لقد قدّمت العذراء ذاتها للرب الذي يدعوها، فشعرت بفرح عميق لم يخل من الألم، ألم تضحيتها بعاطفة الأمومة. شأنها في ذلك شأن جميع نساء العالم وهو التطلع البعيد والتشوق الحميم إلى الأمومة، لأن في الأمومة نضوج شخصية المرأة.
لقد تخلت مريم عن أفراح الأمومة كما تخلت أيضاً عن إمكانية ولادة المسيح المنتظر حلم كل فتاة إسرائيلية. وفهمت مريم، عند قدمي الصليب، أن تكريسها لله يطلب منها التخلي عن كل شيء، حتى عن ابنها فجدّدت تقدمتها لله مع تقدمة المصلوب. إن الآباء القديسين يشبهون البتولية بالإستشهاد.
فالشهيد يقدم حياته في سبيل من يحب أي في سبيل الرب، مقتدياً بالمسيح الذي بآلامه وموته، عبّر عن حبه لله وللبشر. وما حياة البتول إلا اقتداء بالمسيح: إنه يضحّي بحياته تضحية مستمرة ليعبّر عن حبه لله.
ويقول الآباء أيضاً إنّ النعم العديدة التي غمرت البشرية بالخلاص وأعطتهم الحياة فاضت من جنب المسيح على الصليب لأن ذروة حب المسيح تجلت على الصليب. وبما أن البتولية هي الحب بالذات فستكون ينبوع خصب روحي في العالم.