![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 152091 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() إرسالية يونان إلى شعبٍ غريب: تكاد تكون إرسالية يونان النبي، هي أول إرسالية، في العهد القديم، إلى شعبٍ وثني وغريب. فالأنبياء كانوا يُرسَلون إلى شعب إسرائيل فقط، للتحذير من التمادي في عصيان الله وارتكاب المعاصي، وبالتالي ما ينتظر العُصاة من عقابٍ شديد إنْ لم يتوبوا ويرجعوا عن طُُرُقهم الرديئة؛ أو تبشيرهم بالخلاص من أعدائهم إذا استقامت حياتهم وأطاعوا وصية الله. وحتى عندما خاطَب الأنبياءُ الشعوبَ الغريبة، فقد فعلوا ذلك من خلال علاقة هذه الشعوب بإسرائيل؛ أو في الغالب، إنذارهم بالعقاب الذي سيحلُّ عليهم. فنينوى، بالذات، تركت ذكريات مؤلمة في ذاكرة شعب إسرائيل، فهي كانت دائماً رمزاً للخطيئة والعداوة مع شعب الله. ولذلك نقرأ في بداية سِفْر يونان: «أَنَّهُ قَدْ صَعِدَ شَرُّهُمْ أَمَامِي (أمام الله)» (1: 2). ونَعْلَم أنَّ هناك أنبياءَ قد استعفَوْا من الرسالة التي انتدبهم الله لتنفيذها: مثل موسى النبي (خر 4: 10-17)، وكذلك إرميا النبي (إر 1: 6-10). أمَّا يونان فقـد استصعب الأمر جدّاً، وبالتالي - في بداية الأمر - رَفَضَ هذه المهمَّة التي كلَّفه بها الله، وابتعد بعيداً عن وجه الرب، كما كان يَظُنُّ: أولاً: لأنه لا يريد أن يكون نذيراً لشعبٍ غريب مُعادٍ لشعبه؛ ثانياً: لأنه لا يُريد أن يُبشِّر الآخرين بالخراب والدمار. ومع هذا، فإنَّ يونان، الذي هو من شعب إسرائيل، يرفض هذه المهمَّة الإلهية، غير مُدرِكٍ لعواقب هذا الرفض، وما سيدفعه من ثمنٍ باهظ نتيجة هذه المُخالفة. أمَّا الرب، فهو ليس فقط إله إسرائيل، بـل هـو إله الكل، ويريد خلاص الجميع؛ لذلك فهو يهتمُّ بأمر أهل نينوى! |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 152092 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() مقارنة بين يونان النبي والرب يسوع: + إذا عقدنا مقارنة بين يونان النبي وشخص الرب يسوع، نجد بعض أوجه التشابُه، مثل: + كان يونان من مدينة ”جت حافر“، وهذه البلدة لا تبعد كثيراً عن مدينة الناصرة. معنى هذا أنَّ يونان كان جليليّاً مثل الرب يسوع. + لقد هاج البحر على يونان النبي عندما هرب من وجه الرب؛ وقد قامت ثورة اليهود وهيجان رؤساء الكهنة والكهنة وشيوخ الشعب على الرب يسوع وعلى رسالته. ولكن الرب يسوع استمرَّ في رسالته حتى النهاية، ولم يهرب من الموت! + عندما هاج البحر وكادت السفينة التي تُقِلُّ يونان أن تغرق، واجه رجال السفينة يونان وسألوه: «أَخْبِرْنَا بِسَبَبِ مَنْ هذِهِ الْمُصِيبَةُ عَلَيْنَا؟ مَا هُوَ عَمَلُكَ؟ وَمِنْ أَيْنَ أَتَيْتَ؟ مَا هِيَ أَرْضُكَ؟ وَمِنْ أَيِّ شَعْبٍ أَنْتَ؟» (1: 8). وهكذا واجه بيلاطسُ الربَّ يسوع، قائلاً: «مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟» (يو 19: 9). + لقد حاول رجال السفينة محاولاتٍ دؤوبة لإنقاذ يونان، ولكن كلها باءت بالفشل! وهكذا حاول بيلاطس أن يُقنع رؤساء اليهود بإطلاق الرب يسوع، ولكنه لم ينجح. + لقد صرخ رجال السفينة إلى الرب الإله، قائلين «آهِ يَا رَبُّ، لاَ نَهْلِكْ مِنْ أَجْلِ نَفْسِ هذَا الرَّجُلِ، وَلاَ تَجْعَلْ عَلَيْنَا دَماً بَرِيئاً، لأَنَّكَ يَا رَبُّ فَعَلْتَ كَمَا شِئْتَ» (1: 14). وهكذا فعل بيلاطس عندما فشل في إقناع اليهود بإطلاق الرب يسوع، إذ به يغسل يديه مُعلناً براءة المسيح من كل تهمة، قائلاً: «إِنِّي بَرِيءٌ مِنْ دَمِ هذَا الْبَارِّ» (مت 27: 24). + لقد ابتلع الحوتُ يونانَ، وصرخ يونان وهو في جوف الحوت: «دَعَوْتُ مِنْ ضِيقِي الرَّبَّ، فَاسْتَجَابَنِي. صَرَخْتُ مِنْ جَوْفِ الْهَاوِيَةِ، فَسَمِعْتَ صَوْتِي. لأَنَّكَ طَرَحْتَنِي فِي الْعُمْقِ فِي قَلْبِ الْبِحَارِ... نَزَلْتُ إِلَى أَسَافِلِ الْجِبَالِ. مَغَالِيقُ الأَرْضِ عَلَيَّ إِلَى الأَبَدِ. ثُمَّ أَصْعَدْتَ مِنَ الْوَهْدَةِ حَيَاتِي، أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهِي. حِينَ أَعْيَتْ فِيَّ نَفْسِي ذَكَرْتُ الرَّبَّ، فَجَاءَتْ إِلَيْكَ صَلاَتِي إِلَى هَيْكَلِ قُدْسِكَ»، وقد استمع الرب لصلاة نبيِّه: «وَأَمَرَ الرَّبُّ الْحُوتَ فَقَذَفَ يُونَانَ إِلَى الْبَرِّ» (2: 2-10). وفي المقابل، نرى الرب يسوع، عندما مات على خشبة الصليب، نزلت نفسه البشرية المتَّحدة بلاهوته إلى أعماق الجحيم، و«كَرَزَ لِلأَرْوَاحِ الَّتِي فِي السِّجْنِ (الجحيم)» (1بط 3: 19)، وبشَّر الموتى (1بط 4: 6). وكما قال بولس الرسول: «وَأَمَّا أَنَّهُ ”صَعِدَ“، فَمَا هُـوَ إِلاَّ إِنَّهُ نَزَلَ أَيْضاً أَوَّلاً إِلَى أَقْسَامِ الأَرْضِ الْسُفْلَى» (اف 4: 9). + كان يونان، كما قال الرب يسوع، آية لأهل نينوى. فهو كان رمزاً للمسيح، كما قال المسيح لليهود الذين كانوا يلتمسون آية منه: «جِيلٌ شِرِّيرٌ فَاسِقٌ يَلْتَمِسُ آيَةً، وَلاَ تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلاَّ آيَةَ يُونَانَ النَّبِيِّ» (مت 16: 4). وقد أوضح الرب التشابُه بين يونان وبينه قائلاً لليهود: «لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ، هكَذَا يَكُونُ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي قَلْبِ الأَرْضِ ثَلاَثَةَ أَيـَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ» (مت 12: 40). + لقد كَرَزَ يونان لمدينة أُمميَّة ووثنيَّة؛ وهكذا امتدَّت الكرازة باسم الرب يسوع إلى جميع الأُمم، كما قال لتلاميذه: «فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآبِ وَالاِبْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ. وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ» (مت 28: 20،19). |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 152093 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() أوجه اختلاف بين يونان النبي وبين المسيح، وهي على سبيل المثال: + لقد كان يونان يُكِنُّ في قلبه عدم محبة لأهل نينوى، باعتبارهم أعداء لشعبه؛ بينما كان الرب يسوع يحب أعداءه ويغفر لصالبيه. + يونان النبي خالَفَ أَمْر الله له بالذهاب إلى نينوى، وهرب من وجه الرب؛ أمَّا الرب يسوع، فقد أطاع حتى الموت، موت الصليب (في 2: 8). + لقد خرج يونان من جوف الحوت حيّاً، وإن كان ضمناً في عداد الأموات، ولكنه - أخيراً - مات مثل باقي البشر. أمَّا الرب يسوع فقد مات على الصليب، ليس من أجل نفسه، ولكن من أجل خلاصنا؛ ولكنه - أخيراً - قام من بين الأموات ناقضاً أوجاع الموت، إذ لا يمكن أن يسود عليه الموت مرَّةً أخرى، فهو حيٌّ إلى أبد الآبدين. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 152094 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() + يقول القديس يوحنا ذهبي الفم في مَعرَض حديثه عن المقارنة بين يونان النبي والمسيح، وذلك بلسان الرب يسوع: [فإنه هـو (أي يونان النبي) كان مجرَّد عبد؛ وأمَّا أنا فإني السيِّد. هو خرج من بطن الحوت؛ وأمَّا أنا فقمتُ من بعد الموت. هو كَرَز بالهلاك؛ وأمَّا أنا فجئتُ مُبشِّراً بالملكوت. إنهم (أي أهل نينوى) آمنوا به دون أن يصنع آيةً؛ وأمَّا أنا فأظْهَرتُ آياتٍ بلا عدد. إنهم لم يسمعوا منه أكثر من ذلك الكلام (التهديد والوعيد بالهلاك)؛ وأمَّا أنا فحرَّكتُ فيكم جميع المُثُل العُليا. إنه جاء كمجرَّد خادم؛ أمَّا أنا فأتيتُ كربٍّ وسيِّد الجميع، ليس لأُهدِّد أو أُحاسب مـن جهة الاستقامة، بل لأُقدِّم لكم الصَّفْح… (هو) لم يتنبَّأ أحدٌ عنه؛ وأمَّا عني فالجميع تنبَّأوا، ثم جاءت الأحداث مُطابقة للنبوَّات. هـو عند ذهابه إليهم، هرب لئلا يسخروا به؛ وأمَّا أنا فجئتُ عالماً أني سأُصلَب ويُستَهزَأ بي. هو لم يحتمل مجرَّد التعيير من أجل الذين سيخلصون؛ وأمَّا أنا فاحتملتُ الموت، بل وأشنع موت لأجلكم!]. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 152095 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() + يتحدَّث القديس كيرلس الكبير عن آية يونان النبي، وكيف كانت رمزاً لآية المسيح العُظمى في موته وقيامته من أجل خلاصنا، قائلاً: [قد قال (الرب يسوع لليهود)، إنه ستُعطَى لهم آية يونان فقط، والتي يَقصُد بها الآلام على الصليب والقيامة من بين الأموات، لأنه يقول: «لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ، هكَذَا يَكُونُ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي قَلْبِ الأَرْضِ ثَلاَثَةَ أَيـَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ» (مت 12: 40). ولكن لو أنه كان مُمكناً أنَّ المسيح لا يُريد أن يُقاسي الموت بالجسد على الصليب، لَما كانت قد أُعطِيَت هذه الآية لليهود. ولكن حيث إنَّ الآلام التي احتملها لأجل خلاص العالم كانت لابد منها؛ فقد أُعطِيَت هذه الآية لأولئك العديمي الإيمان لأجل دينونتهم… وكما أتصوَّره، فإنَّ إبطال المـوت ومُلاشاة الفساد بالقيامة مـن الموت - التي هي آية عظيمة جدّاً تدلُّ على قوَّة الكلمة المُتجسِّد وسُلطانه الإلهي - يتمُّ البرهنة عليها بشكلٍ كافٍ بالنسبة للناس الجادِّين، بواسطة جنود بيلاطس الذين عُيِّنوا لحراسة القبر… (مت 28: 13). فهي، إذن، آية ليست بدون منفعة، بل هي كافية لإقناع كل سُكَّان الأرض أنَّ المسيح هو الله، وأنه قاسَى الموت في الجسد بإرادته وحده؛ إذ أنه أَمَرَ رباطات