08 - 06 - 2016, 04:51 PM | رقم المشاركة : ( 12981 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
حول اﻷوشام والتزيّن
الكهنة الموقّرون، مؤمنو أبرشية دانفر الأتقياء، أيها المحبوبون بالرب، يبدو أنّ الاهتمام بالوشم يزداد في مجتمعنا اليوم في أوساط الشباب والبالغين من الجنسين. في الماضي، كان الوشم محصورًا بالعبيد والخدّام، وكانت الوشوم محدودةٍ برموزٍ وأرقام، ما يشبه الوسوم التي توضَع على الحيوانات في أيّامنا. وخلال الحقبة النازية في ألمانيا، كان يتم وشم اليهود بالقوّة لكي يُفرَزوا طبقةً أدنى وحتى أعداءً للدولة.وحتى اليوم، نجد المسيحيين في بعض مناطق أفريقيا يضعون وشمَ صليبٍ على جباههم، ليتميّزوا عن المسلمين الذين يشكّلون الأكثرية. باختصار، كان الوشم علامةَ فرزٍ ظاهرةً للسلطة العليا التي تدير الدولة أو المملكة. وأمّا المسيحيون الملزَمون بوضع علامة الصليب على جباههم، فالكنيسة تتسامح مع هذا الأمر لأسبابٍ عمليّة. عند الأجيال السابقة، كان الوشم محصورًا بالبحّارة، علامة تمييزٍ في أسفارهم. وفي الواقع، لفظة وشم بالإنكليزية tattooهي مصطلح عسكري يدلّ على صوت البوق الذي يدعو البحّارة والجنود إلى العودة إلى أرباعهم. خلال القرون السابقة، كانت الوشوم تُستخدم أيضًا من قبل أعضاء نوادي الدرّاجات النارية وعصابات الشبّان، لكنّنا نرى أنّ البعض بدأ باستعمالها لاحقًا كإعلانٍ عامّ ليس فقط عن مكانته الاجتماعية، بل أيضًا عن نفسه بأسلوبٍ نرجسيّ. بكلامٍ آخر، يريد البعض، بواسطة الوشم، أن يُظهروا للآخرين مَن هم وبماذا يؤمنون، ومحبة أمهاتهم وأحبّائهم، وصولاً إلى محبة الله. إذًا هل تقبل الكنيسة الأرثوذكسية بالوشم؟ علينا أن نستعين بالكتاب المقدس لمعرفة الإجابة. نجد في الكتابات المقدّسة أنّ وسم الجسد غير مقبول عند الله. نقرأ مثلاً في سفر اللاويين: “ولا تجرحوا أجسادكم لميت. وكتابة وسم لا تجعلوا فيكم” (19: 28). وتتكرّر هذه الوصية في الإصحاح الحادي والعشرين من السفر نفسه، ونجدها أيضًا في سفر التثنية. قد يقول البعض إنّ هذه الوصايا أُعطيَت للكهنة اللاويين، لا لغيرهم من الشعب اليهودي. إذا كان الأمر كذلك، من الواضح أنّ الكاهن الذي كرّس ذاته لله الأوحد والحقيقي، لا يستطيع أن يحمل على جسده أيّ وسم يدلّ على ولائه لكائنٍ آخر. ولا يفترض بالكهنة وبالعلمانيين على حدّ سواء أن يظهروا ولاءهم لله بوسمٍ خارجي، إنما يكون ذلك بطريقة عيشهم. يظهر هذا المبدأ الديني في تقليدنا المسيحي الذي يشدّد على أنّ الإيمان لا يكون بالافتخار برموزٍ مسيحيّة، توشم أو تُحفر على أجسادنا لتدلّ على إيماننا بالمسيح. أمّا حمل الصليب في سلسلة، فأمرٌ مختلفٌ كليًّا. فصليب معموديّتنا ليس ملصقًا بجسدنا، بل يمكن إزالته. يشكّل هذا الصليب حمايةً ضدّ القوى الشيطانية، وحافزًا لعيش حياة الإيمان. إضافةً إلى ذلك، ليس هذا الصليب مدعاة تباهٍ أو حليةً تتماشى مع الموضة، فنحن نحمله في عنقنا من أجل الحماية، وبالأكثر من أجل البركة. تُعلّمنا الكنيسة أنّ التعبير عن أرثوذكسيتنا يكون بالشكر والاتضاع، مدركين أنّ المسيح مات من أجل خلاصنا. وهذا السلوكالمستقيم هو انعكاسٌ للتواضع الذي أظهره الرب عندما أتى إلى هذا العالم لأجل محبته العظيمة لنا. لا نجد في الكتاب المقدس أنّ الله إلهٌ مفتخر. الله، الذي هو إله محبّة، لا يعرف الافتخار، بل يعرف التواضع فقط. ولنكون أكثر تحديدًا في مسألة الوشم، يقول الكتاب المقدّس إنّ أجسادنا ليست ملكنا. فبولس الرسول يقول: “أما تعلمون أنكم هيكل الله، وروح الله يسكن فيكم“؟ (1كو 3: 16). ويضيف: “أم لستم تعلمون أنّ جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم، الذي لكم من الله، وأنكم لستم لأنفسكم” (1 كو 6: 19). بالتالي، من الواضح أنه لا يحقّ لنا وسم أجسادنا بالوشوم، لأننا لا ننتمي إلى أنفسنا بل إلى الله. إنّ هذه الموضة الرائجة، من وشم وثقب الوجه واللسان، لها جانبٌ آخر. يبدو أنّنا، وفي ظلّ مجتمع الكومبيوتر والمواقع الإلكترونية والفايسبوك، نتوق إلى لفت الانتباه. لدينا حاجة إلى أن نكون معروفين وأن يَعترف الآخرون بنا. ومن السخرية أنّه منذ بضعة عقودٍ، عندما كان الناس يزورون السيرك الذي يأتي سنويًّا إلى المدينة، كانوا يشاهدون في إحدى الفقرات شبّانًا يصعدون على المسرح ليتباهوا بأجسادهم المملوءة بالوشوم، وبالطبع كان هؤلاء الشبّان يختطفون انتباه آلاف الناس. وأختم من منظورٍ عملي: لماذا قد يخاطر عضوٌ من الكنيسة بالتقاط مرضٍ خطيرٍ مثل الإيدز عبر استعماله الإبر التي قد تكون ملوّثة. هل يستحقّ الأمر هذا الثمن؟ مع بركاتي الأبوية المتروبوليت إشعيا مطران دانفرترجمة جولي عطالله التراث الأرثوذكسي |
||||
08 - 06 - 2016, 04:55 PM | رقم المشاركة : ( 12982 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
أمخلّعٌ ويسوعُ فينا؟!.
