وَأَقُولُ لِنَفْسِي: يَا نَفْسُ لَكِ خَيْرَاتٌ كَثِيرَةٌ، مَوْضُوعَةٌ لِسِنِينَ كَثِيرَةٍ. اِسْتَرِيحِي وَكُلِي وَاشْرَبِي وَافْرَحِي! 20 فَقَالَ لَهُ اللهُ: يَا غَبِيُّ! هذِهِ اللَّيْلَةَ تُطْلَبُ نَفْسُكَ مِنْكَ، فَهذِهِ الَّتِي أَعْدَدْتَهَا لِمَنْ تَكُونُ؟ 21 هكَذَا الَّذِي يَكْنِزُ لِنَفْسِهِ وَلَيْسَ هُوَ غَنِيًّا للهِ». ع13: كثيرًا ما يحدث خلاف على الميراث بين الإخوة، وكان المعتاد سؤال المعلمين للفصل في هذه القضايا، ويبدو أن أحدهم كان طماعًا، يريد أن يأخذ نصيبًا أكثر مما يستحقه من الميراث. ع14: رفض المسيح أن يكون قاضيًا ومقسمًا للميراث، لأن هدفه روحي وهو خلاص النفس وليس المُلك الأرضى. وكانوا بهذا أيضًا يحاولون اصطياد خطأ عليه، وهو أنه أقام نفسه قاضيًا مدنيًا دون إذن من السلطة المدنية أو الدينية. ع15: حياته أي سعادته على الأرض، فهي هبة من الله لأولاده. ثم واجه المسيح المشكلة الحقيقية في النزاع بين البشر، وهو الطمع في الماديات، وأعلن حقيقة واضحة أن الحياة السعيدة ليست بالمال، بل بالوجود مع الله، فلماذا محبة المال؟ ع16-17: ضرب لهم المسيح مثلًا، أن إنسانًا غنيًا له حقول كثيرة، وفي أحد السنين كان محصول أرضه عظيمًا أكثر من باقي السنين الماضية، وبالتالي لا تسعها مخازنه. لم يفكر في توزيع هذا الخير على المحتاجين، بل انشغل بكيفية إيجاد مخازن كثيرة تسع كل هذا الخير ليستخدمه لنفسه فقط. ع18-19: غلاتى وخيراتى نسب الخير لنفسه ولم يشكر الله. موضوعة لسنين كثيرة نسى هذا الغنى أنه لا يعرف متى ينتهى عمره، وظن أن أمامه سنين كثيرة، فلم يستعد لأبديته بعمل الخير. كلى واشربى وافرحى ظن أن الفرح هو بكثرة الأكل والشرب وليس بالله، كأنه حيوان يهمه الطعام فقط، وليس إنسان فيه روح تشبع وتفرح بالله. فكر هذا الغنى في حل مشكلته بأن يهدم مخازنه ويبنى مخازن أكبر تتسع لثمار محاصيله الكثيرة، وشعر بالطمأنينة والفرح، وحدث نفسه أن تتمتع إذ لها الأمان في كثرة المخزون عنده من ثمار تكفيه سنينًا كثيرة مقبلة من عمره. ع20-21: تطلب نفسك منك تموت وتنفصل روحك وتقف أمام الديان العادل لتحاسب على إنشغالها بالماديات عن الله. لمن تكون لن يكون لك سلطان على كل هذه الخيرات التي اقتنيتها، بل توزع على آخرين، أي الذين يرثونك، وقد يكون بعضهم ممن لا تريد أن تعطيهم، فلن تأخذ شيئًا منها وستعطى لآخرين. يكنز لنفسه فهو أنانى يجمع خيرات الأرض لنفسه، وليس ليتصدق بها على المحتاجين مع أنه غنى ويفيض عنه الكثير. ليس هو غنيًا لله لم يهتم بمحبته لله وعبادته، وكذلك لم يهتم بالإحسان على المحتاجين، ليكنز له كنزا في السماء. في اليوم الذي فكر فيه الغنى بهذه الأفكار، حدثه الله منذرًا إياه أنه سيموت في هذه الليلة ولن يستفيد من كل هذه الخيرات المادية. فكل من يعتمد على الماديات دون الله هو غبى جاهل، لا يعرف كيف يعيش، لأن الحياة هي في الله الذي يدوم معه إلى الأبد. † إسأل نفسك في نهاية كل يوم، كم انشغلت بمحبة المال، وكم من الوقت انشغلت بمحبة الله؟ ذكر هذا الحديث أيضًا في (مت6: 25- 33). 22 وَقَالَ لِتَلاَمِيذِهِ: «مِنْ أَجْلِ هذَا أَقُولُ لَكُمْ: لاَ تَهْتَمُّوا لِحَيَاتِكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ، وَلاَ لِلْجَسَدِ بِمَا تَلْبَسُونَ. 23 اَلْحَيَاةُ أَفْضَلُ مِنَ الطَّعَامِ، وَالْجَسَدُ أَفْضَلُ مِنَ اللِّبَاسِ. 24 تَأَمَّلُوا الْغِرْبَانَ: أَنَّهَا لاَ تَزْرَعُ وَلاَ تَحْصُدُ، وَلَيْسَ لَهَا مَخْدَعٌ وَلاَ مَخْزَنٌ، وَاللهُ يُقِيتُهَا. كَمْ أَنْتُمْ بِالْحَرِيِّ أَفْضَلُ مِنَ الطُّيُورِ! 25 وَمَنْ مِنْكُمْ إِذَا اهْتَمَّ يَقْدِرُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى قَامَتِهِ ذِرَاعًا وَاحِدَةً؟ 26 فَإِنْ كُنْتُمْ لاَ تَقْدِرُونَ وَلاَ عَلَى الأَصْغَرِ، فَلِمَاذَا تَهْتَمُّونَ بِالْبَوَاقِي؟ 27 تَأَمَّلُوا الزَّنَابِقَ كَيْفَ تَنْمُو: لاَ تَتْعَبُ وَلاَ تَغْزِلُ، وَلكِنْ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ وَلاَ سُلَيْمَانُ فِي كُلِّ مَجْدِهِ كَانَ يَلْبَسُ كَوَاحِدَةٍ مِنْهَا. 28 فَإِنْ كَانَ الْعُشْبُ الَّذِي يُوجَدُ الْيَوْمَ فِي الْحَقْلِ وَيُطْرَحُ غَدًا فِي التَّنُّورِ يُلْبِسُهُ اللهُ هكَذَا، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ يُلْبِسُكُمْ أَنْتُمْ يَا قَلِيلِي الإِيمَانِ؟ 29 فَلاَ تَطْلُبُوا أَنْتُمْ مَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَشْرَبُونَ وَلاَ تَقْلَقُوا، 30 فَإِنَّ هذِهِ كُلَّهَا تَطْلُبُهَا أُمَمُ الْعَالَمِ. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَأَبُوكُمْ يَعْلَمُ أَنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَى هذِهِ. 31 بَلِ اطْلُبُوا مَلَكُوتَ اللهِ، وَهذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ. ع22-23: من أجل هذا: ما بينه في مثل الغني الغبي من بطلان الماديات. يواجه المسيح مشكلة كل البشر، وهي التعلق والانشغال بالماديات، فيدعوهم إلى عدم الاهتمام بالطعام واللباس، موجها النظر إلى الغرض من كل هذه الوسائل وهو الحياة التي ينبغي أن نتمتع بها مع الله. † حقا ما أغرب أن ينشغل الإنسان بالوسيلة عن الهدف، فيخسر الهدف. في بداية كل يوم، تذكر هدفك، وهو محبة الله، واترك عنك هموم العالم والمناقشات غير المفيدة. ع24: يعطى المسيح مثالًا واضحًا في عدم الإهتمام بالطعام، وهو الطيور التي اختار منها الغربان. فرغم أنها طيور غير محبوبة، كما أنها لا تهتم بتدبير طعامها، فلا تزرع ولا تحصد ولا تجمع ولا تهتم بإعداد مساكن تقيم فيها، لكن الله يقوتها من بواقى المزروعات المنتشرة في العالم. فإن كان الله يهتم بالطيور، فكم بالأحرى الإنسان