08 - 10 - 2012, 09:02 PM | رقم المشاركة : ( 21 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
رد: موضوع متكامل لتفسير سفر اشعياء النبى كتابيا
تفسير الكتاب المقدس - العهد القديم
اشعياء 17 - تفسير سفر أشعياء *وحيّ من وجه دمشق وآفرايم ليس عند الله محاباة، فإن كان يؤدب الأمم الوثنية مثل موآب لجحدها الإيمان وعجرفتها وتجديفها عليه فإنه يؤدب إسرائيل (أو آفرايم- العشرة أسباط) لأنها تحالفت مع آرام أو سوريا (عاصمتها دمشق) ضد يهوذا متكئين على فرعون مصر ضد آشور. لهذا سمح الله لملك آشور أن يهجم على آرام وآفرايم ويغلبها سريعًا. هذا وقد وجدت علاقات بين دمشق (آرام) وإسرائيل منذ القدم. لقد أوكل إبراهيم الذي في صلبه إسرائيل كل بيته في يدي عبده لعازر الدمشقي؛ وفي أيام أليشع النبي جاء نعمان السرياني لينعم بالشفاء من برصه في مياه الأردن، كما جاءت المرأة الكنعانية السورية إلى السيد المسيح تطلب منه شفاء ابنتها، وكرز التلاميذ في دمشق، وظهر السيد المسيح لشاول الطرسوسي بالقرب من دمشق. 1. تدمير دمشق [1-2]. 2. هزيمة آفرايم [3-11]. 3. هجوم الأعداء [12-13]. 1. تدمير دمشق: تعتبر من أعرق المدن، ورد ذكرها في أيام إبراهيم (تك 14: 15)؛ غزاها داود الملك وأقام فيها حامية (2 صم 8: 5-6؛ 1 أى 18: 5-6). قام رزون وتمكن من تأسيس المملكة السورية ودامت الحرب بينها وبين إسرائيل زمانًا طويلاً لكنهما تحالفا معًا فيما بعد ضد يهوذا وآشور. وقد تعرضت للهزيمة عدة مرات، ففي سنة 843 ق.م. هاجم شلمناصَّر دمشق وهزم ملكها حزائيل، كما هاجمها تغلث فلاسر سنة 732 ق.م.، وقتل ملكها رصين وقاد شعبها إلى السبي (2 مل 16: 5-9؛ إش 7: 1-8؛ عا 1: 3-5). انتقلت بعد ذلك من الآشوريين إلى الكلدانيين ثم إلى الفرس فاليونانيين المقدونيين فالرومان على يدي ميتللوس عام 64 ق.م. لتصير سوريا مقاطعة رومانية عام 63 ق.م. إن كانت دمشق قد تحالفت مع آفرايم ضد يهوذا، فقد حلت العقوبة على دمشق وآفرايم معًا. وهما يمثلان قوى العالم الشريرة المقاومة للحق كما جاء في سفر الرؤيا: "ثم سكب الملاك الرابع جامه على الشمس فأُعطيت أن تحرق الناس بنار، فاحترق الناس احتراقًا عظيمًا وجدفوا على اسم الله الذي له سلطان على هذه الضربات ولم يتوبوا ليعطوه مجدًا" (رؤ 16: 19). "هوذا دمشق تُزال من بين المدن وتكون رجمة ردم؛ مدن عروعير متروكة، تكون للقطعان فتربض وليس من يخيف" [1-2]. كانت دمشق مزدهرة جدًا حتى حاصرها تغلث فلاسر الآشوري وقتل ملكها وسبى شعبها فصارت أشبه برجمة خربة. أما عروعير، فتوجد 3 مدن على الأقل تحمل ذات الاسم [عروعير اسم موآبي معناه "عارية" أو "عرى"]، وهي: مدينة في موآب تُسمى حاليًا عراعير، تبعد حوالي اثنى عشر ميلاً شرقي البحر الميت، جنوبي ديبان بقليل، وشمال نهر أرنون؛ وقرية في القسم الجنوبي من اليهودية (1 صم 30: 28) تسمى حاليًا عرعارة على بعد اثنى عشر ميلاً جنوب شرق بئر سبع، والثالثه وهي المقصودة هنا[221] مدينة في جلعاد بالقرب من ربة التي هي ربة عمون (يش 30: 25، قض 11: 33) عمان عاصمة الأردن. دمشق وعروعير يمثلان النفس المتشامخة على الله والمتحالفة مع الغير ضد كنيسته، فإنه وإن كان الله يتركها زمانًا لتظهر قوية وناجحة ومزدهرة، لكنها تعود فتنهار من جانبين: أ. تتحول من مدينة عظيمة إلى رجمة خربة، أي تفقد حياتها، لأنها تعتزل الله نفسه مصدر الحياة. ب. تتحول كعروعير من مسكن للناس (مع الله) إلى مرعى للقطعان والحيوانات، وكأن مقاومتنا للحق تفقدنا كرامتنا وتحول حياتنا إلى ملهى لكل حيوان، فنحمل الطبيعة الحيوانية الجسدانية. لهذا يُسبّح القديس مار إفرآم السرياني طفل المزود قائلاً: [المجد لذاك الذي نظر إلينا كيف أننا قبلنا أن نُشابه الوحوش في هياجنا وجشعنا، فنزل إلينا وصار واحدًا منا حتى نصير نحن سمائيين[222]]. 