13 - 03 - 2014, 03:53 PM | رقم المشاركة : ( 131 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
لأن الآب نفسه يحبكم (يو16: 27) حينما اقتربت ساعة الصلب، بدأ السيد المسيح يكلّم تلاميذه عن أسرار عجيبة، ربما لم يكلمهم عنها من قبل. ولكن في الوقت نفسه أشار إلى أيام آتية، يكشف لهم فيها مزيدًا من الأسرار الإلهية. قال السيد المسيح: "قد كلمتكم بهذا بأمثال، ولكن تأتى ساعة حين لا أكلمكم أيضًا بأمثال، بل أخبركم عن الآب علانية. في ذلك اليوم تطلبون باسمي. ولست أقول لكم إني أنا أسأل الآب من أجلكم. لأن الآب نفسه يحبكم لأنكم قد أحببتموني. وآمنتم أنى من عند الله خرجت" (يو16: 25-27). أراد السيد المسيح أن يشرح لتلاميذه كيف يسعى لإيجاد علاقة مباشرة بينهم وبين الآب. هذه العلاقة المباشرة لم يكن من الممكن أن توجد بدون الفداء، وإتمام المصالحة بين الإنسان والله. وتمتع الإنسان بنعمة الولادة الجديدة والبنوة لله في المعمودية. قبيل الصليب كان السيد المسيح منشغلًا بالعلاقة بين الله الآب والإنسان الذي تغرب عنه زمنًا طويلًا. وبدأ بكلامه يمنح التلاميذ تشوقًا لكي يتطلعوا نحو تلك الساعة، أو ذلك اليوم الذي يكلمهم فيه عن الآب علانية، بعد إتمام الفداء. ولكي يتطلعوا نحو ذلك اليوم الذي يطلبون فيه من الآب بدالة حقيقية. أليس هذا ما نصلى به في القداس الإلهي في صلوات القسمة إذ نقول (لكي بقلب طاهر، ووجه غير مخزي، وإيمان بلا رياء، ومحبة كاملة.. نجرؤ بدالة بغير خوف، أن نصرخ نحوك أيها الآب القدوس الذي في السماوات، ونقول: أبانا الذي في السماوات..). منتهى الحب ومنتهى الاتضاع أن يقول السيد المسيح لتلاميذه "في ذلك اليوم تطلبون باسمي. ولست أقول لكم إني أنا أسأل الآب من أجلكم" (يو16: 26). كان مسرورًا جدًا بإيجاد علاقة مباشرة بين تلاميذه وبين الآب. ولهذا استهان بكل ما كان ينتظره من آلام وخزي، في سبيل تحقيق هذا الغرض النبيل. حينما يصطلح الإنسان مع الآب بالتوبة وبدم السيد المسيح، تصير له الدالة أن يتخاطب مع الآب مباشرة. لذلك قال السيد المسيح: "لست أقول لكم إني أنا أسأل الآب من أجلكم" (يو16: 26). ولكن "إن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب، يسوع المسيح البار، وهو كفارة لخطايانا" (1يو2: 1، 2). غفران الخطية لا يتم إلا بشفاعة السيد المسيح الكفارية،ولهذا لا يمكن للإنسان أن يأتي إلى الآب إلا بالمسيح. والمسيح هو الذي يطلب من أجل مغفرة خطاياه.. أما باقي الطلبات التي تتبع المصالحة مع الآب وتترتب عليها، فمن الممكن أن يقدمها الإنسان للآب مباشرة باسم السيد المسيح. لماذا يستجيب الآب؟ شرح السيد المسيح ذلك بقوله: "لأن الآب نفسه يحبكم. لأنكم قد أحببتموني. وآمنتم أنى من عند الله خرجت" (يو16: 27). محبة الله لنا تتحقق بمحبتنا للسيد المسيح وإيماننا به. هذا هو دليل قبولنا لمحبته ودخولنا إلى شركة الحب معه. لهذا قال يوحنا المعمدان: "الآب يحب الابن، وقد دفع كل شيء في يده. الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية" (يو3: 35، 36). وقال يوحنا الإنجيلي: "من اعترف أن يسوع هو ابن الله، فالله يثبت فيه وهو في الله. ونحن قد عرفنا وصدقنا المحبة التي لله فينا. الله محبة ومن يثبت في المحبة يثبت في الله والله فيه" (1يو4: 15، 16). وعن محبتنا لابن الله قال: "كل من يحب الوالد يحب المولود منه أيضًا" (1يو5: 1). جاء السيد المسيح لكي ينقل إلينا الحب الكائن بين الآب والابن منذ الأزل، أي الحب الكائن بين أقانيم الثالوث الآب والابن والروح القدس. ولهذا قال في مناجاته للآب قبل الصليب: "أيها الآب البار إن العالم لم يعرفك. أما أنا فعرفتك. وهؤلاء عرفوا أنك أنت أرسلتني. وعرفتهم اسمك وسأعرفهم، ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به، وأكون أنا فيهم" (يو17: 25، 26). |
||||
13 - 03 - 2014, 03:55 PM | رقم المشاركة : ( 132 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
