شرح الكتاب المقدس - العهد القديم - يشوع 7 - تفسير سفر يشوع
آية (1): "وخان بنو إسرائيل خيانة في الحرام فأخذ عخان بن كرمي بن زبدي بن زارح من سبط يهوذا من الحرام فحمي غضب الرب على بني إسرائيل."
انتصر الشعب على أريحا المدينة الضخمة المحصنة، ثم استداروا على عاي وهي غرب أريحا، وكانت عاي الهدف التالي الطبيعي بعدها وهي بقرب بيت إيل. وأريحا وعاي وسط الأرض وبذلك يفصلوا الشمال عن الجنوب في كنعان فيسهل عليهم ضرب الشمال منفردًا والجنوب منفردًا. وحينما سقطت عاي في أيديهم إمتلكوا جبال عيبال وجرزيم فنفذوا وصية البركات واللعنات التي أمر بها موسى (تث11:27-26). وكانت عاى صغيرة جدًا بالنسبة لأريحا فاستخف بها الشعب الذي هزم أريحا ولكنهم فوجئوا بهزيمتهم والسبب خطية "عخان بن كرمي" ومعنى كلمة عخان متعب أو مزعج وسمى فيما بعد عخار (1أي7:6) بمعنى مكدر.
والخطية كانت خطية فرد واحد لكن الهزيمة كانت للشعب. فالشعب جسد واحد فإذا أخطأ عضو في هذا الجسد جاءت العقوبة على الجميع. وعاي تمثل الخطايا الصغيرة التي يستهين بها الإنسان القوي (الذي هزم خطايا كبيرة مثل أريحا) فتسقطه ويتحطم بسببها لأن هناك حرامًا تسلل إلى قلبه. ولنلاحظ كبرياء الشعب أنهم ظنوا أنه بقوتهم وتقواهم هزموا أريحا وليس بمعونة الله لذلك سقطوا أمام عاي الصغيرة لأن في وسطهم حرام (خطية عاخان + كبريائهم) فلم يعد الله في وسطهم. ولنفهم أن الغلبة هي من الله والفشل هو بسبب شرنا (1كو27:9 + نش15:2) وربما يقدم لنا الشيطان خطايا صغيرة على أنها تافهة كنظرة شريرة أو شهوة تكون سببًا لسقوطنا. وعلى الكنيسة أن تعزل من يصر على خطاياه حتى لا يصبح سببًا في عقاب الجميع (1تي20:5 + 1كو13:5 + 1كو5:5).
آية (2): "وأرسل يشوع رجالا من أريحا إلى عاي التي عند بيت أون شرقي بيت إبل وكلمهم قائلًا اصعدوا تجسسوا الأرض فصعد الرجال وتجسسوا عاي."
بيت أون= تعني بيت البطل أو الباطل بسبب أوثانها. وهي نفسها بيت إيل لكنها صارت بسبب أوثانها كريهة وتغير اسمها بسبب ذلك (هو15:4) ولاحظ في هذه الآية أننا لم نسمع صوت الرب يعلن شيئًا ليشوع، ولا استشار يشوع الرب قبل إصعاد رجال للتجسس أو تحديد عدد رجال الحرب. ولو فعل يشوع لأخبره الرب بأن هناك حرامًا في وسطه، والرب صمت ليعطي درسًا للشعب على كبريائهم.
آية (3): "ثم رجعوا إلى يشوع وقالوا له لا يصعد كل الشعب بل يصعد نحو ألفي رجل آنية ثلاثة آلاف رجل ويضربوا عاي لا تكلف كل الشعب إلى هناك لأنها قليلون."
نلاحظ هنا نغمة الكبرياء والاستهانة، وحقًا كان سكان عاي قليلون، لكن شعب الله بعد أن تخلى عنهم الله وفارقهم صاروا كلا شيء، والجواسيس أخطأوا فهم تطلعوا بمنظار بشري وتجاهلوا فقدانهم سر نصرتهم الخفي ألا وهي الحياة المقدسة في الرب.
