رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
لماذا نحب الله؟ من كتاب المحبة قمة الفضائل - البابا شنوده الثالث فلنأخذ سفر النشيد الذي يعطينا مثالًا عم محبة النفس لله. فلماذا كانت تحبه؟ 1* أول كل شيء، هو أن حب الله متعتها ولذتها: نقول له (حبك أطيب من الخمر) (نش2:1). إنها محبة تسكر. تنتشي بها النفس. بل تقول (أني مريضه حبًا) (نش5:2). أي أن محبة الله قد دغدغت جسمها، فلم تعد تحتمل تلك الطاقة الجبارة من الحب الإلهي. جسدها أضعف من طاقات الروح. فلم تعد طاقة الجسد تحتمل الحب الإلهي، فأصبحت مريضة حبًا.. إنسان ترتفع درجة حرارة جسده، إذ هو مريض جسديًا. وإنسان آخر ترتفع بالحب درجة حرارة روحه، فإذا هو مريض حبًا.. (مدروخ) من الحب الإلهي. مثلما قيل لبولس الرسول (كثرة الكتب حولتك إلى الهذيان يا بولس) (أع26: 24). هذا الهذيان البولسي المقدس، نشتهي نحن جميعًا أن نصاب به. إنسان من فرط الحب الإلهي الذي فيه، يتكلم كلامًا لا يفهمه الناس، ويشعر بشعور لا يدركه الناس، فيحسبونه يهذي! مشكلة أهل العالم، أن محبة العالم تتصارع فيهم مع محبة الله. فالجسد يشتهي ضد الروح التي تشتهي الله (غل5: 17). فهم يتلذذون بالعالم، فيما يريدون أن يحبوا الله!! وهكذا يجود في حياتهم شيء من التضاد ومن التناقض، ومن الصراع، بغير استقرار. أما الإنسان الذي يحب الله حقًا، ومحبة الله هي متعته، فليس فيه صراع ولا تضاد. ولا يتعب في تنفيذ وصيه الله، لأنه لذته.. أنه يتغني بوصايا الله، كما تغني بها داود في مزاميره (وصاياك هي لهجي) (سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي) (محبوب هو أسمك يا رب، فهو طول النهار تلاوتي) (مز119). أو كما تقول عذراء النشيد (أسمك دهن مهراق) ونترجمها في القداس الإلهي (طيب مسكوب هو أسمك القدوس). (طيب مسكوب هو أسمك، لذلك أحبتك العذارى) (نش1: 3) ونعني بالعذارى النفوس التي لم تعطي ذاتها لأخر، إذ أحبت الرب من كل القلب. سواء أكانت هذه النفوس من البتوليين، أو المتزوجين. لذلك فإن الكتاب لقب كل اللذين يخلصون بخمس عذارى حكيمات. 2* النفس تحب الله، لأنها لا تجد له شبيهًا. كما نغني له في التسبحة ونقول (من في الآلهة، يشبهك يا رب؟! أنت الإله الحقيقي، صانع العجائب). أن اله، إذا قارنا محبته بكل مشتهيات العالم، وكل آلهته، نجده يفوقها جميعًا، لذلك تقول عذراء النشيد: ( حبيبي أبيض واحمر، معلم بين ربوه) ( نش5: 10). أبيض في نقاوة قلبه، وفي أنه النور الحقيقي.. وأحمر في الدم المسفوك لأجلنا ولأجل خلاصنا.. وهو مميز بين ربوة، أي أن وضعت حبيبي بين عشرة آلاف، ا جده مميز بينهم.. متى إذن يتميز الله في قلبك عن كل مشتهيات الدنيا وكل سكانها وتجده يفوقهم جميعًا..؟ كل شهوات العالم زائلة، تنتهي بعد حين، أما محبة الله، فتبقي إلى الأبد. شهوات العالم سطحية، أما محبة الله فلها عمق ولها قدسية. وترفع مستوى الإنسان. في حين أن شهوات العالم تهبط بمستواه.. كلما أحبك يا رب، ترفعني إليك لأعيش في السماوات. أما إن أحببت العالم، فإنه يهبطني معه إلى الأرض، إلى التراب والأرضيات.. 3* نحن أيضاَ نحب الله من أجل بهائه. إنه (أبرع جمالًا من بني البشر) (مز45: 2). تناديه عذراء النشيد فتقول (ها أنت جميل يا حبيبي) (نش 1: 16). فهل حقًا نري الله كذلك؟ ربما إنسان يسير في طريق الله، فيجد أن الباب ضيق، والطريق كرب (مت7: 14). ويجد أن الوصية ثقيلة، ولولا خوف الأبدية ما كان يستمر. فيقول للرب: من أول معرفتي لك، عرفت التجارب والضيقات (يو33:16). وعرفت الصليب وهكذا لا يري الحياة مع الله جميلة!! أما الذي يحب الله، فكل شيء في عينيه: الله وصليبه، وتجاربه ووصاياه. ويري الطريق حلوًا، مهما كان ضيقًا.. يكفي أنه يوصل إلى الملكوت.. ولا تحزنه التجارب، إذ يري فيها بركاتها، فيغني مع يعقوب الرسول (احسبوه كل فرح يا إخوتي، حينما تقعون في تجارب متنوعة) (يع1: 2)، . وينشد مع بولس الرسول (افرحوا في الرب كل حين، وأقول أيضًا افرحوا في الرب كل حين، وأقول أيضًا افرحوا) (في 4:4) ومن أجل محبته لوصايا الله، يقول مع يوحنا الرسول إن (وصاياه ليست ثقيلة) (1يو3:5). عذراء النشيد تغني بجمال الرب فتقول. (حلقة حلاوة. كله مشتهيات) (نش16:5) (فتي كالأرز، طلعته كلبنان) (نش15:5).. وتشرح باقي صفاته. حقا إن الوجود مع الله، هو شهوده نشتهيها. وكما قال الآباء إن القداسة هي استبدال شهوة بشهوة، إذ نترك شهوة العالم، لنحظى بشهوة التمتع بعشرة الله.. نشتهي الله وكل ما يتعلق به، وكل ما يوصلنا إليه. ونجد فيه لذتنا وفرحنا ومعه لا يعوزنا شيء.. ما أجمل التأمل في صفات الله. إنها تغرس محبته في القلب. الله المحب، الطويل الروح، والكثير الرحمة، الجزيل التحنن، الذي لم يصنع معنا حسب خطايانا، ولم يجازنا حسب آثامنا (مز103). الله الكلي القداسة، الكلي الحكمة، الكلي القدرة، المخبأة فيه كل كنوز الحكمة والعلم (كو2:3).. الله الذي نتغنى بصفاته في القداس الغريغوري وفي تحليل آخر كل ساعة، وفي صلوات المزامير. 4* (نحب الله، لأنه أحبنا قبلًا) 1يو19:4). هو الذي أحبنا وفدانا. لأنه (هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية) (يو16:3).. هذه هي المحبة. ليس أننا نحن أحببنا الله. بل أنه هو أحبنا، وأرسل ابنه كفارة لخطايانا) (1يو4: 10). نحبه لأنه نقشنا علي كفه (أش49: 16). ووعدنا بأن (كل آلة صورت ضدنا لا تنجح) (اش45: 17)، وأن أبواب الجحيم لن تقوي علينا (مت 16: 18). ما أكثر وعوده المعزية.. 