2. هزيمة آفرايم: تزعمت دمشق فكرة التحالف ضد يهوذا لهذا استحقت أن تُعاقب أولاً، وإذ ضعفت إسرائيل وخضعت للمشورة استحقت هي أيضًا التأديب القاسي مع فتح باب الرجاء أمامها وإعلان وجود بقية أمينة ومخلصة تتمتع بخلاص الله. تقدم النبوّة الثمرة الطبيعية للتحالف الشرير الذي فيه اتكاء على الذراع البشري والفكر الإنساني البحت مع تجاهل العمل الإلهي، هذه الثمرة هي عقوبة طبيعية يسقط تحتها الإنسان في شره: أ. فقدان الحصانة: "يزول الحصن من آفرايم" [3]؛ "في ذلك اليوم تصير مدنه الحصينة كالردم في الغاب والشوامخ التي تركوها من وجه بني إسرائيل فصارت خرابًا" [9]. إن كان الله إله خلاصنا هو صخرة حصننا [10] فإن اعتزالنا إياه ورفضنا لعمله هو زوال للحصن الحقيقي... عندئذ لا تقدر الحصون أن تحمي مدينتنا الداخلية بل تصير كردم في وسط الغاب بلا قيمة وكشوامخ متروكة لها المظهر الخارجي دون قوة العمل! الله هو حصننا الذي فيه نلتجىء فتستريح أعماقنا، عندئذ لا تقدر كل قوى الظلمة أن تتسلل إلينا. ب. فقدان المجد الداخلي: "ويكون في ذلك اليوم أن مجد يعقوب يُذل" [4]. إن كان مجد ابنة الملك من الداخل (مز 45)، فإن سر مجدها هو مسيحها الساكن فيها، الذي يُقيم ملكوته داخلها. بالمسيح يسوع نتمجد ليس فقط أمام الناس وإنما أيضًا أمام الآب، إذ يقول القديس جيروم: [تطلع إلينا، فإنك ترى ابنك الساكن فينا[223]]. ج. فقدان القوة: "وسمان لحمه تهزل" [4]، لهذا يقول السيد المسيح: "بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا" (يو 15: 5). * لا نقدر أن نجري في طريق الله ما لم نكن محمولين على أجنحة الروح[224]. * ليس أقوى من الذي يتمتع بالعون السماوي كما أنه ليس أضعف من الذي يُحرم منه[225]. * لا نخشى شيئًا، فإننا لكي نقهر الشيطان يلزمنا أن نعرف أن مهارتنا لن تُفيد شيئًا، وأن كل شيء هو من نعمة الله[226]. القديس يوحنا الذهبي الفم د. فقدان الثمر، فقد عرف وادي رفايم بخصوبة أرضه ووفرة ثماره ومحصولاته، لكن بسبب الأعداء لا يتبقى لآفرايم إلاَّ أن يلتقط السنابل الساقطة وراء الحصادين ويجمع ما تبقى في رأس الفروع من شجر الزيتون حبتين أو ثلاث فقط [5-6] أي يصيروا كالفقراء الذين ليس لهم ما يحصدونه (تث 24: 20). إنهم يُسيّجون الحقول ويزرعون ولكن في وقت الحصاد يأتي العدو ليغتصب تاركًا لهم ما يسقط منه على الأرض، فتتحول أعياد الحصاد إلى أزمنة للكآبة وعدم الرجاء [11]. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). بمعنى آخر يفقدون تعب جهادهم ويخسرون فرحهم وسلامهم. الآن نتساءل: لماذا يسمح الله لآفرايم بهذا الذل؟ لكي يرجع إلى الله خالقه عوض مشاركة الأراميين مشوراتهم الشريرة وعبادتهم الوثنية ورجاساتهم الدنسة، إذ يقول:"في ذلك اليوم يلتفت الإنسان إلى صانعه وتنظر عيناه إلى قدوس إسرائيل، ولا يلتفت إلى المذابح صنعه يديه، ولا ينظر إلى ما صنعته أصابعه السواري Asherahs والشماسات hammanum " [7-8]. السواري هنا تعني التماثيل والصور الخاصة بإلهة الحب والجمال (عشتار) المقابلة لأفروديت[227]، إذ كانت توضع على سواري (أشبه بأعمدة من خشب). تُحسب هذه الإلهة زوجة ورفيقة للإله بعل، لذا يُحاط مذبحه بمجموعة من الأشجار أو السواري تحمل تماثيل الإلهة إشارة إلى خصوبتها[228]. كانت هذه السواري والأشجار تحمل معاني جنسية إباحية لذا اختلطت العبادة بالنجاسة كجزء لا يتجزأ منها (خر 34: 13؛ تث 16: 21؛ قض 6: 25؛ 2 أى 34: 4-7؛ مى 5: 14). سمح الله بتأديب شعبه لكي لا يُدنس نظرته للجنس بل يرتفع بقلبه وفكره نحو الله الذي فوق الجنس والذي يهبنا قدسية للحياة الزوجية والعلاقات الجسدية[229]. أما بالنسبة للشماسات[230] فقد ترجم البعض الكلمة العبرية بمعنى آلهة الشمس sun-gods والبعض ترجمها بعل هامان وهو إله الشمس السرياني، كما ترجمها آخرون "مذبح البخور" حيث كان يُقدم البخور لإله الشمس، لذا جاء هذا التعبير خاصًا بالعبادة الوثنية متمايزًا عن البخور المقدس الذي يُقدم في الهيكل. 