منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 24 - 01 - 2013, 01:24 PM
 
the lion of christianity Male
سراج مضئ | الفرح المسيحى

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  the lion of christianity غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 1024
تـاريخ التسجيـل : Jan 2013
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : U.S.A
المشاركـــــــات : 753


الفصل الثانى

التعريف بالكنيسة



في الكتاب المقدّس تسميات كثيرة للكنيسة، أشار إليها المجمع الفاتيكاني الثاني في دستوره
العقائدي "نور الأمم" (رقم 6): فالكنيسة هي "حظيرة الخراف" (يو 10: 1- 10) التي يرعاها المسيح، و"حقل الله" (1 كو 3: 9)، والزيتونة والكرمة، و"بناء الله" (1 كو 3: 9) و"هيكل الله" حيث يسكن الله في الروح (اف 2: 19- 22؛ رؤ 21: 3)، و"أورشليم السماوية" و"أمّنا" (غلا 4: 26؛ رؤ 12: 17) والعروس النقية للحمل القدّوس (رؤ 19: 7؛ أف 5: 26). وإنّ كلّ هذه التسميات إذا ما أردنا أن نحصرها تُجمع في ثلاث هي: الكنيسة شعب الله، والكنيسة شركة وجماعة، والكنيسة جسد المسيح.

أوّلاً- الكنيسة شعب الله

1- شعب واحد في المسيح

إنّ بولس رسول الأمم (والأمم هي الشعوب التي ليست من نسل إبراهيم) قد أوضح في رسالته إلى الأفسسيين، وهم من أصل غير يهودي، أنّ جميع الشعوب من نسل إبراهيم ومن غير نمو أصبحت شعبًا واحدًا في المسيح:

"تذكّوا أنكم كنتم قبلاً- أنتم الأمم بحسب الجسد، المدعوين "قَلَفاً" ممّن يُدعَون "ختانًا".. بفعل اليد في الجسد- تذكّروا أنّكم كنتم قبلاً وقتئذٍ بدون مسيح، أجنبيين عن رعوية إسرائيل، غرباء عن عهود الموعد، لا رجاء لكم في هذا العالم ولا إله. أمّا الآن، في المسيح يسوع، فأنتم الذين كانوا قبلاً بعيدين قد صرتم قريبين بدم المسيح. لأنّه هو سلامنا، هو الذي جعل من الشعبين واحدًا، إذ نقض الحائط الحاجز بينهما، أي العداوة، وأزال، في جسده، الناموس مع وصاياه وأحكامه، ليكوّن في نفسه من الاثنين إنسانًا واحدًا جديدًا، بإحلال السلام بينهما، ويصالحها مع الله، كليهما في جسد واحد، بالصليب الذي به قتل العداوة. فلقد جاء وبشّر بالسلام لكم، أنتم البعيدين، وبالسلام للذين كانوا قريبين. لأنّ به، لنا كلينا، التوصّلَ إلى الآب، بروح واحد. ومن ثمّ، فلستم بعد غرباء ولا نزلاء، بل أنم مواطنو القدّيسين، وأهل بيت الله. أنتم بناء أساسُه الرسل والأنبياء، ورأس الزاوية المسيح يسوع نفسه، الذي فيه يُنسَق البناء كلّه، ويرتفع هيكلاً مقدّسًا، في الرب. وفيه أنتم أيضاً تندمجون في البناء لتصيروا مسكنًا لله، في الروح" (أف 2: 11- 22).

ويضيف بولس أنّه في القيود لأنّه رسول الأمم: "أنا بولس أسير المسيح يسوع من أجلكم، أيّها الأمم". ثم يكشف لهم "السر الذي لم يُعلَن لبني البشر في الأجيال السابقة، كما أعلنه الآن الروح لرسله القدّيسين وأنبيائه: أي إنّ الأمم هم من أهل الميراث الواحد، وأعضاء في الجسد الواحد، وشركاء في الموعد الواحد، في المسيح يسوع بالإنجيل، الذي صرت له خادمًا، على حسب موهبة النعمة، التي منَّ بها الله عليّ، بفعل قدرته" (أف 3: 1- 7).

