منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03 - 08 - 2016, 07:06 PM   رقم المشاركة : ( 13841 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,465

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
رومية 15: 13
وليملاكم اله الرجاء
كل سرور وسلام في الايمان،
لتزدادوا في الرجاء بقوة الروح القدس.
 
قديم 03 - 08 - 2016, 07:08 PM   رقم المشاركة : ( 13842 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,465

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

التلمذة والإخلاص في الطاعـــــــــــــة
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


+ التلمذة والإخلاص في الطاعة +
في الواقع الروحي المُعاش لا توجد على الإطلاق تلمذة وتبعية بدون طاعة التعليم [1]، والطاعة أساسها الإيمان، لأن ما معنى الإيمان بالله سوى طاعته [2]، لأن إبراهيم لما سمع دعوة الله آمن فأطاع، لأن الطاعة تعني إخلاص القلب، بمعنى إني أنا آمنت بالمسيح القيامة والحياة واعتمدت فيه فلبسته [3]، لذلك أحيا الآن باستمرار ودوام بطاعة الإيمان [4] بإخلاص قلب صادق حافظاً العهد الجديد الذي أقامه الله معي [5]، وهذا هو معنى الابن الصريح في الإيمان.

ففي البداية عند الخلق الأول الإنسان لم يطع الوصية الوحيدة، وذلك أوضح هزة الثقة التي كانت مخفية في قلبه من نحو الله، فدخل في حالة تُسمى "درامة العصيان" [6] هذه التي التي اسقطته من الحضرة الإلهية وأفقدته الحس والبصر الروحي، فتعرى من النعمة، واختطف لنفسه قضية الموت، ومن بعده البشر في ضلالهم طعنوا أنفسهم بالأوجاع الكثيرة لأنهم استمروا في العصيان ولم يطيعوا صوت الله، لا بحسب الناموس الطبيعي الذي في الضمير الإنساني، ولا حتى بحسب الناموس الأدبي الذي وصل إليهم من الله عن طريق الكلمات العشر، بل خانوا خيانة ونقضوا العهد ولم يثبتوا كشعب مختار لله [7]، لأن الطاعة كانت مبنية على عهد، والعهد كان قائم في الإيمان بالله، ومعنى نقض العهد هنا هو ترك الإيمان، وترك الإيمان يبدأ بالتذمر وينتهي برفض الله وعدم الاستماع إليه من الأساس، وأن حدث وسمع الإنسان لكلام الله فسيكون ظاهرياً، أي أنه سَمْع صوري شكلي خارجي، أي بحسب العادة أو لزوم تتميم الطقس من جهة الشكل.


_____ السمع والإصغاء والعمل _____
+ فالآن يا إسرائيل اسمع الفرائض والأحكام التي أنا أعلِّمكم لتعملوها لكي تحيوا وتدخلوا وتمتلكوا الأرض التي الرب إله آبائكم يُعطيكم. [8]؛ تقدَّم انت واسمع كل ما يقول لك الرب إلهنا وكلمنا بكل ما يُكلمك به الرب إلهنا فنسمع ونعمل. [9]
+ اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا ربٌ واحد. [10]
+ احفظ واسمع جميع هذه الكلمات التي أنا أوصيك بها لكي يكون لك ولأولادك من بعدك خيرٌ إلى الأبد إذا عملت الصالح والحق في عيني الرب إلهك. [11]
+ فاسمع لصوت الرب إلهك واعمل بوصاياه وفرائضه التي أنا أُوصيك بها اليوم. [12]
_____ نقض العهد_____
+ وقال الله لإبراهيم: وأما أنت فتحفظ عهدي أنت ونسلك من بعدك في أجيالهم. [13]
+ فالآن أن سمعتم لصوتي وحفظتم عهدي تكونون لي خاصة من بين جميع الشعوب فأن لي كل الأرض. [14]
+ وقال الرب لموسى: ها أنت ترقد مع أباءك فيقوم هذا الشعب ويفجُّر وراء آلهة الأجنبيين في الأرض التي هو داخل إليها فيما بينهم ويتركني وينكث عهدي الذي قطعته معه. [15]
+ قد أخطأ إسرائيل، بل تعدوا عهدي الذي أمرتهم به، بل أخذوا من الحرام، بل سرقوا، بل أنكروا، بل وضعوا في امتعتهم. [16]
+ فحمي غضب الرب على إسرائيل وقال: من أجل أن هذا الشعب قد تعدوا عهدي الذي أوصيت به آباءهم ولم يسمعوا لصوتي. [17]
+ فقال الرب لسُليمان: من أجل أن ذلك عندك ولم تحفظ عهدي وفرائضي التي أوصيتك بها فأني أُمزق المملكة عنك تمزيقاً وأُعطيها لعبدك. [18]
+ وللشرير قال الله: ما لك تُحدِّث بفرائضي، وتحمل عهدي على فمك، وأنت قد أبغضت التأديب وألقيت كلامي خلفك (لاَ تَكْتَرِثُ لِكَلاَمِي). إذا رأيت سارقاً وافقته، ومع الزُناة نصيبك. أطلقت فمك بالشرّ ولِسانك يخترع غِشاً. تجلس تتكلم على (تُشَهِّرُ بـ) أخيك، لابن أمك تضع معثرة (تَفْتَرِي). هذه صنعت وسكت (هَذِهِ كُلَّهَا فَعَلْتَ وَأَنَا سَكَتُّ) ظننت إني مثلك، (غَيْرَ أَنِّي) أوبخك وأصف خطاياك أمام عينيك. افهموا هذا يا أيها الناسون الله (تَنَبَّهُوا) لئلا أفترسكم ولا مُنقذ. ذابح الحمد يُمجدني والمقوِّم طريقه أُريه خلاص الله. [19]
+ قد رجعوا إلى آثام آبائهم الأولين الذين أبوا أن يسمعوا كلامي وقد ذهبوا وراء آلهة أُخرى ليعبدوها، قد نقض بيت إسرائيل وبيت يهوذا عهدي الذي قطعته مع آبائهم. [20]
+ لأجل ذلك هكذا قال السيد الرب: حيٌ أنا أن قسمي الذي ازدراه وعهدي الذي نقضه أردهما على رأسه. [21]
+ لا كالعهد الذي عملته مع آبائهم يوم أمسكت بيدهم لأُخرجهم من أرض مصر لأنهم لم يثبتوا في عهدي وأنا أهملتهم يقول الرب. [22]
_____ التذمر والرفض وعدم الطاعة بإصرار_____
+ فقال فرعون من هوَّ الرب حتى أسمع لقوله فأُطلق إسرائيل، لا أعرف الرب وإسرائيل لا أطلقه. [23]
+ فاحترزوا من التذمرّ الذي لا خير فيه، وكفوا ألسنتكم عن الثلب (النميمة)، فأن المنطوق به في الخفية لا يذهب سُدى والفم الكاذب يقتل النفس. [24]
+ حتى متى أغفر لهذه الجماعة الشريرة المتذمرة عليَّ، قد سمعت تذمُرّ بني إسرائيل الذي يتذمرونه عليَّ. [25]؛ في هذا القفر تسقط جثثكم، جميع المعدودين منكم حسب عددكم من ابن عشرين سنة فصاعدا الذين تذمروا عليَّ. [26]
+ ولا تتذمروا كما تذمر أيضاً أُناس منهم فأهلكهم المُهلك. [27]
عموماً نجد أن بعدما تبعته (المسيح يسوع ربنا) الجموع في نهاية إصحاح متى 4 نجد افتتاحية الإصحاح الخامس تبدأ بأنه لما رأى الجموع صعد إلى الجبل فلما جلس تقدم إليه تلاميذه ففتح فاه وعلَّمهم قائلاً، وقد بدأ بالتطويبات وختم التعليم بسماع أقواله والمثل الشهير عن الرجل العاقل الذي بنى بيته على الصخر والرجل الجاهل الذي بنى بيته على الرمل، لأن هنا بدأ يبرز الطاعة، لأن ما هي فائدة التعليم عندي كتلميذ للمسيح الرب وانا لا أعمل بأقواله وأُطيع التعليم من القلب، لأن إيماني الحي الحقيقي بالمسيح يُترجم طاعة، أو بمعنى أدق سماع بإصغاء من أجل طاعة، لأن معنى إني تُبت وآمنت به = إخلاصي له وأمانتي، أي ولائي له بالسمع والطاعة، لأن هذا دليل فعلي واقعي حقيقي واضح على تبعيتي الأمينة له بالحب، لأن من آمن أحب، ومن أحب أطاع بسهولة دون صراع، بمعنى أوضح إني صرت رجل عاقل، أي رجل إيمان منتبهاً لحياتي، سهران محافظاً على النعمة التي نلتها منه بكل أمانة للمنتهى، لذلك يقول الرسول: "اسهروا، اثبتوا في الإيمان، كونوا رجالاً، تقووا" [28]

ولكي نفهم الصورة متكاملة حسب قصد الله المعلن في الإنجيل علينا أن نصغي بتأني مُدققين لكي نفهم ونستوعب معنى الإيمان الحي العامل بالمحبة وعلامة التلمذة الحقيقية للمسيح الرب:

+ اطرحوا كل نجاسة وكثرة شرّ، فاقبلوا بوداعة الكلمة المغروسة [29] القادرة أن تُخلِّص نفوسكم. ولكن كونوا عاملين بالكلمة لا سامعين فقط خادعين نفوسكم. لأنه أن كان أحد سامعاً للكلمة وليس عاملاً فذاك يُشبه رجلاً ناظراً وجه خلقته في مرآة. فأنه نظر ذاته ومضى وللوقت نسي ما هو. ولكن من اطلع على الناموس الكامل ناموس الحرية وثبت وصار ليس سامعاً ناسياً، بل عاملاً بالكلمة فهذا يكون مغبوطاً في عمله. [30]
+ ولماذا تدعونني يا رب يا رب وأنتم لا تفعلون ما أقوله. [31]
+ ليس كل من يقول لي يا رب يا رب يدخل ملكوت السماوات، بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السماوات. [32]
+ فشكراً لله انكم كنتم عبيداً للخطية ولكنكم أطعتم من القلب صورة التعليم التي تسلمتموها. [33]
فالعلامة التي تُعرفني إني دخلت في حياة التلمذة الحقيقية لشخص ربنا يسوع وسيري الجاد في الطريق هي طاعة الوصية بسبب المحبة التي في قلبي من نحوه، لأن من يحب الرب يثق فيه، ومن يثق فيه يستودع نفسه بين يديه كخالق أمين جالساً كل يوم عند أقدامه مُتعلماً منه، فاتحاً قلبه مستعداً أن يُطيع أي إشارة منه لدعوة أو نداء، ويحيا وفق الدعوة والنداء ويستمر يُطيع للنفس الأخير.

+ طوبى للذين يسمعون كلام الله ويحفظونه. [34]
+ طوبى للإنسان الذي يسمع لي ساهراً كل يوم عند مصاريعي، حافظاً قوائم أبوابي. [35]
+ فاعلم ان الرب إلهك هو الله، الإله الأمين الحافظ العهد والإحسان للذين يحبونه ويحفظون وصاياه إلى ألف جيل. [36]
+ ومن أجل إنكم تسمعون هذه الأحكام وتحفظون وتعملونها، يحفظ لك الرب إلهك العهد والإحسان اللذين أقسم لآبائك. [37]
+ فيجعلون على الله اعتمادهم ولا ينسون أعمال الله بل يحفظون وصاياه. [38]
+ يا ابني لا تنس شريعتي، بل ليحفظ قلبك وصاياي. [39]
+ أن المتقين للرب لا يعاصون أقواله، والمُحبين له يحفظون طرقه. [40]
+ الحق الحق أقول لكم أن كان أحد يحفظ كلامي فلن يرى الموت إلى الأبد. [41]
+ والذي في الأرض الجيدة هو الذين يسمعون الكلمة فيحفظونها في قلب جيد صالح ويثمرون بالصبر. [42]
+ الذي عنده وصاياي ويحفظها فهو الذي يحبني، والذي يحبني يحبه أبي وأنا أُحبه وأُظهر له ذاتي. [43]
+ أجاب يسوع وقال لهُ: أن أحبني أحد يحفظ كلامي، ويحبه أبي وإليه نأتي وعنده نصنع منزلاً. [44]
+ الذي لا يحبني لا يحفظ كلامي، والكلام الذي تسمعونه ليس لي بل للآب الذي أرسلني. [45]
+ من قال قد عرفته وهو لا يحفظ وصاياه فهو كاذب وليس الحق فيه. [46]
+ ومن يحفظ وصاياه يثبت فيه وهو فيه، وبهذا نعرف أنه يثبت فينا من الروح الذي أعطانا [47]
+ هنا صبر القديسين هنا الذين يحفظون وصايا الله وإيمان يسوع. [48]

_______________________
[1] اسمعوا التعليم وكونوا حكماء ولا ترفضوه (أمثال 8: 33)
[2] فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس. وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به، وها انا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر آمين. (متى 28: 19، 20)
[3] لأن كلكم الذين اعتمدتم بـ (في) المسيح قد لبستم المسيح؛ ولبستم الجديد الذي يتجدد للمعرفة حسب صورة خالقه (غلاطية 3: 27؛ كولوسي 3: 10)
[4] الذي به لأجل اسمه قبلنا نعمة ورسالة لإطاعة الإيمان في جميع الأمم؛ ولكن ظهر الآن واعلم به جميع الأمم بالكتب النبوية حسب أمر الإله الأزلي لإطاعة الإيمان (رومية 1: 8؛ 16: 26)
[5] ولأجل هذا هو وسيط عهد جديد لكي يكون المدعوون – إذ صار موت لفداء التعديات التي في العهد الأول – ينالون وعد الميراث الأبدي =لذلِكَ هوَ الوَسيطُ لِعَهدٍ جَديدٍ يَنالُ فيهِ المَدعوّونَ الميراثَ الأبدِيَّ المَوعودَ، لأنَّهُ ماتَ كَفّارَةً لِلمَعاصي الّتي ارتكَبَها الشَّعبُ في أيّامِ العَهدِ الأوَّلِ. (عبرانيين 9: 15)
[6] ولم اسمع لصوت مرشدي ولم أمل أُذني إلى مُعلمي (أمثال 5: 13)
[7] الكل قد زاغوا معاً، فسدوا، ليس من يعمل صلاحاً، ليس ولا واحد (مزمور 14: 3)
[8] (تثنية 4: 1)
[9] (تثنية 5: 27)
[10] (تثنية 6: 4)
[11] (تثنية 12: 28)
[12] (تثنية 27: 10)
[13] (تكوين 17: 9)
[14] (خروج 19: 5)
[15] (تثنية 31: 16)
[16] (يشوع 7: 11)
[17] (قضاة 2: 20)
[18] (1ملوك 11: 11)
[19] (مزمور 50: 16 – 23)
[20] (أرميا 11: 10)
[21] (حزقيال 17: 19)
[22] (عبرانيين 8: 9)
[23] (خروج 5: 2)
[24] (الحكمة 1: 11)
[25] (عدد 14: 27)
[26] (عدد 14: 29)
[27] (1كورنثوس 10: 10)
[28] (1كورنثوس 16: 13)
[29] لأن هذا هو العهد الذي أعهده مع بيت إسرائيل بعد تلك الأيام يقول الرب أجعل نواميسي في أذهانهم وأكتبها على قلوبهم وأنا أكون لهم إلهاً وهم يكونون لي شعباً (عبرانيين 8: 10)
[30] (يعقوب 1: 21 – 25)
[31] (لوقا 6: 46)
[32] (متى 7: 21)
[33] (رومية 6: 17)
[34] (لوقا 11: 28)
[35] (أمثال 8: 34)
[36] (تثنية 7: 9)
[37] (تثنية 7: 12)
[38] (مزمور 78: 7)
[39] (أمثال 3: 1)
[40] (سيراخ 2: 18)
[41] (يوحنا 8: 51)
[42] (لوقا 8: 15)
[43] (يوحنا 14: 21)
[44] (يوحنا 14: 23)
[45] (يوحنا 14: 24)
[46] (1يوحنا 2: 4)
[47]
(1يوحنا 3: 24)
[48] (رؤيا 14: 12)
 
قديم 03 - 08 - 2016, 07:11 PM   رقم المشاركة : ( 13843 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,465

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

التذمر والرفض وعدم الطاعة بإصرار
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

+ فقال فرعون من هوَّ الرب حتى أسمع لقوله فأُطلق إسرائيل، لا أعرف الرب وإسرائيل لا أطلقه. [23]
+ فاحترزوا من التذمرّ الذي لا خير فيه، وكفوا ألسنتكم عن الثلب (النميمة)، فأن المنطوق به في الخفية لا يذهب سُدى والفم الكاذب يقتل النفس. [24]
+ حتى متى أغفر لهذه الجماعة الشريرة المتذمرة عليَّ، قد سمعت تذمُرّ بني إسرائيل الذي يتذمرونه عليَّ. [25]؛ في هذا القفر تسقط جثثكم، جميع المعدودين منكم حسب عددكم من ابن عشرين سنة فصاعدا الذين تذمروا عليَّ. [26]
+ ولا تتذمروا كما تذمر أيضاً أُناس منهم فأهلكهم المُهلك. [27]
عموماً نجد أن بعدما تبعته (المسيح يسوع ربنا) الجموع في نهاية إصحاح متى 4 نجد افتتاحية الإصحاح الخامس تبدأ بأنه لما رأى الجموع صعد إلى الجبل فلما جلس تقدم إليه تلاميذه ففتح فاه وعلَّمهم قائلاً، وقد بدأ بالتطويبات وختم التعليم بسماع أقواله والمثل الشهير عن الرجل العاقل الذي بنى بيته على الصخر والرجل الجاهل الذي بنى بيته على الرمل، لأن هنا بدأ يبرز الطاعة، لأن ما هي فائدة التعليم عندي كتلميذ للمسيح الرب وانا لا أعمل بأقواله وأُطيع التعليم من القلب، لأن إيماني الحي الحقيقي بالمسيح يُترجم طاعة، أو بمعنى أدق سماع بإصغاء من أجل طاعة، لأن معنى إني تُبت وآمنت به = إخلاصي له وأمانتي، أي ولائي له بالسمع والطاعة، لأن هذا دليل فعلي واقعي حقيقي واضح على تبعيتي الأمينة له بالحب، لأن من آمن أحب، ومن أحب أطاع بسهولة دون صراع، بمعنى أوضح إني صرت رجل عاقل، أي رجل إيمان منتبهاً لحياتي، سهران محافظاً على النعمة التي نلتها منه بكل أمانة للمنتهى، لذلك يقول الرسول: "اسهروا، اثبتوا في الإيمان، كونوا رجالاً، تقووا" [28]

ولكي نفهم الصورة متكاملة حسب قصد الله المعلن في الإنجيل علينا أن نصغي بتأني مُدققين لكي نفهم ونستوعب معنى الإيمان الحي العامل بالمحبة وعلامة التلمذة الحقيقية للمسيح الرب:

+ اطرحوا كل نجاسة وكثرة شرّ، فاقبلوا بوداعة الكلمة المغروسة [29] القادرة أن تُخلِّص نفوسكم. ولكن كونوا عاملين بالكلمة لا سامعين فقط خادعين نفوسكم. لأنه أن كان أحد سامعاً للكلمة وليس عاملاً فذاك يُشبه رجلاً ناظراً وجه خلقته في مرآة. فأنه نظر ذاته ومضى وللوقت نسي ما هو. ولكن من اطلع على الناموس الكامل ناموس الحرية وثبت وصار ليس سامعاً ناسياً، بل عاملاً بالكلمة فهذا يكون مغبوطاً في عمله. [30]
+ ولماذا تدعونني يا رب يا رب وأنتم لا تفعلون ما أقوله. [31]
+ ليس كل من يقول لي يا رب يا رب يدخل ملكوت السماوات، بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السماوات. [32]
+ فشكراً لله انكم كنتم عبيداً للخطية ولكنكم أطعتم من القلب صورة التعليم التي تسلمتموها. [33]
فالعلامة التي تُعرفني إني دخلت في حياة التلمذة الحقيقية لشخص ربنا يسوع وسيري الجاد في الطريق هي طاعة الوصية بسبب المحبة التي في قلبي من نحوه، لأن من يحب الرب يثق فيه، ومن يثق فيه يستودع نفسه بين يديه كخالق أمين جالساً كل يوم عند أقدامه مُتعلماً منه، فاتحاً قلبه مستعداً أن يُطيع أي إشارة منه لدعوة أو نداء، ويحيا وفق الدعوة والنداء ويستمر يُطيع للنفس الأخير.

