رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
دراسات وتأملات في طوبيا - الفهرس تفسير سفر طوبيا - المقدمة إهداء شكر تقديم مقدمة الكتاب مدخل السفر اللغة وزمن الكتابة قانونية السفر تقسيم سفر طوبيا الحواشي والمراجع إهداء إلى الأب... إلى المعلم... إلى الأسقف... بل إلى المطران إلى مثلث الرحمات نيافة الأنبا أغاثون رئيس دير الأنبا بولا العامر. فلقد بذلت الكثير، وبجهد وفير، تحرث وتغرس وتسقى جيلًا بأكمله... وملتحف بنعمته... ومتسربلًا بقوته... وأخيرًا هنئت بملكوته. أذكرنى في صلاتك ابنك الراهب القس يؤانس الانبا بولا شكر أعجز أن أنظر إلى قمة عمود من أعمدة الكنيسة الحية. واعجز عن أن أنطق بالشكر لأب يبذل كل الجهد ولا يستبقى لنفسه القليل. ولكن بعجزى أحاول أن أقدم كل مشاعرى الى نيافة الحبر الجليل الأنبا أثناسيوس مطران بني سويف والبهنسا الذى راجع هذا الكتاب بالرغم من اتعابه ومشغولياته الكثيرة، بل وقدم هذا الكتاب بخطاب هو درسًا في الاتضاع. حاللنى وأذكرنى أبنك الراهب القس يؤانس الأنبا بولا تقديم لنيافة الحبر الجليل الأنبا أثناسيوس عن سفر طوبيا كنت قد اطلعت على هذا الموضوع ولم أتمكن من كتابة المقدمة، على أي حال أرى أن تشمل المقدمة ما يلي: 1- يَعْتَبِر البعض جميع الأسفار القانونية الثانية كتابات تقوية أكثر منها موحى بها. والرد على ذلك في التعليق على صفحة 19 وفصّلَ قانونية السفر وهو جيد جدًا. 2- يظن البعض ان السفر يحوى قصة خيالية عن سارة التي كان شيطان يقتل من تتزوجه، بينما لا نجد في هذه القصة أي غرابة وهناك كثيرات خطبن مرات وفشلت خطبتهن فلا عجب إن كان الشيطان هنا يقتل الزوج مرات عديدة. وإن كان الفريسيون قد سألوا رب المجد لمن تكون زوجة في القيامة من تزوجت أخوة سبعة، فلا عجب أن يكون السبعة هنا غير أخوة. 3- يقول البعض إنّ سَكَن شيطان مع سارة وقتله ازواجها امر غريب. ومن معجزات السيد المسيح شفاء لاجئون أي legion فرقة يسكنون شخصًا واحدًا، وأغلب الظن أن سارة كانت تقية وحسنة الخلق فكان الشبان يتمنون الاقتران بها. ولكن الله كان قد حفظها لشخص تقى يناسبها. وكان الشيطان يقتل العريس بسماح من الله. 4- ان الشيطان هرب عند رفع بخور معين فليس في هذا غرابة لأن البخور أنواع حسبما يصل إليه الإنسان. والمُرْ دائمًا من انواع البخور الممتازة. 5- عن صعود الشيطان في البخور: نجد في سفر القضاة أن ملاك الرب صعد في دخان الذبيحة التي قدمها جدعون ونحن في نهاية كل قداس نقول "يا ملاك هذه الذبيحة الصاعد إلى العُلى..." فالبخور الذي يحبه الملائكة، تهْربُ منه الشياطين... (ارجو أعادة صياغة هذه المقدمة) أثناسيوس مطران بني سويف والبهنسا مقدمة الكتاب هذا هو الكتاب الثاني في سلسلة دراسات في الكتاب المقدس. ونشكر الله، على استجابة بعض آباء الكنيسة ومعلميها للنداء الذي وُجِه للاهتمام بهذه الأسفار. ولقد كان لسفر طوبيا نصيب الأسد من هذه الأسفار. ومع ذلك لأن كلمة الله غير محدودة وكل إنسان منا ينظر إليها من زاوية مختلفة وبالتالي يرى أشياء أخرى مختلفة عن الآخرين مما شجعني على نشر هذه الدراسة. فسفر طوبيا هو سفر كل أسرة من مهدها إلى لحدها بأفراحها وأتراحها. فهو يرينا كيف نهتم بتربية أولادنا. وكيف نختار شريك الحياة، وما هي الأهداف من الارتباط بسر الزيجة، ولِمَا يسمح الله لنا ببعض التجارب القاسية وهل الله يتخلّ عنا حقًا في هذه الظروف! أم يجعل كل الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبونه. ولقد نهجْتُ نفس الخط الذي للكتاب السابق(1) في هذه الدراسة من حيث: الاهتمام بقانونيته، ولغتهِ ومدى ارتباطه بالكتاب المقدس. علاوة على إبراز نبواته مع الرد على أهم الاعتراضات. ولان هذا السفر مِن أهم الأسفار التي كانت تعتمد عليها الكنيسة الأولى من الناحية التعليمية للموعوظين. لذلك حاولت ان اقترب من هذه النقطة على هيئة بعض التأملات لإضفاء روح الاستفادة من الحياة العملية من هذه الدراسة. وقد استخدم نص ترجمة الاباء اليسوعيين التقليدية المأخوذة عن الترجمة اللاتينية (الفولجاتا) مع وضع شواهد كتابية لآيات السفر بسبب انتشار هذا النص بصورة موسعة بين أبناء الكنيسة، مع مقارنته بالنص العربي المترجم عن القبطي الذي عن اليوناني المستخدم في قراءات كنيستنا مع الرجوع إلى جميع الترجمات العربية التي عن الأصول اليونانية واللاتينية، مع بعض الترجمات الانجليزية إن كانت عن اليونانية - وخاصة السبعينية - أو اللاتينية - وخاصة الفولجاتا. واشكر كل من له تعب معى في هذا العمل وخاصة مكتب أوبشنز والأستاذ جورج ميخائيل عبد الملك والأستاذ ناجى نجيب زكى. راجيًا من الله أن يستخدم هذا العمل لمجد اسمه بشفاعات السيدة العذراء مريم ومار يوحنا الحبيب والقديس يوحنا المعمدان والأنبا بولا. وبصلوات صاحب الغبطة والقداسة البابا شنودة الثالث ادامة الله زخرًا للكنيسة. |
19 - 06 - 2014, 11:34 AM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: دراسات وتأملات في طوبيا الراهب القمص يوأنس الأنبا بولا
مدخل السفر طوبيا طوبيا أو طوبيت بن طوبيل بن حنانئيل من سبط نفتالي، هو الشخصية الرئيسية في سفره والتي تدور حوله أحداث السفر، وقد تزوج من قبيلته وانجب ابنًا سمى طوبيا. فهو احد رجال الله الأتقياء وهو يعطينا فكرة عن ان الإنسان يستطيع ان يعيش في وسط شرير ولا يتأثر به ولكن يؤثر فيه بنعمة المسيح. حيث أنه عاش في فترة من أحلك الفترات التي مرت على إسرائيل فلقد سُبِىَ إلى أشور في سنة 722 قبل الميلاد ومن المعروف أن سبط نفتالي كان ضمن المملكة الشمالية والتي كانت عاصمتها السامرة تم سبيها بالكامل في الفترة ما بين سنة 733 قبل الميلاد إلى سنة 722 قبل الميلاد. حيث قام تغلث فلاسر في ايام فتح بن رمليا واستولى على عيون آيل وبيت معكة وبانوح وقادش وحاصور وجلعات والجليل (2 مل 15: 29). بينما في حكم هوشع بن أيلة صعد عليه شلمنأسر ملك أشور وأخضعه وأجبره على دفع الجزية. ولكن هوشع حاول أن يتمرد عليه وصنع حلفًا مع مصر. لكن شلمنأسر قبض عليه وأودعه السجن وحاصر السامرة ثلاث سنوات وأستطاع أن يستولى عليها وسبى بقية مملكة إسرائيل واسكنهم في حلح وخابور ونهر جوزان ومدن مادى (2 مل 17: 3- 6). فالسِفْر أساسًا يطلق عليه اسم الأب طوبيث -وبسبب الترجمة اللاتينية التي جعلت اسم الأب مشابه بالابن أي كلاهما طوبيا فأشتهر باسم طوبيا. ولقد كان عنوانه الاصلى باليونانية (كتاب اقوال طوبيث) وقد عُدِلَ في المخطوط الفاتيكانى إلى (كتاب اقوال طوبيث) اما المخطوط الإسكندري (سفر طوبيث). فمع طوبيا واسرته هلم نتجول سويًا في داخل سفره. |
||||
19 - 06 - 2014, 11:35 AM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: دراسات وتأملات في طوبيا الراهب القمص يوأنس الأنبا بولا
اللغة وزمن الكتابة لم يصلنا سفر طوبيا إلا مترجمًا في ثلاث صيّغ(2):
ولقد أنحصر تمامًا الآن فكر أن سفر طوبيا كُتِبَ باليونانية. وأصبح كل الدارسين يؤكدون تمامًا -ما قاله من قبل العلامة أوريجانوس والقديس جيروم- بأن النص اليوناني الدارج مترجم عن العبري أو الآرامى(3). والسفر يحوى أدلة تشير إلى حتمية الأصل السامي -أي اللغة العبرية أو الآرامية- مثل بعض التراكيب النحوية. إذ لا يحتاج تفسيرها فقط إلى وجود يهودي كتبها، وإنما إلى كاتب فَكَر وكَتب باللغة العبرية أو الآرامية(4). ومن التعبيرات التي تدل على الأصل السامي(5) (أى اللغة العبرية أو الآرامية). 1- أنا حفظت روحى (نفسى) من أكل... (طو 1: 12). 2- أنا واحد (الابن الوحيد) لأبى... (طو 3: 1). 3- لا... واحد (في اليوناني يستخدم لا أحد)... (طو 3: 8). 4- من وجه الأرض... (طو 3: 6) 5- أبناء الأبرار... (المقصود بها الاختصاص بالبر أي أصبح ملكًا لهم (طو 7: 9). 6- لنقف... أمام... (المقصود بها الخدمة)... (طو 12: 15). 7- جيد.. (من الأفضل) قليل من البر أفضل من كثير من الإثم (والمقصود به الاعتدال في السلوك مثلما في طلب المال).. (طو 12: 8). أما فلماذا لم يستطع أن يحدد العلماء بعد لغة السفر الأصلية أهي العبرية أم الآرامية؟! فمن المعروف أن اللغة الآرامية في زمن أحداث السفر هي اللغة الأكثر شيوعًا في عالم اللغات السامية ولهذا نجد أن ألياقيم وشبنه ويوأخ يفهمونها ولهذا طلبوا من ربشاقى أحد رؤساء جيوش سنحاريب أن يكلمهم بالآرامية وليس بالعبرية لكي لا يفهمهم عامة الشعب عندما أرسلهم حزقيا الملك لكي يتفاوضوا معهم (أش 36: 11) -وخاصة في التجارة والسياسة. ولقد وجد كثير من الوثائق والعقود على أغلفتها من الخارج الكتابة باللغة الآرامية أما الوثائق نفسها مكتوبة بالأشورية بالخط المسماري مما يؤكد هذه الحقيقة. ومن المعروف أيضًا أنها اللغة الرسمية للإمبراطورية الأشورية، والإمبراطورية الفارسية. ففي السنوات الأخيرة من القرن الماضي تم اكتشاف مخطوطات عديدة في سنجيرلى بالقرب من حلب منها نقوش بنامو ونقوش باركاب وترجع إلى عصر تغلث فلاسر ملك أشور سنة (743- 723 ق.م) (2 مل 15: 29). وعندما اكتشفت هذه النقوش ثار حولها الجدل أيضًا مثل سفر طوبيا الأن هل هي تنتمى إلى العبرية أم الآرامية حيث التشابه بين اللغة العبرية واللغة الآرامية في هذه الحقبة من الزمن تشابه شديد ووثيق حيث لم تكن اللغة العبرية والآرامية قد تميزت كلغتين منفصلتين وهناك وجوه أخرى من وجوه التشابه فالكلمات تكاد تكون متماثلة كما تتشابه الضمائر أيضًا(6). ونجد أيضًا سفر يونان النبي يحتوى على بعض التعبيرات الآرامية -ولا يمكن قبول السفر بأي حال أنه سفر رمزي. لأن السيد المسيح له المجد تكلم عن حقيقة توبة أهل نينوى -وبالتالي لابد من قبول تاريخ يونان كتاريخ حقيقي. وهو من أيام يربعام الثاني. وبذلك يكون سفر يونان من مدونات نفس الفترة. وبالتالي يتأكد لنا تمامًا من حقيقة تدوين سفر طوبيا أثناء خراب نينوى. وقبل السبي البابلي لأورشليم. سفر طوبيا دُوِنَ بعد خراب نينوى بقليل. وحيث أن نينوى خربت سنة 612 قبل الميلاد. أي أن السفر كُتب في أوائل القرن السادس قبل الميلاد، ومما يؤكد ذلك أنه لا يشير إلى فترة عزرا ونحميا والمكابيين ولا إلى فترة السبي البابلي لأورشليم. وإن قال البعض(7) أن الثلاثة اصحاحات الاولى من السفر كُتبت في سنة 689 قبل الميلاد والبعض الآخر يفترضون سنة 350 قبل الميلاد. فإن الكنيسة تضع في الحسبان تاريخ إعادة صياغة النصوص بسبب تحديث اللغة وخاصة أنه لم يصلنا سفر طوبيا في لُغته الأصلية ولكنه مترجمًا عنها. |