|
||||
08 - 06 - 2016, 04:57 PM | رقم المشاركة : ( 12983 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
البشارة – المطران يروثيوس فلاخوس
عيد بشارة العذراء مريم هو عيد للسيد ولوالدة الإله. إنه عيد للسيد لأن المسيح هو مَن حُبل به في رحم العذراء وهو عيد لوالدة الإله لأنه يشير إلى الشخص الذي ساعد في حمل كلمة الله وتجسده أي مريم العذراء الكلية القداسة. لمريم والدة الإله قَدر عظيم وموقع مهم في الكنيسة، وذلك بالضبط لأنها كانت الشخص الذي انتظرته كل الأجيال ولأنها أعطت الطبيعة البشرية لكلمة الله. وهكذا يرتبط شخص والدة الإله عن كثب بشخص المسيح. إلى هذا، قَدْر العذراء مريم لا يعود لفضائلها وحده بل أيضاً لثمرة بطنها بشكل أساسي. لهذا السبب، الدراسة اللاهوتية حول والدة الإله (Theotokology) مرتبط جداً بالدراسة اللاهوتية لشخص المسيح (Christology). عندما نتحدّث عن المسيح لا نستطيع إهمال التي أعطته الجسد. وعندما نتحدّث عن العذراء مريم نشير بنفس الوقت إلى المسيح لأن منه تستدرّ النعمة والقَدْر. هذا يظهر بوضوح في خدمة المديح حيث تُمتَدَح والدة الإله ولكن دوماً في توافق مع حقيقة أنها والدة المسيح “إفرحي يا تاجاً للملك. إفرحي يا حاملة حامل كل الخليقة”. يظهر هذا الارتباط بين الخريستولوجيا والثيوتوكولوجيا في حياة القديسين أيضاً. إن محبة العذراء مريم هي صفة مميزة للقديسين أعضاء جسد المسيح الحقيقيين. من المستحيل أن يصبح قديساً مَن لا يحبها. بشارة والدة الإله هي بداية كل الأعياد السيدية. في طروبارية العيد ننشد: “اليوم رأس خلاصنا وظهور السر الذي قبل الدهور…” تشير فحوى العيد إلى رئيس الملائكة، وهو الملاك المولَج بكل الأحداث المتعلّقة بتجسّد المسيح، يزور العذراء مريم، بأمر من الله، مخبراً إياها بأنّ أوان تجسّد كلمة الله قد آن، وأنها سوف تكون أمّه (أنظر لوقا 26:1-56). تتألّف كلمة البشارة (باليونانية) من كلمتين، الحَسَن والرسالة وهي تعني الرسالة الحسنة أو الإعلان الحَسَن. هذا يشير إلى الإعلام الذي أُعطي برئيس الملائكة بأن كلمة الله سوف يتجسّد لخلاص البشر. جوهرياً، هذا هو إتمام وعد الله الذي أُعطي عند سقوط آدم وحواء (أنظر تكوين 15:3)، والمسمّى بالإنجيل الأول (proto-evangelion). لهذا السبب إعلان تجسد كلمة الله هو أعظم بلاغ في التاريخ. بحسب القديس مكسيموس المعترف، إنجيل الله هو شفاعة الله وتعزية البشر من خلال ابنه المتجسّد. في الوقت نفسه، إنّه مصالحة البشر مع الآب الذي يمنح التألّه (Theosis) غير المولود كمكافأة للذين يطيعون المسيح. يسمّى التألّه غير مولود لأنه ليس مولوداً في الذين يستحقونه بل بالأحرى هو معلَن لهم. بالتالي، التألّه الممنوح من خلال المسيح المتجسّد ليس ولادة بل هو كشف شخصي (enhypostatic) عن الاستنارة للذين يستحقون هذا الكشف. الإعلان الحَسَن، الإنجيل، أو البشارة هو تصحيح للأحداث التي جرَت عند بداية خلق الإنسان في فردوس عدن الحسي. هناك بدأ السقوط ونتائجه من امرأة وهنا من امرأة تبدأ كل الأمور الحسنة. وهكذا، العذراء مريم هي حواء الجديدة. هناك كان الفردوس حسياً، وهنا الكنيسة. هناك آدم وهنا المسيح. هناك حواء وهنا مريم. هناك الحيّة وهنا جبرائيل. هناك وشوشة الحية لحواء وهنا سلام الملاك لمريم. بهذه الطريقة تُصحّح خطيئة آدم وحواء. رئيس الملائكة نادى العذراء مريم بالممتلئة نعمة قائلاً: “افرحي يا ممتلئة نعمة. الرب معك. مباركة أنتِ في النساء” (لوقا 28:1-29). تُدعى مريم ممتلئة نعمة وتُوصَف بالمباركة لأن الله معها. بحسب القديس غريغوريوس بالاماس وغيره من الآباء، لقد كانت العذراء مريم ممتلئة نعمة من قبل البشارة وليس أنها امتلأت نعمة في هذا اليوم. كونها قد بقيت في قدس أقداس الهيكل فقد بلغت قدس أقداس الحياة الروحية أي التألّه. إذا كان فناء الكنيسة مؤسَّساً للموعوظين والهيكل للكهنة، فإن قدس الأقداس مخصص لرئيس الكهنة. هناك دخلت مريم العذراء، ما يرمز إلى أنها بلغت التأله. معروف أن في الزمن المسيحي، صحن الكنيسة كان مخصصاً للموعوظين والدنسين، الكنيسة للمستنيرين أي أعضاء الكنيسة، وقدس الأقداس أو الهيكل للذين بلغوا التألّه. وهكذا، بلغت العذراء مريم التأله حتى قبل استقبالها رئيس الملائكة. وكما يفسّر القديس غريغوريوس بالاماس بطريقة رائعة وملهّمة من الله، فإن مريم استعملت طريقة خاصة لمعرفة الله والشركة معه نحو إذ كان هدفها التألّه. هذا يشير إلى السكون أي الطريقة الهدوئية. لقد عرفت العذراء مريم أن لا أحد يستطيع فهم الله بالعقل والحواس والخيال أو المجد البشري. هكذا أماتت كل قوى النفس التي تأتي من الحواس، ومن خلال الصلاة النوسية فعّلت العقل. بهذه الطريقة بلغَت الاستنارة والتألّه. ولهذا السبب أُعطيت أن تكون والدة المسيح وأن تعطي جسدها للمسيح. هي لم تملك مجرد فضائل بل نعمة الله المؤلِّهة. لقد حازَت العذراء مريم ملء نعمة الله بالمقارنة مع غيرها من الناس. بالطبع، المسيح، ككلمة الله، حاز كامل النعَم، وقد اكتسبَت العذراء مريم ملء النعمة من كامل ملء نعَم ولدها. لهذا السبب، هي دون المسيح بالمقارنة معه، لأن المسيح حائز على النعمة بالطبيعة، بينما مريم حائزة عليها بالمشاركة. بالمقارنة مع المؤمنين، إنها أعلى منهم. لقد اكتسبَت العذراء مريم ملء النعمة من كامل ملء نعَم ولدها قبل الحَبَل وفي الحَبَل وبعد الحبل. قبل الحبل، ملء النعمة كان كاملاً، وفي الحبَل ازداد كمالاً، وبعد الحَبَل صار أكثر كمالاً (القديس نقوديموس الأثوسي). هكذا كانت العذراء مريم عذراءَ في الجسد وعذراءَ في النفس. وهذه العذرية الجسدية عندها هي أرفع وأكثر كمالاً من عذرية نفوس القديسين التي تتحقق بقوة الروح القدس. ليس من إنسان مولوداً متحرراً من الخطيئة الأصلية. لقد ورث الجنس البشري سقوط آدم وحواء ونتائج هذا السقوط. كلمة الرسول بولس واضحة: “الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله” (روما 23:3). يبرِز هذا المقطع الرسولي أن الخطيئة هي الحرمان من مجد الله وبالتالي ما من أحد متحرر منها. وهكذا، وُلدت العذراء مريم بالخطيئة الأصلية. لكن متى تحرّرت منها؟ ينبغي بالجواب على هذا السؤال إلاّ يُبنى على وجهات النظر السكولاستيكية. في البداية يجب أن نذكر أن الخطيئة الأصلية هي الحرمان من مجد الله والتغرّب عنه وفقدان الشركة معه. ولهذا الأمر مفاعيل حسّية لأن الفساد والموت دخلا إلى جسدي آدم وحواء. في التقليد الأرثوذكسي، لا يعني الكلام عن ميراث الخطيئة الأصلية ميراث الشعور بالذنب لهذه الخطيئة، بل بالدرجة الأولى يعني ميراث نتيجتيها أي الفساد والموت. تماماً كما تمرض أغصان النباتات وأوراقها عندما يموت جذرها، هكذا حدث مع سقوط آدم. كل الجنس البشري صار مريضاً. الفساد والموت اللذان ورثهما الإنسان هما المناخ المفضّل للأهواء وبهذه الطريقة صار فكر الإنسان معتماً. لهذا السبب بالتحديد ساعد اتّخاذ المسيح هذا الجسد المائت والمتألّم من خلال تجسده على تصحيح نتائج سقطة آدم. لقد كان هناك تألّه في العهد القديم، كما كان هناك استنارة للفكر، لكن الموت لم يكن قد أبيد بعد. لهذا السبب ذهب كل الأنبياء معايني الله إلى الجحيم. بتجسّد المسيح وقيامته، تألهت الطبيعة البشرية وهكذا أُعطيَت لكل إنسان إمكانية التألّه. ففي المعمودية المقدّسة نصبح أعضاء جسد المسيح المؤلّه والقائم من بين الأموات، لهذا السبب نقول أنّ بالمعمودية المقدسة يتحرّر الإنسان من الخطيئة الأصلية. عندما نطبّق هذه الأمور على حالة العذراء مريم يمكننا أن نفهم علاقتها بالخطيئة الأصلية وتحررها منها. وُلدت العذراء مريم بالخطيئة الأصلية وورثت في جسدها كل نتائج الفساد والموت. بدخولها إلى قدس الأقداس بلغت التألّه. هذا التألّه لم يكن كافياً ليحررها من نتائج السقوط وهذا بالضبط لأن الطبيعة الإلهية لم تكن قد اتّحدت بعد مع الطبيعة البشرية في أقنوم الكلمة. وهكذا، عند لحظة اتّحاد الطبيعتين الإلهية والبشرية في رحمها بقوة الروح القدس، تذوّقت التحرر من الخطيئة الأصلية ونتائجها. إلى هذا، فالسقوط تمّ في اللحظة التي فيها فشل آدم وحواء في جهادهم الشخصي الحر. ولهذا السبب، في لحظة البشارة، بلغت العذراء مريم حالةً أعظمَ من تلك التي كان عليها آدم وحواء قبل السقوط. لقد أُعطيَت أن تتذوّق غاية الخليقة وهدفها، كما سوف نرى في التحليل الآخر. لهذا السبب، لم يكن من داعٍ للعنصرة لدى العذراء كما لم يكن من ضرورة لمعموديتها. ما اختبره الرسل في يوم العنصرة عندما أصبحوا أعضاء جسد المسيح بالروح القدس، وما يحدث لنا جميعاً خلال سر المعمودية، حدث للعذراء مريم قبل يوم العنصرة. لقد تحررت من الخطيئة الأصلية ليس بمعنى أنّها تخلّصت من الذنب بل قد بلغت التألّه بنفسها وتجسّدها بسبب اتحادها بالمسيح. في هذه الأطر ينبغي تفسير كلام القديس يوحنا الدمشقي بأن العذراء مريم في يوم البشارة تلقّت الروح القدس الذي طهّرها وأعطاها قوة تقبّل ألوهية الكلمة مع قوة الولادة في وقت واحد. أي أن العذراء مريم تلقّت من الروح القدس نعمة مطهِّرة ولكن أيضاً نعمة لتتقبل كلمة الله كإنسان وتكون قادرة على ولادته. إن رد العذراء مريم على إعلام رئيس الملائكة لها بأنها سوف تُعطى أن تلد المسيح كان معبِّراً: “هئنذا أمة للرب. ليكن لي بحسب قولك” (لوقا 38:1). هنا تظهر طاعة العذراء مريم لقول رئيس الملائكة وأيضاً طاعتها لله أمام حدث غريب وشاذ بحسب المنطق البشري. هكذا أخضعت منطقها لإرادة الله. يدّعي البعض بأنه في تلك اللحظة كل أبرار العهد القديم، لا بل كل البشرية، انتظرت بقلق لتسمع جواب العذراء مريم، خوفاً من أن ترفض وألا تطيع إرادة الله. إنهم يتمسّكون بهذا لأن في كل مرة يقع الإنسان في هكذا مأزق، وبالضبط لأنه حر، يستطيع أن يقول نعم أو لا، كما حدث في حالة آدم وحواء، الشيء نفسه كان ممكناً حدوثه مع العذراء مريم. في أي حال، لم يكن ممكناً لها أن ترفض، ليس لأنها كانت بلا حرية بل لأن كان عندها الحرية الحقيقية. يميّز القديس يوحنا الدمشقي بين الإرادة الطبيعية والإرادة العنيدة. يتشبث المرء بإرادته عندما يتميّز بجهله لأمر ما، بالشك وفي النهاية بعجزه عن الاختيار. هذا يشير إلى التردد حول ما يفعله. يكون المرء ذا إرادة طبيعية عندما ينقاد بطريقة طبيعية من دون تردد ولا جهل إلى تحقيق الحق. وهكذا يبدو أن الإرادة الطبيعية مرتبطة بالرغبة، بينما العناد مرتبط بكيفية ما نريد، وفوق هذا أن يتحقق ما نريد إنما بشكوك وتردد. بالنتيجة، تتضمن الإرادة الطبيعية كمال الطبيعة بينما الإرادة العنيدة تتضمن نقص الطبيعة، لأنها تفترض مسبقاً شخصاً من دون معرفة للحق وغير واثق مما عليه أن يقرره. ومع أن للمسيح إرادتان بسبب طبيعتيه الإلهية والبشرية، إلا إن له إرادة طبيعية من وجهة النظر التي ندرسها هنا. لم يكن لديه إرادة معاندة. كإله، هو دائماً يعرف إرادة الله الآب، وليس فيه أي تردد أو شك. يختبر القديسون هذا الأمر بالنعمة أيضاً، وخاصةً العذراء مريم. فلأنها بلغت التألّه كان من المستحيل أن ترفض إرادة الله وألاّ تقبل بالتجسد. لقد كان عندها الحرية الكاملة ولهذا فقد عملت حريتها دوماً طبيعياً وليس بخلاف الطبيعة. نحن عندنا حرية غير كاملة لأننا لم نبلغ التألّه، إرادتنا العنيدة، ولهذا نحن نتردد في ما نقوم به. سؤالها “كيف لي هذا وأنا لم أعرف رجلاً؟” (لوقا 34:1)، يُظهر الاتضاع وضعف الطبيعة البشرية، لكنّه أيضاً ُظهر غرابة الأمر إذ قد كان في العهد القديم ولادات عجائبية ولكن ليس من دون زرع. لقد تمّ في يوم البشارة حمل مباشر بالمسيح بقوة وفِعل الروح القدس. في إحدى الثيوطوكيات ننشد: “إن جبرائيل لمّا تفوّه نحوك أيتها العذراء بالسلام، تجسّد الرب فيكِ”. هذا يعني أن الحمل لم يحتَج لساعات وأيام لكنه حدث بالضبط في تلك اللحظة. رئيس الملائكة جبرائيل أخبر يوسف خطيب والدة الإله: “لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك لأن الذي حُبل به فيها هو من الروح القدس” (متى 20:1). لقد ولدت العذراء مريم المسيح كإنسان لكن الحبل به كان من الروح القدس. في تفسيره لهذه الآية، وتحديداً عبارة “مولود من الروح القدس”، يقول القديس باسيليوس الكبير أن كل شيء صادر عن شيء غيره يُدَلّ عليه بكلمات ثلاث. الأولى هي “بالخلق”، أي كما خلق الله العالم بقوته. الثانية هي “بالولادة” أي كما وُلد الابن من الآب قبل الدهور. الثالثة هي “طبيعياً” تماماً كما تصدر القوة من كل طبيعة، أي الإشراق من الشمس، وبشكل أكثر تعميماً العمل من فاعله. في ما يتعلّق بالحبل بالمسيح بالروح القدس، فالتعبير الصحيح هو أنه حُبل بالمسيح بقوة الروح القدس بالخلق وليس بالولادة ولا طبيعياً. يعلّم القديس يوحنا الدمشقي أن ابن الله وكلمته ضمّ إلى نفسه، بدماء والدته النقية والطاهرة، الجسد الحي إلى نفس عقلية ونوسية، ليست من زرع بل مخلوقة بالروح القدس. بالطبع، عندما نتحدّث عن الحبل بالمسيح في رحم والدة الإله بقوة الروح القدس وفعله المُبدِع يجب ألاّ نفصل الروح القدس عن الثالوث القدوس. معلوم من التعليم الآبائي أن قوة الإله الثالوثي مشتركة. خلق العالم وإعادة خلق الإنسان والعالم تمّت وتتم بقوة الإله الثالوثي المشتركة. بالتالي، لم يخلق الروح القدس جسد المسيح وحده بل الآب أيضاً والابن، أي كل الثالوث القدوس. التعبير عن هذه الحقيقة هو أن الآب أيّد تجسد ابنه، وابن الله وكلمته بذاته اجترح تجسده والروح القدس أنجزه. لقد تم الحبل بالمسيح في رحم مريم بصمت وسريّة وليس بجلبة وضجيج. لم يكن أحد لا من الناس ولا الملائكة ليفهم هذه الأمور العظيمة التي كانت تجري. لقد تنبأ النبي العظيم داود بهذا الحدث