أبي أعظم مني (يو14: 28) بقدر ما أتعبت هذه الكلمات أريوس الهرطوقى، بقدر ما هي مفرحة لقلوب الودعاء والمتضعين.. قالها السيد المسيح في بساطة واتضاع، عن حال كونه قد أخذ صورة عبد بالتجسد.. وإذ وُجد في الهيئة كإنسان وضع ذاته.. (انظر فى2: 8). فالسيد المسيح هو المثل الأعلى في الاتضاع. وبالرغم من كونه هو أقنوم الابن الأزلي، المساوي لأبيه في كل صفات الجوهر الإلهي، والأزلي مع الآب.. إلا أنه أخلى ذاته، آخذًا صورة عبد. ولم يكتفِ بذلك بل إذ وُجد في الهيئة كإنسان، وضع ذاته وأطاع حتى الموت. لهذا قدّم معلمنا بولس الرسول ما عمله السيد المسيح كمثال للاتضاع إذ قال: "فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع أيضًا. الذي إذ كان في صورة الله، لم يحسب مساواته لله اختلاسًا. لكنه أخلى نفسه، آخذًا صورة عبد صائرًا في شبه الناس. وإذ وُجد في الهيئة كإنسان، وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب" (فى2: 5-8). إخلاء الذات: (Kenosis) بهذه العبارات شرح معلمنا بولس الرسول حقيقة التجسد الإلهي. فالابن الوحيد الأزلي إذ كان "في صورة الله" (evn morfh|/ Qeou/ إن مورفى ثيئو) أخذ "صورة عبد" (morfh/n dou,lou مورفين دولو). هو لم يتغير عن طبيعته الإلهية، ولكنه أخلى نفسه (e`auto/n evke,nwse هي أفتون إكينوسى): بمعنى أنه تخلّى عن أن يكون مجده الإلهي منظورًا على الأرض، حينما احتجب مجد اللاهوت في الجسد.. إذ أخذ صورة عبد ووُجِد في الهيئة (sch,mati سكيماتى)كإنسان. لهذا قال السيد المسيح -حال كونه في الجسد على الأرض- إن الآب أعظم منه.. بمعنى أنه إذ أخلى نفسه فإن صورة العبد هي المنظورة.. وبصعوده إلى السماء فسوف يدخل إلى مجده، أي إلى صورة الله التي أخلى نفسه منها مرحليًا أو وقتيًا في نظر من رآه في حال تجسده على الأرض. وبهذا يدخل بجسد القيامة إلى حالة المجد التي تخص صورة الله. لهذا قال لتلاميذه: "لو كنتم تحبونني لكنتم تفرحون لأني قلت أمضى إلى الآب. لأن أبى أعظم منى" (يو14: 28). بمعنى أنهم ينبغي أن يفرحوا بعودته إلى السماء، حيث مجده الإلهي الأول الذي أخلى نفسه منه، إذ أخذ صورة عبد، لكي يضع نفسه ويطيع حتى الموت ويفتدى البشرية. ويؤكد ذلك كله ما قاله السيد المسيح في صلاته للآب قبيل الصليب: "أنا مجدتك على الأرض، العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته. والآن مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك، بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم" (يو17: 4، 5). أي أن رسالة السيد المسيح على الأرض كانت هي تمجيد الآب السماوي، وكان الابن قد أخلى نفسه ليتمم الفداء. وبعد إتمام الفداء على الأرض، يصير صعوده إلى السماء هو الوسيلة التي يعلن بها الآب دخول السيد المسيح إلى مجده، حيث يظهر مع الآب في الأقداس السماوية لأجلنا،ويكون بهذا قد عاد إلى مجده الذي كان له قبل كون العالم، والذي لم يفقده بالتجسد بل أخفاه عن الناظرين إليه على الأرض ليتمم الفداء. وقد عبّر القديس بولس الرسول عن هذه الحقيقة بقوله: "وبالإجماع عظيم هو سر التقوى: الله ظهر في الجسد، تبرر في الروح، تراءى لملائكة، كُرز به بين الأمم، أومن به في العالم، رُفع في المجد" (1تى3: 16). فالله الظاهر في الجسد، هو السيد المسيح الذي أخلى ذاته آخذًا صورة عبد. وهو نفسه رُفع في المجد: لأنه "كان ينبغي أن المسيح يتألم بهذا ويدخل إلى مجده" (لو24: 26). وبهذا يتضح أن قول السيد المسيح: "أبى أعظم منى" يخص وجوده في دائرة الإخلاء على الأرض. أما بعد عودته إلى مجده السماوي، فلا مجال لهذا القول على الإطلاق، إذ هو مساو لأبيه في مجده الإلهي الأزلي. " لم يحسب مساواته لله اختلاسًا" (فى2: 6) ونظرًا لأن السيد المسيح لم يختلس الألوهية، ولا مساواته لله.. بل هو مولود من الآب بالطبيعة قبل كل الدهور، بنفس جوهر الآب الإلهي: إذ له نفس الجوهر الذي للآب: هومو أوسيون تو باترى o`mo ouvsion tw/ Patri, = Homo - ousion tou Patri = of the same Essence with the Father لهذا أمكن أن يُخلى ذاته دون أن يخشى فقدان شيء من هذا الجوهر الإلهي. فمسألة الإخلاء تخص مجده الإلهي