الموت أن ترحل، وأباد الفساد. أمَّا اليهود، فلم يؤمنوا أيضاً بالقيامة… ويُضيف الرب على ذلك، قـائلاً: «رِجَالُ نِينَوَى سَيَقُومُونَ فِي الدِّينِ مَعَ هذَا الْجِيلِ وَيَدِينُونَهُ» (لو 11: 32)؛ (وذلك) لأنهم (أي أهل نينوى) كانوا شرسين وأُمميين، ولا يعرفون الرب، الذي هو الله بالطبيعة وبالحق، ولم يسمعوا قط أيَّة نبوَّات من موسى، وكانوا يجهلون عظمة أخبار النبوَّة؛ ومع أنَّ هذه كانت هي حالتهم الذهنية، إلاَّ انهم تابوا بمُناداة يونان، كما يقول الرب. إذن، فقد كان هؤلاء الرجال أفضل جدّاً من الإسرائيليين، وسوف يدينونهم. ولكن أنصتوا إلى الكلمات نفسها: «رِجَالُ نِينَوَى سَيَقُومُونَ فِي الدِّينِ مَعَ هذَا الْجِيلِ وَيَدِينُونَهُ، لأَنَّهُمْ تَابُوا بِمُنَادَاةِ يُونَانَ، وَهُوَذَا أَعْظَمُ مِنْ يُونَانَ ههُنَا!» (لو 11: 32)]. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 152096 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() الأب متى المسكين [قد استرعى انتباه المسيح، كيف أنَّ شعباً أُمميّاً يدخله نبيٌّ لا يعرفونه، فيسمعون له ويُطيعون بتوبةٍ صادقة، بالجلوس في التراب والرماد حتى إلى مستوى الملك نفسه. وهكذا تُعتَق (نينوى) مـن الخراب الآتي عليها، لأنهم سمعوا مُناداة يونان وهو غريبٌ عنهم. وإسرائيل ترفض مَن جاءهـا بمقتضى مئات النبوَّات... وهكذا يرفضون، فتخرب البلاد برُمَّتها: «هُوَذَا بَيْتُكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ خَرَاباً!» (لو 13: 35)]. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 152097 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() يونان النبي الضال حوار مع تيموثي كَلِر بقلم مات سميثرست يعتبر سفر يونان (ذلك السفر الممتع) سفرُ نبويٌ برغم احتوائه على عبارة كرازية واحدة فقط. فالسفر البالغ عدد آياته 48، 47 آية منهم تمثل سردًا قصصيًا. كما أن يونان هو النبي الوحيد في كل العهد القديم المُرسَل إلى الأمم. بالطبع أنبياء آخرون تحدثوا عن الأمم، لكنه هو الوحيد الذي أرسله الله إليهم. ولا ننسى بالطبع أنه الوحيد الذي ابتلعته سمكة، وعاش ليحكي عن ذلك. حتى أن جي. كامبل مورجان علّق ذات مرة ساخرًا: “لقد ظل الناس يُحدقون في السمكة الضخمة لدرجة عجزهم عن رؤية الإله العظيم.” في كتابه “النبي الضال: يونان وسر رحمة الله”، يتناول تيموثي كَلِر (تيم كَلِر) قصة يونان التي نعرفها بنظرةٍ ثاقبة. فمن بداية الكتاب إلى نهايته، يركّز كَلِر الضوء على ذلك الإله العظيم—كليّ العدل والرحمة— في سعيه وراء كلٍ من الضال والفريسيّ. في هذا الحوار مع مؤسس ائتلاف الإنجيل “تيموثي كَلِر” سنناقش أوجه الشبه بين سفر يونان ومَثَلَي السامريّ الصالح والابن الضال في لوقا 10 و15، بالإضافة إلى “ما الذي يمكننا تعلمه من السفر في كرازتنا وتعاملنا مع العنصرية والظلم الاجتماعيّ؟” المحاور: ق. كَلِر، دعني أبدأ حواري معك بالسؤال عن سلوكيات يونان النبيّ. كيف تتشابه تصرفاته مع أفعال كلٍ من الابن الأصغر والأكبر في مثل الابن الضال الذي علّمه المسيح في (لوقا 15)؟ كَلِر: لاحظ العديد من مفسري الكتاب المقدس أن هناك تشابه بين سفر يونان ومَثل الابن الضال. ففي نصفه الأول نرى تشابهًا بين يونان والابن الضال الهارب من الله والعاصي لإرادته (لوقا 11:15–24). ثم في النصف الثاني من السفر، نتقابل مع طاعة يونان لأمر الله وذهابه إلى نينوى. ولكن ما إن أظهر الله رحمة تجاه أولئك الوثنيين الأشرار، تصرف يونان كالأخ الأكبر في المثل (لوقا 25:15–32) موبخًا (لائمًا) الله على غفرانه للخطاة التائبين. بالإضافة إلى أن سفر يونان ينتهي بسؤال من الله للنبي الفريسيّ، تمامًا كما ينتهي المثل بسؤال للابن الفريسيّ. وينتهي السرد في كلتا الحالتين دون أن نعرف الجواب. لقد قرأت بعض الآراء القائلة إن يسوع كان يفكر في سفر يونان عند صياغته للمثل. ولكن رغم اعتقادي بأن هذا محض تخمين، إلا أن أوجه التشابه بين القصتين هو السبب في إطلاق اسم “النبي الضال” على كتابي عن سفر يونان. المحاور: لقد لاحظت في كتابك أن كثيرًا ما يهمل الوعاظ تعاملات يونان مع الأمم في الإصحاح الأول والثالث بقولك: “ربما باستثناء ملاحظة أنه يجب أن نكون مستعدين لأن نأخذ الإنجيل إلى بلادٍ غريبة.” ما هو الدرس الرئيسيّ الذي علينا أن نتعلمه من تلك الأجزاء؟ كَلِر: دُعي يونان للذهاب إلى شعب ينتمي إلى عرقٍ ودين مختلف عنه وأن يعظهم ويحذرهم من غضب الله العتيد. لكنه رفض الذهاب، وحتى بعد ذهابه، سرعان ما أظهر عداء لهم. وبرغم ذلك، عند احتكاكه بالأمم بشكلٍ مباشر، سواء في الإصحاح الأول أو الثالث، نرى أن تصرفاتهم أكثر روعة مما له. هذا الموضوع يتكرر بوضوح شديد بشكلٍ لا يمكن تجاهله. أراد كاتب السفر أن يُظهر كيف أن “الأمم الأشرار” يمكنهم أن يُظهروا سمو وتقوى أخلاقيّة أكثر من نبي مدعو من الإله الحيّ وحامل للإعلان الإلهيّ. وما أهميّة ذلك؟ أولًا، هذا الموضوع سيتناوله العهد الجديد بوضوح أكثر فيما بعد، ألا وهو أن جميعنا، متدينون ولا دينيون، يهود وأمم، خطاة وضالون، ولا يمكننا أن نخلص بعيد عن نعمة الله. وثانيًا، أن موقف يونان من المخالفين له دينيًا وعرقيًا موقف مَعيب. المحاور: هل ترى تضاد بين يونان والسامريّ الصالح في لوقا 10؟ كَلِر: تعامل كل من يونان والسامريّ الصالح مع شخص من ديانة وعِرق مختلف عنه. وفي حين أن السامريّ كانت لديه من الشجاعة أن يُخاطر بحياته وسط مكان مهجور محفوف باللصوص ليُنقذ رجل غريب عنه، هرب يونان رافض مساعدة شعب أممي كشعب نينوى، ومُعرّضًا حياة البحارة في السفينة للخطر، متناسيًا ما يُعلّمه سفر التكوين من كون كل البشر مخلوقين على صورة الله. يقول كالفن في كتابه أسس الدين المسيحيّ أن جمال صورة الله هذه يجب أن يدفعنا لمساعدة أي إنسان، بغض النظر عن عرقه، ومكانته، بل ومستواه الأخلاقيّ. إن مفهوم صورة الله يعني أننا ينبغي أن نُعامل الآخرين كما يليق بالله! هكذا تصرّف السامريّ، ولكن لم يتصرّف يونان هكذا. المحاور: تقول في كتابك: “عادة ما يتجاهل المهتمون بالعمل في مجال العدالة الاجتماعية الحديث عما يُعلنه الكتاب المقدس عن دينونة الله على الذين لا يفعلون إرادته. ومن الناحية الأخرى، فإن الكارزين بقوة بالتوبة، عادةً لا يشتهرون بالمطالبة بالعدالة للمظلومين.” كيف يتحدى سفر يونان هذا الانفصام؟ كَلِر: لقد استخلصت هذا الاستنتاج بعد أن درست الإصحاح الثالث فترة طويلة. يفترض كثير من الوعاظ أن ما نادى به يونان كان أكثر من مجرّد عبارة: “بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا تَنْقَلِبُ نِينَوَى”. بل قد ذهب البعض إلى القول أنه ربما قدّم لهم رسالة النعمة. لكن لا النص يقول ذلك، ولا انفعالات يونان في الإصحاح الرابع تؤيّد ذلك. كما أننا نميل إلى الاعتقاد بأن توبة نينوى كانت تحولًا جماعيًا نحو الإله الحقيقيّ. ولكن لا ذكر لاسم “يهوه” الذي يستخدمه الله في علاقاته العهديّة، ولا أي يفيد النص أنهم نبذوا أصنامهم وتبعوا الرب. ولكن ما يؤكد عليه النص هو أنهم توقفوا عن القتل والعنف واستغلال بعضهم البعض. وإذا نظرت إلى كلمات الأنبياء للأمم الوثنيّة في أسفار مثل إشعياء، وعاموس، وحزقيال، لوجدت أنهم تحدثوا معهم بشكلٍ أساسيّ عن قسوتهم وظلمهم تجاه الضعفاء. ما حدث في نينوى إذن هو ما نُسميه الإصلاح الاجتماعيّ، وقد سُرّ به الله بما يكفي ليؤخر دينونته على المدينة لعدة عقود أخرى. من هنا يمكنني أن أقول أن يونان قد كرز بغضب الله، وأن الاستجابة كانت إصلاحًا اجتماعيًا. هذا جعلني أتساءل: هل من يعمل في مجال الإصلاح الاجتماعيّ يتحدث أيضًا عن غضب الله ودينونته؟ وهل من يعظ عن غضب الله يهتم أيضًا بالعدالة الاجتماعية؟ ربما يكون هناك بعض الاستثناءات، ولكن في الأغلب من يهتم بالواحدة يهمل الأخرى. المحاور: في معرض حديثك عن الكرازة والاهتمام بالعمل الاجتماعيّ والعدالة الاجتماعية، وجدت في كتابك أنك ترفض الطرق الشائعة لوصف العلاقة بين الاثنين: “جناحيّ الطائرة” “ووسيلة لتحقيق غاية”. هل يمكنك توضيح ذلك؟ كَلِر: تحدثت عن هذا باستفاضة أكثر في كتابي “العدالة السخيّة”. ولكني أشرت بشكلٍ عابر في كتابي عن سفر يونان إلى الطرق الشائعة لوصف العلاقة بين الكرازة وإقامة العدل. الطريقة الأولى هي الادعاء بأن الكرازة والعدالة هما “جناحيّ الطائرة”. تكمن مشكلة هذا التشبيه في أنه (1) يفصل بين الاثنين، بدلًا من إدراك مدى تكاملهما معًا، (2) كما يخفق في التمييز بين مسئولية الكنيسة والفرد. فبينما يتعيّن على الكنيسة تلمذة المؤمنين ليكونوا نورًا وملحًا للمشاركة في تحقيق العدالة والتي غالبًا ما تكون من خلال العمليّة السياسيّة، عليها أيضاً أن تعكف على خدمة الكلمة والأسرار بهدف تكوين مؤمنين جدد وتشكيلهم للخدمة في العالم. أما المقصود “بوسيلة لتحقيق غاية”، هو أننا نُساعد الفقراء ونسعى من أجل تحقيق العدالة، فقط بهدف أن يؤمنوا بالإنجيل. أنا لا أنكر أن أعمالنا الصالحة يمكن أن تقود الآخرين إلى تمجيد الله، كما يقول إنجيل متى 16:5، وبطرس الأولى 12:2. ولكن علينا أن نعمل الخير ونُحسن للآخرين فقط لأننا نحبهم. فكما أن علينا أن نكرز للآخرين، لأن أعظم تعبير عن محبتنا لهم هو أن نُساعدهم على التعرّف على المسيح، كذلك يتعيّن علينا أن نُقدم للمحتاجين “كأس ماء بارد” لذات السبب عينه. فسواء آمنوا مثلنا أو لم يؤمنوا، فأننا سنفعل ذلك لأننا نحبهم. أما تقديم يد العون بغرض أن يتحولوا إلى الإيمان، فهذا تلاعب وليس حب! المحاور: هل يمكن أن تكون محبة يونان لوطنه وأمته قد تحولت إلى نوعٍ من الوثنية؟ كَلِر: هناك مقطع رائع في كتاب “المحبات الأربع” لسي. إس. لويس، والذي يقدم فيه علامتين على أن قومياتنا يمكن أن تتحوّل إلى صنم، وبالتالي إلى وسيلة للاستغلال والشر. العلامة الأولى هي حينما تُصبح قوميتك أو عرقك أساسًا لهويتك أكثر من إيمانك بالله. أدرك يونان أنه إذا تابت نينوى ورُحمت، فقد ينعكس ذلك سلبًا على أمته. لذا فنجده يضع مصلحته الوطنيّة فوق حاجة أهل نينوى لسماع كلمة الله، وفوق طاعته وخدمته لله. والعلامة الثانية التي يذكرها سي. إس. لويس هي محاولة تبرير تاريخ أمتك منكرًا الأمور السيئة التي اقترفتها. تكمن خطورة ذلك في أنك تقع في شرك الإحساس بالتفوق على الشعوب الأخرى مما يجعلك تضع تبريرات منطقية لتصرفات عشيرتك القاسية والوحشيّة. المحاور: هل تعتقد أن يونان كان عنصريًا؟ وهل كان يشعر بتفوّق ديني أم عرقيّ أيضًا؟ كَلِر: علينا أن نكون حذرين وألا نحاول إقحام النزاعات العرقيّة المعاصرة على قصة يونان. فما من دليل على أن نظرة يونان لأهل نينوى كانت أشبه مثلاً بنظرة الأمريكيين البيض للسود. ولكن في نفس الوقت، لا أعتقد أن عنصرية يونان كانت نابعة فقط من شعوره بالتفوّق الدينيّ، لأنها لو كانت كذلك، لكانت هذه هي فرصته ليخبرهم بكم هم مُخطئين. لذلك فأنا أتفق مع رأي جون كالفن أن خطيّة يونان تكمن في موقفه “غير الإنساني” تجاه نينوى. فقد رفض معاملتهم كبشر مخلوقين على صورة الله ومتساوين في القيمة والكرامة معه ومع شعبه. المحاور: ما هي “آيَةَ يُونَانَ النَّبِيِّ” التي تكلّم عنها الرب يسوع في متى 38:12-42؟ وما الذي تخبرنا به تلك الآيات عن أن يسوع هو الأعظم والأفضل من يونان النبيّ؟ كَلِر: طلب المتشككون في متى 12 من يسوع أن يُجري المزيد من الحيل السحرية ليثبت لهم صحة ادعاءاته عن نفسه، وحتى يتمكنوا من التأكد من أنه مُعلّم حكيم وموثوق به. ولكن يسوع ليس مجرّد معلمًا آخر أتى ليخبرك كيف تُخلّص نفسك وتجد طريق الله، وإنما هو الله نفسه الذي أتى ليجدك ويُخلّصك. فهو ليس مجرّد مُعلّم جديد آو سبيل من عدة سُبُل، لكنه المُخلّص. فكما طُرح يونان في الماء ليُخلّص البحارة من غضب الله، كذلك طُرح يسوع للموت ليحمل كل العقوبة التي نستحقها على خطايانا ويُخلّصنا. وكما عاد يونان “من بين الأموات”، قام يسوع حقًا من الموت لأجل تبريرنا. هذه هي آية يونان. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 152098 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() يونان النبي الضال حوار مع تيموثي كَلِر بقلم مات سميثرست يعتبر سفر يونان (ذلك السفر الممتع) سفرُ نبويٌ برغم احتوائه على عبارة كرازية واحدة فقط. فالسفر البالغ عدد آياته 48، 47 آية منهم تمثل سردًا قصصيًا. كما أن يونان هو النبي الوحيد في كل العهد القديم المُرسَل إلى الأمم. بالطبع أنبياء آخرون تحدثوا عن الأمم، لكنه هو الوحيد الذي أرسله الله إليهم. ولا ننسى بالطبع أنه الوحيد الذي ابتلعته سمكة، وعاش ليحكي عن ذلك. حتى أن جي. كامبل مورجان علّق ذات مرة ساخرًا: “لقد ظل الناس يُحدقون في السمكة الضخمة لدرجة عجزهم عن رؤية الإله العظيم.” في كتابه “النبي الضال: يونان وسر رحمة الله”، يتناول تيموثي كَلِر (تيم كَلِر) قصة يونان التي نعرفها بنظرةٍ ثاقبة. فمن بداية الكتاب إلى نهايته، يركّز كَلِر الضوء على ذلك الإله العظيم—كليّ العدل والرحمة— في سعيه وراء كلٍ من الضال والفريسيّ. في هذا الحوار مع مؤسس ائتلاف الإنجيل “تيموثي كَلِر” سنناقش أوجه الشبه بين سفر يونان ومَثَلَي السامريّ الصالح والابن الضال في لوقا 10 و15، بالإضافة إلى “ما الذي يمكننا تعلمه من السفر في كرازتنا وتعاملنا مع العنصرية والظلم الاجتماعيّ؟” المحاور: ق. كَلِر، دعني أبدأ حواري معك بالسؤال عن سلوكيات يونان النبيّ. كيف تتشابه تصرفاته مع أفعال كلٍ من الابن الأصغر والأكبر في مثل الابن الضال الذي علّمه المسيح في (لوقا 15)؟ كَلِر: لاحظ العديد من مفسري الكتاب المقدس أن هناك تشابه بين سفر يونان ومَثل الابن الضال. ففي نصفه الأول نرى تشابهًا بين يونان والابن الضال الهارب من الله والعاصي لإرادته (لوقا 11:15–24). ثم في النصف الثاني من السفر، نتقابل مع طاعة يونان لأمر الله وذهابه إلى نينوى. ولكن ما إن أظهر الله رحمة تجاه أولئك الوثنيين الأشرار، تصرف يونان كالأخ الأكبر في المثل (لوقا 25:15–32) موبخًا (لائمًا) الله على غفرانه للخطاة التائبين. بالإضافة إلى أن سفر يونان ينتهي بسؤال من الله للنبي الفريسيّ، تمامًا كما ينتهي المثل بسؤال للابن الفريسيّ. وينتهي السرد في كلتا الحالتين دون أن نعرف الجواب. لقد قرأت بعض الآراء القائلة إن يسوع كان يفكر في سفر يونان عند صياغته للمثل. ولكن رغم اعتقادي بأن هذا محض تخمين، إلا أن أوجه التشابه بين القصتين هو السبب في إطلاق اسم “النبي الضال” على كتابي عن سفر يونان. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 152099 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() آية يونان النبي تمتلئ أسفار العهد القديم بالنبوءات عن الرب يسوع منذ ميلاده حتى صعوده إلى السماء، ثم مجيئه الثاني ليدين الأحياء والأموات. ولا يخلو كلام أي نبي من أنبياء بني إسرائيل من نبوة أو أكثر تلقي الضوء على مرحلة من مراحل حياة الرب يسوع. حتى بلعام النبي الاممي الغريب عن شعب إسرائيل تنبأ عن مجيء الرب يسوع بالجسد، فقال: «أراه ولكن ليس الآن. ابصره ولكن ليس قريباً. يبرز كوكب من يعقوب، ويقوم قضيب من إسرائيل…» (عدد ٢٤: ١٧). وهكذا يشترك جميع الأنبياء في التنبؤ عن شخص الرب يسوع. أما يونان النبي فقد تميز على كثير من الأنبياء، فهو لم يتكلم متنبئاً عن مجيء الرب فقط، بل صار هو نفسه رمزاً يشير إلى موت الرب وقيامته. هذا ما أوضحه الرب يسوع عندما طلب قوم من الكتبة والفريسيين أن يريهم آية من السماء، فرد عليهم قائلاً: «جيل شرير وفاسق يطلب آية، ولا تُعطى له أية إلا آية يونان النبي. لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال، هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال … لأنه كما كان يونان آية لأهل يينوى، كذلك يكون ابن الإنسان أيضا لهذا الجيل، (مت ١٢: ٣٩ و٤٠ ، لو ١١: ٣٠) لمحة تاريخية: ولد يونان بن أمتاي، ومعنى اسمه حمامة، في قرية جت حافر التي تقع عل حدود زبولون ونفتالي (يش ١٩: ١٣)، وهي تبعد حوالي خمسة كيلومترات إلى الشمال الشرقي من مدينة الناصرة. وتقع مكانها الآن “خربة الزورة” بالقرب من “قرية مشهد” حيث يوجد الآن “قبر النبي يونس” الذي يعتقد أن الني مدفون فيه، ويذكر القديس جيروم (من القرن الرابع)، أنه قام بزيارة هذا القبر. ولا يرد في كتاب العهد القديم أية إشارة عن هذا النبي خارج سفر يونان إلا في سفر الملوك الثاني (٢مل ١٤: ٢٥)، حيث يُذكر أنه تنبا في أيام الملك يربعام بن يواش ملك إسرائيل (793- 753 ق.م). تنبأ يونان النبي في فترة من أصعب الفترات التي مرت على أمَّته. فجميع الملوك المعاصرين الذين حكموا إسرائيل كانوا أشراراً جداً في عيني الرب، وكان عقاب الرب وشيكاً أن يحل بهم. وقد استخدم الله يونان النبي لينذر الشعب لعلهم يتوبون، فيعود الله ويرحمهم ويخلَّصهم من أعدائهم. ويبدو أن تدخل الله ورحمته عل هذا الشعب كأن نتيجة كرازة النبي يونان بينهم: “لأَنَّ الرَّبَّ رَأَى ضِيقَ إِسْرَائِيلَ مُرًّا جِدًّا، لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَحْجُوزٌ وَلاَ مُطْلَقٌ(حُر) وَلَيْسَ مُعِينٌ لإِسْرَائِيلَ. وَلَمْ يَتَكَلَّمِ الرَّبُّ بِمَحْوِ اسْمِ إِسْرَائِيلَ مِنْ تَحْتِ السَّمَاءِ، فَخَلَّصَهُمْ بِيَدِ يَرُبْعَامَ ابْنِ يُوآشَ.” (٢ مل ١٤: ٣٦و٢٧). إن سبب الخلاص من الأعداء الذي تم على يد الملك لا يرجع إلى توبة الشعب والملك، بقدر ما يعود إلى مراحم الله على شعبه. لأنه بالرغم من مناداة يونان لهم بالتوبة إلا أن الملك لم يرجع عن شره ولم يقدم توبة للرب: «ملك يريعام بن يوآش ملك إسرائيل في السامرة إحدى وأربعين سنة. وعمل الشر في عيني الرب … هو رد تخم إسرائيل من مدخل حماة إلى بجر العربة، حسب كلام الرب إله إسرائيل الذي تكلم به عن يد عبده يونان بن امتاي التي الذي من جت حافر» (٢ مل ١٤: ٢٣-٢٥). أما ملوك دولة أشور، المعاصرون لهذا الملك، والذين تاب أحدهم بمناداة يونان النبي، فهم أداد نيراري الثالث (٨١٠-٧٨٢ ق.م.)، وشلمناصر الرابع (٧٨٢-٧٧٢ ق.م.)، وأشور دان الثالث (٧٧٢-٧٥٤ ق.م.)، واشور نيراري الخامس (٧٥٤ -٧٤٦ ق.م.). وهناك بعض الشواهد التاريخية التي تثبت أنه في أيام الملك أداد نيراري الثالث حدثت ثورة دينية تبعها نوع من الإيمان بإله واحد، أو على الأقل بإله أكبر، ويربط بعض المؤرخين بين هذه الثورة التوحيدية وبين مناداة يونان النبي لأهل نينوى”. ويبدو أن أهل نينوى كانوا أشراراً جداً في عيني الرب، إذ تنبأ عليهم بالهلاك أكثر من نبي. فيقول ناحوم النبي في نبوءته: «ويل لمدينة الدماء. كها ملآنة كذباً وخطفاً. لا يزول (منها) الإفتراس … ليس جبر لانكسارك. جرحك عديم الشفاء» (نا ٣: ١ و١٩). كما يتنبأ عليها صفنيا النبي قائلاً: «ويجعل نينوى خراباً يابسة كالقفر … هذه هي المدينة المبتهجة الساكتة مطمنئة، القائلة في