3. هجوم الأعداء: يشبه الأعداء بالبحر الذي لا يمكن مقاومته... فقد سمح الله للشعوب الكثيرة أن تنزل على آفرايم كمياه كثيرة تغرقه، ومع هذا فإن الله قد وضع للبحر حدًا. يسمح له أن يغرق إلى حدّ معين وإلى حين، إذ يحفظ القلة الأمينة من أولاده من ثورة البحر وهياجه. في تصوير رائع يقول: "آه ضجيج شعوب كثيرة... قبائل تهدر كهدير مياه كثيرة، ولكنه ينتهرها فتهرب بعيدًا وتُطرد كعصافة الجبال أمام الريح وكالجل أمام الزوبعة، في وقت المساء إذا رعب، قبل الصبح ليسوا هم. هذا نصيب ناهبينا وحظ سالبينا" [12-14]. يسمح الله للأعداء أن يهجموا كمياه بحار غزيرة لا يقف أحد أمامها، لكنه إذ ينتهرها تصير كعاصفة في مهب الريح على الجبال ليس لها موضع استقرار ولا قدرة على المقاومة، أو كعجلة مدحرجة أمام زوبعة لا يمكن إيقافها. عدونا عنيف للغاية متى تركنا أنفسنا بين يديه سحبنا في دوامته لنغرق في أعماق بحره، لكننا متى اختفينا في الرب يصير العدو كلا شيء أمامنا، ينسحب كعصافة أمام ريح الروح القدس الناري، ويتدحرج أمام كلمة الله الفعّال. لذلك يقول: "في وقت المساء رعب" [14]، بمعنى أنه متى غاب شمس البر عن حياتنا تحل الظلمة فينا ونصير كما في المساء ليجد العدو له فينا موضعًا فيرعبنا، أما قبل الصبح، أي في الفجر، حيث يشرق فينا مسيحنا يصير العدو كلا شيء ويُحسب غير موجود. هذا هو نصيبه فقد سبق أن نهبنا حياتنا وسلبنا مجدنا لكنه يعود فيتحطم أمام الساكن فينا. |
||||
08 - 10 - 2012, 09:02 PM | رقم المشاركة : ( 22 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
رد: موضوع متكامل لتفسير سفر اشعياء النبى كتابيا
اشعياء 18 - تفسير سفر أشعياء
كوش تقدم هدية الله يعتبر هذا الأصحاح من أكثر الأصحاحات غموضًا في الكتاب المقدس. يرى قلة من الدارسين أن الحديث هنا يخص آشور أما الغالبية فترى أن الحديث أما الغالبية فترى أن الحديث إما يخص مصر أو أثيوبيا. وقد رفض البعض نسبته إلى مصر بحجة أن الوحي الخاص بمصر جاء في الأصحاح التالي مبتدئًا بالقول "وحي من جهة مصر" (إش 19: 1). يُقصد بكوش جنوب مصر، حاليًا النوبة والسودان وأثيوبيا، وكان ملكها القدير ترهاقة (2 مل 19: 9) قد ملك على كوش ومصر؛ هذا بعث برسل على سفن صغيرة مصنوعة من حلف البردي إلى يهوذا طالبًا التحالف معه ضد سنحاريب ملك آشور. لقد أراد النبي أن يؤكد أن كان كوش يطلب تحالفًا ضد قوى آشور المتزايدة، فإن كوش ومعها مصر ستأتي إلى أورشليم مع بقية الأمم لتتعبد خاضعة لرب الجنود. بمعنى آخر الله لا يحتاج إلى تحالفات بشرية ضد قوى الشر إنما هو حصن منيع لكل الأمم التي تترجاه وتتعبد له . 1. إرسالية من كوش [1-6]. 2. كوش تقدم هدية لله [7]. 1. إرسالية من كوش: يوجه النبي حديثه إلى كوش قائلاً: "يا أرض حفيف الأجنحة التي في عبر أنهار كوش" [1]. ماذا يقصد بأرض حفيف الأجنحة؟ أ. يرى البعض أنها إشارة إلى السلطان الإمبراطوري الذي كان يبسط جناحيه على كل أرض كوش وما حولها. وقد استخدم الكتاب المقدس هذا التشبيه مرارًا كثيرة، فقيل عن ملك آشور "يكون بسط جناحيه ملء عرض بلادك يا عمانوئيل" (إش 8: 8). كما شبه ملك آشور بنسر عظيم ذي منكبين (حز 17). ب. يرى بعض الدارسين أن حفيف الأجنحة يُشير إلى سلطان مصر وعظمتها، وآخرون يروا إنها بريطانيا العظمى التي حملت أمجادًا عظيمة عبر البحار وآخرون حسبوها الولايات المتحدة الأمريكية التي تتخذ النسر شعارًا لها[231]. ج. يُشير حفيف الأجنحة إلى الحشرات، لذا فهي ترمز إلى كوش كبلاد تشتهر بحشراتها الطائرة؛ خاصة وأن الكلمة العبرية هنا silsal استخدمت في (تث 28: 42) عن الحشرات (الصرصر)[232]. د. كلمة sel تعني "ظلاً"، لذا فهي تُشير إلى بلاد قريبة من خط الاستواء حيث يكون الظل مضاعفًا (أو ذات أهمية لشدة الحر)[233]. ه. اعتمد البعض في تفسيرهم على ما جاء في الترجمة السبعينية والترجوم أن حفيف الأجنحة يُشير إلى السفن؛ وكأن النبي يقول بأن سفن أثيوبيا تبحر باسطة شراعاتها كأجنحة الحشرات. اعتاد البحارة أن يدعو الشراع جناحًا[234]. على أي الأحوال بعث ملك أثيوبيا رسلاً خلال سفنه المصنوعة من البردي، وكان على عجلة، لأن العدو على الأبواب ويمثل خطرًا على العالم كله في ذلك الحين. لقد عُرف الأثيوبيون بقدرتهم على التجسس على مواقع الأعداء وتحركاتهم بواسطة سفنهم الصغيرة السريعة، لهذا لم يتوان الملك في التحرك ليدعو يهوذا إلى التحالف ضد