+ طوبى للذين يسمعون كلام الله ويحفظونه. [34]
+ طوبى للإنسان الذي يسمع لي ساهراً كل يوم عند مصاريعي، حافظاً قوائم أبوابي. [35]
+ فاعلم ان الرب إلهك هو الله، الإله الأمين الحافظ العهد والإحسان للذين يحبونه ويحفظون وصاياه إلى ألف جيل. [36]
+ ومن أجل إنكم تسمعون هذه الأحكام وتحفظون وتعملونها، يحفظ لك الرب إلهك العهد والإحسان اللذين أقسم لآبائك. [37]
+ فيجعلون على الله اعتمادهم ولا ينسون أعمال الله بل يحفظون وصاياه. [38]
+ يا ابني لا تنس شريعتي، بل ليحفظ قلبك وصاياي. [39]
+ أن المتقين للرب لا يعاصون أقواله، والمُحبين له يحفظون طرقه. [40]
+ الحق الحق أقول لكم أن كان أحد يحفظ كلامي فلن يرى الموت إلى الأبد. [41]
+ والذي في الأرض الجيدة هو الذين يسمعون الكلمة فيحفظونها في قلب جيد صالح ويثمرون بالصبر. [42]
+ الذي عنده وصاياي ويحفظها فهو الذي يحبني، والذي يحبني يحبه أبي وأنا أُحبه وأُظهر له ذاتي. [43]
+ أجاب يسوع وقال لهُ: أن أحبني أحد يحفظ كلامي، ويحبه أبي وإليه نأتي وعنده نصنع منزلاً. [44]
+ الذي لا يحبني لا يحفظ كلامي، والكلام الذي تسمعونه ليس لي بل للآب الذي أرسلني. [45]
+ من قال قد عرفته وهو لا يحفظ وصاياه فهو كاذب وليس الحق فيه. [46]
+ ومن يحفظ وصاياه يثبت فيه وهو فيه، وبهذا نعرف أنه يثبت فينا من الروح الذي أعطانا [47]
+ هنا صبر القديسين هنا الذين يحفظون وصايا الله وإيمان يسوع. [48]
23] (خروج 5: 2)
[24] (الحكمة 1: 11)
[25] (عدد 14: 27)
[26] (عدد 14: 29)
[27] (1كورنثوس 10: 10)
[28] (1كورنثوس 16: 13)
[29] لأن هذا هو العهد الذي أعهده مع بيت إسرائيل بعد تلك الأيام يقول الرب أجعل نواميسي في أذهانهم وأكتبها على قلوبهم وأنا أكون لهم إلهاً وهم يكونون لي شعباً (عبرانيين 8: 10)
[30] (يعقوب 1: 21 – 25)
[31] (لوقا 6: 46)
[32] (متى 7: 21)
[33] (رومية 6: 17)
[34] (لوقا 11: 28)
[35] (أمثال 8: 34)
[36] (تثنية 7: 9)
[37] (تثنية 7: 12)
[38] (مزمور 78: 7)
[39] (أمثال 3: 1)
[40] (سيراخ 2: 18)
[41] (يوحنا 8: 51)
[42] (لوقا 8: 15)
 
قديم 04 - 08 - 2016, 03:18 PM   رقم المشاركة : ( 13844 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,465

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

ظهور الرب يسوع لــ ابونا فلتاؤس السريانى
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

لقد كان الشماس رمزى يعترف عند المتنيح القمص أغابيوس السريانى والذى كانت بينهما محبة روحانية الفائقة والممذوجة بالأبوة الحانية ونظرا للحزن العميق الدفين الذى هيمن على الشماس رمزى بقوة بعد نياحة ابونا أغابيوس أراد الرب ان يكون القمص فلتاؤس السريانى اب أعترافه فظهرت ام النورالحنونة السيدة العذراء مريم وحبيبها مارمينا العجائبى والبابا كيرلس ومعهم القمص أغابيوس السريانى لأبونا فلتاؤس السريانى طالبين منه أن يكون هو أب اعتراف ومرشد الشماس رمزى وديع ، ومن هنا صارت بينهما محبة حانية لسنوات طويله كان أبونا فلتاؤس يقص فيها عن الظهورات التى شاهدها للشماس رمزى وديع الذى كان من أبنائه المقربين جدا لة وهذه المحبة لمستها أنا أيضـــا منه مع زوجتى وأبنائى (من أبونا فلتاؤس السريانى) وكم من المعجزات التى صنعها الرب معنا على يد أبونا فلتاؤس وكم من المعجزات التى شاهدناها وجرت مع آخرين ونحن معه أثناء زيارتنا له فى الدير ، وهو الذى عرفنى بالشماس الأستاذ رمزى وديع وكثيرا ماكان يسألنى أبونا فلتاؤس عن الشماس رمزى وعن صحته وعن معرفتى عن زيارته للدير عن قريب من عدمه ومن هنا يتطضح لك عزيزى القارىء الى مدى كانت العلاقة بين ابونا فلتاؤس والشماس رمزى وديع وقد وهبنى الرب نعمة نوال بركة قلاية أبونا فلتاؤس أنا وأبنى مرات كثيرة والأكثر أنى نلت بركة المحبسة الخاصة به والتى ظهر فيها رب المجد له وكان ذلك فى صباح يوم 25 يوليو سنة 2008 م وكانت معى حفيدتى التى حملها على يديه فى المحبسة الخاصة بقلايته وباركها كتب لنا الأستاذ الشماس رمزى وديع
كما أخبرنى أكثر من مرة ( المتنيح القمص فلتاؤس السريانى ) وكان يعيد الحديث مرارا لأحفظه وأعيه تماما أن ربنا يسوع فادينا الحبيب ومخلصنا الصالح محب البشر من عظم حبه لحبيبه الطوباوى قد ظهر له أكثر من مرة وهو يتعبد له ذائبا فى حبه ناكرا ذاته تماما مقدما نفسه كذبيحة محرقة أمام الرب الأله ونظير هذا العبق والحب الساروفيمى ظهر له رب المجد مطوبا اياه وسط الفرحة الجـــارفة العارمة التى انتابته وهيمن علية السرور والفرح السماوى ومن جــراء هذه الزيارة الألهية والهبة السماوية التى حظى بهـــا ظل أريج وعبق الزيارة فى أرجـــاء المحبسة لفترة طويله مع العطـــر السماوى الذى لايوصف بأى لغة من لغات الأرض وبالمثل فى هذا المضمار الماء الذى يشربه ظل طعمه أشهى من الشهد طـوال اسبوعين تقريبا من جراء هذه الاطلاله السمائية اللهية وأيضــــا كل من كان يتذوقه وهذه الظهورات التى لرب المجد قد تكررت كثيرا فى هذه الكنيسة ( القلاية ) التى على الأرض ويصعد بخورهـــا الى عنان السماء حيث العرش الألهى من تسبيح وتقديس وصلوات من أبينا الطوباوى لأبيه السمــاوى ويروى الشماس رمزى وديع ويقول أن أبونا فلتاؤس روى له عن النور الذى كان ينبلج من وجهه الملائكى الا من جراء رؤيته لرب المجد أكثر من مرة لذا ظل يشع من وجهه النور الذى كان متسربلا به على الدوام وكل من رآه يعرف ويعلم بذلك أنه حقيقة
فالقديسة الطوباوية " تائيسيا" التى من روسيا عندما رأت الرب عجزت عن التعبير عن ذلك ومن ذا يستطيع أن يصف الرب !!.
اذ قالت :
انه شىء مهوب ومهوب جدا لا يستطيع أى لسان بشرى أن يصفه انى أعلم لاشىء ولا كلمة تستطيع أن تعبر عن جمــاله وأخشى أن الكلمات البشرية الضعيفة تعجز عن التعبير عن جمالة وروعته وعظمته انه من المستحيل والصعب وصف ذلك .
 
قديم 04 - 08 - 2016, 03:28 PM   رقم المشاركة : ( 13845 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,465

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

شاهد كيف نستفيد من القداس الإلهى
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


إحضر مبكرًا: فالذى يأتى متاخرًا يحرم نفسه من التناول، ومن الإستمتاع بالألحان، والقراءات، والصلوات العميقة، لأن الوقت القصير الذى يقضيه فى الكنيسة لا يسعفه فى التخلص من إهتماماته وإنشغالاته اليومية "الذين يبكرون الى يجدوننى" (أم17:8).

شارك فى المردات: فقد تجئ مبكرًا لكنك تقف متفرجًا فلا تشعر بالتعزية، والإستفادة الروحية، فالشعب هو أحد الأطراف الثلاثة الهامة لإقامة القداس (الكاهن، الشماس، الشعب)، فلا يوجد فى الكنيسة متفرجين، بل الكل مشارك فى العبادة.
صل بتركيز، وتأمل فى المردات، فلا تقل الألحان بطريقة روتينية بسبب حفظك لها بل صل بفهم وتأمل "أصلى بالروح وأصلى بالذهن أيضًا أرتل بالروح وأرتل بالذهن أيضًا" (1كو15:14).
قف فى مكان هادئ بالكنيسة، ولا تنشغل بمن حولك.
إستخدم الخولاجى حتى إذا كانت الصلاة باللغة القبطية، يمكنك أن تتابع المعانى باللغة العربية، فتشبع بالقداس.
تقدم الى التناول من الأسرار المقدسة وأنت تائب، ومعترف.
تناول من الأسرار المقدسة فى نهاية القداس، ولا تكتفى بالحضور فقط.
 
قديم 04 - 08 - 2016, 04:54 PM   رقم المشاركة : ( 13846 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,465

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

كلمة الله لها صوت ذا قوة واحدة

سفر نشيد الأنشاد

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

عندما كتب الرسول العظيم بولس إلى كنيسة كورنثوس عن رؤيته السمائية، لم يكن متأكدًا إذا كان قد رآها بروحه فقط أم بجسده وروحه معًا. وشهد قائلاً: “أيها الإخوة أنا لست أحسب نفسي أني قد أدركت. ولكني أفعل شيئًا واحدًا إذ أنسى ما هو وراء واَمتد إلى ما هو قدام” (في 3: 13). يتضح من هذا أن بولس وحده كان يعرف ما يوجد وراء السماء الثالثة، لأن موسى نفسه لم يذكرها عندما تكلم عن خلق وأصل الكون. اِستمر بولس في الارتفاع ولم يتوقف بعدما سمع عن أسرار الفردوس التي لا يُنطق بها. ولم يسمح للسمو والارتفاع الذي وصل إليه أن يحدّ من رغبته هذه، وأكد بولس أن ما نعرفه عن الله محدود لأن طبيعه الله أبدية واسمي مما نعرفه، وليس لها حدود. أمّا من يتحدون مع الله فتنمو وتزداد شركتهم معه باِستمرار في الحياة الأبدية ويتفق هذا مع كلمات السيد المسيح: “طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله” (مت 5: 8). إنهم سوف يعرفون الله بقدر ما تسمح به عقولهم من فهم، إلا أن الله الغير محدود والغير مدرك يبقى دائمًا بعيدًا عن الفهم. إن مجد الله العظيم جدًا لا حدود له كما يشهد بذلك النبي (مز 145: 5-6). يبقى الله دائمًا كما هو عندما نتطلع إليه ونفكر في علو سمائه. هذا ولقد حاول داود العظيم بكل قلبه أن يرتفع بفكره إلى الآفاق العليا. وكان دائمًا يتقدم من قوة إلى قوة (مز 84: 7). وصرخ إلى الله: “أما أنت يا رب فمتعال إلى الآبد”. (مز 92: 8). وذلك يتضح أن الشخص الذي يجرى نحو الله يصبح أعظم كلما اِرتقى إلى أعلى وينمو باِستمرار في الخير حسب مستواه في الارتفاع. ويحدث هذا في جميع العصور والله هو الأعظم ارتفاعًا الآن وإلى الأبد، ويظهر باِستمرار هكذا لمن يقتربون منه، فهو أعلى واسمي من قدرات كل من يرتفعون.
يعلمنا الرسول بولس عن طبيعة الله المهيْمنة والتي لا يمكن التعبير عنها حيث يقول إن العين لم تر هذه العظمة حتى ولو أنها تبصرها، لأن العين لا تراه بالكامل كما هو. لكن فقط بقدر ما تستطيع أن تدركه. وأيضًا لا تتمكن الأذن من سماع كل ما يقوله كلمة الله، ولكن بقدر استطاعتها فقط، وذلك على الرغم من أنها تستمع له باِستمرار. ولا يدخل أيضًا كلمة الله إلى قلب الإنسان بالقدر الكافي حتى إذا كان القلب النقي يراه باِستمرار. وبالرغم من أن المرحلة التي بلغ إليها الشخص الآن أعلى في الحقيقة مما كان عليه سابقًا، إلا أن هذه المرحلة لا تحد من تقدمه، لكنها تصبح بداية لاكتشاف نعمة أعلى. فالشخص الذي يرتفع لا يقف أبدًا ساكنًا. إنه يتحرك من إحدى البدايات إلى التي تليها، وبدايات النعمة الأعلى ليست محدودة. لذلك فرغبة النفس التي ترتفع تزداد في المعرفة وفي الرغبة في الارتفاع إلى مستويات أعلى، فتستمر في النمو محققة التقدم الغير محدود.
وبعدما شرحنا هذه الأمور يلزمنا أن نفكر بعمق في الكلمات المقدسة بالنشيد: “هلمي معي من لبنان، انظري من رأس أمانة، من رأس شنير وحرمون، من خدور الأسود من جبال النمور” [ع8]. ماذا نفهم إذن من هذه الكلمات؟ يجذب ينبوع النعمة إليه كل العطشى. وكما يقول الينبوع في الإنجيل: “إن عطش أحد فليقبل إليّ ويشرب” (يو 7: 37). لا يضع المسيح بهذه الكلمات حدودًا لعطشنا، ولا لتحرُكنا نحوه، ولا لارتوائنا من الشرب، ولكن يمتد أمره إلى مدى الزمن، ويحثنا أن نعطش وأن نذهب إليه. وإلى هؤلاء الذين ذاقوا وتعلموا بالتجربة أن الله عظيم وحلو (مز 34: 8)، فإن حاسة الذوق عندهم تُصبح حافزًا لزيادة التقدم. لذلك فالشخص الذي يسير باِستمرار نحو الله لا ينقصه هذا الحافز نحو التقدم. دعنا نعيد ما يقوله كلمة الله للعروس ليشجعها: “تعالي يا رفيقتي” ومرة أخرى “تعالي يا حمامتي واِحضري نفسك في محاجئ الصخر” يستعمل كلمة الله هذه التعبيرات الجذابة للتشجيع لكي يحفِّز النفس إلى الارتفاع إليه. “كلك جميل يا حبيبتي ليس فيك عيبة”. وحتى لا تتكبر النفس بهذه الشهادة ولا يتعطل صعودها إلى أعلى، يشجعها العريس حتى يحرك رغبتها في العبور فوق الحدود، “هلمي معي من لبنان” أي أنك عملت حسن باتباعي إلى هذه النقطة، لقد أتيت معي إلى جبل المرّ، لقد دُفنت معي بالمعمودية إلى الموت (رو 6: 4)، وذهبت معي إلى تل العشب العطري والبخور لأنك قُمت معي وارتفعت في مشاركة قداستي التي يَرمز إليها العشب العطري والبخور. ارتفعتي معي من هذه القمة إلى قمة أخرى أعلى من خلال المعرفة. لذلك يقول العريس “هلمي معي من لبنان” ليس كفتاةٍ ما زالت مخطوبة ولكن كعروس. لا يمكن لأحد أن يعيش معي دون أن يتغير بواسطة الموت بالمرّ إلى الحياة في القداسة محوطًا بالأعشاب العطرة والبخور. ولا يتوقف عن الصعود بعد أن تصل إلى هذا المستوى من الارتفاع، وكأنك حصلت على الكمال. فالأعشاب العطرة والبخور ترمز إلى بداية الإيمان الذي حصلت عليه بالقيامة من الأموات، أنه بداية التقدم إلى مستويات عليا من السمو. من هذه البداية وهي الإيمان “سوف ستتحرك إلى الأمام” أي أنك ستواصل تقدمك في الارتفاع.
يقول النشيد سوف تأتي وتعبر قمة الإيمان من رأس شنير وحرمون. تُشير هذه الكلمات إلى سر ميلادنا من الأعالي. حيث ينبع نهر الأردن، كما يقولون، وتنقسم الجبال التي تعلوه إلى قمتين شنير وحرمون. ومنها ينبع النهر ويصبح بداية تحولنا إلى ما هو مقدس. لهذا السبب تسمع العروس عندما يناديها العريس قائلاً: “هلمي معي من لبنان من بداية الإيمان ومن قمة” لهذه الجبال التي تصعد منها الينابيع الروحية. ويذكر النص الأسود والنمور فيزيد ذكر هذه الحيوانات المتوحشة تمتع العروس بالأشياء المبهجة خُلق الإنسان أولاً على صورة الله، إلاّ أنه تحول إلى حيوان غير عاقل، فصار شبيها بالنمر والأسد من خلال العادات الشريرة، وكما يقول النبي: “يكمن المختفي كأسد في عرينه. يكمن ليخطف المسكين. يخطف المسكين يجذبه في شبكته” (مز 10: 9). لقد تحول الإنسان إلى حيوان متوحش بعد أن صار قويًا. “مثلها يكون صانعوها بل كل من يتكل عليها” (مز 115: 8). ويصبح الشخص نمرًا بصبغ نفسه بقذارة هذا العالم. وعندما تلوثت الطبيعة البشرية انجرفت في عبادة الأوثان وأخطأ اليهود وسقطوا في غيرها من الشرور والخطايا. وبعد ذلك مرت الطبيعة البشرية خلال الأردن والمرّ والأعشاب العطرة والبخور وارتفعت إلى مستوى عال، حتى أنها تسير الآن مع الله. لهذا السبب يزيد كلمة الله فرح عروسه بما حققته، وذلك بجعل العناصر المحزنة السابقة والتي مرت بها لبنان بداية الإيمان، قبل أسرار الأردن التي تناولناها سابقًا. وتصبح الحياة في السلام أكثر متعة بعد الحرب خصوصًا عندما نتذكر أيام الحزن، وتُنعش نعمة الصحة حواسنا عندما تستعيد طبيعتها بعد مرض مؤلم. لذلك يمنح العريس النفس التي تصعد إليه عمقًا في التمتع بالسمو ويظهر جماله لها، ويذكرها بأخطائها السابقة وهي على هيئة الحيوانات المتوحشة حتى تتمكن من الفرح في تمتعها الحالي بمقارنته بحالتها السابقة.
جهز العريس ببعد نظره نعمة أخرى لعروسه. أراد لنا كلمة الله نحن المتغيرين بالطبيعة أن لا نسقط في الشر، وأن نستخدم قدرتنا على التغيّر كطريق في صعودنا إلى مستويات أعلى باِستمرار التقدم إلى الكمال. وهكذا يمكن أن نظل ثابتين في الخير. لذلك يذكر النشيد، وكأنه المدرس أو الحارس من الشر، هذه الحيوانات المفترسة التي تم هزيمتها فيجب أن نزداد قوة في التمسك بالخير بعد أن نبذنا الشر. وبينما نتقدم باِستمرار نحو السمو والخير لا توجد فرصة للسقوط في الشر، لذلك يطلب العريس من العروس أن تأتي إليه من لبنان ويذَّكرها بالأسود التي قضت وقتًا في ارتباطها معها.
كلمة الله لها صوت ذا قوة واحدة. وكما أشرق النور بأمره بدء الخليقة وأسس السماء بإرادته (تك 1: 2-24) وظهرت بقية الخليقة بكلمته الخلاقة. وبنفس الطريقة عندما يأمر الكلمة النفس التي تقدمت للتقرب منه فإنها تتقوى في الحال وتصبح كما يريدها، أي تتحول إلى شيء مقدس وتنتقل من المجد الذي كانت فيه إلى مجد أعلى بواسطة التغير العظيم. لذلك يُظهر الكورال الملائكي حول العريس تعجبه للعروس ويُعبّر عن تقديره واحترامه لها قائلاً: “قد سبيت قلبي خالية من الانفعال، وتحيط بها الملائكة وتوفر لها الأخوَّة، وصلة القربى مع القوى الروحية. لذلك يقولون لها “قد سبيتِ قلبي يا أختي العروس”.
تشرفت العروس بكلمة “أختي”. فهي أختنا لأنها خالية من الهوى، وعروس لأنها اِتحدت بكلمة الله، نحن نفهم معنى الكلمات، قد سبيتِ قلبي، أو قد أعطيتني حياة وكأنه الملائكة قالت لها “أنت أعطيتنا قلبًا”، سوف نترك هذه الفقرة للقديس بولس لكي يشرح لنا هذه الأسرار. فيقول في رسالته للكنيسة (أفسس) عندما يشرح اِهتمام الله بنا عندما ظهر في الجسد، فلقد دخلت بذلك الطبيعة البشرية في نعمة الأسرار المقدسة “لكي يُعرف الآن عند الرؤساء والسلاطين في السماويات بواسطة الكنيسة بحكمة الله المتنوعة. حسب قصد الدهور الذي صنعه في المسيح يسوع ربنا. الذي به لنا جرأة وقدوم بإيمانه عن ثقة” (أف 3: 10-12).
فمن خلال الكنيسة صارت حكمة الله المتعددة الجوانب معروفة بالنسبة للقوى الغير محدودة، واندهشت منها القوى المضادة. كيف تأتي الحياة من خلال الموت، والعدل من خلال الخطية، والنعمة من خلال النقمة، والمجد من خلال الانحطاط، والقوة من الضعف؟ علمت القوى الغير محدودة في العصور السابقة أعمال حكمة الله البسيطة، والتنظمة والتي أدهشت الدنيا. لم يكن هناك تنوعًا قيمًا رأوه، وعمل الله الخليقة بقوته وبإحدى نبض إرادته أحضر الكائنات إلى الحياة، وكانت جميع الأشياء جميلة جدًا لأن أصولها من الجمال المقدس.
وعلى الجانب الآخر فإن الحكمة المتعددة الجوانب التي قامت من اِتحاد القوة المضادة تظهر الآن من خلال الكنيسة، فالكلمة صار جسدًا، واِختلطت بالموت، ومن خلال جروحه شفى جراحنا، وأسقط القوى المضادة بضعفه على الصليب، فلقد ظهر الغير مرئى في الجسد لكي يفدي المأسورين. هو نفسه الواحد الذي يشترى أصبح الثمن لأنه صار لنا فديّة بموته. لم يفارق لاهوت المسيح جسده في الحياة أو الموت، وأصبح عبد الكنه اِستمر ملكًا. كل هذه وغيرها من الأمثلة المشابهة هي عمل الحكمة ذات الأهداف المتعددة. تعلم أصدقاء العريس من الكنيسة التي “أعطتهم قلبًا” لكي يفهموا ناحية أخرى من أسرار الحكمة المقدسة. وإذا أردتُ أن أفكر بجرأة في رؤية جمال العريس في عروسه، وفي دهشتهم من وجوده الخفي الغير مُدرك في جميع المخلوقات. وكما يقول الرسول يوحنا: “الله لم ينظره أحد قط” (1 يو 4: 12) وأيضًا يشهد الرسول بولس: “الله الذي وحده له عدم الموت ساكنًا في نور لا يُدنى منه، الذي لم يره أحد من الناس ولا يقدر أن يراه الذي له الكرامة والقدرة الأبدية آمين” (1 تي 6: 16). جعل الله الكنيسة جسمه الخاص، وبناها بالحب في الذين خلصهم، ورفعهم لكي يصلوا إلى الإنسان الكامل، كما أوضح بولس الرسول: “إلى أن ننتهي جميعنا إلى وحدانية الإيمان ومعرفة ابن الله. إلى إنسان كامل. إلى قياس قامة ملء المسيح” (أف 4: 13). لذلك لما كانت الكنيسة هي جسد المسيح وهو رأسها، فقد جعل وجهها له نفس خواص وجهه. رأى أصدقاء العريس هذا “وأُعطوا قلبًا” لأنهم فكروا بعمق فيما هو غير مرئي. وبنفس الطريقة، لا يتمكن أحد أن يوجه بصره مباشرة إلى الشمس، ولكنه يتمكن من رؤية لمعانها عندما ينعكس من المياه. لذلك فالأشخاص الذين ينظرون إلى وجه الكنيسة وكأنهم مرآة نظيفة، يرون شمس البر (ملا 4: 2) فيتعرفون على بعض صفات الله.
قال أصدقاء العروس لقد أعطيتنا قلبًا، أي أدخلت فينا روحًا وعقلاً لكي نرى نورك. ثم كرروا هذه العبارة للمرة الثانية وأضافوا رصيدًا لكلماتهم، لقد أعطيتنا قلبا وإحدى عينيك، وملأ هذا أصدقاء العروس بالإعجاب لأن للنفس قدرتين على الرؤية: إحداهما ترى الحق والثانية يخدعها الباطل. وبما أن عين العروس النقية ترى الخير والصلاح فقط، فقدرتها الثانية للرؤية لا تعمل. من أجل هذا يضفي أصدقاء العروس المديح لواحدة من عيونها التي تراه فقط. وأعنى بكلمة “فقط” الذي نعرفه في طبيعته الأبدية الغير متغيرة الآب الحقيقي والابن الوحيد والروح القدس الله بالحقيقة واحد بطبيعة واحدة دون انفصال أو تقسيم بحسب اختلاف الأقانيم، يُقسم الأشخاص أصحاب الرؤية الضعيفة الطبيعة الواحدة لله إلى طبائع منفصلة، كما تظهر أمام عيونهم ذات الرؤية الملتوية. فيُقال إنهم يرون كثيرًا وبرؤيتهم، الكثير جدًا لا يرون شيئًا. والبعض يفكرون في الله ولكن يخدعهم التعصب للمادة. إنهم غير مستحقين لمدح الملائكة لأنهم مقيدين بالخيالات الوهمية. وعلى الجانب الآخر. يُعتبر الشخص الذي يرى الله وحده، أعمى بالنسبة لكل شيء آخر. من أجل هذا تجعل العروس أصدقائها يتعجبون على واحدة من عيونها. يستعمل الشخص صاحب العيون الكثيرة عيونه في النظر إلى الأشياء (الفاتنة) لذلك يُعتبر أعمى، أما الشخص الذي ينظر إلى الخير والصلاح بواسطة عين النفس فله رؤية حادة تنفذ إلى أعماق الأشياء التي يراها.
تبدو الحُلية الوحيدة حول عنق العروس وكأنها صعبة التفسير لغموض النص، ولكنها ليست كذلك: “قد سبيت قلبي يا أختي العروس، قد سبيت قلبي بأحدى عينيك، بقلادة واحدة من عنقك” [ع9]. تشبه “كلمة بقلادة واحدة “، كلمة “بإحدى عينيك” ونفرض بذلك أنه يقصد “بروح واحد”. يملك الشخص الغير واع أكثر من روح وتستولى هذه على مكان الروح الواحد وتغير صفاته فيتأرجح بين الحزن والفرح والإقدام والخوف والجبن والشجاعة. وعلى الجانب الآخر يملك الشخص الذي يتربع كلمة الله روحًا واحدا متحدًا في حياة الفضيلة ويلزم أن نعمل توضيح في النص بربط كلمة “بالواحد” بما سبق فيتضح لنا لنقرأه “في روح واحد” أو بحالة واحدة للحياة.
يلي فكرة جديدة في الكلمات: “بقلادة واحدة من عنقك” ويمكن أن نحصل على صورة واضحة بتغيير هذه إلى “لك عين واحدة لكي تنظرين إلى الواحد، وروح واحد لأنك لست مقسمة حسب أنواع الميول المختلفة. إن وضع عنقك كامل لأنه يحمل النير المقدس (مت 11: 29). نحن نرى نير المسيح على عنقك والعين الواحدة والروح الواحد هي علامتك للخير والصلاح. من أجل هذا سوف نعترف أنك “أعطيتنا قلبًا” مع هذه العجائب: فلك عين واحدة وروح واحد وقلادة حول عنقك (نير العروس هو القلادة كما سبقت الإشارة إليها).
فهمنا أن أصدقاء العريس كملائكة يمدحون العروس. ولكي نحفظ هذا المديح من أن يتحول إلى غش أو يصبح مُبالغًا، فإن كلمة الله نفسه يؤكد حكم أصدقاء بواسطة التعبير عن شعوره الخاص، ويشهد لجمال عروسه بإضافة صفات أكثر عجبًا عند وصف جمالها الذي ينير أعضاء جسمها، وسنعود إلى هذه النقطة في العظة المقبلة إذا أعاننا الله لكي أفهم هذه الأسرار وأتعرف على جمال الكنيسة، وأعظم مجد الله ونعمته في المسيح يسوع له المجد إلى الأبد آمين.