المنظور فقط، دون أن تتأثر طبيعته الإلهية أو تتغير بسبب الإتحاد الطبيعي والأقنومي بين اللاهوت والناسوت في تجسد الكلمة. الترجمة الإنجليزية لهذه الآية هي كما يلي حسب: King James Version "Thought it not robbery to be equal to God" (Ph2:6). أي لم يحسبه اختلاسًا أن يكون معادلًا لله أو لم يحسب مساواته لله اختلاسًا (انظر فى2: 6). كان إخلاء السيد المسيح لنفسه ضرورة حتمية للتجسد، وكان اتضاعه في تجسده ضرورة حتمية لإتمام الفداء. وقد علّمنا بمثاله الصالح كيف يمكن تحقيق مقاصد الله من خلال الاتضاع، لكي ننجو نحن من سقطة الكبرياء التي لإبليس المعاند. |
||||
13 - 03 - 2014, 03:56 PM | رقم المشاركة : ( 133 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
وتتركونني وحدي (يو16: 32) في ليلة آلام السيد المسيح؛ قال لتلاميذه: "هوذا تأتى ساعة وقد أتت الآن، تتفرقون فيها كل واحد إلى خاصته وتتركوننى وحدي، وأنا لست وحدي لأن الآب معي" (يو16: 32). من الأمور المؤلمة للقلب، أن يجد الإنسان نفسه وقد تخلّى عنه أصدقاؤه في وقت الشدة والضيق.. في ليلة آلامه في البستان، عاتب السيد المسيح تلاميذه حينما ناموا ولم يسهروا معه حسب طلبه وقال لهم: "أهكذا ما قدرتم أن تسهروا معي ساعة واحدة؟!" (مت26: 40). وقد ورد هذا المعنى في المزمور القائل "انتظرت رقة فلم تكن ومعزّين فلم أجد" (مز69: 20). وكان السيد المسيح قد "ابتدأ يحزن ويكتئب" (مت26: 37) ويقول لتلاميذه: "نفسي حزينة جدًا حتى الموت" (مر14: 34). كان من الطبيعي أن يحزن السيد المسيح على خطايا البشر جميعًا، وقد وُضعت على كاهله ليحملها عوضًا عنهم. إذ قيل عنه أنه هو "حمل الله الذي يرفع خطية العالم" (يو1: 29). وقيل أيضًا "كلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد إلى طريقه، والرب وضع عليه إثم جميعنا" (إش53: 6). لم يكن من السهل إطلاقًا أن يحمل البار ذنوب الخطاة، بل كان الثمن فادحًا جدًا.. وكان الحزن هو التعبير الطبيعي عن المعاناة الكبيرة التي عاناها السيد المسيح لأجل خلاصنا. |
||||
13 - 03 - 2014, 03:57 PM | رقم المشاركة : ( 134 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
أحزاننا حملها (إش53: 4) لهذا قيل عن السيد المسيح في آلامه، أنه "محتقر ومخذول من الناس، رجل أوجاع ومختبر الحزن.. وكمستر عنه وجوهنا محتقر فلم نعتد به. لكن أحزاننا حملها وأوجاعنا تحملها، ونحن حسبناه مصابًا مضروبًا من الله ومذلولًا" (إش53: 3، 4). وقف السيد المسيح أمام العدل الإلهي كمذنب، مستعد لتحمل العقاب ودفع الثمن. وكراعٍ صالح قال: "أنا أضع نفسي عن الخراف" (يو10: 15). وقال لتلاميذه: "ليس لأحد حب أعظم من هذا، أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه" (يو15: 13). تحمل السيد المسيح الأحزان والأوجاع، التي ينبغي أن يتحملها الخاطئ حينما يشعر بفداحة ذنبه وجسامة خطاياه وبشاعتها. ولا يوجد مثل السيد المسيح في إدراكه الكامل لبشاعة الخطية. هذا كله تحمله السيد المسيح، إلى جوار تحمله لآلام الجلد وإكليل الشوك والصلب، وتذوقه الموت لأجل كل واحد. وأضيف إلى ذلك ما احتمله نتيجة التعيير من البعض، والجحود أو التخلي أو الخيانة من البعض الآخر. وتم ما قيل عنه في المزمور "عند كل أعدائي صرت عارًا، وعند جيراني بالكُلية، ورعبًا لمعارفي. الذين رأوني خارجًا هربوا عنى. نسيت من القلب مثل الميت. صرت مثل إناء متلف. لأني سمعت مذمة من كثيرين.. تفكروا في أخذ نفسي" (مز31: 11-13). لم يكن هناك من يستطيع أن يدفع ثمن خطايا البشرية سوى البار القدوس وحده، إذ جعل نفسه ذبيحة إثم،فهو الوحيد الذي يستطيع أن يتألم ويموت عوضًا عن آخرين، لأنه هو نفسه بلا خطية تستوجب الموت أو الإدانة. |
||||
13 - 03 - 2014, 03:58 PM | رقم المشاركة : ( 135 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
