رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
القدوة عظة صامتة بقلم قداسة البابا شنودة 10\10\2010 إن كنت يا أخى قد أمكنك أن تصل إلى حياة الفضيلة، فمن واجبك أن تعمل أيضا على توصيل الآخرين إليها. أنت مسئول إذن أن تعمل عملا من أجل خير الناس، فى نطاق الدائرة التى تحيا فيها . فإن كنت قد ذقت حلاوة الحياة فى الخير، فما أجمل أن تدعو الناس إلى هذه المذاقة. أنت لاتستطيع أن تتخلى عن مسئوليتك الروحية تجاه الآخرين، إن كنت تحبهم بالحقيقة.. عليك إذن مسئولية روحية تجاه غيرك فى حدود إمكانياتك قد لاتكون من رجال الدين، ولا من قادة الفكر، ولكنك على الرغم من ذلك تستطيع أن تجذب الناس إلى الحياة الروحية بقدوتك الصالحة أمامهم. إن القدوة هى واجب على الكل وهى ممكنة للكل، ونافعة أكثر من الوعظ والتعليم. إن الوعظ يقدم تعليما نظريا، أما القدوة فهى تقدم المثال العملى.. والذى لايستطيع أن يعظ يمكنه أن يكون عظة. يمكنه أن يكون رسالة عملية معروفة ومقروءة من جميع الناس كل من يراه ينتفع بمنظره دون أن يتكلم.وينتفع أيضا بأسلوبه فى الكلام وفى التصرف دون أن يعظ والمعروف أن الناس يستفيدون من حياة الآخرين أكثر مما يستفيدون من أقوالهم ومن ناحية أخرى لايمكنهم أن يستفيدوا من عظات أحد، أن لم تكن تصرفاته روحية تسند عظاته وتتفق معه. والقدوة تنفع أيضا بالنسبة إلى الذين لايمكنك وعظهم فأنت قد تعظ أو قد تعلم من هو أصغر منك سنا.. أو أقل منك مركزا أو علما ولكنك قد تحتشم من أن تعظ من هو أكبر أو أعلى منك . فهذا تنفعه قدوتك. كذلك هناك أشخاص لايحتملون الوعظ ولايقبلونه! تمنعهم كبرياؤهم أو يمنعم اعتدادهم بأنفسهم من قبول كلمة توجيه أو نصح أو كلمة تعليم أو وعظ. وبالأكثر أيضا لا يحتملون كلمة نقد. وإن قلت لأحد منهم كلمة منفعة، قد ينظر إليك فى استنكار وسخرية ويقول لك: )أنت هاتوعظنى:!( كل هذا النوع من الناس قد تنفعهم قدوتك ومثالك الطيب الذى يكلمهم قى صمت. وبحياة القدوة يمكنك أن تصل إلى منفعة الآخرين بتقديم المثال الروحى العملى لهم.. وبسلوكك الحسن تجذب أخرين إلى محبة الله وتنفيذ وصاياه. وتكون عظة لا واعظا. إن السيد المسيح لما غسل أرجل تلاميذه كان مثالا عمليا لهم وللعالم فى التواضع والمحبة وأنت يا أخى العزيز من المفروض أن تكون حياتك وسط الناس قدوة لهم ومثالا ونموذجا موضوعا أمامهم، يرون فيه الطريق العملى لنقاوة الحياة وحياتك العملية فى محبة الآخرين وفى بذلك لأجلهم، وفى تعاونك معهم وفى خدمتهم، إنما هى درس عملى تقدمه، لأن المحبة لاتكون بالكلام وباللسان، وإنما بالعمل والحق .كذلك إن عشت فى سلام مع الكل وبطبيعة هادئة وديعة تحترص من أن تغضب أحدا إنما تكون بلسما فى السلام وفى الهدوء دون أن تلقى تعليما فى هذا الأمر. إن أم . موسى النبى التى لم تكتف بإرضاعه لبنها بالجسد، بل أرضعته أيضا الإيمان القوى الذى ثبت فيه حينها عاش فى قصر فرعون وسط كل الآلهة القديمة، ولم يتأثر بها بل صار فيما بعد قائدا للإيمان.. هذه الأم أعطت للعالم درسا فى واجب الأمومة وكيف تهتم بإيمان أبنائها. إننا لانأخذ قدوة فقط من البشر الصالحين إنما يقول سليمان الحكيم: تعلم من النملة أيها الكسلان صدقونى إننى لم أر فى حياتى كلها نملة تقف بلا حركة، فهى دائمة العمل فى نشاط عجيب هو درس لنا وقدوة. كذلك نأخذ درسا من حبة القمح التى نلقيها فى الأرض فتظل تعمل حتى تقدم لنا ثمرا وفيرا: أولا نباتا، ثم سنبلا ثم قمحا ملآن فى السنبل كل هذا الثمر من حبة واحدة.. ونفس الوضع بالنسبة إلى كل شجرة مثمرة ، كم تعطى فى كل موسم ؟ إنها أيضا درس. بل نأخذ قدوة أيضا من الأرض التى تدور ولاتتوقف منذ ألاف السنين، منذ خلقها، وهى تدور باستمرار حول محورها وتنتج فى كل دورة ليلا ونهارا.. ملايين السنين وهى لاتتوقف. ترى لو سئمت الأرض من دورانها، وتكاسلت واتكأت قليلا على محورها لتستريح! أما كان العالم يرتبك ؟! ولكن الأرض فى حركتها الدائمة تعمل العمل الذى أوكله الله إليها، وتعطينا قدوة ودرسا لاننساه. كذلك الشمس هى الأخرى عظة صامتة إذ تشرق على الصالحين والطالحين وتعطى بنورها للمستحق وغير المستحق. ونورها يضئ لنا دون أن نطلب، فالشمس لا تنتظرك حتى تطلب، منها ضوءا، وكذلك القمر، بل كلاهما ينيران لك ويضيئان الطريق دون أن تطلب، إنه درس من القدوة. والشمس فى قدوتها تدخل بيت الملك، وتدخل بيت الخادم، والمسكين . الكل يحتاجون إليها، والكل يتمتعون بها وهى لاتفرق بين عظيم وحقير، أو بين غنى وفقير، ونورها يطهر كل مكان ولايتنجس به. هكذا أنتم يا إخوتى فى معاملتكم للناس وفى قدوة الشمس لكم التى تشرف على كل أحد بدون تمييز. أنتم جميعا ضرورة لازمة لنفع العالم. لستم لأنفسكم فقط، وانما لخير البشرية كلها بالقدوة. والإنسان الصالح لايقدم قدوة أثناء حياته فقط، بل تظل قدوته قائمة ونافعة حتى بعد وفاته. هو نور يضى، عبر الأجيال، ولاتموت سيرته بموته بل تبقى قدوة للناس بل إنه إن مات يتكلم بعد بهذه القدوة.. وفى هذا المجال لست أذكر فقط بعض سير القديسين المعروفين. إنما أذكر من جهة القدوة قصة المهاتما غاندى الزعيم الهندى العظيم، الذى قدم قدوة عجيبة فى الجهاد البعيد تماما عن العنف. كان غاندى البراهمى هو المثل الروحى الحى فى أيامه كان إذا صام يهز البرلمان الإنجليزى. وكان فى تحمله للألم والاضطهاد بدون مقاومة أو انتقام، ينال إعجاب العالم كله ويستنزل السخط على الحكام القساة فى أيامه. كونوا يا إخوتى قدوة وبهذا تنفعون غيركم دون أن تتحدثوا. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|