||||
19 - 06 - 2014, 11:36 AM | رقم المشاركة : ( 4 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: دراسات وتأملات في طوبيا الراهب القمص يوأنس الأنبا بولا
قانونية السفر لقد ُأُدْرِجَ سفر طوبيا ضمن الترجمة السبعينية التي تمت في أيام بطليموس الثاني فيلادلفيوس سنه ٢٨٥ - ٢٤٧ قبل الميلاد. أي أن السفر كان موجودًا ومعروفًا قبل هذا العصر، وكان ترتيبه بين أستير وأيوب. وقد أدرج أيضًا ضمن سيماخوس وتادوسيون التي تمت سنه ١٣٠م. وأيضًا ضمن ترجمة الفولجاتا اللاتينية التي قام بها القديس جيروم سنة (٣٣١ - ٤٢٠م). وكان ترتيبه في هذه الترجمة بعد سفر نحميا وقبل سفر يهوديت وأستير. وهو نفس الترتيب الموجود به في الترجمة السريانية البسيطة. وضمن المخطوطات السينائية، والفاتيكانية، والإسكندرانية المرموز لها بالرموز (Rs.Rv.Rc). ولقد كان السفر منتشرًا بصورة واضحة جدًا بين الأوساط اليهودية حتى وقت قريب فلقد وجد ضمن مخطوطات قمران جزء منه بالعبرية. واربعة أجزاء منه بالآرامية. ونجده مثلًا(8): ضمن مدراش رابا الرباوى. ومدارش بريشيت رابا الكبير ومدراش بريشيت رابا. وضمن نص مونستر العبري ونص فاجيوس العبري. وكل آباء الكنيسة اعتبروه سفرًا قانونيًا فقد ورد ضمن الكتب القانونية في قوانين الرسل قانون رسطا ٨٠(9). وقد ذكر أيضًا من ضمن الكتب القانونية في مجمع قرطاجنة سنة ٤١٩ م في القانون رقم ٢٤(10) - وهذا المجمع يعتبر مصدر التشريع الكنسي لكنائس أفريقيا لأنه أعتمد قوانين ١٦ مجمعًا سابقًا له من الفترة (٣٤ - ٤١٩ م)، ومن ضمن هذه المجامع مجمع هيبو المنعقد في سنة ٣٩٣ م. ومجمع قرطاﭽنة المنعقد في ٣٩٧ م. وهما من المجامع التي اعترفت بقانونية السفر -وقد استمرت جلساته- أي مجمع قرطاﭽنة المنعقد في سنة٤١٩ م - لمدة ست سنوات متتالية، وقد حضره القديس أغسطينوس (٣٥٤ - ٤٣٠ م) وهذا المجمع كان في حبرية البابا كيرلس الكبير الملقب بعمود الدين بابا الاسكندرية. ويذكر أيضًا ضمن الكتب القانونية التي للقديس أثناسيوس الرسولي (٣٢٦ - ٣٧٣م). كما ورد في البذاليون في التعليق على قانون الرسل رقم ٨٥ عند الروم(11). وقد أقتبس منه وأستشهد به آباء الكنيسة الأولون مثل: أكلمندس الرومانى - تنيح في ٩٠ م تقريبًا عاصر القديس يوحنا الحبيب والرسول الإنجيلى - في رسالته الثانية إلى كورنثوس (قارن طو ١٢: ٨ مع رسالته هذه ١٦: ٤)(12). (وقارن أيضًا طوبيا ٧: ٨ مع رسالته الثانية لكورنثوس ١٦: ١٦)(13). وأيضًا القديس ﭙوليكاربوس تلميذ يوحنا الرسول وأسقف سميرنا - أستشهد سنة ١٥٥ م - في رسالته إلى فيلبى(14) (قارن ١٠: ٢ مع طوبيا ١٢: ٩ وكذلك ٤: ١٠). والعلامة أوريجانوس في كتاب الصلاة(15) في الفصول (١١، ١٤، ٣٢) مثلًا من: (طوبيا ٣:١،٢، ٢٤،٢٥ و١٢: ٨ و١٢: ١٢. وتستخدم هذه الآية كثيرًا ١٢: ١٥). وإكليمندس الإسكندري في كتابه المربى (الفصل الثاني ٢٣ والفصل ٦: ١٣)(16). وديوناسيوس الإسكندري في رسالته العاشرة(17). والبابا أثناسيوس في رده على الأريوسيين الفصل الحادي عشر(18). والقديس ديديموس الضرير في كتابه الثالوث (فصل ٣: ١)(19). وأيضًا كل من ديوناسيوس الرومانى وباسيليوس الكبير وجيروم وأغسطينوس والبابا ليون الكبير - المشهور في كنيستنا بلاون والذى حدث بسببه انشقاق الكنيسة في مجمع خلقدونية - والبابا كليستوس بابا روما في كتابتهم المختلفة. ويصفه القديس كبريانوس في مقال له عن الرحمة بأنه: "كتاب طوبيا الموحى به من الله"(20). ويقول عنه القديس أثناسيوس الرسولي(21) مع بقية الاسفار القانونية - والتي يقال عنها تجاوزًا القانونية الثانية(22) - (طوبيا، يهوديت، حكمة سليمان، حكمة يشوع بن سيراخ، باروخ، تتمة دانيال وأستير، مكابيين الأول والثاني): "قد عينها الآباء كى يقرأها الذين ينضمون الينا حديثًا، والراغبون في أن يتدربوا في حسن العبادة لأنها نافعة للتعليم". ولقد أقتُبِس هذا التعبير عن معلمنا بولس الرسول الذي أخذه من بساطة الترجمة السبعينية "كل الكتاب هو موحى به من الله، ونافع للتعليم والتوبيخ للتقويم والتأديب الذي في البر (٢ تى ٢: ٦)". ويقول عنه مارتن لوثر مؤسس البروتستانتية: "أ تاريخ هو؟ أنه لتاريخ مقدس - بأسلوب شعرى؟ إنه حقًا لمؤلف جميل ونافع ومتكامل أبدعه شاعر ملهم"(23). بسبب أعتراض زونجلى وكالفن(24) من قادة الحركة البروتستانتية على قانونية بعض من الاسفار بينها سفر طوبيا(25) دعت الكنيسة الكاثوليكية إلى عقد مجمع تردنت عام ١٥٤٦م(26) فأكدت قانونية هذا السفر مع بقية المجموعة حتى مكابيين الثاني. وكنيسة الروم الارثوذكسية اليونانية أكدته أيضًا في المجمعين المنعقد أحدهما في القسطنطينية وكمل في ياش سنه ١٦٤٥م. والثاني في أورشليم سنه ١٦٧٢م(27). وأيضًا في مجمع سنه ١٦٧٥م(28) والكنيسة الروسية الارثوذكسية تطبعه ضمن طبعة العهد القديم باللغة السلافية(29). ولقد كان ضمن طبعات الكتاب المقدس. حتى بدأت جمعيات الكتاب المقدس طبعه مع أسفار (يهوديت، حكمة سليمان، حكمة يشوع بن سيراخ، باروخ، المكابيين الأول والثاني، وتتمة سفرى دانيال وأستير) في ملحق خاص به في أول طبعة باللغة الالمانية للكتاب المقدس. وقد سارت على هذا المبدأ، جمعية الكتاب المقدس البريطانية حتى سنة ١٧٢٨م، حينما حذفته نهائيا. ولكن بعض جمعيات الكتاب المقدس تراجعت بعد الحرب العالمية الثانية. بسبب إحساسها بالعمل المسكونى، فبدأت في طبعه كملحق بين العهدين تحت شعار: (طبعة مسكونية للمرة الاولى منذ عهد الاصلاح وهذه الطبعة الكاملة للكتاب للمقدس نالت موافقة الكنائس البروتستانتية والكاثوليكية والارثوذكسية)(30) (مجلة مرقس نوفمبر ١٩٩١م.). وأخيرًا اصدرت دار الكتاب المقدس في الشرق الاوسط ترجمة حديثة ضمت هذه الأسفار منفصلة بين العهدين، ولكن توجد بعض التحفظات من كنيستنا تجاه هذه الترجمة (الطبعة الأولى سنه ١٩٩٢م)(32). أما كنيستنا القبطية فقد كانت بعيدة عن هذا الصراع، فلقد سارت على النهج الرسولي تجاه هذا السفر. وأعطته مكانته ضمن الأسفار القانونية. وتقرأه بكامله في يوم الجمعة من الأسبوع السادس من الصوم الكبير(31). والذى ينتهى بقراءة فصل المولود أعمى، حيث تلفت نظرنا إلى قوة السيد المسيح النور الحقيقي الذي يهبنا استنارة روحية وجسدية من خلال تعليمنا واعطائنا درسًا عمليًا وهو شفاء كل من طوبيا والمولود أعمى. ولقد قامت بطباعته ضمن قطمارس الصوم الكبير katameooc -على أساس أنه يُقْرَأ به- أول مرة في تاريخ الطباعة المصرية بالمطبعة القبطية الأهلية ١٥٨٩للشهداء ١٨٧٣م ولأنها لم تطبع حتى الآن الكتاب المقدس ككل، تقوم بطبع مجموعة هذه الأسفار (طوبيا، يهوديت تتمة أستير، حكمة سليمان، حكمة يشوع بن سيراخ، باروخ تتمة دانيال، المكابيين الأول والثاني) في كتيبات خاصة لمنفعة أولادها. ولتعويضهم عن حرمانهم نتيجة ما تنتهجه جمعية الكتاب المقدس ببيروت، لحذفها هذه الأسفار. فلقد ترجم عن القبطية التي عن اليونانية ثم قامت بطبعه مطبعة عين شمس الأثرية سنة ١٩١١م، بأمر قداسة البابا كيرلس الخامس بابا الاسكندرية. وقامت بطبع نفس الترجمة كنيسة السيدة العذراء مريم بمحرم بك بالأسكندرية طبعة أولى سنة ١٩٥٥م وطبعة ثانية ١٩٧٥م. وهذه الترجمة هي المستخدمة في القراءات الطقسية بقطمارس الصوم الكبير. ولقد قام الأستاذ مرقس جرجس بطبعها على نفقته الخاصة عن ترجمة الفولجاتا العربية التي قام بها الآباء اليسوعيون. وكذلك كنيسة مارجرجس باسبورتنج طبعته بالتصوير عن الطبعة السابقة. وقامت مطرانية بني سويف والبهنسا بطبعه وهو مطابق لهذه الترجمة أيضًا. ولقد طبعته بالتصوير عن الترجمة العربية للفولجاتا كل من كنيسة السيدة العذراء مريم بالفجالة، ومكتبة المحبة بالقاهرة، وأصدرت كنيسة العذراء مريم بالعمرانية بعض أجزاء منه على هيئة نبذات. وهذه الترجمة هي الأكثر انتشارًا حاليًا. |
||||
19 - 06 - 2014, 11:37 AM | رقم المشاركة : ( 5 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: دراسات وتأملات في طوبيا الراهب القمص يوأنس الأنبا بولا
