أخطاء الذات في المعاملات
أحيانًا يجد الإنسان المحب لذاته، إنه لابد أن يقف ضد الآخرين لا ثبات ذاته.
وأول خطوة في ذلك هي المنافسة.
المنافسة إن كانت مباراة في النفع العام، بحيث يتنافس الكل في خدمة المجتمع، حينئذ تكون المنافسة خيرًا.. وكما قال الكتاب: "حسنة هي الغيرة في الحسنى" (غل4: 18).
إما أن كانت المنافسة هي محاولة انتصار فريق على الآخر، ولو بتحطيمه فهنا تظهر الذات ومعها عدم محبة الآخرين.
حسن أن يتبارى الجميع في التفوق أما أن يكره شخص من يتفوق عليه فهنا أيضًا تظهر خطورة محبة الذات. هنا تقود الذاتية إلى الحسد وإلى الغيرة وإلى الكراهية.
إنها الغيرة الطائشة التي تريد أن يصل إليها وحدها كل شيء، ولا يصل إلى أحد شيء، هي وحدها التي تكبر والتي تملك، وهي وحدها التي تتفوق، والتي تمدح، وهي التي تسلط عليها الأضواء، ولا تسلط على غيرها... وإلا...
وإلا تبدأ الذات حربًا مع كل من ينافسها، أو يسير في نفس الطريق معها. ذات تريد أن تكبر، وذات أخري تريد أن تكبر وحدها، وهنا الخطورة حيث تثير هذه الذات جوًا غيرها دون عيب فيه، ودون أن يقترف ذنبًا ضدها أو ضد أحد..
إنه صليب يحمله المتفوقون، ممن يحسدونهم على تفوقهم.
وهذا هو الذي لاقاه داود النبي من شاول الملك، أو هذا هو الذي لاقاه يوسف الصديق من أخوته، ولنفس السبب قام هيرودس ضد السيد المسيح منذ مولده وبنفس الشعور قال: الفريسيون بعضهم لبعض: "انظروا أنكم لا تنفعون شيئًا.. هوذا لعالم قد ذهب وراءه" ( يو12: 19).
حقًا ما أصعب تلك العبارة التي قيلت في سفر التكوين.
"لم تحتملها الأرض أن يسكنا معًا" (تك13: 6).
إذا أرادت الذات أن تملك، تكون مستعدة أن تحطم كل من ينافسها، مثلما حدث أن آخاب قتل نابوت اليزرعيلي.
ونفس الوضع في الاحترام والمديح.
إن كان من مشاكل المحب لذاته، أنه يحب مديح الناس واهتمامهم به واحترامهم والاهتمام له، فأخطر من هذا، شخص يريد أن يكون الوحيد الذي هو موضع الاحترام والاهتمام والمديح بتقدير الآخرين.
ومن هنا تأتي الصراعات بين أصحاب المهنة الواحدة، أو الذين يعملون في نشاط واحد، أو يتنافسون على رئاسة.
مريم واحد، أو يتنافسون على رئاسة.
مريم كانت جالسة عند قدمي المسيح تستمع إليه، ولم تفعل شيئًا ضد مرثا. ولكنها لم تسلم من انتقادها... إنها الذات التي دفعت مرثا إلى انتقاد أختها مريم، لماذا أتعب أنا وحدي، تقوم هي لتتعب معي، أو لماذا هي تتمتع بجلسة التأمل واحرم أنا منها؟ (لو10: 40).
وكما حدث من أجل الذات أن مرثا انتقدت مريم، حدث لنفس السبب أن الابن اكبر انتقد أخاه الأصغر (لو15).
نقطة أخري في محبة الذات. وهي أن المحب لذاته لا يمكن أن يأتي بالعيب على نفسه وإنما...
يلقي بمسئولية أخطائه على غيره.
حتى أن رسب في الامتحان، فإما أن واضع الامتحان كان قاسيًا في أسئلته، وإما أن المصحح لم يكن رحيمًا في تصحيحه. وإما أن الله لم يسنده في امتحاناته على الرغم من الصلوات التي رفعت إلهي.
ولذلك يري نفسه مظلومًا باستمرار المحب لذاته.. إما أن يصل وإما دائمًا يسخط، ويتذمر، ويشكو.
يشكو والدية، ويشكو المجتمع ويشكو الزمان الذي يعيش فيه، ويشكو معاملات الآخرين، ويشكو معاملات الآخرين، ويشكو أسبابًا عديدة لعدم وصوله، وينتقد كل اللذين وصلوا، وأساليبهم التي ارتفع هو عن مستواها...
أما ذاته فهي الوحيدة التي لا يشكوها والوحيدة التي لم تخطئ...
ومن أجل هذا، هو لا يصلح عيبًا فيه، لأن ذاته تبدو أمامه بلا عيب.. وإذ تستمر متاعبه ويستمر عدم إصلاحه لنفسه، تستمر بالتالي شكاواه التي لا تنتهي.
إن كان رئيسًا يشكو من أخطاء مرؤوسيه.. وإن كان مرؤوسًا يشكو رؤساءه وزملاءه..
وإن كان ولا أحد من هؤلاء قد أخطأ، حينئذ يشكو الأنظمة والقوانين واللوائح! المهم أنه يدافع عن ذاته إن ارتكب خطأ: فيغطيه بالكذب أو بتبريرات عديدة، أو يلقي التبعى على غيره، أو يقول إنه ما كان يقصد... وهكذا بدلًا من أن يصلح ذاته، يغطيها!
والمحب لذاته حساس جدًا نحو كرامته، يعامل نفسه والناس بميزانين مختلفين.
يدقق جدًا في أقل كلمة توجه إليه بينما لا يبالي بما يقوله هو للناس. ويريد معاملة، لا يعامل بها غيره.
هو حساس نحو كرامته، ولكنه ليس حساسًا نحو كرامة الناس في معاملته لهم.
متى وكيف ينكر الإنسان ويدين ذاته، هذا ما أود أن أحدثك عنه الآن.