يتبع…..
القديس غريغوريوسالنيصي
 
قديم 04 - 08 - 2016, 04:57 PM   رقم المشاركة : ( 13847 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,465

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجوب التضحية بأهوائنا

سفر نشيد الأنشاد

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

تحتوي كلمات النشيد المقدسة بعض الأفكار المخفية وكأن عليها نقاب سميك تختفي وراءه فتبدوا صعبة في الفهم. لذلك يلزم أن نوجه اِهتمامًا كبيرا للنص. وفي الحقيقة نحن نحتاج مساعدة من خلال الصلاة وقيادة الروح القدس حتى لا تضيع منا المعاني مثل من يتطلع إلى معرفة أسرار النجوم. فعندما نتطلع إلى جمال النجوم البعيدة لا نعرف كيف خُلقت ولكننا نتمتع بجمالها ونتعجب للمعانها وأوضاعها في السماء. تضيء بعض النجوم التي ذكرت في الكتاب المقدس وتتلألأ وتملأ عينا النفس بالضياء، كما يقول النبي: “لأنه مثل ارتفاع السماوات فوق الأرض” (مز 103: 11). فإذا كان هذا مكان صعود نفوسنا، كما في مثال إيليا حيث تخطف عقولنا إلى أعلى في المركبة النارية (2 مل 2: 11) وترتفع إلى الجمال السماوي. نحن نفهم أن المركبة النارية هي الروح القدس الذي أتى الله ليمنحها للساكنين على الأرض، على هيئة ألسنة قُسمت على التلاميذ. سوف لا نيأس من الاقتراب من النجوم، أي من البحث في الأمور المقدسة التي تضيء نفوسنا بكلمة الله السماوية الروحية.
اُنظر أعلى بعين نفسك، أنا أكلمك أيها المستمع بنفس صوت الله الذي كلم أبونا إبراهيم (تك 15: 5). اُنظر إلى السماء وتطلع إلى النجوم وتأمل في سمو ارتفاعها تأمل في سلطة الملكة (أي العروس) وابحث في قوة أوامرها. إنها تحصل على رغباتها بالصوت الحقيقي لمن أعطى الوعود أنه “الله” الأمين القادر المعطي الذي عيّنه الآب على جميع؟؟؟ (لو 12: 42). وبعدما قبلت هذه السلطة، تحكم الملكة الريح بطريقة ملكية، وتوزعها كما يتراءى لها أنه مناسب، فتأمر ريح الشمال أن تستيقظ وتهب وتنادي ريح الجنوب بلطف وتحفزها لكي تأتي إليها.
يقول النص: “استيقظي يا ريح الشمال وتعالي يا ريح الجنوب” [ع16]. يحمل أن ترتبط هذه الكلمات بأوامر قائد المائة الذي تعجب منه السيد المسيح. وقد دوّن متى البشير ذلك بقوله: “لأني أنا أيضًا إنسان تحت سلطان. لي جند تحت يدي. أقول لهذا أذهب فيذهب ولآخر إيت فيأتي ولعبدي أفعل هذا فيفعل. فلما سمع يسوع تعجب. وقال للذين يتبعون. الحق أقول لكم لم أجد ولا في إسرائيل إيمانا بمقدار هذا” (مت 8: 9-10). وهكذا فاق إيمان قائد المائة إيمان إسرائيل. لا يظهر لي أنه يجب أن نقارن قائد المائة بشعب إسرائيل في موضوع الإيمان ولكن إسرائيل نفسه. يشير الكتاب المقدس إلى صراع يعقوب. “فبقى يعقوب وحده وصارعه إنسان حتى طلوع الفجر. ولما رأى أنه لا يقدر عليه ضرب فخذه. فاِنخلع حق فخذ يعقوب في مصارعته معه. وقال أطلقني لأنه قد طلع الفجر. فقال لا أطلقك إن لم تباركني.
فقال له ما اسمك. فقال يعقوب فقال لا يدعى اسمك فيما بعد يعقوب بل إسرائيل. لأنك جاهدت مع الله والناس وقدرت. وسأل يعقوب وقال اَخبرني باسمك. فقال لماذا تسأل عن اسمي. وباركه هناك” (تك 32: 24-29). اشتبك يعقوب في الصراع ونجا من السقوط بمساعدة الله. ولم تكن عنده مناعة ضد الصراع لأنه جُرح في فخذه. لقد عمل قائد المائة الذي يتكلم عنه النص الآن، على تنفيذ إرادة الملك وتذليل كل عقبة ضد رغباته. لذلك يظهر لي أن قائد المائة يستحق كل إعجاب، لأنه يعطي أوامر لجنوده فيطيعونه ولخَدمه فيقومون بكل ما يطلب منهم من أعمال. توضح كلمات قائد المائة أنه إذا طرد خادمه فإنه لا يُرجعه مرة ثانية إلى منزله بل يُعيّن خادمًا آخر بدلاً منه.
اعتقد أن النص يعلمنا أن العناصر المتضاربة تختلف في طبيعتها ولا يمكن أن توجد في مكان واحد في نفس الوقت. لا توجد شركة للنور مع الظلمة، كما يقول القديس بولس. (2 كو 6: 14)، ولكن إذا انسحب كل الظلام يلزم للنور أن يأخذ مكانه، وأيضًا متى أُزيل الشرّ فإن الفضيلة تأخذ مكانه. وعند ما يتم هذا فإن قوة الجسد لا تتمكن من مقاومة الروح القدس، فإماتة الجسد تفقده معارضة الروح. فيصبح الجسد وديع الطباع في جميع الظروف وخادمًا مطيعًا لحكم الروح القدس. فعندما يختفي الجندي الخبيث القاسي وشره، يحل محله الجندي المسلح بالفضيلة، وهو يلبس درع البرّ على صدره ويحمل سيف الروح القدس ويحميه سلاح الله الكامل وخوذة الخلاص وترس الإيمان وسيف الروح (أف 6: 14-17). لذلك يسلك الجسد كخادم للسيد وهو العقل، ويستجيب لكل أوامره في الفضيلة التي تعمل لخدمة الجسد. ويوضح النص ذلك بقوله أقول لخادمي، اِعمل هذا فينفذه.
دعنا نوجه اِهتمامنا إلى الطريقة التي تجعل بها الملكة ريح الشمال يبتعد عنها ثم يرجع إليها. إنها لا تأمره أن يسكن كما أمر السيد المسيح العاصفة أن تهدأ عندما كان سائرًا على المياه (لو 8: 23-24) ولكنها أمرت ريح الجنوب أن تهب وأن لا تعترضها أي ريح معاكسة قالت لريح الشمال “استيقظي” ما هو السبب في حركة هذه الرياح؟ تتكلم الأمثال عن هذه الرياح: “من يخبئها يخبئ الريح ويمينة تقبض على الزيت” (أم 27: 16) ولكن لا تهب ريح الشمال عن يمين الشخص في اِتجاه الغروب، مشرفة خلفه. وحركة الشمس في اِتجاه الغروب. أنت تفهم حقيقة ما تحتويه هذه الكلمات من أسرار: تشرق الشمس من الشرق وتسرع نحو الغروب أي ناحية قوى الظلمة، يقع الشمال على يمين الشمس ويستقبل إهانات أثناء رحلته التي تنتهي في الظلمة. لذلك يجد الشخص الغير منضبط نفسه كأنه ريح الشمال يسلك ويعمل أعمالاً مشينة. هذه الريح الشريرة على اليمين تمتلئ طمعًا عندما ترفع أكوامًا من الأشياء المالية، كأنها رمل أو تراب، ونتيجة لهذا فإن ريح الشمال تتعاون مع أخطاء كل شخص وتهبّ على جانبيه الأيمن ولكن إذا كانت هذه الريح شديدة جدًا فإنها تغيّر وتقلب الأمور وتزيل متعة الفرح، لذلك تجعل العروس ريح الشمال التي تأتي قوتها من الأهواء أن تهرب تحت مسئوليتها: “اِستيقظي يا ريح الشمال”.
تشير ريح الشمال إلى القوى المضادة (لله)، ويظهر هذا بوضوح لأي شخص يبحث في طبيعة الحق المرئي فمن لا يدري بمسار الشمس بعد شروقها؟ أنها تظهر وكأنها تتحرك نحو الجنوب وتغرب في الغرب. ويقول الخبراء أن الأرض كرويّة، فإذا أضيء نصف الأرض بالشمس يكون النصف المقابل له مظلمًا لوقوعه في منطقة ظل الأرض. ولما كان القطب الشمالي للأرض باردًا باِستمرار ولا تدفئه أو تضيئه أشعة الشمس، فإن القوة المتحكمة في الظلمة تُحجز النفوس وتجعلها جامدة، يسمي النشيد هذا التجمد، “الشمال” أي تأثير ظلام الشتاء. إني أُسميه الشتاء الذي أشار إليه الإنجيل قائلاً: “وصلوا لكي لا يكون هربكم في الشتاء” (مت 24: 20). وفي الشتاء تنطفئ الصفات المزدهرة حسب الفضيلة.
أصابت الملكة حينما أمرت بسلطانها دفع ريح الشمال بعيدًا. ونادت على ريح منتصف النهار الدافئ الذي تسميه ريح الجنوب، وبواسطته يفيض تيار جارف من السرور: “تعالي يا ريح الجنوب، هبِّي على جنتي فتقطر أطيابها”. وتشبِه هذه الريح القوية التي سُميت في العلية عندما كان التلاميذ فيها (أع 2:2) “وظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنها من نار، واستقرت على كل واحد منهم”. وكأنهم نباتات حية تساعد هذه الريح حديقة الله على إنتاج الأعشاب العطرة، وتصدر نبوءات يفوح منها روائح ذكية ووصايا الخلاص للإيمان بفم الرسل ويخرج منها عطر تعاليمهم بكل اللغات. لقد جعلت ريح الجنوب هذه تعاليم المائة والعشرين رسولاً الذين كانوا نابتين في بيت الرب تفيض على كل أمم الأرض (أع 1: 15).
تقول العروس الآن لريح الجنوب “هبِّي على جنتي”، لأن عريسها جعلها أمًا للحدائق: ويشمل النص حدائق وينبوع. من أجل هذا يرغب العريس لحديقته، الكنيسة، التي تمتلئ بالأشجار الحيّة، أن تهب عليها هذه الريح، لكي تحمل منها روائح عطورها. ويقول النبي: “الريح العاصفة الصانعة كلمته” (مز 148: 8). تزينت العروس بزينة الملكة البهية، وغيّرت النهيرات التي تفيض عطرًا إلى شيء أكثر جمالاً، فجعلتها تفيض من أشجار الحدائق بواسطة قوة الروح القدس. ويمكننا بهذه الصورة أن نتعلم الفرق بين العهدين القديم والجديد: يمتلئ نهر النبوة بالمياه بينما تمتلئ أنهار الإنجيل بالعطر. وكان نهر القديس بولس يحمل رائحة المسيح العطرة، ويفيض من حديقة الكنيسة بواسطة الروح القدس. والأمثلة الأخرى كيوحنا، ولوقا ومتى ومرقس وجميع الرسل الآخرين كلهم يرمزون إلى نباتات نبيلة في حديقة العروس، وعندما تهب عليها في منتصف الظهيرة تصير ريح الجنوب جميعًا ينابيع عطور لرائحة الأناجيل الذكية.
ليأت حبيبي إلى جنته ويأكل ثمرة النفيس” [ع16]. أنه لتعبير جريء من نفس ممتلئة حماسًا وروعة ترتفع على كل تعجب. من تدعوه العروس لوليمتها التي تتكون من فاكهتها الخاصة؟ لمن تُجهز العروس ولِيمتها التي أقامتها من مصادرها الخاصة؟ من تدعوه العروس لكي يأكل مما عرضته؟ “هو الذي منه وبه وله كل الأشياء” (رو 11: 36). أنه يعطي كل شخص طعامه في حينه (مز 145: 15)، يفتح يده ويملأ كل كائن حي بالنعيم. هو الخبز النازل من السماء (يو 6: 41)، هو الذي يعطي الحياة للعالم ويجعل المياه تفيض من نبعه الخاص للحياة. هذا هو الواحد الذي تُرتب العروس له مائدتها. وهي الحديقة التي تنبت منها أشجار حيّة. ترمز الأشجار إلينا وتُشير أرواحنا المُخلصة إلى الطعام المُقدم له. وقال لتلاميذه: “أنا لي طعام لآكل لستم تعرفونه أنتم” (يو 4: 32، 34). تتميم إرادة الله المقدسة: “فهو يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون” (1 تي 2: 4). فهذا الخلاص هو الغذاء الذي يُجهز له. تعطي إرادتنا الحرة الثمرة لله وهي أرواحنا، ليقطفها من على غصنها الصغير. تمتعت العروس في البداية بثمرة التفاح حلوة المذاق قائلة “وثمرته حلوة لحلقي” (نش 2: 3). ثم أصبحت هي نفسها الثمرة الجميلة الحلوة التي قُدمت للراعي ليتمتع بها.
تشير الكلمات “ليأت إلى” إلى إعطاء حرية الاختيار مثل “ليتقدس اسمك” “ولتكن مشيئتك” وكما توضح هاتان الفقرتان حرية الاختيار فإن صلاة العروس “ليأت إلى” تشير إلى الله مانح ثمار الفضيلة وإلى نزول العريس من أجل حبه للبشرية. لا يمكن لنا أن ترتفع إلى أعلى السماوات بدون أن ينزل هو إلى الودعاء ويرفعهم (مز 147: 6)، لذلك تنادي النفس التي ترتفع إلى أعلى على الله الذي لا حدود له وتصلي له لكي ينزل من علياء عظمته حتى يتمكن من يعيشون على الأرض أن يقتربوا منه. وبينما كنت تتكلم يجيب الرب “هأنذا” (إش 58: 9). سمع الرب ما كان يدور بخلد العروس، ومنحها سؤل قلبها، وأتى إلى حديقتها عندما كان ريح الجنوب يهب، والتقط ثمار أطيابها، واِمتلأ بثمار الفضيلة وتكلم عن وليمته قائلاً: “قد دخلْتِ جنتي يا أختي العروس. قطفت مرّي مع طيبي. أكلت شهدي مع عسلي. شربت خمري مع لبني. كلوا أيها الأصحاب اِشربوا واِسكروا أيها الأحباء” [ع1]. هل ترى الآن كيف تفوق عطية العريس على ما تطلبه العروس؟ أرادت العروس ينابيع من الأطياب في حديقتها وأن يهبّ على نباتاتها ريح الجنوب في منتصف النهار، وأن ينال راعي الحديقة الثمار التوتية حسب اختياره. يتضح أن كل رائحة طيبة تُدخل السرور عند شمِّها، بينما الثمار التوتية المختارة ليست في مستوى الخبز كغذاء صحي للجسم. غيّر العريس الثمار إلى أنواع أفضل عندما نزل إلى حديقة. ثم جمع منها المرّ والأعشاب العطرة. ويتبعني النبي بكل ما هو جميل في العريس (زك 9: 17). جعل العريس الأشجار تُنتج الخبز الذي خلطه بعسله بدلاً من الثمار التوتية المختارة. (هنا يوجد تقرير نبوي وهو عسل العريس وغيره من المسرات. وتخلط الخمر المشتقة من الأشجار بمثل هذه الثمار، بها! إن التمتع بالإضافة إلى عطر ثمرة العروس هو المرّ المتحد مع الأعشاب العطرة. إنها تُميت أعضائنا الأرضية وتبقى وتنقي الحياة وتجعلها عطرة من أطياب الفضيلة المختلفة.
يجد الشخص الذي يبحث عن غذاء أكثر كمالاً، الخبز الذي لا يأكلونه الآن مع الأعشاب المرة كما تأمر الوصايا (خر 12: 8). هذه الحياة مرة، والاختيار الأحسن يحوّل العسل إلى غذاء جامد في الوقت المناسب وتضيف ثمرة الفضيلة حلاوة إلى حواس النفس. حدث مثل هذا عندما ظهر خُبز السماء للتلاميذ بعد قيامة السيد المسيح. لقد صار طعمها حلوًا بالعسل من قرص الشهد. يقدم للشخص العطشان كوبًا من الخمر واللبن وليس مرارة على إسفنجة مبللة بالخل (مر 15: 36)، كما قدم اليهود لمخلصهم كأس الصداقة على خشبة. حقيقة نحن لا نجهل السرّ الضمني وراء هذه الكلمات، أي كيف كان القديس بولس شجرة تحمل المرّ والذي كان يموت كل يوم (1 كو 15: 31)، الذي وضع نفسه تحت حكم الموت، وأصبح عطرًا الحياة لهؤلاء الذين خلصوا بواسطة رائحته الطيبة ونقاؤه وتفانيه. طحن بولس النباتات الحيّة بالحديقة وحوّلها إلى قمح ليقدمها لله. شهد الجالس على العرش لهذا بقوله: “كنت جوعانًا فاطعمتموني” (مت 25: 35). إن خبز الفرح هو السعادة المحلاة بعسل الوصية. تصب العروس نباتات الحديقة المزهرة كخمر لعريسها الذي قال: “كنت عطشانًا فسقيتموني” خمر ممزوج باللبن، وليس بالماء كما يفعل أصحاب محلات بيع الخمور. اللبن النقي عديم الغش هو الغذاء البسيط للبشر (1 بط 2:2)، أنه غير ممزوج بأي شيء آخر، ونقي من أي مصدر للشر.
وبعدما خاطب العريس العروس، قدم النشيد إلى أصدقاء العروس سرّ الإنجيل قائلاً: “كلوا أيها الأصحاب، اِشربوا وأسكروا أيها الأحباء” [ع1]. فالشخص الذي يعرف كلمات الإنجيل الروحية يجد أنه لا فرق بين هذه الآيه والكلمات التي قيلت عند بدء الخدمة الروحية للتلاميذ. ففي كلا الحالتين تقول الكلمات: “كلوا واشربوا” (مت 26:26-27). ويظهر أن تشجيع العروس لأصدقائها كان أكبر مما كان للتلاميذ. لكن من يفحص النصين بدقة يتبين له أن كلمات النشيد تتفق مع ما جاء بالإنجيل. فالكلمة التي وُجهت للأصدقاء أنتجت ثمرها في الإنجيل. تتغلب الخمر على العقل ويصبح المخمور في حالة من السعادة والفرح. لذلك يُصبح ما يشجع به النشيد حقيقة بواسطة هذا الغذاء والشراب المقدس للإنجيل. لذلك يحتوي هذا الغذاء والشراب الآن ودائمًا القدرة على التغيُّر المستمر والفرح من حالة دنيا إلى حالة أحسن.
وكما يقول النبي: “لأن عندك ينبوع الحياة. بنورك نرى نورًا” (مز 36: 9). فالذين يشربون من غنى بيت الله. من نهر فرحه ينتشون. وأيضًا انتشى داود العظيم لأنه خرج من نطاق نفسه إلى آفاق الفرح والسعادة الغامرة: فقد رأى الجمال الغير منظور، وصرخ بصوته الذي تقوده القوى المقدسة: “لماذا يقول الأمم أين هو إلههم” (مز 115: 2). يشرح داود بهذا التعبير كنوز الله العظيمة جدًا التي تعلو عن التعبير عنها. وقال بولس، بنيامين الجديد، وهو في نشوة السعادة والفرح العظيم: “لأننا إن صرنا مختلفين فللَّه – تُعتبر النشوة والسعادة حركة ناحية الله – أو كنا عاقلين فلكم” (2 كو 5: 13). وأشار بولس بطريقة مماثلة إلى فستوس قائلاً: “لست أهذي أيها العزيز فستوس بل أنطق بكلمات الصدق والصحو” (أع 26: 25).
شارك القديس بطرس في هذا النوع من الغيبة عندما كان جوعانًا ومخمورًا في نفس الوقت. كان بطرس جوعانًا قبل أن يقدم له الغذاء المادي وأراد أن يتذوقه، وبينما كان أعضاء عائلته يجهزون الطعام (أع 10:10) جرب بطرس هذه الغيبة المقدسة الصاحية. وخرج من نفسه بواسطتها ورأى الرؤيا الآتية: “فرأي السماء مفتوحة وإناء نازلاً عليه مثل ملاءة عظيمة مربوطة بأربعة أطراف ومدلاة على الأرض. وكان فيها دواب الأرض والوحوش والزحافات وطيور السماء. وصار إليه صوت قم يا بطرس وإذبح وكل. فقال بطرس كلا يا رب لم آكل قط شيئًا دنسًا أو نجسًا. فصار إليه أيضًا صوت ثانية ما طهره الله لا تدنسه أنت. وكان هذا على ثلاث مرات” (أع 10: 11-15). نتعلم من الصوت الذي ناداه في المرة الأولى أن الله الآب هو الذي يُطهر، وفي المرة الثانية أن الابن الوحيد هو الذي يُطهر وفي المرة الثالثة أن الروح القدس هو الذي يطهر كل شيء. تحدث هذه الغيبة من الخمر الذي يقدمه الله لكل من يجلس على مائدته. فالله يُشجع بحق كل من يعيش حياة الفضيلة ويقترب منه، وليس البعيدين عنه: “كلوا أيها الأصحاب اشربوا واسكروا أيها الأحياء”. “لأن الذي يأكل ويشرب بدون اِستحقاق يأكل ويشرب دينونة لنفسه غير مميز جسد الرب” (1 كو 11: 29)، فهو يطلق كلمة “إخوة” على المستحقين لهذا الطعام. “لأن من يصنع مشيئة الله هو أخي وأختي وأمي” (مر 3: 35).
ينام الإنسان بعد ما يدخل في غيبة، وفي أثناء النوم يتم هضم الطعام وتُحفظ صحة من يشاركون في مائدة الاحتفال. لذلك تنام العروس بعد الاحتفال. ويُعتبر هذا النوم غير مألوفٍ، ويختلف عن النوم العادي الذي لا يكون الشخص فيه غير واعٍ بما حوله. وكلاهما يضادان بعضهما البعض لأن النوم والاستيقاظ يتلو أحدهما الآخر. ونرى في العروس خليط من التعارض المميّز: تقول “أنا نائمة وقلبي مستيقظ” [ع2]، ماذا نفهم من هذه الآية؟ يشبه هذا النوم الموت، وفيه تتوقف كل وظائف الإحساس: فلا توجد رؤية أو سمع أو شم أو تذوق أو إحساس باللمس، ولكن ينخفض ضغط الدم. وينسى الشخص القلق أثناء النوم ويهدأ انفعال الخوف، ويقلل الغضب وينخفض القلق من التجارب المريرة، ويجعل الشخص غير واع بالشرور. لذلك، نتعلم من العروس أنها ارتفعت وتفخر قائلة: “أنا نائمة وقلبي مستيقظ”.
يظهر أن الجسم يُغلب على أمره أثناء النوم وذلك بفقدانه المؤقت للحواس بينما يبقى العقل وحيدًا وغير مضطرب بالحواس. ويمكن أن نقول بحق أن الرؤية تستريح لعدم القيام بوظيفتها بينما تزدري النفس بالرؤى التي تُخيف الأطفال الصغار. إني لا أتكلم فقط على الأشياء المادية مثل الذهب والفضة والأحجار الكريمة التي تثير العيون الطامعة ولكني أقصد العجائب السماوية العظيمة: النجوم المتلألئة وما يظهر من تغيرات على كرة الشمس والقمر وأي شيء آخر مما يبهج العيون.
وجميع هذه سوف لا تبقى إلى الأبد ولكنها تتحرك وتبتعد مع دورة الزمن. ولكن عندما نفكر بعمق في عظمة الله يقل تقديرنا لهذه العجائب، وتتعب العين من النظر إليها ولا تنجذب النفس الكاملة إلى أي شيء مرئي بل تتأمل بالفكر في كل ما يسمو فوق ما هو حسن. وحتى السمع يتوقف عن القيام بوظيفته لأنه يهتم الآن بما وراء الكلام وتبتعد الروح عن حواسنا الحيوانية وهي التي تتمتع بالروائح العطرة وحاسة الذوق التي تخدم المعدة وحاسة اللمس العامة التي تنقصها الرؤية، ويظهر أن اللمس يتبع الأعمى، وإذا توقفت هذه الحواس بالنوم وبقيت دون عمل، يستمر عمل القلب في نقاء، ويتطلع المنطق إلى أعلى دون اضطراب بعيدًا عن حركة الحواس.
يوجد للمتعة وجهان: أحدهما يتأثر بالروح الخالية عن الهوى، والثاني يتأثر بأهواء الجسد. وما تختاره منهما الإرادة الحرة، ويقوى على الآخر. فإذا اِهتم شخص بالحواس واِنجذب ناحية متعة الجسم فسوف يعيش حياته دون أن يتذوق الفرح المقدس، لأن الحق يختفي بما هو دنيء. أما هؤلاء الذين يبغون وجه الله، فإن الخير ينتظرهم، إنهم يعملون بكل جهدهم أن يبتعدوا عن كل ما يرتبط بالحواس. لذلك عندما تتمتع النفس بما هو أسمى من الوجود فإنها سوف لا تهتم بما يؤدي متعه الحواس. إنها تأمر جميع الميول الجسدية بالتوقف، وترى النفس الله في تأملاتها المقدسة برؤية داخلية نقية. ليتنا نتجول ونكون مستحقين من خلال هذا النوم الذي يتكلم عنه النشيد لكي نحفظ أرواحنا مرتبطة بالمسيح يسوع ربنا، له المجد إلى الأبد آمين.

