منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 04 - 07 - 2016, 02:06 PM   رقم المشاركة : ( 13431 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,381

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

باب التوبة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
“أقوم الآن أعود وأقول لأبي، يا أبي قد أخطأت إلى السماء وأمامك، ولست أهلاً لأدعى لك ابناً، فاقبلني كأحد أجرائك”. أسئلة كثيرة يمكن أن يثيرها في داخلنا النص الإنجيلي، ما الذي مثلاً دفع هذا الأب لأن يحترم ابنه الأصغر ويَقسم له حصتّه ويودّعه حين أراد هذا الأخير أن يرحل؟ أليست محبته؟! المحبة تحترم الحرية حتى لو أخطأت هذه الأخيرة. ما السبب أنّ الأب بقي ينتظر ويرجو عودة ابنه الضال؟! أليس حنانه وحبّه؟! ما الذي دعا هذا الأب أن يستقبل ابنه الأصغر بالإكرام وبالقبلة ويخرج إليه لاستقباله بدل أن يحاسب على القديم؟! إنها محبته أيضاً. كم كان هذا الأب محبّاً، الذي من أجل ابنه الأصغر راح “يتوسل” إلى الإبن الأكبر بأن يدخل!! ما السبب؟ إنها محبته الكبيرة للجميع. يا لعظمتك يا محب البشر!! هذا هو الآب السماوي كما عرَّفه يوحنا “محبة”. ولا توجد كلمة تستطيع أن تعرِّف به أكثر. كل هذه الأسئلة السابقة إجابتها سهلة؟ السؤال الصعب هو ما الذي جعل الإبن الأصغر يقوم ويعود إلى أبيه؟! للسؤال جوابان. الأول إنها الخطيئة عينها. إنَّ حياة الخطيئة واهية، الخطيئة كالخرنوب غاشة، تبدو للوهلة الأولى جذابة وحلوة ولكن أثرها الأخير مرّ. خبرة الخطيئة مرات عديدة تصير دافعاً للتوبة. الإنسان خُلق صالحاً بالفطرة، لذلك يستصعب أن يحيا غريباً في عالم الشرور ولا يرتاح هناك. مع ذلك نحن نعرف أن كثيرين عاشوا في غربة عن الله مع خرنوب الخطايا ولم يغيروا حياتهم وبقي غش الظلام هُدَاهُم. لذلك إن السبب العميق والأهم الذي دفع الإبن الأصغر للعودة والتوبة كان سبباً آخر وهو التالي. الآب الحنون، هو العامل الثاني والأهم. لابدّ أن هذا الإبن تذكر في غربته، وحين لم يتواجد أحد ليعطيه حتى من الخرنوب، عندها تذكّر حبَّ الأب، وعنايته، وحنانه…هذا الواقع السماوي العذب دفق في مفاصل هذا الصغير المحلولة والمتعبة حياةً ليقوم ويعود. هذا هو باب التوبة، سَكبُ المحبة الإلهية وفيض الحب الأبوي. الحنان الإلهي جارح لكل من يبتعد. سيف الله القاطع هو حبّه اللامتناهي. وكما نصلي في أفشين الساعة السادسة: “بشوقك اجرح نفوسنا”. إنّ خبز الحياة الحقيقية الذي به يحيا الإنسان هو الحب الإلهي. لو فكرنا بشرياً. بكلمة المسيح: “تعالوا إليَّ أيها المتعبون وثقيلوا الأحمال وأنا أريحكم” فعلاً لأدركنا أن المسيح يقولها قاصداً عبارة أخرى “تعالوا إليّ أيّها المتعبون…لكي أرتاح أنا” نعم يا أحبتي، الله مُتعَب طالما نحن لسنا مرتاحين. حين نكون بعيدين عن كرامة حياتنا الحقيقية وحين لا نكون بخير، لسنا نحن من في ألم وحسب بل بالأكثر إنه هو. الله حين نبتعد ونُخطئ ، لا تتآكله الكرامة ولا يطلب حساباً أو انتقاماً الله تتآكله الغيرة، إنه إله غيور على جبلته التي تبناها بالحب الأبوي، ويريدها كما أراد لها، يريد لها حياتها. في الرسالة التي سمعناها اليوم، يقول بولس الرسول :”أنتم هيكل الله الحي”. ولقد أوضح سيدنا يسوع المسيح موقفه من هذا الهيكل قائلاً :”غيرة بيتك أكلتني”. نحن هياكل الله والله غيور على هذه الهياكل. حين نخطئ الله غيور يطلبنا. نتذكر تلك القصة من الأدب النسكي. أن الشيطان ظهر لأحد الرهبان وقال له، إن إلهكم قد غلبنا!! إننا نحيك الحبائل ونبسط الشباك تعبين سنين وسنين لنبعد أحدكم عن إلهكم، وإذا سقط مرةً وأسرناه، بكلمة واحدة والتفاتة صغيرة يعيده الله إليه وكأن شيئاً لم يحصل!! إلهكم قد فتّتنا. يا لسر محبة الله ويا لعظمة أبواب التوبة، أي أن ندرك أننا لحظة نخطئ نحن حينها لا نستحق العقوبة بقدر ما عندها ينسكب الحب الإلهي أكثر. وحيث تكثر الخطيئة تكثر النعمة.” افتح لي أبواب التوبة يا واهب الحياة”. هذا هو باب التوبة: الغيرة والحب الإلهيين، “افتح لي أبواب التوبة التي أنت أبدعتها”، تقول أفاشين المطالبسي. هذا ما عرفناه عن الآب السماوي في تاريخ البشرية. العهد القديم رغم لغته وقصصه وتاريخه…يبقى موضوعه الوحيد الجوهري إن الإنسان الشارد محترم ولكنه مطلوب من الغيرة الإلهية ومُتابع حتى النهاية من حب الآب السماوي، حتى لو اضطره الأمر أن يذبح ابنه الوحيد لذلك. هذا ما يمكن أن نختبره في كل يومياتنا وأحداث حياتنا وفي أي موقف نبتعد فيه عن بيتنا الأبوي، وما أكثر هذه الحوادث!! وما أسهل الغفران. يكفي أن نريد. “التوبة هي كره الخطيئة” يقول القديس اسحق السرياني. اكره الخطيئة ولقد أرضيت الله وصالحته. هذا ما نختبره في كل لحظة، لو سألنا هدوئياً ومصلياً ما الذي يدفعه ليعود بذهنه إلى قلبه وصلاته بعد أن شرد بعيداً؟ الجواب أنه يعرف أنه على موعد وأن يسوع هناك ينتظر وأن غيرة يسوع على هذا القلب قد أكلته..سر اللقاء بالله بعد أن نبتعد هو أن الآب على الباب ينتظر ليخرج ويرتمي على أعناقنا ويعطينا قبلة السلام. “أقوم وأعود إلى أبي وأقول له يا أبي…”.
بولس، متروبوليت حلب والاسكندرون وتوابعهما
 
قديم 04 - 07 - 2016, 02:08 PM   رقم المشاركة : ( 13432 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,381