وعندما يتكلّم بولس عن مواعد الله، يؤكّد أنّها قد تحقّقت كلّها على أكمل وجه في المسيح:

فالميراث الذي وعد به الله إبراهيم لم يعد أرضاً مادّية، أرض كنعان، بل أصبح ملكوت الله: "إنّ الله يدعوكم إلى ملكوته ومجده" (1 تسا 2: 12). والوارث لم يعد نسل إبراهيم بالجسد بل المسيح نفسه وكل الذين يؤمنون به: "إنّ المواعد قد تيلت لإبراهيم ولنسله. إنّه لا يقول: لأعقابه، بالجمع، بل لنسلكَ، بالإفراد، ونسله هو المسيح" (غلا 3: 16). والذين يؤمنون بالمسيح يصبحون ورثة معه. وهذا ما يؤكده بولس في المقارنة التي يقيمها بين الإيمان والناموس:

"أيّها الغلاطيون الأغبياء، من سحركم، أنتم الذين رُسم أمام عيونهم يسوع المسيح مصلوبًا؟ لا أريد أن أعرف منكم سوى أمر واحد: أبأعمال الناموس نلتم الروح أم بسماعكم الإيمان؟.. فهكذا إبراهيم: "آمن بالله، فحُسب له ذلك برًا". فافهموا إذن أنّ المؤمنين هم وحدهم أبناء إبراهيم. ولذلك، فإنّ الكتاب إذ سبق فرأى أنّ الله يبرّر الأمم بالإيمان، سبق فبشّر إبراهيم قائلاً: "بك تتبارك جميع الأمم". فالمؤمنون إذن وحدهم يبارَكون مع إبراهيم المؤمن" (غلا 3: 1- 9).

أمّا الناموس الذي أعطي لليهود فلم يكن سوى

"مؤدّب يرشدنا إلى المسيح، لكي نبرّر بالإيمان. فبعد إذ جاء الإيمان لسنا بعد تحت مؤدّب. لأنّكم جميعًا أبناء الله، بالإيمان بالمسيح يسوع. لأنّكم، أنتم جميع الذين اعتمدوا للمسيح، قد لبستم المسيح. فليس بعد يهودي ولا يوناني، ليس عبد ولا حر "ليس ذكر وأنثى" لأنّكم جميعًا واحد في المسيح يسوع. فإذا كنتم للمسيح، فأنتم إذن نسل إبراهيم وورثة بحسب الموعد" لم غلا 3: 24- 29).

فالكنيسة التي تضمّ جميع المؤمنين بالمسيح هي إذن الآن شعب الله الجديد الذي يرث مواعد الله. هي شعب الله المختار الذي اختاره الله ليحمل الله وخلاصه بالمسيح يسوع إلى جميع الأمم، وهي مكوّنة من جميع الذين آمنوا بالمسيح، من اليهود أم من اليونانيين أم من جميع الشعوب، وعبّروا عن إيمانهم بتقبّل المعمودية.

وهذا ما يوضحه المجمع الفاتيكاني الثاني في الدستور العقائديّ "في الكنيسة":