لا تكلف= هم تصوروا أن الله سيهدم لهم سور عاي ويدخلوا دون جهاد مثل المرة الأولى فبدأوا يبحثون عن راحة الشعب والله أراد أن يعطيهم درسًا في أهمية الجهاد حتى الدم مقاومين ضد الخطية وأن يكونوا يقظين أمام كل خطية مهما بدت صغيرة. لذلك في كل خطية مهما بدت بسيطة علينا أن نلجأ لله للمعونة (حسد للآخرين/ كذب أبيض/ حلفان....) ولكن من المهم أيضًا الجهاد لذلك طلب الرب منهم بعد ذلك أن يصعد جميع رجال الحرب (1:8) فلا معنى للتراخي والكسل. ونلاحظ أن من دخل الحرب من جيش إسرائيل 30.000 فقط ولكن كل رجال الحرب كانوا مستعدين متنبهين وهكذا يجب أن نكون في جهادنا الروحي. بل يجب أن نأخذ درسًا آخر ففي أفراح الغلبة يجب دائمًا أن تكون مقترنة بأن نتمم خلاصنا بخوف ورعدة، ونلاحظ أن انكسارهم أمام عاي سيعطيهم الخوف والرعدة، بل سيفهموا أن الانتصار ليس بقوتهم بل بوجود الله في وسطهم وذلك لن يكون سوى بقداستهم.
الآيات (4،5): " فصعد من الشعب إلى هناك نحو ثلاثة الاف رجل وهربوا امام اهل عاي. فضرب منهم أهل عاي نحو ستة وثلاثين رجلا ولحقوهم من أمام الباب إلى شباريم وضربوهم في المنحدر فذاب قلب الشعب وصار مثل الماء."
هذا فعل الخطية فهي تحطم الشعب كله وتفقده شجاعته وقوته وتُصيّر قلبه كالماء.
آية (6): "فمزق يشوع ثيابه وسقط على وجهه إلى الأرض أمام تابوت الرب إلى المساء هو وشيوخ إسرائيل ووضعوا ترابا على رؤوسهم."
يشوع كرمز للمسيح يقف كشفيع عن الشعب أمام الله ومزق ثيابه= أخلى ذاته.
آية (7-9): " وقال يشوع اه يا سيد الرب لماذا عبرت هذا الشعب الاردن تعبيرا لكي تدفعنا الى يد الاموريين ليبيدونا ليتنا ارتضينا وسكنا في عبر الاردن. اسالك يا سيد ماذا أقول بعدما حول إسرائيل قفاه امام اعدائه. فيسمع الكنعانيون وجميع سكان الأرض ويحيطون بنا ويقرضون اسمنا من الأرض وماذا تصنع لأسمك العظيم."
يقرضون اسم شعبك= حينما يدرك الوثنيون أن الله تخلى عن شعبه يأتون ليضربوا الشعب ويبيدوه فيبيدوا اسم إسرائيل.
الآيات (10-13): "فقال الرب ليشوع قم لماذا أنت ساقط على وجهك. قد اخطأ إسرائيل بل تعدوا عهدي الذي أمرتهم به بل اخذوا من الحرام بل سرقوا بل أنكروا بل وضعوا في أمتعتهم. فلم يتمكن بنو إسرائيل للثبوت أمام أعدائهم يديرون قفاهم أمام أعدائهم لأنهم محرومون ولا أعود أكون معكم أمروهم لم تبيدوا الحرام من وسطكم. قم قدس الشعب وقل تقدسوا للغد لأنه هكذا قال الرب اله إسرائيل في وسطك حرام يا إسرائيل فلا تتمكن للثبوت أمام أعدائك حتى تنزعوا الحرام من وسطكم."
نلاحظ تكرار كلمة قم فيشوع كرمز للمسيح، الله يقول له قم بعد أن مزق ثيابه كما أقام الله المسيح بعد أن مات ودفن. ثم يقول له قم قدس الشعب. فالمسيح بقيامته يقيمنا معه بلا خطية ويرسل لنا روحه القدوس ليقدسنا.