تقسيم سفر طوبيا 1) مقدمة (١: ١ ،٢) 2) طوبيا وعمل الرحمة ونتائجها (١: ٣ - ٢: ١٠) أ- طوبيا في الجليل (١: ٣- ١٠)3) أوجه الشبه بين طوبيا وسارة (٢: ١١- ٣: ٢٥) أ- طوبيا يطلب الموت (٢: ١١- ٣: ٦)4) شفاء طوبيا وسارة (٤: ١- ١١: ٢١)ب- سارة تطلب الموت (٣: ٧- ١٥) أ- إعداد طوبيا لموته (٤: ١- ٥: ٣)5) ما بعد الشفاء (١٢: ١- ١٣: ١٨)ب- طوبيا يستأجر رفيق للرحلة (٥: ٥- ٢٨) أ- روفائيل يكشف عن نفسه (١٢: ١- ٢٢)6) نهاية القصة (١٤: ١- ١٧) أ- موت طوبيا ووصاياه الثانية (١٤: ١- ١٣) |
||||
19 - 06 - 2014, 11:39 AM | رقم المشاركة : ( 6 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: دراسات وتأملات في طوبيا الراهب القمص يوأنس الأنبا بولا
طوبيت 1 - تفسير سفر طوبيا مقدمة حياة طوبيا قبل السبي طوبيا في السبي طوبيا وسنحاريب الحواشي والمراجع مقدمة: سفر طوبيا هو سفر كل أسرة تعيش حسب وصايا الله، وإرادته، ولكنها تجد نفسها أمام تجارب عنيفة، وطاحنة. ولا تعرف لها أي سبب. ومع ذلك لا تفقد ثقتها بالله الحنان، ولذلك تصرخ إليه وتضع كل حياتها في يدى الله لكي يخلصها من هذه المحنة والتجربة التي لحقت بها متى شاء، ويحول هذه التجارب إلى إكليل فخر ومجد على هامتها. حياة طوبيا قبل السبي: فأسرة طوبيا التي كانت تسكن بالجليل ضمن حدود سبط نفتالي قد سببت على يد شلمناصر الخامس ملك أشور. ويستعيد طوبيا أيام صباه عندما كان يسكن في منطقة الجليل حيث تقع مدينتهم، فيتذكر أنه يجار الأحداث في أفعالهم ولكنه كان يتقى الله، وعندما كان الشبان يذهبون ليعبدوا عجلىّ الذهب اللذين نصبهما يربعام بن ناباط (1). كان طوبيا يذهب إلى أورشليم ويسجد للرب في هيكله، ويوفى كل ما تطالب به الشريعة من عشور وبكور. وكيف كان يعطى كل ثلاث سنوات عشوره وبكوره للغرباء، وبقى على هذا الحال حتى السبي. ويتذكر أيضًا أيام زواجه بحنة امرأته والتي كانت من سبطه، والتي انجب منها ابنه الوحيد والمحبوب إليهما والذى أسماه طوبيا. طوبيا في السبي: لقد سار طوبيا حسب تقواه في أرض سبيه، فكان لا يأكل من أطعمة الأمم، ولم يتنجس بمأكولاتهم أو معبوداتهم. فأعطاه الله نعمة أمام الملك شلمناصر فأعطاه تصريحًا أن يذهب حيثما شاء، وأن يفعل ما يشاء. فأخذها فرصة وابتدأ يطوف على المسبيين، ويعلمهم، ويرشدهم إلى خلاص نفوسهم. في ذلك الوقت رأى غابليوس أحد أقاربه في فاقة فأعطاه عشرة قناطير من الفضة إعارة بصك على أساس أن يرده إليه متى تحسنت أحواله، وكان طوبيا يطعم الجياع ويكسو العراه ويدفن الموتى الذين لا يهتم بهم أحد أو من في فاقة، ويواسى كل أحد. ونلاحظ هنا أن تقوى طوبيا لا تقوم على التأمل الباطنى في الشريعة فقط، بل تمتد إلى ممارسة الأعمال الصالحة، وهذا يذكرنا بقول مار يعقوب الرسول: "لكن يقول قائل أنت لك إيمان وأنا لى أعمال. أرنى إيمانك بدون أعمالك وأنا أريك بأعمالي إيماني (يع 2: 18)". وهذا ما يؤكده القديس بولس الرسول حيث يطالبنا بأن نسلك في خطوات إيمان أبينا إبراهيم (روميه 12:4)، بحيث أن نظهر إيماننا بالمسيح من خلال أعمالنا فيكون إيماننا عمليًا وليس نظريًا. طوبيا وسنحاريب: وفى هذه الفترة مات الملك شلمناسر الخامس وتولى سنحاريب الملك عوضًا عنه، وحاول أن يغزو مملكة يهوذا لكنه فشل بسبب تجديفه على الله، فضرب ملاك الرب مائة وخمسًا وثمانين ألفًا من جنوده، فرجع حانقًا على شعب إسرائيل الذين في مملكته، فكان يقتل منهم عددًا غفيرًا. أما طوبيا فكان يدفنهم فنما إليه خبره، فأمر بقتله ومصادرة جميع ممتلكاته. فهرب طوبيا من أمام وجهه هو وامرأته وابنه واختبأوا لأن كثيرين كانوا يحبونه. وبعد خمسة وأربعين يومًا من عودة سنحاريب من غزوته على اليهودية، قاد ابناه محاولة انقلاب فاشله ولكنهما قتلاه فيها وهربا إلى أرارط، فرجع طوبيا إلى منزله ورّد إليه كل ماله. |
||||
19 - 06 - 2014, 11:40 AM | رقم المشاركة : ( 7 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: دراسات وتأملات في طوبيا الراهب القمص يوأنس الأنبا بولا
طوبيت 2 - تفسير سفر طوبيا الاحتفال بالعيد تجربته الحواشي والمراجع الاحتفال بالعيد: "و.... في يوم عيد الرب أن صُنِعَت مأدبة عظيمة في بيت طوبيا فقال لابنه هلم فادع بعضًا من سبطنا من المتقين لله ليأكلوا معنا(طو 2: 1، 2)" كان من عادة اليهود أن يعيدوا ثلاثة أعياد رئيسية في خلال العام (لا 23 ، تث 16: 16). بالإضافة إلى يوم الكفارة الذي كانوا يعيدون له في اليوم العاشر من الشهر السابع والأعياد الثلاث هي:-
فذهب ابنه وعاد إليه، ولكن بدلًا من أن يأتى بأحد الفقراء، أتى بخبر غير سار وهو أن أحد بني جنسه مقتول في أحد الشوارع وجثته ملقاة كدمية على وجه الأرض. فترك طوبيا وليمته في الحال، وقام مسرعًا، وأخذ معه بعضًا من عبيده - وكان القانون يسمح للإسرائيلين باقتناء بعضًا من الأمم كعبيد لهم. وجعلهم يحملون الجثة ويخبئونها إلى غروب الشمس لكي لا يتنجس ويأكل من وليمته في وقتها، حيث كان اليهود يعتبرون بداية اليوم الجديد من عشية اليوم الذي يسبقه(3) أي بعد غروب الشمس. ونلاحظ هنا أنه نسب إلى طوبيا أنه هو الذي قام بأخذ الجثة وتخبئها إلى بعد الغروب ودفنها مثلما ننسب إنجاز شيء إلى الملك أو الرئيس الذي تتم في أيامه. ونجد أن يوسف الرامى ونيقوديموس قاما بدفن المسيح على عَجَلٍ قبل غروب الشمس لكي يستطيعا أن يأكلا من خروف الفصح ويعيدا عيد الفطير في ميعاده. ونرى فضيلة دفن الموتى من الغرباء والفقراء قد تأصلت لدى اليهود. وهذا ما نلاحظه في دفن يوسف الرامى للسيد المسيح. ونلاحظ أيضًا أن قادة اليهود قاموا بشراء قطعة أرض وجعلها مقبرة للغرباء بالثمن الذي باع به يهوذا الاسخريوطى السيد المسيح له المجد. "وبعد أن خبأ الجثة أكل الطعام باكيًا مرتعدًا فذكر الكلام الذي تكلم به الرب على لسان عاموس النبي أيام أعيادكم تتحول إلى عويل ونحيب (طو 2: 5، 6)". نرى هنا أن طوبيا يتذكر ويعى جيدًا أقوال الأنبياء الذين سبقوه، ومنهم قول عاموس النبي(4) "وأُحَول أعيادكم نوحًا وجميع أغانيكم مراثى (عا 8: 10)"، وهذا يوضح لنا أن حفظ أقوال الله يحفظنا من كل خطية. ويذكرنا بحلوله في وسطنا. وكلامه دائمًا لا يكون كلام هباء بل كل ما يقوله يفعله ويتممه حتى لو أبطأ بعض الوقت. " وكان جميع ذوى قرابته يلومونه قائلين: "لأجل هذا أمر بقتلك وما كدت تنجو من قضاء الموت حتى عدت تدفن الموتى (طو 2: 8)" إننا نجد أن بعض الأهل والأقرباء هم أكثر معوق في الطريق الروحى -للأسف الشديد- فبدلًا من أن يشجعوا كل من أراد أن يسلك في الطريق نحو الله، نجدهم بقدر المستطاع يجذبوهم إلى أسفل. وكأن من أراد أن يسير مع الله. يفعل شرًا عظيمًا. ولابد مِن ترك هذه الرذيلة من وجهة نظرهم. والا أصبح لهم عدوًا، فيترصدون له الأخطاء. ناسين أنهم بشر ولهم ضعفتهم، ومازالوا في حرب مع الشيطان وكل أعوانه، فلابد أن يسقطوا ويقوموا ولذلك قيل: "الصديق يسقط سبع مرات في اليوم ويقوم (ام 24: 16)"، أو يشبعونه استهزاء، وسخرية بكلمات لاذعة وعنيفة ما بين التهكم، أو اعتباره قديسًا، أو ملاكًا ليس من هذا الكوكب، ولذلك نجد أن السيد المسيح يحذرنا قائلًا: "أعداء الإنسان أهل بيته (مت 10: 36)". وفي موضع آخر يقول "ليس نبى بلا كرامة إلا في وطنه (مر 6: 4)". أما طوبيا الذي يعى جيدًا "يجب أن يطاع الله أكثر من الناس (أع 5: 21)." لا يهتم بكلامهم، ويواصل السير في هذه الفضيلة لكي تنمو معه يومًا فيومٍ إلى ملء قامة المسيح (اف 4: 13). وعادةً أي فضيلة بها قوة داخلية تعمل وتساعد كل مَنْ أراد أن ينفذها. ولهذا نجد طوبيا لا يخشى أمر الملك (طو 2: 9) بل يستمر في دفن الموتى. تجربته: وعندما ينتصر طوبيا على تجربته الاولى، من خلال ثباته في الفضيلة، وأثبت عمليًا أنه يجب أن يطاع الله أكثر من الناس (أع 5: 21)، فكان له أن يتعرض إلى تجارب أخرى لكي تزكى هذا الإيمان وتثبته، وتأصله في أعماق وجدانه البشرى، لكي كل من يرى أعماله الصالحة يمجد الله، ولذلك نجد أن الله سمح له أن يتعرض إلى تجربة من نوع جديد، وهي إصابته بالعمى نتيجة وقوع بعض من ذرق أحد الطيور في عينيه وهو سخن عندما كان نائمًا بجوار الحائط (طو 2: 10 - 13)، فنجده ينتصر في هذه التجربة المريرة أيضًا التي أفقدته بصره، وبعد ذلك أمواله التي أنفقها على الأطباء لعلاجه لكن من دون فائدة. ونراه يقدم الشكر لله (طو 2: 14) على كل حال، ومن أجل كل حال، وفي كل حال. وقد يتعجب البعض كيف يشكر الله على فقدانه بصره وأمواله ومركزه، نعم يشكر الله لأنه أخذها من يد الله الذي يعرف ماذا تحتاج إليه نفسه لإصلاحها، وتقويمها، وتنقيتها، وتزكيتها أمامه. فالهنا كأب حنون، لا يمكن أن يعطى إلا كل خير، ما ينظر إليه البعض على أنه مصيبة حالة بهذا الإنسان. وليس معنى أن طوبيا يشكر الله أنه لا يتألم، بل يتألم أشد الألم، والشيطان يحاول أن يستغل هذه الفرص، ويشككنا في محبه الله، وعنايته ويظهره كأنه تخلى عنا. وأصبحنا من غير خاصته ولماذا كل هذه الآلام ؟! ويجلب الأهل والأصدقاء لتأكيد هذا الفكر، كيف نكون أبناء الله ويعرضنا لمثل هذه التجارب؟! وأين أعمالنا التي كنا نقدمها من أجل الله؟! ناسين أنه لابد للشجرة