![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
![]() قَدِّسُوا الرَّبَّ الإِلهَ فِي قُلُوبِكُمْ «قَدِّسُوا الرَّبَّ الإِلهَ فِي قُلُوبِكُمْ، مُسْتَعِدِّينَ دَائِمًا لِمُجَاوَبَةِ كُلِّ مَنْ يَسْأَلُكُمْ عَنْ سَبَبِ الرَّجَاءِ الَّذِي فِيكُمْ، بِوَدَاعَةٍ وَخَوْفٍ» (1بط3: 15) كلمات واضحة صريحة قصد الروح القدس أن يكتبها لنا في رسالة بطرس الرسول الأولى، حتى نتيقظ ونسهر على قلوبنا، ولا نتجاهل أمر القداسة، الذي هو بمثابة المفتاح للتمتع بالبركات السَّماوية التي صارت لنا بموت المسيح وقيامته، لكننا كثيرًا ما نحرم أنفسنا منها ومن التمتع بها، حينما نتهاون في حياة القداسة، ونتراخى في السهر على حالتنا. والجدير بالذكر هنا أن الرسول بطرس يتحدث عن القداسة في أثناء حديثه عن الألم والاضطهاد والخوف. ففي الآيتين اللتين سبقتا هذه الآية قال: «فَمَنْ يُؤْذِيكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُتَمَثِّلِينَ بِالْخَيْرِ؟ وَلكِنْ وَإِنْ تَأَلَّمْتُمْ مِنْ أَجْلِ الْبِرِّ، فَطُوبَاكُمْ. وَأَمَّا خَوْفَهُمْ فَلاَ تَخَافُوهُ وَلاَ تَضْطَرِبُوا». فالروح القدس قصد أن يؤكد لنا أن الظروف ليست هي العائق أمام القداسة، والاضطهاد ليس هو السبب في الفشل الذي نعانيه أمام القداسة العملية، ولا الخوف هو الذي يجعلنا نتراخى ونتهاون في طهارة ونقاوة قلوبنا، وأكبر دليل على ذلك أن يوسف لم تمنعه الظروف الصعبة من أن يعيش مُقدّسًا للرب، ودانيال لم يمنعه الاضطهاد من أن يحيا في قداسة حقيقية أمام إلهه، والتلاميذ في سفر الأعمال لم يمنعهم الخوف من أن يُقدّسوا الرب الإله في قلوبهم. الروح القدس هنا أراد أن يكشف لنا واحدة من أكثر خدع الشيطان الماكر الكذاب شيوعًا، وهي أن الظروف الصعبة والضيقات تقف عائقًا أمام قداستنا. الأمر الثاني الجدير بالملاحظة هنا هو أن الرسول بطرس يبدأ حديثه في هذا الأصحاح عن البيت المسيحي، وعن خضوع الزوجة لزوجها، وإكرام الزوج لزوجته، ثم يستطرد متحدثًا عن القداسة. وهذا إن دل على شيء فهو يدل على أنه لا تعارض بين القداسة والزواج، لأن البعض - ربما تأثرًا بفلسفات بشرية قاصرة أو أفكار شيطانية كاذبة - لديهم قناعة أن الزواج يجعلنا أقل قداسة من غير المتزوجين، وأن الزواج هو أحد أسباب الفشل وعدم النجاح في حياة القداسة! تأتي هذه الكلمات كأبلغ رد على هؤلاء الذين يعتقدون أن الزواج يُقلل من القداسة. «قَدِّسُوا الرَّبَّ الإِلهَ فِي قُلُوبِكُمْ» ... يقتبس الرسول بطرس هذه الكلمات من الآية المذكورة في سفر إشعياء والأصحاح الثامن: «قَدِّسُوا رَبَّ الْجُنُودِ فَهُوَ خَوْفُكُمْ وَهُوَ رَهْبَتُكُمْ» (إش8: 13). «قَدِّسُوا» ... المقصود بها هنا: المخافة والتقدير والاحترام. فلكي نُقدّس الرب في قلوبنا، علينا أن نضعه نصب أعيننا في كل وقت، وكل موقف نتعرض له، أي أن خوف الله يملأ قلوبنا، وتقديرنا له يظهر في كل تصرف، وفي كل كلمة تخرج من أفواهنا، كما أوصى بولس الرسول المؤمنين في كنيسة أفسس: «لاَ تَخْرُجْ كَلِمَةٌ رَدِيَّةٌ مِنْ أَفْوَاهِكُمْ» (أف4: 29)، وهذا لا يأتي إلا نتيجة المكوث في حضرته، والتمتع بحياة الشركة الحقيقية معه. «فِي قُلُوبِكُمْ» ... أما عن القلب فالسؤال الذي يطرح نفسه: ماذا يقصد الروح القدس هنا بكلمة القلب؟ هل يقصد العواطف، أم الفكر، أم الكلام، أم التصرف والسلوك؟ إنه يقصد بالقلب كل هذا؛ فالقلب - في كلمة الله - يشير إلى كل الكيان البشري. فمثلاً في متى15: 19 يقول الرب: «مِنَ الْقَلْب تَخْرُجُ أَفْكَارٌ شِرِّيرَةٌ». ونفهم من هذا أن الرب كان يقصد هنا عقل الإنسان وذهنه لأنه مصدر الأفكار، وقد قصد بالقلب أن يشير إلى مركز الفكر البشري. كما يذكر الحكيم: «حَكِيمُ الْقَلْبِ يُدْعَى فَهِيمًا» (أم16: 21). هنا أيضًا يذكر القلب ويُشير به للفهم والحكمة، أي أن القلب هنا يشير للفكر. لكنه في مواضع أخرى قصد الروح القدس بالقلب الإشارة للسلوك فمثلاً يقول المرنم: «بِالْقَلْبِ تَعْمَلُونَ شُرُورًا» (مز58: 2). فالقلب هنا هو مصدر السلوك والعمل، كذلك قول الكتاب: «اَلْقَلْبُ الْفَرْحَانُ يَجْعَلُ الْوَجْهَ طَلِقًا» (أم15: 13). فتوَّجه القلب هنا يؤثر على شكل الوجه وصورته، كذلك القول «وَكُلُّ مَا فَعَلْتُمْ، فَاعْمَلُوا مِنَ الْقَلْبِ» (كو3: 23). ومما سبق نفهم أن القول: «قَدِّسُوا الرَّبَّ الإِلهَ فِي قُلُوبِكُمْ» معناه أن نُقدّسه ونخافه ونُقدِّره في أفكارنا ومشاعرنا وسلوكنا، في توجهات الفكر وأسلوب التصرف، في الأفكار والكلمات والأفعال، في الخفاء والعلن، في البيت والشارع والعمل، في الخدمة ووسط المخدومين، مع الزوجة والأولاد والأقارب والجيران، ينطبع خوف الله الذي يملأ قلوبنا على سلوكنا وتصرفاتنا، وتُترجم مخافتنا له في كل قول وفعل. «مُسْتَعِدِّينَ دَائِمًا لِمُجَاوَبَةِ كُلِّ مَنْ يَسْأَلُكُمْ عَنْ سَبَبِ الرَّجَاءِ الَّذِي فِيكُمْ، بِوَدَاعَةٍ وَخَوْفٍ»... ليس المقصود هنا أن نحاول لفت انتباه الناس مِن حولنا ببعض التصرفات والسلوكيات التي تبدو روحية، حتى يسألوننا عن سبب الرجاء الذي فينا، لأننا بهذا سنصبح مثل الكتبة الذين «يَرْغَبُونَ الْمَشْيَ بِالطَّيَالِسَةِ، وَالتَّحِيَّاتِ فِي الأَسْوَاقِ، وَالْمَجَالِسَ الأُولَى فِي الْمَجَامِعِ، وَالْمُتَّكَآتِ الأُولَى فِي الْوَلاَئِمِ. الَّذِينَ يَأْكُلُونَ بُيُوتَ الأَرَامِلِ، وَلِعِلَّةٍ يُطِيلُونَ الصَّلَوَاتِ» (مر12: 38-40)، وقد حذر الرب تلاميذه من هذه السلوكيات الخاطئة؛ لكن المقصود هنا هو أن يأتي سؤال الناس لنا كنتيجة لحياة القداسة التي يلاحظونها في تفكيرنا وكلامنا وتصرفاتنا، فلا بد للناس أن تلاحظ الاختلاف الشديد والتباين الواضح بيننا وبين جميع من هم حولنا، بسبب مخافة الله التي تملأ قلوبنا، مما يجعلهم لا يحتملون السكوت فيأتون إلينا ويسألوننا عن السبب. إننا لا نقصد لفت انتباههم لكننا نحمل في قلوبنا مخافة الله، ونُقدّسه في كل تصرف، فتكون النتيجة الطبيعية أن يسألنا الناس عن السبب. فكيف لا يسألوننا وهم يلاحظون الصدق الخالص في عالم تملؤه الأكاذيب والضلالات، والأمانة الشديدة في عالم يملؤه الخداع والمكر، يلاحظون محبتنا الباذلة المضحية في عالم ينادي بالكراهية وحب الذات والتعصب الأعمى، حتمًا سيسألوننا. قارئي العزيز: ربما تكون إحدى مؤشرات القداسة أن يقترب منك بعض مِمَن تتعامل معهم ويسألونك عن سبب السلام الذي يملأ قلبك رغم المخاوف، وعن سر الابتسامة التي تعلو وجهك رغم الظروف التي تمر بها، ويستفسرون عن سر الهدوء والطمأنينة التي تتصرف بها رغم ما تلقاه من اضطهاد ومتاعب شتى، وربما يتعجبون من الحب الصادق الذي يملأ قلبك من نحوهم رغم ما يُظهرونه لك من تعنت وتعصب ومضايقات. هل حدث معك ذلك يومًا ما؟ هل مخافة الله تملأ قلبك وتترك أثرًا واضحًا في سلوكك أمام الناس؟ هل حياة القداسة تملأ أعماقك وتبدو واضحة في جوانب حياتك دون أن تفتعلها أو تحاول إظهارها عن عمد؟ ألا تشتاق لهذه الحياة التي تشبع قلب الله وتُثير التساؤلات في قلوب الناس؟ إذًا فلا سبيل أمامنا إلا أن نُقَدِّسُ الرَّبَّ الإِلهَ فِي قُلُوبِنا، مُسْتَعِدِّينَ دَائِمًا لِمُجَاوَبَةِ كُلِّ مَنْ يَسْأَلُنا عَنْ سَبَبِ الرَّجَاءِ الَّذِي فِينا، بِوَدَاعَةٍ وَخَوْفٍ. |
![]() |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|