رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
" وكان هيرودس أمسكَ يوحنا وقيَّدهُ في السجن، من أجل هيرودية التي تزوجها وهيَ امرأة أخيه فيلبس. فكانَ يوحنا يقول لهُ: " لا يحل لكَ أن تأخذ امرأة أخيك ". وكانت هيرودية ناقمة عليه تريد قتله فلا تقدر، لأنَّ هيرودس كان يهابهُ ويحميه لعلمه أنهُ رجل صالح قديس. وكان يسره أن يستمع إليه، مع أنهُ حار فيه كثيراً. وسنحت الفرصة لهيرودية عندما أقامَ هيرودس في ذكرى مولده وليمة للنبلاء وكبار القادة وأعيان الجليل. فدخلت ابنة هيرودية ورقصت، فأسرَّت قلب الملك والمدعوين. فقال الملك للفتاة: " أطلبي ما شئت فأعطيـك ". وحلفَ لها يميناً مشـدداً قــال: " أعطيك ما تطلبين، ولو نصف مملكتي ! " فخرجت الفتاة وسألت أمها: " ماذا أطلب ؟ " فأجابتها: " رأس يوحنا المعمدان ! " فأسرعت إلى الملك وقالت له: " أريد أن تعطيني الآن على طبق رأس يوحنا المعمدان ! " فحزنَ الملك كثيراً، ولكنهُ أرادَ أن لا يردَّ طلبها من أجل اليمين التي حلفها أمام المدعوين. فأرسلَ في الحال جندياً وأمرهُ بأن يجيء برأس يوحنا. فذهبَ وقطعَ رأسه في السجن، وجاءَ به على طبق وسلمهُ إلى الفتاة فحملتهُ إلى أمها " (مرقس 6 : 17 – 28). فلما سألهم الحاكم: " أيهما تريدون أن أطلق لكم ؟ " أجابوا: " باراباس ! " فقالَ لهم بيلاطس: " وماذا أفعل بيسوع الذي يُقال لهُ المسيح ؟ " فأجابوا كلهم: " إصلبهُ ! " قالَ لهم: " وأيُّ شر فعل ؟ " فارتفعَ صياحهــم: " إصلبهُ ! ". فلما رأى بيلاطس أنهُ ما استفادَ شيئــاً، بــل اشتدَّ الاضطراب، أخــذَ ماءً وغسلَ يديه أمام الجموع وقال: " أنا بريء من دم هذا الرجل ! دبروا أنتم أمره " (متى 27 : 21 – 24). هيرودس... بيلاطس... ويسوع. هيرودس كانَ يُحب يوحنا، ويسرهُ أن يستمع إليه، لعلمه أنهُ رجل صالح قديس، لكـــــن... إبنة هيروديا رقصت لهُ، فأسرَّت قلبه وانتزعت من داخله يوحنا وقتلتهُ !!! وبيلاطس لم يرَ علة في يسوع، وكان يعلم أنهُ صالح، لكـــــن... عندما اشتدَّ عليه الاضطراب ومحبة إرضاء الجموع، غسلَ يديه وسلمَ يسوع للموت !!! لكـــــن... يسوع قال: " لا تظنوا أني جئتُ لأحمل السلام إلى العالم، ما جئتُ لأحمل سلاماً بل سيفاً. جئتُ لأفرق بين الإبن وأبيه، والبنت وأمها، والكنة وحماتها. ويكون أعداء الإنسان أهل بيته. من أحبَّ أباه أو أمه أكثر مما يحبني، فلا يستحقني. ومن أحبَّ ابنهُ أو بنتهُ أكثر مما يحبني فلا يستحقني. ومن لا يحمل صليبه ويتبعني، فلا يستحقني. من حفظَ حياتهُ يخسرها، ومن خسرَ حياته من أجلي يحفظها (متى 10 : 34 – 39). من أحبَّ أباه، أمه، ابنه، بنته، حياته أكثر مني، لا يستحقني. فكيـفَ إن أحبَّ هيروديـا، وابنتهـا ورقصهـا، أو الجمـع ورأي الأكثريـة المحيطة بنا، أو خـاف من الاضطرابات والاضطهادات، ودفع الثمن من جراء اتباع يسوع ؟ مقاطع عميقة، وأسئلة قد تكون محرجة للبعض، لكنها مصيرية ودقيقـة، لمــن قــررَ أن يتبــع يسوع، ويضع يدهُ على المحراث ولا ينظر إلى الخلف، ولمن قررَ أن يحمل صليبه وينكر نفسهُ، ويتبع يسوع بلا رجوع !!! فلنتأمل معاً. أحبائي: سبقَ لبولس الرسول أن قال: " كل من أرادَ أن يحيا في المسيح يسوع حياة التقوى أصابهُ الاضطهاد " (1 تي 3 : 12). أحبائي: لقد نسينا خدمة الصليب، أو ابتعدنا عنها مسافة كبيرة، خدمة الصليب التي كانت شغل يسوع الشاغل على هذه الأرض، ووحدها التي أتت بثمر حقيقي لكل البشرية، وهوَ من أوصانا أن نحمل صليبنا ونتبعهُ كل يوم، وهوَ الذي أجرى عجائب ومعجزات كثيرة، وشفى المرضى وحررَ المقيدين، لكن لمَّا جاء إليه فيلبس واندراوس وقالا له: " اليونانيون يريدون أن يروك "، أجابهم قائلاً: " ينبغي على حبة الحنطة أن تموت لكي تأتي بثمر وإلاَّ فسوفَ تبقى وحيدة ". كانت عيناه مركزة على الصليب، ولم يأبه للثمن الذي سيدفعهُ، وهكذا كانت عيون الكنيسة الأولى أيضاً، من بولس وبطرس ويوحنا ويعقوب واسطفانوس... ولهذا السبب فتنوا المسكونة، وكرزوا للخليقة، ولهذا السبب أنا وأنت اليوم مؤمنين نلنا الحياة الأبدية !!! الصليب وحدهُ يحسم الخيارات، ويرتقي بنا إلى الخدمة الحقيقية التي دعانا إليها الرب. ينبغي أن نرتقي إلى هذه الخدمة، ينبغي أن نحسم خياراتنا، ينبغي علينا أن نعرف أن الموضوع ليسَ موضوع خلاصنا وذهابنا إلى السماء بعد الموت، فكل المؤمنين الذين ولدوا ثانية وأصبحوا أبناء سيذهبون إلى السماء بعد موتهم، وكلنا إن بقينا ضعفاء ومقيدين بالخطايا، ولا نقوم بما يطلبهُ الرب منا، سنبقى محبوبين منهُ حتى المنتهى، ونعرف أنهُ يتفهم ضعفنا ومشاكلنا ويرثي لها، لكــن... هل إلى هذا دُعينا ؟ وهل هذه هيَ أشواقنا ؟ وعلى من نترك خلاص النفوس الهالكة ؟ ومن سيشفي المرضى ويحرر المقيدين ويعين المتعبين ؟ أسئلة برسم كل واحد منا في هذا الصباح !!! لقد أحبَّ هيرودس يوحنا كثيراً، وكانَ يُحب أن يستمع إليه، وكان يُدرك تماماً أنهُ صالح وقديس، لكن هذه المحبة وهذه الأشواق كانت مقيدة ومسجونة في سجن كبير، لقد سجن يوحنا، وفي الوقت نفسه أحب هيروديا وابنتها ورقص هذه الفتاة، وأحب الولائم والسكر، والمباهاة أمام الوجهاء والأعيان، ولا شك أن الصراع في داخله كان يحتدم مراراً كثيرة: يوحنا أم هيروديا وابنتها ؟ الله أم العالم وشهواته ؟ أو بصريح العبارة كان يريد القليل من الله والقليل أيضاً من العالم، فلا بأس إن نجحت هذه المعادلة فهوَ عندها لن يحرم نفسه من أمور الله وأمور العالم معاً. وهكذا البعض الكثير منا، نريد الله ونريد العالم، أو نريد الله لكننا لا نفك ارتباطنا الكلي بالعالم، فلا بأس بهذه، ولا مشكل مع تلك، لا سيما إن لم تكون خطايا ظاهرة أو كبيرة. لكن ماذا كانت النتيجة مع الملك هيرودس ؟ ربحت هيروديا وابنتها، وانتزعت يوحنا من قلب هيرودس، الذي أحبه وكانَ يستمع إليه ويعتبره صالح قديس، وحزن كثيراً. لكن يوحنا مات، لم يستطع أن يصمد بوجه هيروديا وابنتها. وهكذا نحن إن لم نسمح للصليب في هذا الصباح أن يحسم خياراتنا، سيأتي يوم - ولا تتعجب من هذا الكلام – ينتصر فيه العالم وأموره على أمور الله التي نحبها، فتموت في داخلنا الحرارة والدعوة والحماس للخدمة، وسنحيا على هذه الأرض ضعفاء وموتى دون ثمر !!! خطايا ومحبة للعالم كانت في حياة هيرودس إلى جانب محبته لله، لكن ماذا عن موضوع بيلاطس ؟ لم يجد علة في يسوع، رآه بريئاً، لم تكن من هيروديا ولا ابنتها في حياته، لم يوافق على قتل يسوع، اسلمه لآخرين لكي يقتلوه، لا يريد المشاركة في هذا العمل البشع، وأخيراً غسل يديه، حاولت كل ما استطيع لكنني لم أنجح، وأعلنَ أنه بريء من هذا الدم... لا توجد خطايا في حياتي، وإن اقترفتُ خطيئة معينة أعترف بها فوراً، لا توجد عادات سيئة في حياتي فأنا أقاومها باستمرار، أصلي يومياً، اقرأ الكلمة، أذهب إلى الكنيسة كل نهار أحد، اشارك في المؤتمرات كلها، و... هذا كلهُ جيد، لكــن... هل تخدم خدمة الصليب ؟ هل عينيك مركزة على هذه الخدمة ؟ أينَ أنت مما قالهُ يسوع: " ومن أحبَّ ابنهُ أو بنتهُ أكثر مما يحبني فلا يستحقني. ومن لا يحمل صليبه ويتبعني، فلا يستحقني. من حفظَ حياتهُ يخسرها، ومن خسرَ حياته من أجلي يحفظها ". أينَ أنتَ عندما يشتد الاضطراب والضغوطات عليك كما حصلَ مع بيلاطس ؟ وعندما تصبح راحتك الشخصية والخدمة التي اخترتها لنفسك، ونمط الحياة الذي تعودت عليه، جميعهم مهددين ؟ هــل تقـــول " لا " هذا كثير، وتغسل يديك وتقول أنا بريء من هذا ؟ هل نكتفي بتبشير أهلنا وأقاربنا والمحيطين بنا لمرة واحدة أو لمرتين، وعندما لا نجد تجاوب أو نواجه اضطهاد أو عدم قبول أو مخاطر ربما، نغسل يدينا، ونقول لقد قمنا بكل ما علينا، وانا بريء من دمهم لقد أوصلت لهم البشارة وكفى ؟ أم ترى أنهُ ينبغي علينا أن نحاول مراراً وتكراراً، نصوم، نصلي، نحارب، نتشفع، ونعيد الكرة مراراً وتكراراً، إلى أن نربح هؤلاء الهالكين ؟ هل إذا جرحنا أو عوملنا بقساوة من أخوتنا، نغسل يدينا ونقول حاولت معهم لكنهم رفضوني، وأنا بريء من كل مشاكلهم، أم تحاول مراراً وتكراراً، تتشفع من أجلهم، تحارب من أجلهم، تصوم من أجلهم، ولا تتراجع حتى تعود وتربحهم من جديد؟ هل إذا وقع أخوكَ في خطيئة أو مشكلة، تنبههُ عليها، لكن إن لم يتجاوب، تغسل يديك وتقول أنا بريء، لقد حاولت معهُ لكنهُ لم يتجاوب ؟ أم أنكَ تحملهُ في قلبك ليلاً ونهاراً بالصلاة والتشفع والصوم، وتحاول معهُ كل ما تستطيعه لكي تردهُ وتساعدهُ ؟ هل إذا قادك الروح القدس إلى خدمة جديدة، قد يكون فيها تضحيات أكبر، واضطهادات أكثر، وربما مخاطر أكثر، تطيع وتتجاوب مع هذه الدعوة؟ أم تقول، لا ليست هذه قدرتي، ليست هذه مواهبي ووزناتي، وتغسل يديك وتعلن براءتك ؟ لن أطرح أكثر من هذه الأسئلة، بل سأترك الروح القدس يتعامل معك في هذه اللحظات ليكشف لكَ عن أمور كثيرة ربما تكون قد نسيتها، غسلتَ يديك منها في الماضي وأعلنت براءتك أمامها وأمام الله. الكلمة سيف ذو حدين، تكشف الخفايا، وتفرز مفارق النفس والروح، لا سيما عندما لا يكون الموضوع موضوع خطايا وقيود واضح، بل موضوع دعوة من الله إلى العمق، إلى الجهاد، إلى التضحية ودفع الثمن، إلى خدمة الصليب. أحبائي: الكرّام الحقيقي، لا يُنقي الكرمة من الأمراض