الالتزام الاجتماعى فى فكر اباء الكنيسة
الالتزام الاجتماعى بدأ بالاسرة البشرية الاولى , التى كان ادم ربا لها , وبها اصبح ربا للآسرة البشرية كلها عبر التاريخ ..
فيخبرنا الكتاب
ان الله جبل ادم من تراب الارض , ثم خلق حواء من ضلع من ضلوعه , واحضرها اليه " فقال ادم ها هذه الان عظم من عظامى ولحم من لحمى " ...ومن ادم خلق الله قايين وهابيل ...
ولاشك ان لله حكمة عميقة فى خلق العائلة البشرية الاولى بهذا الاسلوب , فقد خلق حواء من ادم .. وكان قادرا ان يخلقها من تراب الارض كما خلق ادم , ثم يخلق قايين وهابيل وشيث ومن تلاهم مباشرة من تراب الارض ايضا ..
فلماذا لم يفعل ذلك ؟
لابد ان هناك حكمة فى ان يخلق الله رابطة لحماية طبيعية بين اعضاء الاسرة البشرية الاولى , لكى يجعل كل الخليقة من دم واحد , ولحم واحد , وعظم واحد ...
وهذا هو المفهوم الاول والاساسى للآلتزام الاجتماعى .. وبه نفهم ان الالتزام الاجتماعى ليس قرارا اصطنعه بعض علماء الاجتماع , بل هو انبثاق طبيعى وتلقائى من كيفية تكوين الانسان الاول , والاسرة البشرية الاولى ...
قانون الزواج
الى اليوم تتكون كل اسرة فى المجتمع البشرى بنفس الكيفية والاسلوب عن طريق الزواج .. فاذا سئل الطفل :
من الذى خلقك ؟ أجاب :
الله هو الذى خلقنى .. على الرغم من ان الله لم يخلقه مباشرة من تراب الارض كما خلق ادم , بل خلقه عن طريق قانون الزواج الذى رسمه الله , ورسم ان يكون هو طريق التوالد , والخلق , والتكوين لكل كائن بشرى جديد ..
ان حكمة الزواج عظيمة , فهو يربط بين الرجل والمرأة برغبة كل منهما .. يقبلان اليه برضى وسرور غريزى , على الرغم من تبعات الزواج وتكلفته ومسئولياته , فيثمر الرجل والمرأة مخلوقا هو الطفل , وبموجب هذه الكيفية فى خلق الطفل تتدعم المحبة
وتتشعب فى اربعة اتجاهات :
1- محبة والديه بين الوالدين والطفل .
2- محبة بنوية بين الطفل ووالديه .
3- محبة بين الوالدين من خلال محبتهما للآولاد .
4- محبة بين الاولاد وبعضهم لارتباطهم برباط الدم من خلال الاسرة .
فالزواج اذن هو رابطة طبيعية تنشأ عنها رابطة المحبة , وتصبح الاسرة الخلية الاولى التى تنشأ فيها العواطف وتنمو وتتهذب ..
فترى , لو كان الطفل يخلق خلقا مباشرا من تراب الارض , فهل كانت تنشأ بين الاقارب عواطف المحبة والمسئولية والشعور بالالتزام ؟
ام كان كل انسان يشعر بكيانه المستقل , وانفصاله عن غيره , وعدم ترابطه به , وبالتالى عدم مسئوليته عما يصيب غيره من خير او شر ؟
الدوائر المتماسة
-------------------
وعن طريق الزواج تتشعب الاسرة الى اسرات , فتنشأ علاقة جديدة بين كل اسرة والاسر المتشعبة منها , وهذا ينطبق على مجتمع القرية , فالمدينة , فالاقليم , فالوطن , فالمجتمع البشرى فى كل المسكونة ..
فبدون مبالغة , تعتبر البشرية كلها اسرة واحدة تربط بينها صلة الدم , وتنحدر كلها من اب واحد هو ادم وام واحدة هى حواء .
امثلة على تطبيق الرب لمبدأ المسئولية والالتزام الاجتماعى فى العهد القديم
1- حينما غضب الرب على بنى اسرائيل قال موسى النبى " لكن الرب غضب على بسببكم , واقسم ان لا اعبر نهر الاردن , ولا ادخل الى الارض الصالحة - تث 4 : 21 ..
2- وحينما اخطأ عخان ابن كرمى وقعت تبعة خطيئته على كل بنى اسرائيل فأنهزموا امام اهل عاى , وقتل منهم عاى نحو 36 رجلا .. - يش 7 ..
3- وفى قصة يونان النبى , هرب يونان فى السفينة من وجه الرب , وعصى امره , فارسل الرب ريحا شديدة الى البحر حتى كادت السفينة تنكسر - يونان 1 ...
4- وحينما عد داود الشعب , بعث الرب وباء فى اسرائيل , فمات 70 الفا من الشعب - 2 صم 24 ...
5- فقد كان بر ابراهيم سببا فى البركات التى نالها شعب الله حتى جاء منه المخلص .
6- وقال الرب لابراهيم ان وجدت فى سدوم 50 بارا , فانى اصفح عن المكان كله من اجلهم - تك 18
والخلاصة قد اوجزها سليمان الحكيم فى الايتين اللتين نصهما " ببركة المستقيمين تتشيد المدينة - ام 11 : 11 .. والرجل الامين كثير البركات - ام 28 : 20 ...
الالتزام الاجتماعى فى تعاليم المسيح
لم يكن السيد المسيح يعظ ويعلم فقط بل كان يجول يصنع خيرا أع 10 : 38 ..
فشفى المرضى وطهر البرص وطرد الشياطين واقام الموتى واشبع الجياع وكفكف دموع الثكالى والارامل ..
وبهذا رسم لكنيسته مفهوم الخدمة , وابان انها لاتقتصر على الوعظ والكرازة والتبشير , ولكنها ايضا تمتد الى كل انواع الخير التى يسديها الانسان الى الناس لتخفيف الامتهم , وتطييب قلوبهم , وسد احتياحاتهم المادية والمعنوية والروحية والجسدية .
وبمفهوم اوسع :
ان نأخذ بيد كل محتاج للعون والمساعدة , فمهمة الكنيسة ليست روحية بحتة فهى ام المجتمع للناس جميعا .. والانسان ليس انسانا بالروح فقط بل بالروح والجسد ..
وهذا الفكر اخذه الرسل عن سيدهم فأهتموا بأنواع الخدمات العامة , يطالعنا بذلك سفر اعمال الرسل ..
ومن اجل ذلك اقامت الكنيسة المدارس لتعليم الاطفال , والمستشفيات والمستوصفات والملاجئ ودور الايواء للكبار والصغار من اليتامى والعجائز ..
ومن اجل ذلك ايضا اعلى السيد المسيح من فضيلة الرحمة , وجعلها مقياس الحساب فى الدينونة ..
مكتوب من
كتاب الالتزام الاجتماعى فى فكر اباء الكنيسة
نيافة الانبا اغريغوريوس اسقف عام الدراسات اللآهوتية والثقافة القبطية والبحث العلمى