|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر القمص تادرس يعقوب ملطي مقدمة في إحدى جلسات الجمعية العمومية لمجلس كنائس الشرق الأوسط (29 من نوفمبر 1980)، إذ تحدث بعض اللاهوتيين الأرثوذكس والبروتستانت عن موضوع التجديد الكنسي Church Renewal أثيرت عدة تساؤلات منها: · ما هي نظرة الكنيسة لتعبير "التجديد الكنسي"؟ · من الذي يتجدد: الكنيسة أم العالم بدخوله في خبرة الحياة الكنسية كحياة جديدة في المسيح يسوع ربنا؟ · كيف ينعم الإنسان بالحياة الجديدة؟ وهل تبقي حياة تتجدد بغير انقطاع؟ · هل يتم التجديد علي المستوي الفردي أم خلال إطار الجماعة الكنسية؟ · هل يمكن للكنيسة أن تحيا علي الدوام بفكر متجدد دون أن تفقد طابعها التقليدي الأصيل؟ أو بمعني آخر، هل الحياة الكنسية التقليدية تمثل عائقًا في تجديدها المستمر أم معينًا لها؟ هذه عينة من الأسئلة التي رأيت لزامًا عليّ أن أجيب عليها بفكر إنجيلي كنسي أرثوذكسي، خاصة وأننا في هذا العام (1981) نحتفل بذكرى مرور ستة عشر قرنًا علي انعقاد مجمع القسطنطينية المسكوني (381 م) الخاص بالروح القدس. لذا اشتهى أن ندخل جميعًا لا في جدل عقلي جاف، بل نخضع للروح القدس الناري الذي يأخذ مما للمسيح ويخبرنا (يو 16: 15)، هذا الذي وهبنا الميلاد الجديد الروحي، ويثبتنا فيه، ويتعهد نمونا المستمر حتى يدخل بنا كلهيب نار متقد فنلتحم مع السمائيين وندخل إلي أحضان الآب أولادًا مقدسين له. القمص تادرس يعقوب ملطي |
10 - 05 - 2014, 07:13 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
التجديد في العهد الجديد كلمة "تجديد"كلمة "تجديد" لها جاذبيتها، يستخدمها البعض على المستوى الفردي، كأن يعلن الإنسان عن نفسه أنه في لحظة معينة صار متجددًا ومتمتعًا بخلاص السيد المسيح خلال الإيمان به. ويستخدمها البعض على المستوى الجماعي مثل حركات التجديد الليتورجي، كأن تعيد الكنيسة النظر في ليتورجياتها لتقدمها بفكر كنسي أصيل، وفي نفس الوقت تناسب الإنسان المعاصر. ويرفض البعض هذا الاصطلاح كلية بكونه يحمل ثورة على كل خبرة الكنيسة في الماضي وفكرها الأول. التجديد في العهد الجديد يرى نيافة المطران جورج خضر [1] أن كلمة "تجديد" كما تعنيها الكلمة الإنجليزية Renewal لم ترد في العهد الجديد. وأن الكلمة الواردة في حديث السيد المسيح مع تلاميذه: "الحقَّ أقول لكم إنكم أنتم الذين تبعتموني في التجديد متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده" (مت 19: 28) جاءت في العبرية لتحمل معنى انقضائيًا، أي يخص الانقضاء أو الحياة الأخرى. لهذا يرفض نيافته تعبير "التجديد الكنسي Church Renewal"، ويرى أن الكنيسة ليست هي التي تتجدد، بل العالم "Cosmos" يدخل إلى التجديد (رؤ 21: 1، مز 104: 30)، بتمتعه بالحياة الجديدة في المسيح يسوع، وعودته إلى ما كان عليه من مجدٍ،بمعنى آخر، الكنيسة في جوهرها هي "الحياة الجديدة" التي لا تشيخ، خلالها يدخل الكون إلى التجديد، ويدخل كل إنسان في العالم إلى الحياة الجديدة. وكان تعليق المتنيح نيافة الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمي أنه لا مانع من استخدام كلمة "تجديد" بشرط التمييز بين أربعة مصطلحات: 1- التجديد بالروح القدس: وهو قبول عمل السيد المسيح فينا، أي قبول عمل الخلاص الذي ننعم به في المعمودية، حيث ننال الميلاد الروحي الجديد، ونصير أبناء الله. 2- التجديد الذهني: إذ يتجدد الذهن بالتوبة. وقد ميَّز نيافته بين التوبة الشاملة حين يرفض الإنسان ماضيه الشرير لينطلق بالسيد المسيح ربنا في حياة جديدة، والتوبة اليومية خلال اعتراف المؤمن بضعفه وقبول نعم إلهية جديدة كل يوم. 3- تجديد الخليقة: أي تجديد الكون كله، بمجيء السيد المسيح الثاني، فننعم بالسماء الجديدة والأرض الجديدة (رؤ 21: 1). 4- تجديد الكنيسة: هنا نقصد النمو المستمر، فالكنيسة كائن حيّ متطور، وليس كائنًا جامدًا. إنها تحمل تيار الروح القدس العامل فيها كحياة نامية متدفقة. هذا التيار الناري يحرق وينشط، خلاله نحافظ على الماضي بغير جمود، كما نبني عليه حلولًا للمشاكل المعاصرة الجديدة. _____ الحواشي والمراجع: [1] عن محاضرته في الجمعية العمومية لمجلس كنائس الشرق الأوسط بتاريخ 29 نوفمبر 1980. |
||||
10 - 05 - 2014, 07:15 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
الله سرّ تجديدنا ظلال من العهد القديمكانت كلمة الرب لإرميا النبي: "قد وكَّلتك هذا اليوم على الشعوب وعلى الممالك، لتقلع وتهدم وتهلك وتنقض وتبني وتغرس" (إر 1: 10). فقد كانت كنيسة العهد القديم في أسوأ عصورها، لا من جهة الفساد الذي دبّ في حياة الكهنة والأنبياء الكذبة، والرؤساء والشعب، وإنما ما هو أمرّ وأقسى أنه إذ نودي بالإصلاح اتجهوا إلى المظهر، فاهتموا بترميم الهيكل دون بناء النفس الداخلية، فتحوّل الهيكل إلى مغارة لصوص (7: 11)، وانشغلوا بتقديم الذبائح الحيوانية دون تقديم ذبيحة الطاعة (17: 14-26)، كأن الله تهمه اللحوم والشحوم، ومارسوا ختان الجسد الظاهري دون أن ينعموا بختان القلب الداخلي (4: 4)، ويتمتعوا بختان الأذنين الروحي (6: 4). هذا كله ألهب قلب إرميا النبي بنار الروح القدس الملتهب مناديًا بالحاجة إلى إصلاح حقيقي من نوع جديد. نادى بضرورة الدخول في عهدٍ جديدٍ مع الله، يقوم على أساس انفتاح القلب لقبول شريعة ليست منقوشة على لوحين حجريين بل على القلب ذاته (24: 7، 31: 33)، قادرة بحق أن تقلع وتغرس، تهدم وتبني! هذا هو التجديد الحقيقي، الذي يتحقق لا خلال وصايا وشرائع مكتوبة بحبر على ورق، بل خلال الخالق ذاته القادر أن يعمل داخل النفس، يهدم الإنسان القديم بكل أعماله ويقيم في داخلنا الإنسان الجديد على صورة خالقه. بهذا كان إرميا النبي يتحدث عن شخص السيد المسيح، كلمة الله، القادر وحده بروحه القدوس أن يقلع القديم ويغرس الجديد، يهدم طبيعتنا الفاسدة ويقيم فينا طبيعة جديدة مقامة من الأموات، فيكون هو "سرّ الجدة". هذا العهد الجديد -كما رآه إرميا النبي- طرفاه ليس أفرادًا بل الجماعة الكنسيّة والله، إذ يقول: "ها أيام تأتي يقول الرب وأقطع مع بيت إسرائيل ومع بيت يهوذا عهدًا جديدًا.. أجعل شريعتي في داخلهم، وأكتبها على قلوبهم، وأكون لهم إلهًا، وهم يكونون لي شعبًا" (31: 31، 33). فإن كان الإصلاح يمس حياة الإنسان شخصيًا، يمس أعماقه الداخلية ويُنقش على قلبه، لكن ليس خلال لقاءٍ فرديٍ انعزاليٍ، إنما خلال لقائه مع الله كعضوٍ في الجماعة المقدسة، أو الشعب الواحد. شارك داود النبي إرميا النبي في شعوره بالحاجة إلى من يقيم حياة جديدة عوض الحياة القديمة التي يئن منها، إذ يقول: "قلبًا نقيًّا اخلق فيَّ يا الله وروحًا مستقيمًا جدّد في أحشائي" (مز 51: 10). لقد أدرك داود بعد سقوطه أنه ليس بمحتاج إلى وصايا وشرائع بقدر ما هو محتاج إلى قلب جديد من صنع الخالق، وروح جديد يعمل في أحشائه الداخلية.. محتاج إلى عمل الله نفسه الذي يرسل روحه القدوس ليجدد خليقته: "ترسل روحك فتخلَق، وتُجدّد وجه الأرض" (مز 104: 30). لعلّه قصد بالأرض هنا "الجسد" الذي أُخذ من التراب، فهو لا يحتاج إلى انتهار وتوبيخ بقدر ما يحتاج إلى تجديد وجهه، لكي ما يخرج داود من دائرة الخطية وينطلق بحياته الجديدة مسبحًا أغنية جديدة (مز 33: 3). هنا نلاحظ أن المرتل يصرخ إلى الآب ليرسل روحه القدوس واهب التجديد، وهو امتداد لعمل المسيح الخلاصي، إذ يقول الرب: "يأخذ مما لي ويخبركم" (يو 16: 15). أما حزقيال النبي فينصح شعبه هكذا: "اعملوا لأنفسكم قلبًا جديدًا وروحًا جديدة" (18: 31). لكن من الذي يستطيع أن يعمل لنفسه قلبًا جديدًا وروحًا جديدة؟! لهذا يعود حزقيال النبي نفسه فيتكلم على لسان الله قائلًا: "وأعطيكم قلبًا جديدًا وأجعل روحًا جديدة في داخلكم، وأنزع قلب الحجر من لحمكم، وأعطيكم قلب لحم. وأجعل روحي في داخلكم، وأجعلكم تسلكون في فرائضي... وتكونون لي شعبًا وأنا أكون لكم إلهًا" (36: 26-28). وكأنه يشترك مع إرميا النبي ليس فقط في الفكر والروح وإنما حتى في العبارات، فيبرز حزقيال النبي ثلاث نقاط هامة بخصوص سرّ تجديدنا: (أ) الحاجة إلى الله نفسه واهب التجديد القلبي والروحي. (ب) السلوك في وصايا الله وفرائضه، لا يتحقق بمجهودنا الذاتي ما لم ننعم أولًا بتجديد طبيعتنا الداخلية، فتصير وصاياه سهلة وعذبة. (ج) هذا العمل التجديدي يتم في إطار عمل الله مع الجماعة المقدسة. فهو يعطي تجديدًا للقلب والروح لكل عضو كعطية إلهية شخصية، ليقيمه عضوًا في شعبه المقدس الواحد. لهذا يقول في موضع آخر: "وأعطيهم قلبًا واحدًا وأجعل في داخلهم روحًا جديدًا، وأنزع قلب الحجر من لحمهم، وأعطيهم قلب لحمٍ" (11: 19). أما إشعياء النبي الذي قدم لنا "إنجيل العهد القديم" إن صح هذا التعبير فقد حدّثنا في أكثر من موضع عن الحياة الجديدة التي توهَب لنا خلال عمل الله الخلاصي، وحدد ملامحها الجديدة وأوضح سماتها، نذكر على سبيل المثال قوله: "لا تذكروا الأوليات، والقديمات لا تتأَمَّلوا بها، هأنذا صانع أمرًا جديدًا. الآن ينبت. أَلا تعرفونهُ؟! اجعل في البرية طريقًا في القفر أنهارًا" (43: 18-19). يريدنا ليس فقط أن نخلع الإنسان القديم بأعماله وإنما ننساه تمامًا، ولا نعود نتأمّله حتى لا نيأس ونتحطم، إنما بالأحرى ننشغل بالحياة الجديدة التي تنبت فينا. إنه يجعل في البرية طريقًا، وفي القفر أنهارًا. ما هو هذا الطريق إلا السيد المسيح نفسه القائل "أنا هو الطريق" (يو 14: 6)، قام في وسطنا نحن البرية الجدباء، يحل في قلوبنا لكي يدخل بنا إلى ملكوته؟! ما هي هذه الأنهار إلا ينابيع الروح القدس المتفجرة داخلنا نحن القفر بلا ساكن، فيتحول قلبنا الخرب إلى مسكن لله القدوس؟! إذن سرّ تجديدنا هو سكنى السيد المسيح فينا، وحلول روحه القدوس في أعماقنا الداخلية. مرة أخرى يقول إشعياء النبي: "تُسمَّين باسمٍ جديدٍ يعيّنهُ فم الرب" (62: 2)،فالتجديد يشمل حتى اسمنا، علامة أنه تجديد كامل. فإذ جاء السيد المسيح وقدم لنا بروحه القدوس تجديدًا، حملنا "اسمه" كاسم جديد وصرنا "مسيحيين". لهذا كان المدافعون الأولون مثل الفيلسوف أثيناغوراس يقول إن الاتهام الحقيقي الذي كان موجهًا ضد المسيحيين هو اتهام "الاسم"، فكان الاضطهاد عنيفًا ضدهم ليس لأجل جريمة ارتكبوها، وإنما لأجل الاسم الذي حملوه. مرة ثالثة يقول إشعياء النبي: "هأنذا قد جعلتك نورجًا محدَّدًا جديدًا ذا أسنانٍ. تدرس الجبال وتسحقها وتجعل الآكام كالعُصافة. تذرّيها فالريح تحملها والعاصف تبددها، وأنت تبتهج بالرب. بقدوس إسرائيل تفتخر" (41: 15-16). إن كان إنساننا القديم قد صار كالجبال بأعماله الشريرة الصلبة وكالآكام ليس من يقدر أن يحركها، فإن الله وحده الذي يلمس الجبال فتدخن (مز 104: 32). يجعلنا بالمسيح يسوع ربنا نورجًا جديدًا محددًا، ندرس الجبال ونسحقها، ونذري الآكام كالعاصفة، دون أن يصيبنا القِدمْ، ولا نفقد قوتنا أو تضعف إمكانياتنا مع الزمن. هذا ما يبهج نفوسنا بالرب مجدد حياتنا، فنفتخر بقدوس إسرائيل الجديد. يتحدث أيضًا إشعياء النبي على لسان السيد المسيح، قائلًا: "روح السيّد الرب عليَّ لأن الرب مسحني لأبشر المساكين... ويبنون الخِرَب القديمة، يقيمون الموحشات الأُوَل ويجدّدون المدن الخربة موحشات دور فدور. ويقف الأجانب ويرعون غنمكم ويكون بنو الغريب حرَّاثيكم وكرَّاميكم. أمَّا أنتم فتُدعَون كهنة الرب تُسمَّون خدام إلهنا. تأكلون ثروة الأمم وعلى مجدهم تتآمرون" (1:61، 4-6). كأن إشعياء النبي يوضح رسالة السيد المسيح الذي مسحه الآب ليبشر المساكين، ألا وهي "تجديد المدن الخربة التي صارت موحشة عبر الأجيال". لقد صارت الطبيعة البشرية في كل الأجيال أشبه بالمدن الخربة تحتاج إلى هدم وإعادة بناء! هذا هو عمل الله الخالق الذي يقيم ملكوته فينا، فيحوّلنا بروحه القدوس من مسكن للخطية والشر إلى مقدسٍ للرب. أما الأجانب الذين يرعون غنمنا وبنو الغريب الذين يقومون بحراثة أرضنا والعمل ككرامين في حديقتنا، فهم طاقات النفس الداخلية ودوافعها، التي صارت كمن هي أجنبية وغريبة عن الرب وملكوته. إنها تخضع من جديد فلا تصير عثرة في طريق خلاصنا بل على العكس تصير معينًا للنفس، تسندها في جهادها، وذلك كما فعل الشعب العبراني قديمًا حين حملوا الذهب والفضة والثياب الفاخرة من المصريين واستخدموها في إقامة خيمة الاجتماع بدلًا من استخدامها في عبادة الأوثان في مصر. أما قوله: "تُدعون كهنة الرب"، فذلك لأننا إذ نحمل الطبيعة الجديدة خلال المعمودية نصير روحيًا كهنة، نرفع أيدينا للصلاة ونقدم أجسادنا ذبيحة حب مقبولة لدى الآب. نختتم حديثنا عن إشعياء النبي بتقديم الصورة الحية التي رسمها للحياة الإنجيلية الجديدة، إذ يقول: "لأني هأنذا خالق سماوات جديدة وأرضًا جديدة، فلا تُذكَر الأولى ولا تخطر على بالٍ. بل افرحوا وابتهجوا إلي الأبد في ما أنا خالق، لأني هأنذا خالق أورشليم بهجةً وشعبها فرحًا. فابتهج بأورشليم وأفرح بشعبي ولا يُسمَع بعدُ فيها صوت بكاءٍ ولا صوت صراخ. لا يكون بعدُ هناك طفلُ أيامٍ ولا شيخ لم يكمل أيامهُ.. ويبنون بيوتًا ويسكنون فيها ويغرسون كرومًا ويأكلون أثمارها. لا يبنون وآخر يسكن، ولا يغرسون وآخر يأكل. لأنهُ كأيام شجرةٍ أيام شعبي ويستعمل مختاريَّ عمل أيديهم. لا يتعبون باطلًا، ولا يلدون للرعب، لأنهم نسل مباركي الرب وذريتهم معهم.. الذئب والحمل يرعيان معًا، والأسد يأكل التبن كالبقر. أما الحيَّة فالتراب طعامها. لا يُؤْذون ولا يُهلكون في كل جبل قدسي قال الرب" (65: 17-25). يا لها من صورة رائعة لما قدمه السيد المسيح لكنيسة العهد الجديد! لقد أقام سماوات جديدة وأرضًا جديدة، أقام تجديدًا حقيقيًا للنفس (السماوات) وللجسد (الأرض)، فصارت النفس والجسد معًا في انسجام، إذ خضع كليهما لروحه القدوس. انتهى الصراع القديم بين شهوات النفس وشهوات الجسد، ودخلنا بالروح القدس إلي حياة الفرح الروحي والبهجة السماوية، إذ امتلأت حياتنا بثمر الروح القدس من محبة وفرح وسلام.. (غل 5: 22). نفرح نحن كعروسٍ مقدسةٍ متجددةٍ بعريسنا، ويفرح هو بنا، إذ يقول: "أبتهج بأورشليم وأفرح بشعبي". إنها فرحة الحب المشترك! في هذه الحياة الجديدة "لا يسمع فيها صوت بكاء، ولا صوت صراخ" إذ نلنا سلطانًا على الحيات والعقارب وكل قوة العدو. كذلك يقول: "لا يكون هناك طفل أيام ولا شيخ لم يكمل أيامه"، فنحيا بروح النضوج الروحي الحقيقي، وليس كأطفال بلا خبرة، كما نعيش بشباب روحي بلا شيخوخة وضعف قاتل. في هذه الحياة الجديدة التي صارت لنا بالمعمودية، تتحول الذئاب إلي حملان، فيرعى الذئب مع الحمل، وتتحطم طبيعة الافتراس والشراسة، فيأكل الأسد مع البقر. أما الحيّات فلا تؤذي ولا تُهلك من عرف بنوته لله وعاش بإمكانيات الحياة الجديدة التي صارت له. هذه صورة مبسطة للظلال التي عاش تحتها الأنبياء في العهد القديم يشتهون الحياة الجديدة -تجديد القلب والروح- التي هي عطية الخالق نفسه، يقدمها لنا الآب بابنه الوحيد يسوع بواسطة روحه القدوس. بقي لنا أن ننطلق من الظلال إلى الحقيقة، لنتلمس دور الابن الوحيد يسوع المسيح في تجديدنا وعمل روحه القدوس فينا. |
||||
10 - 05 - 2014, 07:17 PM | رقم المشاركة : ( 4 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