رأس الخليقة كلها؟! ع25-26: الأصغر زيادة طول أحدكم نحو 50 سم، فهو شيء ضئيل بالقياس بخلقة الإنسان كله الذي عمله الله. البواقى احتياجات الإنسان من الطعام اللباس. ثم يقدم دليلًا منطقيًا على عدم الإهتمام بالطعام، وهو أنه مهما كان اهتمام الإنسان، لا يستطيع أن يضيف إلى طوله ذراعًا واحدًا (أي حوالي نصف متر). فإن كان لا يقدر أن يزيد طوله، فهو أيضًا لا يستطيع أن يحافظ على جسده، بل الله هو الذي يحفظه له ويدبر احتياجاته المادية. فالإنسان عاجز عن أقل شيء، لذا يلزمه أن يتكل على الله الذي خلقه، ويدبر له كل احتياجاته. ع27-28: تتعب وتغزل تهتم بصنع مظهرها وملابسها. قليلى الإيمان دعوة لنا لنؤمن بأبوة الله وبتدبيره لحياتنا، فلا نقلق وننشغل باحتياجاتنا المادية. يعطى المسيح لنا مثالًا لعدم الاهتمام بالملبس، وهو الأزهار بألوانها وأشكالها الجميلة، والتي يحاول الإنسان تقليدها فيجعل ملابسه مثل ألوانها وأشكالها، ولكن الأصل وهو الأزهار الطبيعية شكلها أفضل، فسليمان الملك في كل مجده بملابسه الفاخرة لم يصل جماله إلى جمال هذه الأزهار، أي الزنابق. وهذه الزنابق هي أعشاب أي نباتات تنمو في الحقل لبضعة شهور، ثم تجف وتُلقى في التنور (الفرن) فإن كان الله يهتم بها ويعطيها هذا الشكل الجميل، ألا يهتم بملابسنا وشكلنا إن آمنا به واتكلنا عليه؟ ع29-31: أبوكم يعلن الله كأب يهتم بأولاده ويعرف كل احتياجاتهم. تُزاد لأن الله يعطينا الحياة معه وهي الأهم، ثم يزيد عليها احتياجات الجسد. يعطى هنا الخلاصة، وهي عدم القلق لأجل الطعام واللباس، فالعالم كله يجرى ورائها، أما نحن، أبناء الله، فنثق في إلهنا الذي يدبر لنا احتياجاتنا، لنطلب ما هو أهم، أي ملك الله على قلوبنا، وكل الاحتياجات المادية هي شيء صغير يسميه الباقى، وهو مضمون من يد الله المهتم بنا. † تذكر عناية الله بك وبكل الخليقة المحيطة، حتى لا تقلق على شيء. 32 «لاَ تَخَفْ، أَيُّهَا الْقَطِيعُ الصَّغِيرُ، لأَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ سُرَّ أَنْ يُعْطِيَكُمُ الْمَلَكُوتَ. 33 بِيعُوا مَا لَكُمْ وَأَعْطُوا صَدَقَةً. اِعْمَلُوا لَكُمْ أَكْيَاسًا لاَ تَفْنَى وَكَنْزًا لاَ يَنْفَدُ فِي السَّمَاوَاتِ، حَيْثُ لاَ يَقْرَبُ سَارِقٌ وَلاَ يُبْلِي سُوسٌ، 34 لأَنَّهُ حَيْثُ يَكُونُ كَنْزُكُمْ هُنَاكَ يَكُونُ قَلْبُكُمْ أَيْضًا. 35 «لِتَكُنْ أَحْقَاؤُكُمْ مُمَنْطَقَةً وَسُرُجُكُمْ مُوقَدَةً، 36 وَأَنْتُمْ مِثْلُ أُنَاسٍ يَنْتَظِرُونَ سَيِّدَهُمْ مَتَى يَرْجعُ مِنَ الْعُرْسِ، حَتَّى إِذَا جَاءَ وَقَرَعَ يَفْتَحُونَ لَهُ لِلْوَقْتِ. 37 طُوبَى لأُولَئِكَ الْعَبِيدِ الَّذِينَ إِذَا جَاءَ سَيِّدُهُمْ يَجِدُهُمْ سَاهِرِينَ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يَتَمَنْطَقُ وَيُتْكِئُهُمْ وَيَتَقَدَّمُ وَيَخْدُمُهُمْ. 