قائلاً: “ينزل مثل المطر على الجزاز ومثل الغيوث الذارفة على الأرض” (مزمور 6:71). تماماً كما أن المطر الذي ينحدر على الجزة لا يسبب أي صوت أو أي فساد، الشيء نفسه تمّ خلال البشارة والحبَل. لم يسبب المسيح بالحبل به أي تشويش أو فساد لعذرية العذراء مريم. لهذا السبب بقيت العذراء مريم عذراء قبل الولادة وفي الولادة وبعدها. هذه هي النجمات الثلاث التي يضعها رسّامو الأيقونات دائماً على جبين العذراء مريم وعلى كتفيها. إن اتحاد الطبيعة الإلهية والبشرية في أقنوم الكلمة، في رحم العذراء، يشمل تألّه الطبيعة البشرية المباشَر. هذا يعني أنه منذ اللحظة الأولى، عندما اتحد الإلهي يالطبيعة البشرية، بدأ تألّهها. قول القديس يوحنا الدمشقي مميز: “في لحظة البشارة، في تلك اللحظة تجسّد الله الكلمة”. هذا يعني أنه لم يكن هناك فارق زمني بين الحمل بالطبيعة البشرية وتألّهها، بل هذا تمّ فوراً عند الحمل. نتيجة لهذا الحَدَث ينبغي تسمية العذراء مريم والدة الإله لأنها بالفعل ولدت الإله الذي حملته لتسعة أشهر في رحمها، وليس إنساناً حاملاً نعمة الله. لهذا السبب تُسمّى العذراء مريم والدة الله، وبالتحديد لأنها حملت المسيح بالروح القدس. ينبغي التشديد على هذا لأن في الماضي جرت مشادة لاهوتية كبيرة حول ما إذا كان ينبغي تسمية العذراء مريم والدة الإله أو والدة المسيح. للمناقشة الخريستولوجة نتيجة في المناقشة المريمية (theotokological). فالمناقشة اللاهوتية الكبيرة التي جرت في الماضي سببها وجود تعاليم هرطوقية. إلى هذا، إن التثبيت النهائي للتعليم القائل بأن العذراء مريم ولدت الإله، وأنه مباشرة مع اتّخاذ الطبيعة البشرية كان تألّه هذه الطبيعة، تمّ في المجمع المسكوني الثالث. الهرطوقي نسطوريوس، مستعملاً عبارات فلسفية ومتأمّلاً بشرياً قال بأن العذراء مريم هي من البشر ولهذا يستحيل أن تلد الإله. الطفل الذي كان في داخلها لم يكن إلهاً بل بشرياً. الإله فقط “مرّ عبرها” أو “عبر” من خلال والدة الإله. بالطبع، كان هناك مشكلة في لاهوته حول العلاقة بين طبيعتي المسيح. لقد آمن نسطوريوس بأن جسد المسيح كان ضمنياً متّحداً بطبيعة الله. الكلمة لم يكن الإله، بل كان متحداً بالإنسان وسكن فيه. وعلى أساس هذه الافتراضات سمّى العذراء مريم والدة المسيح وليس والدة الإله. في أي حال، فالمسيح هو إله-إنسان، إله كامل وإنسان كامل، وكل طبيعة تصرفت “في شركة” في أقنوم الكلمة. سوف نتطرّق إلى هذا الموضوع عندما نتحدّث عن ولادة المسيح. مع أن هنا يجب أن نشدد على أن الطبيعة البشرية تألّهت مباشرة مع اتحادها بالطبيعة الإلهية في الكلمة في رحم والدة الإله. لهذا السبب سُميت العذراء مريم والدة الإله لأنها ولدت الإله بشرياً. إن تأله الطبيعة البشرية المباشَر بالطبيعة الإلهية للكلمة لا يعني أن صفات الطبيعة البشرية أُلغيَت. هذا يُظهر أن التكوّن والحمل في الرحم وأيضاً ولادة المسيح تمّت كلّها بالطبيعة وفوق الطبيعة. فوق الطبيعة لأنها الروح الكلي قدسه أتمّها بشكل خلاّق وليس بالزرع طبيعياً، لأن الحمل في الرحم تمّ بالطريقة التي يُحمل فيها الأطفال بالرحم. في أي حال، هناك نقطة نبغي التشديد عليها. في كل حمل هناك مراحل إلى أن تتم الولادة. التكوّن هو البداية، ثم بعد بعض الوقت تُرسَم أعضاء الجسد، من ثمّ شيئاً فشيئاً تنمو وبحسب درجة نموه تأتي الحركة. بالنهاية، عندما تكتمل يخرج من رحم أمه. أمّا في الطفل الإلهي فعندنا ازدياد شيئاً فشيئاً ومع ذلك لم يكن هناك فترة زمنية بين التكوّن ورسم الأعضاء. يقول باسيليوس الكبير: “مباشرة ما تكوّن كان كاملاً في الجسد، لم يتكوّن الشكل تدريجياً”. علينا أن ننظر إلى هذا من وجهة نظر أن أعضاء جسده رُسمَت مباشرة فقد خُلق إنساناً تاماً ولكن برغم ذلك لم يوجد في صيغة الأشهر التسعة. لقد تمّا تدريجياً مع أن جسده كان مشكَّلاً منذ البداية. إن الحمل بالمسيح تمّ في رحم والدة الإله بالروح القدس بطريقة مبدعة وليس بالزرع، لأنه كان ينبغي بالمسيح أن يأخذ طبيعة آدم النقية التي كانت له قبل السقوط. بالطبع، تبنّى المسيح جسداً متيسّراً وقابلاً للموت، كالذي صار لآدم بعد السقوط، لكي يغلب الفساد والموت، لكنه في كل الأحوال نقياً تماماً وبلا عيب كما كان قبل السقوط. وهكذا، كان جسد المسيح من جهة الطهارة كما كان جسد آدم قبل السقوط، بينما من جهة قابلية الموت والفساد فهو كما كان جسد آدم الساقط. بالنتيجة لقد تمّ الحمل بالروح القدس لأن الطريقة التي يولَد بها الإنسان اليوم، أي بالزرع، هي بعد السقوط. بحسب القديس غريغوريوس بالاماس، حركة الجسد نحو الولادة ليست متحررة من الخطيئة، لأنه فيما الله قد حدد العقل ليحكم الإنسان، فهو تصرّف بلا خضوع خلال حركة الجسد. وهكذا، فإن طبيعة المسيح النقية مرتبطة بالخَلق وليس بالحمل من خلال الزرع. هذا الحدث بالتحديد مرتبط بشدة بحقيقة أن الحمل بالمسيح وحمله في الرحم وولادته هي كلها بلا جهد ولا ألم ولا لذة. إذاً المسيح حُبل به، وحُمل في الرحم كطفل ووُلد من دون لذة، من دون كدح ومن دون ألم. لقد حُبل به من غير زرع لسببين أساسيين. الأول ليحمل طبيعة البشر الصافية، والثاني ليولد من دون فساد وبطريقة لا ألم فيها. بنفس الطريقة التي ولدت العذراء مريم بيسوع من دون لذة، كذلك حفظته في رحمها طوال تسعة أشهر من دون جهد ولا وزن. لم تحس بوزن بالرغم من أن الطفل الإلهي كان ينمو بشكل طبيعي وله وزن الجنين. وهكذا تحققت نبوءة النبي أشعياء: “هوذا الرب راكب على سحابة سريعة” (أشعياء 1:19). عبارة “سحابة سريعة” تعني الجسد البشري الذي كان خفيفاً لدرجة أنه لم يسبب أي وزن أو جهد للعذراء مريم خلال فترة حمله لتسعة أشهر في رحمها. إن حمل العذراء مريم بلا زرع ولا لذة والحمل في الرحم من دون جهد شبيه بميلاد المسيح الخالي من الخطأ والألم. بحسب القديس غريغوريوس النيصي، يوجد علاقة قوية بين اللذة والألم، لأن كل لذة ترتبط بألم ما. اللذة والألم اللذين أحس بهما آدم انتقلا إلى الجنس البشري. وهكذا أيضاً اليوم من خلال التحرر من اللذة يأتي الفرح للجنس البشري. إن ميلاد المسيح لم يؤذِ عذرية والدة الإله، بالضبط لأن الحمل لم يتم بلذة، والحمل في الرحم لم يتم مع جهد ووزن. حيث يعمل الروح القدس “يُغلَب نظام الطبيعة”. إن طول فترة الحمل في رحم العذراء مريم هي إنذار مسبَق للشركة غير المنقطعة التي للقديسين في الملكوت. معروف أن بين الأم والطفل الذي تحمله في رحمها علاقة عضوية. لقد برهن الباحثون المعاصرون أن الطفل يتأثر كثيراً ليس فقط بوضع أمه الجسدي، بل أيضاً ببنيتها النفسية. وبما أن الطفل الإلهي قد حبِل به بالروح القدس لكنه نما بطريقة طبيعية فهو كان في شركة مع جسد العذراء مريم، ولهذا السبب يوجد علاقة حميمة بين المسيح ووالدة الإله. طبيعياً، نرى من وجهة النظر هذه أن