خطر آشور المتزايد. كانت إرسالية الملك هي للتحالف، لكنها ليست إرسالية سلام، وإنما إرسالية دعوة للحرب ضد آشور وثورة ضد سنحاريب، الأمر الذي تترقبه كل الشعوب، إذ قيل: "يا جميع سكان المسكونة وقاطني الأرض عندما ترتفع الراية (راية الحرب) على الجبال تنظرون، وعندما يُضرب بالبوق تسمعون" [3]. ليت رسل الإنجيل يحملون ذات الغيرة التي لملك أثيوبيا ورسله، فقد دعوا للانطلاق كي يتحالف الكل معًا لا ضد آشور وإنما ضد عدو الخير حين ترتفع راية الصليب ويُضرب بوق كلمة الله، فتدور المعركة الروحية تحت قيادة الكلمة الإلهية المتجسد المصلوب، يحملنا فيه ويخفينا في جنبه المطعون واهبًا إيانا روح الغلبة والنصرة. لقد دخل المعركة خلال تجربته على الجبل وانتصر باسمنا ولحسابنا، وبقى يُجاهد من أجلنا حتى أكمل جهادة بالصليب. * أعطانا الرب بمثاله كيف نستطيع أن ننتصر حين جُرب هو. الأب سرابيون[235] * يسوع قائدنا سمح لنفسه بالتجربة حتى يعلم أولاده كيف يحاربون. القديس أغسطينوس[236] يقول النبي: "اذهبوا أيها الرسل السريعون إلى أمة طويلة وجرداء، إلى شعب مخوف منذ كان فصاعدًا، أمة قوة وشدة ودوس قد خرقت الأنهار أرضها" [2]. يرى البعض أن الوصف هناك ينطبق على الأثيوبيين أو الآشورين أو الماديين... لكن الإرسالية كانت موجهة إلى شعب الله الذي دُعى "شعب مخوف"، لأن إلهه إله مخوف (خر 23: 27؛ 34: 10، تث 28: 58؛ يش 2: 9؛ مز 139: 14). إنه شعب مخوف منذ كان، أي منذ بداية نشأته، إذ خرج من مصر بيد قوية وذراع رفيعة. أما قوله "قد خرقت الأنهار أرضها" [2] فيُشير إلى خطورة موقفها، لأن العدو مزمع أن يُهاجمها فيكون كنهر جارف، ووصفها "أمة طويلة (ممدودة) وجرداء (حادة)" [2]، جاء في الترجمة السبعينية "أمة مسحوقة وممزقة"... إذ يسحب العدو الشعب كالغنم ويجرونهم إلى السبي فيصيروا مسحولين. إن كان النبي يطلب من الشعب ألا يقبل إرسالية ملك كوش للتحالف معًا، فما هو موقف الله من هجمات آشور على شعبه؟ "لأنه هكذا قال لي الرب: "إني أهدأ وأنظر في مسكني كالحر الصافي على البقل، كغيم الندى في حرّ الحصاد" [4]. يبدو كأن الله هادئًا ساكنًا لا يعبأ بأمورنا، وقد يترك الله ملك آشور المتجبر يدمر ويهلك ويُحطم مدنًا حتى يبلغ إلى أبواب أورشليم عندئذ يعلن الله عن دوره الخفي ويرد ملك آشور خائبًا محطمًا كبرياءه وجيشه. الله ضابط الكل يهتم بكل صغيرة وكبيرة، لكن في طول أناته نظنه قد نسينا أو لا يعبأ بحالنا، فنقول مع المرتل: "لا تتركنا إلى الغاية (كثيرًا)"، فإنه حتى فيما يبدو كأنه تركنا إنما هو يدير الأمر لخلاصنا وبنياننا. يُشبه القديس يوحنا الذهبي الفم الله بمربية تضع يديها في يديْ الطفل الصغير لكي تُدربه على المشي؛ وفجأة تنزع يديها عنه فيسقط ليرفع عينيه نحوها يُعاتبها بدموعه، أما هي فتعود تمسك بيديه... بهذا يتدرب على المشي. إنها تتركه من يديها لكنها لن تتركه عن فكرها أو قلبها. ما ندعوه تركًا هو رعاية، فإن الله ينظر إلينا وسط ضيقتنا فيحول المّر إلى حرّ يعطى نضوجًا للبقول، أو كغيم في حرّ الحصاد يُعطي رطوبة وظلاً... من الظاهر آلام ومن الداخل بنيان وراحة! يرى أيضًا في الضيقات نوعًا من "تقليم الشجر" أي نزع الفروع الزائدة حتى تأتي الشجرة بثمر متكاثر [5]. أخيرًا بعد أن سمح لسنحاريب بالنصرة على كثير من مدن يهوذا حطمه وحطم جيشه قبل دخوله أورشليم، فصارت جثثهم مأكلاً للوحوش والطيور الجارحة [6]، إذ مات في يوم واحد 185 ألفًا من جيش سنحاريب. 2. كوش تقدم هدية لله: إن كانت كوش أو مصر أو غيرها من الأمم يحسبون أنهم قادرون على حماية شعب الله من آشور فستكتشف الأمم جميعًا أنها في حاجة إلى الخارج من سبط يهوذا لكي يحميهم من إبليس وكل أعماله الشريرة؛ فتأتي الأمم التي كانت مضروبة بالتشامخ في خضوع لتقدم هدية لرب الجنود [7] في جبل صهيون، أي في كنيسته. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). رأى إشعياء النبي أعدادًا بلا حصر من الملوك والرؤساء والعظماء يأتون إلى أورشليم يسجدون للملك الحقيقي الذي لم يحمل على رأسه إكليلاً زمنيًا بل إكليل شوك. رأى المؤمنين كملوك روحيين يخضعون لملك الملوك رب المجد يسوع الخارج من سبط يهوذا. |
