سقوط بعض الملائكة
– خصائص صفات خلقها الله عليها لكي تحيا بها. فقد خلقها الله عاقلة حرة.... بها العقل تستطيع أن تفكر، وبهذه الحرية تستطيع أن تفعل ما تريده. وكما أن للبشر ناموس لطبيعتهم هكذا أيضا للملائكة ناموس لطبيعتهم... وإن كان الله قد خلق الملائكة بقدرات تفوق قدرات الإنسان فان ناموسهم أيضا يفوق ناموس الإنسان، لذلك فان سقوطهم يكون أخطر من سقوط الإنسان... لأن جسم الإنسان مادي يعوقه عن الانطلاق والتحرك الكثير، أما أجساد الملائكة فهي غير مادية وتستطيع أن تتحرك بسرعة فائقة....
وهكذا أيضا أعطيت الملائكة معرفة وحكمة أكثر من البشر لذلك فهم يعرفون الله، أكثر من البشر لأنهم واقفين أمام عرشه الإلهي... يسبحون الله, ليلا ونهارا، ويسجدون أمام عرشه المقدس إلي أبد الآبدين.
والآن يتبادر إلي ذهننا هذا السؤال الهام... إن كان الله قد أعطي قدرات كثيرة وعظيمة للملائكة فلماذا سقطوا؟! وإن كان الله لم يخلق الشر، فمن أين أتي إليهم؟!
هذا السؤال الهام ليس هو مجال بحثنا، ولكن سنتعرض للإجابة عليه باختصار شديد...
نقول أولا كيف دخلت الخطية إلي العالم... ليس عالم الأرض فقط، بل عالم السماء؟
الخطأ والخطية:
ما هي الخطية؟ وما هو الخطأ ؟
كبداية للإجابة يجب أن نعرف ما هو الخطأ؟
الخطأ هو ما حاد عن الصواب, وهو أعم من الخطيئة, فالخطيئة هي الخطأ ضد الله وضد وصاياه.
وعندما نفهم هذا التعريف البسيط عن الخطأ والخطيئة نلمس طريق سقوط بعض الملائكة.
فالملائكة كائنات حرة وعاقلة, ولها أن تفكر في الصواب أو في الخطأ، وهي حرة فيما تريد وفيما تفعل، والله أعطاها هذه الحرية بإرادته وأوصاها بالصواب، كما أوصي الإنسان.
ولكن بعض الملائكة وعلي رأسهم سطانائيل (الشيطان) انحرف بفكره إلي غير الصواب أي إلي الخطأ, بأن أرد أن يساوي نفسه بالخالق... (). وهذا مستحيل وغير معقول وعين الخطأ نفسه.. فهل نستطيع أن نقول أن الخالق يكون مساويا للمخلوق؟.... وإن كان مساويا له فكيف يكون الخالق إذن؟
فمعروف عن صفات الخالق أنه لا يساويه أحد, ولا يدنو منه أحد.... بل هو وحيد في قدرته ووحيد في عظمته....
وإذا أخذنا مثلا في ذلك مع الفارق نجد أن المخلوق لا يستطيع أن يساوي الخالق بأي حال من الأحوال.
فذا افترضنا مثلا أن إنسانا اخترع آلة ميكانيكية يستطيع أن يديرها كما يشاء عندما بالتيار الكهربائي، ويوقفها إن فصل عنها هذا التيار، فهل تستطيع هذه الاّلة ان تعمل بمفردها بدون هذا التيار؟
هكذا الإنسان المخلوق لا يستطيع أن يعيش أو يتحرك أو يعمل بدون روح الله التي فيه، فان خرجت الروح يصبح ميتا بل ويصبح كالاّلة التي لا تعمل....
هكذا الملاك مخلوق ولا يستطيع أن يعمل بدون القوة التي منحها له الله عند خلقته وأودعها فيه....
ولكن الشيطان انحرف عن قدرات طبيعته، وأراد أن يضيف قدرات الله إليه وأراد أن يكون مثل الله، وبالتالي اخطأ وسقط عن رتبته.....