الظاهرة، كالهريان، والدود، والحشرات فقط، بل هوَ يستأصل حتى الأغصان الجيدة والتي لا عيب فيها، لكنها تكون كبيرة ولا تحمل ثمر كثير، وذلكَ بهدف أن لا تسرق الغذاء الآتي من الجذور لنفسها، وتحرم منهُ الأغصان الصغيرة والتي تحمل ثمراً كثيراً. قد تكون حياتك تبدو رائعة، لا عيب فيها، تقوم بأمور وخدمات كثيرة، لكنها ليست خدمة الصليب المكلفة والمضحية والتي تأتي بنوعية وكمية الثمر المطلوب. لا تعلن براءتك، بل دع الله يعلن هذه البراءة، دع الصليب يحسم الخيارات !!! لا تعلن براءتك من خلاص النفوس التي قد تأتي لكَ بالاضطهاد، والتعب والتضحية، والثمن الكبير، وكن كبولس الذي قال: " فإذا بشرت، فلا فخرَ لي، لأنَّ التبشير ضرورة فرضت عليَّ، والويل لي إن كنتُ لا أبشر ". الويل لي إن كنتُ لا أبشر ؟ هل قالها عن خوف ؟ بالطبع لا، بل عن مسؤولية أحسها من واجبه، لأنهُ يقول: " محبة المسيح تحصرني ". نعم أحبَّ المسيح أكثر من أبيه وأمه، وأحبهُ أكثر من حياته، ولم تكن حياته غالية عندهُ ليُتمم الدعوة التي دعاه إليها الرب، لم يستسلم بالرغم من كل الاضطهادات والشدائد والمخاطر، لم يغسل يديه، ويعلن براءته من دماء هؤلاء الناس الهالكين، بل قرر المضي حتى النهاية، فاستطاع القول: " جاهدت الجهاد الحسن، أكملت السعي وحافظت على الإيمان ". لقد خدمَ خدمة الصليب !!! إلى هذا نحنُ مدعوون في هذا الصباح، ليسَ هذا الكلام للدينونة، وللإحباط والتفشيل، بل إلى الإرتفاع إلى مستوى الدعوة في المسيح، إلى تحمل المسؤولية، إلى أن نرى محبة المسيح تأسرنا وتحيط بنا، فتهون التضحيات. دعوة إلى طرد هيروديا وابنتها، وإخراج يوحنا من السجن، دعوة إلى مقاومة العالم وشهواته وخطاياه، دعوة إلى عدم العرج بيــنَ الفرقتين، فإمَّا يسوع وإمَّا العالم، ولا تسمح لأعذار الضعف ورثاء النفس أن يتحكموا في موقفك، يقول كاتب الرسالة إلى العبرانيين: " ...فعلينا أن نلقي كل ثقل وكل خطيئة عالقة بنا، فنجري بعزم في ميدان الجهاد الممتد أمامنا، ناظرين إلى رئيس إيماننا ومكمله يسوع الذي تحمل الصليب مستخفاً بالعار، من أجل السرور الذي ينتظرهُ... فما قاومتم أنتم بعد حتى بذل الدم في مصارعة الخطيئة " (عبرانيين 12 : 1 – 4). نعم هكذا ينبغي أن نقاوم الخطيئة والعالم، ناظرين إلى يسوع لكي يمدنا بالقوة، ومقاومين مثلهُ حتى بذل الدم. وهيَ دعوة أيضاً، أن لا نتهرب من مسؤولياتنا، ونغسل أيدينا عندَ أول إعاقة أو اضطهاد أو الحاجة لتضحية ما، بل لنخدم خدمة الصليب، تأسرنا وتحيط بنا محبة المسيح. أحبائي: النفوس تنتظرنا، العمـل كثيـر والفعلـة قليلـون، والأيـام مقصـرة، وغسل اليدين وإعلان براءتنا لن يجدي نفعاً، فهل نحمل صليبنا كل يوم ونتبع يسوع ؟ قـد تستطيع أن تعلن براءتك أمام الناس، وأمام ضميرك أيضاً، لكن هل تستطيع أن تعلنها أمام الرب عندما ستقابلهُ ؟ كلنا سنكون في الملكوت، لكن تذكر هناك أصغر في ملكوت الله، وهناكَ أيضاً أكبر في ملكوت الله، فمن تريد أن تكون ؟ |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|