المُدَقِّق الحقيقي هو المدقق مع نفسه
من السهل ضبط الآخرين وقيادتهم، في حين أن المحك الحقيقي هو ضبط النفس، فالمجاهد الحقيقي مدقق مع نفسه متساهلًا مع الآخرين، لا يشفق على ذاته، بينما يرثى لضعفات الناس، يحاكم نفسه ويبكتها بينما يلتمس الأعذار للآخرين ... مدقق مع نفسه، في تدبيره الروحي، يشجع أبيه الروحي على الانتقال به من مرحلة إلى أخرى ومن قامة إلى قامة أعلى.. يعود ليطمئن أب اعترافه "فعلت كما أمرتني يا أبى" فيفرح هذا "بالمجاهد الحقيقي" والفرق بين شخص وآخر في هذا الإطار، ليس أن الواحد لديه الوقت والآخر ليس لديه، وإنما أن الواحد قادر على تنظيم وقته بينما الآخر لا يستطيع.
وفي الدراسة أيضًا هو شخص جاد... ملتزم نحو الكلية.. نحو أسرته... نحو المجتمع... نحو الله.. فالدراسة وزنة، التزام روحي وأدبي ... وفي السلوك يعرف جيدًا أنه صورة الله.. يري الناس المسيح من خلاله... كلامه مملح بالروح القدس... يفرق بين فضيلة اللطف والمزاح الرديء... هناك حارس على فمه، ليس ذلك فحسب بل هناك حراسة قوية على كافة حواسه ... فالحواس هي التي تصطاد والعقل يخزن ويتفاعل... وفي القلب "تُعقد الصفقات"... وعندما تصل الخطية إلى القلب تكون بذلك قد أكملت مشوارها الإرادي داخل الإنسان... ولذلك فهو يحكم أبواب حواسه باعتبارها المدخل... هنا أيضًا التدقيق ...
التدقيق يحفظ لك كنزك دون تلف ... فلا يكون هناك موضع – بسبب التساهل- يمكن أن يهرب منه الكنز وتتسرب العافية الروحية... ولتكن الجدية والتدقيق بمعرفة وبحسب مشيئة الله... فالتدقيق لا يعنى الملامح القاسية ومسحة الحزن التي تكسو الوجه، وهو أيضًا ليس الأوامر الصارمة، والتشدد الخالي من الحكمة.. ولذلك يحسن أن يشترك معك الأب الروحي لئلا تتلاهى بك الشياطين... صلى وأطلب باستمرار من الله أن يهبك التدقيق الممزوج بالحكمة حتى تعرف كيف تفتدي الوقت...