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

أغثني في عدم إيماني

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
في الأحد الرابع من الصوم تقيم الكنيسة المقدسة ذكرى ناسك عظيم كان رئيسا لدير طور سيناء وألّف كتابا ذاع صيته في المسيحية الا وهو كتاب “سُلّم الفضائل”، يصوّر فيه حياة الراهب أصلا وحياة المؤمن بصورة عامة. في الكتاب يتسلّق المؤمن سُلّمًا، ودرجات السُلّم هي الفضائل يسمو بها من درجة إلى درجة إلى قمّة السُلّم، وهذا بعد صراع مرير.
وفيما نحن مدركون آخر الصيام أرادت الكنيسة أن تضع أمامنا هذه السُلّم لكي نصعد عليها ونحن ننظر إلى قمّة الحياة التي جاءتنا بالفداء، إذ ان إنجيل اليوم ينتهي بإعلان السيّد لتلاميذه أنه صاعد إلى أورشليم. طبعا الرب قد وصل إلى نهاية السُلّم ولم يسقُط، والسُلّم كانت بالنسبة له الصليب الذي ارتفع منه إلى أعلى السموات. على هذا الدرب تريدنا الكنيسة أن نسلُك، ولذا أَخذت من الإنجيل حادثة الشاب المصاب بداء الصرع وكان يسقط ويزبد ويقع في نوبات مرض الفترة تلو الفترة. ونرى السيد يُمسك بيده ويُنهضه، وكأنه بذلك يجعله معه على الصليب وفي القيامة.
لمّا طلب والد الشاب من يسوع أن يَشفي ابنه قال له يسوع: “إن استطعتَ أن تؤمن فكل شيء مستطاع للمؤمن”. عند ذاك يعترف الوالد بأنه ضعيف الإيمان ويترّجى أن يزيد السيد ثقته به: “إني أُومن يا رب فأَعِنْ قلّة إيماني”. ماذا يعني هذا لنا اليوم؟
الإيمان مُعرّض للضعف لأن الانسان تتجاذبه أهواء الدنيا المعشّشة فيه كما كان الشيطان مستقرّا في جسد الولد المصروع. لذلك ينبغي أن يطهر الانسان كي يبقي على الإيمان. قضية الإيمان ليست قضية تصديق عقليّ. ليست أن نسلّم بأن الله موجود وأنه مصدر الكائنات. الشياطين كلها تُسلّم بوجود الله ولكنها تُحاربه بآن. كيف نتحوّل من أناس يُصدّقون بوجود الله إلى أناس إلهيين يكونون قيثارات للروح، هياكل متحرّكة، سماء للآخرين؟ يتم هذا اذا تسلّقنا السُلّم التي تحدّثَ عنها يوحنا رئيس دير طُور سيناء. كيف نتسلّق السُلّم لنصل إلى فوق؟ كيف نتحوّل من أناس بُكْم إلى بشر فُصحاء بشهادتهم الحيّة؟ الجواب ايضا في هذا الفصل الإنجيلي: “هذا الشيطان لا يخرُج الا بالصلاة والصوم”. هذان هما الركنان اللذان نعتمدهما في الحياة المسيحية لكي نصل إلى الكمال.
الصلاة والصوم بمعناهما العميق هما افتقار إلى الله. المُصلّي هو إنسان جثا أمام ربّه ليقول انه لا شيء وأنه بحاجة إلى كل شيء من الله لكي يوجد. الإنسان لا يوجد دون صلاة. والصوم في معانيه البليغة يعني أننا ننتظر من الله كل شيء، كل عطاء، كل نعمة، كل فضل.
الصلاة والصوم يعنيان في آخر المطاف أننا سلكنا في تواضُع أمام الله، لذلك فإنهما يحفظان الإيمان. ولذلك إن اعتبرنا أننا ذوو وجود وجاه وعظمة فليس لله مكانة في النفس. ولكن إن أَحسسنا عميقا، وكل منا في غرفته، بأننا بالكلية لا شيء، دودة الأرض وتراب ورماد، إن صدّقنا بأننا كالهباء الذي تُذرّيه الريح، إن قادتنا رياضات الصلاة إلى هذا الشعور، فعند ذاك يأتي الله إلى فراغنا ويملأه بنعمة من عنده ويعطينا كل وجود. وعند ذاك إذا تكلّمنا، فلسنا نحن المتكلّمين ولكن روح أبينا هو الذي يتكلّم فينا. عند ذاك نرتفع إلى ذروة السُلّم ونرفع معنا العالم إلى الملكوت الباقي.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
 
قديم 04 - 07 - 2016, 02:09 PM   رقم المشاركة : ( 13433 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,381

