منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 24 - 01 - 2025, 03:52 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,293,420

الجسد في الخدمة




الجسد في الخدمة


في سفر التكوين أصحاح 3 حدثت ما يمكن أن نطلق عليها أكبر كارثة إنسانية في تاريخ البشرية. فقد كسر الإنسان الوصية الوحيدة التي كان خالقه العظيم قد أعطاه إياها. فقد كان الله قد أوصى آدم في أصحاح 2 قائلاً: «مِنْ جَمِيعِ شَجَرِ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ أَكْلاً وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتاً تَمُوتُ».

لكن للأسف الشديد عصى المخلوق خالقه، وقرَّر بإرادته الحرة التي منحها له الله أن يكسر الوصية التي كان في طاعته لها إعلان عن خضوعه وتبعيته لإلهه. ويخبرنا الرسول بولس في رسالة رومية الأصحاح الخامس، أنه من هذه اللحظة انفصل الإنسان عن إلهه ومصدر وجوده، وأصبح في حالة موت أدبي فيقول: «مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَم،ِ وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ؛ وَهَكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ». هذا الكيان الذي تشوَّه بسبب الخطية، والذي صار في حالة انفصال عن الله، هو ما تُطلق عليه كلمة الله ”الجسد“.

وفي الأصل اليوناني توجد كلمتان تترجمان ”الجسد“، وهما: ”اللحم والعظام soma“, و”الطبيعة الساقطة sarx“. ولا نجد في كل الكتاب أي تحريض على قهر الجسد الطبيعي soma, أو إذلاله. بل على العكس تحرضنا كلمة الله على الاعتناء به، فيقول الرسول بولس: «فَإِنَّهُ لَمْ يُبْغِضْ أَحَدٌ جَسَدَهُ قَطُّ بَلْ يَقُوتُهُ وَيُرَبِّيهِ» (أف5: 29).

أما الـ sarx، أو الجسد، فنجد الكثير من التحريضات على السيطرة عليه وإماتة أعضائه «فَأَمِيتُوا أعْضَاءَكُمُ الَّتِي عَلَى الأَرْضِ: الزِّنَا، النَّجَاسَةَ، الْهَوَى، الشَّهْوَةَ الرَّدِيَّةَ، الطَّمَعَ الَّذِي هُوَ عِبَادَةُ الأَوْثَانِ». ويقول أيضًا في رومية 8: 13 «لأَنَّهُ إِنْ عِشْتُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ فَسَتَمُوتُونَ، وَلَكِنْ إِنْ كُنْتُمْ بِالرُّوحِ تُمِيتُونَ أَعْمَالَ الْجَسَدِ فَسَتَحْيَوْنَ». ويؤكد الكتاب أن هذا الكيان الفاسد قد دِين من الله (رو8: 3)، وأن اهتمامه هو عداوة لله، ولا يستطيع أن يخضع لناموس الله، ثم يقرر أن «الَّذِينَ هُمْ فِي الْجَسَدِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُرْضُوا اللهَ » (رو8: 8).

وعندما يتغيَّر الإنسان، وينال الحياة الأبدية بالتوبة والإيمان القلبي بالرب يسوع، يسكن فيه روح الله، وينال طبيعة جديدة هي ذات حياة الله، ويصبح خليقة جديدة في المسيح (2كو 5: 17). لكن هذا لا يعني أبدًا نهاية الجسد في المؤمن، بل أن هذا الكيان الساقط يظل في المؤمن، وينشأ داخله صراع شديد «لأَنَّ الْجَسَدَ يَشْتَهِي ضِدَّ الرُّوحِ وَالرُّوحُ ضِدَّ الْجَسَدِ، وَهَذَانِ يُقَاوِمُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، حَتَّى تَفْعَلُونَ مَا لاَ تُرِيدُونَ» (غل 5: 17)

