"وبالإجماع عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد ..."
(1تى3: 16)
نعم "الله ظهر في الجسد" .. الله الذي في جوهر لاهوته "لم يره أحد من الناس، ولا يقدر أن يراه" (1تى6: 16) . لكنه، له المجد، سبق وفى شبه إنسان مرة، وفى شبه ملاك مرة أخرى، سُرَّ أن يُظهر ذاته للبشر، فقيل عنه "ظهر إله المجد لأبينا إبراهيم وهو فيما بين النهرين ..." (أع7: 2) ، ثم عند بلوطات ممرا (تك18). كذلك كان يتكلم مع موسى "وجهاً لوجه" (خر33: 11) . لقد تفضل متنازلاً في غنى نعمته وأعلن ذاته بظهوره في هيئة الإنسان ظهوراً وقتياً في العهد القديم قبل التجسد، رغم أنه في جوهر لاهوته لا يُرى.
إن هذا عجيب ولا شك. وكم هو أعجب أن يتنازل له المجد، عن طريق التجسد الفعلي، فيظهر في الجسد - لا إلى حين، بل إلى الآن! لأنه من وقت أن تجسد سيظل ظاهراً في الجسد إلى أبد الآبدين، كما قيل عنه "فإنه فيه يحل كل ملء اللاهوت جسدياً" (كو 2: 9 ) .
وماذا كان أول مظهر له في الجسد؟ "طفلاً مقمطاً مضجعاً في مذود" (لو 2: 12 ) - يا لروعة هذا المشهد! على أنه تم في حدود المألوف ظاهرياً، ولم يكن فيه أية ظاهرة غريبة، ولكنه كان ينطوي على حوادث سرية أبعد من أن تراها عين بشرية، فقد تمت نبوات وجرت على الأرض عجائب وآيات - كما هو مكتوب "ولكن يعطيكم السيد نفسه آية، ها العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه عمانوئيل" (لو 2: 12 ) "الذي تفسيره الله معنا" (لو 2: 12 ) .
فالذي أحاطت بحدود مظهره طولاً وعرضاً، يدا امرأة، هو الذي قيل له "هوذا السماوات وسماء السماوات لا تسعك" (1مل 8: 27 ) . ألم يكن في ذلك عجب؟ نعم. وكل العجب، لهذا بادرت السماء فأرسلت فرقة من جندها أدت له تحية الاستقبال التي دوى رنينها حينئذ في قبة السماء، ولا تزال أصداؤها تدق على أوتار القلوب، وكأن الملائكة لازالت تشدو "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة" (1مل 8: 27 ) .
إن الطفل الذي حواه مذود بيت لحم، بالناسوت، هو الذي "عمل العالمين" باللاهوت (عب 1: 2 ) هو الذي "كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان" (عب 1: 2 ) . حقاً "عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد". وكيف لا نكون أتقياء، وقد بدأ الرب الطريق لعمل الخلاص لنا بهذا التواضع الفريد "آخذاً صورة عبد" (عب 1: 2 ) .