38 وَإِنْ أَتَى فِي الْهَزِيعِ الثَّانِي أَوْ أَتَى فِي الْهَزِيعِ الثَّالِثِ وَوَجَدَهُمْ هكَذَا، فَطُوبَى لأُولَئِكَ الْعَبِيدِ. 39 وَإِنَّمَا اعْلَمُوا هذَا: أَنَّهُ لَوْ عَرَفَ رَبُّ الْبَيْتِ فِي أَيَّةِ سَاعَةٍ يَأْتِي السَّارِقُ لَسَهِرَ، وَلَمْ يَدَعْ بَيْتَهُ يُنْقَبُ. 40 فَكُونُوا أَنْتُمْ إِذًا مُسْتَعِدِّينَ، لأَنَّهُ فِي سَاعَةٍ لاَ تَظُنُّونَ يَأْتِي ابْنُ الإِنْسَانِ». 41 فَقَالَ لَهُ بُطْرُسُ: «يَا رَبُّ، أَلَنَا تَقُولُ هذَا الْمَثَلَ أَمْ لِلْجَمِيعِ أَيْضًا؟» 42 فَقَالَ الرَّبُّ: «فَمَنْ هُوَ الْوَكِيلُ الأَمِينُ الْحَكِيمُ الَّذِي يُقِيمُهُ سَيِّدُهُ عَلَى خَدَمِهِ لِيُعْطِيَهُمُ الْعُلُوفَةَ فِي حِينِهَا؟ 43 طُوبَى لِذلِكَ الْعَبْدِ الَّذِي إِذَا جَاءَ سَيِّدُهُ يَجِدُهُ يَفْعَلُ هكَذَا! 44 بِالْحَقِّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يُقِيمُهُ عَلَى جَمِيعِ أَمْوَالِهِ. 45 وَلكِنْ إِنْ قَالَ ذلِكَ الْعَبْدُ فِي قَلْبِهِ: سَيِّدِي يُبْطِئُ قُدُومَهُ، فَيَبْتَدِئُ يَضْرِبُ الْغِلْمَانَ وَالْجَوَارِيَ، وَيَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَيَسْكَرُ. 46 يَأْتِي سَيِّدُ ذلِكَ الْعَبْدِ فِي يَوْمٍ لاَ يَنْتَظِرُهُ وَفِي سَاعَةٍ لاَ يَعْرِفُهَا، فَيَقْطَعُهُ وَيَجْعَلُ نَصِيبَهُ مَعَ الْخَائِنِينَ. 47 وَأَمَّا ذلِكَ الْعَبْدُ الَّذِي يَعْلَمُ إِرَادَةَ سَيِّدِهِ وَلاَ يَسْتَعِدُّ وَلاَ يَفْعَلُ بحَسَبِ إِرَادَتِهِ، فَيُضْرَبُ كَثِيرًا. 48 وَلكِنَّ الَّذِي لاَ يَعْلَمُ، وَيَفْعَلُ مَا يَسْتَحِقُّ ضَرَبَاتٍ، يُضْرَبُ قَلِيلًا. فَكُلُّ مَنْ أُعْطِيَ كَثِيرًا يُطْلَبُ مِنْهُ كَثِيرٌ، وَمَنْ يُودِعُونَهُ كَثِيرًا يُطَالِبُونَهُ بِأَكْثَرَ. ع32: يدعو المسيح أولاده المؤمنين به القطيع الصغير، لأن المؤمنين السالكين بحسب وصاياه أقلية، ليس فقط في وقت وجوده على الأرض بل وحتى الآن. إذ أن الإنسان ينجذب إلى الشر بسهولة. ولكن يطمئنهم أنه أبوهم وأنهم متميزون عن العالم كله، بأن الله أعد لهم الملكوت ويفرح أن يسكنهم فيه. † تأمل أبوة الله، فهو يفرح أن يهبك الملكوت، ليطمئن قلبك وسط ضيقات الحياة، ويدفعك هذا للتمسك بوصاياه في جهاد مستمر لتتمتع بكل ما أعده لك. ع33-34: بيعوا تخلصوا من التعلق بالماديات.... أي بيعوها من قلوبكم. مالكم كل ما تملكون من ماديات. أكياسًا لا تبلى يشبه الكنز السماوي بكيس لا يتلف إلى الأبد، يوضع فيه ليس الفضة والذهب بل أعمال الرحمة. كنزًا لا ينفذ طبيعة أموال العالم أنها معرضة للنقص والانتهاء، أما الكنز السماوي فيبقى إلى الأبد. يوجه المسيح نظر أولاده لكيفية الاستعداد للملكوت، وذلك بعمل الصدقة لكل محتاج، فيتنازل الإنسان عن كل ماله من مال وصحة وقدرات مختلفة ويعطيها بحب للآخرين. وبهذا يحول كنوزه المادية