المسيح والحياة الجديدة تطلع أنبياء العهد القديم خلال الرموز والظلال ليروا أنه لا خلاص للإنسان من الفساد الذي حلّ بطبيعته في أعماقها، والعودة به إلى الأحضان الإلهية بتجديد هذه الطبيعة تجديدًا جذريًا، يمس النفس في أعماقها، والجسد بكل أحاسيسه وطاقاته، إلا بتدخل الخالق نفسه. وجاء العهد الجديد يكشف في وضوح خطة العمل الإلهي في حياة الإنسان للدخول به إلى شركة الأمجاد الإلهية. كشف لنا عن محبة الآب الذي أرسل كلمته متجسدًا، فنزل الكلمة الإلهي إلى نهر الأردن مقدسًا مياهه، ثم أسلم نفسه للتجربة منقادًا إليها بالروح، وكلل خدمته بحمل الصليب وموته ودفنه ليقوم ويصعد إلى سماواته، ويرسل لنا روحه القدوس الذي يهبنا التجديد حتى نتأهل في المجيء الأخير، للتمتع بشركة الميراث مع السيد المسيح. هذه الأحداث مترابطة معًا ومتفاعلة، وإن خضعت لترتيب زمني لكنها أحداث إلهية تبقى حيّة وفعّالة في حياتنا لتجديدنا والعبور بنا فوق كل حدود زمنية. هذا ما يجعلني أشعر أني محصور في الكتابة عن التجديد في حياتنا خلال العمل الإلهي المتكامل، الذي يشترك فيه الثالوث القدوس. لهذا أرجو في الرب ألا تقف عند حدود الكلمات التي بين يديك، إنما أطلب من الروح الناري أن يرفع قلبك إليه لتكتشف سرّ حب الله الفائق في حياتك الداخلية، الأمور التي لا يُعبر عنها، لأنها تتحدث عن سرّ حب الله الفائق للعقل! التجديد والتجسد الإلهي لخص الرسول بولس دور التجسد الإلهي في تجديد حياتنا دون فصله عن بقية أعماله الخلاصية الأخرى من صلبٍ وقيامةٍ وصعودٍ في هذه الكلمات القليلة: "من أجل ذلك كأنَّما بإنسانٍ واحدٍ دخلت الخطية إلي العالم وبالخطية الموت، وهكذا اجتاز الموت إلي جميع الناس إذ أخطأَ الجميع.. ولكن ليس كالخطية هكذا أيضًا الهبة. لأنهُ إن كان بخطية واحدٍ مات الكثيرون، فبالأَولى كثيرًا نعمة الله والعطية بالنعمة التي بالإنسان الواحد يسوع المسيح قد ازدادت للكثيرين.. لأنهُ إن كان بخطية الواحد قد ملك الموت بالواحد، فبالأَولى كثيرًا الذين ينالون فيض النعمة وعطية البرّ سيملكون في الحياة بالواحد يسوع المسيح. فإذًا كما بخطية واحدة صار الحكم إلى جميع الناس للدينونة، هكذا ببرٍّ واحدٍ صارت الهبة إلى جميع الناس لتبرير الحياة. لأنهُ كما بمعصية الإنسان الواحد جُعِل الكثيرين خطاةً، هكذا أيضًا بإطاعة الواحد سيُجعَل الكثيرون أبرارًا" (رو 5: 12-19). هكذا دخل الرسول بولس في مقارنة بين الإنسان الأول الذي أحنى رأسه للخطيئة ففسدت الطبيعة البشرية في صُلبه، والتزم آدم أن يتخلى عن بكوريته للبشرية للآخر. وجاء ابن الله المتجسد: "الإنسان الواحد يسوع المسيح" يحني رأسه بالطاعة الكاملة للآب مقدمًا فيض النعمة وعطية البرّ بإعادة طبيعتنا البشرية إلي مجدها الأول باتحادنا به، البكر الحقيقي لكل الخليقة. في أكثر وضوح إذ حلّ الفساد بالطبيعة الإنسانية في آدم الأول خرجت البشرية كلها من الفردوس، وفارقها روح الرب، الذي هو سرّ حياتها وصلاحها. فصارت الحاجة إلى آدم الجديد الذي وحده يقدر أن يبارك طبيعتنا فيه، كقول القديس غريغوريوس الثيؤلوغوس [2]، هذا الذي وحده لن يفارقه روح الرب، لأنه روحه. بهذا قدم لطبيعتنا مجدها الأول بعودة الروح القدس إليها وثباته فيها. فلم يكن ممكنًا تجديد طبيعتنا إلا في المسيح يسوع، الذي حلّ وسطنا وتوَّجنا بمجد عدم الخطيئة، وأغنى طبيعتنا بروحه القدوس، مقدمًا على الصليب ثمن هذا العمل الإلهي. وللقديس كيرلس السكندري عبارات رائعة في هذا الأمر، نقتطف منها الآتي: [بسبب تعدي آدم "ملكت الخطيئة على الكل" (رو 5: 14)، وفارق الروح القدس الطبيعة البشرية التي صارت مريضة في كل البشر. ولكي تعود الطبيعة البشرية من جديد إلى حالتها الأولى احتاجت إلى رحمة الله، لكي تحسب بموجب رحمة الله مستحقة للروح القدس. لذلك صار الابن الوحيد كلمة الله إنسانًا، وظهر للذين على الأرض بجسد من الأرض لكنه خالٍ من الخطيئة، حتى فيه وحده تتوج الطبيعة البشرية بمجد عدم الخطيئة، وتغتني بالروح القدس، وتتجدد بالعودة إلى الله بالقداسة [3].] [لقد فارق الروح القدس الإنسانية لأنه لم يكن قادرًا أن يحل في الفساد، ولكن الآن ظهر إنسان جديد بين البشر وهو وحده الذي يجعل عودة الروح ممكنة، لأن هذا الإنسان بدون خطيئة [4].] [لقد وعد الله أن يعطي الروح مرة ثانية للبشرية.. ولم تكن هناك طريقة أخرى يمكن بها إعادة هذه النعمة إلى الإنسانية بدون مفارقة سوى في يسوع المسيح.. إنها عودة أبدية سببها حالة الاستقرار والثبات.] [لقد منح المسيح الروح القدس لناسوته وبذلك جعل الروح يتآلف من جديد مع طبيعتنا.] [إن عودة الروح القدس للإنسان في المسيح، الإله المتجسد -آدم الثاني- عودة أبدية. فالروح القدس حلّ على آدم الثاني لبرِّه، والبرّ في المسيح برّ ثابت، لأن اتحاد اللاهوت بالناسوت في شخص المسيح ثابت.. وهذا ضمان ثابت للبشرية واستقرارها في الحياة الجديدة.] هذا الربط بين التجسد الإلهي وعمل الروح القدس في خلق طبيعة جديدة على صورة خالقها نعيشها على الأرض وندخل بها ممجدة في السماوات قد ظهرت منذ لحظات البشارة وبقيت معالمها واضحة حتى الصعود. ففي البشارة يقول الملاك للقديسة مريم: "الروح القدس يحلُّ عليكِ، وقوَّة العليّ تظلّلكِ، فلذلك أيضًا القدوس المولود منكِ يُدعَى ابن الله" (لو 1: 35). حلَّ الروح القدس على العذراء ليجعل منها سماءً جديدة هيكلًا مقدسًا للرب المتجسد. كأن هذا العمل -وإن كان فريدًا في نوعه- لكنه قُدم لحساب البشرية كلها التي صار لها خلال التجسد الإلهي حق قبول الروح القدس فيها لتهيئتها جسدًا وروحًا لتصير عضوًا في جسد السيد المسيح رأسها، وهيكلًا مقدسًا لسكناه! هذا هو سرّ التجديد لطبيعتنا الذي انطلق بالبشارة بالتجسد، فصار لنا حق قبول الروح القدس بعد أن يدفع كلمة الله ثمن خطايانا! وفي حديث السيد مع تلاميذه عن صعوده، قال لهم: "لكني أقول لكم الحقَّ إنه خير لكم أن أنطلق. لأنهُ إن لم أنطلق لا يأْتيكم المعزّي. ولكن إن ذهبت أرسلهُ إليكم.. ذاك يمجّدني، لأنهُ يأخذ ممَّا لي ويخبركم" (يو 7:16، 14). فإن كان الروح القدس فد هيأ الطبيعة البشرية في شخص القديسة مريم لاستقبال كلمة الله المتجسد، فإن كلمة الله ينطلق إلى سماواته ليرسل الروح القدس الذي يأخذ مما له -أمجاده- ويقدم لنا، أي يهبنا شركة الطبيعة الإلهية، ويدخل بنا إلى الحياة الجديدة. ليس لنا أن نسأل من الذي يُعِدُنا للآخر، الروح القدس للمسيح، أم المسيح للروح القدس، فإن الروح القدس ليس إلا روح المسيح غير المنفصل عنه. فالسيد المسيح يؤكد أنه "خير لنا" أن ينطلق ليرسل لنا روحه القدوس، والروح القدس الذي وُهب لنا بالمسيح في داخلنا إنما يهيئنا للعريس، إذ يصرخ مع العروس قائلًا للرب: "تعالَ" (رؤ 22: 17)، لكي يدخل بنا إلى أحضان أبيه. إننا لا نعزل الثالوث القدوس حتى وإن نسبنا لكل أقنوم عمله فينا، وكما يقول القديس أثناسيوس الرسولي: [لأننا إذ تكون لنا شركة في الروح القدس تكون لنا نعمة الكلمة، وتكون لنا أيضًا محبة الآب في الكلمة]، [عندما يُعطى لنا الروح القدس.. يصبح الله فينا]، [عندما يقال إن الروح القدس في إنسان، فإن هذا يعني أن الكلمة حالّ فيه مانحًا الروح القدس [5].] لا أريد الدخول في جدلٍ لاهوتي، لكنني أريد أن أوضح أن عمل الروح القدس هو تجديد حياتنا، بل هو "سرّ حياتنا"، هذا هو روح المسيح نفسه وعطيته، إذ هو مُرسل إلينا من عند الآب.. وقد هيّأ لمجيئه بالتجسد الإلهي، في هذا يقول القديس مار افرآم السرياني: [المجد لك يا من تركت سكناك لتقطن في موضع آخر، لكي تأتي وتجعلنا مسكنًا لروحك المرسل]، وبهذه السكنى نلبس السيد المسيح، فنوجد في أحضان الآب القدوس. هذا الالتحام بين التجسد الإلهي وعطية الروح القدس في تجديد حياتنا هو سرّ تعييد الكنيسة الأولي بعيدي الميلاد وعماد السيد المسيح في يومٍ واحدٍ،وكأن الكنيسة أرادت أن تربط في أذهان أولادها ميلاد ابن الله حسب الجسد بميلادنا نحن لله في المعمودية بالروح القدس. فقد أخلى ابن الله ذاته وقبِل طبيعتنا البشرية مولودًا حسب الجسد، لكي يفتح لنا بروحه القدوس ميلادًا روحيًا، فنتقبل غناه فينا، وصارت أغنية الكنيسة التي ترددها عبر الأجيال: "صار ابن الله ابنًا للإنسان، لكي يصير بنو البشر أبناءً لله". فيقول العلامة أوريجينوس: [صار مثلهم ليصيروا هم مثله، مشابهين صورة مجده (رو 8: 29). في مجيئه الأول صار مشابهًا لجسد تواضعنا (في 3: 21)، إذ أخلى نفسه وأخذ شكل العبد، حتى يدخل البشر إلى شكل الله، يجعلهم على شبهه [6].] هذا أيضًا ما قاله القديس إيريناؤس: [صار الله إنسانًا لكي يصير الإنسان إلهًا [7]]، والقديس إكليمنضس السكندري: [صار كلمة الله (اللوغوس) إنسانًا حتى تتعلم كيف يصير الإنسان إلها [8]]، والقديس يوحنا الذهبي الفم: [هكذا وُلد بالجسد حتى تولد أنت بالروح. ولد من امرأة لكي تكف عن أن تكون ابن امرأة [9]]، [صار ابنًا للإنسان لكي يصير بنو الإنسان أبناء الله [10].] في اختصار نقول إن سّرّ التجسد الإلهي غير المنطوق به هو احتضان اللاهوت لطبيعتنا، إذ اتحد بها اتحادًا سرّيًا فريدًا وفائقًا للعقل. أخذ طبيعتنا بكل مالها ما عدا الخطيئة ودخل بها إلى الأمجاد التي لا تُوصف دون أن يفقدها كيانها أو سماتها، إذ تحقق الاتحاد دون اختلاط بين اللاهوتّ والناسوت أو امتزاج بينهما أو تغيير، وفي نفس الوقت دون انفصال إلى الأبد. هكذا فتح الرب في ذاته طريقًا جديدًا لطبيعتنا، فوهبنا بروحه القدوس حق سُكناه فينا ودخولنا إلى شركة أمجاده، وحمل صورته الإلهية وختمه على أعضائنا وطاقاتنا، فنحسب بحق أولاد الله المتحدين بالابن وحيد الجنس. التجديد بين الصلب والقيامة إن كان كلمة الله بتجسده قد فتح لنا طريق قبول روحه القدوس الذي يجدد طبيعتنا خلال تقديمه اتحادنا في الكلمة، فإن هذا العمل قد كلّفه الكثير، فقد كان عليه أن يهدم الإنسان القديم وكل أعماله، ليقيم فينا الإنسان الجديد. كان لابد أن تتم عملية هدم وبناء في جسده الذي بلا خطيئة حتى يأخذ الروح القدس مما له -الموت والقيامة- ويقدمه لنا، فنموت عن إنساننا القديم ونقوم في جدة الحياة. لقد شرح السيد المسيح منهجه في الخلاص بقوله: "ليس أحد يجعل رقعةً من قطعةٍ جديدة على ثوبٍ عتيق. لأن المِلءَ يأخذ من الثوب فيصير الخَرق أردأَ. ولا يجعلون خمرًا جديدة في زقاقٍ عتيقة. لئَلاَّ تنشقَّ الزقاق، فالخمر تنصبُّ، والزقاق تتلف. بل يجعلون خمرًا جديدة في زقاقٍ جديدةٍ، فتُحفَظ جميعًا" (مت 9: 16-17؛ راجع مر 2: 12، 5: 36، 38). أنه لا يريد عملية "ترقيع" بين قديم وجديد، بل إزالة لما هو قديم، وإقامة ما هو جديد. لهذا حمل السيد موتنا في جسده ليهبنا فيه قوة قيامته. دفع الثمن بالكامل: موت وقيامة. في هذا يقول الرسول: "إن كان واحد قد مات لأجل الجميع، فالجميع إذًا ماتوا. وهو مات لأجل الجميع كي يعيش الأحياء فيما بعد لا لأنفسهم بل للذي مات لأجلهم وقام.. إذًا إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة. الأشياءُ العتيقة قد مضت. هوذا الكلُ قد صار جديدًا" (2 كو 5: 14-17). صلب السيد المسيح وقيامته هما "فصح" دائم، أي عبور للطبيعة البشرية من حالة الموت التي ملكت عليها إلى حالة القيامة، وتجديد مستمر لها، كقول الرسول بولس: "ونحن أموات بالخطايا أحيانا مع المسيح. بالنعمة أنتم مخلَّصون. وأقامنا معهُ وأجلسنا معهُ في السماويَّات في المسيح يسوع" (أف 1:2،5، 6). "لأنكم قد متُّم وحياتكم مستترة مع المسيح في الله" (كو 3: 1-3). جدة المسيح تجعل أبعاد التاريخ في وضع فصحي، أي في واقع عبور من هذا العالم المليء بالخطايا والموت إلى عالم جديد أُفتتح بالقيامة [11] [NMH1]. هذا العالم الجديد هو الإنسان الروحي الداخلي الذي يحمل السمة السمائية الإسخاتولوجية (انقضائية)، سمة البرّ والقداسة: "وتلبسوا الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البرّ وقداسة الحقّ" (أف 4: 24). هذه هي الخليقة الجديدة التي وُهبت لنا في العهد الجديد في المعمودية بالدفن مع السيد المسيح والقيامة معه: "فدُفِنَّا معهُ بالمعموديَّة للموت حتى كما أُقِيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضًا في جدَّة الحياة" (رو 6: 4). يحدثنا القديس أغسطينوس عن عمل موت المسيح وقيامته في تجديد طبيعتنا بقوله: [إذ شاركنا في موتنا وهبنا أن نصير شركاء معه. هكذا بموت البار الذي تم بمحض اختياره نزع موت الخطاة الذي حدث كحكم نستحقه [12].] ويقول القديس كيرلس الأورشليمي: [إذ تنزلون أمواتًا في خطايا تصعدون أحياءً في البرّ. فإن كنتم قد صرتم متحدين مع المخلص بشبه موته تصيرون أيضًا بقيامته (رو 6: 5). وكما حمل يسوع خطايا العالم ومات، حتى بإماتته للخطيئة نقوم في برّ، هكذا بنزولكم في الماء إذ تدفنون فيه كما دُفن هو في الصخرة تقومون أيضًا سالكين في جدة الحياة (رو 6: 4) [13].] _____ الحواشي والمراجع: [2] قداس الإلهي القبطي "باركت طبيعتي فيك". [3] دكتور جورج بباوي: شرح تجسد الابن الوحيد للقديس كيرلس الاسكندري، 1975، ص 11،12. [4] هذا النص وما يليه من نصوص مقتبسة من ترجمة الدكتور بباوي عن تفسير القديس كيرلس الاسكندري لإنجيل يوحنا ومن مقال للدكتور بباوي، عن: لماذا اعتمد المسيح؟ وفد نقل هذه النصوص القمص متياس فريد: التجسد والروح القدس،1981، ص 10. [5] رسائل أثناسيوس الرسولي عن الروح القدس، تعريب القس مرقس داود الناشر مدارس الأحد بالجيزة ص 106،51،79. [6] Comm. Matt. 12:29. [7] Adv. Haer 3:10:2;19:1. [8] Prot. 1; Strom 4:23; 7:3; 7:10; 7:13. [9] للمؤلف: الحب الإلهي، 1967، ص 283. [10] للمؤلف: القديس يوحنا الذهبي الفم، 1980، ص 295. [11] الأب جان كوربون: تجدد الكنيسة، ص 2. (منشورات مجلس كنائس الشرق الأوسط). [12] الحب الإلهي، ص 280. [13] Cat. hom 3:12. |
||||
10 - 05 - 2014, 07:18 PM | رقم المشاركة : ( 5 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
الميلاد الجديد بصعود السيد المسيح إلى السماوات أرسل إلينا روحه القدوس الذي يأخذ مما له ويخبرنا (يو 16: 14). ما الذي يأخذه الروح القدس ويقدمه لنا؟ إنه يأخذ أعمال السيد المسيح الخلاصية ويقدمها لنا، ففي مياه المعمودية يدخل بنا الروح القدس إلى الدفن مع المسيح والقيامة أيضًا معه، فنخرج من المعمودية أعضاء جسد المسيح القائم من الأموات الذي لا يشيخ ولا يقدم بل ينمو على الدوام بغير انقطاع متمتعًا بالحياة الجديدة. بهذا يتحقق اتحادنا مع السيد المسيح فننعم بالبنوة لله، إذ نصير خلال الابن الوحيد الجنس monogenyc `Uioc أبناء معه بالتبني، أي ليس حسب الطبيعة، وإنما خلال النعمة المجانية. هذا ما قصده الرسول بقوله: "لا بأعمالٍ في برّ عملناها نحن، بل بمقتضى رحمتهِ خلَّصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس" (تي 3: 5)، "مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح الذي حسب رحمتهِ الكثيرة ولدنا ثانيةً لرجاءٍ حيٍّ بقيامة يسوع المسيح من بين الأموات لميراثٍ لا يفنى ولا يتدنس ولا يضمحلُّ، محفوظ في السماوات لأجلكم" (1 بط 1: 3-4). هذا ما قصده السيد المسيح نفسه في حديثه مع نيقوديموس: "الحقَّ الحقَّ أقول لك إن كان أحد لا يُولَد من الماءِ والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله" (يو 3: 5). ولم يستطع نيقوديموس معلم إسرائيل أن يفهم، لأنه لم يكن بعد قد أدرك أن يسوع هذا الذي يحدثه إنما يضم المؤمنين به إلى نفسه في المعمودية بالروح القدس، حتى يهبهم حياته المُقامة كعطية الميلاد الروحي الجديد. ولكي نتفهم هذا الميلاد الجديد بالروح القدس الذي به نلنا الطبيعة الجديدة يليق بنا أن نتعرف أولًا على ما قدمه العهد القديم من رموز ونبوات عن المعمودية، ثم نتفهم فاعلية المعمودية في حياتنا من واقع الكتاب المقدس خلال فكر الآباء، وأخيرًا نتفهم هذا السرّ الإلهي خلال الطقس الكنسي الأصيل مع شرح لبعض الأمور المتعلقة بالمعمودية، مثل معمودية الأطفال وارتباط المعمودية بسرّ الميرون. |
||||
10 - 05 - 2014, 07:38 PM | رقم المشاركة : ( 6 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
المعمودية المسيحية والعهد القديم