5* نحب الله، لأنه أبونا، وراعي نفوسنا. هو الذي تغنى داود برعايته فقال (الرب يرعاني فلا يعوزني شيء. في مراع خضر يربضني. إلى ماء الراحة يوردني. يرد نفسي إلى سبل البر) (مز 23). هو الراعي الصالح الذي يبذل نفسه عن الخراف (يو 10: 11، 14). وهو الذي قال (أنا أرعى غنمي وأربضها.. وأطلب الضال، واسترد المطرود، واجبر الكسير، واعصب الجريح) (خر 16:34). وعذراء النشيد تسميه (الراعي بين السوسن) (نش2:16) هو الأب الحاني علي أولاده، الذين يعطيهم خيراته بكل سخاء، ويهتم بهم ويغدق عليهم من عطاياه، حتى أن داود النبي يقول في المزمور (باركي يا نفسي الرب، ولا تنسي كل إحساناته، الذي يغفر جميع ذنوبك، الذي يشفي كل أمراضك، الذي يفدي من الحفرة حياتك، الذي يكللك بالرحمة والرأفة، الذي يشبع بالخير عمرك، فيتجدد مثل النسر شبابك) (مز103:1-5). 6* إننا نحب الله، لأنه قوي، يحرس ويسند. تشعر النفس المحبة لهم، انه في حمايته، محاطة بقوة عجيبة ينقذها بذراع قوي، وبيد حصينة. فلا تخشي من خوف الليل، ولا من سهم يطير بالنهار. فهو يعزيها بقوله (إليك لا يقتربون، بلا بعينيك تنظر وتري مجازة الأشرار) لذلك فهي تغنى قائلة (الساكن في ستر العلي، وفي ظل القدير يبيت) (مز91:1-8) (إن لم يحرس الرب المدينة، فبطلًا يسهر الحارس) (مز127:1). 7* إننا نحب الله لأسباب عديدة لا تحصي. إذ انه بمحبة الله، يعيش الإنسان في فرح دائم: يفرح بأرب الذي يقوده في موكب نصرته (2قو2:14).. وينقله من خير إلي خير. ويفرح لتمتعه بالرب، ولأن الخطية لا مكان لها في قلبه ولا مكانة. ولأن محبة الله طردتها. حقًا قد تحدث له حروب ومقاومات من الشيطان، ولكنه مقاومات من الخارج فقط، أما قلبه من الداخل فيملك عليه السلام. وهكذا تجتمع في قلبه الفرح والمحبة والسلام، والتي هي أولى ثمار الروح (غل5:22). نحن نحب الله، لأن محبته تطرد الخوف من خارج قلوبنا (1يو4:18). فلو ملكت المحبة علي قلوبنا، لا نعود نخاف الله ولا الدينونة، ولا نخاف الناس، ولا الخطية ولا الشيطان.. نحب الله، لأنمه بمقدار محبتنا له سيكون فرحنا به في الأبدية وستكون سعادتنا. لأن في الأبدية (نجمًا يمتاز عن نجم في المجد) (1كو15: 41). وهذا الامتياز تحدده المحبة. فحسب مقدار محبتنا يكون امتياز درجتنا ومتعتنا في الأبدية. يا أخوتي. أريدكم أن تدربوا أنفسكم علي محبة الله. أخرجوا من مظاهر الحياة الروحية، وأدخلوا إلى عمق الحب. وأعلموا أن محبتكم لله، هي التي تعطي روحياتكم عمقًا.. لقد أنكر بطرس سيده ومعلمه، وسب ولعن وقال لا أعرف الرجل (مت 26: 7- 74). ولكن الرب لما عاتبة بعد القيامة، لم يذكر له موضوع الإنكار، وإنما سأله قائلًا (يا سمعان بن يونا، أتحبني أكثر من هؤلاء؟) (يو 21: 15). فأجاب بطرس (أنت تعلم يا رب كل شيء. أنت تعلم أني أحبك)..وبهذه المحبة نال المغفرة، ورجع إلى رتبته الرسولية.. أن كانت محبة الله لها كل هذه الأهمية فلعلنا نسال: ما الذي يعوق محبتنا لله؟ |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|