المعرضة للسرقة والفساد بفعل الزمن أو الحشرات، ويرسل هذه الكنوز إلى السماء بعمل الرحمة. وبعمل الرحمة يصير الكنز في السماء، فيتعلق القلب أكثر بها، فيزداد في الصلوات وعمل الخير. ع35: يدعونا المسيح أيضًا إلى منطقة الأحقاء، والمنطقة هي حزام جلدى يُربط على وسط الإنسان فيكون مستعدًا للعمل، وهذا الحزام مصنوع من جلود الحيوانات الميتة، فيرمز لموت الجسد عن التعلقات المادية بالصوم والتجرد وضبط الشهوات. ويستكمل الاستعداد بإيقاد السُرج. والسراج هو النور الذي في الإنسان، أي النفس عندما تستنير بمحبة الله والعبادة الروحية واقتناء الفضائل. ع36-37: يتمنطق: السيد هو المسيح، الذي لبس جسدنا، وتمنطق به لكي يحمل فيه كل خطايانا وأتعابنا ويفدينا على الصليب. يتكئهم: أعطى المسيح راحة لأولاده في بشارته على الأرض بشفاء المرضى وإخراج الشياطين وإشباع الجموع، كل هذا رمز للراحة التي يهبها لهم في الملكوت، والكرامة العظيمة بجلوسهم في مجد سماوي، وخادمهم المسيح بدمه الفادي. يقوم فيخدمهم حين رفع على الصليب وسفك دمه فداء للبشرية. ويظل يخدمهم في الملكوت ببركاته التي لا تنتهي. يدعونا المسيح إلى أمر رابع في الاستعداد للملكوت، وهو السهر الروحي، من خلال مثل مجموعة من العبيد ينتظرون رجوع سيدهم من العرس، ويطوبهم إن كانوا ساهرين. وهؤلاء العبيد يرمزون لقدرات ومواهب الإنسان، التي تنتظر المسيح الآتي في مجيئه الثاني من السماء، حيث عرسه مع ملائكته في فرح وتهليل دائم. فإن كان العبيد ساهرين دائمًا، يسرعون بملاقاة سيدهم متى قرع الباب، أي ناداهم لإنهاء حياتهم على الأرض والوجود معه في السماء. والسهر الروحي هو ارتباط الإنسان بالعبادة الروحية والتوبة والابتعاد عن مصادر الخطية، أي الاهتمام الدائم بخلاص النفس. ويقدم السيد محبة فوق إدراك العقل، إذ يتشدد بمنطقة ويقوم فيخدم عبيده بنفسه، وهذا يرمز إلى محبة المسيح الفادي الذي يكرم أولاده المؤمنين في الملكوت، ويفرحهم باسحقاقات دمه المسفوك على الصليب، الذي بذله لأجله فيمجدهم معه إلى الأبد. ع38: يشرح المسيح أهمية السهر في المثل السابق، بأن السيد إن أتى في الهزيع الثاني أو الثالث من الليل، أي الربع الثاني أو الثالث منه، يجدهم ساهرين فيطوبهم. ويرمز الهزيع الأول للطفولة، أما الثاني فللرجولة، والثالث للشيخوخة. ففى أي وقت يطلب الله نفس الإنسان، يجده مستعدًا. ولم يذكر الهزيع الأول، لأن الطفل ناقص في إدراكه وتحمله لمسئولية الخطية، فيحاسب فقط الرجل أو الشيخ. وأيضًا ليس من المعتاد رجوع أحد من العرس في الهزيع الأول، وهو من بداية الليل في السادسة مساءً إلى التاسعة ليلًا. والهزيع الثاني هو التاسعة ليلًا إلى الثانية عشر، أي منتصف الليل، والهزيع الثالث من الثانية عشر إلى الثالثة صباحًا، وليس من المعتاد أيضًا قديمًا الرجوع في الهزيع الرابع الذي يصل إلى السادسة صباحًا أي