ليست المعمودية نظرية فكرية قدمتها كنيسة العهد الجديد للمتعة الفكرية، لكنها عمل إلهي مقدس يمس خلاص البشرية في صميمه والحياة الأبدية. فالمعمودية عنصر حيّ في خطة الله الخلاصية، لهذا كان الوحيّ الإلهي حريصًا كل الحرص أن يقدم لنا إعدادًا طويلًا وتدريجيًا عبر الأجيال خاصًا بالمعمودية، جنبًا إلى جنب مع الإعداد للتجسد الإلهي وذبيحة الصليب، بل أقول جاء الإعداد لهذه الأمور الإلهية المترابطة معًا لأنها في الحقيقة عمل خلاصي متكامل. وكما أنه لو تحقق التجسد الإلهي فجأة بلا مقدمات خلال رموز العهد القديم ونبواته لما استطاع أحد أن يقبله، هكذا لو أُعلن عن المعمودية بطريقة مفاجئة لما استطاع أحد أن يفهمها أو يتقبلها [14]. لقد أشار الكتاب المقدس في بداية أول أسفاره إلى ارتباط الروح القدس بالمياه، وانتهى العهد القديم بتقديم القديس يوحنا المعمدان كملاك سابق يهيئ الطريق للرب بالمناداة بالتوبة والتعميد. وفي العهد الجديد أشار القديس بولس إلى عبور البحر الاحمر كرمز للمعمودية (1 كو 10: 1-5)، والقديس بطرس إلى الطوفان (1 بط 3: 19-21)، والقديس يوحنا إلى صخرة حوريب (7: 38). وفي القرن الثاني وضع العلامة ترتليان [15] قائمة برموز المعمودية التي وردت في العهد القديم، وقام القديس ديديموس السكندري [16] بتطويرها وإعادة تقديمها، كما قدم لنا القديسان كيرلس الأورشليمي [17] وأمبروسيوس [18] قائمتين بها. وتحدث كثير من الآباء الأولين عن هذه الرموز، منهم برناباس ويوستين الشهيد وإيريناؤس. يليق بنا أن نوضح أن هذه الرموز -في فكر الآباء- لم تكن مجرد إيضاحات، لكنها إعلانات عن قوة المعمودية وفاعليتها كما كشفه التقليد كله [19]. إنها شهادات إلهية خلالها نستطيع أن نتفهم ماهية المعمودية وعملها في حياتنا. فإذ وُلدت المعمودية في أرض إسرائيل وحملت أسرارًا إلهية خلال الرموز والنبوات لذا نجد شرحًا لها خلال الطقس اليهودي الرمزي [20]. 1. روح الله يرف على وجه المياه يقول الوحي الإلهي: "وكانت الأرض خربةً وخاليةً وعلى وجه الغمر ظلمة وروح الله يرفُّ على وجه المياه" (تك 1: 2). هذا هو عمل الروح القدس، أنه في بدء الخلقة كان يرف على وجه المياه ليخلق العالم الصالح الجميل من الأرض الخالية الخربة. ولا يزال الروح الإلهي يحلّ على مياه المعمودية ليقدسها، فيقيم من الإنسان الذي أفسدته الخطيئة سماوات جديدة وأرضًا جديدة، عوض الأرض الخربة والخالية من كل صلاح. إنه يخلق من الإنسان الترابي (الأرض) نفسًا مقدسة متجددة (سماوات جديدة) وجسدًا مباركًا تُحسب أعضاؤه آلات برّ لله (أرضًا جديدة). * لقد أنجبت المياه الأولي حياة، لا يتعجب أحد إن كانت المياه في المعمودية أيضًا تقدر أن تهب حياة. * كان روح الله محمولًا على المياه هذا الذي يعيد خلقة من يعتمد. كان القدوس محمولًا على المياه المقدسة، أو بالأحرى على المياه التي تتقبل منه القداسة. بهذا تقدست المياه بالروح وتقبلت إمكانية التقديس. هذا هو السبب الذي لأجله إذ كانت المياه هي العنصر الأوّلي (للخلقة) حصلت على سرّ التقديس خلال التوسل لله [21]. العلامة ترتليان * تتم الخلقة الجديدة بواسطة الماء والروح وذلك كخلقة العالم، إذ كان روح الله يرف على المياه [22].القديس إكليمنضس السكندري * المياه هي بدء العالم، والأردن هو بدء الإنجيل [23].القديس كيرلس الأورشليمي يربط القديس ديديموس بين عمل الروح القدس في بدء الخلقة، وعمله وهو حال أثناء العماد.* إذ رأى الثالوث غير المنقسم ولا منطوق به منذ الأزل سقوط الطبيعة البشرية، وفي نفس الوقت أوجد الماء من العدم، أعدَّ للإنسان الشفاء المزمع أن يتم في المياه. هذا هو السبب الذي لأجله إذ حُمل الروح القدس على المياه ظهر مقدِسًا لها... وربطها بعملية الولادة (الإنجاب). بهذا يليق بنا أن نقرن الحقيقة معًا، فإنه من المهم أن نعرف أنه في اللحظة التي اعتمد فيها يسوع نزل الروح القدس على أمواج الأردن واستقر عليها [24]. القديس ديديموس السكندري يسأل القديس أمبروسيوس: لماذا يتم الميلاد الجديد في المياه؟ ويجيب أنه مكتوب "لتفض المياه ذات أنفس حية" (تك 1: 20)، وأفاضت المياه كائنات حيّة (مثل الأسماك). هكذا أنجبت المياه كائنات حيّة طبيعيًا بكلمة الله، والآن تلد المياه المقدسة بكلمة الله كائنات حيّة حسب النعمة، إذ نعيش نحن كالسمك، متمثلين بالسيد المسيح "السمكة الحقيقية". وقد سبق فرأينا أن كلمة "سمكة" باليونانية (إخسوس) تحمل الحروف الأولي للعبارة "يسوع المسيح ابن الله المخلص"، فصارت رمزًا للسيد المسيح كما ترمز للمؤمنين [25].هذا كله جعل العلامة ترتليان يربط بين الروح القدس وعمله في المياه المقدسة، حتى ليتصور أن الروح قد وجد له فيها مسكنًا. والعجيب أنه كان هناك تقليد سائد حتى بين اليهود بأن إبليس يحارب البشرية كتنين يسكن في المياه. لذلك جاء الطقس القبطي الخاص بالمعمودية المقدسة يحمل اتجاهين متكاملين هما تحطيم سلطان التنين (إبليس) القاطن في الأعماق، وقبول ملكوت المسيح الغالب للظلمة. ففي صلاة التقديس يقول الكاهن: "أنت رضضت رؤوس التنين على المياه". وكما يقول ليندبرج Lundberg: [في الليتورجيات القبطية والسريانية تستدعى قوة الله على المياه، فتُعلن كما أعلنت في الخلقة. إنها القوة التي تحوّل مياه الموت إلى مياه واهبة الحياة بطريقة سرية وذلك خلال التقديس [26].] وإنني أرجو أن أتحدث عن أهمية عنصر الماء في الخلقة الجديدة التي تتحقق في المعمودية عند حديثي عن "طقس المعمودية" في الباب الرابع. 2- فلك نوح والطوفان في بدء الخلقة يظهر الماء كعنصر أوّلي للخلقة حيث كان روح الله يرف على وجه الغمر ليخلق. أما في قصة الطوفان فيظهر الماء كأداة إدانة للعالم الشرير، وإن كان الفلك وسط المياه يظهر كأداة خلاص لنوح وعائلته حيث يدخل بهم إلى عالم جديد. تطلع الرسول بطرس إلى الطوفان والفلك، فرأى صورة رمزية حيّة للخلاص في المعمودية بموت السيد المسيح، الذي انطلقت نفسه إلى الجحيم تبشر الذين رقدوا على الرجاء. كما رأى الرسول في الطوفان إعلانًا لقبول السيد حكم الإدانة في جسده لكي يدخل بمؤمنيه إلى قوة القيامة. "فإن المسيح أيضًا تأَلَّم مرَّةً واحدة من أجل الخطايا، البارُ من أجل الآثمة لكي يقرّبنا إلى الله مماتًا في الجسد ولكن مُحيًى في الروح، الذي فيهِ أيضًا ذهب فكرز للأرواح التي في السجن، إذ عصت قديمًا حين كانت أناة الله تنتظر مرَّةً في أيام نوح، إذ كان الفلك يُبنَى، الذي فيهِ خلص قليلون أي ثماني أنفس بالماءِ. الذي مثاله يخلّصنا نحن الآن أي المعمودية. لا إزالة وسخ الجسد بل سؤال ضميرٍ صالحٍ عن الله بقيامة يسوع المسيح الذي هو في يمين الله، إذ قد مضى إلى السماء وملائكة وسلاطين وقوَّات مُخضَعَة لهُ" (1 بط 3: 18-21). لقد فتح القديس بطرس بحديثه عن الطوفان والفلك في رسالتيه طريقا للآباء للحديث عنهما كرمزٍ للمعمودية بفيضٍ. * كان الطوفان الذي طهّر العالم من شره القديم يحمل نبوة خفيّة عن تطهير الخطايا بواسطة الجرن المقدس. كان الفلك الذي خلّص من كان بداخله أيقونة للكنيسة المملوءة رهبة، وللرجاء الصالح الذي صار لنا بسببها. أما الحمامة التي أحضرت غصن زيتون إلى الفلك فأظهرت بهذا أن الأرض قد انكشفت، رسمت مجيء الروح القدس في المصالحة الذي كان من المزمع أن يتحقق من الأعالي، لأن الزيتون علامة السلام [27]. العلامة ترتليان * قصة الطوفان سرّ، محتوياتها كانت مثالًا للأمور العتيدة أن تتم، الفلك هو الكنيسة، ونوح المسيح، والحمامة الروح القدس، وغصن الزيتون هو الصلاح الإلهي. كما كان الفلك في وسط البحر حصنًا لمن في داخله، هكذا تُخلّص الكنيسة الهالكين. الفلك يُعطي حصانة أما الكنيسة فتفعل ما هو أعظم. كمثال احتوى الفلك الحيوانات غير العاقلة وحفظها، أما الكنيسة فأدخلت البشر الذين يسلكون بغير تعقل ولم تحصنهم فحسب وإنما أيضًا غيّرت طبيعتهم [28].القديس يوحنا الذهبي الفم * طارت حمامة الروح القدس نحو نوح بعد أن خرج الطائر الأسود (الغراب) وصارت كما لو كانت متجهة نحو المسيح في الأردن [29].القديس جيروم * خذوا شهادة أخرى (بجانب رمز الخليقة السابق): كل بشرٍ فسد بآثامه، إذ يقول الله: لا يبقى روحي بين الناس لأنهم بشر (تك 6: 3)، حيث يوضح الله أن نعمة الروح تتباعد بسبب الدنس الجسدي ونجاسة الخطيئة الشنيعة، التي بسببها أرسل الله الطوفان رغبة منه في استكمال ما كان ناقصًا.أٌمر نوح البار أن يدخل الفلك وإذ انتهى الطوفان أرسل نوح غرابًا فلم يرجع، ثم أرسل حمامة عادت بغصن زيتون،إنكم ترون الماء والخشبة والحمامة، فهل تقفون حيارى أمام السرّ؟ فالماء هو الذي يُغمر فيه الجسد لكي تُغسل فيه كل خطية جسدية، ويدفن فيه كل شر، والخشبة هي التي عُلق عليها الرب يسوع عندما تألم لأجلنا، والحمامة هي التي نزل الروح القدس على هيئتها كما قرأتم في العهد الجديد، ذاك الذي يهبكم سلام النفس وهدوء الفكر. والغراب هو رمز الخطيئة التي تذهب ولا ترجع، إذًا حفظ فيكم البرّ في الداخل والخارج [30]. القديس أمبروسيوس * يقول البعض أنه كما جاء الخلاص في أيام نوح بالخشبة والماء، وكان بدءً لخليقة جديدة، وكما عادت الحمامة إلى نوح في المساء بغصن زيتون، هكذا نزل الروح القدس على نوح الحقيقي مُوجد الخليقة الجديدة. لقد نزلت عليه الحمامة الروحية أثناء عماده لكي يظهر أنه هو الذي يمنح الخلاص للمؤمنين بخشبة الصليب، والذي وهب العالم نعمة الخلاص بموته نحو المساء [31].القديس كيرلس الأورشليمي استخدم القديس كبريانوس هذا الرمز كدليل على عدم قانونية معمودية الهراطقة والمنشقين، إذ يرى أنه لا خلاص إلا خلال معمودية الكنيسة الواحدة التي يمثلها فلك نوح الواحد. يقول: [لكي يُظهر بطرس (1 بط 3: 18-21) أن الكنيسة واحدة، وأن الذين في داخلها هم وحدهم الذين يمكن أن يخلصوا. قال أنه في فلك نوح ثمانية أنفس فقط خلصوا بالماء، الأمر الذي تفعله المعمودية بالنسبة لكم. لقد برهن أن فلك نوح كان رمزًا للكنيسة الواحدة. فلو أنه في ذلك الوقت كان يمكن لإنسان أن يخلص وهو خارج فلك نوح حين كان العالم يعتمد لكي يتطهر ويخلص، هكذا يمكن الآن لإنسان خارج الكنيسة أن يخلص بالمعمودية [32].]لقد أشار الرسول بطرس إلى عدد الذين خلصوا في الفلك أي ثمانية أنفس، حيث رقم "8" يشير للحياة المقامة، أي الحياة ما بعد الزمن (7 أيام الأسبوع)، وقد قام الرب في أول الأسبوع الجديد أي اليوم الثامن بالنسبة للأسبوع السابق. ورأى الرسول بطرس في نوح أنه الثامن (2 بط 2: 5). وقد شغل هذا الرقم ذهن كثير من الآباء، نعطي هنا بعض الأمثلة: جاء في المعارف الاكلمندية أن سبعة أجيال سبقت نوح [33]، فجاء نوح يمثل الجيل الثامن أو اليوم الثامن الذي لقيامة الرب. فارتبط خلاصنا بقيامة السيد، وصارت راحتنا في هذا اليوم الجديد أو السبت الجديد. ويقول الشهيد يوستين: [في الطوفان تحقق سرّ خلاص البشر. فإن نوحًا البار ومعه أناس الطوفان الآخرين، أي زوجته وأولاده الثلاثة ونساء بنيه يكَّونون (رقم) ثمانية. هكذا يظهرون رمزًا لليوم الثامن الذي فيه ظهر مسيحنا قائمًا من الأموات، ويظهر هكذا على الدوام، ويحمل ضمنًا اليوم الأول. لأن المسيح هو بكر كل الخليقة، قد صار في معنى جديد رأسًا لجنس آخر حيث تجدد هذا الجنس بالماء والخشبة اللذين وُجدا في سرّ الصليب، إذ خلص نوح بخشبة الفلك حين حمله الماء هو وعائلته... لقد غرقت كل الأرض كقول الكتاب، وواضح أن الله لا يتكلم عن الأرض بل عن الناس... وذلك لكي يظهر مقدمًا كل هذه الرموز في وقت الطوفان. أقصد الذين قد تهيّأوا بالماء والإيمان والخشبة، الذين تابوا عن خطاياهم، هؤلاء يهربون من دينونة الله العتيدة [34].] 3- عبور البحر الاحمر والسحابة يقول القديس بولس: "ولست أريد أيُها الأخوة أن تجهلوا أن آباءَنا جميعهم كانوا تحت السحابة، وجميعهم اجتازوا في البحر، وجميعهم اعتمدوا لموسى في السحابة وفي البحر" (1 كو 10: 1-2). وكأن الرسول بولس قد رأى كنيسة العهد القديم في أيام موسى النبي قد اجتازت المعمودية رمزيًا. فالبحر يشير إلى جرن المياه، والسحابة التي ظللتهم تشير إلى الروح القدس، كقول الكتاب: "أرسلت روحك فغطّاهم" (خر 15: 10). ظهرت رمزية عبور البحر الاحمر للمعمودية في العهد القديم نفسه، إذ رأى إشعياء النبي ذراع الرب (رمز للمسيح) يستيقظ من القبر محطمًا العدو إبليس أو التنين الساكن في أعماق المياه، فاتحًا طريق النصرة لكي يعبر أولاده وسط المياه ويخلصوا. يقول النبي: "استيقظي استيقظي، البسي قوةً يا ذراع الرب. استيقظي كما في أيام القدم، كما في الأدوار القديمة. أَلستِ أنتِ القاطعة رَهَب، الطاعنة التنين؟! أَلستِ أَنتِ هي المُنَشِّفة البحر مياه الغمر العظيم، الجاعلة أعماق البحر طريقًا لعبور المفديين؟! ومفديُّو الرب يرجعون ويأتون إلى صهيون بالترنم، وعلى رؤُوسهم فرح أبدي. ابتهاج وفرح يدركانهم. يهرب الحزن والتنهُّد" (إش 51: 9-11). إنها ثلاث صرخات: "استيقظي، استيقظي، استيقظي" وكأنها إعلان عن قوة القيامة المعلنة في اليوم الثالث، التي تُوهب لمفديي الرب في المعمودية خلال الغطسات الثلاث باسم الثالوث القدوس. مرة أخرى يطلب من السيد الذي عمل في القديم خلال رمز العبور، أن يعمل الآن ليعبر بمفديّيه وسط المياه ويدخل بهم إلى "الفرح الأبدي" الذي هو ملكوت الله الذي يهرب منه الحزن والتنهد. رأى النبي هلاك التنين وطعنه هذا الذي هو قاتل للبشر! هكذا رأى إشعياء النبي في العبور مفاهيم لاهوتية حيّة لعمل المعمودية في حياة المؤمنين، ونصرتهم خلال الرب الذي قام وأقامهم معه، وتحطيم إبليس التنين القديم. فيما يلي مقتطفات من كلمات الآباء عن العبور كرمز للمعمودية المسيحية: * عندما ترك الشعب مصر بإرادته، وهربوا من سلطان ملك مصر بعبورهم الماء، أهلك الماء الملك وكل جيشه. أي شيء أكثر وضوحًا من هذا كرمز للمعمودية؟! فالشعوب تخلص من العالم بواسطة الماء، إذ يتركون الشيطان الذي كان يطغي عليهم، فيهلك في الماء [35]. العلامة ترتليان * يريد (فرعون وجنوده) أن يصلوا إليك، لكنك إذ تنزل في المياه تخرج منها إنسانًا صحيحًا سليمًا، حيث تغتسل فيها من نجاسات الخطيئة لتصعد إنسانًا جديدًا مستعدًا للتسبيح بالنشيد الجديد (إش 42: 10) [36]. العلامة أوريجينوس * البحر الاحمر الذي تَقّبل الإسرائيليين الذين لم يخافونه، هذا الذي خلصهم من الشرور التي أضمرها لهم المصريون المقتفون آثارهم، كان -كل تاريخ الخروج- رمزًا للخلاص الذي يتم في المعمودية.مصر في الحقيقة ترمز هنا إلى العالم الذي نمارس فيه شقاءنا بالحياة الشريرة التي نعيشها، والشعب هم الذين يستنيرون (يعتمدون)، والماء هو واسطة الخلاص للشعب يمثل المعمودية. فرعون وجنوده رمز للشيطان وأعوانه [37]. القديس ديديموس الضرير * خلاص إسرائيل من فرعون كان خلال البحر، وخلاص العالم من الخطيئة يتم بغسل الماء بكلمة الله (أف 5: 26) [38].القديس كيرلس الأورشليمي * لقد قدم لنا ما يخص خروج إسرائيل لكي نعرف الذين يخلصون بالمعمودية... البحر هو رمز للمعمودية، فخلص الشعب من فرعون كما تخلص أنت من طغيان إبليس في المعمودية. أهلك البحر العدو، وفي المعمودية تُقتل عداوتنا لله. خرج الشعب من البحر أصحاء وسالمين، ونحن أيضًا نخرج من الماء كمن هم أحياء يخرجون من بين الأموات. * لو لم يعبر إسرائيل البحر لما نجا من فرعون، وأنت إن لم تدخل المياه فلن تهرب من طغيان الشيطان القاسي [39]. القديس باسيليوس الكبير * عبور البحر الاحمر كقول القديس بولس نفسه هو نبوة عن سرّ المعمودية... في الحقيقة إذ يقترب الشعب الآن إلى مياه التجديد، يكونون كمن يهربون من مصر التي تشير إلى الخطيئة (في ذاك الوقت)، فيتحررون ويخلصون، أما إبليس وأعوانه مع أرواح الشر فيهلكون. * تلقي الشهوات بنفسها في المياه لكي تقتفي أثر العبرانيين، لكن المياه التي تمثل عنصر حياة بالنسبة للذين يلتجئون إليها تكون عنصر موت للذين يقتفون أثرهم [40]. القديس غريغوريوس أسقف نيصص * أي شيء أعظم من عبور البحر بواسطة الشعب اليهودي؟! ومع هذا فإن اليهود الذين اجتازوه مات جميعهم في البرية! أما الذي يعبر هذا الينبوع (المعمودية) أي يجتاز من الأرضيات إلى السماويات، فيُحسب ذلك بحق تحول أو عبور، عبور من الخطيئة إلى الحياة، فلا يموت بل يقوم.* عمود السحاب هو الروح القدس. فقد كان الشعب في البحر، وكان عمود النور يتقدمهم، عندئذ تبعهم عمود السحاب كظل للروح القدس. ها أنت ترى كيف ظهر بوضوح الروح القدس والماء كمثال للمعمودية [41]. القديس أمبروسيوس أخيرًا يرى القديس كبريانوس في هلاك فرعون وجنوده رمزًا لجحد الشيطان وملائكته أثناء ممارسة طقس العماد، حيث ينال طالب العماد قوة للغلبة على قوات الظلمة والتحرر من سلطانهم [42]. 