يتبع…..
القديس غريغوريوس النيصي
 
قديم 04 - 08 - 2016, 05:00 PM   رقم المشاركة : ( 13848 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,465

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

أنا لي طعام لآكل لستم تعرفونه أنتم

سفر نشيد الأنشاد

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
تحتوي كلمات النشيد المقدسة بعض الأفكار المخفية وكأن عليها نقاب سميك تختفي وراءه فتبدوا صعبة في الفهم. لذلك يلزم أن نوجه اِهتمامًا كبيرا للنص. وفي الحقيقة نحن نحتاج مساعدة من خلال الصلاة وقيادة الروح القدس حتى لا تضيع منا المعاني مثل من يتطلع إلى معرفة أسرار النجوم. فعندما نتطلع إلى جمال النجوم البعيدة لا نعرف كيف خُلقت ولكننا نتمتع بجمالها ونتعجب للمعانها وأوضاعها في السماء. تضيء بعض النجوم التي ذكرت في الكتاب المقدس وتتلألأ وتملأ عينا النفس بالضياء، كما يقول النبي: “لأنه مثل ارتفاع السماوات فوق الأرض” (مز 103: 11). فإذا كان هذا مكان صعود نفوسنا، كما في مثال إيليا حيث تخطف عقولنا إلى أعلى في المركبة النارية (2 مل 2: 11) وترتفع إلى الجمال السماوي. نحن نفهم أن المركبة النارية هي الروح القدس الذي أتى الله ليمنحها للساكنين على الأرض، على هيئة ألسنة قُسمت على التلاميذ. سوف لا نيأس من الاقتراب من النجوم، أي من البحث في الأمور المقدسة التي تضيء نفوسنا بكلمة الله السماوية الروحية.
اُنظر أعلى بعين نفسك، أنا أكلمك أيها المستمع بنفس صوت الله الذي كلم أبونا إبراهيم (تك 15: 5). اُنظر إلى السماء وتطلع إلى النجوم وتأمل في سمو ارتفاعها تأمل في سلطة الملكة (أي العروس) وابحث في قوة أوامرها. إنها تحصل على رغباتها بالصوت الحقيقي لمن أعطى الوعود أنه “الله” الأمين القادر المعطي الذي عيّنه الآب على جميع؟؟؟ (لو 12: 42). وبعدما قبلت هذه السلطة، تحكم الملكة الريح بطريقة ملكية، وتوزعها كما يتراءى لها أنه مناسب، فتأمر ريح الشمال أن تستيقظ وتهب وتنادي ريح الجنوب بلطف وتحفزها لكي تأتي إليها.
يقول النص: “استيقظي يا ريح الشمال وتعالي يا ريح الجنوب” [ع16]. يحمل أن ترتبط هذه الكلمات بأوامر قائد المائة الذي تعجب منه السيد المسيح. وقد دوّن متى البشير ذلك بقوله: “لأني أنا أيضًا إنسان تحت سلطان. لي جند تحت يدي. أقول لهذا أذهب فيذهب ولآخر إيت فيأتي ولعبدي أفعل هذا فيفعل. فلما سمع يسوع تعجب. وقال للذين يتبعون. الحق أقول لكم لم أجد ولا في إسرائيل إيمانا بمقدار هذا” (مت 8: 9-10). وهكذا فاق إيمان قائد المائة إيمان إسرائيل. لا يظهر لي أنه يجب أن نقارن قائد المائة بشعب إسرائيل في موضوع الإيمان ولكن إسرائيل نفسه. يشير الكتاب المقدس إلى صراع يعقوب. “فبقى يعقوب وحده وصارعه إنسان حتى طلوع الفجر. ولما رأى أنه لا يقدر عليه ضرب فخذه. فاِنخلع حق فخذ يعقوب في مصارعته معه. وقال أطلقني لأنه قد طلع الفجر. فقال لا أطلقك إن لم تباركني.
فقال له ما اسمك. فقال يعقوب فقال لا يدعى اسمك فيما بعد يعقوب بل إسرائيل. لأنك جاهدت مع الله والناس وقدرت. وسأل يعقوب وقال اَخبرني باسمك. فقال لماذا تسأل عن اسمي. وباركه هناك” (تك 32: 24-29). اشتبك يعقوب في الصراع ونجا من السقوط بمساعدة الله. ولم تكن عنده مناعة ضد الصراع لأنه جُرح في فخذه. لقد عمل قائد المائة الذي يتكلم عنه النص الآن، على تنفيذ إرادة الملك وتذليل كل عقبة ضد رغباته. لذلك يظهر لي أن قائد المائة يستحق كل إعجاب، لأنه يعطي أوامر لجنوده فيطيعونه ولخَدمه فيقومون بكل ما يطلب منهم من أعمال. توضح كلمات قائد المائة أنه إذا طرد خادمه فإنه لا يُرجعه مرة ثانية إلى منزله بل يُعيّن خادمًا آخر بدلاً منه.
اعتقد أن النص يعلمنا أن العناصر المتضاربة تختلف في طبيعتها ولا يمكن أن توجد في مكان واحد في نفس الوقت. لا توجد شركة للنور مع الظلمة، كما يقول القديس بولس. (2 كو 6: 14)، ولكن إذا انسحب كل الظلام يلزم للنور أن يأخذ مكانه، وأيضًا متى أُزيل الشرّ فإن الفضيلة تأخذ مكانه. وعند ما يتم هذا فإن قوة الجسد لا تتمكن من مقاومة الروح القدس، فإماتة الجسد تفقده معارضة الروح. فيصبح الجسد وديع الطباع في جميع الظروف وخادمًا مطيعًا لحكم الروح القدس. فعندما يختفي الجندي الخبيث القاسي وشره، يحل محله الجندي المسلح بالفضيلة، وهو يلبس درع البرّ على صدره ويحمل سيف الروح القدس ويحميه سلاح الله الكامل وخوذة الخلاص وترس الإيمان وسيف الروح (أف 6: 14-17). لذلك يسلك الجسد كخادم للسيد وهو العقل، ويستجيب لكل أوامره في الفضيلة التي تعمل لخدمة الجسد. ويوضح النص ذلك بقوله أقول لخادمي، اِعمل هذا فينفذه.
دعنا نوجه اِهتمامنا إلى الطريقة التي تجعل بها الملكة ريح الشمال يبتعد عنها ثم يرجع إليها. إنها لا تأمره أن يسكن كما أمر السيد المسيح العاصفة أن تهدأ عندما كان سائرًا على المياه (لو 8: 23-24) ولكنها أمرت ريح الجنوب أن تهب وأن لا تعترضها أي ريح معاكسة قالت لريح الشمال “استيقظي” ما هو السبب في حركة هذه الرياح؟ تتكلم الأمثال عن هذه الرياح: “من يخبئها يخبئ الريح ويمينة تقبض على الزيت” (أم 27: 16) ولكن لا تهب ريح الشمال عن يمين الشخص في اِتجاه الغروب، مشرفة خلفه. وحركة الشمس في اِتجاه الغروب. أنت تفهم حقيقة ما تحتويه هذه الكلمات من أسرار: تشرق الشمس من الشرق وتسرع نحو الغروب أي ناحية قوى الظلمة، يقع الشمال على يمين الشمس ويستقبل إهانات أثناء رحلته التي تنتهي في الظلمة. لذلك يجد الشخص الغير منضبط نفسه كأنه ريح الشمال يسلك ويعمل أعمالاً مشينة. هذه الريح الشريرة على اليمين تمتلئ طمعًا عندما ترفع أكوامًا من الأشياء المالية، كأنها رمل أو تراب، ونتيجة لهذا فإن ريح الشمال تتعاون مع أخطاء كل شخص وتهبّ على جانبيه الأيمن ولكن إذا كانت هذه الريح شديدة جدًا فإنها تغيّر وتقلب الأمور وتزيل متعة الفرح، لذلك تجعل العروس ريح الشمال التي تأتي قوتها من الأهواء أن تهرب تحت مسئوليتها: “اِستيقظي يا ريح الشمال”.
تشير ريح الشمال إلى القوى المضادة (لله)، ويظهر هذا بوضوح لأي شخص يبحث في طبيعة الحق المرئي فمن لا يدري بمسار الشمس بعد شروقها؟ أنها تظهر وكأنها تتحرك نحو الجنوب وتغرب في الغرب. ويقول الخبراء أن الأرض كرويّة، فإذا أضيء نصف الأرض بالشمس يكون النصف المقابل له مظلمًا لوقوعه في منطقة ظل الأرض. ولما كان القطب الشمالي للأرض باردًا باِستمرار ولا تدفئه أو تضيئه أشعة الشمس، فإن القوة المتحكمة في الظلمة تُحجز النفوس وتجعلها جامدة، يسمي النشيد هذا التجمد، “الشمال” أي تأثير ظلام الشتاء. إني أُسميه الشتاء الذي أشار إليه الإنجيل قائلاً: “وصلوا لكي لا يكون هربكم في الشتاء” (مت 24: 20). وفي الشتاء تنطفئ الصفات المزدهرة حسب الفضيلة.
أصابت الملكة حينما أمرت بسلطانها دفع ريح الشمال بعيدًا. ونادت على ريح منتصف النهار الدافئ الذي تسميه ريح الجنوب، وبواسطته يفيض تيار جارف من السرور: “تعالي يا ريح الجنوب، هبِّي على جنتي فتقطر أطيابها”. وتشبِه هذه الريح القوية التي سُميت في العلية عندما كان التلاميذ فيها (أع 2:2) “وظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنها من نار، واستقرت على كل واحد منهم”. وكأنهم نباتات حية تساعد هذه الريح حديقة الله على إنتاج الأعشاب العطرة، وتصدر نبوءات يفوح منها روائح ذكية ووصايا الخلاص للإيمان بفم الرسل ويخرج منها عطر تعاليمهم بكل اللغات. لقد جعلت ريح الجنوب هذه تعاليم المائة والعشرين رسولاً الذين كانوا نابتين في بيت الرب تفيض على كل أمم الأرض (أع 1: 15).
تقول العروس الآن لريح الجنوب “هبِّي على جنتي”، لأن عريسها جعلها أمًا للحدائق: ويشمل النص حدائق وينبوع. من أجل هذا يرغب العريس لحديقته، الكنيسة، التي تمتلئ بالأشجار الحيّة، أن تهب عليها هذه الريح، لكي تحمل منها روائح عطورها. ويقول النبي: “الريح العاصفة الصانعة كلمته” (مز 148: 8). تزينت العروس بزينة الملكة البهية، وغيّرت النهيرات التي تفيض عطرًا إلى شيء أكثر جمالاً، فجعلتها تفيض من أشجار الحدائق بواسطة قوة الروح القدس. ويمكننا بهذه الصورة أن نتعلم الفرق بين العهدين القديم والجديد: يمتلئ نهر النبوة بالمياه بينما تمتلئ أنهار الإنجيل بالعطر. وكان نهر القديس بولس يحمل رائحة المسيح العطرة، ويفيض من حديقة الكنيسة بواسطة الروح القدس. والأمثلة الأخرى كيوحنا، ولوقا ومتى ومرقس وجميع الرسل الآخرين كلهم يرمزون إلى نباتات نبيلة في حديقة العروس، وعندما تهب عليها في منتصف الظهيرة تصير ريح الجنوب جميعًا ينابيع عطور لرائحة الأناجيل الذكية.
ليأت حبيبي إلى جنته ويأكل ثمرة النفيس” [ع16]. أنه لتعبير جريء من نفس ممتلئة حماسًا وروعة ترتفع على كل تعجب. من تدعوه العروس لوليمتها التي تتكون من فاكهتها الخاصة؟ لمن تُجهز العروس ولِيمتها التي أقامتها من مصادرها الخاصة؟ من تدعوه العروس لكي يأكل مما عرضته؟ “هو الذي منه وبه وله كل الأشياء” (رو 11: 36). أنه يعطي كل شخص طعامه في حينه (مز 145: 15)، يفتح يده ويملأ كل كائن حي بالنعيم. هو الخبز النازل من السماء (يو 6: 41)، هو الذي يعطي الحياة للعالم ويجعل المياه تفيض من نبعه الخاص للحياة. هذا هو الواحد الذي تُرتب العروس له مائدتها. وهي الحديقة التي تنبت منها أشجار حيّة. ترمز الأشجار إلينا وتُشير أرواحنا المُخلصة إلى الطعام المُقدم له. وقال لتلاميذه: “أنا لي طعام لآكل لستم تعرفونه أنتم” (يو 4: 32، 34). تتميم إرادة الله المقدسة: “فهو يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون” (1 تي 2: 4). فهذا الخلاص هو الغذاء الذي يُجهز له. تعطي إرادتنا الحرة الثمرة لله وهي أرواحنا، ليقطفها من على غصنها الصغير. تمتعت العروس في البداية بثمرة التفاح حلوة المذاق قائلة “وثمرته حلوة لحلقي” (نش 2: 3). ثم أصبحت هي نفسها الثمرة الجميلة الحلوة التي قُدمت للراعي ليتمتع بها.
تشير الكلمات “ليأت إلى” إلى إعطاء حرية الاختيار مثل “ليتقدس اسمك” “ولتكن مشيئتك” وكما توضح هاتان الفقرتان حرية الاختيار فإن صلاة العروس “ليأت إلى” تشير إلى الله مانح ثمار الفضيلة وإلى نزول العريس من أجل حبه للبشرية. لا يمكن لنا أن ترتفع إلى أعلى السماوات بدون أن ينزل هو إلى الودعاء ويرفعهم (مز 147: 6)، لذلك تنادي النفس التي ترتفع إلى أعلى على الله الذي لا حدود له وتصلي له لكي ينزل من علياء عظمته حتى يتمكن من يعيشون على الأرض أن يقتربوا منه. وبينما كنت تتكلم يجيب الرب “هأنذا” (إش 58: 9). سمع الرب ما كان يدور بخلد العروس، ومنحها سؤل قلبها، وأتى إلى حديقتها عندما كان ريح الجنوب يهب، والتقط ثمار أطيابها، واِمتلأ بثمار الفضيلة وتكلم عن وليمته قائلاً: “قد دخلْتِ جنتي يا أختي العروس. قطفت مرّي مع طيبي. أكلت شهدي مع عسلي. شربت خمري مع لبني. كلوا أيها الأصحاب اِشربوا واِسكروا أيها الأحباء” [ع1]. هل ترى الآن كيف تفوق عطية العريس على ما تطلبه العروس؟ أرادت العروس ينابيع من الأطياب في حديقتها وأن يهبّ على نباتاتها ريح الجنوب في منتصف النهار، وأن ينال راعي الحديقة الثمار التوتية حسب اختياره. يتضح أن كل رائحة طيبة تُدخل السرور عند شمِّها، بينما الثمار التوتية المختارة ليست في مستوى الخبز كغذاء صحي للجسم. غيّر العريس الثمار إلى أنواع أفضل عندما نزل إلى حديقة. ثم جمع منها المرّ والأعشاب العطرة. ويتبعني النبي بكل ما هو جميل في العريس (زك 9: 17). جعل العريس الأشجار تُنتج الخبز الذي خلطه بعسله بدلاً من الثمار التوتية المختارة. (هنا يوجد تقرير نبوي وهو عسل العريس وغيره من المسرات. وتخلط الخمر المشتقة من الأشجار بمثل هذه الثمار، بها! إن التمتع بالإضافة إلى عطر ثمرة العروس هو المرّ المتحد مع الأعشاب العطرة. إنها تُميت أعضائنا الأرضية وتبقى وتنقي الحياة وتجعلها عطرة من أطياب الفضيلة المختلفة.
يجد الشخص الذي يبحث عن غذاء أكثر كمالاً، الخبز الذي لا يأكلونه الآن مع الأعشاب المرة كما تأمر الوصايا (خر 12: 8). هذه الحياة مرة، والاختيار الأحسن يحوّل العسل إلى غذاء جامد في الوقت المناسب وتضيف ثمرة الفضيلة حلاوة إلى حواس النفس. حدث مثل هذا عندما ظهر خُبز السماء للتلاميذ بعد قيامة السيد المسيح. لقد صار طعمها حلوًا بالعسل من قرص الشهد. يقدم للشخص العطشان كوبًا من الخمر واللبن وليس مرارة على إسفنجة مبللة بالخل (مر 15: 36)، كما قدم اليهود لمخلصهم كأس الصداقة على خشبة. حقيقة نحن لا نجهل السرّ الضمني وراء هذه الكلمات، أي كيف كان القديس بولس شجرة تحمل المرّ والذي كان يموت كل يوم (1 كو 15: 31)، الذي وضع نفسه تحت حكم الموت، وأصبح عطرًا الحياة لهؤلاء الذين خلصوا بواسطة رائحته الطيبة ونقاؤه وتفانيه. طحن بولس النباتات الحيّة بالحديقة وحوّلها إلى قمح ليقدمها لله. شهد الجالس على العرش لهذا بقوله: “كنت جوعانًا فاطعمتموني” (مت 25: 35). إن خبز الفرح هو السعادة المحلاة بعسل الوصية. تصب العروس نباتات الحديقة المزهرة كخمر لعريسها الذي قال: “كنت عطشانًا فسقيتموني” خمر ممزوج باللبن، وليس بالماء كما يفعل أصحاب محلات بيع الخمور. اللبن النقي عديم الغش هو الغذاء البسيط للبشر (1 بط 2:2)، أنه غير ممزوج بأي شيء آخر، ونقي من أي مصدر للشر.
وبعدما خاطب العريس العروس، قدم النشيد إلى أصدقاء العروس سرّ الإنجيل قائلاً: “كلوا أيها الأصحاب، اِشربوا وأسكروا أيها الأحباء” [ع1]. فالشخص الذي يعرف كلمات الإنجيل الروحية يجد أنه لا فرق بين هذه الآيه والكلمات التي قيلت عند بدء الخدمة الروحية للتلاميذ. ففي كلا الحالتين تقول الكلمات: “كلوا واشربوا” (مت 26:26-27). ويظهر أن تشجيع العروس لأصدقائها كان أكبر مما كان للتلاميذ. لكن من يفحص النصين بدقة يتبين له أن كلمات النشيد تتفق مع ما جاء بالإنجيل. فالكلمة التي وُجهت للأصدقاء أنتجت ثمرها في الإنجيل. تتغلب الخمر على العقل ويصبح المخمور في حالة من السعادة والفرح. لذلك يُصبح ما يشجع به النشيد حقيقة بواسطة هذا الغذاء والشراب المقدس للإنجيل. لذلك يحتوي هذا الغذاء والشراب الآن ودائمًا القدرة على التغيُّر المستمر والفرح من حالة دنيا إلى حالة أحسن.
وكما يقول النبي: “لأن عندك ينبوع الحياة. بنورك نرى نورًا” (مز 36: 9). فالذين يشربون من غنى بيت الله. من نهر فرحه ينتشون. وأيضًا انتشى داود العظيم لأنه خرج من نطاق نفسه إلى آفاق الفرح والسعادة الغامرة: فقد رأى الجمال الغير منظور، وصرخ بصوته الذي تقوده القوى المقدسة: “لماذا يقول الأمم أين هو إلههم” (مز 115: 2). يشرح داود بهذا التعبير كنوز الله العظيمة جدًا التي تعلو عن التعبير عنها. وقال بولس، بنيامين الجديد، وهو في نشوة السعادة والفرح العظيم: “لأننا إن صرنا مختلفين فللَّه – تُعتبر النشوة والسعادة حركة ناحية الله – أو كنا عاقلين فلكم” (2 كو 5: 13). وأشار بولس بطريقة مماثلة إلى فستوس قائلاً: “لست أهذي أيها العزيز فستوس بل أنطق بكلمات الصدق والصحو” (أع 26: 25).
شارك القديس بطرس في هذا النوع من الغيبة عندما كان جوعانًا ومخمورًا في نفس الوقت. كان بطرس جوعانًا قبل أن يقدم له الغذاء المادي وأراد أن يتذوقه، وبينما كان أعضاء عائلته يجهزون الطعام (أع 10:10) جرب بطرس هذه الغيبة المقدسة الصاحية. وخرج من نفسه بواسطتها ورأى الرؤيا الآتية: “فرأي السماء مفتوحة وإناء نازلاً عليه مثل ملاءة عظيمة مربوطة بأربعة أطراف ومدلاة على الأرض. وكان فيها دواب الأرض والوحوش والزحافات وطيور السماء. وصار إليه صوت قم يا بطرس وإذبح وكل. فقال بطرس كلا يا رب لم آكل قط شيئًا دنسًا أو نجسًا. فصار إليه أيضًا صوت ثانية ما طهره الله لا تدنسه أنت. وكان هذا على ثلاث مرات” (أع 10: 11-15). نتعلم من الصوت الذي ناداه في المرة الأولى أن الله الآب هو الذي يُطهر، وفي المرة الثانية أن الابن الوحيد هو الذي يُطهر وفي المرة الثالثة أن الروح القدس هو الذي يطهر كل شيء. تحدث هذه الغيبة من الخمر الذي يقدمه الله لكل من يجلس على مائدته. فالله يُشجع بحق كل من يعيش حياة الفضيلة ويقترب منه، وليس البعيدين عنه: “كلوا أيها الأصحاب اشربوا واسكروا أيها الأحياء”. “لأن الذي يأكل ويشرب بدون اِستحقاق يأكل ويشرب دينونة لنفسه غير مميز جسد الرب” (1 كو 11: 29)، فهو يطلق كلمة “إخوة” على المستحقين لهذا الطعام. “لأن من يصنع مشيئة الله هو أخي وأختي وأمي” (مر 3: 35).
ينام الإنسان بعد ما يدخل في غيبة، وفي أثناء النوم يتم هضم الطعام وتُحفظ صحة من يشاركون في مائدة الاحتفال. لذلك تنام العروس بعد الاحتفال. ويُعتبر هذا النوم غير مألوفٍ، ويختلف عن النوم العادي الذي لا يكون الشخص فيه غير واعٍ بما حوله. وكلاهما يضادان بعضهما البعض لأن النوم والاستيقاظ يتلو أحدهما الآخر. ونرى في العروس خليط من التعارض المميّز: تقول “أنا نائمة وقلبي مستيقظ” [ع2]، ماذا نفهم من هذه الآية؟ يشبه هذا النوم الموت، وفيه تتوقف كل وظائف الإحساس: فلا توجد رؤية أو سمع أو شم أو تذوق أو إحساس باللمس، ولكن ينخفض ضغط الدم. وينسى الشخص القلق أثناء النوم ويهدأ انفعال الخوف، ويقلل الغضب وينخفض القلق من التجارب المريرة، ويجعل الشخص غير واع بالشرور. لذلك، نتعلم من العروس أنها ارتفعت وتفخر قائلة: “أنا نائمة وقلبي مستيقظ”.
يظهر أن الجسم يُغلب على أمره أثناء النوم وذلك بفقدانه المؤقت للحواس بينما يبقى العقل وحيدًا وغير مضطرب بالحواس. ويمكن أن نقول بحق أن الرؤية تستريح لعدم القيام بوظيفتها بينما تزدري النفس بالرؤى التي تُخيف الأطفال الصغار. إني لا أتكلم فقط على الأشياء المادية مثل الذهب والفضة والأحجار الكريمة التي تثير العيون الطامعة ولكني أقصد العجائب السماوية العظيمة: النجوم المتلألئة وما يظهر من تغيرات على كرة الشمس والقمر وأي شيء آخر مما يبهج العيون.
وجميع هذه سوف لا تبقى إلى الأبد ولكنها تتحرك وتبتعد مع دورة الزمن. ولكن عندما نفكر بعمق في عظمة الله يقل تقديرنا لهذه العجائب، وتتعب العين من النظر إليها ولا تنجذب النفس الكاملة إلى أي شيء مرئي بل تتأمل بالفكر في كل ما يسمو فوق ما هو حسن. وحتى السمع يتوقف عن القيام بوظيفته لأنه يهتم الآن بما وراء الكلام وتبتعد الروح عن حواسنا الحيوانية وهي التي تتمتع بالروائح العطرة وحاسة الذوق التي تخدم المعدة وحاسة اللمس العامة التي تنقصها الرؤية، ويظهر أن اللمس يتبع الأعمى، وإذا توقفت هذه الحواس بالنوم وبقيت دون عمل، يستمر عمل القلب في نقاء، ويتطلع المنطق إلى أعلى دون اضطراب بعيدًا عن حركة الحواس.
يوجد للمتعة وجهان: أحدهما يتأثر بالروح الخالية عن الهوى، والثاني يتأثر بأهواء الجسد. وما تختاره منهما الإرادة الحرة، ويقوى على الآخر. فإذا اِهتم شخص بالحواس واِنجذب ناحية متعة الجسم فسوف يعيش حياته دون أن يتذوق الفرح المقدس، لأن الحق يختفي بما هو دنيء. أما هؤلاء الذين يبغون وجه الله، فإن الخير ينتظرهم، إنهم يعملون بكل جهدهم أن يبتعدوا عن كل ما يرتبط بالحواس. لذلك عندما تتمتع النفس بما هو أسمى من الوجود فإنها سوف لا تهتم بما يؤدي متعه الحواس. إنها تأمر جميع الميول الجسدية بالتوقف، وترى النفس الله في تأملاتها المقدسة برؤية داخلية نقية. ليتنا نتجول ونكون مستحقين من خلال هذا النوم الذي يتكلم عنه النشيد لكي نحفظ أرواحنا مرتبطة بالمسيح يسوع ربنا، له المجد إلى الأبد آمين.
يتبع…..
القديس غريغوريوسالنيصي

 
قديم 04 - 08 - 2016, 05:04 PM   رقم المشاركة : ( 13849 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,465

