رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مرحلة المتابعة بعد علاج المدمنون وخلال هذه المرحلة يجب مراعاة الأمور الآتية: 1- تبدأ مرحلة المتابعة بعد انتهاء فترة التأهيل، وتستمر هذه المتابعة لعدة سنوات حيث تتم المتابعة من الفريق المعالج على فترات متباعدة لكيما يشعر الإنسان الذي تم علاجه أن له ذراعًا قويًا يستند عليه، ولكيما تستمر الصداقة التي نشأت بين المريض الذي تعافى وبين الفريق المعالج. 2- إن المجموعة التي تلقت العلاج التأهيلي معًا، وصارت تعيش حياتها الطبيعية بدون مخدر، فإنها تظل على اتصال مستمر معًا حيث تكوّن مجموعة المساندة الذاتية، وهي مجموعة متلاحمة، يجد فيها العضو أقوى سند على الاستمرار في النجاح،وإذا ما تعرَّض أحد الأعضاء للنكسة بسبب أو لآخر فإن المجموعة تسرع به إلى مركز العلاج قبل أن تتردى حالته سريعًا. 3- خلال فترة المتابعة إذا تعرض الإنسان للانتكاسة على الأسرة أن تسرع به إلى مركز العلاج الذي يتابعه، وإذا رفض تقوم الأسرة بإبلاغ الفريق الذي عالجه وتابعه، وأيضًا إبلاغ أصدقاؤه الجدد الذين تلقوا العلاج معه ونالوا الشفاء من هذه السموم. 4- هناك أسباب تؤدي إلى الانتكاسة ومن أهمها ما يلي:
ونذكر هنا مثلًا حيًّا على مدى تأثير البيئة والأصدقاء على المدمن الذي تم علاجه في الانتكاسة والعودة للإدمان، وأيضًا مدى تأثير مساندة الآخرين وقوة الإرادة في عبور الانتكاسة والوصول ثانية إلى شط الأمان، حيث يحكي الأستاذ وجيه أبو ذكري في كتابه شباب في دائرة الموت(1) قصة ابن سفير من أعظم سفراء مصر في الخارج في الرابعة والعشرين من عمره، وهو طالب في الجامعة الأمريكية، وقد بدأ تعليمه في الولايات المتحدة، وعندما انتقل والده ليكون سفيرًا لمصر في إحدى دول أفريقيا ظل هذا الصبي في رعاية عمه رجل الأعمال المشهور في أمريكا، فوجد الصبي متسعًا من الحرية بعيدًا عن الرقابة الأسرية، فتعلم تدخين "المارجوانا" في سن السادسة عشر، وفي العشرين من عمره ترك الولايات المتحدة وذهب مع والده إلى عاصمة أوروبية، وألتحق بالجامعة الأمريكية فيها، وكانت نسبة تعاطي الهيروين بين الطلبة تصل إلى 50%، وفي كل عام كان يتساقط عشرات من الطلبة والطالبات ويفقدون الحياة بسبب الإدمان، فأدمن هذا الشاب الهيروين وبدأ بالشم وانتهى بالحقن في الوريد، وفي كل هذا لم يشعر والده أن ابنه صار فريسة لإدمان الهيروين. وفي ذات مرة لاحظ الوالد اصفرار في عيني ابنه، وتصوَّر أنه مريض بمرض الصفراء، فاصطحبه إلى الطبيب الذي أجرى له التحاليل وأكتشف إدمانه، وكانت الصدمة شديدة على الوالد الذي تحدث بصراحة شديدة مع ابنه وأعلمه أن نهاية مدمن الهيروين حتمًا الموت، وطلب منه أن يخبره بكل شيء، فاعترف الابن برحلته في عالم المخدرات منذ سن السادسة عشر. فأسرع الوالد بابنه مع أول طائرة إلى لندن لبدء رحلة العلاج في أحدى المصحات بجنوب إنجلترا، وعاد الأب إلى عمله، وكان يزور الابن مرة كل أسبوع، وعلى مدار خمسة وأربعين يومًا كان