4. مياه "مارة" في طقس الكنيسة القبطية يصلي الكاهن أثناء تقديس مياه المعمودية قائلًا: "أنت أمرت الصخرة الصماء فأفاضت الماء لشعبك، وأيضًا المياه المُرّة نقلتها إلى مياه حلوة..." هكذا تتطلع الكنيسة إلى تحويل مياه "مارة" المُرّة إلى مياه حلوة كرمز للمعمودية. * كانت مارة عين ماء شديدة المرارة، فلما طرح فيها موسى الشجرة أصبحت مياهها عذبة، لأن الماء بدون الكرازة بصليب الرب لا فائدة منه للخلاص العتيد، ولكن بعد أن تكرس بسرّ صليب الخلاص يصبح مناسبًا لاستعماله في الجرن الروحي وكأس الخلاص. إذ كما ألقى موسى النبي الخشبة في تلك العين، هكذا أيضًا ينطق الكاهن على جرن المعمودية بشهادة صليب الرب، فيصبح الماء عذبًا بسبب النعمة [43]. القديس أمبروسيوس 5. عبور يشوع نهر الأردن في الليتورجيا القبطية وأيضًا الإثيوبية الخاصة بتقديس مياه المعمودية -بعد الإشارة إلى المياه الخاصة ببدء الخليقة والطوفان وعبور البحر الاحمر ومياه مارة وصخرة حوريب- ورد الحديث عن مجموعة أخرى هي: "عبور يشوع بن نون نهر الأردن، وقبول ذبيحة إيليا بالماء، وشفاء نعمان السرياني في نهر الأردن. وقد ورد الحديث عنها في أعمال العلامة أوريجينوس السكندري ومن بعده أخذها الآباء عنه، لذا يرى دانيلو أن هذه المجموعة إسكندرانية المنشأ، نشأت عن التقليد الليتورجي لكنيسة الإسكندرية، وإن ما جاء عنها في أعمال أوريجينوس لا يمثل رأيًا شخصيًا بل يعكس فكر كنيسته وتقليدها في ذلك الحين [44]. يرى العلامة أوريجينوس في عبور يشوع بن نون نهر الأردن رمزًا للمعمودية أفضل من عبور موسى النبي البحر الاحمر، وإن كان لا ينكر ما للأخير من أهمية كمركز للمعمودية: أ. في معمودية موسى والشعب خلال البحر الاحمر والسحابة وُجدت مشقة بل وملحًا، إذ كانوا يخافون عدوهم (فرعون وجنوده)، بل صرخوا للرب ولموسى قائلين: هل لأنه لا توجد قبور في مصر أتيت لتهلكنا في البرية؟! (خر 14: 11)، أما معمودية يشوع فحدثت في مياه هادئة عذبة يمكن شربها، وهي بهذا أشرف من المياه السابقة، لأن الإيمان في عهد يشوع كان قد نما وأصبح واضحًا منظمًا. ب. في عبور يشوع بن نون تقدم الشعب تابوت العهد يحمله الكهنة واللاويين ثم تبع الشعب خدام الله بعد أن تطهروا (يش 3: 5). يرى العلامة أوريجينوس في حمل الكهنة للتابوت أثناء العبور إشارة واضحة إلى تدبير الآب الخاص بالابن الذي رفعه وأعطاه هذه الخدمة حتى تجثو له كل ركبة مما في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض ويعترف كل لسان أن يسوع هو رب لمجد الله الآب (في 2: 9-11). ج. تم الفصح قبل عبور البحر الاحمر، أما في أيام يشوع فاحتفلوا بالفصح بعد العبور، وقد اختتنوا بحجر حاد علامة هلاك الإنسان القديم الشرير، ونزع العار عنهم. د. بعد العبور أكلوا الفصح بخبزٍ غير مختمر من قمح أرض الميعاد، فتمتعوا بطعام جديد غير المن، وكأنهم كانوا يأكلون من طعام أورشليم الجديدة العليا. ه. بعد عبور نهر الأردن سقطت أريحا إشارة إلى هلاك الإنسان القديم الشرير [45]. يقول أيضًا إن من يذهب إلى الأردن لا يهرب إليه في صمت، بل يحمل معه الأبواق التي تعلن الأسرار الإلهية، كارزًا بالبوق السماوي [46]. لقد حملوا من وسط قاع نهر الأردن اثني عشر حجرًا وعبروا بها النهر، وكأنما قد انطلقت الكنيسة -حجارة الله الحيَّة- إلى الوجود خلال مياه المعمودية، كل إنسان يصير حجرًا حيًا في هيكل الرب. * يقدم لنا يشوع بن نون رمزًا للمسيح بطرق كثيرة. فبعد عبوره الأردن بدأ يمارس قيادته للشعب، لهذا اعتمد المسيح أولًا ثم بدأ حياته العملية. أقام ابن نون اثني عشر رجلًا لتقسيم الميراث، وأرسل يسوع اثني عشر رسولًا إلى كل العالم يكرزون بالحق. الذي كان رمزًا أنقذ راحاب لأنها آمنت، والذي هو الحق قال أن العشارين والزناة يسبقونهم إلى ملكوت الله. سقطت أسوار أريحا لمجرد سماعها صوت الأبواق في وقت الرمز، وبكلمة يسوع سقط هيكل أورشليم أمام أعيننا ولم يبقَ حجر على حجر [47]. القديس كيرلس الأورشليمي * يشوع بن نون العبد مدبر العهد القديم، ويسوع ابن الله مدبر العهد الجديد. هناك تابوت العهد من الخشب الميت وقد زُين بصفائح ذهب، أما هنا فتابوت العهد هو ناسوت المسيح من لحم ودم حيّ طاهر مزيّن بالروح القدس. هناك اثنا عشر حجرًا صماء بلا روح، وهنا اثنَا عشر تلميذًا ورسولًا روحيون ومقدسون. لقد انشق الأردن ووقفت المياه النازلة من فوق في جانب واحد، بينما نزلت المياه المنحدرة نحو البحر المالح. هنا يظهر فرق الإيمان بالمسيح بين المؤمنين وغير المؤمنين. فيقف المؤمنون والمولودون من الماء والروح في جانب واحد على العذوبة ككنيسة واحدة مؤسسة على صفات الإيمان، بينما ينحدر غير المؤمنين النازلون إلى أسفل نحو البحر المالح الذي هو البحر الميت، وإلى ملوحة الكفر. القديس أثناسيوس الرسولي * لم يتسلم الشعب العبراني أرض الموعد قبل عبوره الأردن تحت قيادة يشوع، وقد أقام اثني عشر حجرًا في النهر كرمز واضح للاثني عشر خادمًا للمعمودية.* لقد تمجد الأردن لأنه يجدد أناسًا، ويزرعهم في فردوس الله [48]. القديس غريغوريوس أسقف نيصص 6. قبول ذبيحة إيليا على جبل الكرمل (1 مل 18) * قرّب إيليا عجلًا على جبل الكرمل، وقطّعه إربًا، وبنى مذبحًا، ووضع عليه حطبًا والقربان على الحطب، ثم أمر أعوانه وصحبه فحفروا خندقًا مثالًا للمعمودية، وأن يصبّوا على ذلك كله ماءًا فصبّوا، وقال لهم ثنوا فثنوا، وثلثوا فثلثوا قياسًا لتثليث غطسات المعمودية، وامتلأ الخندق ماءً. ثم صلى إلى الرب أن يستجيبه بنارٍ، فنزلت نار من السماء فأكلت القربان والحطب والماء ولحست الأرض، تحقيقًا لقبول الرب القربان والماء، ومثالًا لنزول الروح القدس على ماء المعمودية وعلى قربان المذبح.. ومن بعد ذلك تمكن إيليا من أعدائه الكفرة كهنة إبليس، وقتلهم مثالًا لتمكن المؤمن بالمسيح من بعد المعمودية والقربان، من أعدائه -إبليس والشياطين- بعون الرب [49]. القديس أثناسيوس الرسولي * بهذا تنبأ إيليا بوضوح مُقدمًا عن سرّ المعمودية العتيد أن يتحقق. نزلت النار على المياه التي سًكبت ثلاث مرات ليظهر أنه حيث يوجد الماء السرائري يكون الروح الذي يهب حياة ويحرق ويلهب، يبيد الشرير (الإنسان القديم) وينير المؤمن [50].القديس غريغوريوس النيسي 7. عبور إيليا نهر الأردن * يليق بنا أن نلاحظ أنه قبل أن يُحمل إيليا في الزوبعة كما إلى السماء، أخذ رداءه ولفَّه ثم ضرب به الماء فانشق إلى اثنين وعبر هو وإليشع (2 مل 2: 8). بهذا اعتمدا في الأردن، لأن بولس كما سبق فقلت دعي عبور هذه المياه العجيب عمادًا. بهذا تهيأ إيليا للارتفاع [51]. العلامة أوريجينوس * ارتفع إيليا إلى السماء، ولكن ليس بدون ماء. لقد بدأ بعبور الأردن بعد ذلك حملته المركبة إلى السماء [52].القديس كيرلس الأورشليمي 8. شفاء نعمان السرياني (2 مل 5) بمشورة فتاة صغيرة أسيرة لدى الآراميين جاء نعمان السرياني بخيله ومركباته ووقف عند باب بيت إليشع يطلب الشفاء من برصه. لم يخرج إليه إليشع بل أرسل إليه يقول: "اذهب واغتسل سبع مرات في الأردن فيرجع لحمك إليك وتطهر". تذمر نعمان قائلًا: "هوذا قلت أنه يخرج إليَّ ويقف ويدعو باسم الرب إلهه ويردّد يده فوق الموضع فيشفي الأبرص، أليس ألبانه وفرفر نهرا دمشق أحسن من جميع مياه إسرائيل؟! أما كنت أغتسل بهما فأطهر؟!" ورجع ومضى بغيظ، لكن أشار إليه عبيده أن يطيع كلمات النبي، فأطاع ورجع لحمه كلحم صبيٍ صغيرٍ وطهر، فرجع إلى رجل الله هو وكل جيشه ودخل ووقف أمامه. جذب هذا الرمز أنظار آباء مدرسة السكندرية، إذ رأوا فيه صورة حيّة للمعمودية المسيحية، وقبل أن نورد بعض تعليقات هؤلاء الآباء وغيرهم أود أن أوضح في هذا الرمز أن نعمان لم يلتقِ مع إليشع قبل دخوله نهر الأردن مع أنه كان عند بابه، ولكنه تلاقى معه بعد دخوله النهر. فإنه لا يستطيع أحد أن يدخل في شركة مع السيد المسيح ما لم يتقبل أولًا الميلاد الجديد في المعمودية. هذا ونلاحظ أيضًا أن ملك إسرائيل شق ثيابه عند قراءته خطاب ملك آرام، وقال: "هل أنا الله، لكي أٌميت وأحيّي حتى أن هذا يرسل إليَّ أن أشفي رجلًا من برصه؟!" فنطق الملك بنبوة عن قوة المعمودية دون أن يدري، إذ ليس في قدرة إنسان أو خليقة ما أن يهب التجديد في مياه المعمودية بل هو عمل الله نفسه الذي يغسلنا من برص الخطية، هو الذي يميت إنساننا القديم ويحي إنسانًا جديدًا فينا. أما شق الثياب فعلامة نزع المُلك عن إسرائيل القديم ليحل ملك جديد، من نوع آخر، ملكوته روحي أبدي. * لكي نفهم معنى الأردن الذي يطفئ الظمأ ويروي النعم، من المفيد لنا أن نشير أيضًا إلى نعمان السرياني الذي برأ من البرص... ليس نهر آخر ينزع البرص من الإنسان إلا ذاك النهر الواحد (الأردن)، إن دخله الإنسان بإيمان وغسل نفسه في يسوع! السبب في ذلك أن الذين يغتسلون فيه يخلصون من عار مصر (محبة العالم). [إذ عبر فيه يشوع بعد ترك مصر والبرية]، ويصيرون قادرين على الصعود إلى السماء [عبر فيه إيليا قبل ارتفاعه]، ويتطهّرون من البرص المرعب للغاية [نعمان السرياني]، بهذا يصيرون متأهلين لقبول الروح القدس [53]. * لم يتطهر أحد إلا نعمان السرياني الذي ليس من إسرائيل. انظر، إن الذين يغتسلون بواسطة إليشع الروحي الذي هو ربنا ومخلصنا يتطهرون في سرّ المعمودية، ويغتسلون من وصمة الحرف (الذي للناموس). لقد قيل لك: قم، اذهب إلى الأردن واغتسل، فيتجدد جسدك. لقد قام نعمان وذهب واغتسل رمزًا للمعمودية، فصار جسمه كجسم صبيٍ صغيرٍ. من هو هذا الصبي؟ إنه ذاك الذي يُولد في جرن التجديد [54]. العلامة أوريجينوس * أعلن إليشع النبي مُقدمًا عن غنى مياه المعمودية غير الموصوف. وفي نفس الوقت أشار إلى أنه سيمتد إلى كل الذين يرغبون في قبول الإيمان، فقد أرسل نعمان الأبرص الذي كان غريبًا الذي طلب الشفاء، وأمره أن يغطس سبع مرات في الأردن.لقد أوضح له أنه يلزمه أن يغطس سبع مرات، لكي يتعلم هذا الغريب أن الله استراح في اليوم السابع، أو لأنه كان يشير إلى الروح الإلهي بطريقة رمزية [55]. القديس ديديموس الضرير * مجيء نعمان السرياني وشفاؤه باستحمامه في مياه الأردن كان قياسًا لنقاء أنفس المؤمنين المعتمدين بالمسيح من خطاياهم. وكان الموضع الذي استحم فيه نعمان في نهر الأردن هو الذي وقف فيه تابوت الرب على عهد يشوع بن نون، وفيه تعمد المسيح ابن الله فحقق الرسم بالحقيقة [56].القديس أثناسيوس الرسولي يعلق القديس على شفاء نعمان السرياني، قائلًا:* في الحقيقة الأردن وحده بين كل الأنهار تقبَّل باكورة التقديس والبركة، وأفاض كينبوع نعمة المعمودية على العالم كله [57]. القديس غريغوريوس النيسي * الشعب الذي -كان غريبًا- كانوا بُرصًا قبل عمادهم في النهر السرّي، هؤلاء يتطهرون بسرّ المعمودية من وصمات نفوسهم وأجسادهم. حقًا لقد أُعلن للأمم عن خلاصهم المقبل خلال مثال نعمان [58].القديس أمبروسيوس * افهموا الآن من هي تلك الفتاة الصغيرة بين الأسرى؟ إنها الجماعة التي جُمعت من الأمم، كنيسة الله التي كانت مستعبدة قديمًا في أسر الخطيئة عندما لم تكن لها حرية النعمة، هذه التي بواسطة تدبيرها سمع الناس الأغبياء من الأمم كلمة النبوّة التي كانوا يُشّكون فيها قبلًا، ولكن بعدما آمنوا أنه ينبغي أن تُطاع اغتسلوا من دنس الخطيئة. لقد شك نعمان قبل أن يبرأ، أما أنتم فقد برئتم فلا ينبغي إذن أن تشكّوا [59].القديس أمبروسيوس 9. إخراج الفأس من الماء (2 مل 6) إذا أراد بنو الأنبياء أن يقيموا لأنفسهم بيوتًا استأذنوا إليشع النبي فسمح لهم، وبينما كان أحدهم يقطع خشبة سقطت الفأس الحديدية في الماء، فألقى النبي خشبة في الماء فللحال طفت الفأس على وجه المياه، هذا الرمز كما يقول القديس أمبروسيوس يكشف عن عجز القوة البشرية عن الخلاص، والحاجة إلى قوة الله لخلاصنا في المعمودية [60]. * ألقى إليشع قطعة خشب على مجرى الأردن، فاسترد من الماء حديد الفأس الذي أراد أبناء الأنبياء أن يقطعوا به الخشب لبناء بيوتهم. هكذا خلصنا مسيحنا في المعمودية من خطايانا الثقيلة بصلبه على الخشبة والعماد في الماء. القديس يوستين * إليشع رجل الله الذي سأل: أين سقطت الفأس؟ (2 مل 6) كان رمزًا لله الذي يأتي بين البشر، هذا الذي سأل آدم: أين أنت؟سقوط الحديد في الأعماق المظلمة هو رمز لثقل الطبيعة البشرية الخالية من النور. الخشبة التي أٌخذت وأٌلقيت في الموضع حيث كان الشيء الذي يبحث عنه ترمز للصليب المجيد. الأردن هو المعمودية الخالدة. حقًا، من أجلنا عيَّن خالق الأردن أن يعتمد في الأردن. أخيرًا فإن الحديد الذي طفا على المياه وعاد إلى من قد فقده يشير إلى أننا في المعمودية نصعد إلى الأعالي السماوية، ونجد النعمة التي هي مسكننا الحقيقي القديم. لو أن إنسانًا ظن أن هذا الموضوع ليس نبوة عن المعمودية، فلماذا سجله الكتاب المقدس؟! [61] القديس ديديموس الضرير * كما أن الحطب الذي من طبعه الخفة لما أُلقي في الماء في أيام إليشع أخرج الحديد من طبعه الثقيل (2 مل 6: 16)، فكم بالأحرى يرسل الرب إلينا روحه الخفيف النشيط الصالح السماوي وبواسطته يخرج النفس التي غطست في مياه الإثم، ويُصيّرها خفيفة، ويرفعها على جناحه تجاه أعالي السماء، ويغير طبيعتها الأصلية تغيرًا كاملًا.وكما أنه في الأمور المنظورة لا يقدر أحد من نفسه أن يجتاز البحر ويعبره، إلا إذا كان له قارب خفيف مصنوع من الخشب يسير على المياه، لأن من يزعم أن يسير على البحر يغرق ويهلك، هكذا لا يمكن للنفس أن تعبر بذاتها بحر الخطيئة المُرّ وتعلو عليه وتجتاز الهُوّة الصعبة التي هي هُوَّة قوات الظلمة الخبيثة في الهواء، إلا إذا أحرزت روح المسيح اللطيف السماوي الخفيف الذي يسير بها ويعبر بها من كل خبث. بواسطة هذا الروح يمكنها أن تصل إلى ميناء الراحة السماوية من معبر ضيّق إلى مدينة الملكوت [62]. القديس مقاريوس الكبير في شرحنا لسفر الخروج [63] رأينا أن الأشرار قد شُبهوا بالرصاص الذي هبط في الأعماق (خر 15: 5-10)، فالشر كالرصاص يجعل النفس تهبط (زك 5: 8)، أما القديسون فلا يغوصون بل يمشون على المياه، إذ ليس فيهم ثقل الخطيئة. هذا هو عمل الروح القدس، ففي المعمودية يُنزع الرصاص عنهم لكي يصيروا خفيفي الوزن. وكما يقول العلامة أوريجينوس: [لقد مشى ربنا ومخلصنا على المياه (مت 14: 25)، هذا الذي بالحقيقة لا يعرف الخطيئة، ومشى تلميذه بطرس مع أنه ارتعب قليلًا إذ لم يكن قلبه طاهرًا بالكلية، إنما حمل في داخله شيئًا من الرصاص... لهذا قال الرب: يا قليل الإيمان لماذا شككت؟ فالذي يخلص إنما يخلص كما بنار (1 كو 3: 15). حتى وإن وُجد فيه رصاص يُصهر [64].] 10. رؤيا حزقيال (47: 1-12) في ليتورجيا تبريك المياه في عيد الغطاس حسب الطقس القبطي تُقرأ هذه الرؤيا التي تقدم صورة حيّة لعمل المعمودية المسيحية من جوانب متعددة، نذكر على سبيل المثال، وبشيء من الاختصار: أ. رأى حزقيال النبي مياه نازلة من تحت عتبة البيت نحو المشرق، من الجانب الأيمن عن جنوب المذبح. ما هو هذا البيت المتجه نحو المشرق إلا كنيسة العهد الجديد التي تتجه نحو المسيح مشرقها، وتحتضن المذبح المقدس، حيث تقدم عليه ذبيحة العهد الجديد؟! أما هذه المياه التي عند عتبة البيت، بدونها لا يقدر أحد أن يدخل البيت المقدس، هي مياه المعمودية المقدسة التي تحمل قوتها خلال الذبيحة، كقول الرسول: "الذين يشهدون في الأرض هم ثلاثة: الروح والماء والدم، والثلاثة هم في واحد" (1 يو 5: 8). هذه هي المعمودية المسيحية التي من فعل الروح القدس الذي يعمل في المياه خلال دم السيد المسيح. ب. رأى حزقيال النبي رجلًا قاس ألف ذراع وعبر به إلى المياه ثم قاس ألفًا ثانية فثالثة وعند الرابعة يقول: "وإذا بنهر لم استطع عبوره، لأن المياه طمت، مياه سباحة نهر لا يُعبر، وقال لي: أرأيت يا ابن آدم؟ ثم ذهب بي وأرجعني إلى شاطئ النهر" (حز 5: 5-6). ما هذا المنظر إلا العبور بحزقيال النبي إلى أسرار المعمودية. نحن نعرف أن رقم 1000 يشير إلى "الحياة السماوية" لأن يومًا واحدًا عند الرب كألف سنة وألف سنة كيومٍ واحدٍ، أما تكرار الألف أربع مرات فلأن المعمودية تفيض بالحياة السماوية على المسكونة في المشارق والمغارب والشمال والجنوب، لكي تحتضن كل الأمم والشعوب. عندئذ إذ تأمل النبي أسرار المعمودية وجدها تفوق كل إدراكه، مثل نهر لا يُمكن عبوره، فالتزم بالعودة إلى الشاطئ يتأمل عمل الله مع الناس خلال هذه المياه المقدسة. ج. سُئل النبي: أرأيت يا ابن آدم؟ هذا السؤال يذكرنا بقول الله لآدم: "أين أنت؟". فإن كان آدم قد فقد بهاء طبعه وأمجاده في الفردوس، الآن يستعيد ما قد فقده... هذا هو سرّ السؤال التعجبي! د. عند رجوعه إلى الشاطئ رأى النبي أشجارًا كثيرة جدًا من هنا ومن هناك [ع 7]. هذه صورة رمزية للمؤمنين المغروسين على مجاري المياه، الذين يعطون ثمرهم في الوقت المناسب وورقهم لا يذبل، وكل ما يصنعونه ينجحون فيه (مز 1: 3). هؤلاء هم المؤمنون الذين تمتعوا بالروح القدس كينبوع مياه حيّة يرويهم، فصاروا أشجارًا كثيرة جدًا في فردوس الرب. ه. رأى أيضًا السمك كثيرًا جدًا [ع 9]... رأى أنواعًا كثيرة كسمك البحر العظيم كثيرًا جدًا [ع 10]. كما تشير الأشجار المثمرة الكثيرة جدًا إلى المؤمنين الذين تمثَّلوا بالمسيح شجرة الحياة، هكذا يشير السمك الكثير جدًا، ذو الأنواع الكثيرة إلى المؤمنين أيضًا الذين تمثَّلوا بالسيد المسيح السمكة (إخسوس)، يعيشون في مياه المعمودية [65]. يقول العلامة ترتليان: [نحن السمك الصغير بحسب سمكتنا يسوع المسيح قد وُلدنا في المياه، ولا نكون في أمان بطريق ما غير بقائنا في المياه على الدوام.] و. يتحدث النبي أيضًا عن تقديس مياه المعمودية بقوله: "لان مياهه خارجة من القدس" [ع 12]. 