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

يجب الا ننزلق عن ما هو حق

سفر نشيد الأنشاد

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
أوصى السيد المسيح تلاميذه (مت 24: 42) وحثهم على التأمل العميق في الآفاق العليا، بعد أن نفضوا عن طبيعتهم كل أوساخ العناصر المادية. وإحدى هذه الوصايا هي التغلب على النوم أثناء البحث عن الحياة السامية، إذ لابد أن يحتفظوا بعقولهم متنبهة حتى يتمكنوا من طرد الذي يخدع ويخون الروح والحق، ويُوحي بالرغبة الشديدة في النوم وأعني بهذه الحالة الخيالات التي تُشبه الأحلام التي يتصف بها بعض الحكام والأغنياء الغارقين في غرور غش هذه الحياة، مثل الكسل والكبرياء، الملذات المغرية، حب العظمة وملذاتها، وحب المظاهر وكل أنواع الخداع التي يسعى إليها الأشخاص المهملين. تزول هذه الأشياء والملذات المؤقتة بمرور الزمن. وقد تظهر أنها باقية ولكن ليس حسبما نعرف، فهي كالبحر يرتفع في أمواجه مُندفعة بتأثر حركة الرياح، وفجأة تنخفض ويصبح البحر هادئًا، وهكذا مع كل الأشياء المؤقتة أنها تتحطم مثل الأمواج.
وحتى لاتندفع عقولنا وراء الخيالات يجب أن نبعد النوم العميق عن عيون أرواحنا وألاّ تكون ميولنا نحو الأشياء الزائلة وننزلق بعيدًا عن ما هو حق وكائن. لذلك يُشجعنا المسيح أن نكون حذرين: “لتكن أحقاؤكم ممنطقة وسُرجكم موقدة” (لو 35:12). فالضوء الذي يشع من عيونا يبعد عنا النوم واحقاؤنا الممنطقة بالأحزمة لاتسمح للجسد أن ينام. كذلك الحركة التي نقوم بها أثناء العمل تجعلنا دائمًا يقظين. ومعنى هذه الرموز واضح إن يعيش الذي يتمسك بالأستقامة في ضوء الضمير النقي، لأن مصباح الثقة في النفس ينير حياته. وتبقى روحه متيقظة، ولا يمكن خداعها لأن أشعة الحق تحميها، كما لايهتم بالأحلام عديمة الفائدة. فإذا وصلنا إلى هذا المستوى بمساعدة المسيح تصبح حياتنا ملائكية. لأن الوصايا المقدسة تُقارننا بالملائكة قائلة: “وأنتم مثل أناس ينتظرون سيدهم متى يرجع من العرس حتى إذا جاء وقرع يفتحون له للوقت” (لو36:12).
يقف هؤلاء الذين يتوقعون رجوع السيد المسيح باشتياق وانتباه على أبواب السماء عند ما يدخل ملك المجد إلى نعمته التي تفوق كل تصور. كما جاء في مز 6:18. “ومثل العروس الخارج من حجله”. بالرغم من خطأنا وعبادتنا للأصنام، وقد طرنا الله، فقد حظينا بالميلاد الجديد وصرنا أبكارًا بعد غسل كل فساد فينا. لذلك تمت كل احتفالات الزواج، وارتبط كلمة الله بالكنيسة. وكما يقول القديس يوحنا: “من له العروس فهو العريس” (يو 29:3). واِستقبلت الكنيسة العروس في حجرة العرس المقدسة، وتوقعت الملائكة رجوع الملك أثناء قيادته للكنيسة كالعروس وجعل طبيعتها مستعدة للنعمة. فقال أن حياتنا يجب أن تكون خالية من الشر والخداع، حتى نكون مستعدين لاِستقبال الرب عند مجيئه الثاني. وعندما نحرس أبواب مساكننا فإننا نُجهز أنفسنا لوصول العريس، عندما ينادينا ويقرع على الباب. “طوبى لأولئك العبيد الذين إذا جاء سيدهم يجدهم ساهرين” (لو 37:12). لأنه مبارك ذاك الذي يطيع ذاك الذي يقرع. أن النفس تتطلع إلى هذه البركة تستقبل عريسها الواقف على الباب. أنها تراقب باب بيتها بيقظة قائلة: “صوت حبيبي قارعًا” (نش 2:5). كيف نفي العروس حقها إذ قد ارتفعت إلى ما هو أكثر قداسة؟
بمثل هذا السلطان والجسارة تأمر ريح الجنوب وريح الشمال. وتقيم من جنتها – المليئة بالتفاح المختار – مأدبة لسرب الخليقة الذي لايرفض أي مما يقدم إليه، بل يقول أن كل شيء جميل: المر، التوابل، الخبز مع العسل والخمر وأيضًا اللبن. لذلك فإن الكلمة نفسه يشهد، “كلك جميل يا حبيبتي ليس فيك عيبة” (نش7:4). أنها تتدبر أمرها الآن لتستقبل وجه الله، لكنها لم تستقبل بعد الكلمة الواقف على بابها، لكنها تقف مبهورة بسماع صوته تقول أن هذا الصوت ليس صوتها بل هو صوت عريسها الواقف على بابها.
نرى إن الطريق الذي يؤدي إلى الله هو مفتوح إلى أعلى للصعود فيه، ولكن نعجب إذ إن ما تدركه النفس ما هو الأ بداية لما هو غير مدرك؟ قد كنا نتوقع أن تتوقف العروس في طريق صعودها لما سمعته من كلمات على فم عريسها. (لأنه ماذا تطلب أكثر من شهادة عريسها بكمالها؟). والآن نرى ما بداخلها ليس ما هو خارج بيتها. أنها لم تنعم بعد برؤية وجه عريسها، لكنها بعد تسمع أرشادًا بأن تسلك الصلاح. نعم أن الذي يتقدم في حياته الروحية يحق له أن يسمع كلمات الرسول الصادقة، “فإن كان أحد يظن أنه يعرف شيئًا فإنه لم يعرف شيئًا بعدكم يجب أن يعرف” (1 كو 2:8). وهكذا فإن النفس تفهم ما قد أدركته ولكن من المؤكد أن ما لم تعرفه بعد يفوق ما قد أدركته فعليًا لذلك فإن العريس يظهر لعروسه رغم أنها لاتراه، ولكنه يعدها خلال سماعها لصوته بأنه سوف يظهر لها.
ولكي أوضح هذه الفقرة، سأعطى مثالاً: إذا حدث لأي شخص أن يكون بالقرب من نبع الماء الذي يصفه الكتاب (تك6:2). وإذا الضباب يطلع من الأرض ويسقى كل وجه الأرض، فيعجب من معجزة المياة المتدفقة المندفعة بلا نهاية. ولا يتمكن من القول أنه قد رأي كل المياة (لأنه كيف يمكن رؤية ما يخفيه بطن الأرض؟ وحتى لو بقى مدة طويلة بجوار المياه المتدفقة فهو يرى المياه كما رآها في أول الأمر، لأنها لم تتوقف عن التدفق). وبنفس الطريقة يكتشف الشخص الذي يتأمل في الجمال المقدس الخفي أنه يراه من جديد لأنه سيراه كشيء، اسمي وأكثر عجبًا بالمقارنة بما رآه وأدركه من قبل ويستمر في تعجبه على ما يكشفه له الله باِستمرار عن عظمته وجماله وقوته، بحيث لاتنتهي رغبته في رؤية المزيد لأن ما ينتظره يجده دائمًا أعظم وأجمل وأقدس مما رآه من قبل. لذلك تتعجب العروس وتنبهر من هذه المعرفة. وبالرغم من ذلك لاتتوقف أبدًا عن الأشتياق إلى رؤية لما هو آت. والآن تعلم العروس أن كلمة الله يقرع فتنهض عند سماع صوت قائلة: “صوت حبيبي قارعًا” (نش2:5).
وبعدما سكت الذين كانوا ينصتون إلى العروس فيقول النص: “افتحي يا أختي يا حبيبتي يا حمامتي يا كاملتي لأن رأس قد امتلأ من الظلّ وقصص من ندى الليل” (نش 2:5). إن تفسيري سيساعدك على فهم معنى هذا النص. أبتدأ ظهور الله لموسى العظيم خلال النور (خر 18:19)، وبعدها كلمة من خلال السحاب (خر 21:20). وبعدما ارتفع موسى إلى أعلى وأصبح أكثر كمالاً، رأى موسى الله في الظلام (خر 15:24-18). نتعلم من هذا المثال أن ابتعادنا عن الأفكار الغير صحيحة الخادعة عن الله هو انتقال من الظلام إلى النور. بعد ذلك يقود الفهم الدقيق للأشياء المخفية، والنفس لمعرفة طبيعة الله الغير منظورة، من خلال الرؤى التي يُرمز لها بالسحاب، وهو لا يسمح بالرؤية الكاملة لما يوجد خلفه. ولكن تتعود النفس بالتدريج أن ترى ما يختفي وراءه. وأخيرًا تُقاد النفس إلى أعلى، وتنسى ما تتمكن الطبيعة البشرية من فهمه، وتدخل إلى قدس معرفة الله حيث تحاط من كل جانب بالظلمة المقدسة. وتتخلى النفس عن كل شيء آخر، أي المظاهر والأفكار، والشيء الوحيد الباقي لفهمها هو حيث يسكن الله الغير منظور والذي لا يمكن الوصول إليه. يقول الكتاب من معُطى الشريعة: “وأما موسى فقد اقترب من الضباب حيث كان الله” (خر 21:20).
وبعدما فحصنا هذه الأمور، يلزم أن نفهم الكلمات المرتبطة بما تكلمنا عنه سابقا. كانت العروس سوداء عندما ظللتها التعاليم الغير واضحة. ثم نظرت إليها الشمس نظرة ليست في صالحها، نفس الشمس التي تحرق الحبوب التيلم تتكون لها جذور والتي سقطت على صخر نتيجة للتجارب هُزمت العروس بهؤلاء الذين حاربوا ضدها، أنها لم تحرس كرمها، كانت العروس ترعى قطيع من الماعز بدلاً من الغنم لأنها لم تعرف نفسها. ولكن بعد أن أبعدت نفسها عن الشر، وغسلت نفسها من ظلمة الجهل، رغبت في التقرب من ينبوع الحق ثم قورنت العروس بالحصان لسرعة تقدمها ثم باليمامة لبساطة تفكيرها. وأسرعت في الجري كحصانٍ خلال كل شيء فهمته وجربته، وكانت تطير كيمامة وتستريح لرغبتها تحت ظل شجرة التفاح.
يتكلم النشيد عن ظل شجرة التفاح بدلاً من الضباب وهي الآن محاطة بالليل المقدس حيث يقترب العريس ولكنه لا يظهر.
كيف يمكن أن نرى من هو غير منظور خلال الليل؟
يمنح العريس النفس معرفة بحضوره غير أن الصورة لا تكون واضحة لأن طبيعته الغير مرئية تظل مختفية. ما هي إذن التعاليم الروحية التي جربتها الروح هذه الليلة. كان كلمة الله يلمس الباب. نحن نفهم أن هذا الباب هو العقل البشري الذي يبحث عن ما هو مختفي، ومن خلاله يدخل الشيء الذي كان يبحث عنه. لذلك يقف الحق خارج أنفسنا لأنه كما يقول الرسول: “الآن أعرف بعض المعرفة” (1 كو 12:13). يقرع الحق على عقولنا بواسطة الكنايات والأسرار قائلاً “افتح” وبهذه الدعوة يقترح العريس طريقة لفتح الباب. ويعطينا مفاتيح خاصة وهي الكلمات الجميلة في النشيد. ويتضح أن الأسماء مثل أختي وصديق ويمامة والواحد الكامل هي المفاتيح التي تفتح ما هو مُخبئأ.
يقول العريس: إذا رغبت في فتح الباب فارفع بوابات نفسك حتى يتمكن ملك المجد من الدخول (مز 7:24)، يلزم أن تدخل مشيئتي في نفسك. كما يقوا الإنجيل: “لأن من يصنع مشيئة أبى الذي في السماوات هو أخي وأختي وأمي” (مت 50:12). لابد أن تقترب من الحق وتُصبح صديقه حتى لا تنفصل عنه يجب أن تكون كاملاً مثل يمامة فلا تحتاج لشيء وتمتلئ من البراءة والنقاء. وعندما تحصل على هذه الأسماء كمفاتيح لنفسك، اجعل الحق يدخل ويصبح أخت، وصديق ويمامة وواحد كامل. ستكون مكافئتك لاِستقبالي وسماحك لي بالسكن معك هي الندى الذي أمتلئ به وينزل من رأس وقطرات الليل التي تسيل من شعري. ترمز هذه الكلمات إلى قوة الشفاء للندى الذي يشير إليه النبي: “تحيا أمواتك تقوم الجثث. استيقظوا ترنموا يا سكان التراب. لأن طلك ظلّ أعشاب والأرض تسقط الأخيلة” (إش 19:26). تشير قطرات الليل إلى المعنى الذي أشرنا إليه من قبل. يستحيل أن يُقابل الشخص الذي يدخل إلى عمق أقداس الغير منظور بفيض غامر من المعلومات، بل يلزم أن يقتنع بفهم الطبيعة الداخلية للأشياء، فالحق معرفته بالندى: تفيض هذه القطرات الروحية من القديسين وحاملي الرب القدوس بداخلي.
ترمز خصلات الشعر التي توجد على رأس الكون إلى الآنبياء والمبشرين والرسل. ويشبه هؤلاء قطرات الندى بالمقارنة بالحق، وبالرغم من كمال تعاليمهم وعمقها، إلا أن كل واحد منهم يستمد المياه من ظلمة الكنوز المخبأة الغير مرئية والتي أصبحت أنهار لنا. كان بولس كنهر، قد ولد عاليا على موجة أفكاره تأخذه إلى فردوس السماء الثالثة أي هذه الكلمات التي لا ينطق بها. امتلأ بولس كالبحر بكل هذا الكلام الشيق الحي القوي، موضحًا مرة أخرى أنه قطرة ندى بالمقارنة بكلمة الله الحي. ويقول: “لأننا نعلم بعض العلم ونتنبأ بعض التنبوء” (1 كو 9:13) وأيضًا: “إن كان أحد يظن أنه يعرف شيئًا فإنه لم يعرف شيئًا بعد كما يجب أن يعرف” (1 كو 2:8). فإذا ظهرت القطرات والندى من خصلات شعر العريس كأنها أنهار فكيف نتخيل عرض البحر والأمواج؟ يلزمنا لنا أن نفكر بهذا الينبوع الذي يتكلم عنه السيد المسيح: “إن عطش أحد فليقبل إليّ ويشرب” (يو 37:7). ليكوّن كل من يستمع إلى هذه الكلمات فكرة عن هذه العظمة بمقارنة هذه بما قلناه من قبل. فإذا أبتدأت هذه النقطة الصغيرة في تكوين أنهارًا، فكيف يمكننا أن نتخيل نهر الله من مجرد هذه النقطة؟