"إنّ من بتّقي الله ويعمل البر، في كل زمان، وكل أمّة، لمقبول عند الله (أع 10: 35). وإنّما شاء الله أن يقدّس الناس ويخلّصهم، لا متفرقين بدون ما ترابط في ما بينهم، بل أراد أن يجعلهم شعباً يعرفه في الحقيقة ويخدمه في القداسة. فاختار لنفسه شعب إسرائيل شعباً، وقطه معه عهداً، ونشّأه شيئًا فشيئًا، مظهرًا له نفسه ومقاصده في غضون تاريخه، ومقدّسًا إيّاه لنفسه. بيد أنّ هذا كلّه كان على سبيل التهيئة والرمز للعهد الجديد الكامل الذي سيُبرَم في المسيح، وللوحي الكامل الذي سينزل به كلمة الله المتجسّد نفسه: "ها إنّها تأتي أيّام، يقول الرب، أقطع فيها مع آل إسرائيل وآل يهوذا عهدًا جديدًا.. فأجعل شريعتي في أحشائهم، وأكتبها في قلوبهم، وأكون إلههم ويكونون شعبي.. وكلّهم سيعرفونني من أكبرهم إلى أصغرهم، يقول الرب" (إر 35: 31- 34). فهذا العهد الجديد هو العهد الذي أبرمه المسيح، العهد الجديد بدمه، داعيًا اليهود والأمّيين ليجعل منهم شعبًا يجتمع في الوحدة، لا بحسب الجسد بل بحسب الروح، ويصير شعب الله الجديد. ومن ثمّ فإنّ الذين يؤمنون بالمسيح- وقد ولدوا ثانية لا من زرع قابل الفساد بل من زرع لا يفسد، وهو كلمة الله الحي (1 بط 1: 23)، ولا من الجسد بل من الماء والروح القدس (يو 3: 5، 6)، أُقيموا أخيراً "ذرية" مختارة، كهنوتًا ملوكيًا، أمّة مقدّسة، شعبًا مقتنى.. لم يكونوا من قبل شعبًا فصاروا اليوم شعب الله (1 بط 2: 9، 10).

فهذا الشعب المسيحي رأسه المسيح "الذي اسم من اجل خطايانا وقام لأجل برّنا" (رؤ 4: 25)، الذي، بعد إذ نال اسمًا لا اسم فوقه، يملك الآن مجيدًا في السماوات. وهذا الشعب حاله حال الكرامة وحرّية أبناء الله، في قلوبهم يسكن الروح القدس سكناه في هيكله. وشريعته الوصية الجديدة: أن يحبّ كما أحبّنا المسيح نفسه (يو 13: 34). وغايته أخيرًا ملكوت الله الذي بدأه الله نفسه على الأرض، وعليه أن يمتدّ من بعد إلى أن يتمّه الله نفسه، في آخر الزمان، عندما يظهر المسيح حياتنا (كو 3: 4)، "وتُعتَق الخليقة من عبودية الفساد إلى حرية مجد أبناء الله" (رو 8: 21). وهذا الشعب المسيحي، وإن كان بعد لا يضمّ في الواقع جميع الناس، ويبدو في الغالب بمظهر القطيع الصغير، فهو مع ذلك للجنس البشري برمّته خمير وحدة ورجاء وخلاص بالغ الفعالية. لقد أقامه المسيح شركة حياة ومحبة وحقيقة، وهو في يده أداة فداء لجميع الناس، وأرسله في العالم كلّه نورًا للعالم وملحًا للأرض (متى 5: 13- 16)

"وكما أنّ إسرائيل بحسب الجسد قد دعي، فيما كان سالكًا في القفر، بكنيسة الله (2 عز 13: 1؛ عد 20: 4؛ تث 23: 1 وما بعده)، كذلك إسرائيل الجديد، السالك في الدهر الحاضر في طلب المدية الآتية الباقية (عب 13: 14)، قد دعي هو أيضاً بكنيسة المسيح (متى 16: 18)، لانّه هو الذي اقتناها بدمه (أع 20: 28)، وملأها من روحه، وجهّزها بالوسائل المؤاتية لأجل اتحادها الظاهر المجتمعي. فإن الله قد دعا جماعة الذين في الإيمان ينظرون إلى يسوع، صانع الخلاص ومبدإ الوحدة والسلام، وأنشأ مدنهم الكنيسة لكي تكون للجميع ولكل واحد منهم السر المنظور لهذه الوحدة الخلاصية. ولمّا كان عليها أن تمتد إلى جميع المناطق دخلت تاريخ البشر على كونها تتخطى حدود الشعوب في الزمان والمكان. وإذ تسلك الكنيسة طريقها في وسط المحن والشدائد يعضدها الله بقوة نعمته التي وعدها الرب بها لئلا تخلّ بالأمانة الكاملة بسبب وهن الجسد، بل تظلّ لربها العروس الخليقة به، وتستمر على التجدد الذاتي بفعل الروح القدس، إلى أن تبلغ في طريق الصليب النور الذي لا يعقبه غروب".