11. مزمور 22 (23) يرى كثير من آباء الكنيسة في هذا المزمور تسبحة جميلة تغنى بها داود النبي حين لمس رعاية الله في حياة كل عضو من أعضاء شعب الله خلال أعماله السرائرية، خاصة الإفخارستيا والمعمودية والميرون. يفتتح المرتل تسبحته بقوله: "الربُّ راعيَّ فلا يُعْوِزني شيء"، موضحًا حالة الفرح الداخلي التي تملأ قلب المؤمن بشبعه الروحي من النعم الإلهية، التي تُغدق عليه خلال هذه الأسرار الإلهية. أما قوله: "في مراعِ خضر يُربِضني"، فيرى القديس غريغوريوس النيسي أن هذه المراعي الخضراء هي كلمة الله التي تقدم للموعوظين قبل عمادهم. "إلى مياه الراحة يوردني" [ع 2]: يقول البابا أثناسيوس الرسولي: [مياه الراحة بلا شك تعني المعمودية التي تزيل ثقل الخطيئة [66].] ويقول القديس كيرلس السكندري: [المراعي هي الفردوس الذي سقطنا منه، هذا الذي يقودنا المسيح إليه ويقيمنا فيه بواسطة مياه الراحة التي هي المعمودية [67].] "أيضًا إن سِرْتُ في وادي ظل الموت لا أخاف شرًّا لأنك أنت معي. عصاك وعكَّازك هما يعزّيانني" (ع 4). يعلق الآباء على هذه الكلمات بالقول: * يلزمك أن تدفن بالموت معه في المعمودية، لكنه ليس في ذات الموت إنما تدخل في ظل الموت وصورته [68]. القديس غريغوريوس النيسي * إذ نعتمد في موت المسيح تسمى المعمودية ظل الموت وصورته فلا تخيفنا [69].القديس كيرلس السكندري * عندئذ يقود الإنسان بعصا الروح، فبالحق (الذي يقود) الروح هو الباركليت [70].القديس غريغوريوس النيسي "مسحتَ بالدهن رأسي" [ع 5.] يقول القديس كيرلس الأورشليمي: "إنه يدهن رؤوسكم بزيت على جباهكم، بالختم الذي تتقبلونه من الله، كما تحملوا علامة الختم [71]".هذه صورة مختصرة لفهم الآباء لهذا المزمور بطريقة سرائرية، ولعل هذا ما دفع بعض الكنائس الأولى أن تجعله "مزمور المعمودية" الذي يترنم به المعمدون حديثًا وهم خارجون من حجرة المعمودية متجهين نحو صحن الكنيسة، للاشتراك لأول مرة في ليتورجيا الإفخارستيا يوم عيد القيامة (الفصح) ليتمتعوا بالمائدة الدسمة. إنه أنشودة الفرح برعاية الله للكنيسة خلال جرن المعمودية ومسحة الميرون والمذبح المقدس! 12. العهود وخدمة الكهنوت يرى القديس كيرلس الأورشليمي [72] أنه حيثما يقيم الله عهدًا يوجد الماء إشارة إلى المعمودية التي خلالها ندخل مع الله في عهد فيه نلتزم بجحد الشيطان ومملكته، وقبول روح البنوة لله وملكوت الله. وكما سنرى في دراستنا لطقس العماد في الكنيسة الأولى أن بعض الآباء كانوا يتطلعون إلى ترديد قانون الإيمان وسط مياه المعمودية، كتوقيع عهدٍ أو عقدٍ يُكتب بالروح القدس ويُسجل في أسفار السماء. في القديم إذ قطع الله مع نوح عهدًا، قائلًا فيه: "ها أنا مقيم ميثاقي معكم ومع نسلكم من بعدكم. ومع كل ذوات الأنفس الحيَّة التي معكم..." (تك 9: 8-10)، تم ذلك بعد الطوفان. وحين أقام الله مع موسى عهدًا كان هناك ماء أيضًا، يقول الرسول: "لأن موسى بعدما كلَّم جميع الشعب بكل وصيَّةٍ بحسب الناموس، أخذ دم العجول والتيوس مع ماءٍ وصوفًا قرمزيًّا وزوفا ورشَّ الكتاب نفسهُ وجميع الشعب قائلًا: هذا هو دم العهد الذي أوصاكم الله بهِ" (عب 9: 19-20). وهارون لم يصر رئيسًا للكهنة يُمارس عمله الشفاعي عن شعبه إلا بعد أن اغتسل: "لأنه كيف يقدر أن يصلي من أجل الآخرين إن لم يتطهر بالماء؟! [73]، وكان رئيس الكهنة يغتسل دومًا قبل أن يقدم بخورًا،كما وُجدت المرحضة في الهيكل وخيمة الاجتماع إشارة إلى المعمودية، التي بدونها لا يقدر أحد أن يدخل مقدسات الله. 13. المزمور الثاني والثلاثون يرى البعض [74] في هذا المزمور أن داود النبي يترنم بعمل الله في سرّ المعمودية، إذ يفتتحه بالقول: "طوبى للذي غُفر إثمه وسُتِرت خطيته، طوبى لرجل لا يحسب له الرب خطية ولا في روحه غش". هذا هو عمل نعمة الله الغنية في المعمودية التي تغفر خطايانا وتستر علينا مجانًا. هنا لاحظ الأب دانيال الصلحي [75] أن المزمور يبدأ بالكلمات: "طوبى للذي..." وكأن باب المعمودية مفتوح لجميع الأمم والشعوب ولم تعد المغفرة قاصرة على شعب إسرائيل. ويعلق الأب دانيال الصلحي أيضًا على العبارة الواردة في المزمور "ليس في قلبه (روحه) غش"، قائلًا: [كثيرون إذ يرغبون في رئاسة الكهنوت يُقبلون على العماد لكي ينالوا درجة الكهنوت المكرمَّة. هؤلاء يتقدمون للمعمودية بقلب غاش، فلا يستحقون الغفران. إنهم ينزلون جرن الخلاص ومعهم علامة الإنسان العتيق ويصعدون غير مغسولين. إنهم يدنون من المعمودية المقدسة مثل بني جبعون بأوانٍ بالية وزقاق مشققة يتقدمون للرب. إنه لا يليق أن تكون الرقعة البالية في الثوب الجديد أي المعمودية المقدسة.] وإذ تقدم الكنيسة ليتورجية شكر لله في اليوم الثامن من المعمودية لم تجد أفضل من مقدمة هذا المزمور تترنم به قبل قراءة الإنجيل. 14. المزمور الرابع والعشرون يرى البعض [76] في هذا المزمور أنه خاص بالمعمودية المقدسة، إذ يبدأ بالقول: "للربّ الأرض ومِلؤُها. المسكونة وكل الساكنين فيها. لأنهُ على البحار أسَّسها وعلى الأنهار ثبَّتها". الرب يجدد الأرض وكل الساكنين فيها: من جميع الأمم والشعوب على بحار المعمودية وأنهارها المقدسة. يقول الأب دانيال الصلحي: [لأن الطوباوي داود لما قال هذا كان ينظر مُقدمًا إلى غرض المسيح مخلصنا فيما يخص ميلادنا. فالأرض الموضوعة أساساتها في البحر إنما هي الكنيسة التي يقيمها الله في وسط بحر المعمودية.] أما تكملة المزمور: "مَنْ يصعد إلى جبل الربّ ومَنْ يقوم في موضع قدسهِ؟!" [ع 3]، فيتحدث عن السيد المسيح الذي وحده الطاهر اليدين والنقي القلب [ع 4] يرتفع بنا إلى جبل المعمودية المقدسة ويدخل إلى المقدسات الإلهية. إذ يتحقق هذا تؤخذ الملائكة في دهشة فتقول: "ارتفعنَ أيتها الأبواب الدهريَّات فيدخل ملك المجد!"، فإنه يدخل حاملًا معه الذين اتحدوا به في مياه المعمودية. 15. حزقيال 16 يصف الرب على لسان حزقيال النبي ما كانت عليه النفس البشرية قبل تمتعها بسرّ العماد، وما صارت إليه خلال هذه المياه المقدسة، فيقول: "أبوكِ أَموريّ وأمكِ حثِّيَّة. أمَّا ميلادكِ يومَ وُلِدتِ فلم تُقطَع سرَّتكِ ولم تُغسَلي بالماءِ للتنظُّفِ ولم تُملَّحي تمليحًا ولم تُقَّمطي تقميطًا. لم تشفِق عليكِ عين.. فمررتُ بكِ ورأيتُكِ مدوسةً بدمِكِ.. وقد كنتِ عريانة وعارية. فمررتُ بكِ ورأيتُكِ وإذا زمنُكِ زمن الحب. فبسطتُ ذيلي عليكِ وسترتُ عورتكِ وحلفتُ لكِ ودخلتُ معكِ في عهدٍ يقول السيد الرب فصرتِ لي. فحَّممتكِ بالماءِ وغسلتُ عنكِ دماءَكِ ومسحتكِ بالزيت. وألبستُكِ مطرَّزًة ونعلتُكِ بالتَّخَس، وأزَّرتُكِ بالكتان وكسوتُكِ بزًّا. وحليتُكِ بالحُلي فوضعتُ إسورة في يديكِ وطوقًا في عنقُكِ. ووضعتُ خُزامةٍ في أنفكِ، وأقراطًا في أُذنيكِ، وتاج جمالٍ على رأسكِ. فتحلّيتِ بالذهب والفضة ولباسكِ الكتان والبزُّ والمطرَّز. وأكلتِ السميذ والعسل والزيت، وجَمُلْتِ جدًّا جدًّا فصلُحتِ لمملكةٍ. وخرجَ لكِ اسم في الأمم لجمالك،ِ لأنهُ كان كاملًا ببهائي الذي جعلتُهُ عليكِ يقول السيد الرب" [ع 3-14]. لا تحتاج هذه النبوة الصريحة عن عمل النعمة الإلهية في حياة المؤمنين خلال المعمودية إلى كلمات للتوضيح، فبعد ما كنت في عارٍ وهوانٍ وجوعٍ وعطشٍ وقُبحٍ وفقرٍ تمتعت بأسرار الله المشبعة للنفس الواهبة أمجاد إلهية. أ. يقول للنفس: "أبوكِ أموري وأمك حثِّيَّة"، أي كانت تحمل روح الأمم الوثنيين، أما في المعمودية فصار الله أباها والكنيسة أمها، دخلتْ إلى العضوية في العائلة الإلهية. ب. منذ ميلادها كانت مملوءة دنسًا وقبحًا إذ لم تُقطع سرتها، ولم تُغسل بالماء للنظافة، ولا قُمطت بأقماطٍ، ولم تشفق عليها عين. أما في المعمودية فلم تتطلع إليها عين بشرية، بل مرّ بها الرب نفسه ونظر عريها وخزيها ودنسها، فأحبها وبسط ذيله عليها ليستر ضعفاتها ونجاساتها، حمَّمها بالمياه المقدسة وغسل عنها دماء خطاياها بدمه الطاهر، ومسحها بزيت نعمته، وألبسها ثوب البرّ والخلاص وأعطاها نعلًا يسندها في الطريق ويحمي قدميها. قدم لها الحُلي الذي هو عربون الروح. إذ خطبها لنفسه عروسًا وجعلها ملكة تجلس عن يمينه. كللها بتاج سماوي يُفرِّح قلبها وقلوب السمائيين. جمّلها جدًا جدًا، لأنه سكب بهاءه عليها، فحملت صورته في داخلها. أكلت السميذ والعسل والزيت، فشبعت من ثمر الروح القدس، وصار لها اسم عريسها بين الأمم، منقوشًا على جبهتها وفي أعماقها. 16. يونان في الحوت إن كان يونان بدخوله إلى جوف الحوت صار آية رمزية لدفن السيد المسيح وقيامته كقول السيد نفسه، فإنه حمل أيضًا رمزًا للمعمودية المقدسة، التي في حقيقتها هي دفن وقيامة مع السيد المسيح. في وسط المياه تغيرت إرادة يونان، فبعدما كان مُصَرًا على إرادته الذاتية تعلم الطاعة لإرادة الله. هذا هو عمل المعمودية في حياة الإنسان أن يموت الإنسان عن ذاته، ليحيا بإرادة الله القوية الحية. في وسط المياه تعلم يونان التسبيح لله (يونان 2) مع أنه كان داخل الضيقة المرة، هذا أيضًا هو عمل المعمودية أن يحيا الإنسان بروح الرجاء والفرح والتسبيح من أجل الخلاص الذي قدمه الله لنا ونحن وسط الضيقة العظيمة. 17. التطهيرات بالماء كان الماء يمثل عنصرًا رئيسيًا في الطقس اليهودي الخاص بالتطهيرات، فكان رئيس الكهنة والكهنة يغتسلون بالماء قبل ارتدائهم ثياب الخدمة الكهنوتية (خر 29: 4؛ 40: 12) وفي يوم التكفير العظيم (لا 16: 4، 24)، ويستخدم الماء الحيّ أيضًا في التطهير من النجاسة الناتجة من مس جثة [عد 19]، أو الناتجة عن سيلان (لا 15)، أو التطهير من البرص (لا 14) الخ. كان الماء في الطقس اليهودي يحمل رمزًا لتطهير النفس، لكنه في ذاته كان عاجزًا، يقف عند حدود الغسل الخارجي. لهذا إذ بدأ الرب خدمته بدخوله عرس قانا الجليل (يو 2: 6) حوّل الماء الذي في الأجران الموضوعة حسب تطهير اليهود إلى خمرٍ، كرمز للروح القدس والكلمة المطهِّر (يو 13: 10). فانطلق بنا من التطهيرات الجسدية العاجزة إلى التجديد الكامل للنفس والجسد معًا، في مياه المعمودية بالروح القدس الناري. 18. المياه في العصر المسياني كان عصر المسيّا في ذهن أنبياء العهد القديم هو العصر الذهبي الذي طال انتظار البشرية له، وصفوه كعصرٍ غنيٍ بمياه فيّاضة. وكأن الماء في ذهنهم يحمل علامة غنى نعمة الله غير المدركة في ذلك الحين. نذكر على سبيل المثال أن هذا العصر وُصف بأن الله يقدم فيه المطر في حينه (حز 34: 26)، وإن المطر يروي الأرض فتأتي بوفرة الغلال والزراعة (إش 30: 23 الخ)، فلا يوجد جوع أو عطش (إر 31: 9، إش 49: 10). تفيض مياه حيّة من الهيكل وتأتي بثمار عجيبة وتنمو أشجار كثيرة جدًا (حز 47: 1-12). يخرج ينبوع مفتوح لبيت داود يقطع أصنام الأرض ويزيل الروح النجس (زك 13: 1-2). تفيض ينابيع يهوذا ماء، ويخرج من بيت الرب ينبوع يهب حياة (يؤ 3: 18، زك 14: 8)، يُفرّح مدينة الله مَقدس مساكن العلي (مز 46: 4). بإيجاز ارتبط العصر المسيّاني بالمياه المقدسة، التي تعطي ارتواءً، وتحوِّل القفر أرضًا خصبة، تروي المؤمنين كأشجار فردوس الله، تنزع النجاسات وتطهر الأرض من عبادة الأصنام، وتقدم حياة وتقديسًا، الأمور التي نتحدث عنها في شيء من التفصيل فيما بعد إن شاء الرب وعشنا. _____ الحواشي والمراجع: [14] D. Stone: Holy Baptism, London 1905, and p. 12. [15] De Baptismo. [16] PG 39:693. [17] PG 33:433. [18] De Sacr. 1:11-24. [19] J. Daniélou: The Bible and The Liturgy, p. 71. [20] W. F. Flemington: The New Testament Doctrine of Baptism, London 1948. [21] De Baptismo 2. [22] Ecol. Proph 7. [23] Cat Lect 3:5. [24] PG 39:692. [25] راجع للمؤلف: الكنيسة بيت الله، 1979، ص 311-314. [26] P. Lundberg:La typologie baptismale dans l’ancienne église, p 12, 13. [27] PG 39:697 A, B. [28] Hom. Laz. 6. PG 48:1037-8. [29] Ep. 69:6. [30] الأسرار، فصل 3. [31] PG 33:982 A. [32] Ep. 68:2. [33] Recogn. Clementines 1:29. [34] Dial. 138:2,3. [35] De Baptismo 9. [36] In Exod., hom 5:5. [37] De: Triantate 2:14. PG 39:697 A. [38] Cat. Lect. 3:6. [39] De Spiritu Sancto 14: PG 31:425 B, C. [40] PG 46:589 D; 44:361 C. [41] De Sacr 1:12, 22. [42] Ep. 68:15. [43] الأسرار، فصل 3. [44] J. Daniélou: The Bible and The Liturgy, ch 6. [45] In Jos. hom 6:4-6. [46] In Jos. Hom 1:3. [47] PG 33:676 D-677 A. [48] In Bapt- Christu, PG 46:592 A, 593 D. [49] كمال البرهان على حقيقة الإيمان، ص 131. [50] PG 46:592. [51] Comm. Jos 6:47. [52] PG 33:433A. [53] هنا يربط العلامة أوريجينوس بين ثلاث أحداث خاصة بالأردن: عبوره بيشوع، وعبوره بإيليا، واغتسال نعمان السرياني. [54] Origen: Comm. Jos 6:47, 48; In Lue - hom 33. [55] PG 39; 700 d. [56] كمال البرهان على حقيقة الإيمان، ص 132. [57] PG 46:593 D. [58] Exp. Luc. 4:50, 51. [59] الأسرار: فصل 3. [60] Sacr. 2:11. [61] PG 39:700 A. [62] المؤلف: الحب الإلهي، ص 851. [63] المؤلف: سفر الخروج، إصحاح 15. [64] In Exod, hom 6. [65] راجع كتابنا الكنيسة بيت الله، 1979، ص 311-314 عن السمكة كرمز للسيد المسيح ولمؤمنيه. [66] PG 25:140 A. [67] PG 27:841 A. [68] PG 46:692 B. [69] PG 27:841 B. [70] PG 46:692 B. [71] PG 33:1102 B. [72] Catch. Lect 3:5.6. [73] Catch. Lect 3:5.6. [74] راجع تفسير المزامير للأب دانيال الصلحي الذي وجهه للأب يوحنا رئيس دير مار أبوس (مخطوط 6 التفاسير بدير القديس أنبا أنطونيوس مترجمًا عن السريانية). [75] المرجع السابق، مقال 32. [76] المرجع السابق، مقال 24. |
||||
10 - 05 - 2014, 07:40 PM | رقم المشاركة : ( 7 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
المعمودية المسيحية والإيمان المسيحي أولًا: لقاء مع معلم لإسرائيلسجل لنا الكتاب المقدس لقاءً تاريخيًا فريدًا بين السيد المسيح المخلص ورئيس لليهود، رجل فريسي يدعى نيقوديموس جاءه ليلًا على مستوى شخصي يعلن إيمانه به (يو 3)، ويطلب مشورته. كنا نتوقع من المخلص أن يستعرض نبوات العهد القديم عن عمله الخلاصي لكي يكرز بها لهذا المعلم الإسرائيلي [ع 10]، لكننا نراه يفاجئه بالحديث المباشر عن المعمودية المقدسة، قائلًا له: "الحق الحق أقول لك إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله" [ع 3.] وإذ فهم الولادة الفوقانية بطريقة بشرية عاد يؤكد له: "الحقَّ الحقَّ أقول لك إن كان أحد لا يُولَد من الماءِ والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله. المولود من الجسد جسد هو، والمولود من الروح هو روح" [ع 5، 6]. لم يستطع نيقوديموس أن يفهم هذا العمل الإلهي، فوبّخه السيد قائلًا: "أنت معلّم إسرائيل ولست تعلم هذا؟!" [ع 10]، وقدم له رمزًا لعمل الخلاص خلال الصليب من العهد القديم، الذي هو الحيَّة النحاسية، ثم عاد يتحدث الإنجيلي في بقية الإصحاح عن المعمودية المقدسة. يكشف لنا هذا اللقاء عن هدف السيد المسيح ورسالته، فقد جاء ليدخل بالعالم إلى ملكوته الإلهي خلال الميلاد الجديد من الماء والروح. هكذا يربط بين الإيمان بخلاصه والمعمودية المقدسة، وبين ملكوته الإلهي والتمتع بالمعمودية. إذن لا عجب إن ختم السيد حياته على الأرض بالجسد مقدمًا هذه الوصية لتلاميذه: "اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمِّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس. وعلّموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم بهِ. وها أنا معكم كل الأَيَّام إلى انقضاءِ الدهر. آمين" (مت 28: 19-20)، مطالبًا إياهم بالكرازة والتعميد حتى يقدر المؤمنون على حفظ الوصية والتمتع بمعمودية السيد المسيح كل أيام حياتهم. ثانيًا: المعمودية وكرازة الرسل رسم لنا سفر الأعمال صورة حيّة عن ارتباط المعمودية المقدسة بالإيمان المسيحي في الكنيسة الأولى في عصر الرسل، فقدمها الرسل كجزء لا يتجزأ من الإيمان، وليس كعملٍ رمزيٍ ثانوي في حياة الكنيسة. من أمثلة ذلك: أ. في أول حديث كرازي قام به الرسول بطرس في يوم العنصرة إذ نُخِست قلوب الآلاف، قالوا: "ماذا نصنع أيها الرجال الإخوة؟" وجاءت الإجابة واضحة: "توبوا وليعتمد كل واحدٍ منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا، فتقبلوا عطية الروح القدس" (أع 2: 38). وكأن الرسول يضع المعمودية شرطًا أساسيًا لنوال الغفران وعطية الروح. ب. إذ تم لقاء بين فيلبس الرسول والخصي وزير كنداكة ملكة الحبشة (إثيوبيا) في الطريق، وكانا يتحدثان معًا في المركبة، يقول الكتاب أنه إذ أقبلا على ماء قال الخصي: "هوذا ماء. ماذا يمنع أن اعتمد؟" (أع 8: 36). كأن الرسول في أول لقاء مزج حديثه عن الإيمان بالمسيح المخلص بالمعمودية المقدسة بالتغطيس. وما أن اعتمد الخصي و"صعد من الماء" حتى خطف روح الرب فيلبس، كأن مهمته قد انتهت بالنسبة له، إذ "ذهب الخصي في طريقهِ فرحًا" [ع 39]. ج. في تحول شاول الطرسوسي الذي تم خلال لقاء مباشر بينه وبين السيد المسيح نفسه، سأل شاول: ماذا تريد أن أفعل؟ (أع 9: 6) فأرسله إلى حنانيا الذي تحدث معه ثم "قام واعتمد" (أع 9: 18). د. في أول كرازة للرسول بطرس مع الأمم أكد الرب له قبولهم برؤيا سماوية، وبانسكاب الروح القدس عليهم في بيت كرنيليوس، حتى تطمئن نفسه للعمل. فكان سؤال الرسول في الحال: "أَترى يستطيع أحد أن يمنع الماءَ حتى لا يعتمد هؤلاءِ الذين قبلوا الروح القدس كما نحن أيضًا؟! وأمر أن يعتمدوا باسم الرب..." (أع 10: 47-48). ه. إذ سأل السجان الرسولين بولس وسيلا: يا سيّدَيَّ ماذا ينبغي أن أفعل لكي أخلص؟ (أع 16: 30) أجاباه: "آمِن بالرب يسوع المسيح فتخلص أنت وأهل بيتك... وكلَّماهُ وجميع مَن في بيتهِ بكلمة الرب. فأخذهما في تلك الساعة من الليل... واعتمد في الحال هو والذين لهُ أجمعون" (أع 16: 31-33). و. في الخدمة الجماعية وسط الأمم، يذكر الكتاب المقدس: "وكثيرون من الكورنثيين إذ سمعوا آمنوا واعتمدوا" (أع18: 8). هذه جميعها صور حيّة قدّمها لنا الوحي الإلهي، تكشف عن مدى اهتمام الرسل بالمعمودية، في التحام قوي وضروري ومباشر مع الإيمان المسيحي، سواء في الكرازة بين اليهود أو الأمم، للمدعوّين للرسولية كشاول الطرسوسي أو لغريبٍ مسافرٍ كالخصي أو سجَّانٍ، على مستوى فردي أو جماعي. ثالثًا: المعمودية والخلاص بعد أن استعرضنا رموز المعمودية في العهد القديم والنبوات عنها، وحديث السيد المسيح نفسه مع نيقوديموس في وضوح، ووصيته الوداعية لتلاميذه، واهتمام الرسل بها في كرازتهم كشرطٍ أساسي لنوال الغفران وعطية الروح القدس (أع 2: 38)، لا يستطيع أحد أن يصفها أنها رمز أو مجرد علامة لإشهار الإيمان، إنما هي عمل إلهي يمس خلاصنا ويرتبط بأحداث الخلاص من تجسد الكلمة وعماده وتجربته على الجبل وصلبه وموته ودفنه وقيامته وإرسال روحه القدوس... ترتبط معًا هذه الأحداث جميعًا ليتمتع طالب العماد بالشركة مع السيد المسيح في أعماله الخلاصية ويدخل معه في خبرة الحياة الجديدة. وقد جاءت كلمات العهد الجديد خاصة في الرسائل تكشف بطريقة واضحة عن عمل المعمودية كغسل الخطايا الجَدّية والشخصية، وختان روحي يختم النفس بسمة الرب كجنديٍ في ملكوته السماوي، وتهبه التبني كابن الله والاتحاد مع السيد المسيح وتقبُّل الحياة الأبدية،وقد جاءت تعاليم آباء الكنيسة في موضوع المعمودية المقدسة كما يقول Stone: [ضخمة وغنية، غير أن كمال معانيها لا يزيد عن أن يُعبر ويُوضح التعليم الوارد في العهد الجديد بطريقة واضحة أو ضمنية. جاءت هذه التعاليم بقوة عظيمة وإجماع كامل، يصف المعمودية كوسيلة تجديد القلب، والتبني كأولاد لله، والاتحاد مع المسيح، وشركة الروح القدس، وتقبُّل غفران الخطايا والحياة الأبدية [77].] في الصفحات التالية عرض لدور المعمودية في خلاصنا، معتمدًا على الكتاب المقدس والليتورجيات الأولى وكلمات الآباء. _____ الحواشي والمراجع: [77] D. Stone: Holy Baptism, p 41. |
||||
10 - 05 - 2014, 07:42 PM | رقم المشاركة : ( 8 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
المعمودية غسل للخطايا عمل المعمودية يمثل وحدة واحدة، لا نستطيع الحديث عن عملها كغسل للخطايا منفصلًا عن عملها كختان للروح، أو تمتع بالاتحاد مع السيد المسيح كعضو في جسده الأقدس، لأن عمل الروح متكامل معًا، لكن من أجل الدراسة حاولت ما استطعت الحديث عن عملها في بنود متتالية، مبتدأ بعملها كغسل للخطايا الجَدّية والشخصية. في صراحة كاملة تحدث السيد المسيح مع رئيس لليهود قائلًا: "إن كان أحد لا يُولَد من الماءِ والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت السماوات" (يو 3: 5). مؤكدًا عمل المعمودية الخلاصي أنها الطريق الذي بدونه لا عودة للملكوت المفقود. فإن كانت الخطيئة قد حرَمت الإنسان الأول وبنيه من الفردوس، وأفقدته سُكنى روح الرب فيه (تك 6: 3)، فإنه بالولادة الجديدة في المعمودية (من الماء والروح) لا يعود الإنسان إلى الفردوس الأول بل إلى ملكوت السماوات الأبدي، ويصير هيكلًا للروح القدس بغسل خطاياه الجَدّية والشخصية. لهذا يؤكد السيد: "مَنْ آمن واعتمد خلص..." (مر 16: 6). وفيما يلي مقتطفات من العهد الجديد عن غسل الخطايا بالمعمودية: "توبوا وليعتمد كل واحدٍ منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا، فتقبلوا عطية الروح القدس" (حديث الرسول بطرس يوم العنصرة أع 2: 38). "لماذا تتوانى؟! قُمْ واعتمد وأغسل خطاياك داعيًا باسم الربّ" (حديث حنانيا لشاول الطرسوسي أع 22: 16) "إذ كان الفُلك يُبنَى، الذي فيهِ خلص قليلون أي ثماني أنفس بالماءِ. الذي مثالهُ يخلّصنا نحن الآن أي المعمودية. لا إزالة وسخ الجسد بل سؤال ضميرٍ صالحٍ عن الله بقيامة يسوع المسيح" (1 بط 3: 20-21). "أيُّها الرجال أحبُّوا نساءَكم كما أحبَّ المسيح أيضًا الكنيسة وأسلم نفسهُ لأجلها لكي يقدسها مطهرًا إياها بحميم الماءِ بالكلمة" (أف 5:25-26). "ولكن حين ظهر لطف مخلّصنا الله وإحسانهُ، لا بأعمالٍ في برٍّ عملناها نحن، بل بمقتضى رحمتهِ خلَّصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس" (تي 3: 5). وقد أكد Pusey في كتابه "التعليم عن المعمودية المقدسة" أنه لا توجد أي عبارة في كل أقوال الآباء وكتاباتهم فسّرت هذا القول إلا بأنه عن المعمودية المقدسة، كما جاءت كل ليتورجيات العماد تؤكد ذلك بطريق أو آخر [78]. شهادة آباء الكنيسة * كان ضروريًا أن يصعدوا بواسطة المياه لكي يصيروا أحياء، فإنهم لا يستطيعون أن يدخلوا ملكوت الله ما لم يخلعوا حالة الموت التي كانت لهم قبلًا... فإنه قبل أن يحمل الإنسان اسم "ابن الله" يكون ميتًا، ولكنه إذ يتقبل الختم يلقي عنه حالة الموت ويتمتع بالحياة. الختم إذن هو الماء الذي ينزلون فيه أمواتًا ويصعدون أحياء [79]. الأب هرماس * حقا إننا ننزل في المياه مملوءين من الخطايا والدنس، ونصعد حاملين ثمرًا في قلوبنا، حاملين في أرواحنا خوف (الله) والرجاء بيسوع [80]. القديس برناباس * يجب أن نُسرع في معرفة أي طريق هو لمغفرة الخطايا ورجاء ميراث الخيرات الموعود بها، فإنه لا يوجد سوى هذا الطريق: أن تتعرف على هذا المسيح، وتغتسل في الينبوع (المعمودية) الذي تحدث عنه إشعياء لغفران الخطايا، وهكذا نبتدئ أن نعيش بالقداسة [81]. الشهيد يوستين * إنني سأروي الطريقة التي تكرّست بها حياتنا لله حينما صرنا جددًا خلال المسيح... إذ يتقبل كثيرون هذه الأمور التي يتعلمونها والتي ننطق نحن بها، ويؤمنون أنها حق، ويعدُون أنهم قادرون أن يعيشوا هكذا، يتعلمون أن يصلوا ويسألوا الله بأصوامٍ من أجل غفران خطاياهم، بينما نحن نصلي ونصوم معهم. عندئذ نحضرهم إلى حيث الماء وينالون التجديد بذات الكيفية التي نلنا نحن بها ذلك. فإنهم يتقبلون الغسل بالماء باسم الله الآب ورب كل الخليقة، ومخلصنا يسوع المسيح، والروح القدس [82]. الشهيد يوستين * مغبوط هو سرّ الماء الذي لنا، فبغسل خطايا العمى الذي أصابنا مبكرًا نتحرر وندخل إلى الحياة الأبدية [83]. * حقا، يغتسل الجسد لكي تتطهر النفس، يُدهن الجسد لكي تتقدس النفس، يُرشم الجسد بعلامة (الصليب) لكي تتقوّى النفس. يُظلَّل الجسد بوضع الأيدي لكي تستنير النفس بالروح (القدس) [84]. العلامة ترتليان * إلى الذين يمنح لهم الآن غفران الخطايا. بعد التجديد لا توجد حاجة للجرن مرة أخرى، إنما يكفي غسل الأيدي، لأن الروح القدس يُعطِّر جسد المؤمن ويطهره بالكامل [85]. قوانين القديس هيبوليتس * يُدعى هذا الفعل (المعمودية) بأسماء كثيرة، أعني: نعمة، واستنارة، وكمالًا، وحميمًا... فهو حميم لأننا به نغسل خطايانا، ونعمة إذ تُترك عقوبات خطايانا. * تغسلنا المعمودية من كل عيب، وتجعلنا هيكل الله المقدس، وتردّنا إلى شركة الطبيعة الإلهية بواسطة الروح القدس [86]. القديس إكليمنضس السكندري * إنها المعمودية التي فيها يموت الإنسان القديم ويولد الإنسان الجديد كما يعلن الرسول، مؤكدًا أنه خلصنا بغسل التجديد. فإن كان التجديد يتحقق في الغسل أي في المعمودية، فكيف يمكن للهراطقة -وهم ليسوا عروسًا للمسيح- أن ينجبوا أبناءً لله خلال المسيح؟! [87] القديس كبريانوس * [يصف القديس كبريانوس لصديقه دوناتوس Donatus عمل المعمودية في حياته فيقول:] إذ كنتُ ملقيًّا في الظلام وسط الليل المربك، كنت أتقلب هنا وهناك على وسائد هذا العالم المملوء اضطرابًا، وأنا أجهل حياتي الحقيقية. كنت بعيدًا عن الحق والنور، فصرت أفكر في الميلاد الثاني الذي وعدَتني به الرحمة الإلهية لخلاصي، كأنه أمر صعب وذلك خلال واقع حياتي التي أعيشها: كيف أتمتع بحياة جديدة في حميم المياه الشافية بخلع الطبيعة ذاتها، ومع احتفاظي بالخيمة القديمة يتغير القلب وتتغير النفس؟! قلت: كيف يمكن أن يتم هذا؟ كيف يتحقق تغير عظيم كهذا، فيخلع عنا دنس كياننا الطبيعي العنيد وعاداتنا القديمة المتأصلة، وتزول فجأة وبسرعة الشرور التي تعمّقت جذورها في داخلنا زمانًا طويلًا؟! لكن بمعونة واهب الحياة غُسلت وصمة الماضي، وانصبَّ النور المشرق من السماء في صدري، النور الطاهر المقدس، بعد أن شربت الروح السماوي، وخُلقت كإنسان جديد بالميلاد الثاني بطريقة معجزية. كنت قبلًا أشك فيما قد صار لي الآن واضحًا. ما كان مخفيًا صار مُعلنًا. ما كان قبلًا ظلمة قد أشرق، وما كان صعبًا صار الآن له طريقه ووسائله. ما كان يبدو لي مستحيلًا قد تمتعت الآن به... إنك تعرف جيدًا ما كنت أنا عليه قبلًا، وتستطيع أن تتذكر ذلك، الآن قد نُزع عني هذا. لقد وُهب لي موت الخطية وإحياء قوة القداسة... أقول أنه هبة من الله. من الله نأخذ كل ما نحن عليه، وبه نعيش، وبه ننمو... [88] القديس كبريانوس * يُعطَى الروح القدس للذين يؤمنون، ويولدون ثانية بغسل التجديد [89]. البابا أثناسيوس الرسولي * بواسطة غسل الميلاد الجديد والتجديد بالروح القدس نصير أبناء الله [90]. القديس باسيليوس الكبير * نعمة المعمودية تنقي الإنسان من خطيئته، وتغسله بالكامل من الأوساخ والأقذار اللاحقة به من الرذيلة... وهي من حيث أنها نجدة للولادة الأولى تجعلنا جُددًا من عتق، وإلهيين بدلًا مما نحن عليه [91]. القديس غريغوريوس الثيؤلوغوس * كل خطية تغفر في المعمودية. * إن لم يعتمد (الموعوظ) باسم الآب والابن والروح القدس فلن يستطيع أن ينال صفح الخطايا ولا منحة النعمة الروحية [92]. القديس أمبروسيوس * لا تقدر التوبة وحدها أن تنقي من الرذيلة، لذا يعتمد المؤمنون حتى يستطيعوا بنعمة المسيح أن يحققوا الأمور التي يعجزون عن تنفيذها بأنفسهم. لا تكفي التوبة للتطهير، لذا يُقبل المؤمنون على المعمودية. * يسمع الغير عن العماد فيحسبونه مجرد ماء، أما أنا فلا أري مجرد المادة المنظورة، بل أرى تنقية النفس بالروح! هم يحسبونه غسلًا للجسد، أما أنا فأومن أن النفس تتنقى وتتقدس! إني أحسبه القبر المقدس، القيامة، التقديس، البرّ، الخلاص، التبني، الميراث، الملكوت السماوي، تدفّق كامل للروح. لست أحكم على هذه الأمور حسب الظاهر بل حسبما تراه عينيْ عقلي. * خلال المعمودية تقبّلنا غفران الخطايا والتقديس وشركة الروح والتبني والحياة الأبدية، فماذا تطلبون بعد؟! * إذ دُفنت خطايانا في المعمودية لا تعود تظهر بل تختفي مادمنا نود التوبة [93]. القديس يوحنا الذهبي الفم * المعمودية تمحو جميع الخطايا: الخطيئة الأصلية والخطايا الفعلية، خطايا الفكر والقول والفعل، الخطايا التي يتذكرها الإنسان والخطايا التي ينساها، فإن الذي خلق الإنسان يجدده. من فارق الحياة في الحال بعد المعمودية لا يكون عليه شيء يُكفِّر عنه، بل كل شيء قد غفر له [94]. القديس أغسطينوس * بالمعمودية المقدسة يُعتق الإنسان من سلطان إبليس، ويصير مولودًا من غير نطفة (دنسٍ) مثل ناسوت المسيح، لأن الروح القدس يقدسه من ميلاد النطفة، فلا يبقى للشيطان عليه سلطان مادام روح المسيح فيه [95]. الأنبا ساويرس أسقف الأشمونين * أمرنا الرب أن نعيد ولادتنا بالماء والروح، إذ يحل الروح القدس على الماء بعد التضرع والدعاء... أما الروح فيجدد الصورة التي فينا والمثال الذي عليه خُلقنا، وأما الماء فينقى الجسد من الخطيئة بنعمة الروح القدس وينقذه من الهلاك. الأب يوحنا الدمشقي * إذ سقطنا وأفسدتنا الخطيئة صار حكم الموت علّة انحلالنا الكامل، لكن بالتبعية شَكَّلنا من جديد خالقنا وسيدنا وذلك بقدرته غير الموصوفة [96]. الأب ثيؤدور المؤبسستي (المصيصي) * هذه النفس التي انعكست بالأهواء الدنيئة بالمعصية، يجعلها شريكة لروحه الإلهي، وقد أتى ليصنع عقلًا جديدًا ونفسًا جديدة وأعينًا جديدة، وآذانًا جديدة، ولسانًا جديدًا روحانيًا، وباختصار يصير المؤمنون به بشرًا جُددًا وآنية جديدة بعد أن يمسحهم بنوره، ليصب فيهم الخمر الجديدة أي روحه القدوس، فقد قال بأن الخمر الجديدة توضع في زقاق جديد [97]. القديس مقاريوس الكبير * [يتحدث القديس كيرلس الأورشليمي عن إمكانية المعمودية كقوة نارية فعَّالة ومُسكر قاتل للخطيئة وواهب حياة للقلب.] حلَّ (الروح القدس) لكي يلبس الرسل القوة ويعمدهم، إذ قيل: "فستتعمَّدون بالروح القدس ليس بعد هذه الأيام بكثيرٍ" (أع 1: 5)،لم تكن هذه النعمة جزئية، بل هي قوة (الروح) في كمالها... لماذا تتعجب؟ خذ مثالًا واقعيًا وإن كان فقيرًا ودارجًا لكنه نافع للبسطاء. إن كانت النار تعبر خلال قطعة حديد فتجعلها كلها نارًا، هكذا من كان باردًا يصير ملتهبًا. من كان أسودً يصير لامعًا. إن كانت النار وهي جسم تخترق الحديد هكذا وتعمل فيه بلا عائق مع أنه هو أيضًا جسم، فلماذا تتعجب من الروح القدس الذي يخترق أعماق النفس الداخلية؟! * آخرون سخروا قائلين: "إنهم سكرى" (أع 2: 13). حتى في استهزائهم نطقوا بالحق، لأنه بالحقيقة كانت الخمر الجديدة هي نعمة العهد الجديد... إنهم سكرى... بمُسكر سام يقتل الخطيئة ويهب حياة للقلب. إنهم سكرى، لأنهم شربوا خمر الكرمة الحقيقية، القائل: "أنا الكرمة وأنتم الأغصان..." (يو 15: 5) [98]. القديس كيرلس الأورشليمي موت الإنسان القديم لا موت الجسد غسل خطايانا وتجديدنا لا يعني موت الجسد، بل موت الشهوات الجسدية أو الإنسان القديم بأعماله، أما الجسد فصالح ومقدس. * أريد أن يموت هذا الجسد عن الخطيئة. لست أسأل أن يموت الجسد، بل ألا يخطئ مرة أخرى. وكما أن الميت يكون جثمانه فوق إمكانية الخطيئة، هكذا الذي يصعد من مياه المعمودية يخلص من الخطيئة. فإن كنتَ قد متَّ في هذه المياه يلزمك أن تبقى ميتًا عن الخطيئة [99]. القديس يوحنا الذهبي الفم لا يقف دور المعمودية عند الجانب السلبي أي غسل الخطايا، وإنما يمتد إلى الجانب الإيجابي أي "الحياة بالله". * المعمودية باب يردنا إلى الفردوس، فيها يدخل الإنسان إلى الله ليكون معه. المعمودية سفينة جديدة حاملة للأموات، بها يقومون ويعبرون إلى بلد الخالدين. وُضعت المعمودية في العالم لأجل العالم الجديد، فيها يعبر الإنسان من عند الأموات إلى بلد الحياة... * تعالوا أيها المدينون وادخلوا، خذوا صكِّكم مجّانا، فتُمحى ذنوبكم داخل المياه. تعالوا أيها المساكين واقتنوا الغنى بالعماد الروحي، وأقيموا الخزانة العظيمة عوض الفقر. تعال أيها الخروف الضال الذي لسيد القطيع واعتمد، فبك يكمل العدد مائة. تعال أيها الخاطئ المتعَب، والمنسحق، والمملوء جراحات، واقطع عنك ثقل الإثم بالمعمودية. تعالوا أيها العميان المُظْلِِمون باختيارهم، اعتمدوا لتتفتح أعينكم وتستضيئوا بابنة النهار. تعالوا أيها الهالكون، لأن الراعي الصالح قد خرج وراءكم ليجمعكم عند الينبوع... تعالوا، فإن طرق بيت الله مفتوحة داخل المياه... تعالوا أيها العتيقون الذين شاخوا وبليوا... اقتنوا تجديدًا في بطن المعمودية الجديد [100]. * المعمودية هي الكور العظيم الممتلئ نارًا، فيها يُسبك الناس ليصيروا غير أموات [101]. مار يعقوب السروجي * إن صنعت صلاحًا، علنًا أو خفية، فتأكد أن المعمودية والإيمان هما الوسيطان لهذا الصلاح، إذ بهما قد دُعيتَ إلى الأعمال الصالحة في المسيح يسوع [102]. مار اسحق السرياني _____ الحواشي والمراجع: [78] Pusey: Doctrine of Holy Baptism, p 57-58. [79] Pastor: Simil 9:16. [80] Epis. of Berrabas 11 [81] Dial. With Trypho 44. [82] 1 Apol. 61. [83] De Baptismo 1. [84] De Resurrec. Carn., 8. [85] Canons of Hippolytus, can 19:138; 27:243. [86] Paed 1:6:26; In Lucam 22:8. [87] Epist. 74:5, 6. [88] Ad Donat. De Grat. Dei 3, 4. [89] Ep. 1 ad Serap. 4. [90] Adv. Eunom 5. [91] On Baptis. 7, 8 [92] In Martyr. 3, 4. [93] In Hebr. Hom 9:4; In, Car. hom 7:2; In Act. hom 40:2; In Joan. hom 34:3. للاستزادة راجع كتابنا: القديس يوحنا الذهبي الفم، 1980، ص 230-238. [94] On the Creed 10 (cf. Epist 178:28). [95] الدّر الثمين في إيضاح الدين، 1925، ص121. [96] Hom 14:11. [97] للمؤلف: الحب الإلهي ص849 (الحديث هنا خاص بسرّي العماد والميرون معًا). [98] Cat. Lect. 17:14,19. [99] In Epis. Ad Rom. Hom 2. [100] ميمر عن المعمودية المقدسة (مخطوط بدير الأنبا أنطونيوس نسخ عام 1488 ش). [101] ميمر عن المعمودية المقدسة (مخطوط بدير الأنبا أنطونيوس نسخ عام 1488 ش). [102] A. J. Wensinck: Mystical Treatises, St. Isaac the Syrian, p 7. |