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

عـرشُ النّـعـمـة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
“فلنتقدّمْ إلى عرش النّعمة لننالَ رحمةً للإغاثة في أوانها”
يقارن بولسُ الرسول في الرسالة اليوم بين أمرَين. الأمر الأوّل هو عرشُ الله في العهد القديم والعهد الجديد، والثاني هو طبيعة عمل رئيس الكهنة في العهدَين. وتضع لنا الكنيسة هذه المقارنة في وسط الصوم لما فيها من غذاء روحيّ و”رحمة”.
“عرشُ الله” يعني الكرسيّ الذي يُظهره ملكاً. فالله هو الملك، وبالوقت ذاته هو العادل كما عرفه الناس في العهد القديم. وأمام عرشه سيُدانُ الجميعُ: “جلستَ على العرش يا ديّان العدل” (مز 9، 4). ولقد رأى دانيالُ القديمَ الأيام جالساً على عرش الدينونة (7، 9). وأعلن الربُّ يسوع أنّه: “متى جاء ابن الإنسان في مجده (المجيء الثاني) وجميع الملائكة القدّيسين معه فحينئذٍ يجلس على كرسيّ مجده” (متى 25، 31). ولم يتصوّر البشرُ اللهَ الملكَ إلاّ كإله عادل، يجازي كلّ إنسان بحسب أعماله.
رئيس الكهنة، من هذا المنظور، هو مَن يعلِّم شريعةَ الله ويحاول أن يحافظ عليها بين شعبه، فيقضي بينهم بموجبها لتقوم هي ويُدانوا هم حين يسيئون إليها. يقوم رئيسُ الكهنة بالحكم والعدل مقام الله بمقدار ما هو مستطاع. إذن عرش الله في السماء، والله ديّان عادل، ورئيس الكهنة قاضٍ حازم يعمل بالشريعة الإلهيّة. وهذه هي فكرة البشر عن الله في الزمن السابق لعهد النعمة، وذلك في كلّ الأديان والفلسفات. هذا العدل يَنهي العثرة القائمة في هذا الدهر، الناتجة عن إشكاليّة انتشار المظالم وغياب الحقّ، فيأتي عدلُ الله في الاسختا (الدهر الآتي) ليعزّي ويفسّر المحبّة الإلهيّة!
عرشُ الله، في العهد الجديد، صار “الصليب”! عليه جلس الحاكمُ والملكُ الجديد! لذلك يبدّل بولس في التسمية، فيدعو العرش هذا “عرش النعمة”، بدل عرش العدل! وما رآه دانيال سابقاً، أنّ الله سينـزل على عرشه ويعدل، عبّر عنه سفرُ الرؤيا بصراحة أنّ الله – الربّ يسوع- سينـزل ويظهر يوم مجيئه الثاني وهو حامل صليبه! لقد تبدّل العرش الإلهيّ منذ صُلبَ يسوع فأخذ شكلَ “الصليب” بدل “الكرسيّ”! ملكنا هو يسوع المصلوب جهالةً للأمم وعثرةً لليهود!
رئيس الكهنة الأعظم هو يسوع المسيح. وكلّ كاهن أو رئيسُ كهنة، لا بل كلّ راعٍ، أَكان أباً أو أمّاً أو معلّماً أو خادماً…الخ يستمدّ من كهنوت المسيح صورته. هذا الكهنوت الجديد هو كهنوت الله الراعي. الله ليس “العادل” بل “العاضد”. لقد كشف العرشُ الجديد وكذلك صورةُ المصلوب أوضحت أنّ الله ليس الحاكمَ على أعمالنا بل شريكُ جهادنا، ومَن يشكّ بذلك فلينظرْ إلى أيّ مقدار يشاركنا جهادنا، وليتأمّل بالمصلوب الذي حمل عاهاتنا وصُلب لأجل معاصينا، وبجروحه شُفينا! الله هو المحبّة المنسكبة علينا من خشبة العرش الجديد. “لأن ليس لنا رئيس كهنة غير قادرٍ أن يرثي لأمراضنا بل مجرَّب في كلّ شيء مثلنا عدا الخطيئة” (عب 4، 15).
عَدَلَ رَبُنّا بالحبِّ وليس بالقضاء! لذلك جاء وشاركنا جهادنا، فلبس بشرتنا وصُلب عنّا (لأجلنا). لم يعد الله هو مَن يحكم بالعدل بين وهننا وبين وصاياه. الله هنا، معنا، عمّانوئيل، يقودنا من ضعفاتنا بيده وبالنعمة، ويجد الخروف الضالّ ويحمله على كتفَيه، لأنّه لا يريد موت الخاطئ بل أن يعود ويحيا. وهذا هو العدلُ في المسيحيّة: عدم الإنقاص، ليس من الواجبات لكن، من المحبّة! رئيسُ كهنتنا هو “مجرَّب في كلّ شيء مثلنا عدا الخطيئة”. لهذا يقول يسوع: “لي قد أُعطي الحكْمُ (القضاء) لأنّي ابن البشر”. لا يحاكمنا الله من فوق بل يعضدنا من هنا، “لقد صار إنساناً ليساعد الإنسان ليصير إلهاً”! لهذا يقول المرنّم: “يا ربّ أنتَ تعرف عدم رقاد أعدائي الذين لا يُرون، وضعف جسدي قد علمتَه يا خالقي، لذلك استودع نفسي في يدَيك يا إله الحقّ…”. حقّ الله هو رحمته. هذه هي طريقة العادلة والمحقّة مسيحيّاً.
“وإذا لنا رئيسُ كهنة عظيم كهذا… يرثي لأمراضنا ومجرَّب بما لنا عدا الخطيئة… فلنتقدّمْ إلى عرشِ النعمة…”. عندما نعاين نحن، المسيحيّين، وهننا وضعفاتنا، ماذا يحصل؟ أَنخاف القضاء؟ أو نيأس من سقوطنا مرّات ومرّات لأنّ القضاء عادل؟ لا! يصرخ بولس، مَن وقع في المعركة لا يبقى طريحاً يائساً بل فلينظرْ من هناك إلى “عرش النعمة” وليحدّقْ بالمصلوب، عندها “سينال رحمة ويجد نعمةً للإغاثة في أوانها”.
رتّبتْ الكنيسة المقدّسة أن نقرأ هذه الكلمات وهذا القانون الروحيّ في منتصف الصوم. لقد انتهى من الصوم المقدار الذي بقي أيضاً منه. فمَن صام عن الطعام وعاش في العفّة والبساطة والمحبّة فليتشجعْ ويكملْ هذه الحياة وهذه الدرب بشكل أمثل. ومَن تقاعس أو أجبرتْه الظروفُ فلا ييأسْ وليتقدمْ إلى عرش النعمة ويبدأ الصوم من جديد، في روحانيّته الكاملة.
ليس الصليبُ القدرَ الأسود الذي يرميه الله على حياتنا، كما يظنّ البعض. يولد لعائلة ابنٌ معوق، لا سمح الله، فيقولون هذا صليبنا! ويُصاب إنسانٌ بمصيبة فيقرّر أنّ هذا صليبه وعليه تحمّله وحمله! لا شكّ أنّ الصبر هي فضيلة مسيحيّة، لكن الصليب ليسَ حمل البلايا! هذه الأخيرة هي الصبر والربّ يعينني فيه. لكن الصليب هو أكثر بكثير.
ما دام عرشُ الله صار الصليبَ عرشَ النعمة، فلم تعدْ دينونتُنا تقوم على الفارق بين أوهاننا وواجباتنا، أي تقصيراتنا. تقوم دينونتنا أمام الصليب عرش الله على أنّنا لم نتقدّم إلى هذا العرش طالبين النعمة. الصليب وضع في وسط الحياة لأنّه والمصلوب عليه نبعُ حياة كلّ مَن ينظر إليه ينجو من لسعة الحيّات وثعبان اليأس وسمّ القضاء العادل القاتل. دينونتنا منذ ذلك الحين أنّنا لا نعطي صليبَ يسوع حقّه، وأنّنا حين نقع لا ننظر إليه لنستمدّ منه غفراناً وقوّة. الصليب هو نبعُ الرجاء حين نسقط. الصليب هو ثبات التوبة. الصليب داعينا كلّ لحظة لنتقدّم إلى عرش النعمة، لننال رحمةً!
هنا في منتصف الصيام نلتفت إلى ما مضى فنرى العديد من الأوهان وربّما هواناً في صومنا ذاته، وننظر إلى الأمام فنرى النصف الثاني ساحة من الزمان لا تشجّعنا على دخولها ضعفاتنا التي سلفتْ. فلننظرْ إلى الصليب إذن، إلى المذبح الذي قدّم عليه يسوعُ ذاتَه لأجلنا، ولنطلبْ منه النعمة للإغاثة فوراً، هذا ما تعنيه الترنيمة التي سنردّدها مع بعض السّجدات هذا الأسبوع أمام الصليب الذي سننصبه أمامنا قائلين: لصليبكَ أيّها المسيح إلهنا نسجدُ ولقيامتك المقدّسة نسبِّحُ ونمجّد، آمين.
المطران بولس (يازجي)
 
قديم 04 - 07 - 2016, 02:12 PM   رقم المشاركة : ( 13434 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,381