اعتقد أن مجده ذاتي، وليس مكتسبا من الله، فدخله المجد الباطل وأراد أن يصير مثل الله. وحزقيال النبي يحدثنا بكل تفصيل ذلك فيقول "هكذا قال السيد الرب: أنت خاتم الكمال وملآن حكمة وكامل الجمال، كنت في عدن جنة الله. كل حجر كريم ستارتك.... أنت الكروب المنبسط المظلل وأقمتك. علي جبل الله المقدس كنت، بين حجارة النار تمشيت. أنت كامل في طرقك من يوم خلقت حتى وجد فيك إثم. بكثرة تجارتك ملأوا جوفك ظلما فأخطأت، فأطرحك من جبل الله وأبيدك أيها الكروب المظلل من بين حجارة النار. قد ارتفع قلبك لبهجتك، أفسدت حكمتك لأجل بهائك..." (حز 28: 12-17).
ويؤكد هذا الكلام أشعياء النبي فيقول "كيف سقطت من السماء يا زهرة بنت الصبح؟ كيف قطعت إلي الأرض يا قاهر الأمم؟. وأنت قلت في قلبك أصعد إلي السموات. أرفع كرسي فوق كواكب الله , وأجلس علي جبل الاجتماع في أقصي الشمال. أصعد فوق مرتفعات السحاب, أصير مثل العلي، لكنك انحدرت إلي الهاوية إلي أسافل الجب...." (أش 14: 12-15).
فسقط الشيطان وأغوي معه بعض الملائكة من الرتب السمائية المختلفة سقطت معه.
ومنذ هذه اللحظة سمي المعاند أو المقاوم لله، لأنه لم يرجع عن سقطته ولم يشعر بخطئه ولم يطلب التوبة إلي الله إلي وقتنا هذا.
ويقول سفر الرؤيا "وحدثت حرب في السماء. ميخائيل وملائكته حاربوا التنين. وحارب التنين وملائكته ولم يقووا , فلم يوجد مكانهم بعد ذلك في السماء. فطرح التنين العظيم الحية القديمة المدعو إبليس والشيطان الذي يضل العالم كله، طرح إلي الأرض وطرحت معه ملائكته " (رؤ 12: 7-9).
وبعد خلقة آدم تقدم إبليس الجرب لكي يسقطه, كما سقط هو أيضا بنفس الخطية التي أخطأ بها، وهي خطية عدم الطاعة لله ورغبته في أن يكون كالله "فقالت الحية للمرأة لن تموتا. بل الله عالم أنه يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر..." (تك 3: 4-5).
وسقطت المرأة ثم أغوت رجلها فسقط هو أيضا، ثم سقط الجنس البشري نتيجة لذلك ودخلت الخطية إلي العالم إذ أخطأ الجميع كما يقول الرسول بولس "من أجل ذلك كأنما لإنسان واحد دخلت الخطية إلي العالم وبالخطية الموت، وهكذا اجتاز الموت إلي جميع الناس إذ أخطأ الجميع " (رو 5: 12).
لذلك صدق قول سفر الرؤيا عن حرب إبليس "ويل لساكني الأرض والبحر، لأن إبليس نزل إليكم وبه غضب عظيم, عالما أنه له زمانا قليلا" (رؤ 12: 12).
والكتاب المقدس يشهد أن هذا الملاك الساقط قد أغوي الجميع وحاول إسقاطهم بشتى الطرق والأساليب بمقاصده الشريرة وتجاربه المتنوعة اللعينة. حتى أنه جرئ وتقدم لكي يجرب السيد المسيح نفسه (مت4: 1), الذي كشفه وهزمه وكسر شوكته.
لذلك يقول القديس بطرس "إن الله لم يشفق علي ملائكة قد أخطأوا" (2بط 2: 4). ويؤيد هذا الكلام المقدس يهوذا الرسول قائلا "إن الملائكة الذين لم يحفظوا رياستهم, بل تركوا مسكنهم حفظهم إلي دينونة اليوم العظيم بقيود أبدية تحت الظلام" (يه 6:6).
وقد أفصح رب المجد نفسه عن مصيرهم ومصير كل الأشرار الذين يتبعونهم قائلا لهم "اذهبوا عني يا ملاعين إلي النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته" (مت 25: 41).