دست المعصرة وحدي (إش63: 3) وحينما قال لتلاميذه: "تتركوني وحدي"، لم يكن هذا فقط من جهة عدم قدرتهم على مساندته والسهر معه في وقت الآلام. ولكن أيضًا لأنه لم يكن ممكنًا لأي إنسان أن يحمل معه خطايا البشرية ويدفع ثمنها.. فكان السيد المسيح وحيدًا فريدًا "هو يدوس معصرة خمر سخط وغضب الله" (رؤ19: 15) موفيًا العدل الإلهي حقه بالكامل. لهذا قال بفم النبي: "قد دست المعصرة وحدي، ومن الشعوب لم يكن معي أحد" (إش63: 3). لكن في كل ذلك قال لتلاميذه: "أنا لست وحدي، لأن الآب معي" (يو16: 32). لأن الآب والابن لا ينفصلان إطلاقًا. |
||||
13 - 03 - 2014, 03:59 PM | رقم المشاركة : ( 136 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
أيها الآب مجد اسمك حينما تكلم السيد المسيح مع تلاميذه عن مجيء ساعة آلامه وموته، إذ قال: "قد أتت الساعة ليتمجد ابن الإنسان" (يو12: 23)، وقال إنه قد جاء إلى العالم لأجل هذه الساعة "لأجل هذا أتيت إلى هذه الساعة" (يو12: 27)، تحوّل السيد المسيح من حديثه مع التلاميذ إلى مخاطبة الآب السماوي ورد عليه الآب من السماء كما يلي: "أيها الآب مجد اسمك. فجاء صوت من السماء: مجدت وأمجد أيضًا" (يو12: 28). ويلزمنا هنا أن نسأل عن علاقة قول السيد المسيح: "قد أتت الساعة ليتمجد ابن الإنسان" (يو12: 23) بقوله للآب: "أيها الآب مجّد اسمك"، وما هي علاقة كل ذلك بآلام السيد المسيح وموته وقيامته من الأموات؟ ويلزمنا أيضًا أن نسأل عن الاسم الذي قصده السيد المسيح حينما قال: "أيها الآب مجّد اسمك". لقد أكّد السيد المسيح أهمية هذا الاسم الذي ردده كثيرًا أي "الآب"لذلك ففي مناجاته قبل الصلب التي سجلها القديس يوحنا في الأصحاح السابع عشر من إنجيله، رفع يسوع عينيه نحو السماء وقال: "أيها الآب قد أتت الساعة. مجّد ابنك ليمجدك ابنك أيضًا" (يو17: 1). وفي نهاية هذه المناجاة العميقة قال: "أيها الآب البار إن العالم لم يعرفك. أما أنا فعرفتك، وهؤلاء عرفوا أنك أنت أرسلتني. وعرفتهم اسمك وسأعرفهم ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به وأكون أنا فيهم" (يو17: 25، 26). عرّفتهم اسمك في تكرار السيد المسيح لهذا اللقب الجميل "الآب" كشف عن حقيقة الثالوث القدوس، لأنه لا يوجد آب بغير ابن. وفي قوله للآب: "عرفتهم اسمك" يعنى أنه قد كشف هذه الحقيقة الرائعة وهى أن إله إبراهيم هو ليس مجرد إله فقط، بل هو الآب وكلمته وروحه. الآب هو الأصل بغير بداية الذي منه يولد الابن قبل كل الدهور، ومنه ينبثق الروح القدس قبل كل الدهور، كما قال السيد المسيح عنه: "روح الحق الذي من عند الآب ينبثق" (يو15: 26). وكما شرح الآباء القديسون لا يوجد آب بغير ابن ولا ابن بغير آب ومن هنا نفهم ارتباط تمجيد الابن بتمجيد اسم الآب. لأننا حينما نرى مجد المحبة في الفداء ونعلم أنه "هكذا أحب الله العالم، حتى بذل ابنه الوحيد الجنس لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية" (يو3: 16) حينئذ ندرك أبوة الآب الحقيقية. الآب يتمجد في الخلاص الذي منحه للبشرية بواسطة ابنه الوحيد الجنس ربنا يسوع المسيح. حينما تمجد ابن الله الكلمة الذي تجسد وتأنس من أجل خلاصنا وذلك بموته المحيى وقيامته من الأموات، حينئذ تمجد اسم الآب بواسطة ابنه الوحيد. الآب هو ينبوع الحب وينبوع الحكمة وينبوع الحياة.. ونحن ندرك كل ذلك حينما ننال الحياة في المسيح بفعل الروح القدس العامل في الأسرار. إن اسم "الآب" ليس مجرد لقب فخري يعلن أبوة الآب للخليقة، ولكنه يعلن ما هو أعظم من ذلك بكثير،فهو يعلن أن الله هو أبو ربنا يسوع المسيح، أي أن الآب له ابن خصوصي والأبوة في الله ليست مستحدثة لسبب وجود الخليقة بل هي الخاصية الأقنومية للآب، والتي تعلن في آن واحد أن الله هو ثالوث في جوهر واحد، وجوهر واحد في ثلاثة أقانيم غير منفصلة. وقد أشار القديس بولس الرسول إلى أبوة الله بالنسبة لنا في فاتحة رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس: "نعمة لكم وسلام من الله أبينا والرب يسوع المسيح" (1كو1: 3)، وفي رسالته الثانية لأهل كورنثوس قال: "مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح" (2كو1: 3). وكرر نفس الأمر في فاتحة الرسالة إلى أهل أفسس: "نعمة لكم وسلام من