العذراء مريم تعطي دمها للمسيح، لكنه هو أيضاً يعطيها نعمته وبركته. إلى هذا، فالمسيح مع كونه محمولاً في الرحم لم ينقطع عن كونه في الوقت نفسه جالساً على عرش الآب متحداً بأبيه وبالروح القدس. لقد اتحدت الطبيعة البشرية بالإلهية تلقائياً عند لحظة الحمل من دون تغير أو تشوش أو انقسام أو انفصال. هذا يعني قبل كل شيء أن العذراء مريم تذوقت خيرات التجسد الإلهي أي التأله. لقد عاشت العذراء مريم، منذ اللحظة الأولى للحمل ووجود الجنين في الرحم، كلَّ ما تذوقه تلاميذ المسيح في العنصرة، وما نحياه نحن خلال المعمودية، وفي سر الإفخارستيا الإلهية عند اشتراكنا بجسد المسيح ودمه وما سوف يحياه القديسون في الملكوت. بالنتيجة لقد غذّى المسيح العذراء مريم بدمه المقدس لمدة تسعة أشهر كاملة، ليلاً ونهاراً. إن هذا إعلان مسبَق عن الشركة الإلهية غير المنقطعة والعلاقة المتواصلة بين القديسين والمسيح والتي سوف تتمّ في الحياة الثانية بشكل أساسي. لهذا السبب، العذراء مريم هي إعلان مسبَق عن الزمن الآتي. ومن هذا المنظار هي الفردوس. في كلامه عن بشارة والدة الإله، يتقدم القديس نيقوديموس الأثوسي إلى مقاربة شخصية ووجودية لهذا الحدث. إذ لا يكفينا أن نحتفل بأحداث التجسد الإلهي خارجياً بل علينا مقاربتها وجودياً وروحياً. لهذا السبب لقد جمع الكثير من المقاطع من أقوال القديسين حيث الكلام هو بشكل أساسي ضمن هذه المقاربة الوجودية. إن قول النبي إشعياء مميّز: “حبلنا تلوينا كأنّا ولدنا ريحاً.” (18:26). بحسب تفسير الآباء فإن النسل هو كلمة الله والعقل هو رحم الإنسان وقلبه. بالإيمان يُزرع كلمة الله في قلب الإنسان فيحمَل بخوف الله. هذا الخوف هو من أن يبقى الإنسان بعيداً عن الله. بهذا الخوف يبدأ الجهاد لتطهير القلب وامتلاك الفضائل، وهو جهاد مشابه للألم وخاصةً لألم الحمل. بهذه الطريقة يولَد روح الخلاص الذي هو تألّه وتقديس. إن تكوّن المسيح فينا لا يتمّ من دون آلام روحية. يقول الرسول بولس: “يا أولادي الذين أتمخّض بكم أيضاً إلى أن يتصوّر المسيح فيكم” (غلاطية 19:4). المخاضات هي الجهادات الروحية والتكوّن هو التألّه والتقديس. بحسب الآباء القديسين (غريغوريوس النيصّي، مكسيموس المعترف، سمعان اللاهوتي الحديث، نيكيتا ستيثاتوس وغيرهم) ما حدث جسدياً في العذراء مريم، يحدث روحياً لكل صاحب روح بتولية، أي المتطهّر من الأهواء. المسيح، الذي ولد مرة بالجسد يريد أن يولد، دائماً بالروح، من الذين يبتغونه، وبهذا يصبح طفلاً مكوِّناً نفسه فيهم من خلال الفضائل. يُفهم الحمل والولادة الروحيان من حقيقة توقف جريان الدم، أي أن الرغبات في ارتكاب الخطيئة تتوقف، وتفقد الأهواء نشاطها في الإنسان، فيكره الخطيئة بشكل ثابت ويرغب في عمل إرادة الله. يُكتَسَب هذا الحمل وهذه الولادة بتحقيق الوصايا الإلهية، بشكل أساسي بعودة العقل إلى القلب وبالصلاة الفردية غير المنقطعة. عندها يصبح الإنسان هيكلاً للروح الكلي قدسه. بشارة والدة الإله هي بشارة للجنس البشري، إعلام بأن ابن الله وكلمته تجسّد. إن العيد الكوني يجب أن يساعد على أن يكون عيداً شخصياً، في بشارة شخصية. علينا أن نقبل مقدمة خلاصنا، التي هي أعظم إشعار في حياتنا. المتروبوليت ايروثيوس (فلاخوس) |
||||
08 - 06 - 2016, 04:58 PM | رقم المشاركة : ( 12984 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
السلّم إلى الله
تمّت هيكليّةُ الصوم الكبير (التريودي) في نهاية القرن الرابع عشر. يبتدئ بفترة عقائديّة مع أحد الأرثوذكسيّة وأحد القدّيس غريغوريوس بالاماس، وينتهي بفترةٍ نسكيّةٍ (روحيّة) مع القدّيس يوحنّا السلّميّ وأحد القدّيسة مريم المصريّة. يتوسّطهما أحد الصليب. إنّ قراءة السلّم إلى الله، أي كتاب سلّم الفضائل للقدّيس يوحنّا السلّميّ، هي أهمّ القراءات الآبائيّة خلال الصوم الكبير. نرتّل في الأحد الرابع من الصوم “يا يوحنّا، سلّمَ الفضائل، لقد تلألأتَ لامعاً بالفضائل، ونصبت سلّماً وارتقيت بها إلى السماوات، وعُدتَ إلى عمق المناظر الإلهيّة الذي لا يُحدّ بحسن عبادة، وفضحتَ مكامن الشياطين بأسرها. فأنتَ تستر البشر مِن مضرّاتِهم، وتتشفع الآن في خلاص نفوسنا”. هو يُمثِّلُ أيقونةَ الإمساك والنُّسك. يُرتَّل له في “الاكسابستلاري” في الأحد الرابع: “أيّها الأب البارّ، لقد انعطفتَ عن التنعُّمِ الدُّنيويّ بما أنّه ممقوتٌ، وأذْبَلْتَ الجسدَ بالإمساك، فجدّدتَ قوّةَ النفس واستغنيتَ بالمجد السماويّ. لذلك يا يوحنّا الدائم الذكر، لا تَكُفَّ متشفعاً من أجلنا”. * * * نورد هنا بمناسبة عيد السلّميّ مقاطع مختارة مميّزةً مِن كتابه: *الراهب: “من هو يا ترى الراهب الأمين الحكيم؟ هو من يحفظ غيرته متّقدةً إلى النهاية، ولا يزال حتّى الممات يزيد كلّ يوم على ناره ناراً وعلى اضطرامه اضطراماً وعلى شوقه شوقاً وعلى همّته ونشاطه نشاطاً دون انقطاع” (السلّم 1: 27). * الصلاة: “الصلاة في كُنهِها هي عِشْرة الإنسان مع الله والاتّحاد به تعالى. أمّا في فعلها فهي دعم الكون، ومصالحة الله، وأمّ الدموع……سورٌ في وجه الأحزان… غذاء النفس واستنارة العقل، علامة الرجاء، ومرآةٌ لتقدُّمِنا.. الصلاة هي للمصلّي الحقيقي محكمةُ الرّبِّ ومنبرُه وحُكْمُه قبل الحكم المنتظَر” (السلّم 28: 1). * الأهواء: “لم يُبدعِ الله الشرّ ولم يُسبِّبْه، وقد ضلّ الذين زعموا أنّ في النفس أهواءَ شرّيرة، وخَفِيَ عليهم أنّنا نحن الذين حوّلْنا خواصَّ طبيعتنا إلى أهواء. فإنّ قدرة إنجاب الأولاد، مثلاً، هي فينا بالطبيعة، ولكنّنا حوّلْناها إلى الزنى. فينا الغضب بالطبع، وذلك لكي نغضب على الشيطان، فوجَّهْناه نحن ضدّ القريب. فينا الغيرةُ لِنَتنافسَ في الفضيلة، فتنافَسْنا في الشّرّ….. نِلْنا شهوةَ الطعام، ولكن ليس للشراهة”. (السلّم 26: 156). *صلاة يسوع:”أيّها الربّ يسوع المسيح ارحمني أنا الخاطئ”. “لِيلتصِقْ ذكرُ يسوع بنفسك فتعرف حينذاك منفعة الهدوء” (السلّم 27: 61). * “اجلدْ محاربيك باسم الربّ يسوع، فإنّه ليس من سلاح أقوى من هذا السلاح، لا في السماء ولا على الأرض” (السلّم 21: 7). * الهدوء: “أقول الهدوء إبعاد الضوضاء، لأنّها تُعكِّرُ قعرَ النفس. أمّا كمالُه فعدم خشية الضوضاء، بل عدم التأثُّرِ بها أو الالتفاتُ إليها… الهادئ لا يتحرّك إلى التكلُّمِ ولا إلى الغضب إلاّ بصعوبة. (السلّم 27: 5). الهدوء صخرةٌ جاثيةٌ على شاطئ بحر الغضب (أي لا يتأثّرُ بأمواجِ البحر، بل يصمد أمامها كالصخرة). هذه كلّها ربّما تشجِّعُكَ، أيّها الاِبنُ الحبيب، على مطالعة كتاب “السلّم إلى الله”. اطلُبْهُ من المطرانيّة أو من المكتبات الدينيّة. +أفرام مطران طرابلس والكورة وتوابعهما |
||||
08 - 06 - 2016, 05:00 PM | رقم المشاركة : ( 12985 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الصوم والزمان الحاضر