أن تقلم لكي تأتى بثمر. فإلهنا الصالح ينزع منا كل ما لا يأتى بثمر لمجده، وهذا النزع لابد له أن يحدث ألمًا. ولذلك نجد أن القديس بولس الرسول يصف الإنسان المؤمن الواقع تحت التجربة قائلًا: "ولكن كل تأديب في الحاضر لا يُرى أنه للفرح بل للحزن، وأما أخيرًا فيُعطى الذين يتدربون به ثمر بر للسلام (عب 12: 11) ". ونجد أن طوبيا وضع في تطابق مع أيوب الصديق (طو 2: 12 - 16). وكأنه على كل نفس مؤمنة أن توضع في هذا التطابق العجيب. فتخرج هي الأخرى أنقى من الذهب المصفى (أى 23: 10)، حيث تتم تنقيتها بين يدى ضابط الكل، الذي يعرف جيدًا متى يرفع التجربة، ومتى يحولها، أو يحفظها، لأنه لا يتركنا للتجارب التي فوق طاقتنا. حيث لا يدعنا نجرب فوق ما نستطيع لكنه يجعل مع التجربة أيضًا المنفذ لنستطيع أن نحتملها (1 كو 1: 13)، فالشكر لا يلغى الآلام الناتجة عن التجربة. ولا الآلام تقدر أن تجعلنا لا نشكر الله على كل حال، ونتذمر عليه، وإن كان هذا لا يمنع من الدخول في عتاب مع الله، مثلما فعل كل من أيوب البار (أى 7: 7 -12) وإرميا (إر 12: 1) وحبقوق (حب 1:12 -17) وغيرهم كثيرون. "فإنما نحن بنو القديسين وإنما ننتظر تلك الحياة التي يهبها الله للذين لا يصرفون إيمانهم عنه أبدًا (طو 2: 18)". آه يا رب.... أرجوك يا إلهي الصالح. أعطنا أن نعى جيدًا أننا بنو القديسين، كما أعطيت ابنك طوبيا. هبنا يا رب أن لا نشاكل أهل هذا العالم في تصرفاتهم وملابسهم...... وفى أسلوبهم في الكلام والحياة... وفى المشى والحركات... نحن الأن يا رب في أشد الاحتياج لأن نعى أننا بنو القديسين... فلقد نسينا هويتنا في هذا العالم المضطرب.... نسينا أننا بنو الشهداء القديسين الذين سفكوا دماءهم من أجل الحفاظ على الإيمان والعقيدة... وإن تذكرناهم نحيا على ذكراهم... وكأننا انفصلنا عنهم. ولا نعى أننا لابد أن نسير على مبادئهم.... ونسير على نفس الدرب الذي ساروا هم فيه.... وأن ننظر إلى نهاية سيرتهم ونتمثل بإيمانهم (عب 13: 7). فأنك يا إلهى لا تتخلى عن أحد من أبنائك إن كان في شدة أو في ضيقة... وانك لابد أن تكافاه هنا على الأرض.... وفى السماء أضعاف أضعاف. أعطنا يا إلهى أن ننظر إلى تلك الحياة التي نعيش فيها معك إلى الأبد.... ولا يستطيع شيء مهما كان أن يفصلنا عنك أبدًا. وإن خُرْنَا هنا لبعض الوقت فأنت دائمًا تسندنا ولا تجعلنا نسقط... لأنك انت مسند أيادينا (مز 37: 24). وفى الأعداد (طو 2: 19- 22) نجد أن حنة امرأته تحمل على أكتافها أعباء مضاعفة لم تتعود عليها من قبل، منها الاهتمام برجلها الذي أصبح كفيفًا ولم يتعود على الحياة بدون بصره، ابنها الصغير الذي لا يقدر على الاهتمام بمسئولية الحياة، وعلاوة على كل ذلك التكفل بنفقات المعيشة بعملها في الحياكة. فلقد أخذت على عاتقها أن تخفف من شدة التجربة الحالة بزوجها قدر الإمكان. ولم تحاول أن تتهرب من هذه الاعباء بحجج واهية كما يفعل البعض الآن، ولكنها فضلت أن تعيش تحت هذا النير من أن تترك بيتها، ولم تحاول خلق المشاكل، أو أن تثير شكوك زوجها. إلى أن جاء يومٍ كان كئيبًا على الأسرة. حينما رجعت من عملها ومعها جديًا صغيرًا. فطوبيا يعلم جيدًا حدود الدخل التي تحصل عليه من عملها وأنه لا يكفى شراء جدى. ومع أنه يقدر جيدًا تعبها من أجله تساءل في شيء من الريبة والشك "من اين جاء هذا الجدي؟! فلو كان مسروقًا ردوه إلى أصحابه"، ولكنها لم تستطع أن تقنعه أنه ليس بمسروق. وتحت ضغط هذه المشاحنات تلفظت ببعض الكلمات التي آلمت طوبيا حيث أتت كلمات التعيير من أحبائه ومن خاصته، وما أصعب الجروح التي تتم من الأحباء، حيث لا نتوقع منهم هذا، ولكننا نتوقع منهم كل خير، وحب مقابل بذلنا وحبنا لهم. وهذا ما عبر عنه داود النبي بقوله: لأنه ليس عدو يعيرنى فأحتمل. ليس مبغضى تعظم على فأختبئ منه، بل أنت إنسان عديلى ألفى وصديقى الذي معه كانت تحلو لنا العشرة (مز 55: 12 -14)". وكان من نتيجة هذا الجرح الذي ألّمَ به نفسيًا أن وقف يصلى امام الله بدموع. |
||||
19 - 06 - 2014, 11:43 AM | رقم المشاركة : ( 8 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: دراسات وتأملات في طوبيا الراهب القمص يوأنس الأنبا بولا
طوبيت 3 - تفسير سفر طوبيا صلاة طوبيا تجربة سارة صلاة سارة الحواشي والمراجع صلاة طوبيا ما أجمل الصلوات التي تخرج في وقت الشدة والضيق. حيث تنبع من أعماق قلوبنا. وتكون بغير تشتت أو طياشة. وإلهنا يناشدنا أن نلتجئ إليه في هذه الأوقات حيث يقول "أدعني في وقت الضيق أنقذك فتمجدني (مز 15:5)" نلاحظ ان طوبيا بدأ صلاته بتمجيد عدل الله وإظهار أن طرقه كلها رحمة وحق، حتى وإن كانت في ظاهرها قاسية. فيطلب طوبيا من الله أن يفتقده بخلاصه ولا ينتقم منه بسبب خطايا آبائه، ويعترف أن كل ما أصابه، وأصاب إسرائيل، هو بسبب خطاياه خاصة، وخطايا آبائه، فنلاحظه يأتي بالملامة على نفسه أولًا، معلِّلًا ذلك بأنه لم يطع وصايا الله كما يجب. مع أننا نلاحظ أنه حسب الناموس بلا لوم (طو 2: 13-14). فهل يا ترى عندما نقف أمام الله نعلن أمامه أننا سبب كل ما يحدث من حولنا؟ ونتحمل مسئوليتها، ونتائجها أمامه، ونلقي تضرعاتنا أمامه بأكثر لجاجة طالبين رحمته وغفرانه؟ أم نلقي اللوم على الآخرين ونكتفي بذلك؟! نعم يا رب، أنك أقمت حراسًا على أسوار أورشليم، لا يسكتون كل النهار وكل الليل على الدوام للصلاة عنا. وها أنت تناجي ذاكريك أن لا يسكتوا ولا يدعونك تسكت حتى تتمم إرادتك (اش 26: 6-7) فهل نكتفي بذلك؟! كلا. بل أرجوك يا أن تعطي كل واحد منا، أن يشعر باحتياج الآخرين، لكي كل واحد فينا يذكر أخاه أمامك ملقيًا ضعفات أخيه كأنها ضعفاته الخاصة، كي ما تعطينا روح التوبة والحب الباذل إلى النفس الأخير. "والآن يا رب بحسب مشيئتك أصنع بي ومر أن تقبض روحي بسلام لأن الموت خير لي من الحياة (طو 6:3)". يا للعجب من هذا الرجل البار والقديس طوبيا، مع أن نفسه مُرَّةٌ للغاية، ومجروحة، لا يحاول أن يحل مشكلته بنفسه، فهو لا يطلب الانفصال عن زوجته حنة، في وقت كان يسمح فيه بالطلاق. وبالرغم من احتياجه في هذا الوقت العصيب لمن يسنده معنويًا، واجتماعيًا، ويشعره أنه ما زال محبوبًا، ومرغوبًا فيه بالرغم من عمى عينيه ولا يعيره. ولهذا نجد دائمًا إن المرضى بأمراض مزمنة -وخاصة المؤدية للموت(1)- في أشد الاحتياج إلى من يقف بجانبهم، ويخفف من آلامهم، لأنهم يشعرون بشدة الألم وخاصة ليلًا. فهل تعلم السبب؟ السبب هو غياب هذا التعضيد المعنوي، وهذا هو ما عبَّر عنه أيوب البار قائلًا: "هكذا تعين لي أشهر سوء وليالي شقاء قسمت لي. إذا اضطجعت أقول متى أقوم، الليل يطول وأشبع قلقًا حتى الصبح (أي 7: 3-4)، وأيضًا "الليل ينخر عظامي فيًّ ويقض الألم مضجعي (أي 17:30)"(2) ولكننا نجد أن طوبيا يضع إرادة الله فوق إرادته. ومشيئته فوق مشيئته الخاصة. فهل نحن نعلن أمام إلهنا أن يتمم إرادته ومشيئته في حياتنا؟ أم نتشبث بإرادتنا ونحاول أن نحققها بكل الطرق والوسائل المشروعة وغير المشروعة؟! فها هو طوبيا متمسك بكماله (طو 2: 14،13) إلى آخر لحظة مع كل الضغوط المحيطة به، ولكنه يطلب أمرًا يبدو غريبًا، فهو يطلب من الله أن ينهي حياته وزمن غربته على الأرض. نعم يطلب من الله، لأن الله هو الوحيد الذي له الحق في ذلك، فهو يسمح بوجودنا في الوقت الذي يحدده، ويسمح براحتنا في الوقت الذي يحدده أيضًا. ولذلك نجد رجال الله لا ينهون حياتهم بأنفسهم عندما تضغط عليهم ظروف الخدمة، أو الحياة، لكننا نجدهم يلجئون إلى الله نفسه، لينهي تجربتهم على الأرض بالطريقة التي تروق له. فعلى سبيل المثال: موسى النبي نجده يطلب نفس الطلب من الله تحت ثقل الخدمة قائلًا: "فإن كنت تفعل بي هكذا -أي يحمل وحده اثقال الشعب- فاقتلني قتلًا إن وجدت نعمة في عينيك فلا أرى بليتي (عد 15:11)". ونجد إيليا النبي يطلب أيضًا نفس الطلب. ولكن تحت شعوره بالظلم والخوف من إيزابل أن تقتله، كما قتلت أنبياء الرب من قبل فهرب وسار في البرية مسيرة يوم حتى أتى وجلس تحت رَتَمةٍ وطلب الموت لنفسه وقال: "قد كفى الآن يا رب خذ نفسي لأنني لست خيرًا من آبائي (1 مل 4:19)". ونجد يونان النبي أيضًا يطلب الموت لنفسه تحت احساسه بأن كلمته سقطت ولم تهلك المدينة. وإن كان البعض يفسر طلبه بموته ناتج عن شعوره بهلاك شعبه المعلن من خلال خلاص الامم. فقال: "فالآن يا رب خذ نفسي مني لأن موتي خير من حياتي (يون 3:4)". ونجده يكرر نفس الطلب مرة أخرى حين ضربته الشمس وماتت اليقطينة (يون 8:4). ونجد سمعان الشيخ يطلب الموت لنفسه لكن في موقف يختلف تمامًا عن كل ما سبق، حيث يطلبه وهو في فرحه بالخلاص فقال: "الآن تطلق عبدك يا سيد حسب قولك بسلام لأن عيني قد أبصرتا خلاصك (لو 2: 29، 30)". وليس هؤلاء فقط فبولس الرسول يطلب نفس الطلب ولكنه في مجد الخدمة حيث يصرح ويقول: "لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح ذاك أفضل جدًا ولكن أن أبقى في الجسد ألزم من أجلكم (فل 1: 23)". وساره بنت راعوئيل تطلب الموت لنفسها من شدة التجربة الحالَّة بها فتقول: "أتوسل اليك يا رب أن تحلني من وثاق هذا العار أو تأخذني عن الأرض (طو 15:3)". ويعقوب أب الآباء بعدما رأى ابنه يوسف أي بعدما انتهت تجربته