الفجر. ع39-40: ذكر هذا المثل في (مت24: 42-44) ينقب أي يحفر ويكسر في جدران البيت ليدخل السارق من هذه الثغرة ويسرق ما يريد. يؤكد أهمية السهر بمثل آخر، وهو حراسة البيت من اللصوص، فحيث أن رب البيت لا يعلم أية ساعة يأتي السارق، فيلزم أن يسهر دائمًا حتى لا يُسرق بيته. † من كل ما سبق، ينبغي علينا السهر الروحي لئلا يطلب الله حياتنا في أي وقت، أو يأتي في مجيئه الثاني. واليقظة الروحية تعني التوبة المستمرة والبعد عن مصادر الخطية، والاهتمام بأعمال الخير والخدمة. ع41: بعد ما سمع بطرس كلام المسيح عن الاستعداد للملكوت، سأل عن المقصود بالعبيد، أهم تلاميذ المسيح أم كل الجموع؟ ع42: ذكر هذا المثل في (مت24: 45-51) رد المسيح على سؤال بطرس بسؤال آخر، سيجيب عليه بنفسه، وهو من هو الوكيل الأمين الحكيم، الذي يقيمه سيده على عبيده. والعبيد أو الخدم هم حواس الإنسان وقدراته، فهو وكيل عليها ليرعاها ويستخدمها حسنًا. والعبيد أيضًا يرمزون للأبناء، والوالدين وكلاء من الله لرعايتهم والإهتمام باحتياجاتهم. كذلك خدام الكنيسة هم مسئولون عن رعاية من يخدمونهم أطفال أو كبار. إذا إجابة المسيح على سؤال بطرس، أن الاستعداد للملكوت موجه لكل الشعب وليس فقط الرسل، فكل إنسان لديه مسئوليات، هو وكيل عليها ويلزم أن يقدم حساب وكالته لله. ع43-44: يطوب المسيح الوكيل الأمين، لأنه فهم أن سلطانه مأخوذ من الله وهو مجرد وكيل فكان أمينًا في تفاصيل حياته. ومكافأة هذا الوكيل هو أن يقيمه السيد على جميع أمواله، أي يعطيه المُلك الأبدي. ع45-46: سيدى يبطئ قدومه: يهمل الاستعداد للملكوت، متناسيًا أن الله يمكن أن يطلبه في أي لحظة وينهى حياته. يضرب الجوارى والغلمان: يكون قاسيًا على من يخدمهم، فلا يتعاطف مع المحتاجين أو الخطاة وبقسوته يبعدهم عن الملكوت. يأكل ويشرب ويسكر ليس فقط يأكل ويشرب ما يحتاجه جسده، بل ينهمك في الشرب حتى السكر أي ينغمس في الاهتمامات المادية. في يوم لا يتوقعه وساعة لا يعرفها الموت يأتي فجأة للإنسان، في وقت لا يتوقعه غير المستعد للملكوت. يقطعه ينهى حياته. نصيبه مكافأة حياته. الخائنين كل وكيل غير أمين هو خائن لسيده، ويعنى بهم الأشرار الذين يلقيهم في العذاب الأبدي، ويقصد أيضًا بالخائنين الشياطين الذين عصوا الله. أما إن كان الوكيل غير أمين في العناية بمن هو مسئول عنهم، سواء حواسه أو أبنائه أو من يخدمهم في الكنيسة، وذلك لإنهماكه في شهواته، فلا ينتظر هذا العبد إلا مفاجأة سيده له بأن ينهى حياته، ويلقيه مع الأشرار الخائنين في العذاب الأبدي. ويُفهم مما سبق أهمية السهر الروحي بالأمانة في كل إمكانياتنا التي وهبها الله لنا. ع47-48: يوضح المسيح درجات في العقاب والعذاب الأبدي، فمن تمتع بنعمة العهد الجديد وعرف محبة المسيح الفادي، ثم خالف وصاياه، سيعاقب في الأبدية أكثر من الذي أخطأ نفس الأخطاء ولكنه لم يعرف المسيح. فمن يعرف أكثر عن الله ويصر على الخطية، يكون عقابه شديدًا أما من يعرف قليلًا عن الله أو لا يعلم وصايا الله فضميره هو صوت الله له، فيعاقب ولكن أقل من السابق. † إن كنت قد عرفت طريق المسيح والكنيسة، فتمتع به لئلا إذا أهملته سيكون عقابك مخيفًا. 49 «جِئْتُ لأُلْقِيَ نَارًا عَلَى الأَرْضِ، فَمَاذَا أُرِيدُ لَوِ اضْطَرَمَتْ؟ 