“هذه الأشياء هزّت عقول الشعب العادي لأشهُر كثيرة، في حين كانت المخاوف الأولى ما تزال على حالها والطاعون لم يكن قد تراجع. لكن علي ألا أنسى أن الغالبية الساحقة من السكان تصرفوا بطريقة أخرى. الدولة شجعت تقواهم، وحددت الصلوات العامّة وأيام الصوم والانكسار، والاعتراف العلني بالخطيئة وتوسّل رحمة الله لردّ الحكم الرهيب المسلّط على رؤوسهم؛ والحماس الذي به تبنّى الناس المناسبة على اختلاف معتقداتهم؛ كيف زحفوا جماعات إلى الكنائس والاجتماعات وضاقت بهم حتّى الكنائس الكبيرة التي وصلوا إلى خارج أبوابها. كانت الصلوات تُقام يومياً صباحاً ومساءاً في الكثير من الكنائس، وفي النهارات كانت الصلوات الشخصية؛ وكان الناس يحضرونها كلها بتقوى غير معهودة. الكثير من العائلات حفظت الصوم العائلي… بكلمة، هؤلاء الناس الذين كانوا جديين ومتدينين التزموا بطريقة مسيحية فعلاً عمل التوبة والاتضاع، كما ينبغي أن يكون الشعب المسيحي”. الفقرة أعلاه ليست وصفاً تاريخياً لإحدى الكوارث الرهيبة التي كانت تعصف بانتظام بالقسطنطينية الأرثوذكسية في الحقبة البيزنطية؛ ولا هي من سجل أحداث روسي من العصور الوسطى حول كارثة أصابت موسكو أو إحدى المدن الروسية القديمة في تلك الفترة. على العكس، هذا الاقتباس مأخوذ من قصة “يوميات سنة الطاعون” لدانيال ديفو، كاتب روبنسون كروزو. تاريخ كتابة الفقرة أعلاه هو سنة 1722 عن الانتشار الواسع للطاعون الدبلي الي جرى سنة 1665. من المهم الإشارة هنا إلى أن ديفو لم يكن أرثوذكسياً ولا كاثوليكياً، بل كان بروتستانتياً معارضاً؛ وفي الوقت نفسه، الغالبية الساحقة من الإنكليز الذين عانوا من هذا الطاعون لم يكونوا أرثوذكسيين ولا كاثوليكيين بل أنكليكانيين. بغض النظر عن كل آثار الإصلاح البروتستانتي في أوروبا الغربية ما زال ظاهراً بوضوح وجود التقوى، الصوم والصلاة والتوبة، التي تشبه ما عند الأرثوذكس اليوم. ليس الهدف من عرض هذا المقطع تقديم درس في تاريخ الحضارة الغربية، بالرغم من وجوده، بل بالأحرى برهان وجود تقوى تتضمن الصلاة والصوم في الأوساط البروتستانتية إلى عصور قريبة. مع أن هذا يشير في الوقت عينه إلى أن هذه التقوى تناقصت حتى أنها، كتقوى ناشطة، اندثرت مؤخراً بتأثير من العلمانية. فعلى مستوى المجتمع، يمكن القول أن هذه التقوى انطفأت وهذا ما يمكن أن نعاينه سواء بالزيارة أو من التلفزيون أو الإنترنت أو الشبكات الاجتماعية. وقد نبدو سذّجاً إذا افترضنا أن هذا التأثير الاجتماعي لم يبلغ إلينا بشكل عميق، حتى لو افترضنا أننا نسلك في أوساط أرثوذكسية صافية. من السهل أن نشعر بأننا سمكة صغيرة تسبح بعكس التيار في المحيط الكبير (الواقع أن هذا ينطبق على الملتزمين مسيحياً في كل مكان: المترجم) مع دخول الصوم، أحد أهم الأسئلة هو: كيف نصوم فيما الأمر يبدو مستحيلاً في ظروف حياة المؤمن الحالية: إذا كان تلميذاً في المدرسة، أو موظفاً، أو عضواً في عائلة غير ملتزمة، أو يعاني من السكّري أو من مرض مزمن؟ كيف يمكن الالتزام بقوانين الصوم المتعلّقة بالطعام فيما نسلك حياتنا اليومية؟ النقطة الأولى التي ينبغي حفظها في البال هي أن الصوم يبقى ملزِماً ما لم يكن ذلك مستحيلاً لأسباب صحية. نسمع اليوم كثيرين يتكلّمون عن أنهم بسبب ظروفهم، كالمدرسة والوظيفة، لا يصومون عن بعض المآكل بل أنّ الصوم “الروحي” عن بعض الأهواء كالغضب والشهوة وغيرها كافٍ. بهذا ننسى أنه بالنسبة للآباء الذين نتبعهم نحن في صومنا، الصوم ومحاربة الأهواء يسيران يداً بيد. إذا أردنا فعلاً أن نقضي على أهوائنا علينا أن نمتنع جسدياً عن بعض المآكل. هذه طريقة روحية صحيحة جرى ممارستها واختبارها لألفي سنة في الكنيسة. إنّ تخطي الأهواء والصلاة العميقة هي من ثمارها الأكيدة. إلى هذا، الصوم هو وسيلة بها نقدّم موسماً مقدساً للمسيح تهيئاً لعيد الفصح العظيم الآتي. ثانياً، علينا أن نحدد مع كاهننا وأبينا الروحي كيف نمارس هذا الصوم. في الكثير من الظروف، كالمدرسة والوظيفة، لا يمكننا أن نتحكّم كلياً بما نأكل. مع هذا، يمكننا بمعية الأب الروحي أن نطبّق المبدأ الروحي: كل ما هو باستطاعتنا التخلي عنه هو تقدمة للرب. وهكذا مثلاً، قد لا يجد التلميذ شيئاً يأكله في كافتيريا المدرسة إذا التزم بشروط الصوم بدقّة، وقد لا يكون هذا ممكناً لأكثر من أربعين يوماً، لكن لا بد أنه ممكن الامتناع عن اللحم وأغلب البياض والحلويات الفاخرة والاكتفاء بأشياء بسيطة. هذا مع الحفاظ على إمكانية حمل الطعام الصيامي من البيت. الأصعب هو التحكّم بالأكل في البيت إذا كان المؤمن هو الوحيد الصائم. لا ينبغي إلزام الآخرين على التغيير أو إدانتهم، إذ مع القليل من التسامح من العائلة (حيث هو موجود وحيث الصوم لا يعرّض الصائم إلى شيء من الاضطهاد أو السخرية: المترجم) قد يبقى الصوم ممكناً بالامتناع عن اللحم أو بعض الأشياء الأخرى. المهم أن لا يتحوّل الصوم ضمن العائلة إلى مجال للتباهي وجذب الانتباه أو لتسعير خلافات وجدالات لا حاجة لها ولا ترضي الله. تلافي المواقف الدفاعية من جهة الصائم وقبول أن ما يقوم به الآخرون يختلف عن ما نقوم به نحن يبقي على مساحة للمؤمن ليصوم ضمن العائلة. أخيراً، الأوضاع الصحية تؤثّر على القدرة على الصوم. بتوجيه الأب الروحي ينبغي الانتباه. علينا أن نقوم بالجهد الذي تتطلبه الفترة الصيامية وألا نبحث عن أعذار تبرر امتناعنا عن التضحية التي هي جزء أساسي من الصوم. في هذا، التوازن الدقيق والتمييز مطلوبان حتّى لا نصل إلى الطرف الآخر الذي هو استهتار أحمق. أفضل قانون هو سلوك الطريق المَلَكية: تلافي التطرف، الكسل وتبرير الذات من جهة، والحرفية وجلد الذات من جهة أخرى. بالصوم اللائق والجهد الذي يتضمنه نهيء ذواتنا للقاء المسيح القائم. علينا أن نكون جديين في ذلك ونتعاطى مع قوانين الصوم التي وضعتها الكنيسة على أنها المثال. ينبغي الحفاظ على الاعتدال والتوازن بمشورة الأب الروحي ومن خلال الصلاة، لتحديد الطريقة المثلى للصيام. إذا قمنا بذلك، حتّى ولو لم تكن كلّ ظروفنا الخارجية بيدنا، نتمتّع بصوم نافع ونستحق أن نصافح المسيح في الفصح المنير. الأب رافائيل فاراشاك التراث الأرثوذكسي ترجمة الأب أنطوان ملكي |
||||
08 - 06 - 2016, 05:10 PM | رقم المشاركة : ( 12986 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
رسالة الصوم
