رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
ما جئت لأنقض بل لأكمل بعد أن عدّد السيد المسيح التطويبات الرائعة ودعوته لتلاميذه أن يكونوا ملحًا للأرض ونورًا للعالم، انتقل في موعظته الخالدة إلى مجال آخر من التعليم: وهو شرح علاقة وصايا العهد الجديد بوصايا العهد القديم، وعلاقة ما كتبه الأنبياء في العهد القديم بما سوف يُكتب في الأناجيل المقدسة وباقي أسفار العهد الجديد فقال: "لا تظنوا أنى جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء. ما جئت لأنقض بل لأكمل" (مت5: 17). الله هو هو نفسه الذي أعطى شريعة العهد القديم وشريعة العهد الجديد.. الذي تكلم مع موسى على جبل سيناء هو نفسه الذي تكلم مع التلاميذ في الموعظة على الجبل.. الله لم يتغيّر على الإطلاق، ولكن حال الإنسان هو الذي تغيّر بمجيء المخلص. كقول إشعياء النبي "الشعب السالك في الظلمة أبصر نورًا عظيمًا" (إش9: 2). لم يقصد السيد المسيح أن ينقض شريعة العهد القديم، بل احتفظ بكل جوهرها.. لهذا قال بفمه الإلهي: "ما جئت لأنقض بل لأكمّل" (مت5: 17). ففي وصية "لا تزن" (خر20: 14، تث5: 18) التي قيلت للقدماء، لم يكتف السيد المسيح بعدم الزنى الفعلي بل قال: "كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه" (مت5: 28). أي أن الإنسان ينبغي أن يتحرر من الخطية من الداخل، وليس من الخارج فقط. لأن السيد المسيح قد جاء ليحرر الإنسان من سبى الخطية، ومن عبودية الشيطان وتأثيراته. وقال للجميع: "إن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارًا" (يو8: 36). الحرية الكاملة من الخطية داخليًا وخارجيًا يلزمها عطية النعمة التي منحها الله لأولاده في العهد الجديد. شريعة الكمال وصايا العهد الجديد هي كمال الوصية، ولذلك تطلق الكنيسة على السيد المسيح (مشرع شريعة الكمال وواضع ناموس الأفضال). * إن وصية عدم الزنى الفعلي؛ تطوّرت إلى عدم الزنا لا بالفعل ولا بالفكر. * ووصية عدم القتل؛ تطوّرت إلى وصية عدم الغضب وعدم الكراهية في القلب. * ووصية عدم الحنث بالقسم؛ تطوّرت إلى وصية عدم القسم على الإطلاق. * ووصية محبة القريب وبغض العدو؛ تطوّرت إلى وصية محبة الأعداء، والإحسان إليهم، والصلاة من أجل خلاصهم من الهلاك الأبدي وعبودية الشيطان. واتسع مفهوم القريب إلى كل إنسان في البشرية، وانحصر مفهوم بغضة العدو في بغضة الشيطان والشر بصفة عامة. * ووصية من طلق امرأته (لأي سبب) فليعطها كتاب طلاق؛ تطوّرت إلى عدم السماح بالطلاق بين زوجين مسيحيين إلا لعلة الزنا.. ولا زواج للمطلقين لخطئهم. لقد عاشت البشرية في ظل شريعة الناموس وهى شريعة الجسد أو شريعة العبودية زمنًا طويلًا حتى جاء السيد المسيح وأعطى شريعة البنوة التي هي شريعة الكمال. وإلا فما فائدة تجسد ابن الله الوحيد ومجيئه إلى العالم وصلبه وموته وقيامته وإرساله الروح القدس لتولد الكنيسة في يوم الخمسين؟! البعض ينتقدون شريعة العهد القديم. ولكن هذا النقد غير لائق. لأن الإنسان لم يكن يحتمل أن يحيا حسب شريعة الكمال بدون الفداء، والميلاد الفوقاني، ومعونة الروح القدس وعمله في أسرار الكنيسة السبعة. الوصية مقدسة؛ ولكن الإنسان لم يكن بإمكانه أن ينفذ أكثر مما ورد في شريعة موسى قبل إتمام الفداء. ربما توجد لمحات أو تجليات في ظروف خاصة أشارت إلى حياة العهد الجديد مثل امتناع داود الملك الممسوح عن قتل شاول الملك المرفوض، الذي كان يطارده بغية قتله؛ لأنه قال: "حاشا لي من قِبل الرب أن أمد يدي إلى مسيح الرب" (1صم26: 11). ولكن داود النبي في موقف آخر قتل قائدًا مخلِصًا من قواده في الجيش هو "أوريا الحثي" في محاولة منه لإخفاء خطيته مع بتشبع زوجة أوريا (انظر 2صم 11). لم يكن من الممكن أن يُطالب الله البشر من أبنائه بحياة الكمال وبوصايا الكمال إلا في عهد النعمة والمصالحة والخلاص والتجديد. كيف يطالب الله الإنسان بمحبة الأعداء، قبل أن يمنحه قلبًا جديدًا نقيًا مؤيدًا بقوة الروح القدس الذي يمنح الإنسان المتمتع بالخليقة الجديدة ثمرة المحبة. لأن "ثمر الروح فهو محبة فرح سلام طول أناة لطف صلاح إيمان" (غل5: 22). إن ثمرة المحبة التي يمنحها الروح القدس للإنسان هي ثمرة فائقة للطبيعة بقدرات فائقة لا يقوى عليها البشر العاديون. ولكن ينالها المؤمنون الذين يقبلون الروح القدس بعد التجديد بحميم الميلاد