الآيات (14،15): "فتتقدمون في الغد بأسباطكم ويكون أمروهم السبط الذي يأخذه الرب يتقدم بعشائره والعشيرة التي يأخذها الرب تتقدم ببيوتها والبيت الذي يأخذه الرب يتقدم برجاله. ويكون الماخوذ بالحرام يحرق بالنار هو وكل ما له لانه تعدى عهد الرب ولانه عمل قباحة في إسرائيل."
غالبًا ما استخدموا القرعة لتحديد السبط ثم العشيرة..
وكانت هذه طريقة يهودية معروفة، أو كان ذلك بواسطة الأوريم والتميم. ونلاحظ أنه ما كان يمكن للشعب أن يتمتع بالحياة المقدسة إن لم تنزع منهم الخميرة الفاسدة التي تفسد العجين كله (1كو6:5).
الآيات (16-18): "فبكر يشوع في الغد وقدم إسرائيل بأسباطه فاخذ سبط يهوذا. ثم قدم قبيلة يهوذا فأخذت عشيرة الزارحيين ثم قدم عشيرة الزارحيين برجالهم فأخذ زبدي. فقدم بيته برجاله فأخذ عخان بن كرمي بن زبدي بن زارح من سبط يهوذا."
لاحظ طول المدة فالله لم يحدد اسم عاخان أولًا ليعطيه فرصة للندم والتوبة.
آية (19): "فقال يشوع لعخان يا ابني أعط الآن مجدًا للرب إله إسرائيل واعترف له واخبرني الآن ماذا عملت لا تخف عني."
يشوع بمحبة أبوية يدعوه للاعتراف أمام الله وأمامه بصورة علنية وهذا هو مفهوم سر الاعتراف في الكنيسة. ولم يكتف يشوع بأن يقول له "اعترف أمام الله فقط".
آية (20): "فأجاب عخان يشوع وقال حقًا أني قد أخطأت إلى الرب إله إسرائيل وصنعت كذا وكذا."
وكان اعتراف عاخان فيه أنه يعطي مجدًا لله. فهو يعترف بخطيته ويبرر الله فيما فعله. وقد يكون الله قد قبل توبة عاخان لكنه نفذ فيه العقوبة الأرضية فيهلك الجسد حتى تخلص الروح في يوم الرب. وكان سبب أن الله أوقع العقوبة عليه بالرغم من اعترافه:-
1. كان هذا التصرف هو الأول من نوعه بعد دخولهم كنعان فأراد الله أن يعطيهم درسًا يبرز فيه بشاعة الخطية مؤكدًا ضرورة بترها. وهذا نفس ما حدث مع ابني هرون ومع حنانيا وسفيرة. فمع كل بداية حتى لا يحدث تهاون يعلن الله رغبته في قداسة الجماعة.
2. عاخان تمتع بالبركات الإلهية ورأي إنشقاق الأردن وإنهدام أسوار أريحا.
3. تعجله للمكسب المادي بينما لو انتظر لكان الله أغناه كثيرًا عوضًا عن الغنى الحرام؟
4. مع طول مدة القرعة لم يعترف، أي لم يبادر بالاعتراف من نفسه قبل أن تظهره القرعة.
آية (21): "رأيت في الغنيمة رداء شنعاريا نفيسا ومئتي شاقل فضة ولسان ذهب وزنه خمسون شاقلًا فأشتهيتها وأخذتها وها هي مطمورة في الأرض في وسط خيمتي والفضة تحتها."