لذلك من الواضح تمامًا أنه في خدمة الرب لا مجال للجسد على الإطلاق، لأن الله يبغض هذا الكيان الفاسد، وقد دانه في صليب المسيح. لهذا فإن خدمة الرب قاصرة تمامًا على المؤمنين أولاد الله الحقيقين الذين غُسّلوا بدم المسيح، ونالوا حياة الله. ولكن لأن الجسد – كما ذكرنا – ما زال موجودًا في المؤمن، فقد يكون واحدًا من أكبر المعوقات في خدمة الرب. بل إن الخدمة من الممكن أن تكون واحدة من أكثر المجالات التي يحاول فيها الجسد أن يظهر. لأن الإنسان من الممكن أن يحقق في الخدمة ما لم يستطع أن يحققه في العالم. وبينما هدف كل خدمة روحية هي: «إِنْ كَانَ يَخْدِمُ أَحَدٌ فَكَأَنَّهُ مِنْ قُوَّةٍ يَمْنَحُهَا اللهُ، لِكَيْ يَتَمَجَّدَ اللهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ» (1بط4: 11)، فإننا نجد أن الخدمة بالجسد تكون لها أهداف عكس ذلك تمامًا. وكما قال أحد رجال الله: ”إن كان عمل روح الله أن يُمجد الرب يسوع، «ذَاكَ يُمَجِّدُنِي لأَنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ» (يو16: 14)، فإن عمل الجسد أن يُمجد الإنسان ويحوِّل الأنظار للشخص نفسه“.

وفي الكتاب المقدس نجد أمثلة للخدمة بالجسد، فيحدثنا الرسول بولس عن قَوْمٌ عَنْ حَسَدٍ وَخِصَامٍ يَكْرِزُونَ بِالْمَسِيحِ»، وأيضًا «عَنْ تَحَزُّبٍ يُنَادُونَ بِالْمَسِيحِ لاَ عَنْ إِخْلاَصٍ، ظَانِّينَ أَنَّهُمْ يُضِيفُونَ إِلَى وُثُقِي ضِيقاً» (في1: 15، 16). ويا للعجب أن تكون الكرازة بالرب يسوع وسيلة لمضايقة شخص عظيم مثل الرسول بولس! ولكن هذا هو الجسد في فساده وشره.

أيضًا يحدثنا الرسول يوحنا في الرسالة الثالثة عن شخص يدعى ”ديوتريفس“ كان ينتسب للكنيسة ولكنه كان «يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ الأَّوَلَ بَيْنَهُمْ»، وكان لا يقبل الرسول، ويهذرعليه بأقوال خبيثة. بل يقول الرسول أيضًا إنه كان «لاَ يَقْبَلُ الإِخْوَةَ، وَيَمْنَعُ أَيْضاً الَّذِينَ يُرِيدُونَ، وَيَطْرُدُهُمْ مِنَ الْكَنِيسَةِ». فمن أجل الرغبة الشريرة أن يكون الأول في جماعة الله، ارتكب كل هذه الشرور الواضحة.

والمؤمنون في كورنثوس، بالرغم من أنهم كانوا «قد استغنوا في كل كلمة، وكل علم»، ولم «يكونوا ناقصين في موهبة ما»؛ إلا أن أعمال الجسد كانت ظاهرة بينهم، من تحزب، وخصومات. وقد وبّخهم الرسول بولس صراحة قائلاً: «لأَنَّهُ مَتَى قَالَ وَاحِدٌ: أَنَا لِبُولُسَ، وَآخَرُ: أَنَا لأَبُلُّوسَ؛ أَفَلَسْتُمْ جَسَدِيِّينَ؟». وبالرغم من كثرة المواهب التي كانت في هذه الكنيسة، لكن لأنهم كانوا جسديين فما أكثر المشاكل التي نجدها، ويعالجها الروح القدس في الرسالتين الأولى والثانية. فنجد إنتفاخًا من الواحد على الآخر (1كو4: 6). أيضًا نجد بينهم خطية زنا رهيبة مسكوت عنها، لم يخضع مرتكبها للتأديب الكنسي الواجب (1كو5: 1،2). كذلك في خلافاتهم كانوا يلجأون إلى المحاكم العالمية دون أن يكون بينهم حكيم يقدر أن يقضي بين إخوته «لَكِنَّ الأَخَ يُحَاكِمُ الأَخَ وَذَلِكَ عِنْدَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ». وقد أوصلهم السلوك بالجسد إلى الإستهانة بعشاء الرب (1كو11: 21-23)، مما عرّضهم لتأديب من الرب (1كو11: 30،31).