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

معنى المناولة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
إن المناولة او سرّ الشكر كالمعمودية والميرون والزواج والتوبة والكهنوت تُسمّى أسرارا لأن بها شيئًا عظيمًا من صميم الله. نحن أمام شيء عميق محجوب عن الأنظار، ولكن الانسان يستطيع كلما ازداد إيمانه ان يقترب من فهمه. هذا لا يعني أن هناك من يفهم أكثر من غيره بالعقل. الله محاط بنور لا يُدنى منه. هنا اللاهوتيّ القدير والجاهل في الكنيسة يتساويان. لا يستطيع احد منا أن يحلل بعقله أسرار الله. الفرق بيننا ليس فرقا بين عالم وجاهل، لكن الفرق كله بين انسان يصلّي ويدرك في قلبه وانسان لا يمارس ولذلك لا يعرف.
تعلمون ان السيد أخذ التلاميذ الى علية صهيون وهناك أخذ خبزًا وقدّسه وبارك وكسر وأعطاهم قائلا: “خذوا كلوا هذا هو جسدي الذي يُكسر من أجلكم لمغفرة الخطايا”. وهذه الصيغة هي التي اعتمدتها الكنيسة في القداس مقتبسة اياها من الاناجيل ومن رسائل بولس. ثم بعد أن تناولوا طعام العشاء أخذ الكأس وقال: “اشربوا منها كلكم، هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يهـرق عنكـم وعن كثيـرين لمغـفـرة الخطايا”. تناول الخبز ثم الخمـر كما كان يفعل رب العائلة اليهـودي في العشاء الذي يقيمونه ليلة السبت ويتذكرون خروجهم من مصر. عنـدما تنـاول السيد ذلك العشاء في العلّية قـام بطقس عادي ولكنه صبغه بمعنى جديد. أعطى تلاميذه الخبز والخمر لكي يصبحوا مبصرين الى موته مشتركين في قيامته. اذن هذا الذي نتناوله معا في القداس الالهي مدخل لنا في سر الموت وفي سر القيامة. يسوع المسيح في ميلاده وصليبه وقبره وقيامته يأتي الينا في الخبز والكأس صباح كل أحد.
“اصنعوا هذا لذكري. كلما أكلتم من هذا الخبز وشربتم من هذه الكأس تُخبرون بموت الرب الى ان يجيء”. قبل ان يجيء المسيح ثانية، لنا أن نطلبه، ان نلتمس حضوره في ما بيننا. انه يأتي الينا بشكل خفيّ. لن يأتي بمجد الآن. سوف يأتي بمجد في اليوم الأخير، ولكنه قبل ذلك يأتي بصورة غير منظورة على الأرض، متواضعا مخفيا عن الأنظار. لما ارتفع عنا وعد قائلا: “ها انا معكم كل الأيام الى انقضاء الدهر”. كيف يكون معنا الى انقضاء الدهر؟ بالمناولة: “خذوا كلوا هذا هو جسدي… اشربوا منه كلكم هذا هو دمي”. أي انني سأكون معكم في كل حقيقتي كما كنت هناك في فلسطين. أعيش بينكم كما عشت بين اليهودية والجليل. هناك كان التلاميذ يرون فيّ جسدا، وجها، يدين وقامة، وانتم الآن في كل قداس تجتمعون فيه بالصلاة والمحبة والتوبة والتواضع، تتقدمون الى الكاهن بخبز وخمر. يرفع هو هذا الخبز ويرفع هذه الكأس، وبسبب محبتي أجعل هذه الخبزة جسدي وهذا الخمر دمي، اجعلهما كياني، إنها انا. فإذا أخذتموها لن تكونوا آكلين خبزة عادية، ولكنكم تكونون آخذين نفسي وروحي وألوهيتي وكياني.
المسيح محبة لأنه أراد ان يجمعنا الى الله أبيه عن طريق المحبة. وجه من وجوه هذا السر الذي قلما ننتبه اليه هو أن المسيحيين يصبحون كيانا واحدا عندما يتناولون معا. بولس يقول: “انتم جسد واحد لأنكم تأكلون من الخبزة الواحدة” (١ كورنثوس ١٠: ١١)، ولذلك تلاحظون أن المسيحيين يستغفرون قبل المناولة كما يفعل الكاهن، اي ان الواحد يطلب العفو، الغفران، من الثاني قبل ان يتناول. المعنى العميق لهذا أن هذا السر (المناولة) هو اتحاد بين المؤمن والمسيح من جهة وبين المؤمن والمؤمن من جهة ثانية. في المناولة يصبح كل منا مسيحا. في لحظة مباركة من لحظات الوجود لا يعرف الانسان إن كان هو على هذه الأرض أم صار في السماء. لا يعرف إن بقي من تراب أَم صار من نور. لا يعرف إن بقي انسانا أَم صار إلهًا.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
 
قديم 11 - 07 - 2016, 06:06 PM   رقم المشاركة : ( 13435 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,381

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

عزلة الإنسان المعاصر

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

قد لا يبدو الاستقرار في مكان واحد أمراً صعباً كمثل النذور الرهبانية أي الفقر والعفة والطاعة. لكن في الواقع إنه الأصعب. فشيطان نصف النهار الذي يحزن الرهبان (والعلمانيين) هو رغبة الإنسان بترك مكانه الخاص والخروج للزيارات حيث تتجلّى النميمة وغيرها من الشهوات الأكثر سوءاً. الاستقرار في مكان واحد هو المعركة الأكثر صعوبة والتي ظهرت في أكثر أشكالها تطرفاً في الشرق مع القديسين العاموديين، أي الذين عاشوا على العامود، كمثل القديس سمعان الذي تخطى علو عاموده العشرة أمتار

في العالم المعاصر، الاستقرار هو سلعة نادرة…. في وقت ما كان الذهاب إلى السوق بمثابة رحلة تتضمّن الكثير من اللقاءات بالمعارف والأصحاب، أمّا اليوم فكل شيء تغيّر. كل هذا قد يثير الاهتمام من وجهة نظر اجتماعية إلا إنّه أثّر في حياتنا بشكل عميق. في الماضي كان الأمر الأكثر شيوعاً أن يلتقي شاب من منطقة ما بفتاة من المنطقة نفسها، أو أن يدلّوه عليها، فيتعارفان ويتزوجان وينشآن بيتاً وأولاداً في الجماعة التي نشآ هما أنفسهما فيها، بالقرب من الأقرباء والأصدقاء وشبكة العلاقات التي أحاطت بهما ورعتهما (أو ضايقتهما). بالمقابل كانت نسبة الطلاق والجريمة منخفضة جداً في أغلب الأماكن. الجماعات المستقرة تميل نحو إيجاد عائلات راسخة وهذا ما تعززه شبكات العلاقات. هذا الثبات النسبي في الحياة هو الشكل الذي خبرته الكائنات البشرية في معظم تاريخا

في القرن الحادي والعشرين، الشكل الأكثر شيوعاً هو أن يلتقي شاب ما بفتاة في الجامعة أو في العمل، يتزوجان، وينتقلان إلى مكان عملهما. في الشرق كما في الغرب، تنحصر العائلة في البيت الذي يُزار في الأعياد. ونضيف إليه في الشرق المكان الذي فيه مقبرة الأجداد والآباء. أما شبكة المعارف فبالكاد تتخطّى زملاء العمل. هذا يقودنا إلى عزلة الإنسان المعاصر. قد تكون الإنترنت قد زادت من تواصلنا ولكن بشكل افتراضي، يقوم إلى حد كبير على إرادتنا. على سبيل المثال، إن لم أرغب بنشر أي شيء فلا يمكن لأحد أن يلزمني بذلك. على عكس الماضي حيث كان إن قرع بابي زائر عليّ أن أفتح. جماعة الإنترنت ليست جماعة طبيعية. لا يمكن للناس أن يتلامسوا أو أن يسمعوا بعضهم البعض يضحكون (بالرغم من وجود الpoke في الفايسبوك أو “هاهاها” أو السميلات “smilies”). أنا أنشر صورة فيعرف الآخرون شيئاً مما أبدو عليه، أو أنشر تسجيلاً فيعرفون شيئاً من صوتي. لكنهم لا يعرفونني متحدثاً. إلى هذا، يعرف الآخرون ما أريدهم أن يعرفوه وليس ما بإمكانهم معرفته، هذا إذا كان الناس صادقون في ما ينشرون، أي أن ينشروا صورهم كما هم وليس كما يشتهون أن يكونوا

لقد فقد الإنسان المعاصر استقراره، والأغلب لأسباب اقتصادية، ومعه خسر ثمار الاستقرار أي الجماعة الفعلية التي تقوم على إجماع بسيط بإرادة العيش معاً وهذا ما يجعل الحضارة حضارة. وهذه الحضارة تتجلّى في فنون الإنسان وممارساته اليومية وثقافته. ما هي حضارة الإنسان غير المستقرّ: الجريمة والطلاق والعنف، وتتجلّى كلها في إنتاجه الفني وألحان أغنياته وكلماتها، وحتّى في ألعاب أولاده

الإنسان بحاجة إلى الاستقرار وعليه هو أن يصنعه بخياراته. النمو الجماعي كما النمو الشخصي لا يتحقق بسهولة في التنقل

الكنيسة الأرثوذكسية هي مثال مميّز عن الاستقرار والثبات. بإمكاننا أن نقرأ ما كُتِب منذ قرون ونفهمه، حتّى أنّ الكثير منه ما زال ينطبق على زماننا، كالكتاب المقدس وكتابات الآباء. العلاقة مع كل ما “عتيق” و”تقليدي” في هذه الكنيسة يساهم في زرع الاستقرار. من هنا أيضاً يأتي دور آخر تؤدّيه الرهبنة وهو المساهمة في تنمية الاستقرار بكونها مثال للعلمانيين