||||
08 - 10 - 2012, 09:03 PM | رقم المشاركة : ( 23 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
رد: موضوع متكامل لتفسير سفر اشعياء النبى كتابيا
اشعياء 19 - تفسير سفر أشعياء
مبارك شعبي مصر في الأصحاح السابق حث النبي ملك كوش ومصر على تقديم هدية لرب الجنود في جبل صهيون عوض أن يبعث برسله طالبًا التحالف مع شعب الله ضد آشور. أما في هذا الأصحاح فيقدم وحيًا من جهة مصر بكونها تمثل بفرعونها عنف العالم وقسوته، وبخصوبة أرضها إغراءات العالم وترفه، وبأوثانها وهياكلها الاتكال على الحكمة البشرية والقدرات الإنسانية... لقد رأى النبي الرب نفسه قادمًا إلى مصر محمولاً على يديْ القديسة مريم، السحابة البيضاء الخفيفة السريعة ، يأتي في طفولته ليُحطم ببساطته أوثانها وحكماءها وسحرتها، وليقيم مذبحًا له في وسطها، وعمودًا عند تخومها. نبوة صريحة عما حدث بخصوص العائلة المقدسة وأيضًا عن إقامة الكنيسة المسيحية الحية في مصر كشعب مبارك للرب. 1. هروب العائلة المقدسة [1]. 2. تأديب مصر [2-17]. 3. إقامة مذبح للرب [18-25]. 1. هروب العائلة المقدسة: لا نجد بلدًا يتحدث عنه الكتاب المقدس مثل مصر وذلك بعد كنعان، والسبب في هذا أن إسرائيل كأمة وكشعب أقامت في مصر، وعاش اليهود هناك حوالي 400 سنة وأخيرًا خرجوا بذراع رفيعة. بخروجهم خلال دم الحملان صاروا رمزًا للعالم كله المتحرر من عبودية إبليس خلال دم المسيح الذبيح الفريد. صارت مصر تمثل قوة العالم بصفة عامة وبيت العبودية الذي يخلص شعبه منه. افتتح إشعياء نبوته عن مصر بصورة مفرحة تخص مصر، قائلاً: "هوذا الرب راكب على سحابة سريعة وقادم إلى مصر فترتجف أوثان مصر من وجهه ويذوب قلب مصر داخلها" [1]. يرى القديس كيرلس الكبير أن السحابة الخفيفة السريعة (الترجمة السبعينية) هي القديسة مريم التي قدسها روح الرب فصارت خفيفة ومرتفعة تحمل رب المجد يسوع لتهرب به إلى مصر من وجه هيرودس (مت 2: 13- 15)... بدخوله ارتجفت الأوثان واهتزت العبادة الوثنية، وذاب قلب المصريين حبًا ليقبلوه ساكنًا فيهم؛ إذ يقول: [السحابة المتألقة التي حملت الرب يسوع إلى مصر هي أمه العذراء مريم التي فاقت السحاب نقاء وطهرًا. أما المذبح الذي أٌقيم للرب في وسط أرض مصر فهي الكنيسة المسيحية التي قامت على أنقاض الهياكل الوثنية على أثر تزلزل أوثانها وانهيار برابيها أمام وجه الرب يسوع[237]]. لهذا تسبح الكنيسة في عيد دخول السيد المسيح مصر، قائلة: [افرحي وتهللي يا مصر مع بنيها وكل تخومها، لأنه قد أتى إليك محب البشر، الكائن قبل كل الدهور]. إن كانت مصر بفرعونها وعبادتها الوثنية مثلت العالم الوثني القديم في عنفه ورجاساته لكنها أيضًا كانت ملجأ للكثيرين خاصة في فترات الجوع، فجاء إليها أبونا إبراهيم (تك 12: 10)، واستقبلت يوسف المُضطهد من إخوته ليصير الرجل الثاني بعد فرعون يقدم من مخازنها لكل البلاد المحيطة بها، وإليها جاء أبونا يعقوب وبنوه حيث بدأت نواة شعب الله القديم والأسباط الاثنى عشر في داخلها؛ وظهر أول قائد لهم هو موسى العظيم في الأنبياء يسنده أول رئيس كهنة. ومن بين الأنبياء الذين جاءوا إلى مصر أرميا النبي الذي حث الشعب ألا يهربوا إلى مصر فأرغموه على مرافقتهم في رحلتهم إليها (إر 41: 1؛ 43: 7) وقد نطق بنبواته الأخيرة في تحفنيس في مصر (إر 43: 8-44). أما مجيء السيد المسيح السماوي إلى أرضنا فقد أقام كنيسته فيها تصطبغ بروح البركة الربانية، فجاءت عبادتها وطقوسها وألحانها تحمل نغم الحياة السماوية. مصر، التي امتلأت بالعبادة الوثنية حيث أقامت عجل أبيس والقطط والتماسيح والضفادع... آلهة، استقبلت رب المجد فيها فأقام من قلوب المصريين مقدسًا له. تحولت مصر من كونها أكبر معقل للوثنية إلى أعظم مركز للفكر المسيحي والعبادة الروحية والحياة الإنجيلية في فترة وجيزة. تلألأ نجم كنيسة مصر بمدرسة الإسكندرية معلمة اللاهوت وتفسير الكتاب المقدس للعالم المسيحي الأول، وقائدة حركة الدفاع عن الإيمان المستقيم على مستوى مسكوني. ومن مصر انطلقت حركة الرهبنة المسيحية بكل صورها لتسحب قلب الكنيسة إلى البرية، فتمارس الحياة الداخلية الملائكية في نفس الوقت الذي فيه انفتحت أبواب البلاط الإمبراطوري لرجال الدين، وكان الخطر يلاحق الكنيسة حيث يختلط العمل الروحي الكنسي بالسلطة الزمنية والسياسية. حملت كنيسة مصر صليب عريسها عبر الأجيال وقدمت أعدادًا بلا حصر من الشهداء والمعترفين، فاستشهدت أحيانًا مدن بأسرها وتسابق الكثيرون على نوال أكاليل الاستشهاد بفرح وبهجة قلب[238]... 