هذا ما يريده الله أن يدرك الإنسان أنه غناه ومعارفه وملكاته لن تؤهِّله لنوال الروح واتّباع السيّد إلى مائدته المعدّة، بل بالحري طرح كلّ معرفة وغنى وقدرات خاصّة ومواهب تحت أقدامه والاعتراف بالفقر أمام عظم الدعوة، وقتها يهب الروح لعون الإنسان ولدفعه لإتمام أعمال بحسب مشيئة الله دونما افتخار العمل ودونما خمول استنادًا على نعمة فوقيّة.
عند القديس أغسطينوس “كلّ شي” تعني: “الحياة الدائمة في العالم الآتي” (الرسالة 157 إلى هيلاريوس Hilarius).
مع المسيح نحن نملك كلّ شيء؛ فالروح يفحص كلّ شيء حتى أعمق الله.. والروحي يحكم في كل شيء ولا يحكم فيه من أحد كما كتب القديس بولس في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس وفي الإصحاح الثاني.
أين إنجيل الرخاء والرّاحة من كلمات القديس بولس: “إِلَى هَذِهِ السَّاعَةِ نَجُوعُ وَنَعْطَشُ وَنَعْرَى وَنُلْكَمُ وَلَيْسَ لَنَا إِقَامَةٌ. وَنَتْعَبُ عَامِلِينَ بِأَيْدِينَا. نُشْتَمُ فَنُبَارِكُ. نُضْطَهَدُ فَنَحْتَمِلُ. يُفْتَرَى عَلَيْنَا فَنَعِظُ. صِرْنَا كَأَقْذَارِ الْعَالَمِ وَوَسَخِ كُلِّ شَيْءٍ إِلَى الآنَ.” (1كو4: 11-13). إنّ الكلمة المحوريّة في هذا الحديث هي: “إلى هذه الساعة Αχρι τῆς ἄρτι ὥρας” فهل كان القديس بولس مرفوضًا من الله لذا كان يجوع ويعطش ويلكم ويعرى بل ويصير كأقذار العالم ووسخ كلّ شيءٍ!!!
ليس هذا فقط بل في رسالته الثانية إلى الكورنثيين يضع حجر زاوية لرسوليّته وتكريسه بحسب مشيئة الله مستندًا على ما ناله من الألم بل وما يحيا يوميًّا من آلامات من أجل نشر كلمة الله عبر البلدان المختلفة، إذ يكتب: “أَهُمْ خُدَّامُ الْمَسِيحِ؟ أَقُولُ كَمُخْتَلِّ الْعَقْلِ: فَأَنَا أَفْضَلُ. فِي الأَتْعَابِ أَكْثَرُ. فِي الضَّرَبَاتِ أَوْفَرُ. فِي السُّجُونِ أَكْثَرُ. فِي الْمِيتَاتِ مِرَاراً كَثِيرَةً. مِنَ الْيَهُودِ خَمْسَ مَرَّاتٍ قَبِلْتُ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً إِلاَّ وَاحِدَةً. ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ضُرِبْتُ بِالْعِصِيِّ. مَرَّةً رُجِمْتُ. ثَلاَثَ مَرَّاتٍ انْكَسَرَتْ بِيَ السَّفِينَةُ. لَيْلاً وَنَهَار اًقَضَيْتُ فِي الْعُمْقِ. بِأَسْفَارٍ مِرَاراً كَثِيرَةً. بِأَخْطَارِ سُيُولٍ. بِأَخْطَارِ لُصُوصٍ. بِأَخْطَارٍ مِنْ جِنْسِي. بِأَخْطَارٍ مِنَ الأُمَمِ. بِأَخْطَارٍ فِي الْمَدِينَةِ. بِأَخْطَارٍ فِي الْبَرِّيَّةِ. بِأَخْطَارٍ فِي الْبَحْرِ. بِأَخْطَارٍ مِنْ إِخْوَةٍ كَذَبَةٍ. فِي تَعَبٍ وَكَدٍّ. فِي أَسْهَارٍ مِرَاراً كَثِيرَةً. فِي جُوعٍ وَعَطَشٍ. فِي أَصْوَامٍ مِرَاراً كَثِيرَةً. فِي بَرْدٍ وَعُرْيٍ.” (2كو 11: 23-27).
كيف يستقيم التعب والأخطار والجوع والعطش والصوم والبرد والعري والضرب والرجم والجلد وانكسار السفينة، على مفهوم إنجيل الرخاء المنحول؟!!!