لاحظ تسلسل خطوات الخطية [1] رأيت.. [2] فإشتهيتها.. [3] وأخذتها. فالعثرة تبدأ بالرؤية غير المقدسة فالشهوة فالعمل ثم محاولة إخفاء الجريمة.. [1] وها هي مطمورة وهذا هو ما حدث مع حواء رؤية فشهوة فتنفيذ واختباء من أمام الله.. وكان الذي أخذه عاخان أشياء تعتبر ثمينة ولكن ما الذي استفاده عاخان؟ لقد ظن أن هذه الأشياء هي فرصة ثمينة ولكن لننظر ما الذي خسره.. [1] خسر ما سرقة من الله [2] خسر ميراثه في أرض يهوذا [3] خسر حياته وكل مقتنياته بل ربما أبديته. ونفس السؤال يوجه لكل من يعتبر الخطية فرصة ثمينة لا تعوض. وكانت المسروقات.
1. رداءً شنعاريًا نفيسًا= وهو من أحسن الملابس في هذا الوقت. وهو يشير لشهوة الجسد والتنعم بأمور الأمم وملذاتهم وشهواتهم (شنعار هي بابل).
2. 200 شاقل فضة= تشير لمحبة المال. والفضة تشير لكلمة الله وكونه طمرها فهذا يشير لأنه لم يستفد من كلمة الله التي كانت من الممكن أن ترفعه للفكر السماوي.
3. لسان ذهبي= يشير للسان الذي لا يسبح الله بل يتذمر عليه متكبرًا في فلسفة عالمية براقة وفي كلمات صعبة (دا 8:7 + 11:7 + 25:7 + 20:7).
4. خمسين شاقلًا= الخمسين رقم يتكلم عن الحرية (اليوبيل) ويتكلم عن حلول الروح القدس يوم الخمسين وهو أي عاخان طمرها في التراب، فهذا يمثل من أخذ الحرية وأخذ مواهب الروح القدس واستخدمها فرصة للجسد وتصرف في إباحية واستهتار.
الآيات (22-24): " فارسل يشوع رسلا فركضوا إلى الخيمة واذا هي مطمورة في خيمته والفضة تحتها. فاخذوها من وسط الخيمة واتوا بها إلى يشوع والى جميع بني إسرائيل و بسطوها امام الرب. فأخذ يشوع عخان بن زارح والفضة والرداء ولسان الذهب وبنيه وبناته وبقره وحميره وغنمه وخيمته وكل ما له وجميع إسرائيل معه وصعدوا بهم إلى وادي عخور."
وادي عخور= نسبة لعاخان أو عاخار ومعناه وادي الكدر والإزعاج، راجع (أش10:65) حيث يتحول غضب الله إلى رضي الله.
لاحظ أن يشوع أخذ عاخان وبنيه وبناته ولم يقل زوجته، فهي إما ماتت أو هي كانت غير موافقة لزوجها فيما فعله. وفي (أية15) كان أمر الله بحرق المأخوذ بالحرام هو وكل ما له أي كل ما اقتناه وليس أولاده. فالله يعاقب الشخص المخطئ ولا يعاقب أولاده الأبرياء (تث16:24). وغالبًا قوله وبنيه وبناته لا يفهم رجمهم إلا لو كانوا قد اشتركوا مع أبيهم، ولكن سياق الكلام لا يدل على هذا ففي (آية 25) يقول فرجمه ولم يقل رجموهم. ويكون قوله وأحرقوهم بالنار في (آية 25) عائدة على كل مقتنيات عاخان ويكون معنى أخذ بنيه وبناته معه كشهود لما يحدث من محاكمة وعقاب.
الآيات (25،26): "فقال يشوع كيف كدرتنا يكدرك الرب في هذا اليوم فرجمه جميع إسرائيل بالحجارة واحرقوهم بالنار ورموهم بالحجارة. واقاموا فوقه رجمة حجارة عظيمة إلى هذا اليوم فرجع الرب عن حمو غضبه ولذلك دعي اسم ذلك المكان وادي عخور إلى هذا اليوم."
يكدرك الرب= هذه ليست بمعنى التمني والدعاء ولكنها حكم على عاخان، هي جملة خبرية فيها يخبر يشوع عاخان بما قرره الله ضده كحكم عادل.
</B>