هناك استقرار يأتي ضمن ذاك الجزء من الحياة، استقرار لا يمكن للإنسان أن يوجده بل يمكنه أن يخضع له. يستطيع الإنسان الأرثوذكسي أن يسعى لتجرّع معنى هذا الكلام كل يوم… فالاستقرار قصير الأمد. فقط عندما ينخرط الإنسان في جماعة أكبر ضارِبة في الماضي، يبدأ بالإحساس بالاستقرار. وما من استقرار في مدينة ما يقارِع استقرار التقليد ذي الألفي سنة. العيش في جيرة ملكوت الله حيث القديسون يعرفون أسماء الجميع ويشجعونهم ويعضدونهم

فليعطِنا الرب نعمة البلوغ الاستقرار فيه

الأب ستيفان فريمن
نقلها إلى العربية الأب أنطوان ملكي
 
قديم 11 - 07 - 2016, 06:07 PM   رقم المشاركة : ( 13436 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,381

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

يا طويل الأناة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
قرأت في كلامك الذي أوحيته لأنبيائك ودوّنوه في كتبك المقدَّسة وبه أعلمتنا عن محبتك. وقرأت في هذه الكتب ما فعلناه وما باديناك به في تاريخ بشريتنا، فعلمت أن محبتك لا توصف وليس لطول أناتك من قياس، لأننا ونحن مكبلون بضعفات هذا عددها أرسلت كلمتك صائراً مثلنا لأجلنا، ما نحن عليه، ما خلا الخطيئة، وأظهرت لنا حبك الأعظم (ليس حب أعظم من هذا أن يضع الإنسان نفسه عن أحبائه) أردت معه وبه أن تعيدنا أنقياء وأطلت أناتك وتركت لنا حريتنا. لقد كانت الحياة عنده وفي كلماته وهَدَفَ أن ينزع الخطيئة من عالمنا ويقلع جذورها ويدمِّر بذورها ولكننا خيَّبنا أملك جماعاتٍ وفرادى وتوجهنا عكس ما دعوتنا اليه وأطلت آناتك وجعلت من القلة التي أرضتك منارة ومثالاً أما نحن فقد أحببنا الظلمة أكثر من النور وقد نبهتنا منذ زمن بعيد أن من يمشي في الظلام يتعثر. لقد تعثرنا كثيراً وأحببنا الآلام أكثر من النياح وأثقلنا حياتنا بأحمال غير لائقة وكلنا علم أنك تطيل أناتك علينا وترحمنا كعظيم رحمتك وتغفر آثامنا. صرنا نتدلّلُ عليك ونسبح في الغنج جاعلين همَّك وراء ظهورنا وصارت قلوبنا بعيدة عنك وأغلبنا قد نسيك أو اخترع لذاته صورة لك لا تشبهك في الكثير. وعلى الكل تطيل أناتك وترحمهم. لقد نسوا أنك أب محب وأن الأب المحب مؤدِّبٌ لبنيه يصوّب طرقهم بكل لطفٍ وحزم. لقد فهمنا طول أناتك خطأ فتمادينا في الدلال ولم نفهمها إصلاحاً وتجديداً.
وما نعرفه عن تأديبك لا يرقى الى الحروب التي نعانيها والكوارث التي تأخذ آلاف الناس وهم في ذروة التلهي والضياع. بالحقيقة إن طول أناتك لا تسمح بذلك بل خطايانا وكبرياؤنا تقودنا الى هذه الكوارث ونحن نعلم أننا بمكانتنا عندك قد ربطت مصير كل الخليقة بمصيرنا ولهذا تشوّهت عندما وقعت خطيئة الجدين الأولين التي لا تعد شيئاً أمام ما انغمس به البشر من الخطايا والأدناس، فأخرجت الأرض شوكاً وحسكاً.
وكما أطلت أناتك يومئذ هكذا حتى اليوم تطيل آناتك علينا آلاف المرّات. ولأن قلبك طيِّب وأنت واضح في كل ما تفعل علمتنا أن المحبّة تجلب لنا النعم وأن الشرَّ يجلب لنا الفناء.
لقد قلت لنا على ألسنة قديسيك أنك تنتظرنا في كلِّ زاوية ومنعرج وعلى مَشْرِفِ كلِّ تلٍّ وسفح، قبل كل مرحلة من مراحل تصرُّفاتنا وبعدها. ولأنك طيب القلب وكلُّك محبة طمعنا بك واستغلّينا هذه الطيبة غير عارفين أن الطمع ضَرْ ما نفع. وبالطمع برحمتك نملّك أنفسنا للخطيئة التي هي أذكى منا بما لا يقاس ولسنا نحن أفضل من كثيرين من الذين سبقونا، ولا أشطر منهم، ومع ذلك فقد وجدهم الموت وهم في حالة الطمع برحمتك والتسويف معتمدين على طول آناتك.
أنت تحب الصديقين وترحم الخطأة والفرق كبير بين الصديقين وبين الذين ترحمهم فأولئك سالمون وهؤلاء قد جمعوا برحمتك بعد كسرهم. ومن يخلص برحمتك يخلص لأنك تطيل أناتك عليه أما الصديقون فيخلصون بمحبتك.
نبتهل إليك يا طويل الأناة برغم عدم استحقاقنا أن تطيل أناتك على العالم وتجبره غصباً عنه أن يعمل إرادتك. فأخرج البلد ونحن معه من كلِّ الضيقات وبيدك الكليّة القداسة أنقذنا من جب الفساد. فبدون طول أناتك لن نجد عوناً ولا رحمة يا جزيل الرحمة والطويل الأناة.
باسيليوس، مطران عكار وتوابعها
 
قديم 11 - 07 - 2016, 06:12 PM   رقم المشاركة : ( 13437 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,381

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

ما هي محبة الذات
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
محبة الذات هي محبة عظيمة وطاغية لذواتنا. بحسب القديس نيكيتا ستيثاتوس، محبة الذات هي “حب مجنون للجسد يجعل الراهب محباً لنفسه، أي لنفسه وجسده”. إنها تغربه عن ملكوت الله، وعن الله نفسه. لو أن أحداً أحب جسده بطريقة زائدة وحصرية، متجاهلاً الله وأخيه الإنسان تماماً، فإننا نقول أنه يحب ذاته ويعاني من هوى محبة الذات. يقول القديس مكسيموس المعترف: “محبة الذات هي هوى التعلق بالجسد”. يشير نفس القديس في موضع آخر لهذا الهوى على أنه “محبة مجنونة للجسد”.
نستطيع أن نقول بوجه عام مع القديس مكسيموس أن محبة الذات هي ” محبة شهوانية مجنونة للجسد، وعكسها هي المحبة وضبط النفس”. تضاد محبة الذات المحبة وضبط النفس، تماماً كما تضاد المحبة وضبط النفس محبة الذات. من الواضح أننا لا نعني بمحبة الذات الاعتناء بالجسد في إطار طبيعي، لكننا نعني الاهتمام الزائد الشهواني بكل من الجسد والنفس.
يكتب القديس مكسيموس محللاً السمات المميزة لمحبة الذات قائلاً أن هوى محبة الذات “يقترح على الراهب أنه ينبغي عليه أن يشفق على جسده، وأنه ينبغي عليه تحت مسمى رعايته بشكل مناسب أن يأخذ طعاماً أكثر من المعتاد”. هكذا، قليلاً قليلاً، يسقطه في فخ الانغماس في الملذات على حين أنه يجعل العائشين في العالم “يُشبعون احتياجات الجسد دفعة واحدة”. يحثنا هوى محبة الذات على أن نهتم أكثر مما يجب بالاستمتاع بالطعام والملذات الأخرى والراحة واليسر، وأن نشبع الشهوات الأخرى المتنوعة. يجعلنا هوى محبة الذات نفضل “راحة الجسد على آلام الفضيلة”، ويجعلنا نكف عن أن نضع على أنفسنا بإرادتنا أعمالاً متنوعة “خصوصاً من جهة الجهادات الخفيفة المتعلقة بممارسة الوصايا”. من ثم يجعل النفس متباطئة ومتراخية من جهة العبور في طريق الهدوئية، كما يقول القديس غريغوريوس السينائي. لا شيء يجعل نفوس المجاهدين في النسك “متباطئة ومهملة وغافلة” مثل هوى محبة الذات. هكذا يصف القديس نيكيتا ستيثاتوس أيضاً محبة الذات على أنها “خبيثة”، مشيراً إليها على أنها “رذيلة محبة الذات الخبيثة”.
المثال الدقيق على شخص يحب ذاته هو الغني الغبي في مثل المسيح. لقد كان يفكر في بناء مخازن جديدة لكي يجمع فيها كل خيراته ثم يقول لنفسه: “يا نفس لك خيرات كثيرة موضوعة لسنين كثيرة. استريحي وكلي واشربي وافرحي” (لو19:12). لم يكن الرجل الأناني مهتماً بالمرة بشفاء نفسه أو بمجد الله، ولا بخدمة إخوته. لقد كان مهتماً تماماً بنفسه، وبنفسه فقط.
كل ما قيل حتى الآن لوصف هوى محبة الذات يقودنا إلى فحص نتائجه الأليمة.
 
