|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
راحيل ولماذا أحبها يعقوب؟ للحب كما هو معلوم طريقان إلى القلب، فهناك الحب السريع المشتعل الذي يطلق عليه الحب الخاطف، أو الحب من النظرة الأولى، وهناك الحب الآخر البطيء الذي يأتي إلى النفس في هدوء وأناة وتأمل، وبعد طول عشرة أو اختبار، ولا يستطيع الإنسان أن يوازن بين الحبيبن إلا من ذلك الأثر أو الطابع، الذي يمكن أن يطبع به المحب أو المحبوب في السنين اللاحقة الطويلة بعد ذلك، فقد ينطفي الحب السريع بنفس السرعة التي اشتعلت بها ناره، وتتحول آثاره رماداً تذروها الأيام أو قد يتطور إلى ما هو أسوأ من ذلك، إذ يتحول إلى عداوة قاسية تأخذ مكان الحب القديم، بنفس الشدة والعنف والقوة والالتهاب، وقد يأخذ الحب البطيء من القوة والعمق والجلال مالا تستطيع أعاصير الحياة أو زوابعها أو أزماتها أن تنال منه قليلاً أو كثيرًا على وجه الإطلاق، غير أن حب يعقوب لم يكن واحداً من الاثنين بل كان كليهما معاً، فقد أخذ قوته من اللحظة الأولى على وجه غريب وعجيب وجنوني،. واستمر كذلك دون أن يضعف على مر الأيام أو مر السنين، ترى ما السر في ذلك؟ وما هي العوامل الخفية الدفينة والعميقة وراء جذوته الملتهبة المشتعلة القوية؟ لاشك أن جمال راحيل النادر والعجيب كان أول هذه الأسباب جميعها وأسبقها إلى قلب يعقوب، وعاطفته، وقد عرف لابان قدر هذا الجمال، وعرف كيف يستغل ابن أخته من ورائه، إلى هذه الدرجة الرهيبة الباهظة التي استخدم فيها يعقوب بما يقرب من الاستعباد ليلاً ونهاراً لمدة سبعة أعوام، قابلة للتكرار، بعد الخديعة التي خدعه بها إذ أعطاه ليئة عوضاً عن راحيل، بل لعل هذا الثمن الباهظ، كان في حد ذاته، ملهبًا لمشاعر يعقوب، إذ أن الممنوع مرغوب فيه، كما يقولون، لأنه يثير في الإنسان غريزة الامتلاك، التي لا تهدأ أو تستقر حتى تمتلك ما تطلب أو ترغب أو تريد! وربما كان الأمر أعمق من ذلك كما يتصور بعض الشراح، إذ أن حب يعقوب لراحيل كان نوعًا غريبًا من عقدة أوديب، الشاب اليوناني القديم، الذي أحب أمه، أو كما يصورها علماء النفس في العصر الحاضر، في رغبة بعض الشباب المفتونين بحب أمهاتهم، في أن تكون زوجاتهم صورة متكررة للأم العزيزة الجميلة المحبوبة، وكلما كانت الزوجة عند الشاب أقرب إلى أمه شكلاً وطباعًا كلما فتن بها إلى ما يقرب الهوس والجنون، ونحن نعلم أن يعقوب كان يتبادل مع أمه حبًا عميقًا قويًا غائرًا، وأنه وقد خرج للمرة الأولى، بعيدا عن بيته، حن إليها، وراح يفتش، يدري أولا يدري، على شكلها، وصورتها حتى عثر عليها مرة أخرى في ابنة خاله راحيل!! وفي الحقيقة أن راحيل تكاد تشبه رفقة تمام الشبه حتى يمكن أن تتعرف على الواحدة من الأخرى شكلاً وموضوعًا، فمن حيث الشكل كانت الاثنتان تتمتعان بجمال فائق مذهل للعقول، ومن حيث الأخلاق كانت مواطن القوة والضعف