الله أبينا والرب يسوع المسيح. مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح" (أف1: 2، 3). كذلك في فاتحة رسالة أهل كولوسي كتب يقول: "نعمة لكم وسلام من الله أبينا والرب يسوع المسيح. نشكر الله وأبا ربنا يسوع المسيح" (كو1: 2، 3). لذلك نلاحظ التأكيد على أبوة الله الآب للرب يسوع المسيح.. هذا هو الاسم الذي يتمجد حينما يتمجد الابن الوحيد. أنت ابني وقد أوضح القديس بولس الرسول أهمية فهم هذه العلاقة بين الآب والمسيح فقال: "لأنه لمن من الملائكة قال قط: أنت ابني أنا اليوم ولدتك. وأيضًا أنا أكون له أبًا وهو يكون لي ابنًا. وأيضًا متى أدخل البكر إلى العالم يقول: ولتسجد له كل ملائكة الله. وعن الملائكة يقول: الصانع ملائكته رياحًا وخدامه لهيب نار. وأما عن الابن: كرسيك يا الله إلى دهر الدهور" (عب1: 5-8). إن القديس بولس الرسول في اقتباسه من مزمور "كرسيك يا الله إلى دهر الدهور" (مز44: 6). قد أوضح أن المقصود بهذه العبارة هو الله الابن. لذلك فإن تمجيد الابن هو تمجيد للآب، وتمجيد الآب هو تمجيد للابن لسبب وحدانية الجوهر الإلهي. فمجد الآب والابن والروح القدس هو مجد إلهي واحد. وبهذا نفهم معنى الحوار الذي دار بين الابن والآب "أيها الآب مجد اسمك. فجاء صوت من السماء مجدت وأمجد أيضًا" (يو12: 28) إنه وعد من الآب بتمجيد اسمه من خلال ابنه الوحيد "ليمجدك ابنك أيضًا" (يو17: 1). فالآب يمجد الابن ليتمجد الآب بالابن. وهكذا يكون مجد المحبة الأزلية. |
||||
13 - 03 - 2014, 04:01 PM | رقم المشاركة : ( 137 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
المناجاة مع الآب في ليلة الصلب سجّل لنا القديس يوحنا فصلًا كاملًا عن مناجاة السيد المسيح للآب في ليلة آلامه وصلبه، ونذكر منها العبارات التالية:
|
||||
13 - 03 - 2014, 04:02 PM | رقم المشاركة : ( 138 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
أنا مجدتك على الأرض " أنا مجدتك على الأرض" (يو17: 4) كيف مجد الابن المتجسد أباه السماوي في تجسده وظهوره في العالم؟ عن هذا الأمر كتب القديس يوحنا في إنجيله عن الكلمة الذي صار جسدًا وحل بيننا "رأينا مجده مجدًا كما لوحيد من الآب مملوءًا نعمةً وحقًا.. ومن ملئه نحن جميعًا أخذنا ونعمة فوق نعمة. لأن الناموس بموسى أُعطى، أما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا" (يو1: 14، 16، 17). إنها كلمات عجيبة قالها تلميذ الرب يوحنا الرسول: "رأينا مجده كما لوحيد من الآب" أي أن المجد الذي رآه التلاميذ هو ما يليق بابن الله الوحيد. تُرى ما هو هذا المجد الذي عناه يوحنا، التلميذ الذي كان يسوع يحبه؟ هل يقصد رؤيته للسيد متجليًا على جبل طابور حينما صعد إلى الجبل ليصلى وأخذ معه بطرس ويعقوب ويوحنا "وتغيرت هيئته قدامهم، وأضاء وجهه كالشمس، وصارت ثيابه بيضاء كالنور" (مت17: 2). ذلك المنظر الذي قال عنه القديس بطرس الرسول: "كنا معاينين عظمته. لأنه أخذ من الله الآب كرامة ومجدًا، إذ أقبل عليه صوت كهذا من المجد الأسنى هذا هو ابني الحبيب الذي أنا سررت به. ونحن سمعنا هذا الصوت مقبلًا من السماء إذ كنا معه في الجبل المقدس" (2بط1: 16-18). بلا شك أن هذه الرؤيا أو هذا المنظر قد ترك أثرًا عميقًا في أذهان الرسل الثلاث حينما أبصروا شعاعًا من مجد الابن الوحيد. وقد كتب القديس بولس الرسول أن الله قد كلمنا في ابنه، وقال عن ابن الله أنه هو "بهاء مجده" (عب1: 3). باللغة الإنجليزية Brightness of His Glory (K.J.V.) أي "لمعان مجده"، بمعنى لمعان مجد الله الآب. ولكن المسألة في الحقيقة لم تكن قاصرة على منظر التجلي البديع وذلك في ذهن القديس يوحنا الإنجيلي حينما كتب "ورأينا مجده مجدًا كما لوحيدٍ من الآب مملوءًا نعمةً وحقًا" (يو1: 14). لأنه من الواضح أنه قد ربط رؤيته لهذا المجد هو وغيره بما رأوه في المسيح من ملء النعمة والحق. إن الشيطان يستطيع أن يغير شكله إلى شبه ملاك نور، ويمكنه أن يبهر الناس بمناظر وأفعال خارقة. ولهذا فإن السيد المسيح لم يظهر مجده فقط بمنظره النوراني