قديم 11 - 07 - 2016, 06:13 PM   رقم المشاركة : ( 13438 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,381

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

نتائج هوى محبة الذات
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
يرى القديس نيكيتا ستيثاتوس أن محبة الذات هي “عقبة ضد تقدم أولئك المتقدمين جيداً”. إنها تمنع الناس من تكريس ذواتهم لممارسة وصايا المسيح. “إنها توحي لهم بأمراض وعلل جسدية خبيثة، وبالتالي تتضاءل غيرتهم ويقتنعون بالتخلي عن جهادهم الروحي على أساس أنه يشكل خطراً على حالتهم الضعيفة”. بكلمات أخرى، من خلال خلق أفكار عن الأمراض المختلفة، تكف النفس عن جهادها النسكي لكي تحفظ وصايا المسيح ولكي تُشفى من الأهواء المختلفة التي تزعجها. بالتالي تكون محبة الذات، كما يقول القديس يوحنا السلمي، حجاب. إنها ليست فقط تمنع النفس من تحقيق شفائها، لكنها أيضاً تخفي الأهواء الموجودة داخلها. لا يريد الشخص الأناني أن يرى نفسه. إنه لا يريد أن يكون واعياً بفقره الروحي.
يسمي القديس مكسيموس محبة الذات أم كل الرذائل، لأنها تلد “الأفكار الثلاثة الأولى والأكثر عمومية التي للشهوة والغضب”. هذه الأفكار الثلاثة هي النهم، والبخل، وتقدير الذات. يرى نفس الأب أن محبة الذات هي أم الثرثرة واشتهاء الأطعمة اللذيذة التي تسبب الإباحية، وهي أيضاً أم البخل والكبرياء. بوجه عام، لو كان لدى المرء محبة للذات “فمن الواضح أن لديه كل الأهواء”.
ليست محبة الذات أم الأهواء فقط، ولكنها أيضاً أم لكل الأفكار الشهوانية. يتولد فكر النجاسة من فكر النهم. يحبل فكر تقدير الذات بفكر العُجب. تنبع من أفكار النهم والبخل وتقدير الذات كل الأفكار الأخرى كالغضب، والحزن، والامتعاض، والحسد، والنميمة الخبيثة وما إلى ذلك. تولد كل هذه الأفكار من محبة الذات (القديس مكسيموس).
يعلِّم القديس هيزيخيوس القس أنه لا يوجد شر أعظم من محبة الذات. محبة الذات هي أم تلد أطفالاً كثيرين. أطفال محبة الذات هم “العُجب، الرضا عن النفس، النهم، النجاسة، تقدير الذات، الغيرة، ورأس كل هذه هو الكبرياء”.
محبة الذات هي حجاب يغطي النفس، “بحيث أنه لا يمكن أن تتكشف فيها أسس العالم، أي الجواهر الداخلية للأشياء”، وذلك بحسب قول إيليا القس. يكون الشخص الأناني أعمى تماماً حيث أنه لا يستطيع رؤية القوة التي يوجه بها الله العالم والتاريخ. حيث أن الشخص الذي يحب ذاته لا يستطيع أن يتجاوز ذاته فيرى الله والآخرين، فإنه يكره كلاً من الإنسان والله. هذا هو السبب الذي يجعل القديس مكسيموس يأمر قائلاً: “كُف عن إرضاء ذاتك فلا تكره إخوتك من البشر؛ كُف عن محبة ذاتك فتحب الله”.
 
قديم 11 - 07 - 2016, 06:14 PM   رقم المشاركة : ( 13439 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,381

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

شفاء محبة الذات
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
يحتاج الإنسان أن يتحرر من هذا الهوى الرهيب الذي “للمحبة الخبيثة للذات”. لو أنه تصرف بطريقة ما لكي يزيل حجاب محبة الذات ويرى بوضوح الأهواء الخفية المترعرعة، فإنه سينتحب بمرارة وستصبح كل حياته غير كافية للتوبة حتى لو عاش مئات السنين ولو تدفقت الدموع من عينيه مثل نهر الأردن. “إنه لن يهتم بشيء آخر في هذه الحياة، معتبراً أنه ليس لديه الوقت الكافي لكي يبكي على نفسه، حتى لو كان سيعيش مئات السنين، وحتى لو رأى دموعاً تنفجر من عينيه مثل نهر الأردن بكامله” (القديس يوحنا السلمي).
يكمن الشفاء في اصطياد محبة الذات أينما وجدت. الطرق الرئيسية لتحقيق ذلك هي كالتالي.
ينبغي علينا أن نستسلم بالكامل لإنكار الذات. ينبغي علينا أن نكون مستعدين لتقديم أي نوع من التضحية، وأن نخضع بإرادتنا لأي نوع من الحرمان بهدف حفظ وصايا المسيح. يقدم لنا بولس الرسول دافعاً لكي نفعل ذلك عندما يقول: “ولكنني لست أحتسب لشيء ولا نفسي ثمينة عندي حتى أتمم بفرح سعيي والخدمة التي أخذتها من الرب يسوع لأشهد ببشارة نعمة الله” (أع24:20). ينبغي على المسيحي لكي يُشفى من محبة الذات، وبالتالي من كل الأهواء المرتبطة بها، أن يكون مستعداً لأي تضحية. ينبغي عليه أن يعمل عكس ما تمليه محبة الذات والأهواء العديدة الناتجة عنها. إنه يحتاج لضبط النفس في كل ما يعمله.
بالإضافة إلى ذلك، ينبغي على النوس أن يلجأ إلى الله. يتأتى ذلك من خلال الصلاة وكل المنهج العلاجي الذي للتقليد الأرثوذكسي. عندما يتذوق نوسنا حلاوة محبة الله، فإننا نتحرر من هوى محبة الذات، ونجد شجاعة لكي نحفظ ناموس الله ولكي نراعي مشيئة الله في حياتنا.
ينبغي علينا أن نبذل مجهوداً لكي نظهر المحبة نحو الآخرين من الناس. حيث أن محبة الذات تجعلنا ننغلق على أنفسنا، فإننا نحتاج لأن ننفتح على إخوتنا. من أجل ذلك، ينبغي علينا أن نضحي تماماً بأي شيء يجلب لنا الارتياح والراحة الجسدية. لقد عبَّر القديسون عن هذا الحب الباذل في حياتهم، حيث أنهم فضلوا خلاص الآخرين على خلاصهم. لا ينبغي إظهار هذه المحبة من خلال عطايا المال فقط، لكن “بالأكثر من خلال إعطاء المشورة الروحية والاعتناء بالناس في حاجاتهم الجسدية” (القديس مكسيموس).
بوجه عام، ينبغي أن تنمو بغضة الذات المقدسة. فكلما أبغضنا ذواتنا، كلما تحررنا من محبة الذات، وكلما اتسع أفقنا الروحي. لقد علَّم المسيح قائلاً: “من يبغض نفسه في هذا العالم يحفظها إلى حياة أبدية”(يو25:12). في نص آخر يعلن المسيح ويطلب أيضاً: “إن كان أحد يأتي إلي ولا يبغض أباه وأمه وامرأته وأولاده وإخوته وأخواته حتى نفسه أيضاً فلا يقدر أن يكون لي تلميذاً” (لو 26:14). هذه البغضة المقدسة التي يجب أن تترسخ فينا تظهر بصورة رئيسية من خلال التوبة. فالتوبة الحارة المستمرة سوف تمنعنا من أن نحب أنفسنا برغباتنا الشريرة وأهوائنا الساقطة. تجعلنا التوبة نقسو على أنفسنا بحيث نرضي الله ونتبع مشيئته. إنها قاعدة للحياة الروحية أننا كلما أحببنا ذواتنا كلما كرهنا الله، وكلما كرهنا ذواتنا كلما أحببنا الله.
ينبغي علينا أن نتحرر من “محبة الذات الخبيثة”. للأسف، نحن نلاحظ أن كل طريقة الحياة محكومة بهذا الهوى. حتى المسيحيين واقعين بشدة في قبضته حتى أنهم لا يعيشون حياة المحبة. نحن مسيحيون، ومع ذلك لا نحب. تنقصنا السمة المميزة لتلاميذ المسيح لأننا أنانيون، ذاتيون، منفردون. ينبغي أن توجه كل جهودنا نحو التخلص من حجاب محبة الذات الذي يمنعنا من أن نصبح أشخاصاً وبالتالي أعضاءاً حقيقيين في كنيسة المسيح ومواطنين في ملكوت السموات.
 