2. تأديب مصر: هروب العائلة المقدسة إلى مصر وإقامة مذبح للرب هناك لا يعني التغطية على شرورها، وإنما على العكس كشف الرب عن ضعفاتها وجراحاتها الروحية حتى ينزع عنها كل ضعف (مملكة الشر) ويقيم ما هو جديد (ملكوت الله). مجيء الرب إليها يعني هدم أوثانها وإزالة رجاساتها لأجل تقديس شعبها. لقد أبرز ثمار الرجاسات القديمة، ألا وهي: أولاً: قيام حروب أهلية، "وأهيج مصريين على مصريين فيحاربون كل واحد أخاه وكل واحد صاحبه مدينة مدينة ومملكة مملكة، وتهراق روح مصر" [2-3]. هذه ثمرة طبيعية لاعتزالها الله واهب السلام الداخلي والحب والوحدة، إذ تحدث حروب على مستوى الأشخاص حتى بين الأصدقاء وعلى مستوى المدن والممالك [إذ وجدت مملكة في مصر العليا وأخرى في مصر السفلى]. الشر يُحطم النفس الداخلية ويدخل بها إلى حالة يأس وإحباط. اعتزالنا الله يفقدنا انسجامنا الداخلي، فتتحول حياتنا الداخلية إلى أرض معركة، فيصارع الجسد ضد الروح، ولا تنسجم الطاقات الداخلية معًا... فيصير القلب جحيمًا لا يُطاق. وعلى العكس عندما يتسلم روح الله القيادة يخضع الإنسان بكليته له فيعيش في انسجام وتناغم، يسند الجسد النفس في تعبدها، وتتقدس الحواس والعواطف لتعمل معًا مع الفكر النقي بإرادة مقدسة صالحة في الرب. ثانيًا: فقدان الحكمة الحقيقية، فقد عرف المصريون كشعب ذكي جدًا[239]، ويشهد الكتاب المقدس أن موسى قد تهذب بكل حكمة المصريين (أع 7: 20)، لكن اعتزالهم الله أفقدهم كل شيء فلم تسعفهم حكمتهم ولا علمهم وحضارتهم فلجأوا إلى الأوثان يطلبون المشورة: "وأفني مشورتها، فيسألون الأوثان والعازفين وأصحاب التوابع والعرافين" [3]. ثالثًا: المعاناة من حكام عتاة [4] يميلون إلى التسلط والسيطرة لا إلى خدمة الشعب وبنيان البلد. فإذ تتقسى قلوب الشعب ببعدهم عن الله واهب اللطف والصلاح يسمح لهم بقيادات عنيفة، حتى كما يفعلون يُفعل بهم. عندما يتقسى قلبنا الداخلي نحو الغير لا نتوقع إلاَّ أن يُكال لنا من ذات الكيل الذي به نكيل للغير، لذا يسمح لنا أن نسقط تحت قيادات عنيفة. هذا ما يحدث حتى في حياتنا اليومية في العمل والأسرية وحياتنا الشخصية... فإن من يقسو على والديه نجد جسده عنيفًا في حربه الشهوانية ضد النفس. ما نزرعه للغير إنما نحصده في حياتنا الشخصية. رابعًا: المعاناة من حالة جفاف، "وتنشف المياه من البحر ويجف النهر وييبس، وتنتن الأنهار وتضعف وتجف سواقي مصر ويتلف القصب والأسل... والصيادون يئنون وكل الذين يلقون شصًا في النيل ينوحون... ويخزى الذين يعملون الكتان المُمشط والذين يحيكون الانسجة البيضاء، وتكون عمدها مسحوقة وكل العاملين بالأجرة مكتئبي النفس" [5-10]. كأن الشر يحمل ثمرة المرّ حتى في حياة الإنسان اليومية واحتياجاته الضرورية، إذ يجف نهر النيل [لا يزال يُدعى في كثير من بلدان الصعيد "البحر"] فلا يجد الناس ماءً للشرب وأيضًا للزراعة كما يفقد صيادو السمك عملهم لينوحوا بلا جدوى؛ ويؤثر ذلك على الصناعة والتجارة... فينسحق العظماء الذين هم عُمد مصر وتكتئب نفوس العبيد العاملين لدى الأغنياء. خلال الشر يدب الخراب والفساد في الموارد الطبيعية (المياه) والطاقات البشرية من كل الطبقات! يفقد الإنسان الماء الذي يروي نفسه، والسمك الذي يشبعه داخليًا، وثياب الكتان التي تستر أعماقه، وسلامه الداخلي؛ وهكذا يُعاني من العطش والجوع والعري والخزي! خامسًا: فقدان الحكماء والمشيرين، فلا يُعاني الإنسان فقط من حالة حرمان مادي وإنما من معينين حكماء يسندونه وسط ضيقه. لذا قيل: "إن رؤساء صُوعن أغبياء، حكماء مشيري فرعون مشورتهم بهيمية. كيف تقولون لفرعون أنا ابن حكماء ابن ملوك قدماء، فأين هم حكماؤك فليخبروك ليعرفوا ماذا قضى به رب الجنود على مصر" [11-12]. عوض الحكمة التي عرفت بها مصر حلت الغباوة حتى في صُوعن، عاصمة شمال مصر القديمة. لقد قيل: "وفاقت حكمة سليمان حكمة جميع بني المشرق وكل حكمة مصر" (1 مل 4: 30)... لكن هذه الحكمة تزول باعتزال الإنسان إلهه مصدر الحكمة، لذا يقدم الحكماء مشيرو فرعون مشورة بهيمية، أي أفكارًا جسدانية (1 كو 2). أما علامة حرمانهم من الحكمة، فهي عجز الحكماء عن إدراك خطة الله رب الجنود من جهة مصر (إش 18: 12)؛ فكيف يثق شعب الله إذن في مشورة فرعون الخاصة بالتحالف معًا ضد آشور؟! "رؤساء نوف انخدعوا وأضل مصر وجوه أسباطها" [13]. هذه كارثة مصر أنها قبلت الضلالة على أنها حكمة، فقد أنخدع رؤساء عاصمة مصر العليا (جنوبي مصر) منوف (ممفيس) بواسطة الحكماء الشرفاء، الذين يقابلون الأنبياء الكذبة المنافقين الذين كثيرًا ما تحدث عنهم إرميا النبي. سادسًا: فقدان الوعي والدخول في حالة سكر؛ "مزج الرب في وسطها روح غىّ فأضلوا مصر في كل عملها كترنح السكران في قيئه" [14]. لما كانت الخطية مُسكرة تُفقد الإنسان وعيه وهدفه في الحياة لهذا متى شرب كأسها يسمح الله أن يحل به روح الضلال ليترنح كالسكران بلا هدف. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). لا يكون له عمل جاد لبنائه وبناء الغير، سواء كان عظيمًا أو محتقرًا، نخلة أو أسلة (حلفاء). وهذا هو أخطر ما يصل إليه الإنسان، إذ يفقد بذلك كيانه الإنساني ليعيش أشبه بميت، لا طعم للحياة عنده. سابعًا: الارتباك بحالة من الخوف، "في ذلك اليوم تكون مصر كالنساء فترتعد وترجف من هزة يد رب الجنود الذي يقضي به عليها" [16]. فرعون الذي يُحسب نفسه منقذًا لإسرائيل ويهوذا من يد آشور في عجرفة وكبرياء يرتعب هو ورجاله ويصيرون كالنساء أمام رب الجنود وأمام يهوذا [17]. كأن الرب يشجع يهوذا ألا يرتعب من كلمات فرعون ولا يدخل معه في تحالف كما في إسرائيل وآرام، فإن فرعون نفسه يرتعب لا أمام آشور بل أمام يهوذا نفسه. 3. إقامة مذبح للرب: بعد أن كشف الله عن جراحات مصر وما فعلته الخطية بها من فقدان للوحدة الداخلية والحكمة الحقة مع معاناة من قسوة الحاكم وقسوة الطبيعة (الجفاف) وارتباك في اقتصادياتها (الزراعة والصناعة) وعجز في الطاقات البشرية القيادية بل ودخول في حالة من اللاوعي والسكر مع الخوف والارتباك حتى أمام يهوذا المملكة الصغيرة، فإن الله يتدخل ليشفي جراحاتها ويخلصها، مقدمًا لها البركات التالية: أ. لغة جديدة: "في ذلك اليوم يكون في أرض مصر خمس مدن تتكلم بلغة كنعان وتحلف لرب الجنود يقال لإحداها مدينة الشمس" [18]. ما هذه المدن الخمسة إلاَّ حواس المؤمن؛ فإذ يُقبل الأمم على الإيمان بالسيد المسيح يسلمون الحواس الخمس في يديه لتقديسها لتتكلم بلغة الروح عوض لغة الجسد، فيقال لها كما قيل لبطرس الرسول: "لغتك تظهرك" (مت 26: 73؛ مر 14: 70). يرتفع قلب المؤمن إلى كنعان السماوية ليس فقط أثناء اشتراكه في سر الأفخارستيا وكل الليتورجيات الكنسية الحّية، وإنما أيضًا أثناء عبادته الخاصة، بل وفي خلال حياته اليومية حتى في لحظات أكله وشربه ونومه. هذا هو عمل روح الله القدوس في حياتنا يحملنا إلى السماء لنختبرها في أعماقنا وتصير لغتنا كنعانية أي سماوية، لغة الحب والفرح الداخلي. نشارك السمائيين ليتروجياتهم وفرحهم الدائم، ولا نكون شعبًا "غامض اللغة" (حز 3: 5). ب. القسم باسم رب الجنود؛ ماذا يعني: "تحلف لرب الجنود" [18]؟ كان القسم دليل الثقة والإيمان بمن يقسم الإنسان باسمه؛ فعوض القسم بالآلهه الوثنية يقبل الأمم - وعلى رأسهم مصر - الإيمان برب الجنود ويتمسك المصريون باسمه، حاسبين ذلك سرّ قوتهم. ج. دعوة إحدى المدن "مدينة شمس" [8]، يقصد بها "هليوبوليس" التي كانت مركزًا لعبادة الشمس، فقد تحولت عن العبادة للشمس المادية إلى العبادة لشمس البر الذي يشرق على الجالسين في الظلمة. جاءت في الترجمة السبعينية "المدينة البارة" إذ تحمل برّ المسيح فينا. د. إقامة مذبح للرب: "في ذلك الوقت يكون مذبح للرب في وسط أرض مصر وعمود للرب عند تخمها" [19]. يقصد بهذا مذبح كنيسة العهد الجديد، إذ كان مذبح العهد القديم في أورشليم ولا يجوز تقديم ذبائح للرب خارجها. لقد عبرت العائلة المقدسة إلى صعيد مصر واختفت حوالي ستة شهور في الموضع الذي أقيم عليه الآن دير العذراء الشهير بالمحرق، وهو يعتبر في وسط مصر، فيه أُقيمت كنيسة للرب وتقدم عليه ذبيحة الأفخارستيا، التي هي تمتع بذبيحة الصليب عينها. أما العمود الذي في تخمها فهو القديس مارمرقس الرسول الذي جاء إلى الإسكندرية (على تخم مصر) يكرز بالإنجيل، ويُقيم مذبح كنيسة العهد الجديد، لكي يتمتع المصريون بالخلاص من عدو الخير مضايقهم، ويكون الرب نفسه محاميًا وشفيعًا ومنقذًا لهم [20]. ه. المعرفة الروحية: "فيُعرف الرب في مصر، ويعرف المصريون الرب في ذلك اليوم" [21]. اهتم الصريون بالمعرفة الروحية، واقيمت مدرسة الإسكندرية لهذه الغاية، نشر معرفة الرب لا خلال أفكار عقلانية مجردة، وإنما خلال حياة تعبدية نسكية وخبرة شركة مع الله الآب في ابنه يسوع المسيح بروحه القدوس. امتزجت المعرفة بالعبادة، إذ يكمل النبي: "ويقدمون ذبيحة وتقدمة وينذرون للرب نذرًا ويوفون به " [21]. لعل أروع من كتب عن ارتباط المعرفة بالعبادة كما بالسلوك الإنجيلي في الحياة اليومية هو القديس إكليمندس الاسكندري، إذ جاء هذا الفكر خطًا ذهبيًا في كل كتاباته[240]. فمن كلماته عن المعرفة (الغنوسية): [هذه هي العلامات التي تميز غنوسيتنا: أولاً التأمل، ثم تنفيذ الوصايا، وأخيرًا تعليم الصالحين. متى وُجدت هذه السمات في إنسان ما يُحسب غنوسيًا كاملاً. إذ فقد الإنسان إحدى هذه السمات تعطلت غنوسيته[241]]. و. شفاء داخلي: "ويضرب الرب مصر ضاربًا فشافيًا فيرجعون إلى الرب فيستجيب لهم ويشفيهم" [22]. يسمح الله بضربها أي بتأديبها عن الضعف الذي فيها لكي تكتشف ذاتها وتدرك حاجتها إلى المخلص، فترجع إليه لتجده الطبيب القادر وحده أن يشفي جراحات النفس ويرد لها سلامها... جاء مسيحنا طبيبًا ودواءً في نفس الوقت: * مبارك هو "الطبيب" الذي نزل وبتر بغير ألم، شفى جراحاتنا بداء غير مرير، فقد أظهر ابنه "دواء" يشفي الخطاة! القديس مار إفرآم السرياني[242] جاء الرب إلى مصر وضرب أوثانها ليجد المصريون فيه وحدة سر شفائهم. ز. إذ كان الصراع العالمي في ذلك الحين قائم بين آشور ومصر، وكانت الدول الأخرى من بينها إسرائيل ضحية هذا الصراع، فإن مجيء رب المجد يسوع يُعطي للكل سلامًا، ويشعر الكل - في المسيح يسوع - أن الأرض للرب ولمسيحه، وليست مركزًا للنزاع، ويشترك الكل معًا في العبادة. في تصوير رائع لهذا السلام يقول النبي: "في ذلك اليوم تكون سكة من مصر إلى آشور فيجىء الآشوريون إلى مصر والمصريون إلى آشور، ويعبد المصريون مع الآشوريون. في ذلك اليوم يكون إسرائيل ثلثا لمصر ولآشور بركة في الأرض، بها يبارك رب الجنود قائلاً: مبارك شعبي مصر وعمل يدي آشور وميراثي إسرائيل" [24]. ماذا يعني "في ذلك اليوم" التي تكررت حوالي خمس مرات في الأعداد [18-25]، إلاَّ ملء الزمان الذي فيه جاء السيد المسيح ليحقق لنا هذه البركات، جاء بكونه "الطريق" الذي فيه تجتمع الأمم لتتمتع بروح الوحدة الروحية وفيض البركة. ماذا يعني اجتماع مصر وآشور وإسرائيل معًا في التمتع بالبركة الإلهية والميراث الأبدي؟ أنها صورة رمزية للكنيسة الجامعة التي ضمت الأعداء معًا بروح الحب والوحدة. لقد كانت إسرائيل في ذلك الحين في صراع بين التحالف مع مصر أو آشور القوتين العالميتين المتضادتين في ذلك الحين. لكن مجيء السيد المسيح عالج المشكلة إذ صار الكل أعضاء في كنيسة واحدة تتمتع بالعمل الإلهي، فدعى المصريون شعب الله، وآشور عمل يديه، وإسرائيل ميراثه. |
||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
تفسير رسالة بطرس الثانية كتابيا |
تفسير انحيل متى كتابيا |
تفسير سفر اعمال الرسل كتابيا |
تفسير رسالة كورنثوس الاولى كتابيا |
تفسير سفر استير كتابيا "للقمص تادرس يعقوب ملطى" |