على جبل التجلي.. بل ظهرت ملامح هذا المجد في كل جوانب سيرته وحياته. وهنا نستطيع أن نميز بين المجد الزائف، والمجد الحقيقي، بين المجد الظاهري والمجد الأصيل. "فيه يحل كل ملء اللاهوت جسديًا" (كو2: 9) كتب معلمنا بولس الرسول عن السيد المسيح "فإنه فيه يحل كل ملء اللاهوت جسديًا" (كو2: 9). لقد اتحد أقنوم الكلمة (اللوغوس) بالطبيعة البشرية الكاملة التي أخذها من العذراء مريم منذ اللحظة الأولى للتجسد. وبهذا صارت الصفات الإلهية جميعها هي من خصائص الابن المتجسد الذي تجسد بطبيعة واحدة تجمع خصائص الطبيعتين، دون أن تتلاشى واحدة منها في الأخرى. ولكن أمكن أن نرى كل صفات اللاهوت في الابن المتجسد الواحد. لهذا قال السيد المسيح لتلاميذه: "الذي رآني فقد رأى الآب" (يو14: 9). وقال معلمنا بولس الرسول: "الله ظهر في الجسد" (1تى3: 16)،لأن المسيح هو "صورة الله" (كو1: 15). وهذا يشرح قول القديس يوحنا الإنجيلي: "رأينا مجده مجدًا كما لوحيدٍ من الآب مملوءًا نعمةً وحقًا". إن السيد المسيح "مملوءًا نعمةً وحقًا"، وفيه "يحل كل ملء اللاهوت جسديًا". رأى التلاميذ في السيد المسيح صلاح الله، وبره، وقداسته، وخيريته، وطول أناته، ورحمته، ومحبته، وقوته، وسعيه لخلاص الناس، وما فيه من حق وعدل وحزم ورفض للشر.. تلامسوا مع وداعته ورقته وصفحه وغفرانه العجيب إلى المنتهى للخطاة التائبين من كل قلوبهم. وتلامسوا مع عنايته بالمرضى والمعذبين وسعيه لإراحتهم، وهو يتحنن على الجموع ويشفق ويمنح الراحة للمتعبين، ويشبع الجياع في الأماكن القفرة في البرية. وتلامسوا مع طول أناته معهم واحتماله لضعفاتهم كمبتدئين حتى يأتي بهم إلى القوة. واحتماله لجهلهم حتى يأتي بهم إلى المعرفة الحقة. تلامسوا مع محبته إلى المنتهى وهو يبذل نفسه عنهم ويحتمل الآلام الرهيبة ليخلصهم من الهلاك الأبدي، كانت الجلدات على ظهر السيد المسيح هي شفاء لأوجاع خطايانا وتلذذات الخطية التي أفسدت طبيعتنا البشرية. وتلامسوا مع سمو تعاليمه، واستمعوا إلى كلمات النعمة الخارجة من شفتيه وتؤثر في السامعين بمنتهى القوة والعمق.. وكم كان يتكلم كمن له سلطان وليس كالكتبة. تلامسوا مع الحق الذي فيه.. وهو الذي قال عن نفسه "أنا هو الطريق والحق والحياة". لم يظهر الحق ويعبّر عنه بصورة واضحة كما كان معلنًا في السيد المسيح. كان الحق الذي فيه أقوى من كل فعل أو كلام باطل للشيطان أو للناس الذين انساقوا وراء إبليس. ولهذا فقد شهد التلاميذ بقوة القيامة "حقًا قام" لأن القيامة كانت هي الحق الذي أشرق ليبدد كل مؤامرة الشيطان، وكل ظلم البشر الأشرار. وتلامسوا مع الحق الذي فيه كرافض للشر والخطية في حياة ذوى القلوب المتقسية الرافضة للتوبة. الأمر الذي تنبأ عنه يوحنا المعمدان بقوله: "والآن قد وضعت الفأس على أصل الشجر. فكل شجرة لا تصنع ثمرًا جيدًا تقطع وتلقى في النار" (مت3: 10). تلامسوا مع قداسة الله في شخص السيد المسيح.. الله القدوس الذي بلا خطية وحده.. وكان السيد المسيح هو الذي قال لليهود: "من منكم يبكتني على خطية" (يو8: 46). طهارة كاملة.. نقاوة كاملة.. سمو كامل.. صفاء عجيب.. بساطة متناهية.. قوة في رفض الشر والصمود في وجه الطغيان.. تحرر من الأهواء والنزعات.. إنها أنشودة عجيبة تلك الكلمات الخالدة "أنا مجدتك على الأرض".. لأن مجد الآب قد ظهر في ابنه الوحيد "ورأينا مجده مجدًا كما لوحيدٍ من الآب مملوءًا نعمةً وحقًا".. وكان السيد المسيح في كل ذلك يسعى دائمًا لتمجيد أبيه السماوي وإظهار اسمه للناس. أي إظهار أنه "هو الآب"بالحقيقة. الآب الذي يتدفق الحب الأزلي بينه وبين الابن الوحيد.. الآب الذي هو أبو كل الأرواح وهو الأصل في كل شيء وله ينبغي التمجيد مع ابنه الوحيد والروح القدس الآن وكل أوان وإلى الأبد آمين. |
||||