قديم 11 - 07 - 2016, 06:14 PM   رقم المشاركة : ( 13440 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,381

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

محبة الذات

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
أحد الأهواء الرئيسية التي تسود على الإنسان هي محبة الذات. كما سنرى فيما يلي، محبة الذات هي أم كل الأهواء والرذائل ومرضعتها.
قال المسيح مشيراً لمحبتنا لذواتنا تلك: “من يحب حياته يهلكها، ومن يبغض حياته في هذا العالم يحفظها إلى حياة أبدية” (يو25:12). الكلمة المترجمة “حياة” تعني أيضاً “نفس”. إنها حقيقة أن أياً من يحب حياته وذاته لدرجة مبالغ فيها يهلك تماماً. عندما يصف القديس بولس الأهواء التي سوف تميز الناس في الأزمنة الأخيرة فإنه يذكر محبة الذات من بينها، بل أنه يضعها في أول القائمة: “ولكن اعلم هذا أنه في الأيام الأخيرة ستأتي أزمنة صعبة. لأن الناس يكونون محبين لأنفسهم، محبين للمال، متعظمين، مستكبرين، مجدفين، غير طائعين لوالديهم، غير شاكرين، دنسين” (2تي3: 1-2).
هذان المرجعان من الكتاب المقدس كافيان في حد ذاتهما لإظهار الضرر الكبير الذي يسببه هوى محبة الذات للجنس البشري. سوف أحاول الآن وصف محبة الذات، وتحليلها لكي أحدد نتائجها الأليمة، ولكي نرى في النهاية كيف يمكن أن نتحرر منها.
1- ما هي محبة الذات
محبة الذات هي محبة عظيمة وطاغية لذواتنا. بحسب القديس نيكيتا ستيثاتوس، محبة الذات هي “حب مجنون للجسد يجعل الراهب محباً لنفسه، أي لنفسه وجسده”. إنها تغربه عن ملكوت الله، وعن الله نفسه. لو أن أحداً أحب جسده بطريقة زائدة وحصرية، متجاهلاً الله وأخيه الإنسان تماماً، فإننا نقول أنه يحب ذاته ويعاني من هوى محبة الذات. يقول القديس مكسيموس المعترف: “محبة الذات هي هوى التعلق بالجسد”. يشير نفس القديس في موضع آخر لهذا الهوى على أنه “محبة مجنونة للجسد”.
نستطيع أن نقول بوجه عام مع القديس مكسيموس أن محبة الذات هي ” محبة شهوانية مجنونة للجسد، وعكسها هي المحبة وضبط النفس”. تضاد محبة الذات المحبة وضبط النفس، تماماً كما تضاد المحبة وضبط النفس محبة الذات. من الواضح أننا لا نعني بمحبة الذات الاعتناء بالجسد في إطار طبيعي، لكننا نعني الاهتمام الزائد الشهواني بكل من الجسد والنفس.
يكتب القديس مكسيموس محللاً السمات المميزة لمحبة الذات قائلاً أن هوى محبة الذات “يقترح على الراهب أنه ينبغي عليه أن يشفق على جسده، وأنه ينبغي عليه تحت مسمى رعايته بشكل مناسب أن يأخذ طعاماً أكثر من المعتاد”. هكذا، قليلاً قليلاً، يسقطه في فخ الانغماس في الملذات على حين أنه يجعل العائشين في العالم “يُشبعون احتياجات الجسد دفعة واحدة”. يحثنا هوى محبة الذات على أن نهتم أكثر مما يجب بالاستمتاع بالطعام والملذات الأخرى والراحة واليسر، وأن نشبع الشهوات الأخرى المتنوعة. يجعلنا هوى محبة الذات نفضل “راحة الجسد على آلام الفضيلة”، ويجعلنا نكف عن أن نضع على أنفسنا بإرادتنا أعمالاً متنوعة “خصوصاً من جهة الجهادات الخفيفة المتعلقة بممارسة الوصايا”. من ثم يجعل النفس متباطئة ومتراخية من جهة العبور في طريق الهدوئية، كما يقول القديس غريغوريوس السينائي. لا شيء يجعل نفوس المجاهدين في النسك “متباطئة ومهملة وغافلة” مثل هوى محبة الذات. هكذا يصف القديس نيكيتا ستيثاتوس أيضاً محبة الذات على أنها “خبيثة”، مشيراً إليها على أنها “رذيلة محبة الذات الخبيثة”.
المثال الدقيق على شخص يحب ذاته هو الغني الغبي في مثل المسيح. لقد كان يفكر في بناء مخازن جديدة لكي يجمع فيها كل خيراته ثم يقول لنفسه: “يا نفس لك خيرات كثيرة موضوعة لسنين كثيرة. استريحي وكلي واشربي وافرحي” (لو19:12). لم يكن الرجل الأناني مهتماً بالمرة بشفاء نفسه أو بمجد الله، ولا بخدمة إخوته. لقد كان مهتماً تماماً بنفسه، وبنفسه فقط.
كل ما قيل حتى الآن لوصف هوى محبة الذات يقودنا إلى فحص نتائجه الأليمة.
2- نتائج هوى محبة الذات
يرى القديس نيكيتا ستيثاتوس أن محبة الذات هي “عقبة ضد تقدم أولئك المتقدمين جيداً”. إنها تمنع الناس من تكريس ذواتهم لممارسة وصايا المسيح. “إنها توحي لهم بأمراض وعلل جسدية خبيثة، وبالتالي تتضاءل غيرتهم ويقتنعون بالتخلي عن جهادهم الروحي على أساس أنه يشكل خطراً على حالتهم الضعيفة”. بكلمات أخرى، من خلال خلق أفكار عن الأمراض المختلفة، تكف النفس عن جهادها النسكي لكي تحفظ وصايا المسيح ولكي تُشفى من الأهواء المختلفة التي تزعجها. بالتالي تكون محبة الذات، كما يقول القديس يوحنا السلمي، حجاب. إنها ليست فقط تمنع النفس من تحقيق شفائها، لكنها أيضاً تخفي الأهواء الموجودة داخلها. لا يريد الشخص الأناني أن يرى نفسه. إنه لا يريد أن يكون واعياً بفقره الروحي.
يسمي القديس مكسيموس محبة الذات أم كل الرذائل، لأنها تلد “الأفكار الثلاثة الأولى والأكثر عمومية التي للشهوة والغضب”. هذه الأفكار الثلاثة هي النهم، والبخل، وتقدير الذات. يرى نفس الأب أن محبة الذات هي أم الثرثرة واشتهاء الأطعمة اللذيذة التي تسبب الإباحية، وهي أيضاً أم البخل والكبرياء. بوجه عام، لو كان لدى المرء محبة للذات “فمن الواضح أن لديه كل الأهواء”.