دعنا نرى كيف تُطيع العروس كلمة الله وتعمل مدخلا لعريسها؟ “قد خلعت ثوبى فكيف ألبسه، قد غسلت رجلىّ فكيف أوسخهما” (نش 3:5). سمعت العروس عريسها يناديها بالألقاب الآتية: أختا، صديقة، يمامة، الواحدة الكاملة حتى تسكن كلمات الحق هذهبداخلها. وعملت ما سمعت أي أنها خلعت رداءها من الجلد (تك 21:3) التي لبسته بعد سقوطها في الخطية. غسلتت العروس أيضًا قدميها من التراب الذي غطاها عندما رجعت إلى الأرض، بعد فترة إقامتها في الجنة لأنها سمعت: “لأنك تراب وإلى تراب تعود” (تك 19:3). لذلك فتحت العروس طريقًا في روحها لعريسها بواسطة إزالة النقاب من قلبها، أي، من جسدها. وأعنى هنا بالجسد الإنسان العتيق. يشجع بولس هؤلاء المستعدين لغسل أقدام أنفسهم من الأوساخ في ماء كلمة الله، أن يسرعوا في إزالتها وإطاحتها بعيدًا عنهم. تفتح العروس طريقًا لكلمة الله بخلعها للإنسان العتيق وإزالة النقاب عن قلبها. وتعمل الروح من كلمة الله رداء لها نلبسه عند دخوله إليها حسب قول الرسول أنه يخلع الرداء الجسدي للإنسان العتيق ويلبس الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق (أف 24:4). ويقول أن المسيح هو هذا الرداء.
أعتلافت العروس أنها لاتلبس أبدًا الرداء الذي خلعته ورفضته، وأنها مكتفية بالرداء الذي لبسته بعد ميلادها الجديد من الأعالى حسب الوصية التي اُعطيت للتلاميذ (مت10:10). يؤكد هذا العمل كلمة السيد المسيح التي تشجع الذين تزينوا بالرداء المقدس أن لايلبسوا مرة أخرى رداء الخطية، ولايحتفظوابردائين بل برداء واحد، إذ لايتلائمالردائان مع بعضهما. فلا ينسجم رداء الظلام مع الرداء اللروحي المنير. ولاتأمرنا الوصية بأن لانحتفظبردائين فقط بل أيضًا أن لانخيط رقعة من قطعة جديدة على ثوب عتيق(مر 21:2). وإلا، فإن الرقعة الجديدة تنكمش فتأكل من الثوب العتيق، ويصير الخرق أسوأ. ويؤدي هذا تعرية جزء من الجسم ويتبع ذلك الخجل والعار. لذلك تقول العروس: “قد خلعت ثوبى فكيف ألبسه” يُشبه الشخص الذي يرى نفسه مرتديا رداء السيد المسيح اللآمع الذي لبسه بالنقاء وعدم الفساد، الرداء الذي ظهر به السيد المسيح أثناء التجلى على الجبل. لذلك يرفض هذا الشخص رداء السكير والداعرة الممزق حسب ما جاء في أمثال 21:23.
لا يتلوث الإنسان مرة أخرى بالتراب من الأرض بعدما غسل قدميه: تقول العروس “قد غسلت رجلي فكيف أوسخهما” (نش 3:5). خلع موسى حذاءه من رجليه (وهو مصنوع من جلد حيوان ميت) لأنه كان يسير على أرض مقدسة (خر 5:3). يقول الكتاب أن موسى لم يلبس حذاءه مرة أخرى، بل حسب أوامر الله له على الجبل صنع ثياب الكهنة التي استخدم في حياكتها خيوطا ذهبية وزرقاء وبنفسجية وحمراء والكتان الفاخر حتى يشع جمالها حولهم (خر 5:28، 8). ولم يعمل موسى أية زينة على قدميه لأن أقدام الكهنة تبقى عارية دون غطاء. لأن الكاهن يسير على الأرض المقدسة، فيلزم ألا يستعمل حذاء من جلد حيوان ميت. لذلك منع السيد المسيح تلاميذه من لبس أحذية، لأنه أمرهم أن يسيروا في طريق القداسة (مت 5:10، 6). أنتم تعرفون هذا الطريق المقدس الذي أمر السيد المسيح تلاميذه أن يسيروا فيه قائلاً: “أنا هو الطريق” (يو 6:14). لا نتمكن أن نسير في هذا الطريق إلا إذا خلعنا رداء الإنسان العتيق الميت.
دخلت العروس هذا الطريق حيث غسل السيد المسيح قدميها وجففهما بقماش الكتان الذي كان متمنطقا به. (تنظف قوة هذا القماش الذي كان متمنطقا به السيد المسيح من الخطايا. “الرب قد ملك. لبس الجلال. لبس الرب القدرة. ائتزربها” (مز 1:93). ابتدأت العروس تراقب نفسها عندما وضعت قدميها على الطريق الملكي فلا تحيد عنه إلى اليمين أو اليسار، ولم تلوث قدميها بالطين بالسير خارج الطريق. أنت تعلم بالتأكيد معنى هذه الكلمات: خلعت العروس حذاءها نهائيا بالعماد (لأن عمل من يُعمد يشمل فك سيور الحذاء، كما شهد بذلك يوحنا عندما لم يتمكن من فك سيور حذاء السيد المسيح. إذ كيف يتمكن يوحنا من فك سيور حذاء ذات الذي لم يرتبط برباط الخطية؟) حفظت العروس أقدامها بدون تلوث على الطريق المرصوف مثل ما عمل داود بوصفه قدميه على صخرة بعد ما غسلها من الطين، حيث قال: “أصعدني من حب الهلال من طين الحمأة وأقام على صخرة رجلي. ثبت خطواتي” (مز 2:40). نحن نفهم أن هذه الصخرة هي السيد المسيح، فهو النور والحق وعدم الفساد والبر الذي برصف الطريق الروحية. وعندما نحفظ خطواتنا على هذا الطريق دون أن نبتعد عنه إلى الجانبين، تبقى حياتنا غير ملوثة بالقاذورات. هذه هي الطريقة التي حفظت بها العروس بابها مفتوحا للسيد المسيح. ولقد وعدت أن لا تعود مرة أخرى للقاذورات المرفوضة أو تستقبل أي ملوثات أرضية على طريق هذه الحياة، لذلك أصبحت روحها مستعدة لكي تكون مقدسة. المسيح نفسه هو هذه القداسة(1 كو 30:1). وهكذا قد أكملنا فحص مع أني هذه الكلمات.
تبتدئ بعد ذلك النفس مرة أخرى في الصعود إلى أعلى. يقرع صوت العريس على قلب العروس وتمتد اليد المقدسة إلى الداخل من خلال فتحة الباب: “حبيبي مد يده من الكوّه فإنت عليه أحشائى” (نش 4:5). يتضح للشخص صاحب الفهم العادي أن هذه الكلمات أعلىمن الناحية الروحية مما سبقها. قال السيد المسيح لعروسه “أفتحى” حتى يعطيها القدرة على فتح ما تحتويه الأسماء المقدسة. أطاعت العروس كلمة الله (لأنها أصبحت حسب ما سمعت، أختا، صديقة، يمامة وواحدة وصلت إلى الكمال). ثم خلعت حذاء الجلد، وغسلت الأوساخ من قدميها ولم تلبس مرة أخرى الرداء العتيق المهزق. كما أنها لم تثبت خطواتها على الأرض، لأنها سمعت صوت عريسها وتؤمن بوصاياه. فتحت العروس الباب بعد أن أبعدت الحجاب عن قلبها. فتحت الباب وحجاب الجسد وعندما تُباعد مصراعي الباب فقد يدخل ملك المجد. وللبوابة كموّة ضيقة قد لاتُمكّن العريس من أدخال يده خلالها. غير أن يده وصلت إلى الداخل وأثارت رغبة العروس في رؤيته. لقد حسبت رؤية يد من ترغب أن تعرفه مكسبا لها.
قد نستبعد درسًا من النشيد إذا راجعنا دراسة هذا المحتوى. تمتلك النفس البشرية طبيعتين: جسدية وفكرية والأخيرة نقية بينما الجسدية غير منطقية وهي التي تكوّن مادة الجسم. تتوجه النفس إلى أعلى من خلال الفضيلة عندما تتطهر من العادات الخاطئة للحياة الأرضية، وتنظر إلى ما هو طبيعى ومقدس. أنها لاتتوقف عن البحث في أصل الحق والخليقة ومصدر الجمال فيها، الذي تنبع منه القوة والحكمة التي تظهر فيه. تحرك الحكمة جميع أفكار الشخص، وقدراته للبحث. كما تثير غريزة حب الأستطلاع فيه! تُحدد الحكمة إدراكنا لله وهي العملية المقدسة الوحيدة التي تأتي إلى وجودنا المائت لغرض منحنا الحياة وبطريقة مشابهة تتحرك المياه بواسطة الريح ولاتبقى على حافة البحيرة ولكنها تصبح ينبوع مندفعًا ومرتفعًا بالمياه مكوّنا موجه عالية. فإذا ما وصلت إلىأعلى ارتفاع ظاهر للمياه، تختلط بالهواء ثم تهدأ حركة الريح في المستوى العالى. هكذا الحال في النفس التي تبحث عن الله. تبتدئ النفس من أسفل في محاولة لمعرفة ما هو وراء حدود المقدرة البشرية إلى فهم أعمال الله العظيمة. ثم تصبح غير قادرة على الاِستمرار إلى الأمام لكي تفحص بدقة هذه الأعمال، وبدلاً من ذلك نتعجب وتعبده لأنه هو وحده الذي يُعرف بأعماله. ترى النفس جمال السماء وأبدًاع مصادر الضوء وسرعة دوران الأرض حول محورها والنظام المحكم للأشياء وتوافق مدارات النجوم والدورة السنوية بفصولها الأربع. يحفظ الله الأرض الذي يحتضنها وهو يُغير وظائف النجوم. وهو يقوت ويحفظ الآنواع العديدة المتباينة من الكائنات الحية: الأحياء المائية، الطيور، الأحياء الأرضية كالنباتات كميّاتها والفرق بينها وصفات الفواكه والعصارات، وتُظهر هذه كلها قوة الله.
عندما تتأمل النفس هذه العجائب فإنها تعترف بصاحب هذه الأعمال. أيضًا تقودنا التغييرات التيستحدث في نهاية العالم إلى حياة عظيمة فوق كل مانتصور وكما يقول السيد المسيح: “السماء والأرض تزولان” (مت35:24). بعد ذلك سوف لانعرف الله من خلال أعماله كما نعرف الآن (1 كو 12:13) ولكننا سوف نفهم صورة الجمال الذي لا يمكن التعبير عنه غير أننا سوف نتمتع به (1 كو 6:2). وفي نفس الوقت تتكون حدود معرفتنا بمن ريمكن إدراكه بواسطة عمله في الخليقة الذي ترمز له بيدىّ العريس. وبواستطهمالاتطأ أقدام النفس التي تطهرت من الحياة المادية حتى لاتتلوث خطواتها وتمنعها من توقع دخول العريس إلى بيتها.
تمتعن العروس بتأمل يد العريس التي تمثل قدرته على العمل “حبيبي مد يده من الكوّة” لا تتمكن الطبيعة البشرية من احتواء الطبيعة الإلهية الغير محدودة. وتقول العروس: “فأنّت على أحشائي”. تُشير كلمة “تعجب” إلى الآندهاش والاستغراب عند رؤية هذه المعجزة. تتعجب كل نفس بما لها من قدرة للفهم بالأعمال المبهرة ليد الله التي تفوق قدرات الإنسان، لأن الطبيعة الإلهية التي تعمل هذه العجائب لا يمكن فهمها أو احتوائها. فكل مخلوق حي هو عمل هذه اليد التي ظهرت في الكوّة. لذلك يصرخ يوحنا في إنجيله قائلاً: “كل شيء به كان، وبغيره لم يكن شيء مما كان” (يو3:1). ويعبر النبي إشعياء عن نفس الفكرة، فيسمى اليد قوة الله للعمل: “كل هذه صنعتها يدي فكانت كل هذه يقول الرب” (إش 2:66). لا يتمكن عقل الإنسان من فهم هذا الآنجاز: جمال السماء بما فيها من نجوم والشمس وعجائب الخليقة الأخرى. غير أن قلب الإنسان يخاف من قوة الله. فإذا كان الإنسان لا يفهم كل أعمال الله، فكيف يتمكن من فهم الله الذي يعلو على ما في الخليقة؟
تشير صورة منزل العروس إلى حياة الإنسان، حسب تفكيرى. لقد تعهدت يد الله الخالقة أمر خلاص حياتنا البشرية عديمة القيمة. فتنازل الله وأخذ جسد بشريتنا وشابهنا في كا شيء ماعدا الخطية (عب 15:4) وملأنا بالتعجب لظهوره في الجسد عند مولده من أمه التي بقيت عذراء، عند اجتماع النور بالظلمة، والحياة بالموت، عند قصر الحياة وعند كوّة الباب التي اِستقبلته. وهو صاحب اليد التي تمسك بكل شيء وتقيس السماء والأرض والبحر. وتمثل العريس هبة الإنجيل التي وهبها للعروس. لأن الله ظهر على الأرض وكلم البشر فعرفنا الجمال الأبدي للعريس، وقداسة كلمة الله وعظمة النور الحقيقي في عمل يديه. لأننا نفهم أن يد الله هي القوّة التي عملت العجائب وبواسطتها أقام الموتى إلى الحياة وتفتحت أعيّن العميان وشفي البرص وطُرد كل نوع من الأمراض الشديدة والغير قابلة للشفاء من الأجسام بأمره.
تقدم لنا يدى العريس قضيتين للتفكير العميق فيهما: تقترح أن الطبيعة الإلهية الغير مُدركة يمكن أن نتعرف عليها من خلال هذه الأعمال وحدها. نفهم من كلام العروس أن الطبيعة الإلهية تنبأت مقدما على هبة الإنجيل. وعند سماعها تُجهز أنفسنا لاختيار شيء أحسن وهو ما يحتويه النشيد. تُعبر كل كلمات النشيد تعبيرًا كاملاً عن الطريق إلى الصلاح لأنه حسب ما تكلم به بولس: “فإن ما لايُرى من أمور الله أي قدرته الأزلية وألوهيته، ظاهر للعيان منذ خلق العالم، إذ تدركه العقول من خلال المخلوقات. حتى إن الناس يأتوا بلا عذر” (رو 20:1). فإذا لم نقدر أن نفهم طبيعة الجنوح للهرطقة ضد الحق. ولكن إذا بحثنا في الإنجيل فإننا نفهم سرّ يد العريس ويصبح إيماننا أقوى بالنسبة لتعاليم الإنجيل المخفية وسوف نتقبل الذي لا يمكن الشك فيه من خلال كلمات نشيد الأناشيد النبوية في المسيح يسوع ربنا له المجد إلى الأبد آمين.
يتبع…..
القديس غريغوريوسالنيصي