13 - 03 - 2014, 04:10 PM | رقم المشاركة : ( 139 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته " العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته" (يو 17: 4) كانت إرسالية الابن الوحيد إلى العالم هي بحسب تدبير الثالوث القدوس من أجل خلاص البشر وتمجيد اسم الله. وقد قال السيد المسيح عن هذه الإرسالية بفم إشعياء النبي: "منذ وجوده أنا هناك، والآن السيد الرب أرسلني وروحُهُ" (إش48: 16). كان التدبير الإلهي بمنتهى الحكمة والروعة والذكاء في عمل الفداء.. في إظهار قداسة الله الآب كرافض للشر.. وفي إظهار محبته كمعتنٍ بالخليقة.. وفي إظهار رحمته في خلاص الخطاة. كل ذلك قد كان كما قال معلمنا بولس الرسول: "لمدح مجد نعمته التي أنعم بها علينا في المحبوب. الذي فيه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا، حسب غنى نعمته التي أجزلها لنا بكل حكمة وفطنة. إذ عرّفنا بسر مشيئته، حسب مسرته التي قصدها في نفسه لتدبير ملء الأزمنة، ليجمع كل شيء في المسيح ما في السماوات وما على الأرض" (أف1: 6-10). هذا العمل الكبير، وهذا التدبير الإلهي المتقن لأجل خلاص البشرية.. وهو أمر يفوق العقول، وتنبهر له أفهام الملائكة السمائيين.. هو ما قصده السيد المسيح بقوله للآب "العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته" (يو17: 4). كان كل ما يشغل السيد المسيح في خدمته، هو أن يصنع مشيئة الآب السماوي. وكان يقول لتلاميذه: "طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله" (يو4: 34). وقال أيضًا لليهود: "متى رفعتم ابن الإنسان فحينئذ تفهمون أنى أنا هو. ولست أفعل شيئًا من نفسي، بل أتكلم بهذا كما علمني أبى. والذي أرسلني هو معي، ولم يتركني الآب وحدي. لأني في كل حين أفعل ما يرضيه" (يو8: 28، 29). وحينما استنكر اليهود قول السيد المسيح: "أنا والآب واحد" (يو10: 30)، قال لهم: "إن كنت لست أعمل أعمال أبى، فلا تؤمنوا بي. ولكن إن كنت أعمل، فإن لم تؤمنوا بي فآمنوا بالأعمال. لكي تعرفوا وتؤمنوا أن الآب فيَّ وأنا فيه" (يو10: 37، 38). وعلى الرغم من تمايز دور كل أقنوم في العمل، إلا أن العمل الإلهي هو واحد ومشترك، فالخلاص هو عمل الثالوث الأقدس وتدبيره، ولكن كل أقنوم كان له دوره المتمايز في هذا العمل الواحد الكبير. فالآب بذل ابنه الوحيد إذ أرسله لخلاص العالم. والابن بذل نفسه على الصليب.. فهو الذي تجسد وصلب ومات وقام من الأموات. والروح القدس لم يكن غريبًا عن الابن الكلمة المتجسد "الذي بروح أزلي قدّم نفسه لله بلا عيب" (عب9: 14). "الله كان في المسيح مصالحًا العالم لنفسه" (2كو5: 19). وبهذا تم الفداء على أكمل وجه. حقًا لقد صنع السيد المسيح مشيئة الآب الذي أرسله "لذلك عند دخوله إلى العالم يقول ذبيحةً وقربانًا لم تُرِد، ولكن هيأت لي جسدًا. بمحرقات وذبائح للخطية لم تسر. ثم قلت هانذا أجيء في درج الكتاب مكتوب عنى لأفعل مشيئتك يا الله" (عب10: 5-7). لقد كان السيد المسيح في صورة الله، ولم يحسب مساواته لله اختلاسًا (انظر فى2: 6)، لأن جوهره هو هو نفس جوهر الآب،ولذلك لأنه لم يختلس المساواة مع الله الآب "أخلى نفسه آخذًا صورة عبد، صائرًا في شبه الناس. وإذ وُجد في الهيئة كإنسان، وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب" (فى2: 7، 8). "مع كونه ابنًا تعلّم الطاعة مما تألم به" (عب 5: 8). كان مجرد ظهور كلمة الله في الجسد هو إخلاء للنفس لأنه إذ كان في صورة الله، أخذ صورة عبد. ولم يكتفِ بذلك.. بل إذ وُجد في الهيئة كإنسان.. سلك بمنتهى الاتضاع خاضعًا.. مطيعًا.. وديعًا.. متواضعًا.. سُر به قلب الآب السماوي. وضع نفسه عن الخراف.. احتمل الذل والمهانة والعار عوضًا عن الخطاة.. حمل خطايا كثيرين.. وشفع في المذنبين. مع أنه لم يعمل خطية ولم يوجد في فمه غش، بل قدّم صورة مثالية للإنسان.. وكان قدوسًا للقديسين. لهذا قال عنه الآب في سفر إشعياء: "هوذا عبدى الذي أعضده، مختارى الذي سرت به نفسي. وضعت روحي عليه فيُخرِج الحق للأمم.. إلى الأمان يخرج الحق.. وتنتظر الجزائر شريعته" (إش42: 1-4، انظر مت12: 18، 20، 21). لقد انبهرت عقول وأفهام الجميع، ممن في السماء ومن على الأرض من كل ما صنعه الابن الوحيد، الذي صنع كل مشيئة الآب وأكمل عمله. |
||||
13 - 03 - 2014, 04:11 PM | رقم المشاركة : ( 140 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