من هذا النص يمكننا استنتاج الأمور التالية:

أوّلاً، هناك تحمل بين شعب الله في العهد القديم وشعب الله في العهد الجديد. فالكنيسة هي إذاً وارثة لماضٍ قديم، تاريخها يعود إلى إرادة الله منذ فجر التاريخ بتكوين شعب له مقدّس.

ثانيًا، إنّ الكنيسة لم تنشأ عن إرادة بشر ولا عن أعمالهم الخاصة، إنّما "لكي يثبت قصد الله بحسب اختياره، لا من قبل الأعمال بل من قبل الذي يدعو" (رو 9: 11). لقد نشأت عن الخلاص المجّاني الذي حصل عليه البشر بالمسيح الذي، بدمه، أنشأ عهدًا جديدًا مع الله. إنّها وليدة دعوة مجانية من الله: "إنّ الذي سبق فحدّدهم، إيّاهم دعا أيضاً. والذين دعاهم، إيّاهم برّر أيضاً. والذين بررهم، إيّاهم مجّد أيضاً" (رو 8: 30)

ثالثًا، إنّ جميع أعضاء هذا الشعب هم مقدّسون، إذ أصبحوا بالفداء أبناء الله وهياكل الروح القدس. فالمسيح قد "أحبّنا وغسلنا بدمه من خطايانا، وجعلنا ملكوتًا وكهنة لإلهه وأبيه" (رؤ 1: 6). فهناك إذًا مساواة جذرية بين أعضاء شعب الله، إذ يشتركون كلّهم في كهنوت المسيح، وإن تنوّعت الخدم بين الكهنوت والعلمانيين (راجع "كهنوت المؤمنين المشترك" في دستور المجمع الفاتيكاني الثاني "في الكنيسة"، رقم 10).

رابعًا، إنّ دعوة الله للدخول في شعبه هي دعوة جامعة تشمل جميع الناس وضح الشعوب. لذلك فإنّ شعب الله هو في نمو دائم. وإن بدا في الغالب بمظهر القطيع الصغير، غير أنّه خمير وحدة ورجاء وخلاص للجنس البشري برمّته.

أخيرًا، إنّ هذا الشعب يسير في تاريخ البشر سيرًا واثقًا نحو غايته الأخيرة، وهي ملكوت الله الذي بدأ على الأرض وعليه أن يمتدّ حتى ظهور المسيح الأخير. إنّ دعوة الله هي دعوة ديناميكية تجعل من البعد الاسكتولوجي بعدًا أساسيًا في الكنيسة يحملها على التجدد الدائم إلى أن تبلغ "النور الذي لا يعقبه غروب".

2- تكوين شعب الله وامتداده في التاريخ

ء) الكنسية والأمم

إنّ انتقال "شعب الله" من الأمّة اليهودية إلى الكنيسة المكوّنة من مختلف أمم العالم هو الدليل على أنّه لا يسع أيّ أمّة أن تصير شعب الله إن لم يكن مع أمم أخرى ودون هيمنة من أمة على غيرها. وهذا يفرض على كل أمّة أن تكفر بذاتها وبالغريزة التي تدفعها إلى التسلّط على سائر الأمم لامتصاصها. هذا الصليب لا بد لكل أم العالم من حمله ليتكوّن شعب الله. فكما أنّ الكنيسة نشأت من صليب المسيح، كذلك لا يمكنها أن تنمو إلاّ بحمل هذا الصليب مع المسيح. لقد رفض المسيح أن يكون ملكًا زمنيًا، لأنّ "ملكوته ليس من هذا العالم" (يو 18: 36)، أي ليس من روح هذا العالم ولا بحسب منطق هذا العالم وممالكه. والكنيسة إلى تحسّد ملكوت الله في هذا العالم لا يمكنها أن تثبت إلاّ إذا ثبت فيها روح الصليب الذي يطلب لا قتل الآخرين بل الموت عنهم، لا الهيمنة عليهم بل الحياة معهم كأعضاء في شعب واحد.