50 وَلِي صِبْغَةٌ أَصْطَبِغُهَا، وَكَيْفَ أَنْحَصِرُ حَتَّى تُكْمَلَ؟ 51 أَتَظُنُّونَ أَنِّي جِئْتُ لأُعْطِيَ سَلاَمًا عَلَى الأَرْضِ؟ كَلاَّ، أَقُولُ لَكُمْ: بَلِ انْقِسَامًا. 52 لأَنَّهُ يَكُونُ مِنَ الآنَ خَمْسَةٌ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ مُنْقَسِمِينَ: ثَلاَثَةٌ عَلَى اثْنَيْنِ، وَاثْنَانِ عَلَى ثَلاَثَةٍ. 53 يَنْقَسِمُ الأَبُ عَلَى الابْنِ، وَالابْنُ عَلَى الأَبِ، وَالأُمُّ عَلَى الْبِنْتِ، وَالْبِنْتُ عَلَى الأُمِّ، وَالْحَمَاةُ عَلَى كَنَّتِهَا، وَالْكَنَّةُ عَلَى حَمَاتِهَا». ع49: نارًا لهيب علم الروح القدس في أولاده، والتي في نفس الوقت تُظْهِر شر الأشرار فيقومون على أولاده ويضطهدونهم، فالنار ترمز أيضًا إلى الاضطهادات. اضطرمت اشتعلت، ويقصد زيادة عمل الروح القدس، فيجذب قلوب الكثيرين الذين يضحون بكل شيء لأجله، إذ هو أول من أحتمل هذه النيران في جسده بموته على الصليب لفداء أولاده، حتى يتعلموا منه ويحملوا صليبهم وراءه. ع50: الصبغة هي صبغة الألم التي قبلها المسيح منذ تجسده حتى الصليب، ليسير كل أولاده المؤمنين في نفس الطريق، فيحتملوا الآلام من أجل تطبيق وصاياه، ويسعون بالحب نحو الكل، محتملين أتعابًا كثيرة مثل فاديهم حتى تكمل محبتهم له فينطلقوا إلى فردوس النعيم. كيف أنحصر أي لا أستطيع إلا أن أتمم الفداء. تكمل إتمام الفداء. ع51: ذكر هذا الكلام أيضًا في (مت10: 34-36). على مستوى الأسرة، عندما يؤمن بعضها تثور الأفراد الأخرى عليه، ويحتمل المؤمن لأن محبته لله أعظم من محبته للبشر مهما كان قربهم إليه، فيحدث انقسام داخل الأسرة بين المؤمنين وغير المؤمنين سببه شر غير المؤمنين، فلا يكون سلام في العلاقات داخل الأسرة، ولكن يحتفظ المؤمنون بسلامهم الداخلي في المسيح يسوع. ع52-53: الإثنان هما اليهود والأمم، ضد ثلاثة أي المسيحين المؤمنين بالثالوث القدوس. الأب يرمز للشيطان، الذي يقيم نفسه أبًا للعالم ضد ابنه الوثني الذي صار مسيحيًا. الأم هى مجمع اليهود ضد إبنتها أي الكنيسة المكونة من اليهود المتنصرين. الحماة ترمز أيضًا إلى مجمع اليهود، ضد كنتها أي الأمم الذين صاروا مسيحيين. يعطى المسيح مثالًا لأسرة تتكون من خمسة أفراد، فينقسم إثنين على ثلاثة، وبالتفصيل يقوم الأب على إبنه، والأم ضد ابنتها، والحماة ضد كنتها (زوجة إبنها) والعكس صحيح. † هل تتمسك بوصايا الله حتى لو عارضك أهل بيتك؟ وهل تحتمل الألم بفرح من أجل المسيح؟ 