قلبها: أنا وليس غيري» (صف٢ :١٣ و١٥). رسالة يونان النبي: لكي نعرف رسالة هذا النبي، ينبغي الرجوع إلى الكتاب الذي يحمل اسمه، وهو سفر يونان النبي، لأن هذا السفر يقدم لنا واحداً من أهم الأسرار اللاهوتية، وهو السر الذي نادى به بولس الرسول في رسالته إلى أهل أفسس: + “إِنْ كُنْتُمْ قَدْ سَمِعْتُمْ بِتَدْبِيرِ نِعْمَةِ اللهِ الْمُعْطَاةِ لِي لأَجْلِكُمْ. أَنَّهُ بِإِعْلاَنٍ عَرَّفَنِي بِالسِّرِّ. كَمَا سَبَقْتُ فَكَتَبْتُ بِالإِيجَازِ. الَّذِي بِحَسَبِهِ حِينَمَا تَقْرَأُونَهُ، تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْهَمُوا دِرَايَتِي بِسِرِّ الْمَسِيحِ. الَّذِي فِي أَجْيَال أُخَرَ لَمْ يُعَرَّفْ بِهِ بَنُو الْبَشَرِ، كَمَا قَدْ أُعْلِنَ الآنَ لِرُسُلِهِ الْقِدِّيسِينَ وَأَنْبِيَائِهِ بِالرُّوحِ: أَنَّ الأُمَمَ شُرَكَاءُ فِي الْمِيرَاثِ وَالْجَسَدِ وَنَوَالِ مَوْعِدِهِ فِي الْمَسِيحِ بِالإِنْجِيلِ.” (أف ٣: ٢-٦). واضح أن سر المسيح هنا هو أن الله ليس لليهود فقط، بل للأمم أيضاً. لقد أراد يونان النبي أن ينقل هذه الأفكار إلى شعبه إسرائيل، وقد كان يعلم تماماً أنه من العسير عليهم قبول هذا الفكر، لأنه هو نفسه كان يرفض هذا المفهوم تماماً. لماذا؟ فكلما أخطأ شعب إسرائيل وحاد عن طريق الله، كان الله ينذرهم أنه سوف يؤدبهم بواسطة الأمم. لذلك نظر بنو إسرائيل إلى الأمم نظرة عداء شديدة وتمنوا لهم العقاب المستمر، ولم يخطر عل بالهم أبداً إمكانية خلاص هذه الشعوب. وحاولوا أن يفتشوا في أقوال الأنبياء عن النبوءات التي تتنبأ عليهم بالخراب والدمار، وما أكثرها. أما إذا وجدوا أي تلميح في كلام الأنبياء عن إمكانية خلاص هذه الشعوب حاولوا تفسيره تفسيراً رمزياً غير صحيح حتى يبعدوا عن فكرهم أية إمكانية لخلاصهم. ومن التلميحات القليلة التي تشـير إلى قبول الله للأمم، والتي ذكرها الأنبياء بصورة عرضية، قول إشعياء النبي في نبوءته عن يوحنا المعمدان:”صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: «أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ. قَوِّمُوا فِي الْقَفْرِ أي بين الشعوب التي لم تعرف الله) سَبِيلاً لإِلَهِنَا. (إش ٤٠: ٣). كما يتكلم إشعياء أيضاً عن عودة كل الأمم إلى حظيرة الرب: «ويكون في أخر الأيام أن جبل بيت الرب يكون ثابتاً في رأس الجبال، ويرتفع فوق التلال، وتجري اليه كل الأمم» (إش٢:٢). ومن الواضح أن هذه النبوءات كانت تُشير إلى عصر مجيء المسيا الرب يسوع. هكذا كانت تلميحات الأنبياء. أما يونان النبي فبدلاً من أن يقدم تعاليم وأقوالاً نظرية حول قبول الله لتوبة الامم، اضطر لأن يقص عليهم قصة تعامل الله معه هو شخصياً في الإرسالية التي أرسله فيها الله للامم ليدعوهم للتوبة. كما أوضح لهم أنه كان في البداية رافضاً لفكرة توبة الامم ورجوعهم إلى الله. وكيف حاول الهروب من وجه الرب حتى لا يذهب ويبشر الامم فتتوب وترجع ويصفح عنها الله. وأثناء هروبه إلى ترشيش (التي ربما تكون أحد موانى بلاد أسبانيا الحالية)، أهاج الله عليه البحر، وكادت السفينة أن تغرق، فاضطر البحارة إلى القائه في اليم، حيث أعد الله له حوتاً ابتلعه وحفظه سالماً ثم لفظه على البر. فرضخ يونان لأمر الله وذهب ليكرز لأهل نينوى، الذين حالما سمعوا صوت النذير، تابوا إلى الله، مقدمين صوماً نقياً استدر مراحم الله فصفح عن إثمهم. لقد لقَّن الله يونان درساً لن ينساه، وهو يريد الآن من إخوته اليهود أن يعوا هذا الدرس. وها هي كنيسة العهد الجديد، وقد استفادت هي أيضاً من هذا الدرس، تقنن صوماً خاصاً على غرار صوم أهل نينوى حتى تغرس في نفوس أولادها دائماً أن الله لا يفرح فقط بتوبة ورجوع الخاطئ إليه، بل إنه أيضاً ليس إله كنيسة بعينها ولا شعب بعينه، بل هو إله الخليقة كلها «الذي يريد أن جميع الناس يخلصون، وإلى معرفة الحق يقبلون» ( ١تي ٢: ٤)، وأنه: «في كل أمة، الذي يتقيه ويصنع البر مقبول عنده» (أع ١٠: ٣٥). وبالإضافة إلى هذا السر الذي يعلنه النبي، وهو سر قبول الله للامم، يؤكد أيضا على حياة التوبة. فهو يخبرنا عن توبة البحارة الوثنيين وإيمانهم بإله السماء والأرض والبحر، وفي توبتهم نذروا لله نذوراً وذبجوا ذبيحة (يون ١: ١٦). كما يقص علينا توبة أهل نينوى من كبيرهم إلى صغيرهم وعودتهم إلى الله نادمين وجالسين في المسوح والرماد (يون ٣: ٥-٩). كما يخبرنا أيضاً – ولو بإشارة خفية – عن توبته هو نفسه. فإن كان النبي لم يذكر لنا صراحة أنه تاب، لكنه في كتابته لهذا السفر اعتراف صريح منه بالطريق الخطا الذي سلكه. وأخيراً يخبرنا عن ندم الله عن الشر الذي أراد أن يوقعه بأهل نينوى، وان توبة هذا الشعب جعلت الله