الابن يتلقى العلاج، وقد تعافى تمامًا، فكانوا يسحبون آثار المخدر من جسمه، وهو كان يساعدهم إذ كان صادقًا في رغبته في الشفاء ولاسيما بسبب حزن والدته وغضب أبيه.. عاد الابن إلى حياة الأصحاء، وأحس بعظم الفارق بين عالم الإدمان وعالم الأصحاء، وعلى حد تعبيره " المدمن يفقد كل عواطفه، فهو ممكن أن يخون صديقه في سبيل جرعة هيروين، يفقد الرجولة والشهامة، والمدمن يرى الحياة سوداء، ولا يوجد فيها أي نوع من الإغراء، ولكن بعد أن شفيتُ وجدتُ إن في الدنيا أشياء كثيرة جميلة، فيها الأمانة، وفيها الحب، فيها الأخوة والأبوة والأمومة، فيها التعاطف والتكامل، فيها الأمل والطموح.. إن المدمن يرى العالم أبيض وأسود، وغير المدمن يراه بألوانه الطبيعية المبهرة.. المدمن يرى الشيطان، وغير المدمن يرى الله في كل حياته". ثم عاد الشاب إلى دراسته بالجامعة الأمريكية في إحدى عواصم أوربا، وعاد إليه رفاق السوء الذين دفعوه إلى أوكار الهيروين ثانية، فقد كان هذا الشاب يحتاج إلى قضاء فترة تأهيل بعيدًا عن هذه البيئة الدنسة وأصدقاء الشيطان، ويقول هذا الشاب عن فترة التأهيل " في تصوُّري إنها أخطر المراحل.. إن رغبتي في هذه المرحلة للمخدر رغبة هائلة.. نداء يصرخ في جسدي بدون ألم، ولكنه نداء قوي، ولا علاج لعدم تلبية هذا النداء إلاَّ بتغيّير كل أصدقاء الإدمان، والالتصاق بغير المدمنين، ورغم إحساسي بهذا الخطر عقب عودتي من جنوب إنجلترا إلى العاصمة الأوروبية، إلاَّ أنني لم أخطر والدي بحاجتي إلى تغيير كليتي وأصدقاء السوء.. ولو أخبرته.. لفعل.. عاد إلى الهيروين بصورة أقوى، وبدأ يسرق من أموال والده ليشتري الهيروين. ثم نُقل والده إلى القاهرة، وتصور الابن إن نقله إلى القاهرة سيجعله يتوقف عن تعاطي الهيروين، ولكن في اليوم الذي وصل فيه إلى القاهرة بحث عن الهيروين وتعاطاه، وكانت حالته تفضحه أمام أبيه، فيقول "كنت أحس بالاختناق، وبعدم وجود أي نسيم رغم أننا في شتاء قارص.. كنت أشعر أنني على حافة الموت " وأدخله والده إلى مصحة بالقاهرة لمدة شهر سحبوا من جسمه سموم الهيروين، وعاد سليمًا طبيًا ولكنه لم يكن سليمًا نفسيًا فعاد إلى الهيروين برغبته فور لقائه مع مجموعة الإدمان بالجامعة الأمريكية. وخشى الابن أن يلجأ لوالده للمرة الثالثة، فطلب مساعدة الأستاذ وجيه أبو ذكري، وأخبر الأستاذ وجيه أبيه سرًا وطلب منه أن لا يفصح عن هذه المعرفة، وبدأ الأستاذ وجيه يعمل على تقوية إرادة هذا الشاب، وكان أحد أصدقاء هذا الشاب قد سقط في قبضة الشرطة، فأخذه الأستاذ وجيه إلى قسم الشرطة ليرى صديقه وهو مسلوب الكرامة، يمكن لأي حارس أي يبصق عليه ويضربه على قفاه، وتصوَّر هذا الشاب أنه في هذا الموقف المزري، وعاد للبيت وتحمل الآلام الرهيبة وهو يئن ويصرخ ويسبح في بحور العرق، ولكنه كان مصرًا على التحدي آملًا في الشفاء، وبعد أسبوع واحد انتقل من الموت إلى الحياة، ومن الحياة الحيوانية إلى الحياة الإنسانية، وظل الشاب ملازمًا بيته إلى أن تماثل للشفاء ورفض