إن الخطر كبير في أن تحاول الكنيسة- وقد حدث ذلك في الأمّة اليهودية ويحدث في الأمم المعاصرة- التهرّب من هذا الصليب، فإنّها عندئذ تنغلق على سياسة أمّة معينة، وتنجرف في الصراعات الحتمية بين الأمم. فالمطلوب من الكنيسة أن تكون ضمير الأمم كلّهما لتذكّرها بنهج المسيح المصلوب ونهج شعب الله، وتدعوها إلى تحقيق فداء المسيح في وحدة البشرية كلّها.

ب) كيف ينمو شعب الله؟ الرسالة في الكنيسة

إنّ الرسالة هي من صميم الكنيسة، لا تستطيع أن تهملها دون أن تتلاشى، لأنّ الكنيسة هي دعوة جميع الشعوب لتكوّن شعب الله الواحد. فالكنيسة إذًا تكون مرسلة أولا تكون. وتتحقق هذه الرسالة على صعيدين، بالكرازة المباشرة، وبالكرازة غير المباشرة.

أمّا الكرازة المباشرة فهي دعوة غير المؤمنين إلى الإيمان بمجيء الملكوت في شخص المسيح، أي إلى الإيمان بالمسيح. فالعلاقة مع المسيح هي التي تجعل من الكنيسة شعب الله. لذلك يصير الإنسان عضوًا في شعب الله بالإيمان بالمسيح وتقبل الأسرار، ولا سَيّمَا سرّي المعمودية والأفخاريستيا، التي فيها يشترك المؤمن في حياة المسيح وسر موته وقيامته. فإنّ الإيمان والأسرار هما العنصران الجوهريان اللذان يكوّنان شعب الله، فيهما يتحقّق على مدى الزمن العهد الجديد الذي خُتم بدم المسيح بين الله والبشر، والذي هو عهد جماعي مع الشعب كلّه وعهد شخصي مع كل عضو من أعضاء هذا الشعب. وإنّ الروح القدس الذي أفاضه الله على الشعب قد أفاضه في قلب كل مؤمن، وهو الذي يدعوه إلى الإيمان والارتداد الشخصي. وهذا الإيمان وتقبّل الأسرار يتكون شعب الله وينمو على مدى الزمن والتاريخ. فالكنيسة، شعبُ الله، هي إذًا جماعة تلتئم لتعبّر عن إيمانها بالمسيح وتحيا أسراره.

وأمّا الكرازة غير المباشرة فهي الشهادة للقيم التي بشّر بها المسيح في تعليمه وحياته وموته، والعمل على تجسيد هذه القيم في المجتمعات البشرية، دون الدعوة المباشرة إلى الإيمان بالمسيح والمعمودية. فالرسالة ملحّة، لأنّ ملكوت الله قد جاء في المسيح، ولا بدّ من التبشير بالمسيح. ولكنّ التبشير يجب أن يتكيّف مع الأوضاع التاريخية التي يحيا فيها الناس، وهو تبشير بالقيم التي بشّر بها المسيح، والتي هي ممكنة في جميع الأوضاع وتلخّص بالمحبة المتبادلة بين جميع الناس، وتنتج من الإيمان بأنّ جميع الناس هم أبناء الإله الواحد، "الآب الذي في السماوات، الذي يطلع شمسه على الأضرار والصالحين، ويمطر على الأبرار والأثمة" (متى 5: 45).