||||
10 - 05 - 2014, 07:45 PM | رقم المشاركة : ( 9 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
المعمودية ختان روحي بين ختان الروح وختان الجسدالمعمودية ليست ختانًا للجسد كما كان في العهد القديم حيث الرموز والظلال، وإنما ختان القلب بالروح (في3: 3)، فيه يتم ليس نزع جزء من الجسد (تك 17: 10-14) بل نزع الطبيعة القديمة التي نولد بها بالخطيئة الأصلية. في هذا يقول الرسول:"وبه أيضًا ختنتم ختانًا غير مصنوع بيد بخلع جسم خطايا البشرية بختان المسيح، مدفونين معه في المعمودية التي فيها أقمتم أيضًا معه بإيمان عمل الله الذي أقامه من الأموات. وإذ كنتم أمواتًا في الخطايا وغلف جسدكم أحياكم معه مسامحًا لكم بجميع الخطايا. إذ محا الصك الذي علينا في الفرائض الذي كان ضدًا لنا، وقد رفعه من الوسط مسمرًا إياه بالصليب" (كو 2: 11-14). في المعمودية يقوم الروح القدس نفسه بختان النفس البشرية التي يدخل بها إلى شركة الصلب مع السيد المسيح وموته ودفنه ليهبها قوة قيامته، أي يدخل بها إلى عمليتين متكاملتين: ترك القديم وأخذ الجديد، خلع وهدم للطبيعة الفاسدة التي للظلمة مع بناء وقيام طبيعة الإنسان الجديد الُمقام مع المسيح. في هذا يقول الرسول: "إذ خلعتم الإنسان العتيق مع أعمالهِ، ولبستم الجديد الذي يتجدَّد للمعرفة حسب صورة خالقهِ" (كو 3: 9-10). في المعمودية يقطعنا الروح القدس من الزيتونة البرية ويطعمنا في الزيتونة الجيدة (رو 11: 24) لكي ننمو في المسيح يسوع حاملين ثمر روحه القدوس فينا. كان الختان في العهد القديم جسديًا مؤقتًا، أما في العهد الجديد فروحي أبدي كختمٍ يبقى مطبوعًا في هذا العالم وفي الدهر الآتي سرّ كرامة للمجاهدين الغالبين بالرب وسرّ تبكيت للمتجاسرين المستهترين. * ينال شعب الله علامة الختان في قلوبهم من داخل، لأن السيف السماوي يقطع فضلة العقل يعني غلف الخطيئة النجسة. القديس مقاريوس الكبير المعمودية ختم Sphragis كان الختان في العهد القديم أشبه بختم مطبوع على الجسد، بدونه يفقد الإنسان انتسابه لشعب الله، ويحسب خائنًا للعهد الإلهي، ويسقط تحت الهلاك، لأنه "ختم لبرّ الإيمان" (كو 2: 11-12). أما في العهد الجديد فدُعيت المعمودية ختمًا Sphragis به يحمل الإنسان علامة العضوية الكنسيَّة الداخلية والاتحاد مع السيد المسيح وقبول ملكوت الله. وترجع هذه التسمية "ختم" ربما إلى الرسول بولس القائل: "ولكن الذي يثبّتنا معكم في المسيح وقد مسحنا هو الله الذي ختمنا أيضًا وأعطى عربون الروح في قلوبنا" (2 كو 1: 21-22). "الذي فيهِ أيضًا إذ آمنتم خُتِمتم بروح الموعد القدّوس" (أف 1: 13). * المعمودية ختم مبارك [103]. القديس كيرلس الأورشليمي * المعمودية هي شركة في اللوغوس، هلاك للخطيئة، مركبة تحملنا إلى الله، مفتاح ملكوت السماوات، ثوب عدم الفساد، حميم الميلاد الجديد، ختم [104]. القديس غريغوريوس النزينزي * عظيمة هي المعمودية المعدة فداء عن المأسورين... وختمًا مقدسًا لا ينفك [105]. * أثناء العماد، عندما تأتي إلى حضرة الأساقفة أو الكهنة أو الشمامسة... اقترب إلى خادم العماد، ولا تفكر في الوجه المنظور، بل تذكر الروح القدس، هذا الذي نتكلم عنه الآن، لأنه حاضر ليختم نفسك. إنه سيهبك الختم الذي يُرعب الأرواح الشريرة، وهو ختم سماوي مقدس كما هو مكتوب: "الذي فيه أيضًا (إذ آمنتم) ختمتم بروح الموعد القدوس" [106]. القديس كيرلس الأورشليمي تحدث آباء كثيرون عن المعمودية كختم للنفس، مثل القديس إكليمنضس الروماني [107] وهرماس [108] والعلامة ترتليان [109] والقديس يوحنا الذهبي الفم [110]. أولًا: علامة الدخول في ملكية الله يقول دانيلوا [111] J. Daniélou بأن الختم كان يستخدم على الشمع لحفظ المجوهرات، والأشياء الثمينة والمستندات الرسمية. ولا يزال هذا الأمر مُتبعًا في مصر خاصة في حفظ المستندات في وزارة العدل كما في الطرود في البريد ضمانًا لعدم فتحها في غير وجود المسئولين، وعدم تزوير المستندات أو غش الأشياء المحفوظة. وكأن غاية الختم هو تأكيد أصالة الشيء وعدم غشه. استخدم الرسول بولس هذا التعبير أيضًا في نفس المعنى حين كتب يؤكد صدق رسوليته، قائلًا: "إن كنت لست رسولًا إلى آخرين فإنما أنا إليكم رسول لأنكم أنتم ختم رسالتي في الرب" (1 كو 9: 2). وهكذا نتقبل في المعمودية ختم الروح القدس لكي نحمل فينا سمات ربنا يسوع المسيح الحقيقية غير المغشوشة، خلالها يتعرف علينا السيد المسيح كقطيعه الخاص، ويقبلنا الآب أولادًا له، والروح القدس هيكلًا ومقدسًا له. لقد كان الرعاة الأغنياء يختمون خرافهم بالكيّ بعلامة مميزة، هكذا نُختم نحن في أعماق النفس بالروح القدس لتمييزنا. * اقترب وتَقبَّل الختم السرائري لكي يعرفك سيدك، وتحسب بين القديسين وقطيع المسيح المعروف، فتوضع عن يمينه [112]. القديس كيرلس الأورشليمي * العلامة التي تتسمون بها الآن إنما هي علامة أنكم قد صرتم قطيع المسيح [113]. الأب ثيؤدور المؤبسستي * كما يطبع المالك على قطيعه علامة خاصة يتعرف بها عليه، خلالها تظهر أنها ملك له، هكذا يختم الروح القدس من له في المعمودية بواسطة مسحة الزيت المقدس التي يتقبلونها أثناء العماد [114]. القديس مار افرآم السرياني * عندما نغطس في جرن المعمودية، فبفضل صلاح الله الآب وبنعمة روحه القدوس نتعرّى من خطايانا إذ نتخلص من الإنسان القديم، ونتجدد، ونختم بقوته لملكيته الخاصة. ولكن عندما نخرج من جرن المعمودية نلبس المسيح مخلصنا كثوب لا يبلى، مستحقًا لكرامة الروح القدس عينها، الروح القدس الذي جددنا ودمغنا بختمه.. لا يمكن لأحد أن يحصل على المواهب السماوية ما لم يتجدد بروح الله القدوس ويُدمغ بختم قداسته، ولو كان كاملًا في حياة بلا عيب في كل شيء آخر [115]. القديس ديديموس السكندري خلال هذه العلامة نُحسب في ملكية الله كعبيدٍ له: "ألستم تعلمون أن الذي تقدّمون ذواتكم لهُ عبيدًا للطاعة أنتم عبيد للذي تطيعونهُ، إمَّا للخطية للموت، أو للطاعة للبرّ. فشكرًا لله أنكم كنتم عبيدًا للخطية ولكنكم... إذ أُعتِقتم من الخطية صرتم عبيدًا للبرّ" (رو 6: 16-18). هذا ما سجله لنا الرسول بولس بعد حديثه عن المعمودية مباشرة، إننا تركنا عبودية الخطية لندخل بإرادتنا الحرة في الطاعة كعبيد لله، فصارت المعمودية هي ختم العبودية لسيدنا الجديد الذي هو الله. وكما يقول القديس أمبروسيوس [وُسم العبيد بعلامة سيدهم.] هذه العبودية الاختيارية هي عبودية الطاعة المملوءة حبًا التي تلتحم مع بنوتنا لله وتناسبها. ثانيًا: علامة الدخول تحت حماية الله مادام هذا الختم يحمل علامة سيدنا، يميزنا كقطيعٍ خاصٍ به، فإنه يحمل أيضًا التزام الله -بإرادته المملوءة حبًا- نحو خليقته الجديدة برعايتها والحفاظ عليها. حينما قتل قايين أخاه هابيل ووبّخه الرب ملأ الخوف قلبه، فقال للرب: "ذنبي أعظم من أن يُحتَمل... فيكون كل من وجدني يقتلني"، لذلك "جعل الرب لقايين علامةً لكي لا يقتلهُ كل من وجده" (تك 4: 13، 15). أعطاه علامة لحمايته مع أنه قاتل، لكن رحمة الله تدخلت من أجل ندامته. وفي سفر حزقيال أرسل الله رجلًا يلبس كتانًا علامة النقاوة، وكان يضع علامة (وسمًا) على جباه الرجال الذين يئنون ويتنهدون على كل الرجاسات المرتكبة وسط أورشليم (9: 4) وأمر الرب بقتل كل سكان المدينة ماعدا الذين لهم هذه السمة. وفي سفر الرؤيا حُفظ المختومون على جباههم بختم الله من الهلاك (رؤ 7: 2-4). هذا هو عمل المعمودية كختم للنفس يحفظها من غضب الله وضربات العدو الشرير، إذ تحمل علامة الملك العظيم الواهب النعم المجانية. * (الختم) هو ضمان للحفظ وعلامة الملكية. * إن كنتم تحصنون أنفسكم بالختم فتُوسم نفوسكم وأجسادكم بالزيت (المسحة) والروح ماذا يمكن أن يحدث لكم؟! القطيع الموسوم بالعلامة لا يُسلب بمكرٍ بسهولة، أما القطيع الذي لا يحمل العلامة فهو غنيمة للصوص... يمكنكم أيضًا أن تموتوا في سلام. لا تخافوا من أن تحرموا من عون الله الذي يهبه لكم لأجل خلاصكم [116]. القديس غريغوريوس النزينزي * الروح القدس يسمنا بعلامته الخلاصية لنعود إلى شبهنا الأول، لأن القطيع الذي لا يُميز بعلامة يكون غنيمة سهلة للذئاب، فلا يكون له عون الختم ولا يكون معروفًا كالقطيع الآخر من الراعي الصالح [117]. القديس ديديموس الضرير * النفس التي لم تستنر ولا تحلَّت بنعمة الميلاد الجديد، لا أعرف إن كانت الملائكة تتقبلها بعد تركها الجسد! حقًا إنهم لا يستطيعون أن يتقبلوها مادامت لا تحمل الختم Asphragiston، ولا أي علامة خاصة بمالكها. حقًا أنها تصير محمولة في الهواء وتتجول بغير راحة دون أن يتطلع إليها أحد، إذ هي بلا مالك. إنها تطلب الراحة فلا تجدها، تصرخ باطلًا، وتندم بلا فائدة [118]. القديس غريغوريوس النيسي ثالثًا: علامة الدخول في الجندية الروحية كان الجندي في الجيش الروماني يوسم بعلامة Signaculum على يده تحمل اختصار اسم قائده [119]، لهذا تطلع الآباء إلى المعمودية كعلامة يوسم بها جنود السيد المسيح الروحيين، حاملين على قلوبهم وأجسادهم علامة قائدهم الروحي الأعظم يسوع المسيح واسمه القدوس. * لقد دعينا إلى جيش الله... عندما نجيب على كلمات السرّ Sacramentum [120]. العلامة ترتليان * لقد أردت أن أحارب بشجاعة، واضعًا في ذهني السرّsacramentum الذي لي، حاملًا سلاحّي التكريس والإيمان [121]. القديس كبريانوس * الآن ينقش اسمك وتدعى للدخول إلى المعسكر (الروحي). * يأتي كل واحد منكم ويقدم نفسه أمام الله في حضرة جيوش الملائكة غير المحصية، فيضع الروح القدس علامة على نفوسكم. بهذا تسجل أنفسكم في جيش الملك العظيم [122]. القديس كيرلس الأورشليمي * العلامة التي تطبع الآن هي علامة أنك قد صرت من قطيع المسيح، جندي ملك السماوات... الجندي الذي يُختار تفحص نفسيته وصحة جسده ثم يتقبل علامة على يده تظهر الملك الذي يخدمه. والآن قد أخذت لملكوت السماوات ويمكن التعرف عليك، إن فحصك أحد يجدك جنديًا لدى ملك السماء! [123] القديس ثيؤدور المؤبسستي * كما يطبع الختم على الجند هكذا يطبع الروح القدس على المؤمنين [124]. القديس يوحنا الذهبي الفم * من يتقبل حميم التجديد يشبه جنديًا صغيرًا، أُعطى له مكان بين المصارعين، لكنه لم يبرهن على استحقاقه للجندية [125]. القديس غريغوريوس النيسي رابعًا: علامة التمثُّل بالسيد المسيح إذ ندخل مياه المعمودية نصعد حاملين ختم الله، لنا صورة خالقنا وحاملين سماته فينا... لسنا فقط نتمثّل بالمسيح إلهنا، إنما تصير حياة المسيح هي حياتنا، موته هو موتنا، قيامته قيامتنا، سماته سماتنا وأمجاده أمجادنا كما يصير أبوه أبانا. * المعمودية هي ختم الله، وكما خلق الإنسان الأول على صورة الله ومثاله، هكذا الذي يتبع الروح القدس يُختم منه ويأخذ صورة الخالق [126]. القديس إيرونيموس * الذين يستنيرون يتقبلون ملامح المسيح... فإنه حتما يُطبع على كل واحد منهم شكل الكلمة وصورته وملامحه حتى يُحسب المسيح مولودًا في كل واحدٍ منهم بفعل الروح القدس... ويصير الذين يتعمدون مسحاء آخرين [127]. الأب ميثوديوس خامسًا: المعمودية ختم روحي أبدي يتحدث القديس أمبروسيوس عن المعمودية كختم روحي [128]،وهو في هذا يختلف عن الختم المادي. الختم المادي يُطبع على السطح، وفي موضع محدود، أما الختم الروحي فيخترق أعماق النفس، يطبع بصماته على كيان الإنسان كله: جسده وقلبه وأحاسيسه واشتياقاته وكل طاقاته، وذلك كما تصبغ قطعة قماش بطريقة سليمة، فيتشرب النسيج اللون تمامًا في السطح كما في الداخل. طبيعة هذا الختم الروحي تعطيه سمة الأبدية، لهذا يسميه القديس باسيليوس [129] [ختم لا ينفك sigllum infrangibile]، لا يستطيع أن تحلّه الخطيئة أو الهرطقة أو حتى الموت. لهذا إن أنكر إنسان الإيمان ثم عاد لا تُعاد معموديته، لأن الختم مخفي فيه لإدانته. * [في حديث موجه لهرطوقي.] إنك حمل في قطيع سيدي، تحمل علامته، وها أنت شارد مع أنك تحمل العلامة عليك... أما نحن فلنا ذات العلامة [130]. القديس أغسطينوس * تمسك بما نلته فإنه لن يتغير. إنه وسم ملكي! * المُعمد في الكنيسة، إن ترك الكنيسة يُحرم من قداسة الحياة، لكنه لا يفقد وسم السرّ. * السمة السيدية لا تنحل البتة عن الذين تقبلوها، ولا تُعاد المعمودية [131]. القديس أغسطينوس _____ الحواشي والمراجع: [103] Kay’s Writings of Clement of Alexandria, London 1835, p. 439. [104] PG 36:361 C. [105] Procortechesis 16. [106] Cat. Lect. 17:35. [107] Epis. 7.6. [108] Sheph. Sim 9:6:3. [109] De pudic 9:9. [110] In 2 cor hom 3:7. [111] The Bible and the Liturgy. Ch 3. [112] PG 33:372. [113] Cat. Hom 13:17. [114] Enchir. Patr. 712. [115] De Trinitate 2:12. [116] PG 36:364; 36:377 A. [117] PG 39:717 B. [118] PG 46:424 C. [119] F. j. doelger: Sphragis, Poderborn 1911, p 32،33. [120] Ad Martyr 3. [121] De Lapsis 13. [122] PG 33:333 A, 428 A [123] Cat. hom 13:17. [124] PG 61:418. [125] PG 46:429 C. [126] Convivum virginum. Ench. Patr n. 613. [127] على رسالة أفسس 1، 13. [128] Ech. Pate. 1282. [129]) Ibid 968. [130] P! 43:693. [131] تفسير يوحنا مقال 16، عظة 8، رسالة 185، 23 إلى بونيفاتيوس. |
||||
10 - 05 - 2014, 07:48 PM | رقم المشاركة : ( 10 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر - القمص تادرس يعقوب ملطي
