الأب ميخا ايريشي
أنا لست ضد التكنولوجيا، فأنا الآن جالسٌ أمام شاشة الكومبيوتر، وأملك آيفون في جيبي، وقد تابعت الأخبار صباحاً على التلفزيون، وغالباً ما أمتّع نفسي بمشاهدة فيلم هادف. كما اعتدتُ أن أتابع بعض برامج التلفزيون المفضلة لديّ. وفي أغلب الأحيان أضع قائمة صوتية (Playlist) لما أحب سماعه خلال رحلات الطريق أو خلال الوقت الذي أقضيه في صالة الرياضة، وحتى عندما أقوم ببعض الأعمال المنزلية. وكثيرة هي المرات التي أَخذت زوجتي التابليت ال (Tablet) من يدي بعد نومي.
القديس والأب اسحق وعلى الرغم من أنه عاش في عالم بعيد كلّ البعد عن عالمنا، ومنذ قرون عديدة مضت إلا أنني أشعر أن صوته هو أبديٌ ومعاصرٌ وعلى قدرٍ كبيرٍ من الأهمية لعالمنا الذي نوجد فيه الآن، العالم الذي بات فيه استخدام التكنولوجيا من الثوابت المرتبطة باللاوعي.
إنه يذكرنا بأن الحب الحقيقي للحكمة هو التالي: " على الإنسان أن يكون يقظاً حتى في أتفه الأمور والحوادث العابرة التي تعترضه".
إنه يدعونا أن نكون منتبهين ومهتمين لكل مشهد أو صورة يدخلان إلينا عبر عيوننا، وأن نكون مدركين لتأثير كلّ كلمة مسموعة، وقراءة مطبوعة أو مقروءة ومدى تأثيرها على قلوبنا. إذ يقول " فلنحرس بطننا ولكن بالأكثر فلننتبه ونركز على نظرنا".
وأيضاً " أن نتجنب الوقاحة في الكلام كما نفعل تماماً عندما نتجنب الموت".
إلى هؤلاء الذين في لحظة ما أرسلوا إيميلاً غاضباً، أو دخلوا في إحدى تلك النقاشات التي لا تنتهي على الفايسبوك. يقول لنا الأب اسحق" لا تقاوم أي شخص في أي موضوع، لا تغضب، لا تكذب، لا تحلف، كن مُحتَقراً ولكن لا تحتقر أحداً، فضّل أن تكون مظلوماً على أن تظلم إنساناً".
وأيضاً " أن يكون لسانك بطيء الحركة مع أنك عالمٌ وخبيرٌ، أفضل من أن تصبّ علمك وثقافتك على الآخر لتثبت له ذكائك وحدة ذهنك".
فالأب اسحق يدعونا أن نكون معتدلين في كل شيء كما سليمان الحكيم تماماً، الذي يذكرنا في أمثال (25 : 16): " أوجدتَ عسلاً، فَكُل كفايتك فقط، لئلا تتخم فتتقيأه".
هذه اليقظة علينا أن نطبّقها على أوقاتنا التي نقضيها أمام الشاشة. لكن ماذا لو دخلنا بصراع مع هذا الاعتدال وهذه اليقظة؟ ماذا لو شعرنا أن هذه الحرمانات مؤلمة؟
هذا الأب الحكيم لا يتردد في تذكيرنا أنه " عندما يحب الجسد مسببات الراحة والأشياء الدنيوية ويتعلل في كلّ وقت بأسباب التهاون، وتشتعل فيه الرغبة. فلنتذكر عندها قول الرب الذي أعلن بوضوح عن كيفية اتباعه، فكلّ من يريد أن يتبعه عليه أن ينكر نفسه ويتجرد من العالم نازعاً عنه كلّ تراخي وإهمال".
فإن لم تتمكن من استخدام الشاشة باعتدال، وإن كانت وسائل التواصل والإعلام تتركك بحالة اكتئاب، وقراءة الأخبار تدفعك نحو اليأس، وخلال مسيرتك في هذه الحياة قد قلّت صلاتك وندرت مطالعاتك الروحية، وإن كنت تحملق في الشاشة أكثر من أن تلاحظ وجوه الناس حولك وتهتم بهم... عندها، أطفئ شاشتك وكما يقول الأب اسحق " انزع السبب من الأساس".
قد يقول البعض لا يمكننا أن نلقي الشاشة بعيداً عنّا، وحتى رغم شعورنا أننا عبيدٌ لها، فتقريباً قد أصبحت من ضروريات الحياة وليس الكماليات، أو ببساطة قد يقول البعض لا نريد أصلاً أن نتخلى عنها.
حتى لهؤلاء الذين هم مغالون أو غافلون في الاستخدام المفرط لا يزال هذا الأب القديس يدعونا بتواضع ولطف قائلاً: " إذا كنتَ لا تستطيع الصيام لمدة يومين، فعلى الأقل صُم حتى المساء. وإن كنتَ لا تستطيع الانتظار حتى المساء، فأقله احرص على أن لا تأكل حتى الشبع أو بنَهم ( والصيام هو هنا تماماً استخدام الشاشة). إن كنتَ غير قادر أن تمارس الإحسان وأعمال الرحمة، فلتتكلم كخاطئ ومنسحق. وإن كنت لا تستطيع أن تُشيع السلام حولك، فأقله حاول أن لا تكون مسبباً للمشاكل".
ترجمة راهبات دير سيدة البشارة - حلب