الهيروين، وأكمل الأيام القليلة الباقية له في الجامعة الأمريكية، وتخرج منها، وساعده الأستاذ وجيه في الالتحاق بأحد الفنادق الكبرى، وأوصى عليه مدير العلاقات العامة الذي كلفه بمهام كبيرة فأنجزها بنجاح فائق، وأثبت ذاته، وسار في طريق النجاح. للوقاية من الانتكاسة يتم متابعة المدمن بعد فترة التأهيل لمدة لا تقل عن ستة أشهر. أما الذي يتعرض للنكسة فانه يحتاج لفترة متابعة تتراوح بين سنة وسنتين، وكلما تكرَّرت النكسات، وكلما اشتدت خطورة المادة المخدرة كلما احتاج الإنسان لمدة متابعة أطول. 6- متى تعرض الإنسان للانتكاسة ولم يجد من يعينه للعبور منها فإن حالته تسوء أكثر فأكثر، فقد حكى لي أحد الأطباء العاملين في مجال مكافحة الإدمان عن شاب بدأ في تدخين السجائر في سن الحادية عشر من عمره، والحشيش في سن الرابعة عشر، وتعاطى برشام الصليبة في سن الثامنة عشر، وبودرة الهيروين في سن الخامسة والعشرين.. كان لوالده عمارة في حي راقي من أحياء الإسكندرية، ومنح كل ابن وكل ابنة من أولاده شقة في هذه العمارة، وكان هذا الابن موظفًا في هيئة المواصلات السلكية واللاسلكية صباحًا، ومشرفًا على أعمال المعمار بعد خروجه من العمل الرسمي، وكان يملك مع شقيقه الأصغر تاكسي، ويعيش حياة رغدة لا ينقصه شيء، ونتيجة الإدمان فُصِل من عمله، وافتقر واحتاج حتى أنه كان يُنزِل محتويات الشقة إلى بئر السلم في خفية عن أعين أخوته وأخواته المقيمين معه في نفس العمارة ثم يبيعها بأبخث الأثمان، وللأسف الشديد إن أخيه الأصغر أنضم له في الإدمان. بل وانحرف الاثنان إلى تجارة الهيروين، وقُبض عليهما ثم تم تبرئتهما، وكان لكل منهما انحرافاته الجنسية مع بائعات الهوى.. تقدم الأخ الأكبر للعلاج فأمضى فترة الانسحاب ثم فترة التأهيل نحو ستة أشهر وانقطع تمامًا عن التعاطي. ولكن في ظروف ضعف تعرض للانتكاسة وعاد للهيروين، ولم يجد من ينقذه فاستسلم لما هو فيه، وباع الشقة التي يسكن فيها وأخذ يصرف على الهيروين، ومن كثرة المبالغ النقدية التي حصل عليها مع عدم وعيه كانت تتساقط من جيبه وهو لا يدري، وتبعه شقيقه الأصغر إذ باع شقته أيضًا، واشترى الاثنان شقة واحدة صغيرة. ثم باع الاثنان التاكسي الذي يمتلكانه، ورغم تعب الشقيق الأكبر معهما ولكن تعبه ذهب أدراج الرياح، والآن وهو في شبه الشارع يعيش على المعونة اليومية التي يحصل عليها من شقيقه الأكبر، وقد ساءت حالته إلى درجة كبيرة. 7- قد يكون للانتكاسة عواقبها الوخيمة، فمثلًا مدمن الأفيون بعد أن يقلع عنه إذا تعرض للانتكاسة وعاد للمخدر، فإنه يرجع بشغف ونهم ويتعاطى جرعات أكبر قد تؤدي إلى وفاته. 8- الذين يتعرضون للانتكاسة يحتاجون إلى علاج طبي ونفسي واجتماعي وروحي مركَّز، ويحتاج الفريق المعالج إلى صبر طويل حتى يعبر من هوة هذا الموت، فالإدمان مرض مزمن، والانتكاسة تعتبر مرحلة من مراحل العلاج قد يتعرض لها الإنسان مرة أو أكثر حتى يصل للشفاء الكامل. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|