 
قديم 04 - 08 - 2016, 05:08 PM   رقم المشاركة : ( 13850 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,465

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

الكنيسة سفينة فيبحر كلمة الله

سفر نشيد الأنشاد

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
5- قمت لأفتح لحبيبي؛ ويدأي تقطران مُرًا، وأصابعي مُر قاطر، على مقبض القفل.
6- فتحت لحبيبي، لكن حبيبي تحَّول وعبر. نفسي خرجت على كلمته. طلبته فما وجدته؛ دعوته فما أجابني.
7- وجدني الحرس الطائف في المدينة. ضربونىجرحونى؛ حفظة الأسوار رفعوا إزاري (برقعى) عنى.
الكنيسة سفينة في بحر كلمة الله
يتوقع الذين يخططون للسفر في رحلة بحرية إلى الخارج الكثير من الرحلة المنتظرة، ويقدم البحارة صلاة عند بدء الرحلة ملتمسين من الله رحلة آمنة. ثم تتحرك السفينة إلى عرض البحر تحت قيادة القبطان. ويطلب البحارة في صلاتهم ريحًا متوسطة السرعة تدفع قلاع السفينة في الاِتجاه الذي يرغبه قبطان السفينة. لا يسبب البحر أي ضيق عندما تكون الريح في اِتجاه مناسب والبحر هادئًا والأمواج خفيفة. فتستمر المركب في إنسياب فوق الأمواج، ويتمنى البحارة ما سوف يجنونه من ثروة طائلة طالما تسير رحلتهم بهدوء قبل أن يظهر أي خطر.
أني استعمل هذه الأمثلة كمقدمة، لأن ما أعنيه واضح لكل مُنتبه لى.
يمثل البحر الشاسع الاتساع التأمل بعمق في كلمة الله، ونتوقع من هذه الرحلة ثروة كبيرة والكنيسة هي السفينة الحيّة التي تتوقع غنى قيادة الله المقدسة بكامل قوتها.
ولكن نص النشيد يعمل كقائد، ولا يلمس اليد التي تحرك دفة السفينة قبل أن يقدم جميع طاقم السفينة الصلاة إلى الله حتى نتنسم قوة الروح القدس علينا وتحرك أمواج أفكارنا. بهذه الطريقة يقود صلاتنا كما يقود القبطان الرحلة البحرية.
بعد ما عبرنا عرض البحر بالتأمل العميق، يمكن أن نتحرك في غنى المعرفة إذا حلّ الروح القدس من خلال الصلاة ودفع الشراع للأمام.
لنفتح لعريسنا باصابعناالمملؤه بالمّر (حياة الإماتة)
دعنا نبتدى بكلمات الوحى الإلهي التي نصها ما يأتي: “قمت لأفتح لحبيبي ويدأي تقطران مرّا وأصابعى مرّ قاطر على مقبض القفل” [5: 5]. لا يمكن لكلمة الله الحىّ أن يكون موجودًا بداخلنا (أعنى أن العريس النقي الغير منظور الذي يُوحّد النفس معه بطهارة وعدم فساد) إلاّ إذا نزعنا الشرّ من أجسادنا بإماتة أجسامنا على الأرض. وبهذه الطريقة نفتح الباب لكلمة الله حتى يدخل ويسكن مع أنفسنا. يتضح هذا من تعاليم الرسول المقدسة. كذلك من كلمات العروس: “قمت لأفتح لحبيبي” بجعل يدىّ ينابيع المرّ، ومنها تفيض الروائح الزكية العطرة، وتظهر أن أصابعى ممتلئة بالمرّ.
وتفتح العروس طريقًا لعريسها بالكلمات الآتية: “فدفنا معه بالمعمودية للموت حتى كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضًا في جدة الحياة” (رو 4:6).
لا تتم فينا معجزة القيامة من الأموات إلا إذا سبقها موتنا بإرادتنا. ويُرمز لهذا أي الموت الأرادى، بقطرات المرّ التي تقطر من يدّىْ العروس، أصابعها تمتلئ بهذا العطر. وتقول أن المرّ لم يأتِ إلى يديها من أي مصدر آخر. وإذا كان هذا صحيحا يصبح المرّ شيئًا طارئا. وغير إراديًا، فيقطر المرّ (قدرات نفسها العاملة) من يديها، ويعني هذا أمانة انفعالاتها الجسدية بإرادتها. لهذا السبب تمتلئ جميع أصابعها بالمرّ.
أصابع الفضيلة
يفسر النشيد كل عمل تقوم به الفضيلة باستعمال كلمة “أصابع”. ويمكننا فهم ذلك بالمعنى الآتي: “لقد اكتسبت قوة القيامة من الأموات بإماتة أعضاء جسدي على الأرض. وقد أخذت بحرية هذا الالتزام بالإماتة، وكأن المرّ الذي فاض من يدىّ ناتج عن إرادتى الحرة. لذلك يظهر نفس الاِتجاه باِستمرار في جميع أعمال الفضيلة التي تعرف بأسم “أصابع”.
أما هؤلاء الذين يمارسون الفضيلة فقد يكون بعضهم ميتًا بالنسبة لأحد الأهواء بينما حيّا بالنسبة لأهواءٍ أخرى. فنلاحظ أن البعض يميت حياة الافراط (الملذات) بينما لا يزالوا يمارسون الكبرياء أو اهواء أخرى مدمرة للنفس مثل حب المال والغضب والطمع وحب الظهور أو شيء آخر من هذا القبيل. فإذا ارتبطت هذه الاهواء الشريرة بالنفس، لايظهر المرّ في أصابع الشخص، لأن الأماتة والانفصال عن الشر لا تمتد إلى جميع نواحى حياته.
تنهض االنفس وتفتح للعريس، عندما تمتلئ الأصابع بما نطلق عليه المرّ. لذلك يظهر أن القديس العظيم بولس قد فهم تمامًا قول السيد المسيح: “الحق الحق أقول لكم إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتمت فهي تبقى وحدها. ولكن إن ماتت تأتي بثمر كثير” يوحنا24:12.علّم بولس هذه النظرية للكنيسة، فيتقدم الموت على الحياة، لأن الحياة لاتدخل إلى الشخص إلا بعد أن يمر في بوابة الموت.
لتحيا فينا الفضيلة وليمت الشر
حرية الإرادة:
لطبيعتنا وجهان: أحدهما شفاف سرِّي وخفيف والآخر سميك ومادي وثقيل. لذلك فحركة كل منهما لها نشاط معيّن لا يمكن أن يتبادلها مع الوجه الآخر. فالذكاء والنور هما من صفات النشاط الذي يرتفع إلى أعلا، بينما النشاط المادي ثقيل الوزن يميل إلى أسفل ويتم هناك. وبما أن طبيعة نوعّىْ النشاط هذه متعارضة ومتضادة في الاتجاة، فإن حركة أحدهما لا تعمل بكفاءة إلاّ إذا أبطأت الأخرى في حركتها. ولنا قدرتنا على الاختيار الحرّ بين هذين النشاطين، ويمكن لهذه القدرة تغيير النشاط الضعيف إلى نشاط قوى أوالعكس: فالإرادة هي التي تضمن انتصار النشاط التي تدعمه. لذلك يمدح الإنجيل (مت45:24) العبد الأمين الحكيم الذي أقامه سيده على خَدَمِةِ ليعطيهم الطعام في حينه. (ويمثل العبد، في رأيى إرادتنا الحرة). لقد مُدح لأنه حفظ منزل سيده بتحطيم أعدائه. ويُعتير تحطيم الأعداء غذاء وصحة لما هو صالح). وعلى جانب الآخر، فإن العبد الشرير الذي يصادق السكارى، يُدان لأنه يُسئ معاملة خُدّام بيت الله ويضربهم.
تنال الفضيلة ضربة قوية عندما ينتصر الشر. لذلك ننال الخير إذا تحمسنا لكلمة النبي، وهي، أن نبيد كل صانعي الشر الموجودين في الأرض، في الصباح الباكر، ونُبعد كل الأفكار الشريرة عن مدينة الله (المدينة هي النفس) (مز 8:101). فينتعش فينا النشاط الخيّر بعد إزالة الشرور من نفوسنا. بذلك يمكننا أن نعيش بعد الموت، لأن واحدًا مما بداخلنا يموت، بينما يعطى كلمة الله الحياة للآخر. كما يقول النبي “أنا أُميت وأُحيي” (تث39:32). لذلك عاش بولس بعدما مات، وتقوى في الضعف، واِستمر في جهاده وهو مربوط بالسلاسل،وكانت له ثروة في الفقر وكان غنيًا وهو لا يملك شيئًا، وكان حاملاً في جسده كل حين إماتة الرب يسوع المسيح (2 كو 10:4).
ولكن دعونا نرجع إلى مناقشتنا، وهي، أن النفس تقوم وترتفع من خلال الموت. (فإذا لم تمت فإنها تظل مائتة إلى الأبد وغير قادرة على الحياة. فبالموت تمر النفس إلى الحياة وترفض كل شيء يُسبب الموت). تؤكد العروس هذه التعاليم لنا: “قمت لأفتح لحبيبي ويداي تقطران مرّا، وأصابعي مر قاطر على مقبض القفل“.
لم يخلق الإنسان ليموت
يرمز المرّ إلى الموت؛ كل من يعرف الكتاب المقدس لا يشك في ذلك. كيف إذن يتمكن الموت من أن يقوم؟ أظن أنه يجب أن نبحث عن فهم أوضح لهذا الموضوع. سوف نستجيب لأحسن قدراتنا وندرسه بترتيب منظم: خلق الله كل شيء بجمال رائع، كما يشهد بذلك سفر التكوين (تك 31:1). وكان الإنسان بين هذه الأشياء رائع الجمال، وفي الحقيقة زوده الله بجمال يفوق كل المخلوقات الأخرى. ماذا أروع من صورة الجمال الأبدي؟ فإذا كان شيء رائع الجمال وكان الإنسان بينها، وخُلق ليكون متفوقًا عليها، فبالتأكيد لم يكن الموت في داخله. فمن غير الممكن أن يكون الإنسان جميلاً بينما يحمل خاتم الموت الحزين بداخله. غير أن الإنسان كان على صورة بها الحياة الابدية وشبيها، ذا جمال صادق وجمال عظيم ومزينًا بهيئة الحياة البهية المنيرة.
حياة فردوسية أبدية
كانت جنة الله للإنسان، وكانت تعج بالحياة لوفرة ما كان بها من أشجار. وكانت وصايا الله هي قانون الحياة الذي وعد أن يبقى الإنسان حيّا إلى الأبد. وفي مركز الجنة زُرعت شجرة تفيض بالحياة: كم هو ضروري أن نفهم ماذا تعني هذه الشجرة التي كانت ثمرتها هي الحياة! وعلى الجانب الآخر كانت توجد شجرة تُسبب الموتُ وثمرتها تجلب الخير والشر. وكانت هي الأخرى موجودة في مركز الحنة. ولا يمكن أن تحتل هاتان الشجرتان نفس المكان في مركز الجنة: فإذا كانت أحداهما في المركز فلابد للأخرى أن تبتعد عنه. فمركز الدائرة هو النقطة التي تبعد بمسافات متساوية من المحيط. ولما كان للدائرة مركز واحد فلا يمكن أن يكون لها مركزان يحتلان نفس المكان. فإذا أخذنا نقطة أخرى كمركز للدائرة مكان المركز الموجود حاليًا فيلزم أن نعمل دائرة أخرى. لذلك فالمركز الأول لا يصلح أن يكون مركزًا للدائرة الثانية. ولكن يذكر الكتاب أن كلا من الشجرتين توجدان في مركز الجنة، وأن لكل منهما قوة معارضة للأخرى (تك 9:2،3:3). أعنى أن إحدى الشجرتين تعطى الحياة بينما ثمرة الأخرى تسبب الموت. يسمى القديس بولس الثمرة الأخيرة بالخطية، قائلاً: “لأن أجرة الخطية هي الموت” رومية 23:6
الدرس الذي يلزم أن نتعلمه هنا هو أن الحياة هة في مركز نباتات الله. أما الموت فلم يُزرع ولم يكن له جذور أو مكان خاص به، نتيجة لعقمة في الحياة لا يشترك في الخير وليس له جدوى أو ثمرة للأحياء. كانت شجرة الحياة في مركز جميع الأشياء التي زرعها الله، إلا أن طبيعة الموت هي أنهاء أو توقف الحياة. فشجرة الموت توجد في الجنة، وتُقدم لنا رمزيًا وتحمل ثمرتها صفات القوة المتعارضة.
يقول النص بوضوح أن الخير والشر ظهرا في نفس الوقت مُشيرًا إلى طبيعة الخطية. تسبق اللذة في الحقيقة كل شيء يُعمل من خلال الشر. لأن الخطية لاتوجد إلا وهي مرتبطة باللذة مثل خطيتى الغضب والشهوة. لأجل هذا تُسمى الثمرة “جميلة” نتيجة للحكم الخاطئ لهؤلاء الذين يجدون خيرهم في لذتهم. لذلك، نكشف أن الثمرة هي الشر لمرارة طعمها. وحسب المثل: “لأن شفتيّ المرأة الأجنبية تقطران عسلاً وحنكها أنعم من الزيت” أمثال3:5. فالعسل الذي يأتي من شفتيّ الشر ويرطب البلعوم لفترة ينقلب طعمه إلى مرارة بالنسة لهؤلاء الذين يذوقون حلاوته بنوايا شريرة.
دخول الموت إلى الإنسان
فصل الإنسان نفسه بعيدًا عن ثمار الأعمال الطيبة وامتلأ بالثمار المهلكة من خلال العصيان (اسم هذه الثمار هو الخطية التي تؤدى إلى الموت). ثم مات الإنسان مباشرة عن الحياة الطيبة، لأنه استبدل الحياة المقدسة بأخرى حيوانية دون تعقل. وعندما اختلط الموت بالطبيعة البشرية، انتقل بالوراثة إلى الأجيال المتعاقبة من الأبناء. لذلك أصبحت حياتنا موتًا، لأنه على أية حال، ماتت حياتنا في الحقيقة لأنها أصبحت محروقة من الأبدية. ولكن الشخص الذي يعلم أنه بين نوعين من الحياة يتمكن من أن يعبر من الحياة المائتة إلى الحياة الأبدية. ويمكنه أن يعمل هذا بواسطة إزاحة الأولى الرديئة، وهكذا يعطى انتصارًا للثانية. لذلك استبدل الإنسان بواسطة الموت الحياة الحقيقية وإختار لنفسه الحياة المائتة. ولكنه إذا يموت أي يتنكر لهذه الحياة المائتة الحيوانية فإنه يتمكن من العبور إلى الحياة الأبدية. وبدون شك لا يمكن لأي شخص أن يدخل حياة النعمة إلاّ إذا مات عن الخطية. ويفسر النص في سفر التكوين هذه الفكرة قائلاً كان هناك شجرتان عند مركز الجنة، واحدة منها موجودة بالطبيعة، والأخرى تلتها بعد فترة ومعها أمر بالمنع. يحدث تبادل الحياة والموت من خلال المشاركة أو عدمها بالنسبة إلى نفس الشيء. ويمكن تفسير ذلك كالآتي: الذي يعمل الشر يُعتبر ميتا بالنسبة للحياة الطيبة. أما الذي يعيش في الفضيلة ويعمل الخير فإنه يموت بالنسبة للشر لذلك تظهر يدَّىْ العروس ملأي بالمرّ، وبموتها عن كل الخطايا تقوم لتقيم مدخلاً للكلمة. والكلمة الذي يدخلها هو الحياة.
الحياة تحرك مستمر
ترتفع النفس التي تنظر إلى الله إلى سمو الأعالى كما لاحظنا من قبل. أنها لا تعرف كما يجب، حسب قول بولس (1 كو 2:8)، ولاتُدَّعى أنها قد فهمت، ولكنها تسعى إلى ما هو أعلا متقدمة إلى الأمام إلى ما هو قدام (في 13:3).
يُقدم النشيد كلمات العروس: “على مقبض القفل فتحت لحبيبي” ثم أضافت “لكن حبيبي تحول وعبر، نفسي خرجت على كلمته“[5: 5-6]. تُعلمنا العروس هنا أن الطريق الوحيد لفهم هذه القوة التي تفوق كل عقل أنها لا تبقى أبدًا في صورة جامدة، ولكن ترتفع عظمتها باِستمرار ولاتتوقف. وتُسمى العروس كلمة “أصابع” لكي ترمز بها إلى موت الشر في كل عمل من أعمال الحياة، وذلك لأنها كانت ممتلئة بالمرّ. كما أنها أظهرت اقتناعها الحر بالفضيلة بيديها اللتين كانتا تقطران مرّا. وقالت أن يديّها لمستا قفل الباب، أي أن عملها الطيب أقترب من المدخل الضيق، الذي أعطى كلمة الله مفاتيحه لبطرس (مت19:16). لذلك تمكنت العروس من فتح باب الملكوت: بيديها اللتان تعملان الأعمال الطيبة بواسطة مفاتيح الإيمان. لأنه بواسطة الأعمال والإيمان يُهئ كلمة الله مفاتيح الملكوت فينا.
عندما تمنت العروس مثل موسى، أن يُظهر لها وجه الله (خر33: 13-22) اختفي منها ذاك الذي أرادت أن تراه. فتقول “حبيبي تحول وعبر“، فعل هذا ليس ليرفض رغبة نفسها وإنما لكي يجذبها نحوه. أنها لبركة عظيمة أن تخرج لتلقى حبيبها حسب كلمته. “معونتى من عند الرب صانع السماوات والأرض. لايدع رجلك تزل. لاينعس حافظك” مز 2:212-3. يحرس الله ذهاب وإياب هؤلاء المستحقين، ويصبح خروجنا من حالتنا الراهنة هو دخولنا إلى الخير الذي لاينطق به. وتخرج النفس التي تتبع كلمة الله الذي يقول: “أنا هو الباب، إن دخل بي أحد فيخلص ويدخل ويخرج ويجد مرعى” يوحنا 10: 9. لم تتوقف أبدًا العروس عن الدخول والخروج وكانت تهدأ فقط بالتقدم نحو الذي يرشدها إلى الأمام وتسمو فكرتها عنه كلما عرفت عنه المزيد.
عبر وجه الله عن موسى بطريقة مشابهة، لذلك كانت نفس من أعطى الشريعة تتقدم في معرفة الله كلما تبعته سائرةً وراءه أثناء ارشاده.
من لا يعرف خطوات التقدم التي خطاها موسى أثناء خدمته؟ ارتفع موسى باِستمرار إلى السمو، ولم يبق جامدًا أثناء نموه. كانت خطوة موسى الأولى صحيحة عندما وضع عار المسيح أفضل من مملكة مصر، وفضَّل أن يشارك آلام ومعاناة شعب الله بدلاً من الأستمتاعبلذَّه الخطية المؤقت.
زاد غضب موسى عندما حارب المصريون اليهود، فقتل أحد الغرباء، وكافح من أجل الإسرائيليين.
يمكن أن نفهم بحق خطوات النمو هذه إذا اِعتبرنا هذه الأمثلة رمزية.