أحد مرفع الجبن يليه بدء الصيام الأربعينيّ المبارك. فيه نلمس كلمات إلهيّة من خلال القراءات والأناشيد والمزامير. ألفتُ نظركم إلى المقاطع المعروفة بالخشوعيّات، (ذيومالا الأبوستيخن واستيشيرات الألحان) الواردة في كتاب الصوم بامتياز كتاب التريودي. نرجو أن يحوز كلّ مؤمن ملتزم هذا الكتاب المتوفّر في كلّ المكتبات الكنسيّة. المسألة في الصوم لا تقتصر على الامتناع عن بعض الأطعمة، مع أهميّة ضبط شهوة البطن. إنّها تذهب إلى أبعد من ذلك، ما يُعرَف بعمليّة التوبة أي الرجوع إلى الله، ونحن بعد نتخبّط في خضمّ هذا العالم الفاسد. * * * إنجيل هذا اليوم (متى 6: 14-21) يدعونا أوّلاً إلى أن نستغفر كلّ مَن أحزنّاه، كون الصوم هو صوم الجماعة، هو العودة إلى الله والعودة إلى القريب بصفاء ومحبّة. المقطع الإنجيلي اليوم مأخوذ من عظة المسيح على الجبل. يدعونا مع كلّ التطويبات إلى أن نتمتّع بفرح الربّ. والصوم سبيل إلى الفرح الحقيقيّ “افرحوا بالربّ، وأيضًا أقول لكم افرحوا… الربّ قريب” (فيلبي 4: 4) إنجيل اليوم يذكّرنا أنّ الصيام مرتبط بالشركة مع الآخرين “لا تكنزوا لكم كنوزاً على الأرض”. أعطِ ممّا تملك للمحتاجين. فرصة هي ليشاركنا المحتاج خبزنا ومالنا، فتكون لنا كنوزٌ كوَدائعَ للخلاص، في المدى السماويّ. شارك الآخرين أموالك هذا هو الحيّز العمليّ لجهاد الصوم. ما يذكّرنا بقول الربّ: “إفدِ خطاياكَ بِعَمَلِ الإحسان” (دانيال 4: 24). * * * حاجة المسيحيّ الأُولى، بخاصةٍ في هذه الأيّامِ العصيبةِ والشرّيرة، هي الرّجوع إلى يسوع. نحن في حالة حرب روحيّة. أقوى وأهمّ من الحرب العالميّة. لنكسِرْ أوّلاً شهواتنا بسلاح الصوم وقوّة صلوات الكنيسة، لكي نَلِجَ إلى شوق الله وَنُخمِدَ شوقَ هذه الدنيا. الصوم يضعنا في صراع بين الربّ وعدوّه الشيطان. لنتحالفْ مع الربّ من خلال جهادنا الصياميّ، حتّى نتمتّع بفرح القيامة في زمن الفصح المشتهى. + افرام مطران طرابلس والكورة وتوابعهما |
||||
08 - 06 - 2016, 05:11 PM | رقم المشاركة : ( 12987 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الرُّوحُ الـمَجْمَعِيَّة
“اليومَ نعمةُ الرُّوحِ القُدُسِ جَمَعَتْنَا، وكلُّنا نرفعُ صليبَكَ ونقول: مُبَارَكٌ الآتي بٱسمِ الرَّبِّ، أُوصَنا في الأعالي”. * * * اليوم أودُّ أن أكلِّمَكُم عن “الرُّوح المجمعِيَّة” الَّتي تُمَيِّزُ كنيسَتَنَا الأرثوذكسيَّة لما فيها من أهمِّيَّةٍ على الرّغم من صعوبتها في آنٍ واحِد. يبدأ أعضاء المجمع اجتماعاتهم بصلاة ٱستِدْعَاءِ الرُّوح القدس، ذلك وعيًا منهم لضعفاتهم وللحاجة إلى معونة القوَّة الإلهيَّة. الإنجيلُ يكون مفتوحًا في وسط القاعة خلال أعمال المجمع كلّها، إيقاظًا وتذكيرًا للآباء المجتمعين بضرورة الإستنارة من روحه لأجل كلّ كلمة تصدُرُ من فمهم خلال النِّقاش. “الرُّوح المجمعيَّة” ليست قضيَّة سهلة إذ تقتضي من كلّ عضو أن يتجرَّد من أَنَاهُ ومن المجد الباطِل، لكي يُعَبِّرَ عمَّا ينسجم مع الرُّوح الإنجيليَّة. لا بدَّ له أيضًا أن يتجنَّبَ التَّحَزُّبَ، هذا الَّذي يُجَرِّبُ في كثير من الأحيان رؤساء الكهنة في ٱجتماعهم سويَّة. كَثْرَةُ المعرفة، موقع السُّلْطَة وغيرها… كثيرًا ما تُشَكِّل أيضًا مصدرًا للتَّجربة الكُبْرَى، تجربةُ الأنا الَّتي لا يُقْصِيها إلَّا ذاك الَّذي يُنَزِّهه الله عن أهوائه. لقد سَادَتْ، بمعونة الله خلال الإجتماعات، المحبَّة وكذلك التَّعَقُّل في معالجة كثيرٍ من الأمور الشَّائِكَة. ما ساعَدَ على ذلك تهيئة المواضيع كلّها مُسْبَقًا مع توزيعها ليتدارَسَهَا الحاضِرُون قبل مناقشتها. كلّ أسقف يأتي إلى المجمع حامِلاً معه قضايا رعيَّتِه وشجونها لينقُلَها إلى الإخوة منتَظِرًا منهم الملاحظات والحلول المناسِبَة. بعض الموضوعات بحاجة إلى أخصَّائيِّين يُسْتَدْعَونَ عند الحاجة لكي ينيروا الأساقفة كون هؤلاء لا يحيطون بكلّ المواضيع والتِّقَنِيَّات اللاَّزِمَة. طبعًا، المعرفة لا تكفي لاستِطْلاعِ الأمور وإيجاد الحلول. إنَّ حكمة الأساقفة الآتِيَة من محبَّتِهِم لله وأمانتهم للإيمان القويم تجعلُهُم يعبِّرُون عن “الكلمة” (la parole) الآتِيَة من فوق بإيحاء الرُّوح القُدُس. المجمع معصوم عن الخطأ لا بمجرَّدِ اجتماع الأعضاء بل بداعي قداسة الحاضِرِين. يقول سفر الأعمال: “لأنه قد رأى الروح القدس ونحن …” (أع 15: 28). يبقى أنَّ علاقةَ السَّيِّد البطريرك بالمطارنة يُحَدِّدُها القانون 34 من القوانين الرَّسُوليَّة (وثيقة من القرن الرابع المسيحي) بقوله: “إنَّ الأساقفة عليهم أن يحترِمُوا رئيسَهُم معتَبِرِين إيَّاه كسيِّدِهِم ولا يعمَلُونَ شيئًا دون مشورته، كما على الأوَّل (أي البطريرك) أن لا يقوم بشيء دون مشورة الآخَرِين. هكذا يتمُّ الوفاق ويتمجَّدُ الآب والابن والرُّوح القدس”. يبقى البطريرك رمز الوحدة، ويتحَلَّى بالحكمة حامِلاً شعارَ الأرثوذكسيَّة في كنيسةٍ رسوليَّة تُعَبِّرُ عن كلمة الحقّ. “الرُّوح المجمعِيَّة” تأتي من قلوبٍ طاهِرَة ومن عقولٍ مُسْتَنِيرَة فيها العمق والبساطة معًا. كلُّ واحِدٍ يُقَدِّمُ نفسَه إلى الآخَر بشفافيةِ المسيح وبساطته. نظامٌ صعبٌ تحقيقُه، لكن صالحٌ وحده في كنيسة المسيح كونه لا ينتمي إلى هذا العالم. أفرام، مطران طرابلس والكورة وتوابعهما |
||||
08 - 06 - 2016, 05:14 PM | رقم المشاركة : ( 12988 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الإيمان مسيرة نموّ وامتداد تشدّد الأرثوذكسيّة أيضًا على أنّه لا يوجد خلاص خارج عن الإيمان؛ بمعنى أنّ الخلاص يستند بشكل رئيس إلى الإيمان بيسوع المسيح، وبكلّ عمل الفداء الذي حقّقه لأجلنا، وهذا واضح في العهد الجديد1. لكنّ هذا الخلاص والتجديد والتبرير واقتناء النعمة، لا يمكن أن يتحقّق في لحظة واحدة باعتراف شفويّ بيسوع المسيح أنّه ربّ ومخلّص. الخلاص أساسه الإيمان، لكن ماذا يعني الإيمان؟ في الأرثوذكسيّة، الأسس التي يُبنى عليها الإيمان الحقيقيّ تكمن في تحويل مسيرة النفس نحو الله. ويُثمر هذا الإيمان في شوق الإنسان وجهاده للدخول في شركة شخصيّة مع الله كإله شخصيّ. هذا يعني أنّ الإيمان الأوّل هو بدء الطريق إلى الملكوت وليس الملكوت، إنّه قبول الدعوة إلى عرس الملكوت وليس العرس. من اكتفى بالدعوة فقط، أي بالإيمان النظريّ فقط، ولم يدخل إلى العرس يبقى خارجًا. هذا العرس ندخل إليه ونعيشه في الكنيسة وفي حياتها الأسراريّة، في ليتورجيّتها، هناك نلتقي مع المسيح ونتّحد به ونصير أصدقاء العريس. مَن يقرأ العهد الجديد بحسٍّ روحيّ، لا بدّ وأن يجد كيف أن الإيمان الشخصيّ بالله هو مسيرة نموّ، يزداد وينقص؛ وكيف أنّ هذا النموّ ينعكس في حياة المؤمن وعلاقته بالآخرين: «بل راجين إذا نما إيمانُكم أن نتَعظّم بينكم» (2كورنثوس 10: 15؛1تسالونيكي 3: 10؛ فيليبي 1: 25). وحين أعطى بولس الرسول مَثل ابراهيم، في رسالته إلى أهل رومية، فهو كان يُحدّد أن ابراهيم تبرّر بسبب إيمانه الثابت والقويّ لا الضعيف والمشكّك: «وإذ لم يكن ضعيفًا في الإيمان لم يعتبر جسده… وتيقّن أنّ ما وعد به هو قادر أن يفعلَه أيضًا، ولا بعدم إيمان ارتاب في وعد الله، بل تقوّى بالإيمان مُعطيًا مجدًا لله؛ لذلك أيضًا حُسِبَ له برًّا» (رومية 4: 18-24). ويكشف