متقاربة عند الاثنتين، فكلتاهما كانت قوية في تأثيرها على زوجها، وكلتاهما لم تتحرر من الأثرة والأنانية والحزبية، في معاملة أقرب الناس إليها!! على أي حال كان حب يعقوب لراحيل نوعًا من الاستبدال والتعويض لحبه لأمه. كما لا يجوز أن ننسى أن هذا الحب كان أعلى من حبه لليئة، لأن هذه الأخيرة أقحمت عليه إقحامًا، وفرضت عليه فرضًا، وكانت في تصوره نوعًا من الغش الذي لا يطيب له أو يقبله، ومع أنه فعل الشيء المماثل، عندما خدع أباه وغشه، ولكنها النفس البشرية التي لا يسهل عليها أن تكيل بكيل واحد، أو تزن الأمور بميزان واحد، فتقبل للآخرين، ما ترفضه لنفسها، وترضي للغير ما لا تتصوره لحياتها!.. ولعل هذه كلها ترينا لماذا أحب يعقوب راحيل إلى هذا الحد من الحب البشري العظيم القاهر القوي وما لاحق هذا الحب من مظهر فعكر ماءه الرقراق، وخدش صورته العظيمة وأرسل بعض النشاز إلى لحنه الموسيقي الجميل، وليس أدل على ذلك من أن لابان جعله من أول الأمر سوق متاجرة، ومصيدة ثراء، فالحب عنده يقوم أو يسقط على قدر ما يمنح أو يمنع من مال وعطاء. وليس أبشع في الوجود من أن تقاس المعنويات بالماديات، أو تشتري وتباع على الصورة التي ذكرتها راحيل وليئة بالقول عن أبيهما : «ألم نحسب منه أجنبيتين لأنه باعنا وقد أكل أيضًا ثمننا»... ومن ذا الذي يستطيع أن يعطي ثمناً لحنان أب أو قبلة أم أو عطف أخ أو تضحية جندي أو مواساة صديق! بل من ذا الذي يمكنه أن يعطي بديلاً لمحبة المسيح الباذلة على هضبة الجلجثة! على أنه إذا كان الحب قد فعل هذا مع لابان... فإنه قد كشف عن أثرة بالغة عند يعقوب وراحيل فقد أنساهما حب الذات حب الآخرين، فقد أعرضا كلاهما عن ليئة الزوجة والأخت، ومع أن ليئة أحبت، ولاشك يعقوب حبًا لا يقل بحال ما عن حب أختها راحيل، لكن يعقوب وراحيل حولا من هذا الحب ينبوعًا دافقا من الألم للمرأة التعسة المنكوبة، وكم أتصورها في ليال متعددة تسهر طوال الليل تجرع من مرارة الصد والإهمال والقسوة المنكرة البالغة في أقرب الناس إليها... بل لقد تحول هذا مع الأيام إلى نوع قاس من الصراع أو الحرب الخفية والمنظورة بينهما، فكل منهما تحاول أن تستأثر بيعقوب، وأن تأخذه على حساب الأخرى، أو تدفع الثمن في سبيل اجتذابه إليها، فإذا انصرف يعقوب إلى راحيل أحست ليئة أنها مكروهة، وإذا اقترب من ليئة لأنها تنجب وتعطيه أولاداً، غارت راحيل إلى الموت، وهكذا قامت المعركة لتستمر بين الاثنتين في بيت واحد! وليت الأمر وقف عند هذا الحد، بل أنه وضع بذرة الانقسام والحسد في الأسرة كلها، وبين يوسف وإخوته فيما بعد. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
(تك 29: 18) وأحب يعقوب راحيل |
(تك 29: 12) وأخبر يعقوب راحيل أنه أخو أبيها |
(تك 29: 11) وقبل يعقوب راحيل ورفع صوته وبكى |
يعقوب يطلب راحيل |
بِلْهة جارية راحيل، زوجة يعقوب |