الجديد. تجديد الروح القدس تكلّم معلمنا بولس الرسول عن حالة الإنسان في العهد الجديد الذي يؤمن إيمانًا حقيقيًا بالمسيح وينال العماد المقدس بواسطة الكنيسة وينقاد بالروح القدس، متحررًا من الإنسان العتيق الذي ولد به بحسب الجسد من أبويه؛ فقال في رسالته إلى تلميذه الأسقف تيطس: "ولكن حين ظهر لطف مخلصنا الله وإحسانه لا بأعمال في بر عملناها نحن بل بمقتضى رحمته خلصنا بغُسْل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدسالذي سكبه بغنى علينا بيسوع المسيح مخلصنا" (تى3: 4-6). هذا هو السر في وصايا العهد الجديد: إن الإنسان بنيله البنوة لله والتجديد بالميلاد الفوقاني، وبثباته في المسيح بوسائط النعمة، يستطيع أن يسلك في شريعة الكمال المسيحي. ويتحقق فيه قول السيد المسيح: "كونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السماوات هو كامل" (مت5: 48)،وكذلك قول معلمنا بطرس الرسول: "نظير القدوس الذي دعاكم كونوا أنتم أيضًا قديسين في كل سيرة" (1بط1: 15). إن الرب لم يتغيّر بين العهد القديم والعهد الجديد. ولكن الإنسان هو الذي تغيّر وهكذا كان يلزم أن تأتى الوصية في كمالها بعد حدوث التغيير لأن "المولود من الجسد جسد هو والمولود من الروح هو روح" (يو3: 6). في العهد القديم كان الناموس والكهنوت اللاوي والذبائح الحيوانية، وفي العهد الجديد جاءت وصايا الكمال والكهنوت المسيحي والذبيحة الكاملة لابن الله الوحيد "فإن الناموس يقيم أناسًا بهم ضعف رؤساء كهنة. وأما كلمة القسم التي بعد الناموس فتقيم ابناً مكملًا إلى الأبد" (عب7: 28). إله العهدين البعض يتصورون أن إله العهد القديم يختلف عن إله العهد الجديد. ولكن الله لم يتغيّر، وهذا هو السبب في الوصول بالإنسان إلى وصايا الكمال التي للعهد الجديد. الفرق بين شريعة العهد القديم وشريعة العهد الجديد يجعلنا نشعر بقيمة الفداء والتجديد الذي أجراه السيد المسيح بموته المحيى، وبإرساله للروح القدس حسب وعد الآب لخلاص المؤمنين. لم يكن من الممكن أن يطالب الله الإنسان بأكثر مما طلبه منه في شريعة العهد القديم مثل وصية "تحب قريبك وتبغض عدوك" (مت5: 43). لأن محبة القريب في حد ذاتها لم تكن سهلة على الإنسان الذي عاش في العداوة مع الله ومع نفسه ومع أخيه الإنسان. هذه العداوة القديمة التي سببتها الخطية قد هدمها السيد المسيح بصليبه المحيى مثل قول الكتاب "ويصالح الاثنين في جسد واحد مع الله بالصليب قاتلًا العداوة به" (أف2: 16). لم يكن الإنسان أيضًا في العهد القديم يملك سيف الروح الذي قال عنه السيد المسيح "أُعطيكم فمًا وحكمة لا يقدر جميع معانديكم أن يقاوموها أو يناقضوها" (لو21: 15) وقال أيضًا: "لستم أنتم المتكلمين بل روح أبيكم الذي يتكلم فيكم" (مت10: 20). ولذلك كان أسلوب الإنسان المتعبد لله في مقاومته لحروب الوثنيين يختلف في العهد القديم عنه في العهد الجديد. الله لم يتغيّر، ولكن حال الإنسان هو الذي تغيّر بمصالحته مع الله وبتجديده "بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس" (تى3: 5). الناموس والأنبياء قال السيد المسيح لتلاميذه بعد الصلب والقيامة: "لابد أن يتم جميع ما هو مكتوب عنى في ناموس موسى والأنبياء والمزامير" (لو24: 44) وبهذا أوضح الرب أهمية أسفار العهد القديم، وأنها موحى بها من الله، وأنها كلام إلهي، كل ما فيه صدق ولابد أن يتحقق. وعندما ظهر لتلاميذه بعد القيامة "حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب" (لو24: 45). إن كتب العهد القديم في شهادتها للسيد المسيح وكل ما يخص رسالته الخلاصية هي من أعظم الأدلة على صدق الديانة المسيحية.. لأن الله قد سبق فأنبأ بفم أنبيائه القديسين عن "الخلاص الذي فتش وبحث عنه أنبياء الذين تنبأوا عن النعمة التي لأجلكم باحثين أي وقت أو ما الوقت الذي كان يدل عليه روح المسيح الذي فيهم إذ سبق فشهد بالآلام التي للمسيح والأمجاد التي بعدها. الذين أُعلن لهم أنهم ليس لأنفسهم بل لنا كانوا يخدمون بهذه الأمور التي أُخبرتم بها أنتم الآن بواسطة الذين بشّروكم في الروح القدس المرسل من السماء" (1بط1: 10-12). |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
ما جئت لأنقض بل لأكمل الأنبا بيشوي مطران دمياط |
ما جئت لأنقض بل لأكمل |
ما جئت لأنقض بل لأكمل |
ما جئت لأنقض بل لأكمل |
ما جئت لأنقض بل لأكمل |