فيقول: "أموت الآن بعدما رأيت وجهك - أي يوسف - أنت حيٌ بعد (تك 30:46)" أي لا يخشى الموت بعد فرحه برؤية ابنه. ونلاحظ أن الله لم يستجب لأحد من كل هؤلاء في هذه الطلبة، باستثناء سمعان الشيخ، الذي كان قد أخذ وعدًا من قبل بأن لا يرى الموت قبل أن يعاين المسيح الرب (لو 29:2)، فكانت طلبته قائمة على معرفة تامة لإرادة الله. أما الباقين فكانت استجابة الله لهم تختلف بحسب ضيقة كل منهم، وفي حينها أيضًا. فنجد الله مثلًا، يسمح لموسى أن يقيم سبعين شيخًا ليساعدوه في شئون بني إسرائيل (عدد 11: 17، 25)، ولكن الله أخذ من روحه القدوس الذي سكبه على موسى وأعطاهم. ونراه بسبب ضعف إيمان إيليا النبي أمره الله بإقامة أليشع النبي عوضًا عنه. ويمسح ياهو بن نمشى ملكًا على إسرائيل، وحزائيل على آرام، لكي يقوما بتأديب بيت أخآب (1 مل 19: 15-18). واعلن له أنه قادر على حمايته وحفظ حياته كما حفظ سبعة آلاف إنسان لم يجثوا للبعل ولا قبلوا فمه. فإن كان لك مشكلة تؤرق حياتك، وتجعلها جحيمًا، فبدلًا من أن تجعلها تحاصرك لتقذف بك في هاوية اليأس ضعها بين يدي الله، وهو القادر على حلَّها، ولا تكن غير مؤمنٍ بل مؤمنًا (مر 11: 24،23). تجربة سارة (طو 3: 7-10): عادة نجد ان كل "روح الإنسان تحتمل مرضه، أما الروح المكسورة فمن يحملها (أم 14:18)". فإن كانت تجربة طوبيا هي في الجسد، فإننا نجد تجربة سارة هي تجربة نفسية - وسارة هي ابنة راعوئيل الذي سكن في راجيس إحدى مدن الماديين وهو قريب لطوبيا - فنجدها وقد عقد لها على سبعة رجال، واحدًا تلو الآخر، ولكنهم جميعًا يموتون في ليلة زفافهم. فكانت نفسها مُرة للغاية، وخاصة بعدما عيرتها إحدى جواري أبيها قائلة لها: "لا رأينا لك ابنًا ولا ابنة يا قاتلة أزواجها أتريدين أن تقتليني كما قتلت سبعة رجال (طو 2: 9،10)". فالتجارب التي تكون في الجسد، الكل يراها، وأحيانًا يشفق على صاحبها ويعمل على راحته. أما التجارب النفسية لا تكون ظاهرة للكل. واحيانًا كثيرة لا تكون سبب شفقة ولكن تعييرًا لاذعًا، وتهكمًا عنيفًا، ومادة للتسلية والضحك وخاصة في مجتمعنا الشرقي -للأسف الشديد- مما يسبب زيادة آلام ومعاناة صاحبها، ولذلك يتساءل الحكيم "أما الروح المكسورة فمن يحملها"؟! ولعل البعض كان يُصَوٍّر سارة وكأنها معشوقة لإبليس. الذي يطلق عليه أزموداوس والذي يعني المهلك. ولذلك يقتل أي إنسان يريد الزواج منها قبل أن يعرفها. وكمْ كانت هذه الكلمة تؤذيها فهي كابنة لله تعرف بأنه لا خلطة بينها وبين الشيطان (2 كو 14:6). ثانيًا: الشيطان روح وليس له جسد فكيف يعاشر من له جسد؟! ثالثًا: الشياطين ليس بينهم ذكور وإناث. رابعًا: الزواج لا يتم إلا بين كائنات لها نفس الجسد الواحد. فبقدر ما كانت هذه الكلمة -معشوقة أزموداوس- تؤلمها، بقدر ما تتعجب كيف طمست عيونهم عن معرفة هذه الحقائق. ونلاحظ أن السفر لا يصور إبليس كعاشق لها، وإنما كمجرب يجرب الإنسان بنوع من التجارب التي يتعرض لها في مدة غربته على الأرض بسماح من الله. ولكن هذا هو تفسير الإنسان عادة للأمور المخفاة عنه، والتي لا يعرف لها سببًا. ونرى في تجربة كل من سارة وطوبيا أنه لم يقف أحد بجانبهما معطيًا لهما يد العون. فلا تحزن يا صديقي المجرَّب إن لم تجد يد المعونة البشرية ممتدة نحوك. نعم لا تحزن، فكل من أختبر التجربة خرج بهذه النتيجة "الجميع تركوني. لا يحسب عليهم. ولكن الرب وقف معي وقواني (2 تي 4: 16-17)". ولذلك نجد المرتل يقول عنهم: "أحبائي وأصحابي يقفون تجاه ضربتي وأقاربي وقفوا بعيدًا (مز 11:38)". وهو نفس المنظر الذي تكرر عند صليب المسيح حيث "كان جميع معارفه ونساء كن قد تبعنه من الجليل واقفين من بعيد ينظرون ذلك (لو 49:23)"، وحتى عندما تجرأ يوحنا الحبيب وتقدم بالقرب من الصليب هو، وبعض النسوة لم يقدم شيئًا للمسيح بل أخذ منه أعظم هدية. وهي أمومة السيدة العذراء له (يو 27:19). ولذلك قال السيد المسيح على لسان إشعيا النبي: "قد دست المعصرة وحدى ومن الشعوب لم يكن معي أحد (أش 13-3)". وعندما يأتي أحد للتعزية لا يكون في الغالب سبب تعزية، وإنما لتجديد الجراح التي بدأت أن تلتئم، أو وصف أدوية لا تؤدي إلى الشفاء، وإنما تزيد المتاعب. والوقوع في بعض الاخطاء. ولذلك وصفهم أيوب قائلًا مُعَزون متعبون كلكم (أي 2:16). لكن نرى الله دائمًا، يُرسل معزيًا حقيقيًا، وفي الوقت المناسب، مثل إرسال أنسيفورس إلى بولس الرسول الذي قال عنه: "إنه مرارًا كثيرة أراحني ولم يخجل بسلسلتي (2 تي 16:1)". وكما أرسل شوبي بن ناحاش وماكير بن عمائيل وبرزلاي الجلعادي لداود عند هروبه من إبشالوم ابنه الذي تمرد عليه، وقاد محاولة إنقلاب فاشلة في المملكة (2 صم 17: 27- 29)، وكما أرسل عبد الملك الكوشى لإرميا النبي عندما طرحه بعض القادة السياسيين في جب موحل لكي يموت به (أر 38: 6- 13). فأرجوك يا صديقي لا تنتظر المعونة البشرية ولا تتكل عليها لأنه مكتوب "ملعون كل من يتكل على ذراع بشر (أر 5:17)"، بل انتظر المعونة النازلة من فوق من عند أبي الأنوار (يع 17:1). وكما انتصر طوبيا في تجاربه. هكذا نجد سارة أيضًا تنتصر في تجربتها من خلال تمسكها بالفضيلة (طو 3: 17-18)، وعدم جريها وراء أي دواء زائف يقدم لها من أي شخص. مثل الجري وراء العرافين والسحرة وغيرهم، ولكنها طلبت دوائها من طبيب أرواحنا، ونفوسنا، وأجسادنا والذي قال عن نفسه "أنا هو الرب شافيك (خر 26:15)". وفي طوبيا (3: 10) نجد سارة قد قرنت الصلاة بالصوم متممة قول يوئيل النبي: "قدسوا صومًا نادوا باعتكاف (يؤ 13:1)". صلاة سارة: وفي طوبيا (3: 13- 23) يوضح لنا كيف ختمت صومها، وصلاتها بجزء عميق جدًا. فهو يشرح لنا كيف كانت سارة تفكر تجاه تجربتها، وكم كان رجاؤها بالله قويًا فهي تبتدئ بمباركة الله، وتختتمها أيضًا بمباركته (طو 3: 13-23)، ومن خلال صلاتها توضح خطة الله في تأديب أولاده" حيث تعلن أنه بعد غضبه يصنع الرحمة وفي زمان البؤس يغفر الخطايا للذين يدعونه". وهذا هو ما طلبه حبقوق النبي أيضًا حيث يناجي الله قائلًا "في الغضب أذكر الرحمة (حب 2:3)"،وبقولها هذا تذكرنا بمعاملات الله نحو البشرية، حيث وهو في غضبه يهتم بها. من خلال اهتمامه بنوح وأسرته أثناء الطوفان. وكيف أشفق على لوط وأسرته عندما أحرق سدوم وعمورة بنار وكبريت متذكرًا إبراهيم أب الآباء وكيف وقف أمامه (خر 19: 29،16 و18: 23-33). وأشعياء النبي يؤكد هذا الكلام أيضًا فيقول: "طيبوا قلب أورشليم ونادوها بأن جهادها قد كمل أن اثمها قد عُفِيَ عنه أنها قد قبلت من يد الرب ضعفين عن كل خطاياها (إش 2:40)". ويكرر نفس الفكرة في موضوع آخر قائلًا: "لُحيظة تركتك وبمراحم عظيمة سأجمعك بفيضان الغضب حجبت وجهي عنك لحظة، وبإحسان ابدي ارحمك قال وليك الرب (إش 45: 7، 8). ونجد في الأعداد (طو 3: 16-22) أن سارة بعدما حاسبت نفسها بطريقة جادة أمام فاحص القلوب والكلى (رؤ 23:2)، والذي الكل مكشوف وعريان امامه (عب 13:4)،تفترض أن تجربتها كانت بسبب عدم استحقاقها لأحد هؤلاء، أو لم يكن أحدًا منهم مُستحقًا لها، وبذلك يكون الله قد حفظها لرجل أخر خلاف كل هؤلاء. ما أجملك أيتها الإنسانة البارة، نعم ما أجملك، وأنت تعي كلمات الله جيدًا وتستعملينها في حديثك معه، كحجة دامغة تعولين عليها عندما اشتدت عليك التجربة، ولم تقو بعد على احتمالها. فها أنت تعلمين جيدًا "ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء لأن من عرف فكر الرب أو من صار له مشيرًا، أو من سبق فأعطاه فيكافأ (رو 11: 33-35)"، وتُعلنين بعض الحقائق واحدة تلو الأخرى لكي ما تعزي نفسك في هذه التجربة، وتعزي كل نفس تقرأ صلاتك عندما تكون في تجربة. الحقيقة الأولى هي: "أن من يعبد الله يوقن أن حياته إن انقضت بالمحن فستفوز بإكليلها". هذا الإكليل الذي قال عنه بولس الرسول: "أخيرًا وضع لي إكليل البر الذي يهبه لي في ذلك اليوم الرب الديان العادل وليس لي فقط بل لجميع الذين يحبون ظهوره أيضًا (2 تي 8:4)". ويصفه في موضع آخر بأنه إكليل لا يفنى (1 كو 25:9)، ويصفه القديس بطرس الرسول بأنه إكليل المجد (بط 4:5). أما القديسان يعقوب ويوحنا يصفانه بأنه إكليل الحياة (يع 12:1، رؤ 10:2). الحقيقة الثانية هي: "إن من حلت به الشدة فسينقذ" ما أكثر الأمثلة التي نعرفها من خلال الكتاب المقدس. أو من خبرة الحياة في كل العصور بأن من يعبد الله وحلت به التجارب فدائمًا ينقذه الله مثل: يوسف الصديق وأيوب البار ودانيال النبي...