رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مريم أمة الرب المطيعة (١) ((ها أنا أمة الرب)) فهمَتْ مريم جيّداً ما هي إرادة الله، وكيف أنّ أُمومتها ستتوافق وبُتوليّتها، فخضعتْ وقالت: ((ها أنا أمة الرب، فليكن لي بحسب قولك)) (لو1\38). وبهذه الكلمة جعلت نفسها للخدمة، كما سيفعل يوماً ابنها يسوع القائل: ((أتيتُ لأخدُم)) هو الأول والأمثل، هو (0الأول والآخر، الألفا والأوميغا)) (رؤ1\17)، سوف يكون العبد الأمثل (أشعيا 53) الذي أتى ((لا ليُخدَم بل ليخدُم)) (مر 10\45).مريم هي، بعده، الأمَة المُثلى والأكثر مسؤوليّةً في البشر أجمعين. تلك المسؤولية سوف تتطوّر وتنمو إلى أن تصبح أمومةً روحيةً شاملة. مريم هي بنت صهيون. وهي الممتلئة نعمة، والكّليّة الطهارة، والعذراء أمّ الله، وتابوت العهد الجديد، وهيكل الروح القدس. هذا هو الاختيار الذي وقع عليها. هذه هي دعوتها. هذه هي منزلتها في التدبير الإلهيّ. لكنّها تأبى إلاّ أن تكون أمَةَ الرب المتواضعة والخاضعة، كما فعلتْ، في ما مضى، أبيجائيل التي طلبها داود النبي للزواج، إذ قامتْ وسجدتْ على وجهها وقالت: ((هآءنذا أمتُك، خادمةٌ لك. لتغسِلَ أرجلَ خُدّام سيّدي)) (1صموئيل 25\41)... ((فليكن لي بحسب قولك!)) إنه الجواب الذي كان العالم بأسره ينتظره. جاء في إحدى عظات القديس برنردُس ما يلي: ((الملاك ينتظر الجواب... نحن أيضاً، أيتها السيدة، نحن المنسحقين بالحُكمِ الصادر علينا، ننتظر منك كلمة الرأفة. أُنظري! الفِدْيَةُ هنا، أمام ناظِرَيك، هي التي ستكون خلاصنا. إن قلتِ ((نعم)) كان لنا التحرُّر فوراً... إنّ آدم المسكين المنفيّ من الفردوس يتوسّل إليك، أيتها العذراء، هو وعائلته البائسة. وكذلك إبراهيم وداود وسائر ألآباء القديسين. وجدودُك أنتِ هم الجالسون في أرضِ ظلالِ الموت، يتوسّلون إليك أيضاً بإلحاح. في الواقع، إنّ العالم بأسره يجثو أمام رُكبتيكِ، منتظِراً الجواب... فعلى جوابك يتوقّف انتعاش المعذَّبين، وفداءُ المأسورين، وتحريرُ جنسٍ بشريٍّ محكومٍ عليه بالموت. وقُصارى القول، إنّ خلاص بني آدم، خلاص الجنس البشريّ بأكمله، متعلّقٌ بجوابك. "فأسرعي وأجيبي، أيتها العذراء! قولي الكلمة التي ينتظرها جميع ما على الأرض وفي الأسافل والأعالي... الرب أيضاً يتلهّف لمعرفة جوابك... ها هو من تبتغيه الأُمم حاضرٌ هنا يقرع الباب... فانهضي، وأسرعي، وافتحي له!" وسعيد عقل، كم كان مصيباً لمّا تخيّل، قدّام بيت الناصرة، جميع الموتى في نعوشهم وجميع الأجنّة في بطون أمّهاتهم، وهم يصرخون لها: "قولي نعم حتى تِحرِز نقوم من قبورنا... قولي نعم حتى تِحْرِز نولد للحياة!" ولمّا قالت نعم، صاروا كلّ الأجنّة يرقصوا ببطون أمّاتُهم، وكلّ الموتى يصفّقوا بِلواح نْعوشُن!" وأصاب أيضاً جان غيتون لمّا قال: "كلّ شيء متعلّق بتلك اللحظة. فالتاريخ يسير نحوها لاهثاً. والوعود الإلهيّة متعلقة بها: إعتاقُ الأمم وفداء البشر. مليارات الكائنات يستهويها ما سيحدث بعد لحظة واحدة فقط، فيكون ذلك الفعل الإلهيّ، ويكون إلى الأبد... فما عساها تقول؟ نعم؟ لكنّ ذلك قد يبدو وكأنّه قلّةٌ في الذوق واللباقة، كما لو أنّها لله ندُّ متساوٍ... سوف تقول "ليكن"، ليس إلاّ، كما لو أنها تصبّ إرادتها في مجرى التدبير الإلهيّ الذي هو اليوم للفرح، وغداً للعذاب. "ليكن!" إنّها كلمة القبول، كلمةٌ تتجاوز الفرح والعذاب."ليكن!"، وفي اللحظة نفسها "كان". عرفت ذلك. لزِمتِ الصمت. ابتعد الملاك. عاد كلُّ شيءٍ كما كان." "عاد كلُّ شيء كما كان"؟ ليس تماماً. في حياتها اليومية؟ أجل. في تاريخ العالم، في التدبير الخلاصي؟ لا. فمريم، بكلمة "ليكن"، قلَبَت الصفحة، صفحة العهد القديم، لتُشرف وتجعلنا معها نشرف على العهد الجديد. كانت تلك الكلمة أوّل فِعل إيمانٍ بيسوع المسيح المخلّص (سوف يقول الآباء إنّ مريم، يوم البشارة، "حبِلت بالمسيح بالإيمان في قلبها، قبل أن تحبل به في جسمها"). لن تصبح مريم، بتلك الكلمة، أمّاً فخريّةً ليسوع، على غرار كلِّ المناصب الفخريّة، بل ستدأب لكي تجعل ابنها يحيا فينا ونحيا فيه منتقلين، مثلها، إلى العهد الجديد. وعندما سيقول المسيح من أعلى الصليب: "هذا ابنكِ. هذه أمّكَ"، لن يكون ذلك منه كلاماً فارغاً، بل يكون إعلاناً رسمياً لدور مريم في الأمومة الروحية وفي منح الحياة الإلهيّة. يقول بول أفدوكيموف: "لمّا أعطت المسيح من جسدها، صار بينهما قرابة عصب. وإنّنا، بذلك الجسد الذي قدّمته للمسيح، أصبحنا شُركاء الكلمة في طبيعته الإلهيّة." |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|