نضج موسى أثناء حياته الهادئة أثناء الصحراء، وامتلأ نورًا بما رآه في نار العليقة: ثم خلع حذاءه المصنوع من جلد حيوان ميت، والتهمت عصاه ثعابين المصريين، وخلص شعبه من الفرعون المستبد، واقتاده عمود السحاب، وشق البحر، واغرق جيش المستبد، وحوّل الماء المُرعذبًا، وضرب الصخرة ففاض منها الماء، وكان مُزودًا بغذاء ملائكي، وسمع الأبواق، وصعد موسى الجبل المشتعل، ولمس قمته، ودخل في السحاب وتحرك إلى وسط السحاب حيث كان الله، وتسلم الوصايا، وأصبح يلمع كالشمس يصعب الاقتراب منه.
حقًا من يستطيع أن يحصر كل خطوات موسى التي ارتفع بها إلى أعلا أو يُحصى عواطفه الدينية؟!
كان يرغب باِستمرار في الارتفاع بالرغم من عظمة وسمو مكانتة في الفضيلة وتجاربه العديدة في لقاءاته مع الله. توسل إلى الله أن يراه وجها لوجه، ولو أن الكتاب يذكر أن الله سمح لموسى أن يكلمة وجها لوجه. لم يكتف موسى بالعلاقة الحميمة والكلام مع الله كصديق، لم فإنه يتوقف عن طلب المزيد: “إذا كنت قد وجدت نعمة أمامك، أرنى وجهك بوضوح”. والذي وعد أن يمنح الطلب، أجاب: “فقال الرب لموسى هذا الأمر أيضًا الذي تكلمت عنه أفعله، لأنك وجدت نعمة في عينى وعرفتك باسمك” خروج17:33. اجتاز الرب بالقرب من موسى على المكان المقدس في الصخرة ورفع يده ولكن موسى رأي فقط خلف الله بصعوبة بعدما اجتاز.
يتضح لنا من ذلك أن الشخص الذي يرغب في رؤية الله يتمكن نت التأمل فيه بأن يتبعه باِستمرار فالتأمل بعمق في وجه الله يؤدي إلى رحلة لاتنتهي بالسير وراء الكلمة. وعندما تقوم النفس من الموت وتمتلئ بالمرّ تضع يدها على قفل الباب بواسطة العمل الصالح وبالرجاء للواحد المرغوب أن يدخل. ثم يمر العريس وتخرج العروس، فهي لاتبقى في نفس المكان الذي كانت فيه ولكنها تلمس كلمة الله الذي يقودها إلى الأمام.
لنخرج من طبيعتنا فنتعرف عليه
تؤكد الكلمات التي تلى ذلك ما فهمناه من الفقرة السابقة: لا يمكننا أن نفهم عظمة طبيعة الله ولكن يلزم أن نمر بكل التخيّلات. “خرجت” النفس عن طبيعتها حتى لا تمنع ما لها من عادات معرفة الحقيقة الغير منظورة، وأيضًا لا تتوقف في البحث عن الذي لا تجده، ولا تتوقف عن القول أن الطبيعة الإلهية لا يمكن التعبير عنها.
تقول العروس: “طلبته فما وجدته” [5: 6]. كيف يمكن أن نجد العريس بينما لا يكشف أي شيء عن نفسه؟ ليس له لون، هيئة، نوعية، كمية، مكان، مظهر، شاهد، أو شبيه بل أي شيء يكشفه يعلو على حدود فهمنا ويختفي من بحثنا. لذلك تقول العروس: “بحثت عنه بقدرات نفسي على التخيل والفهم، ولكنه يعلو عليها جميعًا ويبتعد عن تفكيرى عندما يقترب منه”.
كيف نُعّرف ذاك الذي يعلو دائمًا على أي شيء له اسم؟ لهذا السبب تفهم العروس المعنى المُراد من كل اسم كعلاقة للخير الغير مُدرك. إن معنى كل كلمة لا يؤدي كل الغرض المقصود، بل يوضح شيئًا أقل من الحق. لذلك تقول العروس: لقد ناديت بأقصى قدرتي، بهذه الأسماء التي تُشير إلى النعمة المتناهية في العظمة والتي لا يمكن التعبير عنها، وذلك لأن العريس أظهر نفسه أعظم من أي اسم. ومثال ذلك عندما كان داود ينادى الله أحيانا بعدد كبير من الأسماء وأشار إلى أنها أقل كثيرًا من مستوى الحق: “أما أنت يارب فإله رحيم ورءوف طويل الروح كثير الرحمة والحق، صخرتىوحصنىومنقذى، به أحتمى ترسى وقرن خلاصي وملجأي” مز 86: 15، 18: 2-3. ثم يعترف داود أن اسم الله لايُعرف في كل الأرض وبالرغم من ذلك يُنظر إليه بتعجب وتبجيل “إيها الرب ربنا ما أمجد اسمك في كل الأرض” مز 8: 1.
تكلم الله أيضًا إلى منوح الذي تنبأ عن ابنه. وعندما سأل عن اسم الله، أجاب منسى وقال أنه أعجب وأعظم من أن تحتويه الأذن البشرية (قضاه18:13). لذلك تنادى النفس الكلمة باقصى قدرتها، لكنها لاتقدر أن تعمل كما ترغب، لأن النفس تشتاق أكثر من قدرتها. لا ترغب النفس في ما هو غير قادرة على اِستقباله، مثل الله نفسه، ولكن اختيارها يتمشى مع رغبتها في. ولما كان ذاك الذي نُودى عليه الله غير ممكن الحصول عليه، فلذلك تقول العروس: “طلبته فما وجدته دعوته فما أجابنى“.
تكلمت العروس وكأنها تُشير إلى ضيقتها، ولكن يظهر لي أنه يلزم فحص كلماتها التي تحوى صعودها إلى مستوى أكثر ارتفاعًا. “وجدني الحرس الطائف في المدينة، ضربونىجرحونى، حفظة الأسوار رفعوا إزارى عنى“7:5.
تظهر هذه كأنها كلمات الألم وليس الفرح، وبالأخص عندما تقول “جرحونى حفظة الأسوار، رفعوا إزارى (برقعى) عنى“. وإذا فحصنا مع أني هذه الكلمات بدقة، يظهر أن العروس تفخر بمن تجده أعظم جمالاً. لذلك يمكن توضيح كلامها كالآتي: يشهد النشيد أن العروس قد تطهرت من كل ثوب عندما قالت: “قد خلعت ثوبى فكيف ألبسه قد غسلت رجلىّ فكيف أوسخهما؟!“3:5. والآن يقول النشيد أن برقعها رفُع عنها. وبرقع العروس هو غطاء للرأس والوجه كما في قصة رفقة (تك 65:24). كيف يكون للعروس التي خلعت ثوبها، حجابًا ينزعه عنها حفظة الأسوار؟ ألا يتضح من هذه الكلمات أن العروس قد تقدمت إلى مستوى أعلى؟ فبعد أن خلعت جلدها القديم وكل غطاء أصبحت أنقي من المرحلة السابقة. لايفهم أن العروس قد أزالت ما تغطى به جسمها، لأنه حتى بعد ما خلعت ثوبها وبرقعها وجدت أنها لا بد أن تنزع شيئًا آخر.
لذلك يوضح الارتفاع إلى الله أنه يوجد دائمًا شيئًا غيرمناسب في العروس. وبالمقارنة بنقاء العروس في المرحلة الحاضرة فإن هذا الجلد المنزوع يصبح ثوبًا لابد أن يُخلع بواسطة من يجدون العروس وهم الحّراس الذين يجوبون المدينة (أي روح المدينة). فهؤلاء الذين يحرسون الأسوار نزعوا برقع العروس بعد أن ضربوها وجرحوها. توجد فائدة لنزع برقع العروس: فعيونها أصبحت حرة بلا نقاب وتتمكن من النظر بدقة لترى محبوبها. ويشير نزع برقع بلاشك إلى عمل الروح القدس حسب كلام الرسول: “ولكن عندما يرجع إلى الرب يُرفع البرقع. وأما الرب فهو الروح وحيث روح الرب هناك حرّية” (2 كو 16:3، 17).
لا يشك أي شخص قد اعتاد على التفكير المنطقي، في أنّ ما يُنتج الخير لابد أن يكون هو نفسه خيرًا: فإذا كان نزع البرقع عملاً خيّرا، كذلك يكون الضرب وما نتج عنه من جروح عملاً خيّرًا. ولكن يتضح من المعنى الظاهرى للنص أن الحادثة مؤلمة. لذلك فمن المفيد أن نبحث عن فائدة هذه الكلمات في الكتاب المقدس، أي، إذا كان لها هدف طيب.
ضربات شافية
كيف تنقذ الحكمة نفس الشاب من الموت؟ بماذا تنصحه الحكمة أن يعمل حتى لا يموت؟ دعونا نفحص كلام العروس، “إن ضربته بعصا لا يموت” أمثال 13:23. لأنك أن ضربته بعصا فإنك تنقذ نفسه من الموت. يقول النص في النشيد “ضربونى”، ويشير ذلك إلى البقاء حيًا في ضوء: “إن ضربته بعصا لايموت” ما لم يُضرب الشاب بعصا فإن نفسه لا تنجو من الموت. ويقول النبي إن الله يُحقق نفس النتائج عندما يُحيى بالقتل ويشفي بالضرب: “أنا أميت وأُحيى. سحقت و أني أشفي وليس من يدى مُخلص” تثنية39:32. ولذلك قال داود العظيم إن هذه العصا لاتسبب جروح بل راحة. “عصاك وعكازك هما يعزياننى” مز 4:23. بهذه الأعمال تُجهز المائدة المقدسة بكل التفاصيل الأخرى التي يذكرها (مز 23:5) زيت على الرأس وكأس خمر غير مخلوط الذي من يشربه يكون مُنتشيًا وواعيا في نفس الوقت، والرحمة التي تتبعه وحياة طويلة في بيت الرب. فإذا حَوَت هذه الضربة الطيبة هذه العناصر التي تكلم عنها النبي والأمثال فإنه من المفيد أن نضرب بهذه العصا التي ينتج عنها الوفير من الخير العميم.
من هم الحراس؟
دعونا الآن نراجع بعض الفقرات السابقة في النص التي لم نتكلم عنها مَرّ الكلمة على عروسه، ولكنها لم تعرف حبيبها. أنه لم يمر عليها ومكن يجرى إلى الأمام ويهجر عروسه، ولكنه أراد أن يجذبها لنفسه. وقالت العروس: “نفسي خرجت على كلمته“. أي أن نفسها خرجت من المكان الذي كانت فيه حيث وجدها حراس المدينة: “وجدني الحرس الطائف في المدينة، ضربوني جرحوني، حفظة الأسوار دفعوا برقعي عنى“. إذا لاقت العروس أية آلام خاصة للاجحيم أو بلص لكانت هذه خبرة مريرة لها (“السارق لا يأتي إلاّ ليسرق ويذبح ويهلك” يوحنا10:10 ولكن أن يجدها حراس المدينة فهذه في الحقيقة نعمة، لأن ما يجدونه لا يمكن أن يسرقه اللصوص. من هم هؤلاء الحراس؟ إنهم ليسوا إلاّ حراس إسرائيل (مز 4:121)، هؤلاء هم حراسنا على اليمين، وهم الذين نعتقد إنهم يحفظون نفوسنا من الشر ويحرسون دخولنا وخروجنا. الله هو حارس المدينة ويقول عنه المز: “إن لم يحفظ الرب المدينة فباطلاً يسهر الحارس” مز 1:127. هؤلاء الذين يشير إليهم النص كحراس للمدينة هم “الأرواح الخادمة المرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص” (عب 14:1).
يقول النص إن النفس هي مسكن الله. هنا يجد الله النفس الضالة كما يعثر الراعي الصالح على الخروف الضائع، فتتحرك جموع الملائكة لتحتفل بهذه المناسبة كما يقول السيد المسيح. ويشبه ذلك الدرهم الضائع الذي وجد بعد أن أوقدت صاحبته سراجًا، ففرح الأصدقاء والجيران (لو9:15). وأيضًا وُجد خادم الله داود كما قال المز: “وجدت داود عبدي، بدهن قدسي مسحته” مز 20:89. فأصبح داود ملكا لمن وجده كما يتضح من الآتي: “الذي تثبت يدي معه. أيضًا ذراعي تشدده. لا يرغمه عدو وابن الإثم لا يذله. وأسحق أعداءه أمام وجهه وأضرب مبغضيه” (مز 21:89-23). توجد عناصر أخرى تُضمن في هذه الفقرة من التمجيد.
ضربات الروح الشافية
لذلك، فإنه من الخير أن تجد الملائكة التي تجوب المدينة النفس. يشرح داود هذا بقوله: “ملاك الرب حال حول خائفيه وينجيهم” (مز 7:34). تفتخر العروس عندما تقول: “ضربني الحراس” إذ تشيد بتقدمها إلى الأمام وإلى أعلى. وإذا قالت هذا عندما جُرحت، فيعني أن العصا المقدسة قد اخترقتها إلى الأعماق. لم تستقبل العروس العصا الروحية على سطح جسمها مكان الضرب ولكنها سببت جرحًا تفتخر به العروس. ومن هذه النتيجة تتضح أهمية النص. إن العصا المقدسة أو الروح القدس هو المؤدب المُعزى الذي تؤدى ضرباته إلى التئام الجروح وثماره تتكون من الخير الذي يسجله بولس المثابر القوى ومعلم الحياة الفضلى. وظهرت على بولس آثار الضربات والجروح، ولكنه فرح بهذه الجروح قائلاً: “لأني حامل في جسدي سمات الرب يسوع” غلاطية17:6. وأظهر بولس ضعفًا من شوكة في الجسد بواسطة الشيطان، فتضرع إلى الرب لكي يفارقه، فقال له “تكفيك نعمت لأن قوتى في الضعف تكمل”. ففرح بولس بالضعف لكي تحل عليه قوّة المسيح (2 كو 9:12). توضح هذه الكلمات الجرح الجميل الذي نزع برقع العروس وهكذا كشف جمال النفس الذي كان يخفيه الغطاء.
دعونا نسترجع معنى النص، فالنفس التي تتطلع إلى الله وتمتلئ بالرغبة في الجمال الخالى من الغش تتجدد فيها رغبة أخرى للعالى الذي لاحدود له ولا تشبع هذه الرغبة أبدًا. فلا تتوقف مثل هذه النفس عن الأمتداد إلى ما هو أمامها. يظهر أي شيء عظيم وعجيب كأنه تافه بالمقارنة بما يأتي بعده، لأن ما وجدته العروس اِتضح أنه أكثر جمالاً مما اكتشفته من قبل. لذلك كان بولس يموت كل يوم، لأنه في كل مرة كان يأخذ حياة جديدة، أي ميتا بالنسبة للماضى وناسيًا كل الأشياء الماضية 1 كو 13:15.
لم تجد العروس راحة في تقدمها في اِتجاه الكمال أثناء سعيها نحو عريسها. فقد عملت “حديقة تفاح” برائحة طيبة تفوح من فمها، وجهزت طعامًا لسيد الخليقة من ثمرها الخاص، وروّت حدائقها وأصبحت ينبوع ماء حي، وأظهرت نفسها جميلة بالكمال وبعيدة عن اللوم حسب النص. وباِستمرار تقدمها، اكتشفت العروس شيئًا أكثر عظمة وجلالا: فأثناء قيادة الكلمة لها، امتلأ رأسها بالندى، وقطرات الليل في خصلات شعرها. وغسلت أقدامها، وأزالت جلد الحيوان الميت، ونزلت قطرات المرّ من يديها. ثم وضعت يدها على قفل الباب، وفتحت الباب، وبحثت عن الذي لا يمكن احتوائه، ونادت على الذي لا يمكن الحصول عليه. ووجد حراس المدينة العروس، واِستقبلت ضربة من العصا وقلدت الصخرة التي يتكلم عنها النبي: “هوذا ضرب الصخرة فجرت المياه وفاضت الأودية” مز 20:78. لاحظ المستوى الذي وصلت إليه العروس في الارتفاع. لذلك اِستقبلت العروس ضربة تشبه ضربة موسى للصخرة حتى يفيض منها وتروى هؤلاء العطشى إلى كلمة الله (خر 6:17). بعد ذلك كشف الحراس جمال وجهها برفع إزارها. هذا هو المعنى الرمزي. غير أنه ليس هناك سبب للغيرة من أي شخص يستطيع أن يقدم تفسيرًا أفضل للنص من الذي يكشف الأسرار المخفية.
رؤية إشعياء ونشيد الأناشيد
قد يرى أي شخص العلاقة بين رؤية إشعياء (إش 1:6) ونشيد الأناشيد.
أني أتكلم عن رؤية إشعياء بعد ما مات الملك من مرض البرص. رأي إشعياء شخصا يجلس في بهاء على ربوه عالية، على عرش مرتفع إلا أنه لم يتمكن من التحقق من شكله وعظمته. (لقد كان يمكن لإشعياء أن يتكلم عن هذا إذا كان في إمكانه، كما وصف بالتفصيل أشياء أخرى مثل عدد أجنحة السيرافيم ومواصفاتها وحركتها). لكنة تكلم فقط غن الصوت الذي سمعه والعتبات العليا للأبواب التي ارتفعت نتيجة لتسابيح السيرافيم وأمتلأ البيت بالدخان. ولمس أحد السيرافيم فمه بقطعة جمر متقدة، فطهرت وشفتيه واِستقبلت أذناه كلمة الله. يشبه ذلك قول العروس أنها ضُربت وجرحت بواسطة حراس المدينة وأُزيح برقعها. وبدلاً من إزاحة البرقع أزيحت العتبات العليا حتى لا تعترض رؤية وفهم إشعياء، وذكر السرافيم بدلاً من الحرس، والعصا بدلاً من قطعة الفحم والحرارة المحرقة بدلاً من الضربة. ويوجد هدف واحد لكل من العروس وإشعياء وهو التطهير والتنقية. لم يتضرر النبي من قطعة الجمر المتقدة ولكنه أضاء وازداد بركة، كذلك العروس لم تُظهر تألمها من ضربة الحراس ولكنها كانت تفتخر بحريتها بعد إزاحة برقعها. ويسمى النشيد هذا البرقع الثوب الخفيف.
إزالة برقع خيبة الأمل
يوجد تفسير آخر لهذه الفقرة ينسجم مع ما سقناه في السابق. فبعد ما خرجت النفس حسب كلمة العريس، بحثت عنه ولكنها لم تجده. ونادت عليه وهو الذي لا يمكن أن يحتويه أي اسم. وأعلمها الحراس أنها تحب من لا يمكن الحصول عليه وذهبت وراء من لا يمكن الأمساك به. فضربوها وجرحوها وضايقوها. وزاد ضيقها لأن رغبتها في محبوبها وشوقها لرؤية جماله لم تتحقق. ولكن إزاحة برقعها (خيبة الأمل) أوضح للعروس أن الاشباع الحقيقي لرغبتها هو في اِستمرار تقدمها في البحث والارتفاع: وكلما تحققت رغبتها، تحفزها لتوليد رغبة أعلى نحو السمو الغير محدود والغير مُدرك. لذلك أُزيح برقع خيبة الأمل، وسوف ترى العروس جمال حبيبها الغير مُدرك خلال الأبدية كلها. وازدادت حرارة شوقها وأخبرت بنات أورشليم بخروج قلبها لأنها اِستقبلت سهم الله المختار بداخلها. فقد ضرب طرف سهم الإيمان قلبها وماتت بجرح سهم الحب. يقول يوحنا:”الله محبة” يوحنا8:4، له العظمة والقوة إلى الأبد آمين.
يتبع…..
القديس غريغوريوسالنيصي

 
موضوع مغلق

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:26 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024