وكل خادم حقيقي للرب لا بد أن يكون قد اختبر الآثار المدمرة لظهور الجسد في الخدمة. فكم من خصومات حدثت بين إخوة يخدمون معًا بسبب التشبث بالرأي وعدم الخضوع لرأي الجماعة، بل قد تظهر الغيرة والحسد. والكارثة أن هذه الصفات تحاول أن تتخذ مظهرًا روحيًا، ودوافع روحية. فنجد أن الأخ يتكلم بالسوء على غيره، ويزعم أنه يقول هذا بدافع الخوف على عمل الرب. وإذا كانت هذه الأشياء طبيعية جدًا في العالم بين الأشرار, فلا يجب أبدًا أن تكون هكذا في كنيسة الله، وفي أقدس عمل في الكون: خدمة الرب.

لذلك أعتقد أن الخادم الحقيقي عليه أن يتحذر بشدة من الجسد وأعماله، ومحاولاته للظهور بكل الوسائل في خدمة الرب. فيجب عليه أن يفحص دوافعه وراء كل عمل، إن كان غرضه مجده الشخصي أم مجد الرب. فإن الخادم الحقيقي شعاره هو الرب أولاً، إخوتي ثانيًا، ولا وجود لذاتي في خدمة الرب.

وأعتقد أن أي مؤمن حقيقي لديه كل الأسلحة اللازمة التي يستطيع بها أن يفضح الجسد وأعماله، ويُخفيه من كل حياته وليس فقط من خدمته. فالمؤمن التقي الذي فيه روح الله غير محزون، يستطيع أن يُميت بالروح أعمال الجسد. لذلك على قدر ما كان روح الله يمتلك المؤمن، على قدر ما تختفي أعمال الجسد من حياته وخدمته، والعكس صحيح. أيضًا في محضر الله، ومن خلال الانكسار والاتضاع أمام الرب، وفحص الدوافع في محضره، يمكن أن تُنقّى الخدمة لكي تكون خدمة روحية مثمرة لمجد الله.

وبكل يقين ستظل أعظم وسائل النمو الروحي، والسلوك بالروح هي التغذي على حياة ربنا الحبيب يسوع، الذي كان بحقّ قربان الدقيق الأبيض الناصع الذي لم تكن فيه ذرة فساد واحدة، ولم يكن فيه أي صراع بين طبيعتين، لأنه القدوس منذ ولادته، وكانت حياته بالكامل من أجل مجد الله ولخير الإنسان. فلم يعش لحظة واحدة لأجل نفسه، بل قال صادقًا: «طَعَامِي أَنْ أَعْمَلَ مَشِيئَةَ الَّذِي أَرْسَلَنِي وَأُتَمِّمَ عَمَلَهُ». وكان شعاره حقًا في خدمته: «ابْنَ الإِنْسَانِ أَيْضاً لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ». ويا لروعة ما أثمرته هذه الحياة الرائعة! فقد مجَّد سيدُنا اللهَ للنهاية، واستطاع أن يرفع عينيه للسماء ويقول للآب: «أَنَا مَجَّدْتُكَ عَلَى الأَرْضِ» (يو17: 4). وأما بالنسبة للإنسان فلم ولن يوجد من خدمه كما فعل ربنا الحبيب. ففي حياته القصيرة - تبارك اسمه - لم يكن له مثيل في حنانه ومحبته لكل إنسان. فكل من تقابل معه وجد فيه الشفاء لأمراضه الجسدية، والعلاج لآلامه النفسية. حتى إنّ التهمة التي اتهمه بها الكتبة والفريسيون هي أنه «يَقْبَلُ خُطَاةً وَيَأْكُلُ مَعَهُمْ». فكان جوابه عليهم بالمثل الرائع عن الخروف الضال، والدرهم المفقود، والابن الضال، وكأنه يقول لهم: ”أنا لا أقبل خطاة وآكل معهم فقط، بل أنا أذهب وراء الضال وأبحث عنه حتى أجده“. فما أروعه من مثال يحتذى به! وما أمجدها حياة اشتمها الله فعلاً رائحة سرور!



رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
كل ما يصدر من الجسد، سواء في السلوك أو الخدمة
إن كثيرين اليوم، بكل أسف، في ميدان الخدمة يعتمدون على الجسد
الحسد الذي يجعلنا نُقلِّل من قيمة الخدمة التي قُسِمت لنا
هناك ثلاثة أخطار تهدد أعضاء الجسد (الخدمة)
نتعلم في الخدمة من النظام والدقة أجهزة الجسد البشري


الساعة الآن 05:34 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025