لنا الربّ يسوع معنى الإيمان بهذا المثل: «لو كان لكم إيمان مثل حبّة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل…» (متّى 17: 20). الأمر الذي يشير إلى حقيقتين: أوّلاً، حين قال المسيح عن إيمان مثل حبّة خردل فهو أشار إلى أصغر نقطة ينبغي أن نبلغها في الإيمان حتّى يكون حقًا إيمانًا. تاليًا، لكي يكون الإيمان إيمانًا حقًّا، ينبغي أن يحوي هذه الثقة والقوّة والقدرة على نقل الجبال أو ما يُشبهها. ثانيًا، الإيمان ليس أمرًا جامدًا أو اعترافًا عقلانيًّا مجرّدًا يحصل مرّة واحدة وإلى الأبد، على حسب طريقة الإنجيليّين المعمدانيّين. فحين تكلّم المسيح على إيمان مثل حبّة خردل، فهو عنى أنّ هناك ما هو أعظم في الإيمان ينبغي السعي المتواصل لأجل بلوغه. هذا هو الإيمان الأرثوذكسيّ، مسيرة نموّ في الروح وفي معرفة الله، مسيرة امتداد لا تتوقّف إلى قدّام، كما عبّر عنها بولس الرسول: «أيّها الإخوة، أنا لست أحسب نفسي أنّي قد أدركت، ولكنّي أفعل شيئًا واحدًا: إذ أنا أنسى ما هو وراء وأمتدّ إلى ما هو قدّام» (فيليبيّ 3: 13). يبدأ الإيمان بالاعتراف بالله كربّ ومخلّص وديّان، لكنّ نهاية الإيمان هي معاينة الله والاتّحاد به، في هذه الحياة الحاضرة ذاتها. مسيرة لا تتوقّف، صعود لا ينتهي نحو ملاقاة الله. التراث الأرثوذكسي |
||||
08 - 06 - 2016, 05:15 PM | رقم المشاركة : ( 12989 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
ما هو التريودي وماذا يعني؟
التريودي يبدأ في أحد الفريسي والعشار ويستمر حتى يوم السبت العظيم. ويعتبر زمان التريودي مؤلفاً من من ثلاث مراحل : الأولى وهي المهيئة للصيام والثانية الصيام الأربعيني، والثالثة أسبوع الآلام المقدس. مع دخولنا في أحد الفريسي والعشار نبدأ الترتيل والقراءة من كتاب التريودي وهو أحد كتبنا الطقسية وكلمة تريودي تعني الثلاث أوديات (قصائد). الأودية في طقسنا هي قطعة مرتلة من القانون الذي يتلى في صلاة السحر، عدد الأوديات في كل قانون تسع. إلا أن الأودية الثانية حذفت في كل أيام السنة عدا في أيام الصوم الأربعيني الأوديات التسع مرتكزة معنى ومبنى على التسابيح المأخوذة من الكتاب المقدس والموجودة في كتاب السواعي الكبير وهي بالتتالي: التسبحة الأولى لموسى (خروج 1:15-19)، التسبحة الثانية أيضاً لموسى (تثنية الاشتراع 1:32-42)، التسبحة الثالثة لأم صموئيل (صموئيل 1:2-10)، التسبحة الرابعة لحبقوق النبي(2:3-19)، التسحبة الخامسة لأشعياء النبي (أشعيا 9:26-20)، التسبحة السادسة ليونان النبي (1:2-9)، التسبحة السابعة للفتيان الثلاثة (دانيال 26:3-56)، التسبحة الثامنة للفتيان الثلاثة (دانيال56:3-88)، التسبحة التاسعة لوالدة الإله ولزخريا والد يوحنا المعمدان (لوقا 46:1-55 و68:1-79)فالتريودي هو الكتاب الذي أخذ اسمه من الأوديات الثلاثة التي تًرتل في كل أيام الصوم الأربعيني. هذا ما نقرأه في مطلع سنكسار أول أيام التريودي، أحد الفريسي والعشار “يا مبدع كل شيء سماوياً كان أم أرضياً اقبل أما من الملائكة فتسبيحاً ثالوثياً، وأما من البشر فتريودياً شريفاً خشوعياً”. السماء والأرض تؤلفان جوقاً واحداً، الملائكة والبشر تتآلفان في تسبح “مبدع كل شيء “، الملائكة تنشد تسبيحاً ثالوثياً (تريصاجيون) قدوس قدوس قدوس…..، والبشر تجيب بأودية تسبيح ثالوثية (تريوديون) شريفة خشوعية. يقول كاتب سنكسار التريودي نيكيفوروس كالستوس أن أول ناظمي الأوديات الثلاث هو قزما المنشئ الذي رتبها كي تكون رسماً للثالوث الأقدس عنصر الحياة، وهذه الأوديات ترتل في الأسبوع العظيم. ثم تلاه مؤلفون عديدون منهم ثاودوروس ويوسيف من دير ستوديون في القسطنطينية، وقد ألفا قوانين لأسابيع الصوم الأربعيني. يتميز التريودي بثلاث طروباريات ترتل في صلاة السحر كل آحاد الصوم بعد تلاوة المزمور الخمسين بعد إنجيل السحر. هذه الطروباريات تشكل وحدة ليتورجية مترابطة نستوحي معناها من المزمور الخمسين وهي :”افتح لي أبواب التوبة….”، “سهلي لي مناهج الخلاص….”، “إذا تصورت كثرة أفعالي الرديئة…”. إن كاتبها يستوحي من الكتاب المقدس ولكنه يعيد صياغة الأفكار الكتابية بشكل ينم عن عمق روحي وفهم عميق لسر التوبة، يتذكر ويعترف بخطاياه الكثيرة ويتحسس يوم الدينونة ويرهبها، لكنه يؤمن إيماناً عميقاً بالله، ويترك ذاته لعظم مراحمه. هذا الإيمان وهذا الرجاء إذا ما تحركا بالتوبة يخلصان الإنسان كما خلُص داود حين صرخ: “ارحمني يا الله كعظيم رحمتك”. |
||||
08 - 06 - 2016, 05:18 PM | رقم المشاركة : ( 12990 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الـــرَّحمـــــــــة “يا يسوع يا ابن الله ارحمني”
كلمة “رحمة” في “معجم المعاني” الجامع تفيد الرّقة، الشّفقة. وفي “قاموس المعاني” تفيد ما ينزل عليك من خير ونِعَم من الله. كم من مرّة لفظنا هذه العبارة بأشكالها المتنوِّعَة: “يا ربّ ارحم”. والكلام الواعي يفترض إقرارًا بخطايانا وتوبة عنها. هذه الرَّحمة المطلوبة من الله تتجاوز العدل، هي دعوة إلى التّشبّه بالله. الرّحمة صفة من صفات الله: “كونوا رحماء كما أنّ أباكم هو رحيم” (لوقا 6: 36). الرّحمة تفترض صدرًا واسعًا، محبّةً واسعةً كرحم المرأة. تفترض احتضانًا للآخَرين على غرار الله الّذي يحتضننا، وأيضًا صبرًا كثيرًا. اللّفظة اليونانيّة “Makrothimia”، طويل الأناة، تعني حرفيًّا بطيء الغضب. وسِّعْ قلبَك حتّى يكون شبيهًا بقلب الله. هو أب عطوف، هو “الطّويل الأناة، الكثير الرّحمة، الجزيل التّحنّن، الّذي يحبّ الصِّدِّيقين ويرحم الخطأة، الدّاعي الكلّ إلى الخلاص بموعد الخيرات المُنْتَظَرَة….” * * * الرّحمة لا تنفي الشّدّة عند الاضطرار. لا بدّ أحيانًا من التَّأديب والكَسْرِ سبيلًا إلى الشّفاء: “كلّ تأديب في الحاضر لا يُرى أنّه للفرح بل للحزن، وأمّا أخيرًا فيُعطي الّذين يتدرّبون به ثمر بِرٍّ للسّلام. لذلك، قوِّموا الأيادي المُسترخِيَة والرُّكَب المخلَّعَة واصنعوا لأرجلكم مسالِك مستقيمة لكي لا يَعْتَسِفَ الأعرج بل بالحري يُشفَى” (عبرانيين 12: 11-12). مارِسِ الغُفْرَانَ. هو الدّواء الشّافي من الحقد. اِغْفِرْ لأخيك المخطئ إليك لأنّه من لحمِ المسيحِ ودمه. طلَبُنَا بإلحاح “يا ربّ ارحم” أربعين مرّة، مثلًا، إن كان يصدر عن صراخ من القلب، يَستجلِبُ انتباه الله. كان أعمى أريحا يصرخ قائِلًا: “يا يسوع يا ابن داود ارحمني”، فانتهره الآخَرون ليسكت. أمّا هو فصرخ أكثر كثيرًا “يا ابن داود ارحمني”، فأجابه يسوع أخيرًا “أَبْصِرْ! إيمانك قد شفاك” (لوقا 18: 38 و42). لذلك، نُكْثِرُ في صلاتنا اللّيتورجيّة الطّلب بإلحاح: “ارحمنا يا الله كعظيم رحمتك نطلب منك فاستجب وارحم”. هذا كلّه إن كنّا نؤمن فعلًا أنّ الرّبّ يسوع الإله هو المخلّص: “إيمانُك خلَّصَكَ، اذهَب بسلام”. |
||||