الخ، لأن ابواب الجحيم لا تقوى على كل نفس متحدة بالله (مت 18:16). الحقيقة الثالثة: التي تطالب بها سارة الله بالأكثر في صلاتها الآن هي "أن مَنْ عرض على التأديب فله أن يرجع إلى رحمتك "لأنك ترحم - أي الله - عند غضبك"(3). ما أكثر المواقف التي تشرح لنا هذا المقطع من صلاتها، ولكن أكثرها إيضاحًا هو ما جاء على لسان الله ذاته حينما خاطب داود من جهة ابنه سليمان قائلًا: "أن تعوج أؤدبه بقضيب الناس وبضربات بني آدم ولكن رحمتي لا تنزع منه كما نزعتها من شاول الذي أزلته من أمامك (2 صمو 7: 15،14)". وها هو داود الملك عندما أخطأ وعدّ الشعب لكي يفتخر بعددهم، ولم يأخذ الفدية المفروضة عند تعداد الشعب لتقدم لخدمة خيمة الاجتماع (خر 30: 11-16)، يصرح ويقول لجاد النبي "فلنسقط في يد الرب لأن مراحمه كثيرة ولا أسقط في يد إنسان (2 صم 14:24)". ولذلك نجد ميخا النبي يناجي الله قائلًا: "من هو إله مثلك غافر الإثم وصافح عن الذنب لبقية ميراثه لا يحفظ إلى الابد غضبه فإنه يُسَر بالرأفة يعود يرحمنا يدوس آثامنا وتطرح في أعماق البحر جميع خطاياهم تصنع الأمانة ليعقوب والرأفة لإبراهيم اللتين حلفت لآبائنا منذ أيام القدم (7: 18-20)". الحقيقة الرابعة: هي "أنك لا تُسَر بهلاكنا" فإنه لو أظهر الله بعض القسوة من نحونا فذلك لمنفعتنا الخاصة. ولكنه لا يسلمنا أبدًا للهلاك، لأن كل من يحبه الرب يؤدبه ويجلد كل ابن يقبله. فإن كنا نحتمل التأديب يعاملنا الله كالبنين فأي ابن لا يؤدبه ابوه. ولقد كان لنا أباء حسب الجسد مؤدبين إيانا وكنا نهابهم أفلا نخضع بالأولى لأبي الأرواح فنحيا لأن أولئك أدَّبونا ايامًا قليلة حسب استحسانهم وأما الله فلأجل المنفعة لكي نشترك في قداسته (عب 12: 6-10). فالأم مثلًا تقسو على رضيعها لكي تفطمه فهي لا تريد هلاكه من خلال فطامه عن ثديها، لكنها تعطيه طعامًا لكي يَشُبَّ هذا الطفل ويكون إنسانًا طبيعيًا مع إن الطفل لا يدرك كل ذلك. فإلهنا الذي لا يسر بموت الخاطئ مثلما يرجع ويحيا (حز 18: 23-32) فيقبل الجميع إلى التوبة (2 بط 9:3) فيخلصون. ولمعرفة الحق يقبلون (1 تي 4:2). يضطر إلى تعرضنا لبعض التجارب لنستفيق من غفلتنا. ونتوب عن خطايانا. ولذلك نجد الله لا يترك عصا الخطاة تستقر على نصيب الصديقين لكي لا يمد الصديقون أيديهم إلى الإثم (مز 3:125). الحقيقة الخامسة: هي "أن الله يلقي السكينة بعد العاصفة وبعد البكاء والنحيب يفيض بالتهليل" نعم أنك يا رب تفيض دائمًا بالتهليل على أولادك، منها على سبيل المثال: ها هو يوسف الصديق الذي بيع كعبد، وسجن ظلمًا ما يزيد عن ثلاث سنوات، سُرعان ما انقشعت تجربته وصار الرجل الثاني لمصر -وهو الذي لم يكن يتوقع مركزًا مثل هذا عندما كان حرًا في بيت أبيه- ومن باعوه كعبد أتوا وسجدوا له تحت قدميه. والسيد المسيح يصف إبراهيم أب الآباء عندما جُرب قائلًا: "أبوكم إبراهيم أشتهى أن يرى يومي -أي يوم الخلاص- فرأى وفرح (يو 56:8)". فمتى حدث هذا؟! ذلك حدث عندما تقدم لذبح ابنه إسحق، ليقدمه محرقة للرب - ففرح جدًا، عندما انتهت تجربته وعاد بابنه حيًا، حتى انه أطلق على الجبل الذي كان سيذبح أسحق عليه "يهوه يراه" وهكذا دُعىّ اسم هذا الجبل إلى يوم كتابة سفر التكوين جبل الرب يرى (تك 14:22). وبعدما اتت التجربة بالغرض الذي من أجله سمح الله بها، كانت استجابته لهما سريعة جدًا. فأرسل ملاكه روفائيل لهما لكي يخلصهما. كما أرسل الملاك جبرائيل إلى دانيال ليعلن له استجابة صلاته، وكما أرسله إلى زكريا الكاهن لكي يعلن له أن صلاته قبلت وقد حان الوقت لكي ينجب ابنًا ويدعو اسمه يوحنا (لو 1: 11-19). _____ (1) راجع المساندة النفسية الاجتماعية وإرادة الحياة ومستوى الألم لدى المرضى بمرض مفضي إلى الموت. للدكتور محمد محمد بيومي خليل. نشر في مجلة علم النفس العدد 37. (2) حسب الترجمة الحديثة للكتاب المقدس الطبعة الأولى سنة 1993م. (3) حسب الترجمة التي عن القبطي، بينما الترجمة اللاتينية تترجمها: بعد غضبه يصنع الرحمة. |
||||
19 - 06 - 2014, 11:45 AM | رقم المشاركة : ( 9 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: دراسات وتأملات في طوبيا الراهب القمص يوأنس الأنبا بولا
طوبيت 4 - تفسير سفر طوبيا
أولًا: الوصايا نحو والديه ثانيًا: وصاياه نحو المجتمع ثانيًا: كيف تنجي من الموت؟ ثالثًا: الوصايا نحو ابنه الحواشي والمراجع في هذا الإصحاح نجد أن طوبيا الذي شعر بأن طلبته قد سُمعت، وصلاته قد قُبلت. استدعى ابنه لكي يوصيه ببعض الوصايا، ونرى أن هذه العادة- اعطاء بعض الوصايا للأبناء لكي تساعدهم في السلوك أمام الله- كانت منتشرة قديمًا. فإلهنا يقول عن إبراهيم أب الآباء: "لأني عَرَفْتَهُ لكي يوصي بنيه وبيته من بعده أن يحفظوا طريق الرب ليعملوا برًا وعدلًا لكي يأتي الرب لإبراهيم بما تكلم به (تك 18: 19)". وداود الملك أوصى ابنه سليمان ( 1مل 2، 1)، وسليمان بدوره يوصي كل نفس تأتي من بعده، من خلال سفر الأمثال، لكي نسلك في الطريق الروحي، وإلهنا يعاقب بيت عالي الكاهن لأنه لم يشدد على أولاده، لكي يسلكوا أمامه كما يحق بالدعوة التي دعوا إليها. وقال له: "لماذا تدوسون ذبيحتي وتقدمتي.. وتكرم بنيك عليّ لكي تسمنوا أنفسكم.. والأن يقول الرب فإني أكرم الذين يكرمونني والذين يحتقرونني يصغرون، هوذا تأتي أيام أقطع فيها ذراعك وذراع بيت أبيك حتى لا يكون شيخ في بيتك (1 صم 2: 29- 33)". ونجد أباءنا الرسل يوصون أولادهم، وتلاميذهم من بعدهم أيضًا فعلى سبيل المثال رسائل القديس بولس الرسول إلى تيموثاوس وتيطس ورسائل القديس يوحنا الحبيب. فنجد طوبيا يشدد على ابنه ويعطيه بعضًا من الوصايا وهي تنقسم إلى الآتي: 1- وصايا نحو والديِّه. 2- وصايا نحو المجتمع والناس المحيطين به. 3- وصايا نحو نفسه وعلاقته بالله. أولًا: الوصايا نحو والديه (طو 4: 3، 5): وهي تنقسم إلى الآتي: 1- الاهتمام بدفنه بعد موته. ونلاحظ هذه الوصية في كلام يعقوب أبي الأسباط ليوسف ابنه، وفي كلام يوسف الصديق لأخوته. 2- الإهتمام بوالدته من بعده، وإكرامها كل أيام حياتها، ويذكره بمدى تعبها من أجله. يا للعجب مِنْ هذا الرجل القديس. الذي سمع تعييره منها. لا يقول في حقها كلمة سوء أمام أبنها. أو يحاول أن يجتذبه في صفه ضد أمه. بل يعطيها كل كرامتها، وحقوقها أمام ابنها ويذكره بإيجابيات حياتها، ومدى بذلها من أجله!!! فهل لنا القدرة على أن نعي هذا الدرس؟ وهو لا يكتفي بهذا فقط، وإنما يشدد على دفنها بجواره متى استوفت زمان حياتها. فهو لا يريد أن يفرق الموت بين جسديّهما. هذا المنظر الجميل اضعه أمام كل زوج وزوجته يريدان أن ينفصلا عن بعضهما البعض، بسبب بعض المشاكل التي تسببها ظروف الحياة. فمع أنه أتهمها بالسرقة، وهي عيرته بعجزه مما سبب لهما ألآمًا نفسية شديدة. فهما يتجاوزان كل ذلك، لأنهما يعيا جيدًا أنهما أصبحا جسدًا واحدًا. وما جمعه الله لا يفرقه إنسان (تك2: 24، مت19: 5). وهذا المنظر- دفن الآباء والأمهات جنبًا إلى جنب نجده في حياة أباءنا الأولين مثل إبراهيم (تك25: 10). وأسحق ويعقوب (تك 49: 29- 31، 50: 13) ويهوديت (يهو 16: 28). ثانيًا: وصاياه نحو المجتمع: في هذه الفقرة نجد تطابق شديد بين عظة السيد المسيح على الجبل ووصايا طوبيا لأبنه. فنجد طوبيا يوصي ابنه ببعض الوصايا نحو المجتمع المحيط به: منها أكرام الشيوخ وطلب مشورتهم. وإعطاء أجرة الأجير في حينها، ومعاملة الناس كما يريد أن يعاملوه هو أيضًا، ويُشدد جدًا على فضيلتي الرحمة والصدقة، وينبهه أنه عندما لا يحول وجهه عن الفقير فحينئذ وجه الله لا يحول عنه، ويُعلمه مبدأً هامًا في حياته، وهو عندما يكون معه الكثير، يتصدق بالكثير، وإن كان لديه القليل، فيتصدق منه بنفس راضية ويضع أمامه نتيجة الرحمة والصدقة، وهي أجمل ما قيل عنهما في الكتاب المقدس. ففضيلة الرحمة هي إحدى صفات الله وهو يطالبنا بها. حيث يقول في عظته على الجبل: "كونوا رحماء كما أن أباكم رحيم (لو6: 36)". فنتيجة الرحمة والصدقة كما أعلنهما طوبيا لأبنه هي: "الصدقة تنجي من كل خطية. ومن الموت. ولا تدع النفس تصير إلى الظلمة (طو 4: 11)" ولكن كيف َمنْ يسلك بهذه الفضيلة، ان تنجيه من الخطية، ومن الموت، ولا تدع نفسه تصير إلى الظلمة؟! عادة أية فضيلة تبدأ من داخل الإنسان بسبب حبه لها، أو بسبب أي دوافع خارجية ولكن عندما يستمر فيها، وتتأصل فيه، تكون نتيجة واحدة. فنتيجة الصدقة هي حب الناس. ولذلك نعطف عليهم. أو من كثرة شفقتنا وعطفنا عليهم فنحبهم. والقديس بولس الرسول يقول عن المحبة: "المحبة تتأنى وترفق. المحبة لا تحسد، المحبة لا تتفاخر، ولا تنتفخ ولا تقبح ولا تطلب ما لنفسها ولا تحتد ولا تظن السوء ولا تفرح بالإثم بل تفرح بالحق وتحتمل كل شيء وتصدق كل شيء وترجو كل شيء وتصبر على كل شيء (1 كو13: 4- 17)"، وعندما تصل إلى هذه المحبة الكاملة بالتالي تنجو من الخطايا السالفة التي لا تتفق مع المحبة. وبذلك الصدقة تنجينا من الخطية. ثانيًا: كيف تنجي من الموت؟ اضَع أمامك بعض المواقف من الكتاب المقدس لكي تكتشف ذلك بنفسك. ففي أحد أيام حُكم أخاب على إسرائيل. أمر الرب إيليا النبي أن ينزل من جبل الكرمل إلى صرفة صيدا، حيث أمر هناك امرأة أرمله لكي تعوله. فأطاع إيليا، ونزل ولكنه فوجئ بالمرأة التي سوف تعوله أنها معدمة وكانت تجمع بعض العشب، فقال لها "أعطيني لأشرب" فذهبت لتستقي له ماء. فناداها مرة أخرى قائلًا: "هاتي لي كسرة خبز في يدك" فقالت له "حي هو الرب إلهك إنه ليست عندي كعكة ولكن ملء كف من الدقيق في الكوار. وقليل من الزيت في الكوز، وهأنذا أقش عودين لآتي وأعمله لي ولأبني لنأكله ثم نموت" فقال لها إيليا "لا تخافي ادخلي وأعملي كقولك، ولكن أعملي لي منها كعكة صغيرة أولًا. واخرجي بها إليّ ثم أعملي لك ولأبنك أخيرًا، لأنه هكذا قال الرب إله إسرائيل: إن كوار الدقيق لا يفرغ وكوز الزيت لا ينقص إلى اليوم الذي فيه يعطي الرب مطرًا على وجه الأرض". فأطاعت.. يا للعجب من هذه المرأة الأممية التي صدقت، وآمنت، وأطاعت سريعًا عندما علمت أن الكلام خارج من فم إله إسرائيل. أما نحن فكثيرًا ما نعصى ولا نعطي أذنًا صاغية للكلام. ونسير حسّب أهوائنا وميولنا. وأما إيليا فظل مقيمًا عندها وهي تعوله. وفي أحد الأيام مرض ابن هذه الأرملة، واشتد مرضه جدًا حتى لم تبق به نسمة، فعاتبت إيليا النبي قائلة "مالي ومالك يا رجل الله، هل جئت إليّ لتذكير إثمي وإماته ابني". فقال لها "أعطيني أبنك" وأخذه من حضنها وصعد به إلى العلية التي كان مقيمًا بها وأضجعه على سريره وصرخ إلى الرب وقال "أيها الرب إلهي أأيضًا إلى الأرملة التي أنا نازل عندها قد أسأت بإماتتك ابنها" وتمدد على الولد ثلاث مرات، وصرخ إلى الرب وقال "يا رب الهي لترجع نفس هذا الولد إلى جوفه" فسمع الرب لصوت إيليا، فرجعت نفس الولد إلى جوفه فعاش، فأخذ إيليا الولد ونزل به من العلية(1) ودفعه إلى أمة قائلًا لها انظري ابنك حي (سفر الملوك الأول 17: 8-14)". ونلاحظ هنا أنه قد شدد في صلاته أمام الرب على أن أم الصبي تعوله وتخدمه قائلًا له " أأيضًا إلى الأرملة التي أنا نازل عندها قد أسأت بإماتتك ابنها" فهنا أعتمد إيليا في صلاته على رحمتها به، وخدمتها له، وصدقتها المقدمة إليه. وإن كانت اعتذرت في البداية قائلة له: "ليس عندها شيء جاهز للأكل، والذي لديها لا يكفيه، ولكنها تراجعت وقدمت إليه كعكة صغيرة ساخنة. والموقف الثاني حدث مع تلميذه أليشع، عندما كان يتردد على منزل المرأة الشونمية، فكانت تقدم له خبزًا ليأكل، وماءً ليشرب، ولم تكتفي بهذا فقط، بل قامت ببناء علية لكي يستريح بها عندما يمر عليهم. فقال أليشع لتلميذه جيحزي: "ماذا يصنع لهذه المرأة مقابل كل تعبها معنا". فأجاب قائلًا "أنه ليس لها ابن ورجلها قد شاخ" فدعا أليشع المرأة وقال لها "في هذا الميعاد نحو زمان الحياة تحتضنين أبنًا" فحبلت وولدت أبنًا كما قال لها... وفي أحد الأيام وقفت هذه المرأة أمام أليشع النبي. فشعر بمرارة نفسها، وعاتبته قائلة: "هل طلبت أبنًا من سيدي ألم أقل لا تخدعني" وطلبت منه أن يذهب معها، وقالت له: حي هو الرب وحية هي نفسك إنني لا أتركك. فقام وتبعها ودخل معها البيت، فوجد الصبي ميتًا ومضطجعًا على سريره، فدخل وأغلق الباب خلفه وصلى إلى الرب، فأستجاب له الرب وقام الولد. فدعا جيحزي قائلًا: "أدع هذه الشونمية". فدعاها ولما دخلت إليه قال: "احملي ابنك". فأتت وسقطت على رجليه. وسجدت إلى الأرض. ثم حملت ابنها وخرجت (2 مل 4: 8-37)، أليس بسبب صدقتها واهتمامها به قد وهب لها هذا الولد، وعندما فارق الحياة قام بصلواته من بين الأموات. ولمْ يحدث هذا-أي الإقامة من الأموات بسبب الصدقة- في العهد القديم فقط، وإنما في العهد الجديد أيضًا. ويشرح ذلك القديس لوقا في سفر الأعمال (أع 9: 31- 42) قائلًا: في أحد الأيام التي كان فيها بطرس مقيمًا في لدة، وجد رجلين من يافا يطلبان منه بإلحاح لكي ينزل معهم عاجلًا، فقام وذهب معهم. وإذا بالبيت الذين يدخلونه صوت بكاء وعويل، وعندما أدخلوه العلية وجد إنسانة يقال لها طابيثا. والتي تعني غزاله. مائتة. وفيما هو يتفرس في هذا المنظر، وجد بعض الأرامل وهن يرينه بعض الأقمصة. والثياب مما كانت تتصدق به لهن طابيثا وهي معهن. لأنها كانت إنسانة ممتلئة أعمالًا صالحة وإحسانات. فأخرج بطرس الجميع خارجًا وجثى على ركبتيه. وصلى. ثم التفت إلى الجسد المدد وقال: "يا طبيثا قومي" ففتحت عينيها. ولما أبصرت القديس بطرس الرسول جلست، فناولها يده وأقامها، ثم نادى القديسين والأرامل وأحضرها حية. وهكذا أتضح لنا أن الصدقة ليست تنجي من الموت فقط، ولكنها قادرة أيضًا على الإقامة من بين الأموات، ولذلك قال المرتل: "طوبى للذي ينظر إلى المسكين في يوم الشر ينجيه الرب، الرب يحفظه وينجيه، يغتبط في الأرض ولا يسلمه إلى مرام أعدائه، الرب يعضده وهو على فراش الضعف مهدت مضجعه كله في مرضه (مز41: 1- 3)"، ولذلك يطلب منا سليمان الحكيم قائلًا: "أرْم خبزك على وجه المياه، فإنك تجده بعد أيام كثيرة. أعط نصيب السبعة والثمانية أيضًا، لأنك لست تعلم أي شر يكون على الأرض (جا 11: 1، 2)". فالصدقة قادرة أن تنجي من الموت الروحي أيضًا، لأنها عادة تجعل القلب مرهف الحس ومن خلال هذا الحس المرهف، يشعر الإنسان بأية خطية تصدر منه، ويقدم عنها توبه، ويستجيب لعمل الروح القدس ولصوت السيد المسيح الصارخ في داخله، وبذلك ينجو من الموت الروحي، الذي قال عنه يوحنا الحبيب: "مبارك ومقدس من له نصيب في القيامة الأولى- المقصود بها القيامة من الموت الروحي وذلك من خلال التوبة عن الخطية- هؤلاء ليس للموت الثاني- وهو الجحيم (رؤ 20: 14، 21: 8)- سلطان عليهم (رؤ 20: 6)". والسيد المسيح يشرح ذلك بالتفصيل قائل: "الحق الحق أقول لكم أن من يسمع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني فله حياة أبدية ولا يأتي إلى دينونة بل قد انتقل من الموت إلى الحياة. الحق، الحق أقول لكم إنه تأتي ساعة وهي الآن حين يسمع الأموات- أي الأموات بالخطية- صوت ابن الله والسامعون يحيون... لا تتعجبوا من هذا فإنه تأتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته، فيخرج الذين في القبور صوته، فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة والذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة (يو5: 24- 29)". ولهذا يَعِد مَنْ يغلب في الحياة الروحية أن الموت الثاني لا يؤذيه (رؤ 2: 11). فلذا الصدقة لا تدع النفس تصير إلى الظلمة، ولكي أوضح ذلك أقدم هذا الحدث، في أحد الأيام عندما كان كرنيليوس قائد المئة الروماني يصلي كعادته- ولم يكن قد آمن بالمسيح بعد- رأى ملاكًا من الله داخلًا إليه وقائلًا له: "صلواتك وصدقاتك صعدت تذكارًا أمام الله. والأن أرسل إلى يافا رجالًا، واستدع سمعان الملقب بطرس، وهو يقول لك ماذا ينبغي أن تفعل" فأطاع... وجاء بطرس وكلمه عن الإيمان بيسوع المسيح الطريق الوحيد للخلاص (أع 4: 12). لأن كل من يؤمن به ينال باسمه غفران الخطايا. فآمن كرنيليوس بالمسيح، واعتمد حالًا لأنه أدرك جيدًا أن من لم يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله (يو 3: 5). وهكذا أنقذ كرنيليوس نفسه من الظلمة والهلاك الأبدي (أع 10: الخ)، وبما أن الصدقة تنجينا من الخطية ومن الموت الروحي عن طريق التوبة، فمن الطبيعي أن تنجينا من الظلمة بقوة المسيح. ولذلك تشدد الكنيسة على الصدقة وتنبهنا إلى هذا يوميًا، حيث تصلي الإنجيل القائل: "لا تخف أيها القطيع الصغير لأن أباكم قد سر أن يعطيكم الملكوت، بيعوا مالكم وأعطوا صدقة، واعملوا لكم أكياسًا لا تبلى وكنزًا لا ينفذ في السموات حيث لا يقرب سارق ولا يبلى سوس (لو 12: 32- 48)". في صلاة الخدمة الثالثة من نصف الليل وإذا قد أتضح لنا جيدًا أهمية الصدقة، فيا ليتنا لا نبخل على المسكين لأن من يرحمه يقرض الرب (أم 19: 17)، ولا تتشكك في من نعطي لأن السيد المسيح أوصانا قائلًا: "وكل من سألك فأعطه، ومن أخذ الذي لك فلا تطالبه"(لو 6: 30). ثالثًا: الوصايا نحو ابنه: ونجد هنا طوبيا يوصي ابنه، وكل من يريد أن يسمع إليه، بأن يُمّلِك الله على قلبه (طو 4: 6)، حيث أن القلب مركز المشاعر والاحاسيس والعواطف. ومكان استعلان الله في الإنسان حيث تسكن كلمته. وبالتالي لا يرضى بالخطية ولا يتحدى وصايا الله، ويحذره أيضًا من الزنى والكبرياء (طو4: 12- 14). والقديس أغسطينوس يُعَرِفْ الكبرياء قائلًا: "الكبرياء هي أن يحب الانسان في ذاته ما يمتاز به عن سواه"(2) والحكيم يشوع بن سيراخ يؤكد قول طوبيا من حيث أن الكبرياء مبدأ كل هلاك ويشرح ذلك قائلًا: "بدء كبرياء الإنسان هو الابتعاد عن الرب إذ يرجع قلبه عن صانعه، لأن بدء الخطية هو الكبرياء ومن رسخت فيه فاض أرجاسًا ولذلك أنزل الرب بالمتكبرين بلايا غريبة ودمرهم تدميرًا (سي 10: 14- 16)". وكما بدأ طوبيا وصيته بالعلاقة مع الله، هكذا نجده يختتمها بأن يبارك الرب في كل حين ويسترشد بأقواله (طو 4: 20). وأخيرًا يُعْلِمَهُ بدين غابليوس. ويطلب منه استرداده (طو 4: 21، 22)، وينبهه إلى إنه حتى لو لم يستطع أن يسترد المال، وعاش عيشه الفقراء سيكون لهم خير عظيم إذا أتقوا الله، وابتعدوا عن الخطية وفعلوا الخير، وهذا ما يؤكده يعقوب الرسول قائلًا: "أما أختار الرب فقراء هذا العالم أغنياء في الإيمان وورثة الملكوت الذي وعد به الذين يحبونه (يع 2: 5)"، ولهذا نجد القديس بولس الرسول وهو يظهر نفسه ضمن خدام الله الذين بلا عثرة، ولا تلام الخدمة بسببهم يقول: "كفقراء ونحن نغني كثيرين، كأن لا شيء لنا ونحن نملك كل شيء- من خلال الإيمان بالسيد المسيح لأن كل شيء مستطاع للمؤمن (2 كو 6: 10)". ونجد السيد المسيح يؤكد ذلك بقوله لملاك كنيسة سميرنا "أنا أعرف أعمالك وضيقتك وفقرك مع أنك غني (رؤ 2: 9)". _____ (1) حجرة في أعلى المنزل على السطح. (2) عن كتاب (خواطر فيلسوف) ترجمة الخوري يوحنا الحلو. |
||||
19 - 06 - 2014, 11:47 AM | رقم المشاركة : ( 10 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: دراسات وتأملات في طوبيا الراهب القمص يوأنس الأنبا بولا
طوبيت 5 - تفسير سفر طوبيا