أنا أظهرت اسمك للناس " أنا أظهرت اسمك للناس" (يو17: 6) قال السيد المسيح للآب: "أنا أظهرت اسمك للناس" (يو17: 6). وقال له أيضًا: "وعرفتهم اسمك وسأعرفهم ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به وأكون أنا فيهم" (يو17: 26). وهذا القول الأخير قاله عن تلاميذه القديسين الذين طلب من الآب من أجلهم لكي يكونوا معه في مجد ملكوته. والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هنا: ما معنى أن السيد المسيح قد أظهر اسم الآب للناس؟ فى الحقيقة إن الله كان معروفًا قبل مجيء السيد المسيح في الجسد باسم "يهوه" وهو دلالة على الكينونة، وباسم "أدوناى" بمعنى السيد، وبأسماء أخرى كثيرة كان اليهود يوقرونها بأساليب متنوعة.. ولكن كلها تشير إلى السيد الكائن القدير الذي هو الإله الحقيقي بين جميع الآلهة. أما الاسم الذي كان يحلو للسيد المسيح أن يطلقه عليه فهو اسم "الآب" لأن السيد المسيح قد أظهر لنا معرفة الثالوث القدوس. فالله الآب هو أبو ربنا يسوع المسيح. وليس هناك آب بدون ابن ولا ابن بدون آب. وتعبير "الآب"يشرح العلاقة الأزلية القائمة على الحب بين الآب وابنه الوحيد كلمة الله المولود من الآب قبل كل الدهور. وهو نفس الحب المتبادل بين الأقانيم الثلاثة: الآب والابن والروح القدس المنبثق من الآب. كما أن تعبير الآب وهو من الناحية اللغوية يعنى "الأصل" إلا أنه يشير إلى أبوة الله التي تتحقق أزليًا بولادته للابن الوحيد، كما أنها تتحقق في الزمن بعنايته ومحبته للخليقة. لقد أعلن السيد المسيح أبوة الله العجيبة حينما قال لنيقوديموس: "لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد الجنس لكي لا يهلك كل من يؤمن بل تكون له الحياة الأبدية" (يو3: 16). والمقصود في هذه العبارة أنه إلى هذه الدرجة غير الموصوفة أحب الله الآب العالم حتى بذل ابنه الوحيد الجنس. كان أعظم إعلان عن أبوة الله الحقيقية هو في سعيه من أجل خلاص البشر، بالرغم من التعدي والسقوط الذي حدث بغواية إبليس. وقد تغنى إشعياء النبي بهذه الحقيقة فقال: "هوذا الله خلاصي فأطمئن ولا أرتعب لأن ياه يهوه قوتي وترنيمتي وقد صار لي خلاصًا. فتستقون مياهًا بفرح من ينابيع الخلاص" (إش12: 2، 3). إن يسوع هو يهوه المخلص وهذا هو معنى اسمه في اللغة العبرية "يهوه خلّص". كما قال الملاك: "وتدعو اسمه يسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم" (مت21:1). ومعنى كلمة إشعياء أن "يهوه قد صار لي خلاصًا" أي أن الله هو نفسه صار لنا خلاصًا، والمقصود هنا "الله الابن" أي "الله الكلمة" الذي تجسد وصار لنا خلاصًا. فالله الآب قد أحب العالم وأرسل ابنه الوحيد الذي هو الله الكلمة بالحقيقة،وكان السيد المسيح يردد دائمًا عبارة "أنا هو" وهى نفسها "أهيه" باللغة العبرية أو "VEgw, eivmi إيجو إيمى" باللغة اليونانية، وهى "I am he" باللغة الإنجليزية في ضمير المتكلم في الزمن المضارع. وتصير "يهوه" بمعنى "كائن" أو "هو يكون He is " في ضمير المفرد الغائب في الزمن المضارع. من كان يستطيع أن يظهر الله غير المنظور إلا كلمة الله الذي ظهر في الجسد معلنًا أبوة الله الحقيقية. لهذا قال السيد المسيح: "أنا أظهرت اسمك للناس" (يو17: 6). وإظهار هذا الاسم ليس هو مجرد فكرة يفهمها الإنسان، ولكنها حياة يختبرها ويتذوقها إذا فتح قلبه للإيمان بالمسيح. لهذا قال عن تلاميذه: "عرفتهم اسمك وسأعرفهم ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به وأكون أنا فيهم" (يو17: 26). إن معرفة اسم الآب هو بداية انفتاح قلب الإنسان ليتدفق فيه نهر الحياة.. ذلك الحب العجيب المتدفق الذي يختبره الإنسان حينما يحب الآب بالابن في الروح القدس. |
||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
من كتاب مشتهى الأجيال: صعود المسيح |
من كتاب مشتهى الأجيال: من القدس إلى قدس الأقداس |
من كتاب مشتهى الأجيال: التجربة على الجبل |
من كتاب مشتهى الأجيال: مصير العالم يتأرجح |
من كتاب مشتهى الأجيال: يأس المخلص |