يرجع عن تهديده بفناء هذا البلد: «فلما رأى الله أعمالهم أنهم رجعوا عن طريقهم الرديئة، ندم الله على الشر الذي تكلم أن يصنعه بهم، فلم يصنعه» (يون ٣: ١٠). لقد أراد الله قديماً أن يجد في سدوم وعمورة عشرة أتقياء فقط يردون غضبه ليصفح عنها، فلم يجد (تك ١٨: ٣٢). بل أكثر من ذلك أراد أن يصفح عن أورشليم إن وجد فيها باراً واحداً: «طوفوا في شوارع اورشليم وانظروا، واعرفوا وفتشوا في ساحاتها، هل تجدون إنساناً أو يوجد عامل بالعدل طالب الحق، فأصفح عنها؟» (إر ه: ١). أما مدينة نينوى الوثنية فقد تابت ورجعت إلى لله عن بكرة أبيها، فنالت خلاصا، واستحقت – كما شهد لها المسيح – أن تقف أمام كرسي الله لتدين المدن التي لم تتب وتقبل كلمة الله: “رجال نينوى سيقومون في الدين مع هذا الجيل ويدينونه، لأنهم تابوا بمناداة يونان» (مت ٤١:١٢). آية يونان النبي كيف صار يونان آية؟ يجيب إنجيل القديس متى قائلاً: “كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال، هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال» (مت ١٢: ٤٠). ويضيف إنجيل القديس لوقا قائلا: «كما كان يونان آية لأهل نينوى، كذلك يكون ابن الإنسان أيضاً لهذا الجيل» (لو ١١: ٣٠). قد طلب الفريسيون من الرب أن يريهم آية من السماء، متناسين كل الآيات والمعجزات التي عملها بينهم. فأظهر لهم الرب بأن هذا الجيل الشرير، الذي فاق في شره أهل نينوى، يحتاج إلى نوع آخر من الآيات، لأن أهل نينوى تابوا بمناداة يونان دون أن يطلبوا منه آية تثبت صدق كلامه. لذلك رأى الرب يسوع أنهم في احتياج إلى الآية التي من أجلها تجسد ونرل إلى أرضنا، آية موته ودفنه في القبر ثلاثة أيام ثم قيامته من بين الأموات، مقيماً معه كل الذين يؤمنون به في ذلك الجيل وفي كل الأجيال: «أقامنا معه، واجلسنا معه في السماويات» (أف 2 :6). لقد تألب البحارة عل يونان وألقوه في اليم، وصار له بطن الحوت بمثابة “جوف الهاوية” (يون 6: 6). هكذا تألب اليهود عل الرب وصلبوه ودفن في “باطن الأرض”. وكما حفظ الله يونان في بطن الحوت سالماً وكان يعيش عل رجاء أن ينظر هيكل الله مرة أخرى: “ولكني أعود أنظر إلى هيكل قدسك» (يون 2: 5). هكذا قالت النبوة عن الرب يسوع إنه دفن على رجاء: «حتى جسدي أيضاً سيسكن عل رجاء. لأئك لن تترك نفسي في الهاوية ولا تدع قدوسك يرى فساداً» (أع 1: 26و27 ، مز16: 9و10). وكما خرج يونان من بطن الحوت بعد ثلاثة أيام وثلاث ليال، وذهب وكرز لأهل نينوى، هكذا قام الرب من بين الأموات في اليوم الثالث وأعلن بشرى الخلاص للخليقة كلها. والمقصود بـ “ثلاثة أيام وثلاث ليال” ليس ثلاثة أيام كاملة، لأنه في لغة الكتاب المقدس، وفي الأدب اليهودي القديم عامة، يطلق على الجزء من اليوم يوماً كاملاً (مثل ملوك الأول 29:20 أستير4: 16 ، 5 :1 ، لو 21:2). لقد كان نزول يونان إلى بطن الحوت وخروجه سالماً آية لأهل نينوى، أعطتهم حياة بعد أن كان قد صدر حكم الموت عليهم “بعد اربعين يوماً تنقلب نينوى” (يون3: 4)، هكذا صار موت الرب وقيامته سبب حياة أبدية لجميع الذين يؤمنون به، بعد أن كنا جميعاً تحت حكم الموت بسبب الحكم الذي صار على آدم ونسله: “لأنه كما في آدم يموت الجميع، هكذا في المسيج سيحيا الجميع، فإنه إذ الموت بإنسان، بإنسان، ايضا قيامة الأموات» (1كو 15: 21و22). |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 152100 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() آية يونان النبي تمتلئ أسفار العهد القديم بالنبوءات عن الرب يسوع منذ ميلاده حتى صعوده إلى السماء، ثم مجيئه الثاني ليدين الأحياء والأموات. ولا يخلو كلام أي نبي من أنبياء بني إسرائيل من نبوة أو أكثر تلقي الضوء على مرحلة من مراحل حياة الرب يسوع. حتى بلعام النبي الاممي الغريب عن شعب إسرائيل تنبأ عن مجيء الرب يسوع بالجسد، فقال: «أراه ولكن ليس الآن. ابصره ولكن ليس قريباً. يبرز كوكب من يعقوب، ويقوم قضيب من إسرائيل…» (عدد ظ¢ظ¤: ظ،ظ§). وهكذا يشترك جميع الأنبياء في التنبؤ عن شخص الرب يسوع. أما يونان النبي فقد تميز على كثير من الأنبياء، فهو لم يتكلم متنبئاً عن مجيء الرب فقط، بل صار هو نفسه رمزاً يشير إلى موت الرب وقيامته. هذا ما أوضحه الرب يسوع عندما طلب قوم من الكتبة والفريسيين أن يريهم آية من السماء، فرد عليهم قائلاً: «جيل شرير وفاسق يطلب آية، ولا تُعطى له أية إلا آية يونان النبي. لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال، هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال … لأنه كما كان يونان آية لأهل يينوى، كذلك يكون ابن الإنسان أيضا لهذا الجيل، (مت ظ،ظ¢: ظ£ظ© وظ¤ظ* ، لو ظ،ظ،: ظ£ظ*) |
||||