طاعة طوبيا لأبيه كيفية استرداد المال الرفيق الرحيل الأسرة بعد الرحيل الحواشي والمراجع طاعة طوبيا لأبيه: "فأجاب طوبيا وقال: يا أبت كل ما أمرتنى به أفعله (طو 1:5)" فهنا طوبيا يعلن عن طاعته الكاملة. وللطاعة بركات كثيرة حصل عليها من سلكوا بها. مثل بيت يوناداب بن ركاب حينما اطاعوا أباهم في وصيته بعدم شرب الخمر كل أيام حياتهم هو ونساءهم وبنيهم وبناتهم. ولا أن يبنوا بيوتًا للسكن فيها ولا أن يكون لهم كرم ولا حقل ولا زرع بل أن يسكنوا في الخيام كل أيام حياتهم (إر 35: 6، 7). ولهذا السبب باركهم الرب بفم إرميا النبي قائلًا: "من أجل إنكم سمعتم لوصية يوناداب أبيكم وحفظتم كل ما أوصاكم به، لذلك هكذا قال رب الجنود إله إسرائيل لا ينقطع ليوناداب إنسان يقف أمامى كل الأيام" (إر 35: 19,18) وبسبب طاعة المسيح جعل الكثيرون أبرارًا (رو 19:5). ولذلك يوصينا القديس بولس الرسول قائلًا: "أيها الأولاد أطيعوا والديكم في الرب لأن هذا حق أكرم أباك وأمك التي هي أول وصية بوعد لكي يكون لكم خير وتكونوا طوال الأعمار في الأرض (أف 6: 1-3)". كيفية استرداد المال: وبعدما أعلن طوبيا عن طاعته الكاملة لأبيه يستفسر منه عن كيفية استرداد المال (طو 5: 2-4) وهنا يظهر عمل الأبوة بأكثر وضوح وذلك من خلال إرشاده لابنه والمحافظة على حياته وإنسانيته , فهو لا يحاول أن يغيظه (كو 21:3) ببعض الكلمات اللاذعة وحينما أعلن عن جهله بهذه الأمور ولكن وجهه في الطريق السليم يأخذ إنسان يثق فيه ليكون له مرشدًا في الطريق ويدافع عنه عند اللزوم - وهذا ما يحدث عادة في هذه العصور بسبب قطاع الطرق وهذه العادة كانت موجودة إلى وقت قريب. فهنا الأب يدفع ابنه في أمور الحياة، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى. لكي تتضح أمامه صورة العالم بحلوها ومُرّها لكي لا يراها من جانب واحد فقط فيكون صورة ذهنية عن العالم غير حقيقية حتى لا يصدم بالمواقع فيحدث له بعض الاثار النفسية العكسية. فالأبِ ترك لابنه مسئولية البحث عن الرفيق واسترداد الدين، مع أنه كان من الممكن أن يرشده لأناس ما يعرفهم بسبب تنقلاته السابقة ويثق بهم. الرفيق: وخرج طوبيا ليبحث عن رفيق رحلته (طو 5: 5-8) فجذب انتباهه إنسان بهى الطلعة مستعد للرحيل فحياه وسأله من أين هو؟ فإجابه: أنه من بني إسرائيل وسأله مرة أخرى هل يعرف طريق بلاد الماديين التي بجبل أحمتا؟ فأجابه: بنعم وأنه سلكها مرارًا كثيرة والأكثر من هذا أنه يعرف غابليوس وكان يتردد عليه مرات كثيرة. وهنا نلاحظ أن طوبيا ركز على نقطتين هما: الاولى: جنسيته لكي يحافظ على عادته التي تعلمها في بيت أبيه من نحو الشريعة وحفظها. فيا ليتنا نهتم مثل طوبيا بهذه النقطة في هذه الأيام الصعبة. فكثيرًا ما نفتح أبوابنا لأناس لا يعرفون المسيح، وكأنهم حملان ونفاجأ بأنهم ذئاب خاطفة لا تشفق على الرعية (أع 29:5). ولكن للأسف نكتشف ذلك بعد فوات الأوان، حينما افترسوا وخطفوا وداسوا وخربوا كل ما استطاعوا الوصول إليه وهربوا. والثانية: هي الطريق الموصلة إلى بلاد الماديين في أحمتا لكي يصل إلى غرضه.. ونلاحظ أن جبل أحمتا هي إحدى المناطق التي نقل إليها بني المملكة الشمالية أثناء سبى أشور لهم (2 مل 6:17) ولقد أقام بها الفرس فيما بعد قصرًا ملكيًا وقد اعتاد كورش وسائر ملوك فارس قضاء شهرين كل صيف بها لاعتدال جوها(1) وفي هذا القصر كانوا يحفظون سجلاتهم الملكية وفيه وجد داريوس الملك المرسوم الذي أصدره كورش بإعادة بناء أورشليم وهيكلها (عز 2:6) والاسم اليوناني لها (أكبتانا). وعندما اطمأن إليه طوبيا استأذنه لكي يخبر والده، ويأخذ برأيه، وذلك إتمامًا لوصية (ألتمس مشورة الحكيم دائمًا) (طو 19:4) فذهب إلى ابيه وقص أمامه كل شيئ فتعجب (طو 10:5)!!! لماذا تتعجب أيها الأب العزيز؟! هل كنت تظن أن الرب تركك والسيد نساك (إر 49: 14)؟! أم تتعجب من اهتمام ابنك ونشاطه؟! ألم تعلم أن لم يشفق على ابنه بل بذله لأجلنا أجمعين كيف لا يهبنا معه كل شيء ؟!(رو 32:8) أم نسيت هذه الحقيقة بسبب طول زمن التجربة؟!! فطلب طوبيا من ابنه أن يدخل بالفتى إليه وعندما دخل بالفتى. حياه الفتى قائلًا: "ليكن لك فرح دائم"، وهذا الفرح إحدى ثمار الروح القدس في المؤمن (غل 22:5) ومع ذلك استفسر منه عن كيفية سبب هذا الفرح الدائم وهو في هذه الشدة الحالة به؟! فعزاه الملاك قائلًا له: "كن طيب القلب فإنك عن قليل تنال البرء من لدن الله"، فالتجارب التي تحل بنا لا تستطيع أن تزيل سلام الله وفرحه من قلوبنا. الشئ الوحيد الذي يفعل ذلك هو الخطية وهناك فرق شاسع بين الألم، والحزن والكآبة فالتجارب تجعلنا نتألم فقط، ولذلك نجد الشهداء كانوا يفرحون بالألم لأجل السيد المسيح (لو23:6). فتعزى طوبيا بهذا الكلام. كما تعزى ديديموس حينما قال له الأنبا أنطونيوس: (أنى لمتعجب من حزنك على فقدك ما تشترك فيه معك أحقر الحيوانات كواسطة للشعور بها حيث لا شعور عندهم غير البصر. ولا تفرح متعزيًا لأن الله وهبك نظرًا آخر لا يهبه - تقدس أسمه - إلا لمحبيه فأعطاك عينين كأعين الملائكة، تبصر بهما الروحيات بل بواسطتها أدركت الإله نفسه وسطع نوره أمامك فأزاح دياجير الظلام عن عينىّ قلبك فاستنرت(2). وسأل طوبيا الشاب محدثه قائلًا له: هل تستطيع أن تصل بإبنى إلى غابليوس في راجيس مدينة الماديين؟ فأجابه. نعم أستطيع ذلك. فسأله عن عشيرته (طو 5: 16:19) فأظهر الملاك امتعاضًا ولكن جاوبه قائلًا له: لئلا اقلق بالك أنا عزريا بن حنانيا العظيم وهنا نلاحظ شيئًا مهمًا. فعندما سأله طوبيا الصغير عن جنسيته. أجابه: أنه من إسرائيل. أي من أسرة الله وهنا يعلن الملاك عن طبيعة خدمته من خلال اسمه فعزريا تعنى الله يعطى عونًا. وحنانيا تعنى الله رحيم أو حنان. أي هو الذي يساعد أو يعين أولاد الله الحنان. وقد يتساءل البعض لماذا لم يُعلن الملاك عن نفسه في هذا الوقت؟! ويجيب القديس أثناسيوس الرسولي قائلًا (أنه أخذ صورة شخص حقيقي حى حتى يثبت للأب طوبيا أنه إنسان أمين لكي يطمن من نحوه في اصطحاب ابنه معه في السفر وكان يخفى كونه ملاكًا لكي يستعلن إيمان طوبيا)(3) ونلاحظ أن طوبيا سأل عزريا عن عشيرته. فيا ليتنا ندقق في معرفة أصدقاء أولادنا ومعرفة حياتهم الروحية ومدى تأثيرها على أبنائنا في علاقتهم بالله. وبعدما اطمأن طوبيا من نحو رفيق ابنه في السفر اعتذر له في أدب جم. دون أن يعلم أنه ملاك - قائلًا له "إنك من نسب كريم غير أنى أرجو أن لا يسوئك كونى طلبت معرفة نسبك" (طو 19:5). الرحيل: فاتفقا على السفر. وأستودعهما في يد الله وملائكته لحراستهم، دون أن يعلم أن الذي يتحدث معه هو أحد السبعة الرؤساء الواقفين أمام عرش الله (طو 15:12) ووعده الملاك قائلًا: "آخذ ابنك سالمًا وسأعود به إليك سالمًا". وأخذ معهما كل ما يحتاجان اليه. وودع طوبيا أباه وأمه وسار إلى مدينه الماديين وهو في صحبة رئيس الملائكة روفائيل. الأسرة بعد الرحيل: وبعدما غاب طوبيا عن أعينهما بدأت أمه تبكى وتعاتب زوجها قائله له "قد أخذت عكازة شيخوختنا وأبعدتها عنا، لا كان هذا المال الذي أرسلته لأجله لقد كان في رزقنا القليل ما يكفى، لأن نعد النظر إلى ولدنا غنى عظيمًا). وهنا نلاحظ مشاعر الأمومة وعواطفها تجاه أولادها فهي مشاعر حانية. فهى لا تريد تعرض أولادها إلى أي نوع من الأخطار. فالمال في نظرها لا فائدة منه إذا حدث مكروه لابنهما، أو ينفصل عنهما، وليس كما يحدث من البعض في هذه الأيام، فالأخ يحاول أن يغتصب حقوق أخيه، ويفوز بأكبر قدر من الميراث، وحتى لو أضطر إلى تلفيق التهم لأخيه ومثوله أمام المحاكم، غير عالم أن كل هذا منه يصرخ وصراخ المظلومين قد دخل إلى أذنى رب الجنود (يع 4:5). يا ليتنا نعلم أن ترابطنا الأسرى أهم بكثير من المال. وهنا تظهر بعض فضائل هذه الأم فهى ترضى بأقل القليل. والاكتفاء دائمًا يصاحبه الشكر فهاتان الفضيلتان من أهم ما ينبغى أن يقتنيهما البيت المسيحى، ولا نغار من الجيران أو الأقرباء ونحمل أنفسنا أحمالًا لا حدود لنا بها. أو تحدث المشاكل بسبب إننا نلهث وراء تعظيم المعيشة (1 يو 16:2). ونلاحظ أن الأم تصف ابنهما بأنه عكازتهما في هذا السن، والعكاز في يد الإنسان لكي يستند عليه ويساعده في التعرف على الطريق - حيث قوة النظر تضعف بمرور السن. فهل نحن شباب اليوم عكاز الشيوخ فعلًا؟ أم الشيوخ مادة سخرية لنا بسبب بطئ حركتهم. وعدم تركيزهم أحيانًا. وعصبيتهم الظاهرة؟! أم نتملص منهم لكي نلهو مع أقراننا ونظن أن أفكارهم ومبادئهم ما هي إلا نوع من الرجعية؟! ونجد إن البار طوبيا يعزى امرأته ويؤكد لها إنه سيرجع سالمًا وعيناها ستريانه قائلًا لها "أنى أثق بأن ملاك الله الصالح يصحبه. ويدبره في جميع احواله، حتى يرجع إلينا بفرح (طو 27:5). وهنا تظهر ثمرة أخرى من ثمار الروح القدس في حياه طوبيا، وهي الإيمان. حيث يعرفه القديس بولس قائلًا "الإيمان هو الثقة بما يرجى والايقان بأمور لا ترى بعد" (عب 1:11) فهذا القديس كان يتحلى بالإيمان والرجاء والمحبة التي كانت تدفعه دفعًا إلى فعل الصدقة. بل كان ممتلئًا من ثمار الروح القدس التي كانت تنعكس على جميع تصرفاته ووصاياه لابنه. _____ (1) دائرة المعارف الكتابية. (2) تاريخ الكنيسة: للقمص منسى يوحنا. (3) cf. verse 27 below |
||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|