54 ثُمَّ قَالَ أَيْضًا لِلْجُمُوعِ: «إِذَا رَأَيْتُمُ السَّحَابَ تَطْلُعُ مِنَ الْمَغَارِبِ فَلِلْوَقْتِ تَقُولُونَ: إِنَّهُ يَأْتِي مَطَرٌ، فَيَكُونُ هكَذَا. 55 وَإِذَا رَأَيْتُمْ رِيحَ الْجَنُوبِ تَهُبُّ تَقُولُونَ: إِنَّهُ سَيَكُونُ حَرٌّ، فَيَكُونُ. 56 يَا مُرَاؤُونَ! تَعْرِفُونَ أَنْ تُمَيِّزُوا وَجْهَ الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، وَأَمَّا هذَا الزَّمَانُ فَكَيْفَ لاَ تُمَيِّزُونَهُ؟ 57 وَلِمَاذَا لاَ تَحْكُمُونَ بِالْحَقِّ مِنْ قِبَلِ نُفُوسِكُمْ؟ 58 حِينَمَا تَذْهَبُ مَعَ خَصْمِكَ إِلَى الْحَاكِمِ، ابْذُلِ الْجَهْدَ وَأَنْتَ فِي الطَّرِيقِ لِتَتَخَلَّصَ مِنْهُ، لِئَلاَّ يَجُرَّكَ إِلَى الْقَاضِي، وَيُسَلِّمَكَ الْقَاضِي إِلَى الْحَاكِمِ، فَيُلْقِيَكَ الْحَاكِمُ فِي السِّجْنِ. 59 أَقُولُ لَكَ: لاَ تَخْرُجُ مِنْ هُنَاكَ حَتَّى تُوفِيَ الْفَلْسَ الأَخِيرَ». ع54-55: اعتمد العالم على الزراعة كحرفة أساسية، والزارع اعتاد أن يميز الظواهر الطبيعية المؤثرة على زراعته، مثل الضباب الذي يمطر على النباتات فتنمو، ورياح الجنوب التي تحمل دفئًا يساعد على النمو. ترمز الأمطار روحيًا إلى النعم السمائية، ورياح الجنوب الحارة إلى عمل الروح القدس، وهذا ما تم بتجسد المسيح وفدائه إذ أفاض على البشرية بالخلاص، ووهبهم الروح القدس المجدد لطبيعتهم. ع56: إن كان الإنسان يفهم تمييز حالة الجو وما ينبئ به، فلماذا لم يفهم اليهود نبوات الأنبياء عن المسيح الذي يرونه أمامهم؟ بالطبع هناك أسباب، وهي كبرياء الإنسان وانغماسه في الماديات الذي يفقده روح التمييز والحكمة. ع57: إمتدادًا لعدم التمييز، لا يُحاسب الإنسان نفسه على خطاياه ليتوب ويرجع إلى الله، أي يرفض الخضوع للحق الإلهي ويتمادى في الخطية مبررًا نفسه. ع58-59: وردت أيضًا في العظة على الجبل (مت5: 25). يقدم مثالًا عمليًا وهو حدوث نزاع مع خصم، فإن لم تصالحه ستقف أمام القاضي الذي يحكم على خطأك ويسلمك إلى الحاكم الذي يلقيك في السجن، ولا تخرج منه حتى توفى العدالة حقها بالكمال، فإن كنت قد إغتصبت شيئًا فستوفى أيامًا في السجن مقابل أخر فلس (أصغر عملة نقدية). وإلى جانب أن هذا يدعونا لفض النزاعات مع الآخرين والابتعاد عن المحاكم بكل طاقتنا، لكنه يرمز روحيًا إلى النزاع مع الله، والخصم هو الوصية أو الضمير أو الروح القدس، والقاضي هو الله الديان في اليوم الأخير، والحاكم أو الشرطى كما يقول إنجيل متى هم الملائكة الذين يلقون النفس في السجن أي العذاب الأبدي، وحيث أن خطايانا غير محدودة لأنها موجهة لله غير المحدود، فلن نستطيع أن نوفى أخر فلس بل نظل إلى الأبد في العذاب. † إخضع لوصايا الله ولصوت ضميرك ولعمل الروح القدس، أطع أب اعترافك وتعاليم الكنيسة، وتمسك بحياة التوبة فتخلص في اليوم الأخير وتتمتع بالملكوت السماوي. |
||||