ج) من يمثّل الكنيسة؟ أين نجد الكنيسة؟

بقولنا إنّ الكنيسة هي شعب الله، نؤكّد أنّ من يمثّل الكنيسة هو أوّلاً الشعب كلّه، جماعة وأفرادًا، من حيث إيمانه بالمسيح وعلاقته به. وعلى هذا الصعيد لا فرق بين الأساقفة والكهنة والعلمانيين، فكلّهم على حد سواء أبناء الله وأعضاء في شعبه. لا شكّ أنّ هناك وظائف وخدمات متنوّعة في الكنيسة، وأنّ هناك نخبة من الأساقفة والكهنة والرهبان والعلمانيين تبشّر وتعلّم وتجاهد لنقل الإيمان ونشره. لكنّ هذه النخبة لا تمثّل وحدها الكنيسة شعب الله. ثمّ إنّ الهدف من الكرازة هو، بحسب قول بولس الرسول، "جعل كل إنسان كاملاً في المسيح" (كو 1: 28)، ومساعدته على إنشاء علاقة خاصة معه وتجسيد شخص المسيح وتعاليمه في كل ميادين العالم ومرافق الحياة.

فأين نجد الكنيسة إذًا؟ نجدها أوّلاً حيث يعمل روح المسيح. ومن يمثّل الكنيسة؟ يمثلها أولاً الذين يجسّدون في حياتهم حياة المسيح، كهنة كانوا أم علمانيين. فإنّ كل مسيحي يمثّل الكنيسة بقدر ما يحيا حياة المسيح.

إنّ كرامة أبناء الله تسبق وتفوق الكرامة الناجمة عن الكهنوت والأسقفية. وهذا ما أشار إليه المجمع الفاتيكاني الثاني في دستوره العقائدي "في الكنيسة"، عندما تكلّم في الفصل الثاني عن "شعب الله" قبل أن يعرض في الفصل الثالث "نظام السلطة في الكنيسة ولا سيّمَا الأسقفيّة". إنّ هذا الترتيب قد أراده آباء المجمع للتأكيد أنّ أوّلية "الكيان المسيحي" بالنسبة إلى نظام السلطة في الكنيسة، لا سيّمَا أنّ السلطة هي "في خدمة جميع المنتمين إلى شعب الله لينعموا بالكرامة المسيحية الحقة" (رقم 18 من الدستور العقائدي "في الكنيسة").

هكذا صنع يسوع نفسه، إذ جمع أوّلاً حوله تلاميذ، ثم اختار من بينهم اثني عشر رسولاً، وبعد ذلك اختار بطرس من بين الاثني عشر ليثبّت إخوته ويرعى شعبه.

إنّنا بتأكيدنا أنّ الكنيسة تتمثّل أوّلاً بالشعب المؤمن، لا نهدف إلى التقليل من أهمّية السلطة في الكنيسة، بل إلى إعادة التوازن في الأهمّية والأدوار بين "الكيان المسيحي" من جهة "والخدمات المتنوعة" من جهة أخرى "لتنظيم القدَيسين في سبيل بنيان جسد المسيح"، حسب قول بولس الرسول (أف 4: 12).

ونضيف الآن أنّ الكنيسة تتمثّل أيضاً في السلطة الكنسية، ولا سيّمَا في الأساقفة الذين يكمّلون كرازة الرسل أساس الكنيسة: "أنتم بناء أساسه الرسل والأنبياء، ورأس الزاوية المسيح يسوع نفسه" (أف 2: 20). وسنتوسّع في ذلك في حديثنا عن "رسولية" الكنيسة.



رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
ظهور الثالوث المطران نيقولا صوّاف
دراسة مقدمة العالِم باين سميث لترجمته لكتاب شرح القديس كيرلس لإنجيل لوقا
الله الخالق : للمطران كيرلس سليم بسترس
كتاب مريم العذراء للمطران كيرلس سليم بسترس
قراءة مباشرة لكتاب لقب إبن الإنسان هل يدل على أن المسيح إنسان فقط؟ للقمص عبد المسيح بسيط


الساعة الآن 10:11 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025