ليست محبة الذات أم الأهواء فقط، ولكنها أيضاً أم لكل الأفكار الشهوانية. يتولد فكر النجاسة من فكر النهم. يحبل فكر تقدير الذات بفكر العُجب. تنبع من أفكار النهم والبخل وتقدير الذات كل الأفكار الأخرى كالغضب، والحزن، والامتعاض، والحسد، والنميمة الخبيثة وما إلى ذلك. تولد كل هذه الأفكار من محبة الذات (القديس مكسيموس).
يعلِّم القديس هيزيخيوس القس أنه لا يوجد شر أعظم من محبة الذات. محبة الذات هي أم تلد أطفالاً كثيرين. أطفال محبة الذات هم “العُجب، الرضا عن النفس، النهم، النجاسة، تقدير الذات، الغيرة، ورأس كل هذه هو الكبرياء”.
محبة الذات هي حجاب يغطي النفس، “بحيث أنه لا يمكن أن تتكشف فيها أسس العالم، أي الجواهر الداخلية للأشياء”، وذلك بحسب قول إيليا القس. يكون الشخص الأناني أعمى تماماً حيث أنه لا يستطيع رؤية القوة التي يوجه بها الله العالم والتاريخ. حيث أن الشخص الذي يحب ذاته لا يستطيع أن يتجاوز ذاته فيرى الله والآخرين، فإنه يكره كلاً من الإنسان والله. هذا هو السبب الذي يجعل القديس مكسيموس يأمر قائلاً: “كُف عن إرضاء ذاتك فلا تكره إخوتك من البشر؛ كُف عن محبة ذاتك فتحب الله”.
3- شفاء محبة الذات
يحتاج الإنسان أن يتحرر من هذا الهوى الرهيب الذي “للمحبة الخبيثة للذات”. لو أنه تصرف بطريقة ما لكي يزيل حجاب محبة الذات ويرى بوضوح الأهواء الخفية المترعرعة، فإنه سينتحب بمرارة وستصبح كل حياته غير كافية للتوبة حتى لو عاش مئات السنين ولو تدفقت الدموع من عينيه مثل نهر الأردن. “إنه لن يهتم بشيء آخر في هذه الحياة، معتبراً أنه ليس لديه الوقت الكافي لكي يبكي على نفسه، حتى لو كان سيعيش مئات السنين، وحتى لو رأى دموعاً تنفجر من عينيه مثل نهر الأردن بكامله” (القديس يوحنا السلمي).
يكمن الشفاء في اصطياد محبة الذات أينما وجدت. الطرق الرئيسية لتحقيق ذلك هي كالتالي.
ينبغي علينا أن نستسلم بالكامل لإنكار الذات. ينبغي علينا أن نكون مستعدين لتقديم أي نوع من التضحية، وأن نخضع بإرادتنا لأي نوع من الحرمان بهدف حفظ وصايا المسيح. يقدم لنا بولس الرسول دافعاً لكي نفعل ذلك عندما يقول: “ولكنني لست أحتسب لشيء ولا نفسي ثمينة عندي حتى أتمم بفرح سعيي والخدمة التي أخذتها من الرب يسوع لأشهد ببشارة نعمة الله” (أع24:20). ينبغي على المسيحي لكي يُشفى من محبة الذات، وبالتالي من كل الأهواء المرتبطة بها، أن يكون مستعداً لأي تضحية. ينبغي عليه أن يعمل عكس ما تمليه محبة الذات والأهواء العديدة الناتجة عنها. إنه يحتاج لضبط النفس في كل ما يعمله.
بالإضافة إلى ذلك، ينبغي على النوس أن يلجأ إلى الله. يتأتى ذلك من خلال الصلاة وكل المنهج العلاجي الذي للتقليد الأرثوذكسي. عندما يتذوق نوسنا حلاوة محبة الله، فإننا نتحرر من هوى محبة الذات، ونجد شجاعة لكي نحفظ ناموس الله ولكي نراعي مشيئة الله في حياتنا.
ينبغي علينا أن نبذل مجهوداً لكي نظهر المحبة نحو الآخرين من الناس. حيث أن محبة الذات تجعلنا ننغلق على أنفسنا، فإننا نحتاج لأن ننفتح على إخوتنا. من أجل ذلك، ينبغي علينا أن نضحي تماماً بأي شيء يجلب لنا الارتياح والراحة الجسدية. لقد عبَّر القديسون عن هذا الحب الباذل في حياتهم، حيث أنهم فضلوا خلاص الآخرين على خلاصهم. لا ينبغي إظهار هذه المحبة من خلال عطايا المال فقط، لكن “بالأكثر من خلال إعطاء المشورة الروحية والاعتناء بالناس في حاجاتهم الجسدية” (القديس مكسيموس).
بوجه عام، ينبغي أن تنمو بغضة الذات المقدسة. فكلما أبغضنا ذواتنا، كلما تحررنا من محبة الذات، وكلما اتسع أفقنا الروحي. لقد علَّم المسيح قائلاً: “من يبغض نفسه في هذا العالم يحفظها إلى حياة أبدية”(يو25:12). في نص آخر يعلن المسيح ويطلب أيضاً: “إن كان أحد يأتي إلي ولا يبغض أباه وأمه وامرأته وأولاده وإخوته وأخواته حتى نفسه أيضاً فلا يقدر أن يكون لي تلميذاً” (لو 26:14). هذه البغضة المقدسة التي يجب أن تترسخ فينا تظهر بصورة رئيسية من خلال التوبة. فالتوبة الحارة المستمرة سوف تمنعنا من أن نحب أنفسنا برغباتنا الشريرة وأهوائنا الساقطة. تجعلنا التوبة نقسو على أنفسنا بحيث نرضي الله ونتبع مشيئته. إنها قاعدة للحياة الروحية أننا كلما أحببنا ذواتنا كلما كرهنا الله، وكلما كرهنا ذواتنا كلما أحببنا الله.
ينبغي علينا أن نتحرر من “محبة الذات الخبيثة”. للأسف، نحن نلاحظ أن كل طريقة الحياة محكومة بهذا الهوى. حتى المسيحيين واقعين بشدة في قبضته حتى أنهم لا يعيشون حياة المحبة. نحن مسيحيون، ومع ذلك لا نحب. تنقصنا السمة المميزة لتلاميذ المسيح لأننا أنانيون، ذاتيون، منفردون. ينبغي أن توجه كل جهودنا نحو التخلص من حجاب محبة الذات الذي يمنعنا من أن نصبح أشخاصاً وبالتالي أعضاءاً حقيقيين في كنيسة المسيح ومواطنين في ملكوت السموات.
الميتروبوليتإيروثيوسفلاخوس
* من كتاب “علم الطب الروحي”، تعريب د. نيفين سعد
 
موضوع مغلق

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:51 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024