المعمودية ولادة جديدة غاية العماد المقدس هو شركتنا مع السيد المسيح ابن الله الوحيد لكي نحمل سمة البنوّة لله، فيرفعنا الروح القدس الناري إلى حضن الآب، ونُوجد فيه أولادًا أحياء، لنا برّ المسيح وقداسته وشركة أمجاده. هذا هو مفهوم الحياة الجديدة التي صارت لنا في المسيح يسوع والتي دفع السيد المسيح ثمنها: "صلبه وموته". لهذا لا عجب إن افتتح القديس يوحنا اللاهوتي إنجيله عن لاهوت السيد المسيح بقوله: "فيهِ كانت الحياة..."، "أعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمهِ. الذين وُلِدُوا ليس من دمٍ ولا من مشيئَة جسدٍ ولا من مشيئَة رجلٍ بل من الله" (يو 1: 4، 12-13). وتحدث السيد المسيح صراحة وبكل وضوح عن هذه الولادة الجديدة بقوله: "الحقَّ الحقَّ أقول لك إن كان أحد لا يُولَد من الماءِ والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله" (يو 3: 5). ولهذا السبب بدأ السيد المسيح خدمته بعماده أولًا ليؤكد لنا أنه لا دخول لأحد إلى مملكة الله وخدمته إلا عن طريق الولادة الجديدة التي في المعمودية. وكما يقول القديس كيرلس الأورشليمي مع طالبي العماد: [المسيح هو ابن الله ومع هذا لم يكرز بالإنجيل قبل العماد. إن كان السيد نفسه قد اتبع هذا الوقت المناسب واللائق، فهل يجوز لنا نحن خدامه أن نخالفه في النظام؟! [132]] هذا المركز الجديد الذي صار لنا في المعمودية، أي البنوة لله، قد شغل أذهان التلاميذ والرسل وكل الكنيسة كسرّ قوة المسيحي في حياته الروحية، لهذا لا يكف الرسل عن الإشارة إليه من حين إلى آخر: "لأنكم جميعًا أبناءُ الله بالإيمان بالمسيح يسوع. لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح" (غل 3: 26-27). "إذ لم تأْخذوا روح العبوديَّة أيضًا للخوف، بل أخذتم روح التبنّي الذي بهِ نصرخ يا أَبا الآب. الروح نفسهُ أيضًا يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله" (رو 8: 15-16). "مولودين ثانيةً، لا من زرعٍ يفنى، بل مِمَّا لا يفنى، بكلمة الله الحيّة الباقية إلى الأبد" (1 بط 1: 23). "ولكن حين ظهر لطف مخلّصنا الله وإحسانه لا بأعمالٍ في برٍّ عملناها نحن، بل بمقتضى رحمتهِ خلَّصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس الذي سكبهُ بغنى علينا بيسوع المسيح مخلّصنا" (تي 3: 5-6). "شاءَ فولدنا بكلمة الحقّ لكي نكون باكورةً خلائقهِ" (يع 1: 18). جاءت كتابات الآباء في الشرق والغرب والليتورجيات الأولى تفسرّ كل عبارة وردت في العهد الجديد عن المؤمنين كأولاد لله أنها خاصة بعمل المعمودية كولادة حقيقية. وكما يقول D. Stone: [لا يليق تجنب شهادات الآباء بافتراض أنهم كانوا يتحدثون بطريقة مجازية أو أنهم كانوا في بعض الظروف يتحدثون بلغة تحمل سمة البلاغة. إنه لا توجد إشارة في كل عباراتهم الخاصة بالمعمودية تشير إلى استخدامهم المجاز [133].] * انظروا إلى المولدين من الله. هنا الرحم المادي، مياه المعمودية! * لنا ميلادان: أحدهما أرضي، والآخر سماوي. الأول من الجسد، والثاني من الروح. الأول صادر عن مبدأ قابل للفناء، والثاني عن مبدأ أبدي. الأول من رجل وامرأة، والثاني من الله والكنيسة. الأول يجعلنا أبناء الجسد، والثاني أبناء الروح. الأول يصيرنا أبناء الموت، والثاني أبناء القيامة. الأول أبناء الدهر، والثاني أبناء الله. الأول يجعلنا أبناء اللعنة والغضب، والثاني أبناء البركة والمحبة. الأول يقيدنا بأغلال الخطيئة الأصلية، والثاني يحلّنا من رباطات كل خطيئة [134]. القديس أغسطينوس * كان يوحنا ينادي بمعمودية التوبة... والرب ينادي بمعمودية البنوة. * من أين نحن مسيحيون؟ يجيب الكل: أننا مسيحيون بالإيمان، وبأي وجه نخلص؟ واضح أننا نخلص بولادتنا بنعمة المعمودية [135]. القديس باسيليوس الكبير * عظيمة هي المعمودية التي تَهِب لكم: عتق الأسر، غفران المعاصي، موت للخطيئة، ولادة ثانية للنفس، ثوب النور، ختم مقدس لا ينحل، مركبة إلى السماء، نعيم الفردوس، سبب الملكوت، عطية التبني [136]. * كنتم تولدون في نفس اللحظة التي فيها كنتم تموتون، فقد كانت مياه الخلاص بالنسبة لكم قبرًا وأمًا [137]. القديس كيرلس الأورشليمي * ليس بأم وأب، ليس باجتماع بشر، ولا بآلام المخاض نولد ثانية، ولكن من الروح القدس تُصنع أنسجة طبيعتنا الجديدة، وفي الماء تُشّكل، ومن الماء نولد سرّا كما من الروح... الرحم يحتاج إلى زمن طويل فيه يتشّكل الجسد، أما الماء والروح فمنهما تتشكل حياة الروح في لحظة في طرفة عين. * ميلادنا ليس حسب الطبيعة إنما يتم بالكلمات التي ينطق بها الكاهن والتي يعرفها المؤمنون، فيكون جرن المعمودية أشبه برحم فيه يُشّكل المعمد ويولد! إذن نحن أولاد العاقر، نحن أحرار! [138] القديس يوحنا الذهبي الفم * الاستنارة هي المعمودية... هي معينة للضعفاء، هي ترك الجسد واتباع الروح. هي مشاركة الكلمة، استصلاح الجبلة، غرق الخطيئة، مساهمة النور، انتفاضة الظلمة! الاستنارة مركب تسير نحو الله، مسايرة المسيح، أساس الدين، تمام العقل. الاستنارة مفتاح ملكوت السماوات، استعادة الحياة، عتق العبودية، انحلال الرباطات... نحن ندعوها عطية وموهبة المعمودية واستنارة ولباس الخلود وعدم الفساد وحميم الميلاد الجديد وخاتمًا وكل شيء كريم! [139] القديس غريغوريوس الثيؤلوغوس * أما بالنسبة لنا، نصير سكرى عندما نتقبل الروح القدس الذي يدعى النهر... فإنه بالنسبة لنا نحن الذين ولدنا ثانية بواسطة سرّ المعمودية نمتلئ بالفرح الأعظم فنتقبل بعض بدايات الروح القدس فينا، إذ يصير لنا فهم الأسرّار ومعرفة النبوة وكلمة الحكمة وثبات الرجاء ومواهب الشفاء والسلطان على الشياطين التي تخضع لنا [140]. القديس هيلاري أسقف بواتيه * كما أن قوة النار حينما تتسلط على عروق الذهب المختلطة بتراب الأرض تتحول إلى ذهب نقي، هكذا أيضًا، بل وأكثر من هذا يعمل الروح القدس في المعمودية في الذين يغسلهم، إذ يحوّلهم إلى ما هو أنقى من الذهب عوض الطين،فحينما يحّل الروح القدس كالنار في نفوسنا يحرق أولًا صورة الترابي ليعطى صورة السماوي، فنصير كعملة بهية متلألئة خارجة من أفران الصهر. أما كيف يُخلق الإنسان جديدًا من الماء بواسطة الروح، فبنفس القوة والسرّ اللذين بهما خُلق الإنسان أولًا من التراب. وكما تقوّى التراب وتشدّد بإرادة الله، وصار أعضاءً وأجهزة جسدية كاملة، هكذا وأكثر يعمل الروح القدس بالماء صانعًا أمورًا عجيبة وفائقة للعقل. إذن فلا تشك في عمل الماء والروح في الإنسان الجديد بسبب أنك لا ترى، فأنت أيضًا لا ترى نفسك التي فيك [141]. القديس يوحنا الذهبي الفم * هذه الأم غير المائتة تلد شموسًا جسدانية كل يوم... أم الحياة أولادها مرتفعون فوق الظلام. * من هذه الأم الجديدة التي جعلت الشيوخ أحداثًا، إذ تحبل بهم وتلدهم ليصيروا صبيانًا؟! * المعمودية هي البطن التي تلد كل يوم أحياء، وتقدّسهم ليصيروا إخوة الابن الوحيد. * المعمودية تلدنا ببتوليتها فهي الأم، وهي البتول... * تعالوا يا من في الخارج أدخلوا إلى البنوة، لأن الباب مفتوح، وتمسكوا بالبيت، وابتهجوا بالآب فإنه يقبلكم. تعالوا أيها البعيدون وصيروا بالمعمودية قريبين، لأن بيت الله مفتوح لكل القادمين إليه. تعالوا أيها الغرباء وصيروا من أهله في داخل المياه، واقتنوا لكم أبًا جديدًا في العلي وادعوه أبانا. القديس يعقوب السرّوجي الأب الجديد والأم الجديدة يرى القديس يعقوب السروجي أن الإنسان بدخوله مياه المعمودية، إنما يدخل إلى ميلاده الجديد، فيحرره من ميلاده الجسدي القديم، فبعد أن كان له آدم الذي لدغته الحيّة أبًا، صار له الآب السماوي أباه الجديد، وعوض حواء التي سقطت صارت له المعمودية المقدسة الأم الجديدة. بهذا دخلنا إلى حياة جديدة وإمكانيات جديدة. ويقارن القديس بين المياه المقدسة وكأنها أحشاء بتولية، وبين القديسة مريم البتول. ففي أحشاء البتول قدم لنا الآب ابنه أخًا لنا، ابنًا للبشر، وفي أحشاء المعمودية نصير نحن أبناء الله. في أحشاء القديسة مريم حمل ابن الله طبيعتنا فصار ابنًا للبشر، أما نحن ففي المعمودية قبلنا الاتحاد مع الله فصرنا أبناء الله. * صارت لنا المعمودية أمًا، وصرنا نحن بها أبناء الآب، ندعوه أبانا بمحبة! هذه البطن كوّنتنا روحيًا، لكي بالقداسة نكون أبناء الله. لو لم تهبنا الميلاد الثاني، فمن أين لنا أن ندعوه أبانا السماوي؟! عند حواء نحن تراب وأبناء الموت. أما عند هذه الأم الجديدة فنحن أبناء الله... * من أين لنا الآب السماوي؟ ومتى؟ هوذا أبونا آدم في الهاوية بغباوة، فإن كان ميلادنا من حواء قائم فإننا ندعو أبانا ذاك الذي في الهاوية. أبونا الأول لدغته الحيّة، وانحدرت به إلى الجحيم، وها هو هناك داخل الهلاك مطروح في مذلة يحيط به الوحل، وأصناف الدود. صار السوس لباسه، والعنكبوت رداءه. الأرض من تحته والسوس فوقه. لقد انحط في التراب فاحتضن طينه وابتلى بالهاوية. هذا هو أبونا الأول، وهذه هي بلده. فلو لم يتغير هذا الميلاد لكنا في ذلٍ عظيمٍ... اهربوا أيها السامعون من هذا الذل العظيم، واطلبوا لكم أبًا آخر في السماء. أسرع والتجئ إلى المعمودية واطلبها أمًا لك، فهي تقدم لك أبًا غنيًا مملوء خيرات. إنها تلدك حتى وإن كنت شيخًا، فتجعلك صبيًا محبوبًا للملك أبيك. هي تعلمك أن تدعو: "أبانا الذي في السماوات"، ومنها ولها يكون لنا أب من فوق وليس في الهلاك... * المعمودية تكتب اسمك فوق في السماء، في بيعة الأبكار، ابنًا للآب الجالس بارتفاعه. اعتمد أيها السامع وأدعو "أبانا الذي في السماوات"، فقد صار لك الأب الحقيقي من داخل المياه، هو في السماء في بلدته يتباهى ويتمجد فوق الجبال... * أبوك في السماء وليس في الهاوية... لقد نسينا حواء، وقبلنا أمنا المعمودية التي بدونها كنا قد طرحنا من العلو وبلغنا العمق. تركنا آدم، لأن الله أعدنا أبناء. انكتمت الهاوية عن جنسنا، وها نحن قد تركناها. الآن لسنا ندعو ذاك المسكين المحتاج المنهدم آدم أبًا لنا، لأننا قد وجدنا لنا أبًا آخر مملوء غنى، أخذ موضع ذاك المسكين. * اختار البتول وجعلها أمًا لابنه الوحيد، وفي داخل البطن صار أخًا لبني البشر. أٌحصى مع البشر الذين هم من أسفل، ودُعي ابن الإنسان في كل طرقه، حتى يصير بنو البشر أبناء معه. * استبدل الأم التي هي من أسفل بأم أنزلها معه من بيت أبيه! المعمودية هي البطن الطاهرة الممتلئة نورًا، تلد كل يوم الأحياء ببتوليتها، وتغير البشر فتجعلهم أبناء الله. تستقبل الجسدانيين وتهبهم كل روحانية بالقداسة. اختلط فيها الجنس بالجنس، لتجعل الذين من أسفل عاليين. تجنَّس بيت آدم مع الله، لكي يدعو الآب أبًا... أنزل الروح القدس في الماء، وأنزلهم حتى يصيروا بميلادهم اخوة لابنه الوحيد، ويصير لهم -في المعمودية- أبًا بدون ألم! * أٌعطيت مريم الجسد ليتجسد الكلمة، وأعطيت المعمودية الروح لتجديد الناس، إذ صار لنا أخًا في البطن وجعلنا نحن أبناء بالمعمودية لندعو أبانا الذي في السماوات... * تجنَّسنا بلاهوته في داخل المياه، صرنا بالحقيقة أبناء، ومنذ ذلك الحين صار لنا أن ندعوه أبانا، ذاك الخفي الذي أعطانا روحه بالمعمودية [142]. القديس يعقوب السروجي الولادة الجديدة ولبس المسيح يقول الرسول بولس: "لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح" (غل 3: 27). في المعمودية تتم ولادتنا لله بلبسنا السيد المسيح الابن الوحيد الجنس monogenyc `Uioc، نلبسه لا بطريقة جسدية، بل لباسًا روحيًا داخليًا، فيه تختفي طبيعتنا، واهبًا إيانا نفسه دون أن يٌفقدنا شخصياتنا. إننا نلبس المسيح لا كثوب خارجي، بل نتحد به ونتفاعل معه لنحمل شركة طبيعته دون أن نفقد طبيعتنا الإنسانية. * إذ اعتمدتم في المسيح، ولبستم المسيح، صرتم خاضعين لابن الله... بهذا تصيرون شركاء المسيح [143]. القديس كيرلس الأورشليمي * الذي يعتمد للمسيح لا يولد من الله فقط، بل يلبس المسيح أيضًا. لا نأخذ هذا بالمعنى الأدبي كأنه عمل من أعمال المحبة بل هو حقيقة. فالتجسد جعل اتحادنا بالمسيح وشركتنا في الألوهية أمرًا واقعيًا [144]. القديس يوحنا الذهبي الفم الولادة الجديدة والتطعيم في المسيح يقول العلامة ترتليان: [بالمعمودية يستعيد الإنسان تشبهه بالله [145].] يتحقق هذا الشبه باتحاد النفس مع مخلصها اتحادًا حقيقيًا، حيث تتطعم فيه كالغصن في الشجرة ليحمل ثمارها فيه. وقد استخدم السيد مثل الكرمة والأغصان (يو 15) ليعلن أنه هو سرّ حياتنا، عليه نقتات، كما يحيا الغصن على العصارة التي تقدم له من الأصل. وكأن عمل الروح القدس هو تطعيمنا "في المسيح". هذه العبارة: "في المسيح" استخدمها الرسول بولس 164 مرة في رسائله، ولا نكون مبالغين إن قلنا أن جميع كتاباته في جوهرها ليست إلا تعليقات على هذه العبارة العميقة الغنية [146]. "في المسيح" نقبل موته وقيامته (رو 6)، فإذ ننزل إلى مياه المعمودية نختفي فيه عن أعين العالم، أي ندفن معه ونموت، وإذ نصعد من المياه نقوم أيضًا "فيه" متمتعين بالميلاد الجديد أو الحياة الجديدة المُقامة، نترك خطايانا ونقوم حاملين برّ المسيح فينا. بمعنى آخر، في المعمودية نختفي في المسيح، فنقبل موته موتًا لنا، وقيامته قيامة لنا. ندخله في حالة اتحاد على مستوى زواج روحي، فيه تتحد طبيعتنا به ونوجد نحن فيه كما يتحد الزوجان فيصيران جسدًا واحدًا دون أن يفقد أحدهما شخصه،في هذا الاتحاد ننعم بما للمسيح، حياته وسماته وأعماله (غل 17:6). تصير لنا نصرته على الشيطان نصرة لنا (2 كو 14:2)، وبرَّه برَّنا (1 كو 11:6)، وفكره فكرنا (1 كو 16:2)، وكهنوته كهنوتنا، وملكوته ملكوتنا، ميراثه ميراثنا (رو 17:8)، وأمجاده أمجادًا لنا، حتى عبادته تحسب عبادتنا نحن [147]، وأمه صارت أمًا لنا [148]، واخوته الأصاغر هم إخوتنا. هذا هو التطعيم في المسيح، يأخذ الروح القدس مما للمسيح يسوع ويعطينا بغير كيلٍ. وقد نقل الأب توما الأكويني هذا المفهوم عن القديس أغسطينوس متحدثًا عن فاعلية المعمودية، قائلًا: [الذين يتقبلونها يتحدون مع المسيح كأعضاء له، فيتحقق شيء من ملء النعمة والفضيلة يفيض في كل الأعضاء من الرأس الذي هو المسيح، وكما يقول القديس يوحنا: "من ملئه نحن جميعًا أخذنا" (يو 1: 16) [149].] الولادة الجديدة وسرّ الفصح في رسائل معلمنا بولس الرسول "سرّ الفصح" هو مركز التعليم بالمعمودية [150]، فميلادنا الجديد في حقيقته هو تمتع شخصي بفصح المسيح، عبور بالمسيح ومعه: "فدُفِنَّا معهُ بالمعموديَّة للموت، حتى كما أُقِيم المسيح من الأموات بمجد الآب، هكذا نسلك نحن أيضًا في جدَّة الحياة. لأنه إن كُنَّا قد صرنا متحدين معهُ بشبه موتهِ، نصير أيضًا بقيامتهِ". (رو 4: 5-6) في المعمودية لا نتقبل رمزًا لفصحه، بل شركة حقيقية في سرّ فصح المسيح، فنقبل بالإيمان: "عمل الله الذي أقامهُ من الأموات" (كو 2: 12)، ليعبر بنا إلى الحياة المقامة ويجلسنا معه في السماويَّات (أف 2: 4-6). * ندفن مع المسيح بواسطة المعمودية لكي نقوم معه [151]. القديس غريغوريوس النزينزي * لقد سُئلتم: أتؤمنون بالمسيح يسوع وبصليبه؟ وقلتم: نؤمن، وغطستم في الماء. هذا هو السبب الذي لأجله دفنتم مع المسيح: أن من يدفن مع المسيح يقوم معه [152]. القديس أمبروسيوس * المعمودية ليست فقط تطهيرًا من الخطايا ونعمة البنوة، لكنها أيضًا تمثُلًا بآلام المسيح [153]. القديس كيرلس الأورشليمي * في المعمودية يتحقق عربون ميثاقنا مع الله: الموت والدفن والقيامة والحياة. يحدث هذا كله دفعة واحدة! عندما نُغطس رؤوسنا في الماء يُدفن الإنسان العتيق كما في القبر من أسفل، يغطس بكماله إلى الأبد. وإذ نقيم رؤوسنا من جديد يقوم فينا الإنسان الجديد عوض الإنسان القديم. كما يسهل علينا أن نغطس برؤوسنا ونقيمها ثانية، هكذا يسهل على الله أن يدفن الإنسان القديم ويُظهر الجديد. هذا يحدث ثلاث دفعات لكي تعلموا أن ما يتم إنما هو بقوة الآب والابن والروح القدس. ولئلا تظنوا أن ما أقوله هو على سبيل الحدس اِسمع ما يقوله بولس: "دُفِنَّا معهُ بالمعمودية للموت"، وأيضًا: "إنساننا العتيق قد صُلِب معهُ"، "متحدين معهُ بشبه موتهِ" (رو 4:6، 3). ليس فقط المعمودية تُدعى صليبًا، بل والصليب أيضًا يدعى معمودية، إذ يقول المسيح: "بالمعمودية (بالصبغة) التي أعتمد (اصطبغ) بها أنا تعتمدان (تصطبغان)" (مر 10: 39)، "لي معمودية أعتمد بها (ولي صبغة اصطبغها)" (لو 12: 50). وكما يسهل علينا أن نُغطس رؤوسنا ونقيمها ثانية، هكذا في أكثر سهولة مات المسيح وقام حين أراد ذلك، وإن كان قد بقي ثلاثة أيام من أجل تدبير السرّ [154]. القديس يوحنا الذهبي الفم * العماد هو الصليب. ما قد حدث بالنسبة للمسيح في الصلب والدفن يصنعه العماد معنا، وإن كان ليس بذات الطريقة. لقد مات المسيح بالجسد ودفن، أما نحن فنموت عن الخطية ونُدفن... إن كنت تشاركه الموت والدفن، فبالأولى تشاركه القيامة والحياة... [155] * لا تعجب من حدوث ولادة وهلاك في المعمودية... هذا هو عمل النار: تصهر الشمع وتستهلكه، وتحلُّ العناصر المعدنية وتُخرج ذهبًا. قبل العماد كنا أرضًا، بعده صرنا ذهبًا."الإنسان الأوًّل من الأرض ترابي. الإنسان الثاني الربُّ من السماء". (1 كو 15: 47) [156] القديس يوحنا الذهبي الفم _____ الحواشي والمراجع: [132] Cat. Lect. 3:14. [133] Holy Baptism, p 50. [134] In Joan. hom 19. [135] On Bapt., On The Holy Spirit 10. [136] Procatchesis 16. [137] Cat Mys. 2:4. [138] Comm. on Gal, Ch 4. للمؤلف: الله مقدسي، ص 48 [139] للمؤلف: الحب الإلهي، ص 855،856. [140] Tract. In 64 Ps., 15. [141] للمؤلف: الحب الإلهي، ص 847. [142] ميمر عن المعمودية المقدسة. [143] Cat. Myst. 3:1. [144] للمؤلف: الله مقدسي، ص 52. [145] De Baptismo 5. [146] Francoise Cuttz: Baptism, Divine Birth, p 9. [147] للمؤلف: المسيح في سرّ الإفخارستيا، 1975، باب 1، فصل 1.. [148] للمؤلف: القديسة مريم في المفهوم الأرثوذكسي، 1980. [149] 3 q 69:94. [150] Rev. J. P. Schanz: The Sacraments of Life and Worship, Milwaukee 1966, p 108. [151] PG 36:369 B. [152] De Sacr. 2:20. [153] PG 33:1081 B. [154] In Joan. hom 25. [155] In Joan. hom 25. [156] In Colos. hom 7. |
||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|